الأسرة في المجتمع الإسلامي

عبّاس الذهبي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

المؤلف:

عبّاس الذهبي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-365-9
الصفحات: ١١٤

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEOsra-Mojtama-Islamiimagesimage001.gif

١

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEOsra-Mojtama-Islamiimagesrafed.png

٢

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEOsra-Mojtama-Islamiimagesimage002.gif

٣
٤

مقدمة المركز

الحمد لله الواحد الأحد الذي تطمئن القلوب بذكره ، والصلاة والسلام علىٰ أبي القاسم محمد أشرف أنبياء الله ورسله ، وعلىٰ آله المنتجبين ، المطهرين ، وبعد .

سبق لمركز الرسالة أن أصدر في شأن الأُسرة كتابين من سلسلته المستمرة «سلسلة المعارف الإسلامية» كان الأول تحت عنوان «تربية الطفل في الإسلام» وتناول الثاني «آداب الأُسرة في الإسلام» وقد حملا الرقمين «٨» و«٢١» علىٰ الترتيب ، ثمّ جاء كتابنا الثالث هذا ليعالج هذا الموضوع الحسّاس من جوانبه الأُخرى. تقديراً منّا للحاجة المستمرة إلىٰ رفع مستوىٰ الوعي الديني والثقافي في شأن الأُسرة ، اللبنة الأساس في المجتمع ، ومدرسة الإعداد الأولىٰ والأهم لأفراده .

وتقديراً ـ من ناحية أخرىٰ ـ لأهمية الحديث عن الاُسرة اليوم في خضم الصراع الحضاري والثقافي الدائر بين الإسلام كدين ونظام للحياة والمجتمع وبين الأنظمة المادية ، سواء في الشرق أو الغرب ، التي جعلت تفكيك الاُسرة أو تهميش الروابط الاُسرية جزءاً لا يتجزء من صياغاتها النظرية وبرامجها العملية ، مع ما تمتلكه هذه الأنظمة المادية اليوم من عناصر قوة تمكنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلامية التي افتقدت منذ زمن عنصر المبادرة ، بل افتقدت إلىٰ حدٍ كبير القدرة علىٰ التحصن الثقافي ضد أي غزو أو اختراق من هذا النوع .

وإذا كان الإسلام يتمتع بقدراته الذاتية الفائقة بما يتوفر عليه من نظم شاملة ومتماسكة فإن المسلمين بحاجة دائماً إلىٰ مزيد من الوعي الذي يرتفع بمعارفهم الإسلامية إلىٰ مستوىٰ الثقافة العملية المعاشة في الواقع ، من أجل تقليل الفجوة بين

٥

واقعهم العملي وبين ما يستندون إليه من رصيد عقيدي وفكري اثبتت وتثبت تجارب الاُمم انه الرصيد الأكمل والأعظم ، شمولاً وعمقاً وتماسكاً ، من أي رصيد آخر تستند إليه أُمّة من أُمم الأرض .

فها نحن نشهد في عصرنا الحديث صرخات الكثير من المفكرين وعلماء الاجتماع الغربيين وهي تتوجع من نظام تفكيك الاُسرة ومخلفاته السيئة علىٰ الفرد والمجتمع ، مشفوعة باحصاءات علمية تؤكد دعواهم المستمرة إلىٰ المحافظة علىٰ نظام الاُسرة وصيانة كيانها ، بل قد ذاق المجتمع الغربي نفسه مرارة واقعه الاُسري المفكك فظهرت جمعيات خاصة لمقاومة اتجاه النساء إلىٰ العمل خارج المنزل ، واُخرىٰ تدعو إلىٰ العودة إلىٰ الأديان السماوية وتعاليمها في شأن الاُسرة.. فيما خصصت احدىٰ الحكومات الاسكندنافية أخيراً مكافئات مالية مغرية للآباء أيام الاجازات ، ترغيباً لهم في أن يقضوا أوقاتاً أطول مع أبنائهم .

ولكن مهما بلغت هذه الصرخات من قوة وقدرة علىٰ التأثير فإنها ستبقىٰ معالجات سطحية إذا ما قورنت بالنظام الاُسري في الإسلام الذي تتوزع أركانه علىٰ المجتمع والاُسرة والفرد ، ليضمن تحقيق الاستعداد التام لتكوين الاُسرة السليمة ، منذ مقدماتها الاُولىٰ ، متابعاً مراحل نشأتها وتكوينها ونموها ، في ما هو اُسري بحت ، وفي ما يتجاوز اطار الاُسرة إلىٰ المجتمع . الأمر الذي يتطلب تحقيق المستوىٰ الأفضل من الوعي برسالة هذا النظام والمعرفة بتفاصيله التي تنتظم في نسق متكامل لا يستغني فيه بعضها عن بعض .

من أجل ذلك كلّه يتبنّىٰ مركز الرسالة هذا الكتاب الذي نرجو له أن يسهم في تعضيد بناء الأُسرة المسلمة علىٰ الأُسس القويمة ، لتكون أكثر صلابة أمام التحديات المعاصرة ، وأكثر متانة في أداء رسالتها في المجتمع .

والله من وراء القصد

مركز الرسالة

٦

المُقدَّمةُ

الحمدُ لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً وجعل بيننا مودةً ورحمة. والصلاة والسلام علىٰ رسوله الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين..

وبعد.. فقد احتل موضوع الاُسرة مكانةً مرموقة في برنامج الإسلام التغييري الواسع النطاق ، لكونها تشكل اللّبنة الأساسية الاُولىٰ في صرحه الاجتماعي.

ولم ينصبّ اهتمام الإسلام علىٰ مرحلة تشكيل الأُسرة وتكوينها فحسب ، بل أولىٰ عناية خاصة لمرحلة ماقبل التأسيس ، وذلك بترغيب الشباب من الجنسين علىٰ العيش المشترك ضمن إطار الاُسرة كمجتمع صغير. فقد أشار إلىٰ المعطيات الإيجابية المترتبة علىٰ العُلقة الزوجية ونفّر أشد التنفير من العزوبة. كما تعرّض بشيء من التفصيل للمقومات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الحياة الزوجية ، وتطرّق للاُسس السليمة التي تتم بموجبها عملية اختيار الشريك ، تلك الاُسس التي ترتكز علىٰ نظافة القصد وسلامة النية.

وكان من الطبيعي أن يحث الإسلام علىٰ التساهل في قضية المهر وشروط الزواج ومقدماته ، ازدادت عنايته أكثر بالاُسرة في مرحلة النشأة والتكوين ، فقد عمل علىٰ توثيق العلاقة الجديدة بين الزوجين علىٰ مختلف الأصعدة.

فعلىٰ الصعيد النفسي ومن أجل الارتقاء الروحي والإيماني للزوجين أكّد علىٰ توثيق علاقتهما بالله تعالىٰ ، وهو أمر له مردود إيجابي علىٰ علاقتهما فيما بينهما ، ولا يخفىٰ بان توثيق العلاقة مع الخالق ، يؤدي ـ بالملازمة ـ إلىٰ تقوية العلاقة مع المخلوق.

وعلىٰ الصعيد التربوي ، دعا الإسلام إلىٰ تأسيس اُسرة تقوم علىٰ أُسس من التفاهم والانسجام ، والحب المتبادل والمعاشرة بالمعروف ، والشعور بالمسؤولية

٧

تجاه العائلة ، وكذلك الإنصاف والعدل ، وتقسيم العمل وتوزيع الأدوار وعدم إلحاق الضرر بالطرف الآخر ، وما إلىٰ ذلك.

وعلىٰ الصعيد الأخلاقي أكّد علىٰ التمسك بعرىٰ الصبر الجميل ، والابتعاد عن الخيانة الزوجية وعدم خلع حزام العفة ، وتجنب الطعن في الشرف من خلال القذف وما إلىٰ ذلك ، وأيضاً تجنب الغيرة التي تكون لها ـ في غالب الأحيان ـ آثار تدميرية علىٰ الاُسرة ، زد علىٰ ذلك دعوة الإسلام الملحة إلىٰ تحصين سياج الاُسرة من خلال رعاية جانب الآداب والأخلاق الإسلامية من قبل كلا الزوجين.

ولم يكتف الإسلام ـ كرسالة شمولية ـ بالجانب الوعظي ، أو الإرشادي ، بل صبّ توصياته بخصوص الاُسرة في قوالب قانونية واضحة وملزمة ، حدَّد فيها الواجبات الملقاة علىٰ الزوجين تجاه بعضهما البعض ، وتجاه أولادهما ، كما بيّن الحقوق المترتبة علىٰ كلِّ فرد في الاُسرة.

هذه الخطوط الرئيسة سوف تجد تفاصيلها في هذا البحث الذي اتّبعنا فيه المنهج النقلي ، وأردنا من خلاله الكشف عن موقف الإسلام الأصيل الذي تمثله مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام من موضوع الاُسرة ، وهو الموضوع الذي يتزايد بشأنه اهتمام الرأي العالمي نتيجة للدعوات المظلّلة التي تصدر من الغرب ، وتدعو الشباب إلى التمرد علىٰ نظام الاُسرة بغية تقويضه ، إما من خلال سلوك طريق الرّهبنة والعزوف عن الزواج ، أو الانجراف مع تيار الإباحية العارم الذي يتنصّل للقيم ويسعىٰ نحو تحطيم النظم التقليدية ومنها نظام الاُسرة.

وقد قسّمنا البحث إلىٰ مقدِّمة وثلاثة فصول ، نتعرض في :

الفصل الأول : إلىٰ الاُسرة قبل التكوين.

أما الفصل الثاني : فيتكفل ببيان عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها.

أما الفصل الثالث : فهو مقارنة بين المنهج الإسلامي والمادي في بناء الاُسرة وما يترتب علىٰ المنهجين من آثار اجتماعية وتربوية وأخلاقية.

ومن الله تعالىٰ نستمد العون والتوفيق

٨

الفصل الأول الاُسرة قبل التكوين في المنهج الإسلامي

يطلق لفظ الأسرة في اللغة علىٰ عشيرة الرجل ورهطه الأدنون وأهل بيته لأنه يتقوىٰ بهم (١).

أما في الاصطلاح فإنّ مفهوم الاُسرة يتطور عبر الزمان ويتأثر بالمكان ، ويطلق في الإسلام علىٰ الجماعة المكونة من الزوج والزوجة وأولادهما غير المتزوجين الذين يقيمون معاً في مسكن واحد ، وعندما نقيّد الاُسرة بقولنا : الاُسرة المسلمة ، فلابدّ لأفرادها من أن يكونوا في أفكارهم وعواطفهم وسلوكهم من الملتزمين بأحكام الإسلام (٢).

فالدين الإسلامي ـ باعتباره منهجاً شاملاً لجميع جوانب الحياة الإنسانية ـ أولىٰ الاُسرة أهمية خاصة في مفردات منهجه المتكامل ، ذلك لما لها من دور فعال يسهم في بناء إنسان صالح يشارك في خدمة المجتمع ورقيه وتنمية قدراته.

ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنَّ الإسلام يقدّم نظرته المثلىٰ قبل تشكيل

________________

١) الصحاح / الجوهري ٢ : ٥٧٩ ، لسان العرب / ابن منظور ٤ : ٢٠ مادة ـ اُسر ـ.

٢) راجع : نظام الاُسرة في الإسلام / باقر شريف القرشي : ١٨ ، والاُسرة والحياة العائلية / الدكتورة سناء الخولي : ٣٥ ـ الاسكندرية ـ ١٩٨٦ م.

٩

الاُسرة ، كخطوة استباقية لما يجب أن تكون عليه الاُسرة المسلمة ؛ لكي لا تنحرف عن مسارها الذي رسمه لها كمؤسسة تربوية أساسية في المجتمع ، وسوف نتناول هذا الموضوع من خلال المباحث التالية :

المبحث الأول

أساليب الإسلام في التشجيع علىٰ الزواج

يمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع علىٰ الزواج باعتباره النواة الاُولىٰ لتكوين الاُسرة المسلمة ، كم خلال أُسلوبي الترغيب علىٰ الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.

أولاً : أُسلوب الترغيب :

قال تعالىٰ : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١).

فهذه الآية تدل علىٰ أمرٍ إلهي في التشجيع علىٰ الزواج والوعد بتذليل العقبات الاقتصادية التي تعتريه.

كما كشف لنا القرآن الكريم ـ وفي معرض الامتنان علىٰ البشرية ـ عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانية التي تعمُّ جميع الناس ، سواء منهم المسلم أو الكافر ، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودة والرحمة ،

________________

١) سورة النور : ٢٤ / ٣٢.

١٠

فقال عزَّ من قائل : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١).

وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وضّح لنا الرغبة الالهية للبناء الاسري القائم علىٰ أساس الزواج ، وذلك بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلىٰ الله من التزويج » (٢).

وحرص صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ إبراز المعطيات الإيجابية للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوج ، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج.. » (٣).

وبصرف النظر عما ورد في النقل ـ من آيات وروايات ـ بخصوص الترغيب في الزواج فإن العقل يحكم بضرورته لكونه السبب المباشر وراء تشكيل أول خلية اجتماعية ، هي الاُسرة ، التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال.

ومن هذه الجهة يكشف لنا الإمام الرضا عليه‌السلام ضرورة الزواج الاجتماعية ، التي يستقل بادراكها العقل بغض النظر عن الشرع ، فيقول عليه‌السلام : « لو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة منزلة ولا سُنَّة متبعة ، لكان فيما جعل لله فيها من برّ القريب وتآلف البعيد ما رغب فيه العاقل اللبيب ، وسارع إليه الموفق المصيب... » (٤).

________________

١) سورة الروم : ٣٠ / ٢١.

٢) مكارم الأخلاق / الطبرسي : ١٩٦.

٣) مكارم الأخلاق : ١٩٧.

٤) مكارم الأخلاق : ٢٠٦.

١١

كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعية التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلىٰ هذا اليوم ، وهو دليل علىٰ كونه سنة فطرية حافظت علىٰ بقاء النوع الإنساني ؛ ذلك لأن الأنواع تبقىٰ ببقاء نسلها ، ناهيك عن أنّ الذكر والاُنثىٰ مجهزان بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد.. وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء ، وإن زيدت الاُنثىٰ بجهاز الارضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد ، وقد أودع تعالىٰ كلا الجنسين غرائز انسانية تنعطف إلىٰ محبة الأولاد ورعايتهم ، وتنقضي بكون كلّ منهما مسكناً للآخر ، وبلزوم تأسيس البيت ، إذن فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح (١).

وممّا يدل علىٰ أن الزواج أمر فطري ، قول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحبّ فطرتي ، فليستنَّ بسنتي ، ومن سنتي التزويج » (٢).

وعليه فالزواج يقف سداً منيعاً يحول دون الانحراف الجنسي ، وهو من أفضل الوسائل الوقائية التي تحصن الناس من الانزلاق إلىٰ هاوية الرذيلة ، وبالتالي الوقوع في الفتنة.

روي عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « نزل جبرئيل علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد إنّ ربّك يُقرؤك السلام ويقول : إنَّ الأبكار من النّساء بمنزلة الثمر علىٰ الشجر ، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلّا اجتنائه ، وإلّا أفسدته الشمس ، وغيرته الرّيح ، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النّساء فلا دواء لهن إلّا البعول ، وإلّا لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ، فجمع

________________

١) تفسير الميزان / العلّامة الطباطبائي ٤ : ٣١٢ ـ ٣١٣.

٢) مكارم الأخلاق : ١٩٧.

١٢

الناس ، ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزَّ وجلَّ به » (١).

ولم يكتف الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين علىٰ الزواج ، بل دعا المسلمين إلىٰ تحقيق أعلىٰ درجة من المشاركة والتعاون ومد يد العون لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج ، ووعد كل من يساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل ، وثمة شواهد نقلية علىٰ هذا التوجه ، منها :

قال الإمام زين العابدين عليه‌السلام : « ... ومن زوَّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها ، آنسه الله في قبره بصورة أحبّ أهله إليه » (٢) وقال حفيده الإمام الكاظم عليه‌السلام : « ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو خدمه أو كتم له سراً » (٣).

وفي هذا الإطار ، نجد دعوة ملحة لتوسيع المشاركة الاجتماعية في هذه القضية الحيوية من خلال دفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهلين للزواج وفتح قنوات الاتصال والتعارف بين عوائلهم ، وكذلك مدّ جسور الفهم والتفاهم بين العروسين ، وهي أمور لابدّ منها حتىٰ يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس ، وعلىٰ نحو مدروس ، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.

ثم إنّ الوسيط أو الشفيع يساهم مساهمة فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تعترض الجانبين ، ومن هنا أشاد أمير المؤمنين عليه‌السلام بدور الشفيع أو الوسيط فقال : « أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح ،

________________

١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٩ كتاب النكاح.

٢) ثواب الأعمال ، للصدوق : ١٧٥ ـ ١٧٦.

٣) الخصال / الصدوق ١ : ١٤١ باب الثلاثة.

١٣

حتىٰ يجمع شملهما » (١).

المعطيات الإيجابية للزواج :

ومن ضمن أُسلوب « الترغيب » نجد من خلال نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يبرز ـ بوضوح ـ المعطيات الإيجابية للزواج ، ويمكن تبويبها في النقاط التالية :

١ ـ الدخول في ولاية الله :

فلاشك أنّ من أقدم من الشباب علىٰ الزواج أو من قدّم خدمة في هذا الشأن ، امتثالاً لأمر الله تعالىٰ ، ورغبة في رضاه ، سوف يُدخله الله تعالىٰ في ولايته ، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله » (٢).

ويفهم من ذلك بالدلالة الالتزامية أن من يُحجم عن الزواج بدون سبب شرعي ، أو من يضع العراقيل في هذا السبيل ، فسوف يكون أقرب إلىٰ ولاية الشيطان. ولعل ذلك ما يفسر قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيّما شاب تزوج في حداثة سنّه عجّ شيطانه : يا ويله ! عَصَمَ مني دينه » (٣).

٢ ـ امتثال سُنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وهي سُنَّة هادية راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح ، وتؤدي إلىٰ الفوز والفلاح ، وقد تجسدت بأقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العديدة ، التي حث فيها الشباب

________________

١) مكارم الأخلاق / الطبرسي : ١٩٦.

٢) المحجة البيضاء / الكاشاني ٣ : ٥٤ مؤسسة الأعلمي ط ٢.

٣) كنز العمال ١٦ : ٢٧٦ / ٤٤٤٤١.

١٤

علىٰ نبذ حياة العزوبية ، كما تجسدت في أفعاله ، فقد تزوج مرات عديدة ، وزوج بناته أيضاً ، كما تمثلت في تقريره ، فلم يكتف بالسكوت عمن يتزوجون ، بل كان يسأل أصحابه ومن يحيط به عن أخبار الزواج ، فيبارك لمن تزوج منهم ويدعو له ، كما ويسأل العزاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج ، ويحاول حل مشاكلهم ويشفع أو يتوسط لتسهيلها ، وقد زوج « جويبر » مع فقره المدقع من « الزلفاء » مع ما هي فيه من الجاه والثراء.

فالزواج ـ إذن ـ اضافة إلىٰ أنّه آية ربانية فهو سنّة نبوية يتوجب اتباعها ، والعمل بها ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني... » (١).

وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام موصياً : « تزوجوا ، فإنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيراً ماكان يقول : من كان يحبُّ أن يتّبع سنّتي فليتزوج ، فإنَّ من سنّتي التزويج » (٢).

٣ ـ إكتساب الفضيلة العالية :

فالمتزوج أفضل عند الله تعالىٰ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأعزب درجةً ، وأجزل ثواباً ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المتزوج النائم أفضل عند اللهم من الصائم القائم العزب » (٣).

وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : « ركعتان يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب » (٤).

________________

١) جامع الأخبار : ٢٧١ / ٧٣٧ ، كنز العمال ١٦ : ٢٧١ / ٤٤٤٠٧.

٢) تحف العقول : ١٠٥.

٣) جامع الأخبار : ٢٧٢ / ٧٤١.

٤) ثواب الاعمال : ٦٢.

١٥

وعن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « جاء رجل إلىٰ أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : هل لك من زوجة ؟ قال : لا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : لا أحب أن لي الدنيا وما فيها وأن أبيت ليلة وليس لي زوجة ، ثم قال : إن ركعتين يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره » (١).

ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل أنّ الأعزب يكون عرضة لضغط الغريزة الجنسية فيشغل الجنس حيزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه ، الأمر الذي ينعكس ـ سلباً ـ علىٰ عبادته ، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجه الكلي نحو المعبود ، والابتعاد عمّا سواه.

وهناك من تضيق عدسة الرؤية لديه أو يفهم الدين فهماً قاصراً ، فيرىٰ أنّ الرهبانية تكسب الإنسان فضلاً وكمالاً ، كما هو الحال عند بعض النصارىٰ وأهل التصوف ، ولكن أهل البيت عليهم‌السلام يرفضون هذا الفهم القاصر ، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه‌السلام : « إنَّ امرأة سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقالت : أصلحك الله إنّي متبتلة ، فقال لها : وما التبتل عندك ؟ قالت : لا أريد التزويج أبداً ، قال : ولِمَ ؟ قالت : ألتمس في ذلك الفضل ، فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها‌السلام أحقُّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلىٰ الفضل » (٢).

٤ ـ الطهارة المعنوية :

فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد علىٰ التطهّر من الآثام كالزنا واللواط وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم ، ومن أجل ذلك قال

________________

١) مكارم الأخلاق : ١٩٧.

٢) أمالي الطوسي ١ : ٣٨٠. وبحار الأنوار ١٠٣ : ٢١٩.

١٦

الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سرّه أن يلقىٰ الله طاهراً مطهّراً ، فليلقه بزوجة صالحة » (١).

فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الاُمة بعناصر شابة ، تجدد حيويتها ، وتقوم علىٰ أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدمها ، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أفصح أكثر من مرّة عن رغبته في كثرة أفراد أمته ، ومن ذلك قوله : « تناكحوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة حتىٰ بالسقط » (٢).

٥ ـ زيادة الرزق وحسن الخلق :

لقد طمئن الله تعالىٰ الذين يخشون الدخول في عش الزوجية خوفاً من الفقر وما يوجبه من النفقة ، قائلاً : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٣).

( وهو وعد جميل بالغنىٰ وسعة الرزق ، وقد أكّده بقوله ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيئة من الله سبحانه ) (٤).

وفي حديث الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج ، فقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « التمسوا الرزق بالنكاح » ، وأيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تزوَّجوا النساء ، فإنهنَّ يأتين بالمال » (٥).

وفي حديث ثالث يكشف لنا فيه عن معطيات اُخرىٰ معنوية للزواج إضافة

________________

١) مكارم الأخلاق : ١٩٧.

٢) المحجة البيضاء ٣ : ٥٣.

٣) سورة النور : ٢٤ / ٣٢.

٤) تفسير الميزان ٥ : ١١٣.

٥) مكارم الأخلاق : ١٩٦.

١٧

إلىٰ المادية عندما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « زوّجوا أياماكم (١) فإنَّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم » (٢).

وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزَّ وجلَّ » (٣) إنطلاقاً من الآية المتقدمة التي تتضمن وعداً جميلاً بالمدد والمعونة.

ثانياً : أُسلوب الترهيب :

وبالاضافة إلىٰ أُسلوب «الترغيب» الذي أشرنا إليه ، فقد اتّبع الإسلام أُسلوب التنفير من العزوبة والتحذير من عواقبها ، من أجل كسر أسوار العزلة ، وقطع الطريق علىٰ الذين يخلعون حزام العفة ، ويريدون التنصّل من المسؤولية الاجتماعية ، فالملاحظ أنه يشنّ علىٰ هؤلاء حملات شديدة ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « شراركم عزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم » (٤).

فالامتناع عن الزواج بلا عذر صحيح مذموم ومكروه ، ويجعل الفرد في زمرة المذنبين ، ويقرّبه من دائرة الشيطان ، إذ لا رهبانية في الإسلام كما هو معلوم ، ومن الشواهد علىٰ ذلك أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل رجلاً اسمه عكّاف : « ألك زوجة ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : ألك جارية ؟ قال : لا يارسول الله ؟

________________

١) الأيامىٰ : جمع أيّم ، وهو الذكر الذي لا اُنثىٰ معه والاُنثىٰ التي لا ذكر معها ، تفسير الميزان ٥ : ١١٢ ـ ١١٣.

٢) نوادر الراوندي : ٣٦ ، بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٢.

٣) مكارم الأخلاق : ١٩٧.

٤) كنز العمال ١٦ : ٢٧٧ / ٤٤٤٤٩.

١٨

قال : أفأنت موسر ؟ قال : نعم. قال : تزوّج وإلّا فأنت من المذنبين ». وفي رواية « تزوّج وإلّا فأنت من إخوان الشياطين » (١)

ولقد بلغ الترهيب والتحذير لمثل هؤلاء الممتنعين عن التزويج مخافة العيلة إلىٰ أقصىٰ حدوده حين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منّا » (٢).

المبحث الثاني

أنواع الزواج

ينقسم الزواج إلىٰ قسمين : دائم ومنقطع ، وكل منهما يحتاج إلىٰ عقد مشتمل علىٰ إيجاب وقبول دالين علىٰ إنشاء المعنىٰ المقصود والرِّضا به ، ثم إنّ « النكاح المنقطع سائغ في دين الإسلام ، لتحقق شرعيته ، وعدم ما يدل علىٰ رفعه » (٣).

وروي عن جابر قال : تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، وما زلنا نتمتع حتىٰ نهىٰ عنها عمر (٤).

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس معنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ، ألا نستحصن هنا بأجر ؟ فأمرنا أن ننكح المرأة بالثوب (٥).

________________

١) جامع الأخبار : ٢٧٢ / ٧٤٣.

٢) كنز العمال ١٦ : ٢٧٩ / ٤٤٤٦٠.

٣) شرائع الإسلام / المحقق الحلي ٢ : ٥٢٨ كتاب النكاح.

٤) وسائل الشيعة / الحر العاملي ١٤ : ٤٤١ كتاب النكاح ـ أبواب المتعة.

٥) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٠.

١٩

ويدل عليه قوله تعالىٰ : ( .. فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً .. ) (١).

يقول العلّامة الطباطبائي في معرض تفسيره للآية المتقدمة : (والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلاشك ، فإنّ الآية مدنيّة نازلة في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الهجرة علىٰ ما يشهد به معظم آياتها ، وهذا النكاح ـ أعني المتعة ـ كان دائراً بينهم معمولاً عندهم في هذه البرهة من الزمن من غير شك ، وقد أطبقت الأخبار علىٰ تسلّم ذلك ، وأصل وجوده بينهم بمرأىٰ من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسمع منه لاشكّ فيه ، وكان اسمه هذا الاسم ، ولا يعبّر عنه إلّا بهذا اللفظّ ، فلا مناصّ من كون قوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) محمولاً عليه مفهوماً منه هذا المعنىٰ.. وجملة الأمر أنَّ المفهوم من الآية حكم نكاح المتعة ، وهو المنقول عن القدماء من مفسري الصحابة والتابعين كابن عباس وابن مسعود وأُبيّ بن كعب وقتادة ومجاهد والسدّي وابن جبير والحسن وغيرهم ، وهو مذهب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام) (٢).

ويمكننا أن ننظر إلىٰ هذا النوع من الزواج ـ الذي يحاول البعض إثارة الجدل حوله ـ من زاوية العقل ، فالملاحظ أنّ الناس ليس كلهم بقادر علىٰ الزواج الدائم سيّما في هذا العصر لأسباب اقتصادية ، أو اجتماعية ، أو نفسية أو غيرها. فيدور الأمر بين ثلاثة أمور : إما الكبت الجنسي الموجب لأمراض خطيرة ، وإما الفساد والرذيلة الذي يؤدي إلىٰ تفكك بناء العائلة والمنظومة الاجتماعية وامتهان الكرامة الإنسانية ، وانعدام النسل السليم وانتشار الأمراض ، وإما

________________

١) سورة النساء : ٤ / ٢٤.

٢) تفسير الميزان ٤ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٢٠