المعجم الأصولي - ج ١

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

المعجم الأصولي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات نقش
المطبعة: عترت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7606-16-8
ISBN الدورة:
964-7606-15-X

الصفحات: ٦٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

المقدّمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد ...

فإنّ من نعم الله عليّ أن وفّقني لكتابة هذا المعجم ، والذي تصدّيت فيه لشرح الكثير من المصطلحات الأصوليّة وحرّرت فيه جهات البحث في المسائل الأصوليّة.

والذي دفعني لهذا المشروع هو ما وجدته من صعوبات تواجه الطلبة الأعزّاء في تحديد مفادات المصطلحات المستعملة في كلمات الأصوليّين ، ولأنّهم عادة لا يتصدّون لشرح معاني هذه المصطلحات أو أنّهم إذا ما تصدّوا لبيان بعضها كان ذلك بشكل مقتضب أو بلغة معقّدة ، على أنّ ذلك يتمّ في سياق البحث عن مسألة من المسائل فيشرحون المقدار المتّصل بجهة بحثهم ويرجئون الشرح لحيثيّات المصطلح الأخرى إلى بحث آخر له اتّصال بتلك الحيثيّات ، وهنا يكون على الطالب تتبّع تلك البحوث وملاحقتها لغرض الوقوف على كلّ الحيثيّات المتّصلة بالمصطلح ، فقد لا يتيسّر له ذلك وقد لا يتمكّن من الربط بينها ، على أنّه قد يجهل الموارد التي يتمّ فيها بيان معنى ذلك المصطلح.

وثمّة مشكلة أخرى تواجه الطالب ، وهي صعوبة الوقوف على جهة البحث في

٥

كثير من المسائل الأصوليّة ، فالعلماء وإن كانوا يحرّرون جهة البحث في كلّ مسألة إلاّ أنّ الصعوبة التي تواجه الطلبة بالإضافة إلى التعقيد اللفظي هي المقدّمات الطويلة التي يوطئون بها البحث ، ولذلك قد ينتهي الطالب من دراسة ذلك البحث وبعد لم يتحرّر عنده مورد النزاع والنقض والإبرام.

كلّ ذلك هو ما دفعني إلى كتابة هذا الكتاب الذي بين يديك ، فأنا وإن كنت بذلت فيه جهدا مضنيا آملا في بلوغ الغاية المذكورة إلاّ أنّني لا أدّعي بلوغ أقصى تلك الغاية ولكنّي أرجو أن أكون قد ساهمت في تذليل بعض الصعوبات التي يواجهها الطلبة الأعزّاء في دراساتهم الأصوليّة كما أطمح من ذلك في دعواتهم وأن أكون مشمولا للرحمة التي يفيضها ربّنا على طلبة العلم وروّاد الفقه.

هذا وقد اعتمدت أسلوب الترتيب الهجائي في عرض المصطلحات ، وعند ما تتّحد بعض المصطلحات في بداية الحرف يكون ضابط التقديم والتأخير في العرض هو ملاحظة الحرف الثاني ثمّ الثالث وهكذا.

ثمّ إنّني عرضت المصطلح كما هو مستعمل في كلمات الأصوليّين دون إرجاعه إلى أصله الاشتقاقي ليسهل تناوله والوقوف عليه ، وعند ما يكون المصطلح مستعملا بأكثر من اشتقاق فإنّني ابحثه في موضع وأذكر الثاني في موضعه وأحيل القارئ على الموضع الذي تمّ بحث المصطلح فيه ، وإذا اتّفق أن اتّحد أكثر من مصطلح في المعنى فإنّني أبحثه تحت أحد العنوانين ثمّ أحيل القارئ في موضع العنوان الثاني إلى الموضع الذي تمّ فيه إيضاح المصطلح ، وقد يتمّ إيضاح بعض المصطلحات في غير مواضعها لاقتضاء شرح المصطلح محلّ البحث لذلك ، وفي مثل هذه الحالة نقوم بإحالة القارئ إلى مواضع الشرح عند ما يتمّ التصدّي لعرضها في مواضعها إلاّ أنّه ورغم أنّ ذلك واحد

٦

من موارد اهتمامنا لكنّنا لا ندّعي عدم الغفلة في بعض الأحيان.

هذا وقد شرحت بعض المصطلحات غير الأصوليّة ، ذلك لأنّها تقع ـ بنظري ـ في سياق غرض الكتاب.

ثمّ إنّ هنا أمورا ثلاثة أودّ الإشارة إليها :

الأمر الأوّل : هو أنّني اعتمدت أسلوب التقرير لأقوال ومباني الأصوليّين عند التصدّي لعرضها فلم ألتزم بألفاظهم وصياغاتهم ، وذلك لأنّ الغرض هو إيضاح أقوالهم ومبانيهم ، ولذا فإنّني أتحمّل مسئوليّة ما قد يقع من خطأ وإن كنت قد تحرّيت الدقّة في الفهم والعرض إلاّ أنّ العصمة لأهلها.

الأمر الثاني : إنّه قد نستعرض في مقام تحرير بعض المسائل شيئا من أدلّتها ، وليس في ذلك خروج عن غرض الكتاب بل لأنّ تحرير تلك المسألة اقتضى ذلك بنظرنا ، وقد يكون ذلك استرسالا نعتذر عنه.

الأمر الثالث : إنّه قد يجد القارئ الكريم إسهابا في بعض الموارد ، وذلك لأنّني حاولت استيفاء البحث فيها نظرا لعدم استيفائها في كتب الأصول.

ويمكن التمثيل لذلك بقاعدة « الجمع ممّا أمكن فهو أولى من الطرح » ومثل بحث « الاستحسان ».

ختاما أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وإن يجمعنا وإيّاكم في محضر نبيّه الكريم وعترته الطيّبين الطاهرين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

والحمد لله ربّ العالمين.

محمّد صنقور

٧
٨

حرف الالف

٩

عناوين حرف الألف

١ ـ الإباحة

١٧ ـ الإجماع المحصّل

٢ ـ اصالة الإباحة

١٨ ـ الإجماع المدركي

٣ ـ اتصال زمان الشك بزمان اليقين

١٩ ـ الإجماع المركّب

٤ ـ الأثر الشرعي

٢٠ ـ الإجماع المنقول

٥ ـ اجتماع الأمر والنهي

٢١ ـ الإجمال

٦ ـ الاجتهاد

٢٢ ـ اجمال المخصّص اللبّي

٧ ـ الاجتهاد والرأي

٢٣ ـ اجمال المخصّص اللفظي

٨ ـ الإجزاء

٢٤ ـ اجمال النص

٩ ـ الإجماع

٢٥ ـ احترازية القيود

١٠ ـ الإجماع البسيط

٢٦ ـ الاحتمال والمحتمل

١١ ـ الإجماع التشرفي

٢٧ ـ الاحتياط

١٢ ـ الإجماع الحدسي

٢٨ ـ الاحتياط الشرعي

١٣ ـ الإجماع الدخولي

٢٩ ـ الاحتياط العقلي

١٤ ـ الإجماع السكوتي

٣٠ ـ الاحتياط حسن على أيّ حال

١٥ ـ الإجماع اللبي

٣١ ـ الاحتياط في التعبديات

١٦ ـ الإجماع اللطفي

٣٢ ـ الاحتياط قبل الفحص

١٠

٣٣ ـ أخبار من بلغ

٥١ ـ الاستصحاب

٣٤ ـ الاختيار

٥٢ ـ الاستصحاب الاستقبالي

٣٥ ـ اخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر

٥٣ ـ الاستصحاب التعليقي

٣٦ ـ اخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله

٥٤ ـ الاستصحاب التنجيزي

٣٧ ـ اخذ القطع بحكم في موضوع ضده

٥٥ ـ الاستصحاب السببي والمسبّبي

٣٨ ـ اخذ القطع بحكم في موضوع نفس الحكم

٥٦ ـ استصحاب الصحة عند الشك في المانع

٣٩ ـ اخطارية المعاني الاسميّة

٥٧ ـ استصحاب العدم الأزلي

٤٠ ـ الإرادة

٥٨ ـ استصحاب الفرد المردد

٤١ ـ الإرادة الاستعماليّة

٥٩ ـ الاستصحاب القهقرائي

٤٢ ـ الإرادة الإلهيّة

٦٠ ـ الاستصحاب الكلّي

٤٣ ـ الإرادة التفهيميّة

٦١ ـ استصحاب المفهوم المردد

٤٤ ـ الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة

٦٢ ـ استصحاب حال الشرع

٤٥ ـ الإرادة الجدّيّة

٦٣ ـ استصحاب حال العقل

٤٦ ـ الاستثناء

٦٤ ـ استصحاب حكم المخصص في العموم الأزماني

٤٧ ـ الاستحالة

٦٥ ـ استصحاب عدم النسخ

٤٨ ـ الاستحباب

٦٦ ـ الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي

٤٩ ـ استحباب الاحتياط

٦٧ ـ الاستصحاب في الأمور التدريجية

٥٠ ـ الاستحسان

١١

٦٨ ـ الاستصحاب في الزمان

٨٦ ـ الاشتراك اللفظي

٦٩ ـ الاستصحاب في الزمانيات

٨٧ ـ الاشتراك المعنوي

٧٠ ـ الاستصحاب في الشبهات الحكمية

٨٨ ـ أصالة الاطلاق

٧١ ـ الاستصحاب في المحمولات الثانوية

٨٩ ـ أصالة الحسّ

٧٢ ـ الاستصحاب في الموضوعات المركّبة

٩٠ ـ أصالة العموم

٧٣ ـ الاستصحاب في حالات التقدّم والتأخّر

٩١ ـ أصالة عدم التذكية

٧٤ ـ الاستصحاب في حالات توارد الحالتين

٩٢ ـ أصالة عدم التقدير

٧٥ ـ استصحاب مجهولي التاريخ

٩٣ ـ أصالة عدم الغفلة

٧٦ ـ استصحاب معلوم التاريخ

٩٤ ـ أصالة عدم القرينة

٧٧ ـ الاستعمال

٩٥ ـ أصالة عدم النقل والاشتراك

٧٨ ـ الاستعمال الحقيقي

٩٦ ـ الأصل

٧٩ ـ استعمال اللفظ في أكثر من معنى

٩٧ ـ الأصل العملي

٨٠ ـ الاستعمال المجازي

٩٨ ـ الأصل المثبت

٨١ ـ الاستعمال المجازي طبعي أو وضعي

٩٩ ـ الأصل الموضوعي

٨٢ ـ الاستعمال وشروطه

١٠٠ ـ الأصول العمليّة

٨٣ ـ الاستلزامات العقلية

١٠١ ـ الأصول العملية التنزيليّة

٨٤ ـ الاستنباط

١٠٢ ـ الأصول العملية الشرعية

٨٥ ـ اسم الجنس

١٠٣ ـ الأصول العملية العقلية

١٠٤ ـ الأصول العملية المحرزة

١٠٥ ـ الأصول اللفظية

١٠٦ ـ الأصول المؤمّنة

١٢

١٠٧ ـ الاضطرار

١٢٤ ـ اعراض المشهور عن الظهور

١٠٨ ـ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي

١٢٥ ـ الاقتضاء

١٠٩ ـ الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار

١٢٦ ـ الأمارة

١١٠ ـ الاطّراد علامة الحقيقة

١٢٧ ـ الامتثال الاحتمالي

١١١ ـ الاطّراد في التعريف

١٢٨ ـ الامتثال الظنّي التفصيلي والامتثال الاجمالي

١١٢ ـ الإطلاق

١٢٩ ـ الامتثال العلمي التفصيلي والامتثال الإجمالي

١١٣ ـ الإطلاق البدلي

١٣٠ ـ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار

١١٤ ـ الإطلاق الشمولي

١٣١ ـ الامتناع بالذات

١١٥ ـ إطلاق اللفظ وإرادة شخصه

١٣٢ ـ الامتناع بالغير

١١٦ ـ إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله

١٣٣ ـ الامتناع بالقياس

١١٧ ـ الإطلاق اللفظي الحكمي

١٣٤ ـ الأمر

١١٨ ـ الإطلاق المقامي

١٣٥ ـ الأمر الإرشادي

١١٩ ـ الإطلاق في المفاهيم الافرادية والجمل التركيبية

١٣٦ ـ أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

١٢٠ ـ الاعتبار

١٣٧ ـ الأمر المولوي

١٢١ ـ اعتبارات الماهيّة

١٣٨ ـ الأمر بالأمر

١٢٢ ـ الاعتبار في الاوضاع اللغوية

١٣٩ ـ الأمر بعد الأمر

١٢٣ ـ اعراض المشهور

١٤٠ ـ الأمر بعد الحظر

١٤١ ـ الأمر بين الأمرين

١٣

١٤٢ ـ الأمر هل يدلّ على الفور أو التراخي

١٦٢ ـ الانصراف

١٤٣ ـ الأمر هل يدلّ على المرّة أو التكرار

١٦٣ ـ الانعكاس في التعريف

١٤٤ ـ الإمكان

١٦٤ ـ انقلاب النسبة

١٤٥ ـ الإمكان الاحتمالي

١٦٥ ـ الانقياد

١٤٦ ـ إمكان التعبّد بالظن

١٦٦ ـ الأوامر الارشاديّة

١٤٧ ـ الإمكان الخاص

١٦٧ ـ ايجادية المعنى الحرفي

١٤٨ ـ الإمكان الذاتي

١٤٩ ـ الإمكان الشرعي

١٥٠ ـ الإمكان الوقوعي

١٥١ ـ الإمكان بالقياس

١٥٢ ـ الانتزاع

١٥٣ ـ انجبار ضعف الخبر بعمل المشهور

١٥٤ ـ الانحلال التعبّدي

١٥٥ ـ الانحلال الحقيقي

١٥٦ ـ الانحلال الحكمي

١٥٧ ـ انحلال العلم الإجمالي

١٥٨ ـ انحلال العلم الإجمالي الكبير بالصغير

١٥٩ ـ الانسداد

١٦٠ ـ الانسداد الصغير

١٦١ ـ الإنشاء والإخبار

١٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

حرف الألف

١ ـ الإباحة

وهي حكم من الأحكام التكليفيّة المتّصلة بفعل المكلّف ، وثبوتها لفعل من أفعال المكلّفين ينتج السعة وعدم لزوم الالتزام به.

وتنقسم الإباحة الى قسمين :

الإباحة بالمعنى الأخص : وهي التي يتساوى فيها الفعل والترك بنظر الشارع ، أي انّه ليس للفعل بنظر الشارع أيّ خصوصيّة تقتضي ترجيح فعله أو ترجيح تركه ، وبهذا ناسب أن تكون الإباحة قسيما للأحكام التكليفية الأربعة ، إذ انّها وان كانت تشترك معها في أنّها حكم تكليفي إلا انّها لا تنطبق على أحد من تلك الأقسام فعلاقتها مع سائر الأحكام علاقة التباين ، وهذا هو منشأ تسميتها بالإباحة بالمعنى الأخص ، إذ انّها لا تتداخل مع واحد من سائر الأحكام التكليفيّة ، وذلك في مقابل الإباحة بالمعنى الأعم كما سيتّضح ذلك.

والإباحة بالمعنى الأخص تنقسم الى قسمين :

١٥

الاباحة الاقتضائية : وهي التي يكون لجعلها واعتبارها من قبل الشارع منشأ وملاك يقتضي الإباحة والسعة ، كما لو كان المنشأ من جعل الاباحة هو التسهيل على العباد. ومن هنا ناسب أن يكون هذا النحو من الإباحة إباحة بالمعنى الأخص ، وذلك لان ملاك التسهيل أوجب انتفاء خصوصيّة الفعل أو الترك لو كانت ، وهذا بخلاف الاباحة بالمعنى الأعم فإن خصوصيّة الفعل ـ لو كانت ـ تبقى على حالها موجبة لترجّحه على الترك ، وهكذا خصوصية الترك ـ لو كانت ـ تبقى على حالها موجبة لترجحه على الفعل.

الإباحة غير الاقتضائية : وهي الخالية عن أيّ ملاك يقتضي الفعل أو الترك أو يقتضي جعل الإباحة. فالقيد الاول يخرج الاباحة بالمعنى الاعم ، إذ انّ الإباحة بالمعنى الأعم يكون الفعل أو الترك فيها مشتملا على ملاك يقتضي إما ترجّح الفعل أو ترجّح الترك ، والقيد الثاني يخرج الاباحة الاقتضائية.

الإباحة بالمعنى الأعم : وهي الترخيص وعدم الإلزام بالفعل أو الترك ، فهي تعم الإباحة بالمعنى الأخص كما تشمل الاستحباب والكراهة ، إذ انّ جامع الأحكام الثلاثة هو عدم الإلزام بالفعل أو الترك. ومن هنا لا تكون الاباحة بالمعنى الأعم قسيما للأحكام التكليفيّة الخمسة ، إذ انّ القسيم لا يتداخل مع قسيمه ، نعم هي قسيم للأحكام التكليفية الإلزاميّة.

* * *

٢ ـ أصالة الإباحة

اضطربت الكلمات في تحديد ما هو المراد من أصالة الإباحة والتي هي في مقابل أصالة الحظر. ويمكن تصنيف الأقوال المحدّدة لهوية هذا الأصل الى

١٦

ثلاثة أقوال :

الأوّل : هو حكم العقل بإباحة كل فعل وقع الشكّ في حكمه الواقعي ، هذا بناء على القول بأصالة الاباحة وأما بناء على القول بأصالة الحظر فالمقصود من أصالة الحظر هو حكم العقل بلزوم الامتناع عن كل فعل وقع الشك في حكمه الواقعي.

وكل ذلك معلّق على عدم ورود ما ينافي الأصل من قبل الشارع ، فلو كنا نبني على أصالة الإباحة فهذا يعني انّ الحكم بالإباحة ثابت للأشياء إذا لم يرد من الشارع منع ، وبهذا تكون أصالة الاباحة وكذلك اصالة الحظر من الأحكام العقليّة الظاهرية المتقومة بالجهل بالحكم الواقعي ، ومن هنا تكون مساوقة لاصالة البراءة العقليّة وكذلك تكون أصالة الحظر مساوقة لاصالة الاشتغال أو الاحتياط العقلي ، نعم قد يفترق الأصلان عن البراءة والاشتغال العقليين فيما لو بنينا على ان موضوع أصالة الإباحة والحظر مختص بالشبهات التحريمية ـ كما هو ليس ببعيد ـ وبهذا تكون أصالة البراءة والاشتغال أعم من أصالتي الحظر والإباحة.

وبما بيّناه يتّضح عدم الطولية بين أصالتي الاباحة والحظر وبين أصالتي البراءة والاشتغال العقليين بناء على هذا القول والذي هو منسوب لصاحب الفصول رحمه‌الله.

الثاني : هو حكم العقل بإباحة الافعال والاشياء أو المنع عنها بغض النظر عن حكم الشارع ، فالقول بأصالة الاباحة معناه حكم العقل بحلية الافعال وعدم استحقاق المكلف للعقاب عند ارتكابها ما لم يمنع الشارع عن ارتكابها.

وبناء على هذا القول تكون اصالة البراءة مغايرة تماما لاصالة الإباحة وكذلك تكون أصالة الاشتغال العقلي مغايرة تماما لاصالة الحظر ، وذلك لان

١٧

أصالتي البراءة والاشتغال متأخرة عن الحكم الشرعي ، إذ انّ موضوعهما الشك في الحكم الشرعي الواقعي في حين ان اصالتي الإباحة والحظر انما تجريان ـ بناء على هذا القول ـ في ظرف عدم الحكم الشرعي حيث قلنا انّ أصالة الإباحة تعني حكم العقل بإباحة الافعال إلا اذا منع الشارع أي إلا اذا كان هناك منع واقعي عن الفعل معلوم أو مشكوك.

ومن هنا يتضح الفرق بين مجرى الاصلين أصالة البراءة وأصالة الإباحة ، فحينما يكون المكلف قاطعا بعدم المنع الشرعي فالمجرى هو أصالة الاباحة وحينما يكون المكلف شاكا في الحكم الشرعي فالمجرى هو أصالة البراءة.

ثم انه لا يخفى عليكم انّ البناء على أصالة الإباحة لا يلازم البناء على أصالة البراءة العقلية فمن الممكن ان نبني على أصالة الإباحة وفي نفس الوقت نبني على أصالة الاشتغال العقلي وذلك لاختلاف موضوعيهما ، وكذلك البناء على أصالة الحظر لا يلازم البناء على أصالة الاشتغال كما هو واضح.

الثالث : هو انّ موضوع أصالة الاباحة وكذلك الحظر هو الافعال والأشياء بما هي ، أي انّ البحث عمّا هو الحق في حكم الاشياء هل الإباحة أو الحظر بحث عن حكم هذه الاشياء واقعا ، فتكون أصالة الاباحة ـ لو تمت ـ من الادلة الاجتهادية الكاشفة عن حكم الاشياء واقعا ، أي انّ وظيفتها هي الكشف عن الحكم الشرعي الواقعي للاشياء بعناوينها الأوليّة.

وبهذا تفترق عن أصالة البراءة والتي تكون وظيفتها تحديد الحكم الظاهري وهذا يقتضي افتراض الشك في الحكم الواقعي في رتبة متقدمة على جريان البراءة.

ومن هنا قد يقال بعدم وصول

١٨

النوبة لاصالة البراءة وذلك لكونها دليلا فقاهتيا « أصلا عملي » وهو لا يجري في موارد قيام الدليل الاجتهادي ، إلاّ انّ المحقق النائيني رحمه‌الله ذكر انه تبقى بعض الحالات يمكن جريان أصالة البراءة في موردها وذلك فيما لو اتفق امتناع التمسك بأصالة الإباحة في مورد من الموارد لمانع فإن الجاري حينئذ هو أصالة البراءة.

ثم انّ المستظهر من عبائر المحقق النائيني هو تبني القول الثالث إلاّ انّه ذكر انّ موضوع أصالة الإباحة والحظر مختص بالانتفاع المتعلق بالموضوع الخارجي. وهذا بخلاف أصالة البراءة والاشتغال فإن موضوعهما هو مطلق الفعل الصادر عن المكلّف سواء كان له ارتباط بالاعيان الخارجية من حيث انتفاع المكلّف أو لم يكن.

وبهذا يتضح انّ موضوع أصالة الاباحة وكذلك الحظر ـ بناء على هذا القول ـ مشتمل على حيثيتين الاولى : هي الاعيان الخارجية ، الثانية ان يكون نحو ارتباط المكلّف بها هو الانتفاع المناسب لكل واحد من تلك الاعيان. ومن هنا كان موضوع أصالة البراءة والاشتغال أوسع دائرة من موضوع أصالتي الاباحة والحظر بالإضافة الى تباين موضوعيهما.

* * *

٣ ـ اتصال زمان الشك بزمان اليقين

ذكر الشيخ صاحب الكفاية رحمه‌الله في بحث استصحاب الموضوعات المركبة انّ الاثر الشرعي اذا كان مترتبا على عدم أحد الحادثين في زمان تحقق الحادث الآخر بنحو العدم المحمولي ذكر ان استصحاب عدم الحادث الى زمان حدوث الآخر لا يجري سواء كان الاثر مترتبا على عدم كل منهما في

١٩

زمان الآخر أو كان الأثر مترتبا على عدم واحد من الحادثين في زمان الآخر ، أي انّ الاستصحاب في الفرض لا يجري سواء كان معارضا باستصحاب آخر ـ كما في الصورة الاولى ـ أو لم يكن معارضا كما في الصورة الثانية.

وذكر انّ منشأ عدم جريان الاستصحاب هو احتمال عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وهو يشير بذلك الى اختلال شرط من شرائط جريان الاستصحاب.

وقبل بيان مراده نقول : انّه لا ريب في اشتراط اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، بمعنى عدم الفصل بينهما بيقين آخر ، فلو كان المكلّف على يقين من الحدث ثم تيقن بالطهارة ثم شك بعد ذلك في الحدث الاول فإنّه حينئذ لا يجري استصحاب الحدث ، وذلك لانفصال زمان الشك عن زمان اليقين بالحدث.

وهذا المقدار لا إشكال فيه ، انما الكلام فيما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله والذي هو اعتبار عدم احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، فقد وقع الخلاف في مراده.

والتعرّف على مرامه يتوقف على توضيح ثلاث مقدمات :

المقدمة الاولى : هي ما قيل انّ القضايا لا تنقح موضوعاتها ، بمعنى انّ القضية تتكفل ببيان ثبوت حكم لموضوع وليس لها تصد لاثبات انّ هذا الفرد هو موضوع القضية أو انّه ليست بموضوع لها ، فإنّ هذا منوط بنفس المتلقي للخطاب ، فهو الذي عليه ان يحرز موضوعية هذا الفرد أو ذاك لهذه القضية ، مثلا حينما يقال : تصدق على الفقير ، فإنّ هذه القضية أناطت حكما بموضوع هو الفقير ، أما ما هو المراد من الفقير وكذلك أي الافراد هي مصداق لعنوان الفقير فهذا ما لا تتكفل القضية ببيانه ، وعلى

٢٠