شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الطبقة الثالثة والعشرون
دخلت سنة إحدى وعشرين ومائتين
وفيها توفّي :
أبو اليمان الحمصيّ ،
وعاصم بن عليّ بن عاصم ،
والقعنبيّ ،
وعبدان المروزيّ ، واسمه عبد الله بن عثمان ،
وهشام بن عبيد الله الرازيّ ،
* * *
[الوقعة بين الخرّميّة والمسلمين]
وفيها كانت وقعة هائلة بين الخرّميّة وبين المسلمين وأميرها بغا الكبير ، فانكسر ثمّ ثبت وأمدّ بالجيوش ، والتقى الخرّميّة فهزمهم (١).
* * *
[ذكر فتنة الجمحيّ]
وفيها ولي إمرة مكّة محمد بن داود بن عيسى العبّاسيّ ، فبعث رجلا من بني جمح لعدّ المواشي وقال : هاتوا كلّ فريضة دينارا. فامتنعوا عليه وقالوا : تريد أن تغصبنا أموالنا. إنّما في عمدك أن تأخذ الفريضة شاة. فحاربهم وحاربوه
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبري ٩ / ٢٣ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٨٥ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٤٥٦.
وقتل طائفة ، وقتل الجمحيّ. فجهّز محمد بن داود أخا الجمحيّ ، فقتل وبدّع وعاث جيشه (١).
قال الفسويّ (٢) : سمعت بعض السّفهاء الذين كانوا معه يقول : افتضضنا أكثر من عشرين ألف عذراء (٣).
* * *
[ذكر كسوة البيت]
وفيها حجّ حنبل بن إسحاق ، فيما حدّث أبو بكر الخلّال ، عن عصمة بن عصام ، عنه ، قال : رأيت كسوة البيت الدّيباج وهي تخفق في صحن المسجد ، وقد كتب في الدّارات : ليس كمثله شيء ، وهو اللطيف الخبير. فلمّا قدمت أخبرت أحمد بن حنبل ، فقال : قاتله الله ، الخبيث عمد إلى كتاب الله فغيّره ، يعني ابن أبي دؤاد ، فإنّه أمر بذلك (٤).
[بناء سامرّاء]
وفيها تكامل بناء سامرّاء (٥).
__________________
(١) المعرفة والتاريخ ١ / ٢٠٥ ، ٢٠٦.
(٢) في المعرفة والتاريخ ١ / ٢٠٦.
(٣) هكذا ، وفي المعرفة والتاريخ «عشرة آلاف عذراء».
(٤) لم أجد المصدر الّذي نقل المؤلّف ـ رحمهالله ـ هذا الخبر عنه.
(٥) انظر : مروج الذهب ٤ / ٥٤ ، ٥٥ ، والتنبيه والإشراف ٣٠٩ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٧٤ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٣٥.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين
وتوفّي فيها : عمر بن حفص بن غياث ،
وخالد بن نزار الأيليّ ،
وأحمد بن محمد الأزرقيّ الّذي ذكرناه في الطبقة الماضية ،
وعليّ بن عبد الحميد المعنيّ ،
ومسلم بن إبراهيم ،
والوليد بن هاشم العجليّ ،
* * *
[الوقعة بين الأفشين وبابك الخرّميّ]
قال شباب العصفريّ (١) : فيها كانت وقعة الأفشين بالكافر بابك الخرّميّ ، فهزمه الأفشين واستباح عسكره ، وهرب بابك ، ثم أسروه بعد فصول طويلة.
وكان من أبطال زمانه وشجعانهم المذكورين. عاث وأفسد وأخاف الإسلام وأهله. غلب على آذربيجان وغيرها ، وأراد أن يقيم ملّة المجوس. وظهر في أيّامه المازيار القائم بملّة المجوس بطبرستان ، فعظم شرّه وبلاؤه.
وكان المعتصم في أول هذه السنة قد بعث نفقات الجيوش إلى الأفشين ،
__________________
(١) وهو خليفة بن خياط في تاريخه ٤٧٧.
فكانت ثلاثين ألف ألف درهم (١).
* * *
[فتح البذّ مدينة بابك]
وفي رمضان فتحت البذّ (٢) مدينة بابك ، لعنه الله ، بعد حصار طويل صعب (٣) ، وكان بها بابك قد عصى بعد أن عمل غير مصافّ مع المسلمين.
فلما أخذت اختفى في غيضة بالحصن ، وأسر أهله وأولاده. ثم جاء كتاب المعتصم بأمانه ، فبعث به إليه الأفشين مع رجلين ، وكتب معهما : ولد بابك يشير على أبيه بالدخول في الأمان فهو خير (٤). فلمّا دخلا في الغيضة إلى بابك قتل أحدهما ، وقال للآخر : اذهب إلى ابن الفاعلة ابني وقل له : لو كنت ابني للحقت بي. ثم خرّق كتاب الأمان ، وخرج من الغيضة وصعد الجبل في طريق وعرة يعرفها (٥).
وكان الأفشين قد أقام الكمناء في المضايق ، فأفلت بابك منهم ، وصار إلى جبال أرمينية ، فالتقاه رجل يقال له سهل (٦) البطريق ، فقال له : الطّلب وراءك فانزل عندي. فنزل عنده. وبعث سهل إلى الأفشين يخبره. فجاء أصحاب الأفشين فأحاطوا به وأخذوه (٧).
وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيّا ألفي (٨) ألف درهم ، ولمن جاء
__________________
(١) تاريخ الطبري ٩ / ٢٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٨٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٦١.
(٢) البذّ : بتشديد الذال المعجمة ، كورة بين آذربيجان وأرّان. (معجم البلدان ١ / ٣٦١).
(٣) انظر في ذلك : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٤ ، وتاريخ الطبري ٩ / ٣١ وما بعدها ، وتاريخ العظيمي ٢٥١ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٨٥ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٤٦١.
(٤) تاريخ الطبري ٩ / ٤٦ ، الفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٤٩ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٢.
(٥) تاريخ الطبري ٩ / ٤٦ ، الفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٢.
(٦) هو سهل بن سنباط ، كما في تاريخ الطبري ٩ / ٤٧.
(٧) تاريخ الطبري ٩ / ٥٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٤ ، الفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٥٢ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٨٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٤ ، الأخبار الطوال ٤٠٥ ، نهاية الأرب ٢٢ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٨٤.
(٨) في تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٤ : «وضمن لمن جاء به ألف ألف درهم» ، والمثبت يتفق مع : البدء =
برأسه ألف ألف درهم ، فأعطى سهل ألفي ألف (١) ، وحطّ عنه خراج عشرين سنة ، ثم قتل بابك سنة ثلاث وعشرين.
[رواية السمعودي عن هرب بابك]
قال السمعوديّ (٢) : هرب بابك متنكّرا بأخيه وأهله وولده ومن تبعه من خاصّته ، وتزيّوا بزيّ التّجّار السّفّارة ، فنزل بأرض أرمينية بعمل سهل بن سنباط ، فابتاعوا شاة من راع (٣) فنكرهم وذهب إلى سهل فأخبره. فقال : هذا بابك ولا شكّ.
وكانت قد جاءته كتب الأفشين بأن لا يفوته بابك إن مرّ به. فركب سهل في أجناده حتّى أتى بابك ، فترجّل لبابك وسلّم عليه بالملك وقال : قم إلى قصرك وأنا معك. فسار معه ، وقدّمت الموائد ، فقعد سهل يأكل معه ، فقال بابك بعتوّ وجهل : أمثلك يأكل معي ، فقام سهل واعتذر وغاب ، وجاء بحدّاد ليقيّده ، فقال بابك : أغدرا يا سهل؟
فقال : يا ابن الخبيثة إنّما أنت راعي بقر.
وقيّد من كان معه ، وكتب إلى الأفشين ، فجهّز إليه أربعة آلاف فتسلّموه ، وجاءوا ومعهم سهل ، فخلع عليه الأفشين وتوجّه ، وأسقط عنه الخراج ، وبعثت بطاقة إلى المعتصم بالفتح ، فانقلبت بغداد بالتكبير والضجيج ، فلله الحمد رب العالمين.
__________________
= والتاريخ ٦ / ١١٧.
(١) هكذا في الأصل والبدء والتاريخ للمقدسي ٦ / ١١٨ ، ومرآة الجنان ٢ / ٨٢ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٣٧ ، أما في تاريخ الطبري ٩ / ٥٤ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٨٨ : «ألف ألف درهم ومنطقة مغرقة بالجوهر ، وتاج البطرقة» ، والفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٥٣.
(٢) في مروج الذهب ٤ / ٥٥ ، ٥٦.
(٣) في الأصل : «راعي» ، وهو غلط نحوي.
ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين
فيها توفّي :
عبد الله بن صالح كاتب اللّيث ،
وخالد بن خداش ،
ومحمد بن سنان العوفيّ ،
ومحمد بن كثير العبديّ ،
وموسى بن إسماعيل التّبوذكيّ ،
ومعاذ بن أسد المروزيّ ،
* * *
[قدوم الأفشين بغداد]
وفيها قدم الأفشين بغداد ، في ثالث صفر ببابك الخرّميّ وأخيه (١). وكان المعتصم يبعث إلى الأفشين منذ فصل عن برزند (٢) كلّ يوم بفرس وخلعة ، كلّ ذلك من فرحه بأسر بابك (٣).
[ذكر ما رتّبه المعتصم من البريد]
ومن عناية المعتصم بأمر بابك أنّه رتّب البريد من سامرّاء إلى الأفشين
__________________
(١) تاريخ الطبري ٩ / ٥٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٧.
(٢) برزند : بلد من نواحي تفليس من أعمال جرجان من أرمينية الأولى. وقيل من نواحي آذربيجان.
(معجم البلدان ١ / ٣٨٢).
(٣) تاريخ الطبري ٩ / ٥٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٧.
بحيث أنّ الخبر يأتيه في أربعة أيّام من مسيرة شهر. فلمّا قدم ببابك أنزلوه بالمطيرة (١).
[تنكّر المعتصم لرؤية بابك]
فلمّا كان في جوف اللّيل أتى أحمد بن أبي دؤاد متنكّرا ، فنظر إلى بابك وشاهده ، وردّ إلى المعتصم فأخبره. فلم يصبر المعتصم حتّى أتى متنكّرا ، فتأمّله وبابك لا يعرفه (٢).
[ديانة بابك]
وكان ، لعنه الله ، ثنويّا على دين ماني ، ومزدك ، يقول بتناسخ الأرواح ، ويستحلّ البنت وأمّها. وقيل كان ولد زنا ، وكانت أمّه عوراء تعرف برمية العلجة (٣). وكان عليّ بن مزدكان يزعم أنّه زنى بها ، وأنّ بابك منه.
وقيل : كانت فقيرة من قرى آذربيجان ، فزنى بها نبطيّ ، فحملت منه بابك ، وربّي بابك أجيرا في قريته (٤). وكان بتلك الجبال قوم من الخرّميّة ولهم مقدّمان : جاوندان (٥) وعمران. فتفرّس جاوندان في بابك الشجاعة ، فاستأجره من أمّه ، فأحبّته امرأة جاوندان ، وأطلعته على أمور زوجها ، ثم قتل جاوندان في وقعة بينه وبين ابن عمّ له ، فزعمت امرأته أنّه استخلف بابك ، فصدّقها الجند وانقادوا له ، فأمرهم أن يقتلوا باللّيل من وجدوا من رجل أو صبيّ. فأصبح خلق مقتّلين. ثمّ انضمّ إليه طائفة من قطّاع الطّريق ، وطائفة من الفلّاحين والشّطّار. ثم استفحل أمره ، وعظم شرّه ، وصار معه عشرون ألف مقاتل. وأظهر مذهب الباطنيّة ، واستولى على حصون ومدائن ، وقتل وسبى إلى أن أظفر الله به (٦). فأركبه
__________________
(١) تاريخ الطبري ٩ / ٥٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٧.
(٢) الطبري ٩ / ٥٢ ، الكامل ٦ / ٤٧٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٨٤.
(٣) في تاريخ الطبري ٩ / ٥٤ : «وكانت أمّه ترتوميذ العوراء من علوج ابن الروّاد». وفي الأخبار الطوال ٤٠٢ قال أبو حنيفة الدينَوَريّ : إنه كان من ولد مطهّر بن فاطمة بنت أبي مسلم ، هذه التي ينتسب إليها الفاطمية من الخرّميّة.
(٤) البدء والتاريخ للمقدسي ٦ / ١١٥.
(٥) في البدء والتاريخ ٦ / ١١٥ «جاويذان».
(٦) البدء والتاريخ ٦ / ١١٥ ، ١١٦.
المعتصم فيلا ، وألبسه قباء من ديباج ، وقلنسوة سمّور (١) مثل الشّربوش (٢) ، وخضبوا الفيل بالحنّاء ، وطافوا به (٣).
[قطع أطراف بابك وقتله]
ثم أمر المعتصم بأربعته فقطّعت ، ثم قطع رأسه وطيف به بسامرّاء (٤). وبعث بأخيه إلى بغداد ، ففعل به نحو ذلك ، واسمه عبد الله (٥). ويقال إنّه كان أشجع من بابك. فيقال إنّه قال لأخيه بابك قدّام الخليفة : يا بابك قد عملت ما لم يعمله أحد ، فاصبر صبرا لم يصبره أحد.
فقال : سوف ترى صبري.
فلمّا قطعت يده مسح بالدّم وجهه (٦) ، فقالوا : لم فعلت هذا؟
قال : قولوا للخليفة إنّك أمرت بقطع أربعتي وفي نفسك أنّك لا تكويهما وتدع دمي ينزف ، فخشيت إذا خرج الدّم أن يصفرّ وجهي ، فترون أنّ ذلك من جزع الموت. فغطّيت وجهي بالدّم لهذا.
فقال المعتصم : لو لا أنّ أفعاله لا توجب الصّنيعة والعفو لكان حقيقا بالاستبقاء.
ثم ضربت عنقه ، وأحرقت جثّته ، وفعل ذلك بأخيه ، فما منهما من صاح.
__________________
(١) سمّور : نسبة إلى السّمّور ، وهو حيوان ثمين يستعمل فروه لتحلية الملابس الفاخرة. ويطلق عليه باللاتينيةELBAS.
(٢) الشربوش : وهو شيء يشبه التاج كأنه شكل مثلّث يجعل على الرأس بغير عمامة. وجمعها : شرابش ، وشرابيش. (معجم مفصّل في أسماء الألبسة عند العرب ـ رينهارت دوزي ـ طبعة مكتبة لبنان ، بيروت المصوّرة عن طبعة أمستردام ١٨٤٣ ـ ص ٢٢٠).
(٣) تاريخ الطبري ٩ / ٥٣ ، الفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٥٣.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٤ ، تاريخ الطبري ٩ / ٥٣ ، الفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٤٦ و ٣٥٣ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٨٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٨ ، مروج الذهب ٤ / ٥٧ ، ٥٨.
(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٤ ، ٤٧٥ ، تاريخ الطبري ٩ / ٥٣ ، الفتوح لابن أعثم ٨ / ٣٤٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٨٨ ، الكامل ٦ / ٤٧٨ ، مروج الذهب ٤ / ٥٨ ، تاريخ العظيمي ٢٥١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ٢٤٩.
(٦) البدء والتاريخ ٦ / ١١٨.
ويقال إنّ بابك قتل مائة وخمسين ألفا (١) ، وما ذلك ببعيد.
[ما وجده المؤلّف بخط ابن جماعة]
ووجدت بخطّ رفيقنا ابن جماعة الكنانيّ أنّه وجد بخطّ ابن الصّلاح ، رحمهالله ، قال : اجتمع قوم من الأدباء ، فأحصوا أنّ أبا مسلم قتل ألفي ألف ، وأنّ قتلى بابك بلغوا ألف ألف وخمسمائة ألف.
[الحرب بين الأفشين وطاغية الروم]
وفيها سار الأفشين بالجيوش ، فالتقى طاغية الروم ، فاقتتلوا أيّاما ، وثبت كلا الفريقين ، وقتل خلق منهما ، ثم انهزم الطّاغية ونزل النّصر. وكان هذا الكلب قد حصر زبطرة (٢) وافتتحها عنوة ، وقتل وسبى ، وحرقّ الجامع (٣).
[فتح عمّورية]
وفيها خرّب المعتصم أنقرة وغيرها ، وأنكى في بلاد الروم وأوطأهم خوفا وذلّا ، وافتتح عمّورية (٤) كما هو مذكور في ترجمته. وكانت نكايته في الروم مما
__________________
(١) قال الطبري : وكان جميع من قتل بابك في عشرين سنة : مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان. (٩ / ٥٤ ، ٥٥) ، ونقل عنه ابن الأثير ٦ / ٤٧٨ ، وكذلك في البدء والتاريخ للمقدسي ٦ / ١١٧ ، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٣٩ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ٢٤٩ ، والعظيمي فقال في تاريخ حلب ٢٥١ : «وقتل من الخلق مائتي ألف وستين ألفا».
(٢) زبطرة : بكسر الزاي ، وفتح ثانيه ، وسكون الطاء المهملة ، وراء مهملة. مدينة بين ملطية وسميساط والحدث في طرف بلد الروم. (معجم البلدان ٣ / ١٣٠ ، ١٣١).
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٥ ، ٤٧٦ ، فتوح البلدان للبلاذري ٢٢٨ ، تاريخ الطبري ٩ / ٥٥ ـ ٥٧ ، الخراج وصناعة الكتابة لقدامة ٣٢١ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٨٩ ، مروج الذهب ٤ / ٥٩ ، التنبيه والإشراف ١٤٤ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٧٩ ، البدء والتاريخ ٦ / ١١٨ ، وتاريخ العظيمي ٢٥١ ، تاريخ مختصر الدول ٣٩ ، وتاريخ الزمان لابن العبري ٣١ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ٢٥٠ ، ٢٥١ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٣٨.
(٤) انظر عن فتح عمّورية في :
تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٦ ، فتوح البلدان ٢٢٨ ، وتاريخ الطبري ٩ / ٥٧ ، الخراج وصناعة الكتابة ٣٢١ ، ومروج الذهب ٤ / ٧٦٠ والتنبيه والإشراف ١٤٤ ، ١٤٥ و ٣٠٦ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٩٠ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٤٨٠ ، والبدء والتاريخ ٦ / ١١٩ ، وتاريخ العظيمي ٢٥١ ، وتجارب الأمم لمسكويه ٦ / ٤٨٩ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٣ ، والمختصر في أخبار البشر =
لم يسمع لخليفة بمثله ، فإنّه قد شتّت جموعهم ، وخرّب ديارهم ، وكان ملكهم توفيل بن ميخائيل بن جرجس قد نزل على زبطرة في مائة ألف ، ثم أغار على ملطية ، وعمّ بلاؤه. وفي ذلك يقول إبراهيم بن المهديّ :
يا غيرة الله (١) قد عانيت فانتقمي (٢) |
|
هتك النّساء وما منهنّ يرتكب |
هب الرجال على أجرامها قتلت |
|
ما بال أطفالها بالذّبح تنتهب؟ |
فلمّا سمع المعتصم هذا الشّعر خرج لوقته إلى الجهاد (٣) ، وجرى ما جرى.
وكان على مقدّمته أشناس التّركيّ ، وعلى ميمنته إيتاخ التّركيّ ، وعلى الميسرة جعفر بن دينار ، وعلى السّاقة بغا الكبير (٤) ، وعلى القلب عجيف (٥) ودخل من الدّروب الشّاميّة ، وكان في مائتي ألف على أقلّ ما قيل ، والمكثر يقول : كان في خمسمائة ألف (٦).
ولما افتتح عمّورية صمّم على غزو القسطنطينية ، فأتاه ما أزعجه من أمر العبّاس ابن المأمون ، وأنّه قد بويع ، وكاتب طاغية الروم ، فقفل المعتصم ، وقبض على العبّاس ومتّبعيه وسجنهم (٧).
__________________
= / ٣٣ ، وتاريخ الزمان لابن العبري ٣٢ ، ٣٣ ، وتاريخ مختصر الدول ، له ١٤٠ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٢٨٦ ، والإنباء في تاريخ الخلفاء ١٠٥ ، ١٠٦ ، والفخري ٢٢٩ ، ٢٣٠ والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٣٨ ، وتاريخ الخلفاء ٣٣٦.
(١) ويقال : «يا غارة الله» ، وإبراهيم بن المهدي أول من قال في شعره : «يا غارة الله». مروج الذهب ٤ / ٦٠.
(٢) في مروج الذهب : «فانتهكي».
(٣) مروج الذهب ٤ / ٦٠.
(٤) مروج الذهب ٤ / ٦٠ وعبارة «وعلى الساقة بغا الكبير» ليست عند الطبري ، ولا ابن الأثير.
(٥) تاريخ الطبري ٩ / ٥٧ ، مروج الذهب ٤ / ٦٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٤٨١.
(٦) مروج الذهب ٤ / ٦٠.
(٧) مروج الذهب ٤ / ٦٠.
سنة أربع وعشرين ومائتين
فيها توفّي : إبراهيم بن المهديّ ،
وإبراهيم بن سويد الذّارع ، بصريّ ،
وسعيد بن أبي مريم ،
وبكّار بن محمد السّيرينيّ ،
وسليمان بن حرب ،
وأبو معمر عبد الله بن عمرو المنقريّ المقعد ،
وعبد السّلام بن مطهّر ،
وعبد الغفّار بن داود الحرّانيّ ،
وعليّ بن محمد المدائنيّ ،
وأبو عبيد القاسم بن سلّام ،
وعمرو بن مرزوق ،
وقرّة بن حبيب ،
وأبو الجماهر محمد بن عثمان الكفرسوسيّ ،
ومحمد بن عيسى بن الطّباع الحافظ ،
ومحمد بن الفضل عارم ،
ويزيد بن عبد ربّه الحمصيّ ،
والعبّاس بن المأمون بن الرشيد.
[إظهار المازيار الخلاف بطبرستان]
وفيها أظهر مازيار بن قارن الخلاف بطبرستان (١) وحارب ، وكان مباينا لآل طاهر. وكان المعتصم يأمره بحمل الخراج إليهم فيقول : لا أحمله إلّا إلى أمير المؤمنين (٢). وكان الأفشين يسمع أحيانا من المعتصم ما يدلّ على أنّه يريد عزل عبد الله بن طاهر. فلمّا ظفر ببابك ونزل من المعتصم المنزلة الرفيعة ، طمع في إمرة خراسان. وبلغه منافرة المازيار لابن طاهر ، فترجّى أن يكون ذلك سببا لعزل ابن طاهر (٣). ثم إنّه دسّ كتبا إلى المازيار يقوّي عزمه. وبعث المعتصم لمحاربة المازيار جيشا عليهم الأفشين. وجبى المازيار الأموال ، وعسف (٤). وأخرب أسوار آمل والرّيّ وجرجان (٥) ، وهرب النّاس إلى نيسابور (٦). فأرسل ابن طاهر جيشا ، عليهم عمّه الحسن بن الحسين (٧). وجرت حروب وأمور ، ثم اختلف أصحاب المازيار عليه (٨). ثم قتل بعد أن أهلك الحرث والنّسل.
__________________
(١) انظر عن المازيار في :
تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٦ وما بعدها ، وتاريخ الطبري ٩ / ٨٠ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٩٩ ، ومروج الذهب ٤ / ٦١ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٤٩٥ ، وتاريخ حلب للعظيميّ ٢٥١ ، وتجارب الأمم لمسكويه ٦ / ٥٠٢ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ٢٥٤ ، ومرآة الجنان ٢ / ٨٣.
(٢) العيون والحدائق ٣ / ٣٩٩.
(٣) العيون والحدائق ٣ / ٣٩٩.
(٤) تاريخ الطبري ٩ / ٨٠ ، ٨١ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٩٩.
(٥) تاريخ الطبري ٩ / ٨٤ ، تجارب الأمم ٦ / ٥٠٤ ، مرآة الجنان ٢ / ٨٣ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٢٤٠.
(٦) الطبري ٩ / ٨٥ ، تجارب الأمم ٦ / ٥٠٥ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٢٤٠.
(٧) الطبري ٩ / ٨٥ ، مروج الذهب ٤ / ٦١ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٩٩ ، ٤٠٠ ، تجارب الأمم ٦ / ٥٠٥.
(٨) الطبري ٩ / ٩٨ ، ٩٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٢ ، تجارب الأمم ٦ / ٥١٤.
ومن سنة خمس وعشرين ومائتين
فيها توفّي : أصبغ بن الفرج الفقيه ،
وأبو عمر الحوضيّ ،
وسعدويه الواسطيّ ،
وشاذّ بن فيّاض ،
وأبو عمر الجرميّ ،
وعمر بن سعيد الدّمشقيّ الأعور ،
وفروة بن أبي المغراء ،
وأبو دلف الأمير ،
ومحمد بن سلّام البيكنديّ ،
ويحيى بن هاشم السّمسار.
[وزارة الزيّات]
وفيها استوزر المعتصم محمد بن عبد الملك الزّيّات (١).
[القبض على الأفشين]
وفيها قبض المعتصم على الأفشين (٢) لعداوته لعبد الله بن طاهر ،
__________________
(١) الفخري في الآداب السلطانية لابن طباطبا ٢٣٣ ، ٢٣٤.
(٢) انظر عن القبض على الأفشين في :
تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٧ ، وتاريخ الطبري ٩ / ١٠٤ ، ومروج الذهب ٤ / ٦١ ، والعيون والحدائق ٣ / ٤٠٣ ، والبدء والتاريخ ٦ / ١١٩ ، وتاريخ العظيمي ٢٥٢ ، وتجارب الأمم ٦ / ٥١٧ ، ونهاية =
ولأحمد بن أبي دؤاد ، فعملا عليه ، وما زالا حتى ألقيا في قلب المعتصم أنّ الأفشين يريد قتله. ونقل إليه ابن أبي دؤاد أنّه يكاتب المازيار. فطلب المعتصم كاتبه وتهدّده بالقتل ، فاعترف وقال : كتبت إليه بأمره يقول : لم يبق غيري وغيرك وغير بابك. وقد مضى بابك ، وجيوش الخليفة عند ابن طاهر ، ولم يبق عند الخليفة سواي ، فإن هزمت ابن طاهر كفيتك أنا المعتصم ، وتخلص لنا الدّين الأبيض ، يعني المجوسيّة. وكان يتّهم بها.
فوهب المعتصم للكاتب مالا وأحسن إليه ، وقال : إن أخبرت أحدا قتلتك. فروي عن أحمد بن أبي دؤاد قال : دخلت على المعتصم وهو يبكي ويقلق ، فقلت : لا أبكى الله عينيك ، ما بك؟
قال : يا أبا عبد الله ، رجل أنفقت عليه ألف ألف دينار ، ووهبت له مثلها يريد قتلي. قد تصدّقت لله بعشرة آلاف ألف درهم ، فخذها ففرّقها. وكان الكرخ قد احترق ، فقلت : نفرّق نصف المال في بناء الكرخ ، والباقي في أهل الحرمين.
قال : افعل.
وكان الأفشين قد سيّر أموالا عظيمة إلى مدينة أشروسنة ، وهمّ بالهرب إليها ، وأحسّ بالأمر. ثم هيّأ دعوة ليسمّ المعتصم وقوّاده (١) ، فإن لم يجب دعا لها الأتراك مثل إيتاخ ، وأشناس فيسمّهم ويذهب إلى أرمينية ، ويدور إلى أشروسنة. فطال به الأمر ، ولم يتهيّأ له ذلك (٢) ، فأخبر بعض خواصّه المعتصم بعزمه ، فقبض حينئذ المعتصم عليه وحبسه ، وكتب إلى ابن طاهر بأن يقبض على ولده الحسن بن الأفشين (٣).
__________________
= الأرب ٢٢ / ٢٥٨ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ٣٤ ، ومرآة الجنان ٢ / ٩١ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٢٩٢.
(١) تاريخ الطبري ٩ / ١٠٥ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٤ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٥١٢ ، تجارب الأمم ٦ / ٥١٨.
(٢) الطبري ٩ / ١٠٥ ، ١٠٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٥.
(٣) الطبري ٩ / ١٠٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٥١٢ ، وآثار الأول للعباسي ٢١٦ ـ ٢١٨.
[أسر المازيار]
وفيها أسر المازيار ، وقدم به إلى بين يدي المعتصم (١).
[ذكر الرجلين العاريين عن اللحم]
وعن هارون بن عيسى بن المنصور قال : شهدت دار المعتصم وقد أتي بالأفشين ، والمازيار ، وبموبذ موبذان أحد ملوك السّغد ، وبالمرزبان ، وأحضروا رجلين فعرّيا ، فإذا أجنابهما عارية عن اللّحم.
فقال الوزير ابن الزّيّات : يا حيدر ، تعرف الرجلين؟
قال : نعم. هذا مؤذّن ، وهذا إمام بنيا مسجدا بأشروسنة ، فضربت كلّ واحد منهما ألف سوط.
قال : ولم؟
قال : [إنّ] بيني وبين ملوك السّغد عهدا ، أن أترك كلّ قوم على دينهم ، فوثب هذان على بيت فيه أصنام أهل أشروسنة ، فأخرجا الأصنام واتّخذاه مسجدا ، فضربتهما على تعدّيهما (٢).
[ذكر الحوار بين ابن الزيّات وحيدر والأفشين والمازيار]
فقال ابن الزّيّات : فما كتاب عندك قد زيّنته بالذّهب والجوهر ، وجعلته في الدّيباج ، فيه الكفر بالله؟
قال : كتاب ورثته عن أبي ، فيه آداب وحكم من آداب الأكاسرة ، فآخذ منه الأدب ، وأدفع ما سواه ، مثل كتاب «كليلة ودمنة» ، وما ظننت أنّ هذا يخرجني عن الإسلام.
فقال ابن الزّيّات للموبذ : ما تقول؟.
فقال : إن كان هذا يأكل المخنوقة ، ويحملني على أكلها ، ويزعم أنّ
__________________
(١) تجارب الأمم ٦ / ٥١٥.
(٢) العيون والحدائق ٣ / ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، تجارب الأمم ٦ / ٥٢٠.
لحمها أرطب لحما من المذبوحة. وقال لي : إنّي قد دخلت لهؤلاء القوم في كلّ ما أكره ، حتّى أكلت الزّيت ، وركبت الجمل ، ولبست النّعل ، غير أنّي إلى هذا العام (١) لم أسقط عنّي شعرا ، يعني عانته ، ولم أختتن (٢).
وكان الموبذ مجوسيّا ، ثم بعد هذا أسلم على يد المتوكّل.
فقال الأفشين : خبّروني عن هذا المتكلّم ، أثقة هو في دينه؟
قالوا : لا.
قال : فما معنى قبولكم شهادته؟
فتقدّم المرزبان وقال : يا أفشين كيف تكتب إليك أهل مملكتك؟
قال : كما كانوا يكتبون إلى أبي وجدّي.
قال ابن الزّيّات : فكيف كانوا يكتبون؟
قال : كانوا يكتبون إليه بالفارسيّة ما تفسيره بالعربيّة : إلى الإله من عبده.
قال : كذا هو؟
قال : نعم.
قال : فما أبقيت لفرعون؟ (٣) قال : خفت أن يفسدوا عليّ بتغيير ما يعهدونه.
فقال له إسحاق بن إبراهيم الأمير : كيف تحلف لنا بالله فنصدّقك ، وأنت تدّعي ما ادّعى فرعون.
فقال : يا إسحاق ، هذه سورة قرأها عجيف على عليّ بن هشام ، وأنت تقرءوها عليّ ، فانظر غدا من يقرأها عليك.
ثم تقدّم مازيار ، فقالوا له : تعرف هذا؟
قال : نعم.
قالوا : هل كاتبته؟
__________________
(١) في تاريخ الطبري ٩ / ١٠٨ «إلى هذه الغاية» ، وكذلك في : العيون والحدائق ٣ / ٤٠٦ ، وتجارب الأمم ٦ / ٥٢١.
(٢) الخبر بكاملة في تاريخ الطبري ٩ / ١٠٧ ، ١٠٨ ، والعيون والحدائق ٣ / ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٥١٣ ، تجارب الأمم ٦ / ٥٢١ ، تاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٤٠.
(٣) إلى هنا في : العيون والحدائق ٣ / ٤٠٦.