ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

المحرم يستاك؟ قال : « نعم ، ولا يدمي » (١).

الثانية : يكره في الخلاء ، لما مر. وكذا في الحمّام ، لأنّه يورث وباء الأسنان ، قاله الصدوق (٢).

الثالثة : ينبغي أن يكون عرضا ، لما رواه عن الباقر عليه‌السلام أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « اكتحلوا وترا ، واستاكوا عرضا » (٣).

الرابعة : يجوز الاعتياض عن السواك‌ بالمسبّحة والإبهام عند عدمه أو ضيق الوقت ، لما رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، في الرجل يستاك بيده إذا قام إلى الصلاة ، وهو يقدر على السواك ، قال : « إذا خاف الصبح فلا بأس به » (٤).

وروى الكليني مرسلا : « أدنى السواك أن تدلك بإصبعك » (٥). وقد أسنده في التهذيب إلى السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : التسوّك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك » (٦).

الخامسة : لو ضعفت الأسنان عنه بحيث يتضرّر به جاز تركه ، لما روي :ان الصادق عليه‌السلام تركه قبل أن يقبض بسنتين لضعف أسنانه (٧).

السادسة : ليكن بقضبان الأشجار على الأفضل ، وأفضلها الأراك ، لفعل السلف. وليكن ليّنا لئلا يقرح اللّثة ، فإن كان يابسا ليّن بالماء.

وتتأدّى أصل السنة بالخرقة الخشنة وبالإصبع ، كما قلناه.

السابعة : لا بأس بإمراره على سقف الفم وظهور الأضراس ، لما فيه من التنظيف.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٣ ح ١٠٧٨.

(٢) الفقيه ١ : ٣٣ ، ٦٤.

(٣) الفقيه ١ : ٣٣ ح ١٢٠.

(٤) قرب الاسناد ١ : ٩٥ ، الفقيه ١ : ٣٤ ح ١٢٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٣ ح ٥.

(٦) التهذيب ١ : ٣٥٧ ح ١٠٧٠.

(٧) الفقيه ١ : ٣٣ ح ١٢١ ، علل الشرائع : ٢٩٥.

١٨١

والظاهر : عدم كراهية استياكه بسواك غيره بإذنه ، للأصل.

الثامنة : أورد العامة في الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحباب السّواك لدخول الإنسان بيته (١) ، ولا بأس به لما فيه من الاستطابة.

التاسعة : يستحبّ تمرين الصبي عليه كالبالغ ، ليألفه ، وكسائر العبادات.

العاشرة : تغيّر النكهة له أسباب منها : النوم ، وطول السكوت ، وترك الأكل ، وأكل كريه الرائحة ، وقلح (٢) الأسنان ، وأبخرة المعدة ، وفي جميعها يستحب.

ويستحب غسل السواك بعد الفراغ ليزول عنه الأذى ، وأمام الاستياك ليلينّه إلاّ في الصوم ، وتجفيفه بعد الغسل.

السابع : روى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام : « إذا توضأ الرجل صفق وجهه بالماء ، فإنّه إن كان ناعسا استيقظ ، وإن كان يجد البرد فزع فلم يجد البرد » (٣) وافتى به والده في الرسالة.

وهو في التهذيب من مراسيل ابن المغيرة عنه عليه‌السلام (٤) ، وعارضه بخبر السكوني عنه عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضأتم » وجمع بينهما بحمل هذا على الأولى ، والأول على الإباحة (٥).

الثامن : تخليل شعر الوجه ، حسب ما مرّ.

التاسع : تثنية الغسلات في الأعضاء الثلاثة بعد تمام الغسل بالأولى في أظهر الأقوال ـ ونقل فيه ابن إدريس الإجماع (٦) بناء على عدم الاعتداد بخلاف‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٢٠ ح ٢٥٣ ، سنن النسائي ١ : ١٣ ، السنن الكبرى ١ : ٣٤.

(٢) القلح : صفرة الأسنان. الصحاح ـ مادة قلح.

(٣) الفقيه ١ : ٣١ ح ١٠٦ ، علل الشرائع : ٢٨١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٧ ح ١٠٧١ ، الاستبصار ١ : ٦٩ ح ٢٠٧ ، باختلاف يسير.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٧ ح ١٠٧٢ ، الاستبصار ١ : ٦٩ ح ٢٠٨.

(٦) السرائر : ١٧.

١٨٢

المعيّن ـ لما رووه عن أبي هريرة : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ مرتين مرتين (١). وروينا عن معاوية بن وهب وصفوان وزرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « الوضوء مثنى مثنى » (٢).

ولا يراد به الوجوب ، للامتثال بالمرة ، ولما رووه عن ابن عباس : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ مرة مرة (٣). وروينا عن عبد الكريم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ما كان وضوء علي عليه‌السلام إلاّ مرة مرة » (٤). وروى يونس بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « مرة مرة » (٥).

وقال الصدوق في المقنع ، ومن لا يحضره الفقيه : الوضوء مرة ، واثنتان لا يؤجر ، وثلاث بدعة. وطعن في أخبار المرتين بانقطاع السند ، وبالحمل على التجديد (٦).

قلت : الأخبار التي رويناها بالمرتين في التهذيب متصلة صحيحة الإسناد ، فلا عبرة بانقطاع غيرها ، والحمل على التجديد خلاف الظاهر.

تنبيه :

المشهور تحريم الثالثة ، لأنّها إحداث في الدين ما ليس منه وهو معنى البدعة ـ قال بعضهم : ولمنعها عن الموالاة الواجبة ، وهو بناء على المتابعة ـ ولمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٣٤ ح ١٣٦ ، الجامع الصحيح ١ : ٦٢ ح ٤٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ١٥٠ ، السنن الكبرى ١ : ٧٩.

(٢) التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٨ ـ ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٧٠ ح ٢١٣ ـ ٢١٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٥١ ، سنن أبي داود ١ : ٣٤ ح ١٣٨ ، الجامع الصحيح ١ : ٦٠ ح ٤٢ ، سنن النسائي ١ : ٦٢ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ١٥٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٦ ، الاستبصار ١ : ٦٩ ح ٢١١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦ ، ٢٩ ، المقنع : ٤ ، الهداية : ١٦.

١٨٣

يؤجر ، والثالثة بدعة » (١).

وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل بعدم التحريم (٢) لقول الصادق عليه‌السلام في رواية زرارة : « الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يؤجر عليه » (٣).

قلنا : هو أعم من الدعوى مع معارضة الشهرة.

ثم المفيد جعل الزائد على الثلاث بدعة يؤزر فاعلها (٤).

وابن أبي عقيل : إن تعدّى المرتين لا يؤجر على ذلك (٥).

وابن الجنيد : الثالثة زيادة غير محتاج إليها (٦).

وبالغ أبو الصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة (٧) وهو حسن إن مسح بمائها.

وقال الكليني ـ رحمه‌الله ـ لمّا روى : « ما كان وضوء علي عليه‌السلام إلاّ مرة مرة » : هذا دليل على أن الوضوء مرة مرة ، لأنه عليه‌السلام كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله تعالى أخذ بأحوطهما وأشدّهما على بدنه. وإن الذي جاء عنهم أنه قال : « الوضوء مرتان » انّه هو لمن لم يقنعه مرة فاستزاده ، فقال : « مرتان » ثم قال : « ومن زاد على مرتين لم يؤجر ». وهو أقصى غاية الحدّ في الوضوء الذي من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء ، وكان كمن صلّى الظهر خمسا. ولو لم يطلق عليه‌السلام في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث (٨).

قلت : هذا نحو كلام ابن بابويه ، والتأويل مردود بإطلاق الأحاديث.

هذا كلّه إذا لم يتّق ، فلو ثلّث للتقية فلا تحريم هنا ولا كراهية قطعا ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨١ ح ٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٧١ ح ٢١٧.

(٢) مختلف الشيعة : ٢٢.

(٣) التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٧٠ ح ٢١٥.

(٤) المقنعة : ٥.

(٥) مختلف الشيعة : ٢٢.

(٦) مختلف الشيعة : ٢٢.

(٧) الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٨) الكافي ٣ : ٢٧.

١٨٤

لوجوب دفع الضرر ، وما رواه داود بن زربي ـ بكسر الزاء ثم الراء الساكنة ثم الباء الموحدة ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء ، فقال : « توضّأ ثلاثا ثلاثا » ، ثم قال : « أليس تشهد بغداد وعساكرهم »؟ قلت : بلى. قال : « فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي ، فرآني بعضهم ولا أعلم به ، فقال : كذب من زعم أنّك فلاني وأنت تتوضأ هذا الوضوء! فقلت : لهذا والله أمرني » (١).

العاشر : بدأة الرجل بظاهر ذراعه في الاولى ، وبالباطن في الثانية ، والمرأة تعكس ، لرواية محمّد بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام : « فرض على النساء في الوضوء أن يبد أن بباطن أذرعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع » (٢). وحمل على التقدير والتبيين ، للاتفاق على عدم وجوبه (٣).

وهذه الرواية مطلقة في الغسلتين ، وأكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الأولى والثانية بين الرجل والمرأة (٤) والفرق شي‌ء ذكره في المبسوط (٥) وتبعه : ابن زهرة (٦) والكيدري ، وابن إدريس (٧) والفاضلان (٨). وباقي كتب الشيخ على الإطلاق (٩) كباقي الأصحاب.

الحادي عشر : الدعاء عند كل فعل ، وقد مرّ بعضه (١٠) ودلّ على الباقي الرواية المشهورة عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « بينا أمير المؤمنين ذات يوم جالسا ومعه ابن الحنفية ، وقال له : يا محمد ائتني‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨٢ ح ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٧١ ح ٢١٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩٣.

(٣) المعتبر ١ : ١٦٧.

(٤) راجع : المقنعة : ٥ ، المراسم : ٣٩ ، الوسيلة : ٥١ ، المعتبر ١ : ١٦٧.

(٥) المبسوط ١ : ٢٠.

(٦) الغنية : ٤٩٢.

(٧) السرائر : ١٧.

(٨) شرائع الإسلام ١ : ٢٤ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢١ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٧.

(٩) راجع : النهاية : ١٣ ، الجمل والعقود : ١٥٩.

(١٠) تقدّم في ١٧٥ الهامش ١ ، ١٧ الهامش ١ ، ٢ ، ٣ وغيرها في مواردها.

١٨٥

بإناء من ماء أتوضأ للصلاة ، فأتاه فأكفاه بيده اليسرى على يده اليمنى ، ثم قال : بسم الله ، والحمد لله .. الى قوله : ثم غسل وجهه ، فقال : اللهم بيّض وجهي يوم تسودّ الوجوه ، ولا تسوّد وجهي يوم تبيضّ الوجوه.

ثم غسل يده اليمنى ، فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني ، والخلد في الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا. ثم غسل يده اليسرى فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطّعات النيران.

ثم مسح رأسه ، فقال : اللهم غشّني رحمتك وبركاتك. ثم مسح رجليه ، فقال : اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، واجعل سعيي فيما يرضيك عني.

ثم رفع رأسه فنظر الى محمّد ، فقال : يا محمد من توضّأ مثل وضوئي ، وقال مثل قولي ، خلق الله من كل قطرة ملكا يقدّسه ويسبّحه ، ويكبّره ، فيكتب الله له ثواب ذلك الى يوم القيامة » (١). والرواية وإن كان قد ضعّف ، إلا أنّ الشهرة وعمل الأصحاب يؤيدها.

وزاد المفيد في دعاء الرجلين : يا ذا الجلال والإكرام (٢).

وإذا فرغ المتوضي يستحبّ له أن يقول : « الحمد لله ربّ العالمين » ، لما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣). وزاد المفيد : اللهم اجعلني من التوّابين ، واجعلني من المتطهّرين (٤).

وقال ابن بابويه : زكاة الوضوء أن يقول : اللهم إنّي أسألك تمام الوضوء ، وتمام الصلاة ، وتمام رضوانك ، والجنة (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، أمالي الصدوق : ٤٤٥ ، التهذيب ١ : ٥٣ ح ١٥٣.

(٢) المقنعة : ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩٢ عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٤) المقنعة : ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢.

١٨٦

الثاني عشر : فتح العينين عند الوضوء ، قاله ابن بابويه راويا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « افتحوا عيونكم عند الوضوء ، لعلّها لا ترى نار جهنم » (١).

ولا ينافيه حكم الشيخ في الخلاف بنفي استحباب إيصال الماء الى داخل العينين محتجّا بالإجماع (٢) وكذا في المبسوط (٣) لعدم التلازم بين الفتح وبينه.

الثالث عشر : الوضوء بمدّ‌ لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ بمدّ ، ويغتسل بصاع. والمدّ : رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (٤) يعني بالمدني.

وقال ابن بابويه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « للوضوء مدّ ، وللغسل صاع. وسيأتي أقوام يستقلّون ذلك ، فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس » (٥).

وروى حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ لله ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه » (٦).

وقدّر ابن بابويه المدّ ـ في سياق كلام الكاظم عليه‌السلام ـ بوزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق وزن ست حبّات ، والحبّة وزن حبتين من أوسط حب الشعير ، قال : وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أمداد (٧). ولم أر له موافقا على ذلك مع حكمه في باب الزكاة بأن الصاع أربعة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١ ح ١٠٤ ، علل الشرائع : ٢٨٠ ، ثواب الأعمال : ٣٣.

(٢) الخلاف ١ : ٨٥ المسألة ٣٥.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤٠٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣ ح ٧٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢ ح ٩.

(٧) الفقيه ١ : ٢٣.

١٨٧

أمداد ، والمدّ وزن مائتين واثنتين وتسعين درهما ونصف (١) كما قاله الأصحاب (٢). والشيخ روى الأول بسند يأتي ، ولم يتعرض له بحكم (٣).

فرع :

هذا المدّ لا يكاد يبلغه الوضوء ، فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء ، لما تضمنه رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال « أتوضأ للصلاة » ثم ذكر الاستنجاء (٤) ولما يأتي في حديث الحذّاء أنّه وضّأ الباقر عليه‌السلام (٥).

والمفيد رحمه‌الله قال ـ في الأركان ـ باستحباب المدّ والصاع وأنّه إسباغ ، ثم قال في موضع آخر : من توضأ بثلاث أكف مقدارها مدّ أسبغ ، ومن توضأ بكف أجزأه ، وهو بعيد الفرض.

ويجزئ مسمّى الغسل ، لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في الوضوء : « إذا مسّ الماء جلدك فحسبك » (٦).

وعن محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام « يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده ، والماء أوسع من ذلك » (٧).

ورويا (٨) عنه عليه‌السلام : « إنّما الوضوء حدّ من حدود الله ، ليعلم الله‌

__________________

(١) المقنع : ٤٨ ، الهداية : ٤١.

(٢) راجع : النهاية : ١٩١ ، الغنية : ٥٠٥ ، السرائر : ١٠٩ ، المعتبر ٢ : ٥٣٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٥ ح ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤١٠. وسيأتي في ص ٦٣٣ الهامش ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، أمالي الصدوق : ٤٤٥ ، التهذيب ١ : ٥٣ ح ١٥٣ ، عن عبد الرحمن بن عثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما مر ، راجع : ص ١٨٥ الهامش ١٠.

(٥) سيأتي في ص ١٩٠ الهامش ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢ ح ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨١ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٧.

(٧) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣.

(٨) في س ، ط : وروينا.

١٨٨

من يطيعه ومن يعصيه ، وإن المؤمن لا ينجّسه شي‌ء ، إنّما يكفيه مثل الدهن » (١).

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته ، ويغتسلان جميعا من إناء واحد » (٢).

الرابع عشر : ترك التمندل ، لما رواه الكليني عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من توضّأ فتمندل كانت له حسنة ، وإن توضّأ ولم يتمندل حتى يجفّ وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة » (٣).

ولا ينافيه : ما رواه محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام في المسح بالمنديل قبل أن يجفّ ، قال : « لا بأس » (٤).

ورواية أبي بكر الحضرمي عنه عليه‌السلام : « لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب » (٥).

ورواية إسماعيل بن الفضل ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام توضأ للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه ، ثم قال : « يا إسماعيل افعل هكذا فإني هكذا أفعل » (٦).

لأنّ نفي البأس أعم من نفي التحريم أو الكراهية ، فيحمل على نفي التحريم. وفعل الامام وأمره جاز أن يكون لعارض. وقول الترمذي : لم يصح في هذا الباب شي‌ء (٧) شهادة على النفي.

وظاهر المرتضى ـ في شرح الرسالة ـ عدم كراهية التمندل ، وهو أحد قولي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١ ح ٢ ، علل الشرائع : ٢٧٩ ، التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ ح ٤١٢.

(٣) المحاسن : ٤٢٩ ، الكافي ٣ : ٧٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٣١ ح ١٠٥ ، ثواب الأعمال : ٣٢.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٤ ح ١١٠١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٤ ح ١١٠٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٥٧ ح ١٠٦٩.

(٧) الجامع الصحيح ١ : ٧٤.

١٨٩

الشيخ ـ رحمهما الله تعالى ـ (١).

الخامس عشر : ترك الاستعانة ، لما روي أنّ عليا عليه‌السلام كان لا يدعهم يصبون الماء عليه ، يقول : « لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا » (٢).

وروى الحسن بن علي الوشّاء انه أراد الصبّ على الرضا عليه‌السلام ، فقال : « مه يا حسن » فقلت له : أتكره أن اؤجر؟ قال : « تؤجر أنت وأوزر أنا » وتلا قوله تعالى ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ، وها أنا ذا أتوضأ للصلاة ـ وهي العبادة ـ فأكره أن يشركني فيها أحد » (٣). والطريق وإن كان فيها إبراهيم الأحمر إلاّ أن العمل على القبول ، وعدّه الكليني في النوادر (٤).

فإن قلت : قد روى في التهذيب بطريق صحيح عن أبي عبيدة الحذّاء ، قال : وضّأت أبا جعفر عليه‌السلام بجمع ، وقد بال فناولته ماء فاستنجى ، ثم صببت عليه كفّا فغسل وجهه ، وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل ذراعه الأيسر ، ثم مسح بفضل الندى رأسه ورجليه (٥).

قلت : يحمل على الضرورة ، وقد يترك الإمام الأولى لبيان جوازه.

السادس عشر : يكره الوضوء في المسجد لمن بال أو تغوّط ، لرواية رفاعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء في المسجد؟ فكرهه من البول والغائط (٦).

ولا ينافيه رواية بكير بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام : « إن كان‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣ ، الخلاف ١ : ٩ المسألة ٤٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧ ح ٨٥ ، علل الشرائع : ٢٧٨ ، التهذيب ١ : ٣٥٤ ح ١٠٥٧.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٥ ح ١١٠٧.

والآية في سورة الكهف : ١١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٦٩ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٥٨ ح ١٦٢ ، ٧٩ ح ٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧٢ ، ٦٩ ح ٢٠٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ٧١٩.

١٩٠

الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد » (١) بحمله على غيرهما.

مسائل سبع :

الأولى : لو كان الإناء لا يغترف منه وضع على اليسار للصبّ في اليمين. ولو استعان لضرورة أو مطلقا ، فالظاهر : كون المعون على اليمين ، كالإناء المغترف منه.

الثانية : تقديم المضمضة على الاستنشاق مستحبّ. وفي المبسوط : لا يجوز العكس (٢).

والمأخذ أنّ تغيير هيئة المستحب هل توصف بالحرمة لما فيه من تغيير الشرع ، أو بترك المستحبّ تبعا لأصلها؟ هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير ، أمّا معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة ، أمّا الفعل فالظاهر لا. وتظهر الفائدة في التأثيم ، ونقص الثواب ، وإيقاع النية.

وكذا لو فعل الغسلات المسنونة على غير هيئة الغسلات الواجبة ، فإنّه خالف المستحب.

ولو اعتقد وجوب الغسلة الثانية مع الإسباغ بالأولى ، فإنّه يخطئ ، وفي تحريم الفعل الوجهان ، ويتفرّع المسح بماء هذه الغسلات.

الثالثة : يجوز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض ، لاستحباب أصلها. ولو قلّ الماء استأثر الوجه ، ثم اليمنى. ولو لم يمكن الجمع بين استعمال الماء في المقدمات واستعماله في الغسلات ، ففي تقديم أيّهما وجهان ، مأخذهما : اختصاص المقدمات بالأولية المقتضية للأهمية وابلغية النظافة بها ، وأن المقصود بالذات أولى من الوسيلة إليه.

الرابعة : لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل ، لأنّه المتيقن.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٣ ح ١٠٤٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠.

١٩١

وفي الغسلات المقارنة وجهان : من التعرّض للثالثة ، وقضية الأصل ، وهو أقوى.

الخامسة : لا يستحب التكرار في المسح ، لأنه مبني على التخفيف ، ولأنه يخرج عن مسمّاه ، ولأنّ عليا لما وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « ومسح رأسه مرة واحدة » (١) ، وكذا رواه الباقر والصادق عليهما‌السلام (٢).

والظاهر : أنّه ليس بحرام ، للأصل. نعم ، يكره ذلك لأنّه تكلّف ما لا حاجة إليه. ولو اعتقد المكلّف شرعيته أثم ، والوضوء صحيح ، لخروجه عنه.

وظاهر الشيخين ـ في المقنعة ، والمبسوط ، والخلاف ـ : التحريم (٣). وفي السرائر : من كرّر المسح أبدع ، ولا يبطل وضوؤه بغير خلاف (٤). وعدّه ابن حمزة من التروك المحرمة (٥). ويمكن حمل كلامهم على المعتقد شرعيته.

السادسة : ذكر ابن الجنيد في كيفية غسل الوجه : أن يضع الماء من يمينه على وسط الجبهة ، بحيث يعلم انّ الماء قد ماس القصاص ، وتكون راحته مبسوطة الأصابع ، حتى تأخذ الراحة جبهته ويجرى الماء من العضو الأعلى إلى الذي يليه ، والراحة تتبع جريان الماء على الوجه إلى أن يلتقي الإبهام والسبابة أسفل الذقن ، وتمرّ اليد قابضة عليه أو على اللحية إلى أطرافها.

وفي غسل اليدين : أن يملأ يده اليمنى ماء ، ثم يضعه في اليسرى ـ وقد رفع مرفقة الأيمن ، وحدر ذراعه وكفّه ، وبسط أصابعها وفرّقها ـ فيضع الماء من كفّه اليسرى على أعلى مرفقه الأيمن ليستوعب الغسل المرفق ، ثم يسكب الماء بها ينقله بيساره ، وقد قبض بها على مرفقه الأيمن من المرفق إلى أطراف أصابعه تبعا للماء ، حتى يعلم أنه لم يبق من ظاهرها وباطنها ممّا يلي الأرض شي‌ء إلاّ وقد جرى‌

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٠ ح ٤٣٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨ ح ١١٥ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٠.

(٢) راجع : الكافي ٣ : ٢٥ ح ١ ـ ٥ ، ٤٨٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٨١ ح ٢١٠.

(٣) المقنعة : ٥ ، المبسوط ١ : ٢٣ ، الخلاف ١ : ٧٩ المسألة ٢٧.

(٤) السرائر : ١٦.

(٥) الوسيلة : ٥١.

١٩٢

عليه الماء. ويكون ظاهر اليسرى مما يلي السماء من ذراعه اليمنى ، ثم يرفع يده اليسرى من آخر يده اليمنى بعد مرورها على أصابع كفّه اليمنى إلى أعلى مرفقه الأيمن ، فليقم بطن راحته اليسرى وظهرها مما يلي بطن ذراعه اليمنى حتى يسكب الماء إلى أطراف أصابعه اليمنى. ولو أخذ لظهر ذراعه غرفة ولبطنها أخرى كان أحوط. ثم ذكر غسل اليسرى كذلك.

وقال في مسح رجليه : يبسط كفه اليمنى على قدمه الأيمن ، ويجذبها من أصابع رجله الى الكعب ، ثم يردّ يده من الكعب إلى أطراف أصابعه ، فمهما أصابه المسح من ذلك أجزأه وإن لم يقع على جميعه. ثم يفعل ذلك بيده اليسرى على رجله اليسرى.

وهذه الهيئات لم يذكرها الأصحاب ، ولكنها حسنة إلاّ المسح ، فإن فيه تكرارا نفاه الأصحاب.

السابعة : قال أيضا : لو بقي موضع لم يبتل ، فإن كان دون الدرهم بلّها وصلّى ، وإن كانت أوسع أعاد على العضو وما بعده ، وإن جف ما قبله استأنف. وذكر أنّه حديث أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وابن منصور عن زيد بن علي عليه‌السلام (١).

ولم يعتبر الأصحاب ذلك ، بل قضية كلامهم غسله وغسل ما بعده مطلقا ، وإن جف البلل فالاستئناف مطلقا ، لوجوب الترتيب بين غسل الأعضاء ، والأخبار لم تثبت عندهم.

وفي المختلف : ان أوجبنا الابتداء من موضع بعينه ، وجب غسل العضو من الموضع المتروك الى آخره ، وان لم نوجب اكتفي بغسله (٢) ، وهو إشارة إلى الخلاف في كيفية غسل الوجه واليدين.

ولك أن تقول : هب أنّ الابتداء واجب من موضع بعينه ، ولا يلزم غسله‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢٧.

(٢) مختلف الشيعة : ٢٧.

١٩٣

وغسل ما بعده إذا كان قد حصل الابتداء ، للزوم ترتب أجزاء العضو في الغسل ، فلا يغسل لا حقا قبل سابقه. وفيه عسر منفي بالآية.

وقال ابن بابويه : سئل أبو الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء ، فقال : « يجزئه أن يبلّه من بعض جسده » (١). فإن أريد به بلّه ثم الإتيان بالباقي فلا بحث ، وإن أريد الاقتصار عليه أشبه قول ابن الجنيد.

الثامنة : لم أقف على نص للأصحاب في استحباب الاستقبال بالوضوء ، ولا في كراهية الكلام بغير الدعاء في أثنائه. ولو أخذ الأول من قولهم عليهم‌السلام : « أفضل المجالس ما استقبل به القبلة » (٢) ، والثاني من منافاته الدعوات والأذكار ، أمكن.

وكذا لم يذكروا كراهة نفض المتوضئ يده ، وقد كرهه العامة ، لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم ، فإنها مراوح الشيطان » (٣).

وكذا أهملوا استحباب الجلوس في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه ، والظاهر : أنّ هذا بناء منهم على تأثير الاستعمال ، وهو ساقط عندنا. نعم ، لو كانت الأرض نجسة وجب ، وإن كانت مظنة النجاسة استحبّ.

وأمّا إمرار اليد على الأعضاء ، فواجب في المسح ، والأصحّ استحبابه في الغسل ، تأسّيا بما فعله صاحب الشرع وأهل بيته صلّى الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٦ ح ١٣٣ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٢.

(٢) الغايات : ٨٧ ، الكامل لابن عدي ٢ : ٧٨٥ ، مجمع الزوائد ٨ : ٥٩ عن الطبراني.

(٣) علل الحديث للرازي ١ : ٣٦ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ : ٢٦٥ ح ١٠٢٩.

١٩٤

البحث الثالث : في أحكام الوضوء.

وفيه مسائل :

الأولى :

يستباح بالوضوء ما شاء المكلف من غاياته ما لم يحدث. نعم ، يستحب تجديده بحسب الصلوات ، فرضا كانت أو نفلا ، لما روي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وروي : « الوضوء على الوضوء نور على نور » (٢).

وروي : « من جدّد وضوء من غير حدث ، جدّد الله توبته من غير استغفار » (٣).

وعن سعدان ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (٤).

وعن سماعة قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام ، فحضرت المغرب ، فدعا بوضوء فتوضّأ ، ثم قال لي : « توضّأ ». فقلت : أنا على وضوء. فقال : « وإن كنت على وضوء ، إنّ من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلاّ الكبائر ، ومن توضّأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلاّ الكبائر » (٥).

فروع :

الأول : هل يستحب تجديده لمن لم يصلّ بالأول؟ يمكن ذلك ، للعموم.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥ ح ٨٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٢ ، ثواب الأعمال : ٣٣.

(٤) الكافي ٣ : ٧٢ ح ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٧٢ ح ٩.

١٩٥

والعدم ، لعدم نقل مثله. وقطع في التذكرة بالأول (١).

الثاني : هل يستحب تجديده لصلاة واحدة أكثر من مرة؟ الظاهر : لا ، للأصل من عدم الشرعية ، ولأدائه إلى الكثرة المفرطة. وربما فهم عدم تجديده لذلك من كلام ابن بابويه (٢). وتوقّف في المختلف ، لعدم النص إثباتا ونفيا (٣).

الثالث : الأقرب : انّه لا يستحب تجديده لسجود التلاوة والشكر ، ولما الوضوء شرط في كماله ، للأصل. وفي الطواف احتمال ، للحكم بمساواته الصلاة.

المسألة الثانية : في الجبائر.

وفيها نكت :

الأولى : الجبيرة إن أمكن نزعها أو إيصال الماء إلى البشرة وجب ، تحصيلا لمسمّى الغسل والمسح. وإن تعذّرا مسح عليها ولو في موضع الغسل ، سواء وضعها على طهر أو لا ، قاله في المبسوط (٤) قال في المعتبر : وهو مذهب الأصحاب (٥).

قلت : فيه تنبيه على قول بعض الشافعية بوجوب إعادة الصلاة لو وضعها على غير طهر (٦) بل قال بعضهم بوجوب الإعادة مطلقا (٧).

أمّا عدم المسح عليها والحالة هذه فلا قائل به ، قال في التذكرة : ولا نعلم فيه مخالفا ، لأنّ العامة رووا أن عليا عليه‌السلام قال : « انكسر إحدى زنديّ ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٧.

(٤) المبسوط ١ : ٢٣.

(٥) المعتبر ١ : ١٦١.

(٦) المهذب لأبي إسحاق الشيرازي ١ : ٤٤ ، المجموع ٢ : ٣٢٩.

(٧) قاله البغوي ، لاحظ : المجموع ٢ : ٣٢٩.

١٩٦

فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمرني أن أمسح على الجبائر » (١). والزند : عظم الذراع ، وتأنيثه بتأويل الذراع.

وروينا عن كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الكسير : « إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره ، وليصلّ » (٢) ، ولأن التكليف بنزعها حرج وعسر ، كما أشار الصادق عليه‌السلام إليه فيما يأتي.

الثانية : في حكم الكسر القرح والجرح ، لرواية الحلبي عنه عليه‌السلام : في الرجل يكون به القرحة فيعصبها بخرقة ، أيمسح عليها إذا توضأ؟ فقال : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه نزع الخرقة ثم ليغسلها » (٣).

الثالثة : لو لم يكن على الجرح خرقة غسل ما حوله ، لما في هذه الرواية : وسألته عن الجرح ، كيف يصنع به في غسله؟ قال : « اغسل ما حوله » (٤) ، ومثله في الجرح رواية عبد الله بن سنان ، عنه عليه‌السلام (٥).

ولا فرق بين الخرقة وغيرها مما يتعذّر نزعه ، ولا بين مواضع الغسل والمسح ، لرواية عبد الأعلى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : « يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، امسح عليه » (٦).

قلت : قد نبّه عليه‌السلام على جواز استنباط الأحكام الشرعية من‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٠.

ورواية الامام علي عليه‌السلام في المصنف لعبد الرزاق ١ : ١٦١ ح ٦٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢١٥ ح ٦٥٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٢٦ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١١٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٥ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٣٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٥ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٣٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١٠٩٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١٠٩٧ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٤٠.

والآية في سورة الحج : ٢٢.

١٩٧

أدلتها التفصيلية.

وأما رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم عليه‌السلام في الكسير عليه الجبائر ، كيف يصنع بالوضوء وغسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ليس عليه الجبائر ، ويدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطاع غسله ، ولا ينزع الجبائر ، ولا يعبث بجراحته (١) فلا تنافي أخبار المسح عليها ، بحمل قوله : « ويدع ما سوى ذلك » على أنّه يدع غسله ، ولا يلزم منه ترك مسحه ، فيحمل المطلق على المقيّد.

الرابعة : حكم الطلاء الحائل حكم الجبيرة أيضا ، لرواية الوشّاء عن أبي الحسن عليه‌السلام في الدواء إذا كان على يدي الرجل ، أيمسح على طلي الدواء؟ فقال : « نعم » (٢) وهو محمول على عدم إمكان إزالته.

ولو طلى رأسه بالحنّاء ، ففي رواية محمّد بن مسلم : يجوز المسح على الحنّاء (٣) وهو في الحمل كالأوّل.

الخامسة : لو عمّت الجبائر أو الدواء الأعضاء مسح على الجميع ، ولو تضرّر بالمسح تيمّم. ولا ينسحب على خائف البرد فيؤمر بوضع حائل ، بل يتيمّم ، لأنّه عذر نادر وزواله سريع.

السادسة : لو كانت الخرقة نجسة ، ولم يمكن تطهيرها ، فالأقرب : وضع طاهر عليها ، تحصيلا للمسح. ويمكن إجراؤها مجرى الجرح في غسل ما حولها. وقطع الفاضل بالأول (٤).

السابعة : ما قارب الجبيرة ممّا لا يمكن إيصال الماء إليه بحكمها ، وكذا لو احتاج الى استيعاب عضو صحيح فحكمه حكم الكسير.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٤ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٣٨ ، وفي الكافي ٣ : ٣٢ ح ١ عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١٠٩٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ح ٢٣٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

١٩٨

ولو وضع على غير محل الحاجة وجب نزعه ، فإن تعذّر مسح عليه. وفي الإعادة نظر ، من تفريطه ، وامتثاله. وقوّى في التذكرة الأوّل (١) ، ولا إشكال عندنا في عدم إعادة ما صلاّه بالجبائر في غير هذا الموضع.

الثامنة : لو كانت الجبيرة على مواضع التيمم واحتيج إليه ، فكالوضوء والغسل. ولا يجب مع التيمم مسحها بالماء ، كما لا يجب على (٢) ماسح الجبيرة في الطهارة المائية التيمم ، لأنّ البدل لا يجامع المبدل.

وما رووه عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في المشجوج لما اغتسل من احتلامه فمات لدخول الماء شجّته : « إنّما كان يكفيه أن يتيمّم ، ويعصب على رأسه خرقة ، ثمّ يمسح عليها ، ويغسل سائر جسده » (٣) يحمل على القصد إلى ذلك ، أو على إنابة الواو مناب أو ، ويكون في معنى لزوم أحد الأمرين على الترتيب.

التاسعة : قطع الفاضلان بوجوب استيعاب الجبيرة بالمسح ، عملا بظاهر « عليها » (٤) ولأنّها بدل مما يجب ايعابه (٥).

ويشكل : بصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها ، كصدق المسح على الرجلين والخفين عند الضرورة. ويفرّق بينهما بوجوب استيعاب الأصل في الجبيرة بخلاف المسحين المذكورين.

وفي المبسوط : الأحوط استغراق الجميع (٦) ، وهو حسن. نعم ، لا يجب جريان الماء عليها لأنّه لم يتعبّد بغسلها إذا كان الماء لا يصل إلى أصلها ، ( أو يصل ) (٧) بغير غسلها.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

(٢) في س : غسل.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٩٣ ح ٣٣٦ ، سنن الدار قطني ١ : ١٨٩ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢٨.

(٤) إشارة الى الحديث المتقدم.

(٥) المعتبر ١ : ٤٠٩ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

(٦) المبسوط ١ : ٢٣.

(٧) ليست في س.

١٩٩

العاشرة : لا فرق بين كون أصلها طاهرا ، أو نجسا مع تعذّر تطهيره ، للعموم. ولا يتقدّر المسح عليها بغير مدة التعذّر ، لأنه المقتضي للمسح ، فيدور معه وجودا وعدما. والحمل على الخف (١) وهم في وهم.

الحادية عشرة : لو لم يكن على محل الكسر جبيرة ، وتضرّر بإيصال الماء إليه ، فكالجرح في غسل ما حوله. وليتلطّف بوضع خرقة مبلولة حوله ، لئلاّ يسري إليه الماء فيستضرّ أو ينجس. ولو احتاج إلى معين وجب ولو بأجرة ممكنة.

ولو لصق بالجرح خرقة وقطنة ونحوهما ، وأمكن النزع وإيصال الماء حال الطهارة ، وجب ـ كما في الجبيرة ـ وإلاّ مسح عليه. ولو استفاد بالنزع غسل بعض الصحيح ، فالأقرب : الوجوب ، لأنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، هذا مع عدم الضرر بنزعه.

الثانية عشرة : لو أمكن المسح على محل (٣) الجرح المجرّد بغير خوف تلف ، ولا زيادة فيه ، ففي وجوب المسح عليه احتمال ، مال إليه في المعتبر (٤) ، وتبعه في التذكرة ، تحصيلا لشبه الغسل عند تعذّر حقيقته (٥) ، وكأنّه يحمل الرواية : « يغسل ما حوله » على ما إذا خاف ضررا بمسحه ، مع أنّه ليس فيها نفي لمسحه ، فيجوز استفادته من دليل آخر.

فإن قلنا به وتعذّر ، ففي وجوب وضع لصوق والمسح عليه احتمال أيضا ، لأن المسح بدل عن الغسل ، فينسب إليه بقدر الإمكان.

وإن قلنا : بعدم المسح على الجرح مع إمكانه ، أمكن وجوب هذا الوضع ، ليحاذي الجبيرة وما عليه لصوق ابتداء ، والرواية مسلّطة على فهم عدم الوجوب.

__________________

(١) راجع : المجموع ٢ : ٣٣٠.

(٢) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

(٣) ليست في س.

(٤) المعتبر ١ : ٤٠٨.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

٢٠٠