الإستبصار - المقدمة

الإستبصار - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٥

١
٢

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

مرت بي حقبة من الزمن غير قصيرة وأنا لا أزال أغدو وأروح وفي هواجس ضميري حب القيام بخدمة دينية اجتماعية تبقى مع الدهر ، وتذكر فتشكر ، غير أن الامل رغم شوقي المؤكد إليه لم يتحقق ، والأمنية الكريمة تحول بيني وبينها صروف الزمن  ـ والأمور كما قيل مرهونة بأوقاتها ـ إلى أن ساعدني الحظ ـ وما توفيقي إلا بالله ـ ووجهني إلى حركة علمية ناجعة باحياء تراثنا العلمي ، أو قل : آثارنا ومآثرنا ، تآليف سلفنا الصالح من أعلام الدين وأساطين العلم والفضيلة ، المضاعة بين مطبوع غير رائع الجمال ، وبين مطموس في زوايا النسيان ، فجريت ردف شقيقي الفاضل الحاج شيخ محمد الآخوندي بطهران ، ونبهني حسن اختياره طبع أحد الكتب الأربعة عمد المراجع والمسانيد لدى الطائفة ، أعني كتاب الكافي ، الوافي ، لثقة الاسلام الكليني قدس الله سره فعزمت ـ بحول الله وطوله ـ على طبع ثاني الكتب الأربعة بصورة رائعة ، وحلة قشيبة ، وتنسيق جميل ، وورق جيد ، وتصحيح يعتنى به. ألا وهو كتاب ( الاستبصار فيما اختلف من الاخبار ) تأليف شيخ الطائفة ، فقيه الشيعة الأكبر ، أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي طيب الله رمسه.

ومما حدانا إلى طبع هذا السفر القيم ، وأمكننا من اخراجه إلى الملا العلمي بصورة جميلة بهية ، وقوفنا على عدة نسخ منه مخطوطة قيمة ألا وهي :

٣

١ ـ نسخة عتيقة جيدة جدا مقروة على أكبر مشائخ الحديث شيخنا الحجة المجلسي قدس‌سره ، مؤلف الكتاب القيم الضخم الفخم دائرة المعارف ( بحار الأنوار ) وفي آخرها سماع شيخنا المجلسي بخط يده قراءة هذا الجزء من الكتاب قرأه عليه أحد تلامذته العلامة الأمير محمد المازندراني ، وله منه هناك إجازة أرخها بشهر شعبان المعظم من شهور سنة تسعين بعد الألف الهجرية. وخط النسخة يقارب خط الإجازة وأول النسخة مزدان بخط السيد الأمير محمد المذكور.

وهذا النسخة من نفائس تحويها ( مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ) العامرة ، المؤسسة منذ عامين بهمة شيخنا المجاهد الحجة الأميني حياه الله.

ولنا أن نعد هذه الفكرة الصالحة : طبع هذا الكتاب القيم ( الاستبصار ) وما سنباشر طبعه من الكتب النادرة إنشاء الله تعالى من حسنات هذه المكتبة ومن نتاجها الناجع ، إذ أهم النسخ من خزانتها ، والناشر والجنة الواقفة على تصحيحها من أعضاء الهيئة المديرة لها.

تقع النسخة المذكورة في ٢٢٢ صفحة ، عدد سطور كل صفحة ٢٧ سطرا ، طولها ٣٦ سم ، عرضها ٢٤ سم ، سمكها ٢ سم ، طول الكتابة فيها ٢٦ سم ، عرضها ١٥ سم ، ويرمز إليها ، ( ج ) وإلى القارئ الصورة الفتوغرافية لآخر صفحة منها حيث يجد سماع شيخنا الحجة المجلسي قدس‌سره.

٤

٥

٢ ـ نسخة خطية جيدة مجدولة بخطوط ذهبية معلمة أبوابها بالحمرة بقلم محمد بن محمود الأردكاني ، تاريخ نسخها يوم السبت ٢٧ ذي الحجة سنة ١٠٧٨ وعليها تعليقات مختصرة وحواش مفيدة لسيد الطائفة الحجة المحقق السيد محمد العاملي صاحب ( مدارك الأحكام ). تقع في ٥٦٨ صفحة ، عدد سطور كل صفحة ٢٦ سطرا ، طولها ٢٤ سم ، عرضها ١٥ سم ، سمكها ٢ سم ، طول الكتابة فيها ١٨ سم ، عرضها ٩ سم ، ويرمز إليها بـ ( د ) والنسخة عائدة لمكتبة سيدنا الحجة السيد محمد البغدادي والى القارئ الصورة الفتوغرافية لآخر صفحة منها.

٦

٧

٣ ـ نسخة خطية جيدة الخط مجدولة مذهبة معلمة أبوابها بالحمرة ، كتبت لشخصية كبيرة من رجالات الهند ، أثنى عليه الناسخ بقوله ( حسب الامر نواب مستطاب ، معلى ألقاب عالي حضرت ، نقابة منقبت ، المستفيض من مفاتيح فيض الآله ، محب أهل بيت رسول الله (ص) ، ملاذ الأكابر والأعاظم صاحبي ميرزائي ميرزا اقابيكا ).

وهي بخط علي رضا كتبها للنواب المذكور ، تاريخ الفراغ من الجزء الثاني منها يوم الاثنين ١٤ شهر رجب المرجب سنة ١٠٧٢ ، وتاريخ الفراغ من الجزء الثالث ٢٦ محرم.

تقع في ٨٤٢ صفحة ، عدد سطور كل صفحة ٢٣ سطرا ، طولها ٣٢ سم ، عرضها ١٩ سم ، سمكها ٤ سم ، طول الكتابة فيها ٢٣ سم ، عرضها ١٢ سم ، ويرمز إليها بـ ( ب ) والنسخة للناشر.

وإلى القارئ الصورة الفتوغرافية لآخر صفحة من الجزء الثاني وأول الجزء الثالث.

٤ ـ وكانت بين يدي المصححين النسخة المطبوعة في المطبعة الجعفرية بمحلة نخاس جديد للكهنو سنة ١٣٠٧ وعليها بعض التقييدات الإيضاحية. ولعلها النسخة التي أشار إليها البحاثة الكاتب الإيراني الأستاذ أبو القاسم سحاب في مؤلفه ( فرهنك خاور شناسان ) بما تعريبه ( ان المستشرق سپر نجر الانكليزي الذي هو من مشاهير الاعلام المستشرقين ، وله خدمات جليلة جديرة بالاكبار ، لما كان في الهند بحكم وظيفته من قبل حكومته ، تولى إدارة مدرسة دهلي ، وأهتم بنشر تآليف كثيرين من العلماء الأعلام في مطبعة كلكته ، بمساعدة رفيقيه المستشرق الانكليزي لومسدن والمستشرق الإيرلندي ليس ويليام ناسو ، ومنها هذا الكتاب العزيز.

وقد أعقدت اللجنة في تصحيح الكتاب وتخريج أحاديثه الاسفار الثلاث القيمة بقية الأصول الأربعة وهي.

٨

٩

١ ـ الكافي : لثقة الاسلام الكليني (قدس‌سره). وهو الذي لم يعمل مثله في الحديث. استغرق تأليفه عشرين عاما ، عدة أحاديثه ستة عشر الف ومائة وتسعة وتسعين حديثا. وهي تربو على ما في مجموع الصحاح الست لرجال المذاهب الأخرى طبعة طهران سنة ١٣١٢ ـ ١٣١٥ هـ.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه : للشيخ السعيد الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي (قدس‌سره) وعدد أحاديثه خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستون حديثا طبعة إيران سنة ١٣٠٧.

٣ ـ التهذيب للشيخ الطوسي (قدس‌سره) شرح فيه « المقنعة » لشيخه وأستاذه فقيه الأمة وزعيم الطائفة الشيخ المفيد طيب الله رمسه. وقيل بل أستاذه امره بتأليفه وهو أقدم مصنفاته وعدد أحاديثه ثلاثة عشر الف وخمسمائة وتسعين حديثا.

طبعة طهران سنة ١٣١٧ ولا يفوت القارئ أن في أرقام صفحات الجزء الأول منه اشتباه فليراجع من ص ٢٤٤ إلى آخر الكتاب وليصحح لتسهل عليه دلالة التخريج وفي الختام نقدم شكرنا المتواصل لجمع تصدى لتصحيح هذا الكتاب الكريم من أهل العلم ورواد الفضيلة ، ونخص بالذكر سماحة سيدنا الحجة السيد حسن الموسوي الخرسان دام تأييده ، ونقدر تلك الجهود الجبارة دون تصحيحه وتحقيقه وتخريج أحاديثه وشرح بعض ما يحتاج إليه.

وبمقارنة صفحة من هذه الطبعة مع أخرى من الطبعة السابقة يتبين صدق الدعوى والبرهان حيث يظهر للقارئ جليا ما عانته اللجنة في سبيل ذلك. نسأل الله تعالى الاجر الجميل للجميع.

النجف الأشرف

الشيخ علي الآخوندي

صاحب

( دار الكتب الاسلامية )

١٠

١١

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الأئمة الامناء واللعنة الدائمة على أعدائهم الألداء

ألف شيخ الطائفة الدهر كله كتابا واحدا في الثناء عليه ، فسرى ذكره مع مهب الريح يطوي المفاوز والحزوم ، فلا تجد صقعا إلا وفيه عبقة من فضله وألق من نبله ، ولا تمر آونة من الزمن إلا أوقفتك على مواطن عبقريته ونبوغه ، ودون ما هو فيه كلما في المعاجم والتراجم من جمل الاكبار والتبجيل ، غير أنه لا منتدح لنا من إيقافك على يسير مما هتف به العلماء من ألفاظ المدح والاطراء : قال شيخنا أبو العباس النجاشي في رجاله ، وهو أقدم من ترجم له ، لأنه معاصره : ـ ( جليل من أصحابنا ، ثقة ، عين ، من تلامذة شيخنا أبي عبد الله ).

وليس هذا كل حقيقة الشيخ عنده ، وإنما ذكر ما هو موضوع كتابه المقصور على ذكر حقائق الرجال من ناحية الرواية فحسب ، وإلا فهو كما في الوجيزة للعلامة المجلسي : ـ فضله وجلالته أشهر من أن يحتاج إلى البيان.

وقد أوعز إلى الحقيقة الراهنة آية الله العلامة الحلي في الخلاصة فقال : ـ شيخ الامامية ووجههم ، ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين ، صدوق عارف بالاخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه ، صنف في كل فنون الاسلام ، وهو المهذب للعقايد في الأصول والفروع ، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل ، وكان تلميذ الشيخ المفيد محمد بن محمد ابن النعمان.

١٢

ولقد اعطى النصفة حقها سيدنا آية الله بحر العلوم الطباطبائي ، ومن نص قوله في فوائده الرجالية : ـ شيخ الطائفة المحقة ورافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، وعماد الشيعة الإمامية في كل ما يتعلق بالمذهب والدين ، محقق الأصول والفروع ، ومهذب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق ، صنف في جميع علوم الاسلام ، وكان القدوة في كل ذلك والامام.

وهذا القول البليغ بما أنه من عظماء الشيعة ، في كبير من كبرائهم ، وكانت الحنكة والجدارة قد أهلتاه لكل ما يلفظ به من كلمة تامة ، وقعت عليه خيرة غير واحد من العلماء المترجمين ، فاكتفوا به في سرد فضائل الشيخ ، ولم ينبسوا فيه ببيت روضات الجنات ( ص ٥٨١ )

ويظهر لمن سبر كتاب الكنى والألقاب لشيخنا القمي ، أنه لا يفرغ في ترجمة شيخ الطائفة إلا عن لسانه ، ولم يستفد إلا بفضل بيانه.

وإن من أجلى الحقائق الناصعة أن مكانة الشيخ المعظم وثروته العلمية في غنى عن أي تشدق في البيان ، أو نقل لكلمات المترجمين فيه ، وإن المستشف لتاريخ الامامية جد عليم بأنه أكبر رجل في علوم الدين ، والمؤسس الأوحد لطريقة الاجتهاد المطلق في الفقه وأصوله ، والفني المقدم في الكلام والخلاف والنقد ، وإن السابر لاغوار كتبه العلمية المطبوعة منها والمخطوطة المشتملة على فتاواه الفقهية ونظرياته الفنية كالواقف على معاجم الامامية ، لا يجد شيخنا المترجم له إلا في الطليعة من فقهاء الشيعة الاثني عشرية ، ومن المستنبطين على طريقتهم المثلى من الاعتماد على الكتاب والسنة ، الشاملة للنبويات المعتبرة وأحاديث أئمة الهدى عليهم‌السلام

١٣

والأصول المستنبطة من أقوالهم وإجماع علمائنا على النحو المقرر في كتب أصول الفقه ، فما عزاه إليه السبكي في طبقات الشافعية ( ج ٣ ص ٥١ ) وتبعه في كشف الظنون ( ج ١ ص ٣١١ ) من انتمائه إلى مذهب الشافعي ، وتفقهه عليه مما لا مقيل له في ظل الحقيقة ، ولم يك شيخ الطائفة مقلدا لأي حد بل مجتهد مطلق لا يأبه إلا بما قاده إليه الدليل ، واقتضته البرهنة الصادقة ، ولقد حاز الثقة الكبرى من طبقات الشيعة جمعاء في رواية الحديث وتحليله وتعليله في المؤتلف منه والمختلف.

وتجد ذكر شيخ الطائفة الجميل في معاجم التراجم لرجالات المذاهب كالكامل لابن الأثير ج ١٠ ص ٢٢ ، وطبقات الشافعية للسبكي ج ٣ ص ٥١ ، ولسان الميزان لابن حجر ج ٥ ص ١٣٥ ، وتاريخ البداية والنهاية لابن كثير ج ١٢ ص ٩٧ ، والأعلام للزركلي ص ٨٨٥ وغيرها.

١٤

مولده ونشأته

في الخلاصة لأبي منصور جمال الدين آية الله العلامة : ـ ولد في شهر رمضان سنة ٣٨٥ ويؤثر عين هذه العبارة في راجل العبارة في رجال سيدنا بحر العلوم الطباطبائي ، فيكون ذلك بعد وفاة الشيخ الصدوق بأربع سنين لأنه توفي في اري سنة ٣٨١.

وعليه تطابقت المعاجم والمدونات ، فكان مولده منبثق أنوار الفضيلة ، ومبدء الإفاضات العلمية ، فكان للمولى سبحانه فيه شأن من الشأن ، حتى تمت في الحكمة البالغة تقييظ شيخ الطائفة لبث العلم ، ونشر الدعاية الإلهية ، فنهض ( قده ) بعبء ما قيظ له فهذب وأرشد وعلم وأدب ، واقتفت الأمة آثاره ، واستصحبوا بأنواره ، وأغرق نزعا في إعلاء كلمة الحق ، ولم يدع من ذلك في القوس منزعا.

هبط بغداد من خراسان سنة ٤٠٨ وهو ابن ثلاثة وعشرين عاما (١) تقدمه راية العلم والهدى ، وبين شفتيه كلمة الاصلاح ، ويضئ معه نور الضل والكمال ، ومعه العدة والعدة لمستقبله الكشاف ، وأهبة التقدم والظهور في كل من المآثر ، فكان حضوره وتلمذه على شيخ الأمة وأستاذ علمائها ، شيخنا محمد بن محمد بن النعمان المفيد نحوا من خمس سنين ، حتى قضى الأستاذ نحبه ، ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان من سنة ٤١٣ (٢) فانضوى شيخنا المترجم له إلى شريف علماء الشيعة ومحققها علم الهدى السيد المرتضى (قدس‌سره) ، وكان يدر عليه من ثدي إفضاله ما تقاعست عنه الفكر طيلة ثلاثة وعشرين عاما ، كما أنه يدر عليه من المعاش والمسانهة في كل شهر اثني عشر دينارا ، حتى اختار الله للسيد لقاءه لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ٤٣٦ (٣).

__________________

(١) ذكره آية الله العلامة في الخلاصة وغيره.

(٢) ذكره النجاشي في رجاله والعلامة في الخلاصة

(٣) قاله النجاشي في رجاله والعلامة في الخلاصة.

١٥

ولم يكد نور الإمامة ينطفئ في العلم والعمل ، حتى استقل بالظهور على منصتها شيخ الأمة المترجم له ، وأقيمت منه الاعلام والصوى ، وانتشر عرفه الفياح بين فجاج ذلك المستوى ، وازدلفت إليه العلماء والأفاضل تستضئ بنوره المتألق ، وترتشف من معينه المتدفق ، للتلمذة والحضور تحت منبره ، وتقاطر إليه المستفيدون من كل حدب وصوب ، وبلغت عدة تلامذته إلى ثلاثمائة من مجتهدي الخاصة ، ومن العامة مالا يحصى عددهم ، وقد اعترف الكل بفضله السيال ، وقد روى منه شخصية بارزة ، ونبوغا موصوفا ، وعبقرية ظاهرة في العلم والعمل ، حتى أن خليفة الوقت ( القائم بأمر الله ) عبد الله بن ( القادر بالله ) أحمد جعل له كرسي الكلام والإفادة الذي ما كانوا يسمحون به يوم ذاك إلا لوحيد العصر المبرز في علومه ومعارفه الجمة على قرنائه ومعاصريه.

ومن قوة عارضته وتقدم حجته ما أثبته القاضي في المجالس ، وسيدنا الطباطبائي في الرجال : أنه وشي بالشيخ (ره) إلى خليفة الوقت العباسي ( أحمد ) أنه هو وأصحابه يسبون الصحابة ، وكتابه المصباح يشهد بذلك ، فقد ذكر أن من دعاء يوم عاشوراء : ـ اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولا ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ، اللهم العن يزيد بن معاوية خامسا.

فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب فلما أحضر الشيخ ووقف على القصة ألهمه الله أن قال : ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنه السعاة بل المراد بالأول قابيل قاتل هابيل وهو أول من سن الظلم والقتل ، وبالثاني قيدار عاقر ناقة صالح ، وبالثالث قاتل يحيى ابن زكريا من أجل بغي من بغايا بني إسرائيل ، وبالرابع عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب. فلما سمع الخليفة من الشيخ تأويله وبيانه قبل منه ذلك ورفع منزلته ، وانتقم من الساعي وأهانه.

١٦

فلم يفتأ شيخ الطائفة إمام عصره ، وعزيز مصره ، مرقوما إليه بالعظمة ، مقصودا لحل المشكلات ، حتى غادر بغداد من أجل القلاقل الواقعة فيها من جراء الفتن بين الشيعة وأهل السنة التي أحرقت فيها داره وكتبه ما كان له من كرسي الإفادة والتدريس.

ولم تزل هذه الفتن تنجم وتخبو في الفينة بعد الفينة حتى غادرها إلى النجف الأشرف سنة ٤٤٨ بعد وفاة أستاذه المرتضى باثني عشر سنه ، ومكث في النجف مثلها من الأعوام.

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

هنا لك أسس حول المرقد العلوي الطاهر حوزة العلم والعمل ، فانبثقت عليه الأنوار العلوية ، وازدهرت رياضها ، وأينعت ثمارها ، وجرت أنهارها ، وزغردت أطيارها فكانت ربوع وادي الغري تشع بمظاهر الكمال ، وتشرق عليها ذكا الفضائل ، وتترنح بين فجاجها فطاحل الرجال.

من تلق منهم تلق كهلا أو فتى

علم الهدى بحر الندى المورودا

* * *

من تلق منهم تلقه

كنز ذكا ومعرفة

طهاة علم ولهم

في كل قدر مغرفة

١٧

آثاره ومآثره

لم تعزل منتوجات المترجم له تضوع بين أرجاء العالم أرجا ، وتضئ في أجواء الدهر بلجا ، فمن كتاب نفس يحمله صدر حكيم ، ومن أثارة علم يدرسها نيقد كريم ، وكلها أوضاح وغرر على جبين الحقب وناصية الأزمنة واليك ما تسنح به الفرص من أسمائها : ـ

كتاب التبيان

في تفسير القرآن

هو ذلك الكتاب الضخم الفخم المناهزة أو المربية اجزاؤه على العشرة ولعله أول كتاب حوى علوم القرآن جمعاء. ( ط )

قال سيدنا بحر العلوم في فوائده الرجالية : ـ أما التفسير فله فيه كتاب التبيان الجامع لعلوم القرآن ، وهو كتاب جليل كبير ، عديم النظير في التفاسير ، وشيخنا الطبرسي إمام التفسير ، في كتبه إليه يزدلف ، ومن بحره يغترف ، وفي صدر كتابه الكبير (١) بذلك يعترف وقد قال فيه : ـ أنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق ، قد تضمن من المعاني الاسرار البديعة واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة ولم يقنع بتدوينها دون تبيينها ، ولا بتنسيقها دون تحقيقها ، وهو القدوة أستضئ بأنواره ، وأطأ مواقع آثاره.

وقال السيد أيضا : ـ والشيخ المحقق المدقق محمد بن إدريس العجلي مع كثرة وقايعه مع الشيخ في أكثر كتبه يقف عند تبيانه ويعترف بعظم شأن هذا الكتاب واستحكام بنيانه.

__________________

(١) يريد به كتاب مجمع البيان الذي يقع في عشرة اجزاء ( ط ).

١٨

إذن فالكتاب القيم كما يعزى إلى مصنفه كتاب لم يعمل مثله ، وفي مفتتح التبيان نفسه ما لفظه : فان الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب أني لم أجد في أصحابنا من عمل كتابا يحتوي على تفسير القرآن ويشتمل على فنون معانيه.

ثم ذكر قدس‌سره أنه يشرع في تأليفه رجاء أن يكون محتويا لكل ما ينبغي أن يكون فيه أو وقع عليه الطلب من علوم القرآن ومناسباته على وجه الايجاز.

وللشيخ المحقق محمد بن إدريس العجلي المتوفى سنة ٥٩٨ مختصر التبيان موجود بين ظهراني العلماء وبمطلع الأكمة من القراء.

ومن المأسوف عليه خروجه إلى الملاء في أطماره الرثة من ردائة الطبع والصورة المشوهة بالأغلاط ، ولعل المولى سبحانه يقيض له في القريب العاجل من يزفه إلى القراء بحله قشيبة.

١٩

كتاب الاستبصار

فيما اختلف من الاخبار

هو أحد الكتب الأربعة المعول عليها عند الإمامية أجمع بعد كتاب الله الكريم منذ عبد المؤلف حتى اليوم ، وهو لدة كتاب التهذيب في هذه الأكرومة ، لكنا قدمنا ذكره في هذه الترجمة لأنه المعني بالطباعة ، المهدى إلى أنظار القراء الكرام.

يقع في ثلاث مجلدات اثنان منها في العبادات ، والثالث في بقية أبواب الفقيه من المعاملات كالعقود والايقاعات والأحكام كذا رتبه الشيخ نفسه (قدس‌سره) وأحصى بعض العلماء أبوابه في تسعمائة وخمسة وعشرين أو خمسة عشر بابا.

وأحصى الشيخ نفسه أحاديثه في خمسة آلاف وخمسمائة وأحد عشر حديثا ، وقال حصرتها لئلا تقع فيها زيادة أو نقصان ، فما عن بعض العلماء من حصرها بستة آلاف وخمسمائة واحدى ثلاثين حديثا في منتئ عن الصواب.

شروحه والتعاليق عليه

إن كتاب الاستبصار موقع نظر زرافات من العلماء فأفرغوا نظرياتهم حول أحاديثه في بوتقة الشرح أو التعليق عليه ، فمن جملة الشارحين له والمعلقين عليه : ـ

١ ـ المولى محمد أمين بن محمد شريف الاسترآبادي المتوفى سنة ١٠٤١.

٢ ـ سيد الفلاسفة مير محمد باقر بن شمس الدين محمد الحسيني المشهور بداماد المتوفى سنة ١٠٤١.

٣ ـ الفاضلة حميدة بنت المولى محمد شريف الرويد شتي المتوفاة سنة ١٠٧٨.

٤ ـ السيد مير محمد صالح بن عبد الواسع الخواتون آبادي المتوفى سنة ١١١٦.

٥ ـ المولى عبد الرشيد بن المولى نور الدين التستري المتوفى حدود سنة ١٠٨٧.

٦ ـ السيد عبد الرضا بن عبد الحسين معاصر المحدث الجزائري.

٢٠