ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

وأوجبه المرتضى (١) وابن الجنيد (٢) وسلاّر (٣) رضي الله عنهم ، لوجوب تحصيل المعتبر في الماهية من الشرط والجزء مهما أمكن.

لنا : عموم الأمر بالمخاطبة في الوقت ، وإمكان الاخترام.

وقد روى جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن يفوته الظهران والمغرب وذكر عند العشاء الآخرة ، قال : « يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل ، ثم يقضي ما فاته الأول فالأول » (٤). وفي هذا الخبر دليل على ما قلنا من الاستحباب في القاضي ، وعلى وجوب ترتيب الفوائت ، وعلى ما ادّعيناه من عدم وجوب التأخير.

وقد روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي الله : أيّها الناس قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم » (٥).

وروى أبان بن تغلب ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام بالمزدلفة ، فلما انصرف قال : « يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ ، وحافظ على مواقيتهنّ ، لقي الله يوم القيامة وله عند الله عهد يدخل به الجنة. ومن لم يقم حدودهنّ ، ويحافظ على مواقيتهن ، لقي الله ولا عهد له ، إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له » (٦). وأخبار كثيرة شاملة للمعذور وغيره.

__________________

(١) الناصريات : ٢٢٥ المسألة ٥١.

(٢) مختلف الشيعة : ١٤٩.

(٣) المراسم : ٥٤ ، ٦٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ح ١٤٦٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٣٣ ح ٦٢٤ ، أمالي الصدوق : ٤٠١ ، ثواب الاعمال : ٥٧ ، التهذيب ٢ : ٢٣٨ ح ٩٤٤.

(٦) الكافي ٣ : ٢٦٧ ح ١ ، ثواب الاعمال : ٤٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٩ ح ٩٤٥.

٤٠١

ومنها : إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كانتظار الجماعة ، أو طول الصلاة والتمكّن من استيفائها. وقد حمل الشيخ خبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام في صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتين قبل الصبح التي قضاها وخبر أبي بصير عنه في مثل ذلك ، على انتظار الجماعة ، وإلاّ لم تجز النافلة في وقت الفريضة (١).

وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المغرب : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك ، وكنت في حوائجك ، فلك الى ربع الليل » (٢).

الحادية عشرة : اشتهر بين متأخّري الأصحاب منع صلاة النافلة لمن عليه فريضة (٣) ، وقد قدمنا أخبارا تشهد بجواز ذلك منقولة من التهذيب (٤) ، وقد ذكر في الكافي ما يشهد بذلك ، فمنه :

ما رواه سماعة ، قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله ، أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : « إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن خاف الفوت فليبدأ بالفريضة ». ثم بعد كلام إمّا متّصل به ، أو من كلام الكليني : الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة ليكون فضل أول الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت (٥).

ومنه : ما رواه عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت : أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال : « نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به ، فإذا كنت وحدك‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦. والخبرين فيهما برقم ١٠٥٧ ، ١٠٥٨ ـ ١٠٤٨ ، ١٠٤٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١ ح ٩٤ ، ٢٥٩ ح ١٠٣٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ ح ٩٦٤.

(٣) مختلف الشيعة : ١٤٨.

(٤) قد مرّت الاخبار في ص ٣٠١ وما بعدها.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ح ١٠٥١ ، وصدره في الفقيه ١ : ٢٥٧ ح ١١٦٥.

٤٠٢

فابدأ بالمكتوبة » (١).

وعن محمّد بن مسلم ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا دخل وقت الفريضة ، أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال : « إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة » (٢).

احتجّ المانعون بما تقدّم من رواية المنع ، وبرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها » (٣) ، وما روي عنهم عليهم‌السلام : « لا صلاة لمن عليه صلاة » (٤).

والجواب لمّا تعارضت الروايات وجب الجمع بالحمل على الكراهية في هذا النهي ، وبنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني ، وقد ذكر فيما تقدّم التصريح بأنّ قاضي الفريضة يصلّي أمامها نافلة ركعتين (٥) ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك ، قال الكليني والصدوق : الله أنام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الصبح رحمة للأمة (٦).

الثانية عشرة : لو شكّ في فعل الصلاة ووقتها باق وجبت ، لقيام السبب ، وأصالة عدم الفعل ، وإلاّ فلا ، عملا بظاهر حال المسلم انّه لا يخلّ بالصلاة. وبه خبر حسن السند عن زرارة والفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، انّه قال : « متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انّك لم تصلّها ، أو في وقت فوتها صلّيتها. وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت ، فقد حال (٧) حائل فلا إعادة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٩ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ح ١٠٥٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٩ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ، ٦٨٥ ، ٣ : ١٥٩ ح ٣٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٦.

(٤) رسالة جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١١ ، المبسوط ١ : ١٢٧ ، الخلاف ١ : ٧٨ المسألة ٨٦.

(٥) تقدّم في ص ٣٠١ الهامش ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٤.

(٧) في المصدرين : « دخل ».

٤٠٣

عليك من شك » أورده الكليني والشيخ في التهذيب (١).

الثالثة عشرة : مضى استحباب اعادة المنفرد جماعة وإن كان وقت نهي ، وتكون المعادة نفلا ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تكن لكما سبحة » (٢) وقد مرّ أن السبحة النافلة ، ولبراءة الذمة بالأولى فيمتنع وجوب الثانية ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أتصلّى صلاة في يوم مرتين » (٣) ، أي : بنيّة الوجوب. ولا فرق بين إمام الحي وغيره.

وقد روي خبران يتضمّنان الوجوب :

أحدهما : من طريق العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا جئت الى الصلاة ، فوجدت الناس فصلّ معهم ، فإن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة » (٤).

وثانيهما : من طريق الخاصة وهو في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يصلّي وحده ، ثم يجد جماعة ، قال : « يصلي معهم ويجعلها الفريضة » (٥).

وأوّل الأول بأنّ له ثواب المكتوبة ، ويمكن تأويل الثاني به ، والشيخ حمله على جعلها من قضاء سالف ، أو على من كان في أثناء الصلاة فوجد الجماعة (٦) ، لأنّه قد روى عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد جماعة ، أيعيدها معهم؟ قال : « نعم ، هو أفضل » ، قال « فإن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٤ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ح ١٠٩٨.

(٢) تقدم في ص ٨٣ الهامش ٧.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٤١ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٨ ح ٥٧٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٤١٥ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٠٣.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٥٧ ح ٥٧٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٩ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ح ١٧٦.

(٦) التهذيب ٣ : ٥٠.

٤٠٤

لم يفعل ليس به بأس » (١).

فعلى ما قلناه ينوي النفل ، ولو نوى الظهر المعادة جاز.

وقال بعض العامة : ينوي الفرض (٢) إما للخبرين السالفين ، وإمّا لأنّه لا جماعة في نافلة.

قلنا : قد أوّل الخبران ، والجماعة هنا في النفل جائزة.

فرع :

لو لم يدرك سوى ركعتين ، فالأقرب إتمامها بحسب ما نواه ، لأنّه المأمور به. وجوّز في التذكرة التسليم على اثنتين ، لأنّها نافلة (٣). ولو أدرك ركعة ، فالوجهان. ولو أدرك ثلاثا ، فالإتمام ليس إلاّ.

ولو كانت المعادة المغرب ، اقتصر على الثلاث إذ هي المنوية. وبعض العامة : يأتي بأربع (٤) لأنّه لم يتعبّد بنافلة وترا غير الوتر ، والمفارقة للإمام محذورة فيتمها ركعتين ، وعن حذيفة : يصلي ركعتين لا غير (٥). وكلّ هذا بناء على الندب.

الرابعة عشرة : يأثم بتأخير الصلاة عن أول وقتها بعزم عدم التدارك ، ولو عزم على الفعل فلا إثم ، ولو أهمل فالظاهر الإثم مع تذكّر الوجوب. وليس العزم شرطا في جواز التأخير ، خلافا للمرتضى (٦) وتحقيقه في الأصول.

نعم ، يحرم تأخيرها عن وقتها المضروب لها ، ولا يخرج عن التحريم بإبقاء ركعة وإن حصل بها الأداء ، لأنّ ذلك بحكم التغليب ولتحصيل البراءة ، وإلاّ فالركعات الباقية خارجة عن الوقت مع وجوب فعلها فيه ، والإخلال‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٠ ح ١٧٥.

(٢) المجموع ٤ : ٢٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٠٣.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٠.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٦٠ ، المجموع ٤ : ٢٢٥.

(٥) انظر : المغني ١ : ٧٨٨ والشرح الكبير ٢ : ٧.

(٦) الذريعة ١ : ١٣٤.

٤٠٥

بالواجب حرام.

ويكره تأخير الصبح عن الإسفار ، والعصر الى الاصفرار ، لما سلف ، ويلزم منه كراهة تأخير الظهر الى حدّ يدخل العصر في الاصفرار. وكذا يكره تأخير كلّ صلاة عن وقت الفضيلة ، لما تقدّم من الأخبار الدالة على المنع ، فأقلّ أحواله الكراهية. فحينئذ تتعدّد أوقات الصلوات ( بالأفضل والفضيلة والجواز والكراهة والإجزاء.

الخامسة عشرة : صلاة الصبح من صلاة النهار عند الكل ، إلاّ أبا محمد الأعمش إذ حكي عنه أنّها من صلاة الليل (١) بناء على انّ أول النهار طلوع الشمس ، حتى للصوم فيجوز الأكل والشرب الى طلوع الشمس عنده ، قال في الخلاف : وروي ذلك عن حذيفة (٢) لقوله تعالى ( وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (٣) وآية النهار : الشمس ، ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلاة النهار عجماء » (٤).

وجوابه : منع انّ الآية الشمس ، بل نفس الليل والنهار آيتان ، وهو من اضافة التبيين كإضافة العدد الى المعدود. سلّمنا انّها الشمس ، ولكنّ علامة الشي‌ء قد تتأخر حتى تكون بعد دخوله. سلّمنا انّ الشمس علامة النهار ، وأنّها متقدمة ، لكنّ الضياء الحاصل من أول الفجر عن الشمس فكأنّ الشمس طالعة ، وفي الحقيقة هي طالعة ، وإن تأخّر رؤية جرمها ، ولهذا اختلفت أوقات المطالع بحسب الأقاليم. وأمّا الخبر فقد نسبه الدار قطني إلى الفقهاء ، أو يحمل على معظم صلاة النهار.

ويعارض باستقرار الإجماع على خلافه ، وبقوله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٥.

(٢) الخلاف ١ : ٢٢٦ المسألة ٩.

(٣) سورة الإسراء : ١٢.

(٤) عوالي اللئالي ١ : ٤٢١ ح ٩٨.

٤٠٦

طَرَفَيِ النَّهارِ ) (١) ، قال الشيخ : ولم يختلفوا انّ المراد بذلك صلاة الصبح ، وصلاة العصر (٢).

السادسة عشرة : من ترك الصلاة الواجبة من المسلمين مستحلا فهو مرتدّ ، يقتل إجماعا إن ولد على الفطرة من غير استتابة ، لعلم ثبوتها من الدين ضرورة ، ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة » (٣) ، وبه احتج في الخلاف ، وقال : أجمعت الفرقة على روايته (٤). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من ترك الصلاة متعمدا ، فقد برئت منه الذمة » (٥).

وإذا قتل لم يصلّ عليه ، ولم يدفن في مقبرة المسلمين ، وماله لوارثه المسلم.

وإن كان مسلما عن كفر استتيب ، فإن تاب وإلاّ قتل ، لقوله تعالى ( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) الآية (٦).

ولو ادعى المستحلّ الشبهة ، وأمكنت في حقّه ـ بأن كان قريب العهد بالإسلام ، أو ساكن بادية يمكن في حقه عدم علم وجوبها ـ قبل منه.

ولو تركها غير مستحلّ عزّر ثلاثا ، وقتل في الرابعة.

قال في المبسوط : إذا خرج وقت الصلاة أمر بأن يقضيها ، فان أبى عزّر.

وإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات ، وعزّر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة ، لما روي عنهم عليهم‌السلام : « إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في‌

__________________

(١) سورة هود : ١١٤.

(٢) الخلاف ١ : ٢٦٧ المسألة ٩.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٨٨ ح ١٣٤ ، سنن أبي داود ٤ : ٢١٩ ح ٤٦٧٨ ، مسند أبي يعلى ٣ : ٣١٨ ح ١٧٨٣ ، مسند أبي عوانة ١ : ٦١ ، المعجم الصغير ١ : ١٣٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ٥٣.

(٤) الخلاف ١ : ٦٩٠ المسألة ٦.

(٥) مسند أحمد ٦ : ٤٢١.

(٦) سورة التوبة : ٥.

٤٠٧

الرابعة » ، وذلك عام في جميع الكبائر (١).

مع انّه قال في الخلاف : روي عنهم : « انّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة » (٢).

وقال في المبسوط : « ولا يقتل حتى يستتاب ، فإن تاب والاّ قتل ، وكفّن وصلّي عليه ، ودفن في مقابر المسلمين ، وميراثه لورثته المسلمين (٣).

فقضية كلام الشيخ اشتراط ترك أربع صلوات حتى يخرج وقتها ، وانّه لا يقتل حتى يعزّر ثلاثا ، ويستتاب فيمتنع من التوبة.

والذي رواه الأصحاب عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، انّه قال : « أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة » (٤).

وروى أبو خديجة عنه عليه‌السلام في المرأتين في لحاف بلا حاجز : تحدّان ، ثم تقتلان في الثالثة (٥).

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا حدّ شارب الخمر مرتين قتله في الثالثة (٦) ، وبه عدة أخبار. قال الكليني : قال جميل : وروى بعض أصحابنا انّه يقتل في الرابعة (٧).

ولم أقف في الرابعة على حديث عام ، بل روى أبو خديجة عن الصادق‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٩.

(٢) الخلاف ١ : ٦٩٠ المسألة ٦.

والرواية في : الكافي ٧ : ١٩١ ح ٢ ، الفقيه ٤ : ٥١ ح ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ٤ : ٢١٢ ح ٧٩٢.

(٣) المبسوط ١ : ١٢٩.

(٤) الكافي ٧ : ١٩١ ح ٢ ، الفقيه ٤ : ٥١ ح ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ٤ : ٢١٢ ح ٧٩١.

(٥) الكافي ٧ : ٢٠٢ ح ٤ ، التهذيب ١٠ : ٥٩ ح ٢١٤ ، الاستبصار ٤ : ٢١٧ ح ٨١١.

(٦) الكافي ٧ : ٢١٨ ح ١ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ ح ٣٦٦.

(٧) الكافي ٧ : ٢١٨ ح ٤.

٤٠٨

عليه‌السلام في المرأتين في لحاف : القتل في الرابعة (١) كما روى في الثالثة.

وروى زرارة أو بريد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا زنى الحرّ أربع مرات أقيم عليه الحد ، قتل » (٢). وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة » (٣).

مع انّ جميل بن درّاج قال : « روى أصحابنا : انّ الزاني يقتل في الثالثة (٤). وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ، فرفع الى الإمام ، يقتل في الثالثة » (٥).

وعن أبي بصير ، قال قلت : آكل الربا بعد البيّنة؟ قال : « يؤدّب ، فإن عاد أدّب ، فإن عاد قتل » (٦). وفي الخلاف : يقتل في الثالثة ، لما رواه يونس عن الماضي عليه‌السلام (٧).

ونقل المحقق الثالثة ثم احتاط بالرابعة (٨) لما نقله الشيخ. وقد أوّل خبر أبي فروة عن الصادق عليه‌السلام : في آتي البهيمة الحد وروى جميل عنه عليه‌السلام القتل بالتكرر ، قال : لأنّا قد روينا أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة أو الرابعة ، ثم ذكر خبر يونس بالثالثة (٩).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠٢ ح ٤ ، الفقيه ٤ : ٣١ ح ٨٨ ، التهذيب ١٠ : ٤٤ ح ١٥٩ ، الاستبصار ٤ : ٢١٧ ح ٨١١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٣٥ ح ٧ ، الفقيه ٤ : ٣١ ح ٩٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٧ ح ٨٦.

(٣) الكافي ٧ : ١٩١ ح ١ ، التهذيب ١٠ : ٣٧ ح ١٢٩ ، الاستبصار ٤ : ٢١٢ ح ٧٩٠.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥٦ ح ٥.

(٥) الكافي ٧ : ٢٥٨ ح ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٤١ ح ٥٥٧.

(٦) الكافي ٧ : ٢٤١ ح ٩ ، الفقيه ٤ : ٥٠ ح ١٧٦ ، التهذيب ١٠ : ٩٨ ح ٣٨٠.

(٧) الخلاف ١ : ٦٩٠ المسألة ٦.

وقد مرت الرواية في صفحة ٤٠٨ الهامش ٢.

(٨) شرائع الإسلام ١ : ١٢٢.

(٩) التهذيب ١٠ : ٦٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٥.

وخبر أبي فروة في التهذيب ١٠ : ٦٢ ح ٢٢٧ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٤ ح ٨٤٠ ، عن أبي جعفر

٤٠٩

فروع :

الأول : إذا كان ترك الصلاة مع الاستحلال ارتدادا فالمرأة لا تقتل بتركها ، بل تحبس وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت ، لما رواه ابن محبوب عن غير واحد من الأصحاب ، عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : « المرأة إذا ارتدّت استتيبت ، فإن تابت وإلاّ خلّدت السجن ، وضيّق عليها في حبسها » (١).

وعن عبّاد بن صهيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المرتدّ يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل. والمرأة تستتاب ، فإن تابت وإلاّ حبست في السجن وأضرّ بها » (٢).

ولو تركتها لا مستحلّة وعزّرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة كالرّجل ، وكذا في جميع مواضع تكرار الحدّ أو التعزير ، والله أعلم.

الثاني : لا فرق بين ترك الصلاة وترك شرط أو جزء مجمع عليه ـ كالطهارة والركوع ـ أمّا المختلف فيه كإزالة النجاسة ، وتعيين الفاتحة ، ووجوب الطمأنينة ، فلا يقتل مستحلّ تركه.

الثالث : لو ادّعى النسيان أو الغفلة في إخباره عن استحلال الترك ، أو أوّل الصلاة بالنافلة قبل منه ، لقيام الشبهة الدارئة للحد.

ولو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان ، أو عدم المطهّر ، قبل عذره ويؤمر بالقضاء. فإن امتنع منه عزّر إن أوجبنا الفور ، وإن قلنا بالتراخي فلا ، فلو تكرّر التعزير أمكن انسحاب حكم الأداء.

__________________

عليه‌السلام.

وخبر جميل في التهذيب ١٠ : ٦١ ح ٢٢٣ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٤ ح ٨٣٦.

(١) الكافي ٧ : ٢٥٦ ح ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٧ ح ٥٤٣ ، الاستبصار ٤ : ٢٥٣ ح ٩٥٩.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٤٤ ح ٥٦٩ ، الاستبصار ٤ : ٢٥٥ ح ٩٦٧.

٤١٠

ولو استحلّ ترك القضاء ، فالظاهر انّه كترك الأداء. ولو اعتذر عن الترك بالكسل أو المرض لم يقبل منه ، وطولب المريض بالصّلاة بحسب حاله ، فإن امتنعا عزّرا ثلاثا ثم القتل.

الرابعة : قال الفاضل في التذكرة : الظاهر من قول علمائنا انّه بعد التعزير ثلاثا يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة (١).

وقال في النهاية : يحتمل أن يضرب حتى يصلّي أو يموت (٢) وهو منقول عن بعض العامة (٣).

ووافق الفاضل الشيخ في انّه لا يقتل في الرابعة حتى يستتاب ، ولا يسوغ قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة ولا بما زاد ، ما لم يتخلل التعزير ثلاثا ، لأصالة حقن الدم (٤) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حقّ » (٥).

الخامس : توبة تاركها مستحلا في موضع قبولها هو إخباره عن اعتقاد وجوبها وفعلها ، فلو أخّر ولم يفعل عزّر ، ولو فعل ولمّا يخبر لم تتحقّق التوبة. والظاهر انّه لا يكفي إقراره بالشهادتين هنا ، لأنّ الكفر لم يقع بتركهما.

السادس : لو صلّى الكافر لم يحكم بإسلامه ، سواء صلّى في دار الإسلام أو دار الكفر ، لأن الإسلام هو الشهادتان. ولو سمع تشهّده فيها ، فالظاهر انّه لا يكفي ، لإمكان الاستهزاء ، فلو أعرب عن نفسه الكفر بعده لم يكن مرتدّا. وكذا لو صلّى المرتدّ لم يحكم بعوده إلى الإسلام. وهذه المسألة‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٦.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٣٣٩.

(٣) قاله أبو العباس ، لاحظ : المجموع ٣ : ١٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٦.

(٥) مسند أحمد ١ : ٦١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٧ ح ٢٥٣٣ ، سنن أبي داود ٤ : ١٧٠ ح ٤٥٠٢ ، الجامع الصحيح ٤ : ٤٦٠ ح ٢١٥٨ ، المستدرك على الصحيحين ٤ : ٣٥٠.

٤١١

وفروعها لم أقف فيها على نصّ معيّن من طريقنا ، ولم يذكرها من الأصحاب إلاّ القليل.

٤١٢

الفصل الرابع :

في مواقيت القضاء.

والكلام فيه يشتمل على مسائل :

الأولى : وقت القضاء للفائتة الواجبة ذكرها ما لم تتضيّق الحاضرة ، لقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (١) ، أي : لذكر صلاتي ، قال كثير من المفسرين : إنّها في الفائتة ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من نام عن صلاة أو نسيها ، فليقضها إذا ذكرها ، إنّ الله تعالى يقول ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » (٢).

وروى زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى ، فإن كنت تعلم انّك إذا صلّيت الفائتة كنت من الأخرى في وقت ، فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله تعالى يقول ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ). وإن كنت تعلم انّك إذا صلّيت الفائتة ، فاتتك التي بعدها ، فابدأ بالتي أنت في وقتها » (٣). وفيه دلالات ثلاث : التوقيت بالذكر ، ووجوب القضاء ، وتقديمه على الحاضرة مع السعة.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : « من نام عن صلاة أو نسيها ، فليصلّها إذا ذكرها ، فإنّ ذلك وقتها » (٤). وفيه دلالتان :

إحداهما : توقيت قضاء الفائتة بالذكر.

والثاني : وجوب القضاء مع الفوات ، ووجوبه في حقّ المعذور يستلزم‌

__________________

(١) سورة طه : ١٤.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٥ ، التفسير الكبير ٢٢ : ٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥١.

(٤) سنن الدار قطني ١ : ٤٢٣ ، السنن الكبرى ٢ : ٢١٨ ، وراجع تلخيص الحبير ٢ : ٣٤٩.

٤١٣

أولويّته في حقّ غيره ، ولما تقدّم في خبري : « خمس صلوات » (١).

وعن زرارة عن الباقر عليه‌السلام فيمن صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات ، أو نام ، قال : « يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا » (٢) وتقريره كالسالف.

الثانية : ظاهر الأكثر وجوب الفور في القضاء ، إما لأن الأمر المطلق للفور ـ كما قاله المرتضى والشيخ (٣) ـ وإمّا احتياطا للبراءة.

وهؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت ، ويبطلون الحاضرة لو عكس متعمّدا. وبالغ المرتضى ـ رحمه‌الله ـ وأتباعه ، فمنع ـ في المسائل الرسّيّة ـ من أكل يفضل عما يمسك الرمق ، ومن نوم يزيد على ما يحفظ الحياة ، ومن تعيّش يزيد على قدر الضرورة ، ومن الاشتغال بجميع المباحات والمندوبات والواجبات الموسعة قبل القضاء (٤).

ويحتجّون : تارة بالاحتياط المحصّل ليقين البراءة ، وبتركه يتعرّض المكلّف للضرر المظنون الذي يجب التحرّز منه عقلا.

وتارة بقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ).

وآونة بخبري الخمس ، وخبري زرارة السابقين (٥) وفي عبارة أخرى لزرارة عن الباقر عليه‌السلام : « فإذا دخل وقت الصلاة ، ولم يتم ما قد فاته ، فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه التي حضرت » (٦).

__________________

(١) تقدما في ص ٣٨٩ الهامش ٤ ، ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ح ٦٨١.

(٣) الذريعة ١ : ٥٣ ، عدة الأصول ـ مخطوط ـ : ٨٥.

(٤) أجوبة المسائل الرسية ٢ : ٣٦٥ ، المهذب ١ : ١٢٥.

(٥) تقدما في ص ٣٨٩ الهامش ٤ ، ص ٣٩٠ الهامش ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٥ ، ٢٦٦ ح ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٦.

٤١٤

وبما رواه أبو بصير ، قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر ، قال : « يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات ، وتبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة ، فتبدأ بالتي أنت في وقتها » (١).

وبخبر عمرو بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن صلّى الى غير القبلة ، ثم تبيّن له وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : يصلّيها (٢) قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها » (٣).

واحتجّ السيد على بطلان الحاضرة مع السعة بالنهي عنها ، إمّا لأنّ الأمر بالشي يستلزم النهي عن ضده ، وإمّا بما روي من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة لمن عليه صلاة » (٤).

واحتج بعض المتأخرين على مذهب السيد ـ من المنع عن المنافي للقضاء ـ برواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام فيمن فاته نوافل لا يدري كم هو من كثرته ، قال : « يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته ». قلت : لا يقدر على القضاء من شغله. قال : « ان كان شغله في طلب معيشة لا بد منها ، أو حاجة لأخ مؤمن ، فلا شي‌ء عليه. وان كان شغله للدنيا وتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، والاّ لقي الله مستخفّا متهاونا مضيّعا للسنة » (٥). قال : وهو من باب التنبيه (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٤ ، ٢٦٨ ح ١٠٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥٠.

(٢) في المصدرين : « يعيدها ».

(٣) التهذيب ٢ : ٤٦ ح ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٨.

(٤) جوابات المسائل الرسية الأولى ٢ : ٣٦٤.

(٥) جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١١ ، المبسوط ١ : ١٢٧ ، الخلاف ١ : ٣٨٦ المسألة : ١٣٩.

(٦) المحاسن : ٣١٥ ، الكافي ٣ : ٤٥٣ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ ح ٢٥ ، ١٩٨ ح ٧٧٨.

٤١٥

وابنا بابويه ـ رحمهما الله ـ على المواسعة المحضة ، حتى انّهما يستحبان تقديم الحاضرة على الفائتة مع السعة (١) وتبعهما أكثر المتأخرين (٢) قال الفاضل : هو مذهب والدي وأكثر من عاصرناه من المشايخ (٣).

ويجيبون عن الاحتياط : بأنّه لو تم اقتضى الأولوية لا الوجوب ، ونحن نقول باستحباب تقديم الفائتة ، وبمعارضته بأصالة البراءة ، وبتجويز الاخترام قبل فعل الحاضرة ، فالاحتياط البدأة بها.

وعن الآية : انّ المفسرين ذكروا فيها وجوها منها هذا.

ومنها : انّ الصلاة تذكّر بالمعبود ، وتشغل القلب واللسان بذكره.

ومنها : انّ اللام للتعليل ، أي : لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها.

ومنها : انّ المراد لذكري خاصة ، أي : لا تراء بها ولا تشبها بذكر غيري.

ومنها : انّ المراد لأذكرك بالثناء.

ومنها : ان المراد باللام التوقيت ، فيشمل جميع مواقيت الصلاة.

وحينئذ لا يتعيّن ما ذكرتم للإرادة ، إذ خبر الواحد لا ينهض حجة في مخالفة المشهور ، مع معارضته بمثله. سلّمنا ، لكن نمنع الوجوب المضيّق ، فإن الأمر لا يدلّ على الفور ، وقد تحقّق في الأصول.

وعن الأخبار : بأنّها تدلّ على مطلق الوجوب ، امّا على الوجوب المضيّق فلا ، فانّ في خبري الخمس : صلاة الكسوف والجنازة والإحرام (٤) ، ولا يقول أحد بوجوب تقدّمها على الحاضرة تضييقا ، مع المعارضة بوجوه :

أحدها : قضية الأصل ، فإنّه دليل قطعي حتى يثبت الخروج منه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٢ ، المقنع : ٣٢ ، مختلف الشيعة : ١٤٤.

(٢) راجع : الوسيلة : ٨٤ ، المعتبر ٢ : ٤٠٥ ، قواعد الاحكام : ٤٤.

(٣) مختلف الشيعة : ١٤٤.

(٤) تقدما في ص ٣٨٩ الهامش ٤ ، ٥.

٤١٦

وثانيها : لزوم الحرج والعسر والضرر المنفي بالكتاب والسنة.

وثالثها : عموم آي الصلاة ، مثل ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١) ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (٢) فإنه يشمل من عليه فائتة وغيره.

ورابعها : معارضة الأخبار بمثلها. فروى ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إن نام رجل ونسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وان خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء. وان استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ، ثم المغرب ، ثم العشاء » (٣).

وروى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام نحو ذلك (٤).

وروى سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام : « إذا دخل الوقت عليك فصلّها ، فإنّك لا تدري ما يكون » (٥).

وخبر جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام ـ وقد مرّ في المسألة ـ صريح في تقديم الحاضرة (٦).

وروى عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام : « ان حضرت العتمة ، وذكر انّ عليه صلاة المغرب ، فأحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ ، وان أحبّ بدأ بالعتمة ، ثم صلّى المغرب بعد » (٧). وهذا صريح في التخيير ، فان كان مغرب يومه بني على خروج المغرب بربع الليل أو بغيره ، وان كان مغرب أمسه فأوضح في الدلالة.

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٨.

(٢) سورة النور : ٥٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٦. وفي الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٣ عن ابن مسكان.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ح ١٠٨٢.

(٦) تقدم في ص ٣٨٣ الهامش ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٧١ ح ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ح ١٠٥٥.

٤١٧

والأخبار الدالة على عدم القضاء في أوقات الكراهة ، وعلى جواز النافلة لمن عليه قضاء ، تدل على ذلك أيضا ، وقد سلفت.

وخامسها : تسويغ الأصحاب الأذان والإقامة للقاضي (١) مع استحبابهما ، وقد رووه بطرق كثيرة.

منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن صلى اليومين والثلاثة جنبا : « يتطهر ، ويؤذن ويقيم في أولهن ، ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة » (٢).

ومنها : خبر قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصبح ، فإنه أمر بلالا بالأذان بل وصلّى نافلتها قبلها (٣).

ومنها : خبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٤) وسيأتي ان شاء الله تعالى.

وسادسها : في رواية الحسن بن زياد عن الصادق عليه‌السلام في عدم العدول في العشاء الى المغرب (٥) وتقريره كما مر ، وحمله هنا على مغرب أمسه أولى ، لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام الدالة على العدول عن العشاء الى المغرب إلى الركعة الثالثة (٦).

والأمر بالشي‌ء على التضيّق يستلزم النهي عن ضده ، فلم قلتم انّ الأمر هنا مضيّق؟

وأما حديث : « لا صلاة لمن عليه صلاة » فلم نستثبته من طرقنا ، وانما أورده الشيخ في المبسوط والخلاف مرسلا (٧). وفي التهذيب بطريق معتبر عن‌

__________________

(١) راجع : المقنعة : ٣٥ ، المبسوط ١ : ٩٥ ، المعتبر ٢ : ١٣٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٩ ح ٣٤٢.

(٣) سيأتي مفصلا في ص ٤٢٢.

(٤) سيأتي في ص ٤٢٠ الهامش ١.

(٥) تقدمت في ص ٣٨٤ الهامش ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠.

(٧) المبسوط ١ : ١٢٧ ، الخلاف ١ : ٣٨٦ المسألة ١٣٩.

٤١٨

علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرّت الشمس أتصلح أولا؟ قال : « لا صلاة في وقت صلاة » ، وقال : « إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب ، ثم صل على الجنائز » (١). ويحملان على النافلة ، أو على نفي الكمال.

وأما خبر النافلة ، فهو من التغليظ في النافلة إذ لا يقول أحد بوجوبه ، فإذا كان هذا المنبّه غير واجب ، فكيف يستفاد الوجوب في المنبّه عليه؟

تنبيه :

صار بعض الأصحاب من المتأخرين إلى تعجل (٢) قضاء الفائتة مع الوحدة والسعة (٣) وبعضهم الى تعيّن ما ليومه وان تعدّدت (٤). والحامل على ذلك روايتان صحيحتان :

رواية صفوان عن أبي الحسن عليه‌السلام في ناسي الظهر حتى غربت الشمس ، قال : « كان أبو جعفر أو كان أبي عليهما‌السلام يقول : إذا أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، والاّ صلى المغرب ثم صلاها » (٥).

ورواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء ، وكان عليك قضاء صلوات ، فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ، ثم صل ما بعدها بإقامة ، إقامة لكل صلاة ». قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « وان كنت قد صليت الظهر ، وقد فاتتك الغداة فذكرتها ، فصل أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر. ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها ».

وقال : « ان نسيت الظهر حتى صليت العصر ، فذكرتها وأنت في الصلاة‌

__________________

(١) قرب الاسناد : ٩٩ ، التهذيب ٣ : ٣٢٠ ح ٩٩٦.

(٢) في س : تعجيل.

(٣) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٤٠٥.

(٤) كالعلامة في مختلف الشيعة : ١٤٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧٣.

٤١٩

أو بعد فراغك ، فأنوها الاولى ثم صل العصر ، فإنما هي أربع مكان أربع. وان ذكرت انك لم تصل الاولى ، وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين ، فصل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر.

وان كنت ذكرت انك لم تصل العصر ، حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها ، فصل العصر ثم صل المغرب. وان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر. وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ، ثم ذكرت العصر ، فانوها العصر ثم سلم ، ثم صل المغرب.

وان كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب ، فقم فصل المغرب. وان كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين ، أو قمت في الثالثة ، فانوها المغرب ثم سلم ، ثم قم فصل العشاء الآخرة.

وان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر ، فصل العشاء الآخرة. وان كنت ذكرتها وأنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ، ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم.

وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتك جميعا ، فابدأ بهما قبل ان تصلي ، الغداة ، ابدأ بالمغرب ثم بالعشاء. وان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بهما ، فابدأ بالمغرب ، ثم بالغداة ، ثم صل العشاء. وان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ، ثم صل المغرب والعشاء ، ابدأ بأولهما لأنهما جميعا قضاء ، أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس ». قلت : فلم ذاك؟ قال : « لأنك لست تخاف فوته » (١).

قال الشيخ في الخلاف : جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله ، وحمل قوله : فليجعلها ظهرا بعد الفراغ ، على مقاربة الفراغ (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠.

(٢) الخلاف ١ : ٣٨٦ المسألة ١٣٩.

٤٢٠