شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٣
قال : إنّ رسولي الّذي أرسلته إلى الشّام قد قدم عليّ ، وأخبرني أنّ معاوية قد نهد إليكم في أهل الشّام فما الرأي؟ قال : فأضبّ (١) أهل المسجد يقولون : يا أمير المؤمنين الرأي كذا ، الرأي كذا ، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلّم ، وكثر اللّغط ، فنزل وهو يقول : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،) ذهب بها ابن آكلة الأكباد ، يعني معاوية.
وقال الأعمش : حدّثني من رأى عليّا يوم صفّين يصفّق بيديه ويعضّ عليهما ويقول : وا عجبا أعصى ويطاع معاوية.
وقال الواقديّ اقتتلوا أيّاما حتّى قتل خلق وضجروا ، فرفع أهل الشّام المصاحف وقالوا : ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه ، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص ، يعني لمّا رأى ظهور جيش عليّ. فاصطلحوا كما يأتي.
وقال الزّهريّ : اقتتلوا قتالا لم تقتتل هذه الأمّة مثله قطّ ، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص ، وغلب أهل الشّام على قتلى أهل العالية ، وكان على ميمنة عليّ الأشعث بن قيس الكندي ، وعلى الميسرة عبد الله بن عبّاس ، وعلى الرّجّالة عبد الله بن بديل بن ورقاء (٢) الخزاعيّ ، فقتل يومئذ. ومن أمراء عليّ يومئذ الأحنف بن قيس التّيميّ ، وعمّار بن ياسر العنسيّ (٣) وسليمان بن صرد الخزاعيّ ، وعديّ بن حاتم الطّائيّ ، والأشتر النّخعي ، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ ، وشبث (٤) بن ربعيّ الرّياحيّ ، وسعيد بن قيس
__________________
(١) في نسخة الدار «فأصب» ، والتصحيح من «النهاية» حيث قال : يقال أضبّوا إذا تكلّموا متتابعا.
(٢) في الأصل «عبد الله بن عبديل بن ورقاء» ، والتصحيح من (شذرات الذهب ١ / ٤٦) وبعض النّسخ.
(٣) في النسخ (العبسيّ) وهو تصحيف.
(٤) في نسخة الدار «شبيب» والتصحيح من بقية النسخ والتبصير بالدّين.
الهمدانيّ ، وكان رئيس همدان المهاجر بن خالد (١) بن الوليد المخزوميّ ، وقيس بن مكشوح المرادي ، وخزيمة بن ثابت الأنصاريّ ، وغيرهم.
وكان عليّ في خمسين ألفا ، وقيل : في تسعين ألفا ، وقيل : كانوا مائة ألف (٢).
وكان معاوية في سبعين ألفا ، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن خالد بن الوليد المخزوميّ ، وعلى ميمنته عمرو بن العاص ، وقيل ابنه عبيد الله بن عمرو ، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة الفهريّ ، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطّاب ، ومن أمرائه يومئذ أبو الأعور السّلميّ ، وزفر بن الحارث ، وذو الكلاع الحميريّ ، ومسلمة بن مخلد ، وبسر بن أرطاة العامريّ ، وحابس بن سعد الطّائي ، ويزيد بن هبيرة السّكونيّ ، وغيرهم (٣).
قال عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة (٤) قال : رأيت عمّار بن ياسر بصفّين ، ورأى راية معاوية فقال : إنّ هذه قاتلت بها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أربع مرّات. ثم قاتل حتّى قتل (٥).
وقال غيره : برز الأشعث بن قيس في ألفين ، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف ، فاقتتلوا : ثمّ غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه (٦).
__________________
(١) في نسخة الدار (والمهاجرين خالد) والتصحيح من (ح) وتاريخ الطبري ٤ / ٦٥
(٢) تاريخ خليفة ١٩٣.
(٣) تاريخ خليفة ١٩٥ و ١٩٦.
(٤) في نسخة الدار «مسلمة» والتصحيح من طبقات ابن سعد ، وهو بكسر اللام ، كما في تقريب التهذيب ١ / ٤٢٠ رقم ٣٥٢.
(٥) في النسخ اضطراب ، والتصحيح من (مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٤٣).
(٦) تاريخ خليفة ١٩٣ ، وانظر تاريخ الطبري ٤ / ٥٦٩ وما بعدها ، ومروج الذهب للمسعوديّ ٣ / ٣٨٦.
ثمّ التقوا يوم الأربعاء سابع صفر ، ثمّ يوم الخميس والجمعة وليلة السّبت ، ثمّ رفع أهل الشّام لمّا رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو ، ودعوا إلى الصّلح والتّحكيم (١) ، فأجاب عليّ إلى تحكيم الحكمين ، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة : لا حكم إلّا لله. وخرجوا عليه فهم (الخوارج) وقال ثوير بن أبي فاختة ، عن أبيه قال : قتل مع عليّ بصفّين خمسة وعشرون بدريا. ثوير متروك.
قال الشّعبيّ : كان عبد الله بن بديل يوم صفّين عليه درعان ومعه سيفان ، فكان يضرب أهل الشام ويقول :
لم يبق إلّا الصّبر والتّوكل |
|
ثمّ (٢) التمشّي في الرعيل الأوّل |
مشي الجمال في حياض المنهل |
|
والله يقضي ما يشا ويفعل (٣) |
فلم يزل يضرب بسيفه حتّى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه ، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتّى أثخنوه وقتل ، فأقبل اليه معاوية ، وألقى عبد الله بن عامر عليه ، عمامته غطّاه بها وترحّم عليه ، فقال معاوية لعبد الله (٤) : قد وهبناه لك ، هذا كبش (٥) القوم وربّ الكعبة ، اللهمّ أظفر
__________________
(١) تاريخ خليفة ١٩٤.
(٢) في نهاية الأرب ٢٠ / ١٢٣ «مع» بدل «ثم».
(٣) البيتان في الاستيعاب ٢ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، وقعة صفين لابن مزاحم ٢٧٦ ، نهاية الأرب للنويري ٢٠ / ١٢٣ ، الإصابة ٢ / ٢٨١.
وورد هذا الرجز عند ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ / ٤٨٦ هكذا :
لم يبق غير الصبر والتوكّل |
|
والترس والرمح وسيف مصقل |
ثم التمشّي في الرعيل الأول |
|
مشي الجمال في حياض المنهل |
والقافية هنا بكسر اللام.
(٤) في نسخة دار الكتب «لعنة الله» بدل «عبد الله» والتصحيح من بقية النسخ ، ونهاية الأرب ٢٠ / ١٣٠.
(٥) بمعنى قائدهم ورئيسهم وحاميهم والمنظور إليه فيهم.
بالأشتر والأشعث ، والله ما مثل هذا إلّا كما قال الشاعر :
أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها |
|
وإن شمّرت يوما به الحرب شمّرا |
كليث هزبر كان يحمي ذماره |
|
رمته المنايا قصدها فتقصّرا (١) |
ثمّ قال : لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت (٢). وفي الطبقات لابن سعد ، من حديث عمرو بن شراحيل ، عن حنش (٣) بن عبد الله الصّنعاني (٤) عن عبد الله بن زرير (٥) الغافقيّ قال : لقد رأيتنا يوم صفّين ، فاقتتلنا نحن وأهل الشّام ، حتّى ظننت أنّه لا يبقى أحد ، فأسمع صائحا يصيح : معشر النّاس ، الله الله في النّساء والولدان من الروم ومن التّرك ، الله الله (٦).
والتقينا ، فأسمع حركة من خلفي ، فإذا عليّ يعدو بالرّاية حتّى أقامها ، ولحقه ابنه محمد بن الحنفيّة (٧) ، فسمعته يقول : يا بنيّ الزم رايتك ، فإنّي متقدّم في القوم ، فأنظر إليه يضرب بالسّيف حتّى يفرج له ، ثمّ يرجع فيهم.
__________________
(١) البيتان في الاستيعاب ٢ / ٢٦٩ ، وديوان حاتم الطائي ١٢١ ، ومروج الذهب ٢ / ٣٩٨ ، وهما في الأخبار الطوال ـ ص ١٧٦ هكذا :
أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها |
|
وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا |
كليث عرين بات يحمي عرينه |
|
رمته المنايا قصدها فتقطّرا |
والبيتان أيضا في نهاية الأرب ٢٠ / ١٣١ ، وورد البيت الأول فقط في : تاريخ الطبري ٥ / ٢٤ ، والكامل لابن الأثير ٣ / ٣٠٢ ، وانظر شرح ابن أبي الحديد ١ / ٤٨٦ ، والتذكرة الحمدونية ٢ / ٣٩٩.
(٢) وقعة صفين ٢٧٦ ـ ٢٧٨.
(٣) في نسخة دار الكتب «حبش» ، والتصحيح من بقية النسخ.
(٤) في منتقى الأحمدية «الصغاني» ، وهو تحريف.
(٥) في نسخة دار الكتب مهمل ، والتصويب من «المشتبه في أسماء الرجال» ١ / ٣٣٦ ، وورد في النسخة (ع) و (ح) «ندير» وهو خطأ ، وانظر طبقات ابن سعد ٧ / ٥١٠.
(٦) مروج الذهب ٢ / ٤٠٠ ، والأخبار الطوال ٧١٩.
(٧) (ابن الحنفيّة) مستدركة من ابن الملا.
وقال (١) خليفة (٢) : شهد مع عليّ من البدريّين : عمّار بن ياسر ، وسهل بن حنيف ، وخوّات بن جبير ، وأبو سعد السّاعديّ ، وأبو اليسر ، ورفاعة بن رافع الأنصاريّ ، وأبو أيّوب الأنصاريّ بخلف فيه ، قال : وشهد معه من الصّحابة ممّن لم يشهد بدرا : خزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وأبو قتادة ، وسهل بن سعد السّاعدي ، وقرظة (٣) بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وابن عبّاس ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وأبو مسعود عقبة بن عمرو ، وأبو عيّاش الزّرقيّ ، وعديّ بن حاتم ، والأشعث بن قيس ، وسليمان بن صرد ، وجندب بن عبد الله ، وجارية (٤) بن قدامة السّعديّ.
وعن ابن سيرين قال : قتل يوم صفّين سبعون ألفا يعدّون بالقصب (٥).
وقال خليفة وغيره : افترقوا عن ستّين ألف قتيل ، وقيل ، عن سبعين ألفا ، منهم خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام (٦).
وقال عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن جعفر ـ أظنّه ابن أبي المغيرة ـ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال : شهدنا مع عليّ ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرّضوان ، قتل منهم ثلاثة وستّون رجلا ، منهم عمّار (٧).
وقال أبو عبيدة وغيره : كانت راية عليّ مع هاشم بن عتبة بن أبي
__________________
(١) من هنا خرم في (ع) يبلغ زهاء صفحة.
(٢) هذا القول غير موجود بنصّه في تاريخ خليفة. انظر ص : ١٩٤ ، ١٩٥.
(٣) في نسخة الدار (قريظة) والتصحيح من ابن الملّا والأحمدية ، ح.
(٤) في نسخة الدار «حارثة» والتصحيح من الاستيعاب ، ومنتقى الأحمدية ، وتاريخ خليفة بن خياط ١٩٥.
(٥) تاريخ خليفة ١٩٤.
(٦) تاريخ خليفة ١٩٤.
(٧) تاريخ خليفة ١٩٦.
وقّاص ، وكان على الخيل عمّار بن ياسر (١).
وقال غيره : حيل بين عليّ وبين الفرات ، لأن معاوية سبق إلى الماء ، فأزالهم الأشعث عن الماء (٢).
قلت : ثمّ افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين.
وقتل مع عليّ : خزيمة بن ثابت ، وعمّار بن ياسر ، وهاشم بن عتبة ، وعبد الله بن بديل ، وعبد الله بن كعب المراديّ ، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحيّ (٣) ، وقيس بن مكشوح المراديّ ، وأبيّ بن قيس النّخعيّ أخو علقمة ، وسعد بن الحارث بن الصّمّة الأنصاريّ ، وجندب بن زهير الغامديّ ، وأبو ليلى الأنصاريّ (٤).
وقتل مع معاوية : ذو الكلاع ، وحوشب ذو ظليم (٥) ، وحابس بن سعد الطّائي قاضي حمص ، وعمرو بن الحضرميّ ، وعبيد الله بن عمر بن الخطّاب العدويّ ، وعروة بن داود (٦) ، وكريب بن الصّبّاح الحميريّ أحد الأبطال ، قتل يومئذ جماعة ، ثمّ بارزه عليّ فقتله (٧).
قال نصر بن مزاحم الكوفيّ الرافضيّ : ثنا عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة (٨) ، وإنّ ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس
__________________
(١) تاريخ خليفة ١٩٤.
(٢) تاريخ خليفة ١٩٣.
(٣) هنا ينتهي الخرم الّذي في النسخة (ع).
(٤) تاريخ خليفة ١٩٤.
(٥) في نسخة دار الكتب مهمل ، والتصحيح من تاريخ خليفة ١٩٥ ، ومروج الذهب ٢ / ٣٩٩ ، والأخبار الطوال ١٨٥.
(٦) تاريخ خليفة ١٩٤.
(٧) الإصابة ٣ / ٣١٤ رقم ٧٤٨٩.
(٨) في نسخة دار الكتب مهمل ، وفي النسخة (ح) «حضيرة» ، والتصويب من تاريخ الطبري ٤ / ٥٤٠.
يقول : إنّ ذا الكلاع قد أصيب ، وهو في الميسرة ، أفتأذن لنا في دفنه؟ فقال الأشعث لرسوله أقرئه السّلام ، وقل إنّي أخاف أن يتّهمني أمير المؤمنين ، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمدانيّ فإنّه في الميمنة ، فذهب إلى معاوية فأخبره فقال : ما عسيت أن أصنع ، وقد كانوا منعوا أهل الشّام أن يدخلوا عسكر عليّ ، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر ، فقال : معاوية لأصحابه : لأنا أشدّ فرحا بقتل ذي الكلاع منّي بفتح مصر لو افتتحتها (١) ، لأنّ ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها ، فخرج ابن ذي الكلاع الى سعيد ابن قيس ، فاستأذنه في أبيه فأذن له ، فحملوه على بغل وقد انتفخ.
وشهد صفّين مع معاوية من الصّحابة : عمرو بن العاص السّهميّ ، وابنه عبد الله ، وفضالة بن عبيد الأنصاري ، ومسلمة بن مخلد ، والنّعمان بن بشير ، ومعاوية بن حديج الكندي ، وأبو غادية الجهنيّ قاتل عمّار ، وحبيب ابن مسلمة الفهري ، وأبو الأعور السّلميّ ، وبسر بن أرطاة (٢) العامريّ (٣).
تحكيم الحكمين (٤)
عن عكرمة قال : حكّم معاوية عمرو بن العاص ، فقال الأحنف بن قيس لعليّ : حكّم أنت وابن عبّاس ، فإنّه رجل مجرّب ، قال : أفعل ، فأبت اليمانيّة وقالوا : لا ، حتّى يكون منّا رجل ، فجاء ابن عبّاس إلى عليّ لمّا رآه قد همّ أن يحكّم أبا موسى الأشعريّ ، فقال له : علام تحكّم أبا موسى ، فو الله لقد عرفت رأيه فينا ، فو الله ما نصرنا ، وهو يرجو ما نحن فيه ، فتدخله
__________________
(١) (لو افتتحتها) سقطت من نسخة الدار ، فاستدركتها من أربع نسخ.
(٢) في (ع) و (ح) (بسر بن أبي أرطاة) وكلاهما صحيح ، وفي الأحمدية (بشر) وهو تصحيف.
(٣) هنا في هامش ح : الحمد لله ، مررت على هذه الكرّاسة وأصلحتها ، وقابلتها على نسخة بخطّ البدر البشتكي ، فصحّت ولله الحمد. قاله يوسف سبط ابن حجر.).
(٤) هذا العنوان وما يتبعه إلى ترجمة سيّدنا (أويس) ساقط من نسخة الدار ، فاستدركته من باقي النسخ.
الآن في معاقد أمرنا ، مع أنّه ليس بصاحب ذاك ، فإذ أبيت أن تجعلني مع عمرو ، فاجعل الأحنف بن قيس ، فإنّه مجرّب من العرب ، وهو ، قرن لعمرو ، فقال عليّ أفعل ، فأبت اليمانيّة أيضا. فلمّا غلب جعل أبا موسى ، فسمعت ابن عبّاس يقول : قلت لعليّ يوم الحكمين : لا تحكّم أبا موسى ، فإنّ معه رجلا حذر فرس فاره ، فلزّني إلى جنبه ، فإنّه لا يحلّ عقدة إلّا عقدتها ولا يعقد عقدة إلّا حللتها. قال : يا بن عبّاس ما أصنع : إنّما أوتى من أصحابي ، قد ضعفت بينهم وكلّوا في الحرب ، هذا الأشعث بن قيس يقول : لا يكون فيها مضريّان أبدا حتّى يكون أحدهما يمان ، قال : فعذرته وعرفت أنّه مضطهد ، وأنّ أصحابه لا نيّة لهم (١).
وقال أبو صالح السمان : قال عليّ لأبي موسى : أحكم ولو على حزّ عنقي.
وقال غيره : حكّم معاوية عمرا ، وحكّم عليّ أبا موسى ، على أنّ من ولّياه الخلافة فهو الخليفة ، ومن اتّفقا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان ، وأن يأتي مع كلّ واحد جمع من وجوه العرب (٢).
فلمّا كان الموعد سار هذا من الشّام ، وسار هذا من العراق ، إلى أن التقى الطّائفتان بدومة الجندل وهي طرف الشّام من جهة زاوية الجنوب والشرق.
فعن عمر بن الحكم قال : قال ابن عبّاس لأبي موسى الأشعريّ : احذر عمرا ، فإنّما يريد أن يقدّمك ويقول : أنت صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأسنّ منّي فتكلّم حتّى أتكلّم ، وإنّما يريد أن يقدّمك في الكلام لتخلع عليّا. قال : فاجتمعا على إمرة ، فأدار عمرو أبا موسى ، وذكر له معاوية فأبى ، وقال أبو
__________________
(١) انظر تاريخ الطبري ٥ / ٥٢ ، ونهاية الأرب ٢٠ / ١٤٨ ، ١٤٩ ، والأخبار الطوال ١٩٣.
(٢) انظر تاريخ الطبري ٥ / ٥٤.
موسى : بل عبد الله بن عمر ، فقال عمرو : أخبرني عن رأيك؟ فقال أبو موسى : أرى أن نخلع هذين الرجلين ، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين ، فيختاروا لأنفسهم من أحبّوا.
قال عمرو : الرّأي ما رأيت ، قال : فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون بدومة الجندل ، فقال عمرو : يا أبا موسى أعلمهم أنّ رأينا قد اجتمع ، فقال : نعم ، إنّ رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمّة ، فقال عمرو : صدق وبرّ ، ونعم النّاظر للإسلام وأهله. فتكلّم يا أبا موسى. فأتاه ابن عبّاس ، فخلا به ، فقال : أنت في خدعة ، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه ، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا ، ثم ينزع عنه على ملأ من النّاس ، فقال : لا تخشى ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا.
ثمّ قام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيها النّاس ، قد نظرنا في أمر هذه الأمّة ، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن لا نغيّر أمرها ولا بعضه ، حتّى يكون ذلك عن رضا منها وتشاور ، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد : على خلع عليّ ومعاوية ، وتستقبل الأمّة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولّون من أحبّوا ، وإنّي قد خلعت عليّا ومعاوية ، فولّوا أمركم من رأيتم. ثمّ تأخّر.
وأقبل عمرو فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ هذا قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، وإنّي خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية ، فإنّه وليّ عثمان ، والطّالب بدمه ، وأحقّ النّاس بمقامه ، فقال سعد بن أبي وقّاص : ويحك يا أبو موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده ، فقال : ما أصنع به ، جامعني على أمر ، ثمّ نزع عنه ، فقال ابن عبّاس : لا ذنب لك ، الذّنب للّذي قدّمك ، فقال : رحمك الله غدر بي ، فما أصنع : وقال أبو موسى : يا عمرو إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه
يلهث ، فقال عمرو : إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. فقال ابن عمر : إلى ما صير أمر هذه الأمّة! إلى رجل لا يبالي ما صنع ، وآخر ضعيف (١).
قال المسعوديّ في «المروج» (٢) : كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان ، سنة ثمان وثلاثين ، فقال عمرو لأبي موسى : تكلّم ، فقال : بل تكلّم أنت ، فقال : ما كنت لأفعل ، ولك حقوق كلّها واجبة. فحمد الله أبو موسى (٣) وأثنى عليه ، ثمّ قال : هلمّ يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمّة (٤) ، ودعا عمرو بصحيفة ، وقال للكاتب : اكتب وهو غلام لعمرو ، وقال : إنّ للكلام أوّلا وآخرا ، ومتى تنازعنا الكلام لم نبلغ آخره حتّى ينسى أوّله ، فاكتب ما نقول ، قال : لا تكتب شيئا يأمرك به أحدنا حتّى تستأمر الآخر ، فإذا أمرك فاكتب ، فكتب : هذا ما تقاضى عليه فلان وفلان. إلى أن قال عمرو : وإنّ عثمان كان مؤمنا ، فقال أبو موسى : ليس لهذا قعدنا ، قال عمرو : لا بدّ أن يكون مؤمنا أو كافرا. قال : بل كان مؤمنا. قال : فمره أن يكتب ، فكتب. قال عمرو : فظالما قتل أو مظلوما؟ قال [أبو موسى : بل قتل مظلوما ، قال] (٥) عمرو : أفليس قد جعل الله لوليّه سلطانا يطلب بدمه؟ قال أبو موسى : نعم ، قال عمرو : فعلى قاتله القتل ، قال : بلى. قال : أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتّى يعجز؟ قال : بلى ، قال عمرو : فإنّا نقيم البيّنة على أنّ عليّا قتله.
__________________
(١) انظر تاريخ الطبري ٥ / ٦٧ ـ ٧١ ، وأنساب الأشراف (ترجمة الإمام علي) ـ ص ٣٥٠ ، ٣٥١ ، ونهاية الأرب ٢٠ / ١٥٨ ، ١٥٩ ، والأخبار الطوال ١٩٩ ـ ٢٠١.
(٢) مروج الذهب ٢ / ٤٠٦.
(٣) (أبو موسى) زيادة (مروج الذهب ٢ / ٤٠٧).
(٤) في مروج الذهب «الألفة».
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصول ، والاستدراك من مروج الذهب ٢ / ٤٠٨.
قال أبو موسى : إنّما اجتمعنا لله ، فهلمّ إلى ما يصلح الله به أمر الأمّة ، قال : وما هو؟ قال : قد علمت أنّ أهل العراق لا يحبّون معاوية أبدا ، وأهل الشّام لا يحبّون عليّا أبدا ، فهلم نخلعهما معا ، ونستخلف ابن عمر ـ وكان ابن عمر على بنت أبي موسى ـ قال عمرو : أيفعل ذلك عبد الله؟ قال : نعم إذا حمله النّاس على ذلك. فصوّبه عمرو وقال : فهل لك في سعد؟ وعدّد له جماعة ، وأبو موسى يأبى إلّا ابن عمر ، ثمّ قال : قم حتّى نخلع صاحبينا جميعا ، واذكر اسم من تستخلف ، فقام أبو موسى وخطب وقال : إنّا نظرنا في أمرنا ، فرأينا أقرب ما نحقن به الدّماء ونلم به الشّعث خلعنا معاوية وعليّا ، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه ، واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه ، وله سابقة : عبد الله بن عمر ، فأطراه ورغب النّاس فيه.
ثمّ قام عمرو فقال : أيّها النّاس ، إنّ أبا موسى قد خلع عليّا ، وهو أعلم به ، وقد خلعته معه ، وأثبّت معاوية عليّ وعليكم ، وإنّ أبا موسى كتب في هذه الصّحيفة أنّ عثمان قتل مظلوما ، وأنّ لوليّه أن يطلب بدمه ، فقام أبو موسى فقال : كذب عمرو ، [لم نستخلف معاوية ، ولكنّا خلعنا معاوية وعليّا معا] (١).
قال المسعوديّ : ووجدت في رواية أنّهما اتّفقا وخلعا عليّا ومعاوية ، وجعلا الأمر شورى ، فقام عمرو بعده ، فوافقه على خلع عليّ ، وعلى إثبات معاوية ، فقال له : لا وفّقك الله ، غدرت. وقنّع شريح بن هانئ (٢) عمرا بالسّوط. وانخذل أبو موسى ، فلحق بمكّة ، ولم يعد إلى الكوفة ، وحلف لا
__________________
(١) ما بين الحاصرتين إضافة من مروج الذهب ٢ / ٤٠٩.
(٢) كذا في المروج وتاريخ الطبري ٥ / ٧١ (شريح بها هانئ) ، وفي النسخ (شريح بن عمرو الهمذاني) ولعلّه سهو ، لأنّ هذا الاسم ورد في حوادث أخرى في هذا السياق.
ينظر في وجه عليّ ما بقي.
ولحق سعد وابن عمر ببيت المقدس فأحرما ، وانصرف عمرو ، فلم يأت معاوية ، فأتاه وهيّأ طعاما كثيرا ، وجرى بينهما كلام كثير ، وطلب الأطعمة ، فأكل عبيد عمرو ، ثمّ قاموا ليأكل عبيد معاوية ، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده ، فقال عمرو : فعلتها؟ قال : إي والله بايع وإلّا قتلتك. قال : فمصر ، قال : هي لك ما عشت (١).
وقال الواقديّ : رفع أهل الشّام المصاحف وقالوا : ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه. فاصطلحوا ، وكتبوا بينهما كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح (٢) ويحكّموا حكمين ، ففعلوا ذلك فلم يقع اتّفاق ، ورجع عليّ بالاختلاف والدّغل من أصحابه ، فخرج منهم الخوارج ، وأنكروا تحكيمه وقالوا : لا حكم إلّا لله ، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه (٣).
ثم بايع أهل الشّام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. كذا قال (٤) :
وقال خليفة وغيره إنّهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين (٥) ، وهو أشبه ، لأنّ ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم.
وقال محمد بن الضّحّاك الحزاميّ ، عن أبيه قال : قام عليّ على منبر الكوفة ، فقال : حين اختلف الحكمان : لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٤١٠ ـ ٤١٢.
(٢) أذرح : بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة ، ثم من نواحي البلقاء. (معجم البلدان ١ / ١٢٩).
(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٢.
(٤) في تاريخ الطبري ٥ / ٧١ الاجتماع كان في شعبان.
(٥) تاريخ خليفة ١٩٢.
فعصيتموني ، فقام إليه شاب آدم فقال : إنّك والله ما نهيتنا ولكن أمرتنا ودمّرتنا ، فلمّا كان منها ما تكره برّأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال عليّ : ما أنت وهذا الكلام قبّحك الله ، والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملا ، فلمّا ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثمّ قال : لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر ، والله لئن كان ذنبا إنّه لصغير مغفور ، وإن كان حسنا إنّه لعظيم مشكور.
قلت : ما أحسنها لو لا أنّها منقطعة السّند.
وقال الزّهريّ ، عن سالم ، عن أبيه قال : دخلت على حفصة وقلت : قد كان من النّاس ما ترين ، ولم يجعل لي من الأمر شيء ، قالت : فالحق بهم ، فإنّهم ينتظرونك ، وإنّي أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة ، فذهب ...
فلمّا تفرّق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلّم في هذا الأمر فليطلع إلى قرنه فلنحن أحقّ بهذا الأمر منه ومن أبيه ـ يعرّض بابن عمر ـ قال ابن عمر : فحللت حبوتي وهممت أن أقول : أحقّ به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع وتسفك الدّم ، فذكرت ما أعدّ الله في الجنان (١).
قال جرير بن حازم ، عن يعلى ، عن نافع قال : قال أبو موسى : لا أرى لها غير ابن عمر ، فقال عمرو لابن عمر : أما تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك.
__________________
(١) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق ، وعبد الرزاق في المصنّف ٥ / ٤٦٥ من خبر طويل برقم (٩٧٧٠).
فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر ، عن الزّهريّ (١).
* * *
وفيها أخرج عليّ سهل بن حنيف على أهل فارس ، فمانعوه ، فوجّه عليّ زيادا ، فصالحوه وأدّوا الخراج (٢).
وفيها قال أبو عبيدة : خرج أهل حروراء (٣) في عشرين ألفا ، عليهم شبث بن ربعيّ ، فكلّمهم عليّ فحاجّهم ، فرجعوا (٤).
وقال سليمان التّيميّ ، عن أنس قال : قال شبث بن ربعيّ : أنا أوّل من حرّر الحروريّة ، فقال رجل : ما في هذا ما تمتدح به (٥).
وعن مغيرة قال : أوّل من حكم ابن الكوّاء (٦) وشبث.
قلت : معنى قوله «حكم» هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج. يقال «حكم» إذا خرج فقال : لا حكم إلّا لله.
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ من طريق أبي العباس الثقفي ، عن عبد الله بن جرير بن جبلة ، عن سليمان بن حرب ، بهذا الإسناد.
(٢) تاريخ خليفة ١٩٢.
(٣) بظاهر الكوفة ، على ميلين منها.
(٤) تاريخ خليفة ١٩٢.
(٥) تاريخ خليفة ١٩٢.
(٦) هو عبد الله بن أبي أوفى الكوّاء اليشكري. (تاريخ الطبري ٥ / ٦٣).
الوفيّات
أويس القرنيّ (١)
ابن عامر بن جزء (٢) بن مالك المرادي القرنيّ الزّاهد ، سيّد التّابعين ، في نسبة أقوال مختلفة ، وكنيته أبو عمرو.
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٦ / ١٦١ ـ ١٦٥ ، الزهد لابن المبارك ٢ / ٢٩٣ ، الزهد لابن حنبل ٤١١ ـ ٤١٦ ، طبقات خليفة ١٤٦ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٤٥ ، ٤٦ ، التاريخ الكبير ٢ / ٥٥ رقم ١٦٦٦ ، ترتيب الثقات للعجلي ٧٤ رقم ١٢٤ ، المعرفة والتاريخ ٢ / ١٠٧ و ٧٨٠ و ٣ / ١٠٥ ، العقد الفريد ٣ / ١٧١ و ٣٩٨ ، الجرح والتعديل ٢ / ٣٢٦ رقم ١٢٤٥ ، حلية الأولياء ٢ / ٧٩ ـ ٨٧ رقم ١٦٢ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ١ / ١٣٥ ـ ١٣٧ رقم ١٦٧ ، جمهرة أنساب العرب ٤٠٧ ، ربيع الأبرار ٤ / ١٩٨ و ٣٨٥ ، مشاهير علماء الأمصار ١٠٠ رقم ٧٤٣ ، الثقات لابن حبّان ٤ / ٥٢ ، المستدرك ٣ / ٤٠٢ ـ ٤٠٨ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ١ / ٤٠٣ ، ٤٠٤ ، تهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٦٠ ـ ١٧٧ وهو باسم «أوس» ، الأنساب للسمعاني ١٠ / ١١٤ ، التذكرة الحمدونية ١ / ١٣٥ و ١٣٦ و ١٤٠ ، اللباب ٣ / ٢٩ ، أسد الغابة ١ / ١٥١ ، ١٥٢ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٢٥ ، المعين في طبقات المحدّثين ٣٢ رقم ١٨٦ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٧٨ ـ ٢٨٢ رقم ١٠٤٨ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٤٠٢ ـ ٤٠٨ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ١٩ ـ ٣٣ رقم ٥ ، الوافي بالوفيات ٩ / ٤٥٦ ، ٤٥٧ رقم ٤٤١١ ، مرآة الجنان ١ / ١٠٢ ، الإصابة ١ / ١١٥ ـ ١١٧ رقم ٥٠٠ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٨٦ رقم ٧٠٧ ، تقريب التهذيب ١ / ٨٦ رقم ٦٦١ ، لسان الميزان ١ / ٤٧١ ـ ٤٧٥ رقم ١٤٤٩ ، شرح المقامات الحريرية ٢ / ٢١٧ ، مسالك الأبصار ١ / ١٢٢ ، خلاصة تذهيب التهذيب ٤١ ، تاج العروس (أوس).
(٢) مصحّفة في النسخ ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
قال ابن الكلبيّ : استشهد أويس يوم صفّين مع علي.
وقال يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : إنّ أويسا شهد صفّين مع عليّ ، ثمّ روى عن رجل أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «أويس خير التّابعين بإحسان (١)».
وقال غيره : إنّ أويسا وفد على عمر من اليمن ، وروى عنه ، وعن عليّ.
روى عنه يسير (٢) بن عمرو ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وأبو عبد ربّ الدمشقيّ.
وسكن الكوفة ، وليس له حديث مسند بل له حكايات.
قال أسير (٣) بن جابر ، عن عمر بن الخطّاب ، أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «خير التّابعين رجل يقال له أويس بن عامر ، كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلّا موضع الدّرهم في سرّته ، لا يدع باليمن غير أمّ له ، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم».
قال عمر : فقدم علينا رجل فقلت له : من أين أنت؟ قال : من اليمن ، قلت : ما اسمك؟ قال : أويس. قلت : فمن تركت باليمن؟ قال : أمّا لي ، قلت : أكان بك بياض ، فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال : نعم ، قلت : فاستغفر لي ، قال : أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين! قال : فاستغفر لي ، وقلت له : أنت أخي لا تفارقني ، قال : فانملس (٤) منّي.
فأنبئت أنّه قدم عليكم الكوفة ، قال : فجعل رجل كان يسخر بأويس
__________________
(١) إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد ، وهو في المستدرك ٣ / ٤٠٢.
(٢) في نسخة دار الكتب «بشير» والتصحيح من نسختي (ح) و (ع) ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢٢ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٧٩.
(٣) في نسخة دار الكتب «أسيد» والتصحيح من نسختي (ح) و (ع) وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢٢.
(٤) في نسخة الدار وطبعة القدسي ٣ / ٣٣٨ «فاملس» ، والتصويب من منتقى الأحمدية ، ومنتقى ابن الملا ، ونسختي (ع) و (ح) ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢٣ وهي بمعنى : أفلت.
بالكوفة ويحقّره يقول : ما هذا فينا ولا نعرفه ، فقال عمر : بلى إنّه رجل كذا وكذا ، فقال كأنّه يضع شأنه : فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس ، فقال عمر : أدركه فلا أراك تدركه ، قال : فأقبل ذلك الرجل حتّى دخل على أويس قبل أن يأتي أهله ، فقال له أويس : ما هذه عادتك ، فما بدا لك؟ قال : سمعت عمر بن الخطّاب يقول : فيك كذا وكذا فاستغفر لي ، قال : لا أفعل حتّى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد ، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحد ، قال : نعم ، فاستغفر له ، قال أسير : فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة ، قال : فدخلت عليه فقلت : يا أخي إنّ أمرك لعجب (١) ونحن لا نشعر ، فقال : ما كان في هذا ما أتبلّغ به في النّاس ، وما يجزى كلّ عبد إلّا بعمله قال : وانملس (٢) منّي فذهب. رواه مسلم (٣).
وفي أوّل الحديث : قال أسير : كان رجل بالكوفة يتكلّم بكلام لا أسمع أحدا يتكلّم به ، ففقدته فسألت عنه ، فقالوا : ذاك أويس فاستدللت عليه وأتيته ، فقلت : ما حبسك عنّا؟ قال : العري. قال : وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه ، فقلت : هذا برد فخذه ، فقال : لا تفعل فإنّهم إذن يؤذونني ، فلم أزل به حتّى لبسه ، فخرج عليهم فقالوا : من ترون خدع عن هذا البرد! قال : فجاء فوضعه ، فأتيت فقلت : ما تريدون من هذا الرجل؟ فقد آذيتموه والرجل يعرى مرّة ويكتسي أخرى ، وآخذتهم (٤) بلساني ، فقضى أنّ أهل الكوفة وفدوا على عمر ، فوفد رجل ممّن كان يسخر به ، فقال عمر : ما ها هنا أحد من القرنيّين؟ فقام ذلك الرجل ، فقال عمر : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) في ح ، ومنتقى الأحمدية وحلية الأولياء ٢ / ٨٠ : (يا أخي ألا أراك العجب).
(٢) في طبعة القدسي ٣ / ٣٣٩ «وأملس» ، والتصحيح من سير أعلام النبلاء ٤ / ٢٣.
(٣) في فضائل الصحابة (٢٥٤٢) وهو بسياق ولفظ مقارب لما هنا.
(٤) في نسخة دار الكتب هنا تحريف وتصحيف ، والتصحيح من طبقات ابن سعد ٦ / ١٦٢ ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢٣.
وفي طبقات ابن سعد ، وتهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٦٣ «فأخذتهم بلساني أخذا شديدا».
قال : «إنّ رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس» فذكر الحديث.
وروى نحو هذه القصّة عثمان بن عطاء الخراسانيّ ، عن أبيه ، وزاد فيها : ثمّ إنّه غزا أذربيجان ، فمات ، فتنافس أصحابه في حفر قبره (١).
وعن علقمة بن مرثد (٢) عن عمر ـ وهو منقطع ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يدخل الجنّة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر» (٣).
وقال فضيل بن عياض : ثنا أبو قرّة السّدوسيّ ، عن سعيد بن المسيّب قال : نادى عمر بمنى على المنبر : يا أهل قرن ، فقام مشايخ ، فقال : أفيكم من اسمه أويس (٤)؟ فقال شيخ : يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار لا يألف ولا يؤلف ، قال : ذاك الّذي أعنيه ، فإذا عدتم فاطلبوه وبلّغوه سلامي وسلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم [فعادوا إلى قرن ، فوجدوه في الرمال ، فأبلغوه سلام عمر ، وسلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم] (٥) قال : فقال : عرّفني أمير المؤمنين وشهّر باسمي ، اللهمّ صلّ على محمد وعلى آله ، السلام على رسول الله ، ثمّ هام على وجهه ، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا ، ثمّ عاد في أيام عليّ فاستشهد معه بصفّين ، فنظروا فإذا عليه نيّف وأربعون جراحة (٦).
وقال هشام بن حسّان ، عن الحسن قال : يخرج من النّار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر (٧).
__________________
(١) اختلف في وفاته ومكان دفنه. انظر : حلية الأولياء ٢ / ٨٣ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٧٧.
(٢) في نسخة دار الكتب «جرير» ، وهو خطأ ، والتصحيح من نسختي (ع) و (ح) وسير أعلام النبلاء ٤ / ٣١.
(٣) سيأتي بعد قليل ما يشبهه.
(٤) هنا اضطراب في النص في نسخة دار الكتب ، والتصحيح من نسخة (ح) ، ومنتقى الأحمدية ، ومنتقى ابن الملا.
(٥) ما بين الحاصرتين زيادة من «ميزان الاعتدال ١ / ٢٨١».
(٦) ميزان الاعتدال ١ / ٢٨١ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٢.
(٧) سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٢ ، تهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٧٤.
وقال خالد الحذّاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن أبي الجدعاء : سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم» (١).
وقال يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لمّا كان يوم صفّين ، نادى منادي أصحاب معاوية (٢) : أفيكم أويس القرنيّ؟ قالوا : نعم ، فضرب دابّته ودخل معهم وقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «خير التّابعين أويس القرنيّ». قال : فوجد في قتلى صفّين رضياللهعنه (٣).
قال ابن عديّ (٤) : أويس ثقة صدوق ، ومالك ينكر أويسا. قال : ولا يجوز أن يشكّ فيه.
قلت : وروى قصّة أويس مبارك بن فضالة ، عن مروان الأصغر ، عن صعصعة بن معاوية. ورواه هدبة ، عن مبارك عن أبي الأصفر ، وقد ذكر ابن حبّان أبا الأصفر في «الضّعفاء» (٥) ، وساق الحديث بطوله.
وأخبار أويس مستوعبة في «تاريخ دمشق» (٦) ، ليس في التّابعين أحد أفضل منه ، وأمّا أن يكون أحد مثله في الفضل فيمكن كسعيد بن المسيّب ، وهم قليل.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (٢٤٤٠) ، والدارميّ ٢ / ٣٢٨ ، وابن ماجة (٤٣١٦) ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٦٦ من حديث : خالد الحذّاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وفي ميزان الاعتدال ١ / ٢٨٢ «أكثر من ربيعة وبني تميم» وانظر : مجمع الزوائد للهيثمي ١٠ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٧٥.
(٢) كذا في ع ، ح ومنتقى الأحمدية ، وفي نسخة دار الكتب (أصحاب علي) ، والمثبت يرجّحه ما جاء في ميزان الاعتدال ١ / ٢٨١ «فنادى منادي أهل الشام».
(٣) حلية الأولياء ٢ / ٨٦.
(٤) الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ٤٠٤.
(٥) الضعفاء والمتروكين ٣ / ١٥١.
(٦) انظر مخطوط الظاهرية ٣ / ٩٧ آ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٦٠.
(جندب (١) بن زهير)(٢) بن الحارث الغامديّ الأزدي (٣) ، كوفيّ ، يقال : له صحبة. وله حديث تفرّد به السّري بن إسماعيل ، وهو ضعيف (٤). وكان يوم صفّين على الرّجّالة مع عليّ ، فقتل.
(جهجاه بن قيس) (٥) وقيل بن سعيد ـ الغفاريّ ، مدني ، له صحبة. شهد بيعة الرّضوان ، وكان في غزوة المريسيع أجيرا لعمر (٦) ، ووقع بينه
__________________
(١) هذه الترجمة واللتان بعدها ساقطة من نسخة دار الكتب ، والاستدراك من نسختي (ع) و (ح) والمنتقى لابن الملا.
(٢) نسب قريش ١٩٣ ، تاريخ خليفة ١٩٥ ، ١٩٦ ، التاريخ الكبير ٢ / ٢٢٢ رقم ٢٢٦٨ ، المعارف ٤٠٥ ، الأخبار الطوال ١٤٦ و ١٧٢ و ١٨٥ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥١٩ و ٥٢١ و ٥٢٢ و ٥٢٨ و ٥٢٩ و ٥ / ٣١ و ٣٢ و ٣٤ و ٤٠ و ٤١ و ٢٤٢ ، تاريخ الطبري ٤ / ٣١٨ و ٣٢٦ و ٥ / ٢٧ ، الجرح والتعديل ٢ / ٥١١ رقم ٢١٠٧ ، المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٧٧ ، رقم ١٨٤ ، جمهرة أنساب العرب ٣٧٨ ، الاستيعاب ١ / ٢١٨ ـ ٢٢٠ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ١٧٥ ، تهذيب تاريخ دمشق ٣ / ٤١٣ ، ٤١٤ وذكره في ترجمتين : جندب بن زهير بن الحارث ، وجندب بن عبد الله ، أسد الغابة ١ / ٣٠٣ ، الكامل في التاريخ ٣ / ١٠٦ و ١٤٤ و ٢٥١ و ٣٠٣ و ٣٢٥ ، تهذيب الكمال ٥ / ١٤١ ـ ١٤٨ رقم ٩٧٥ (تحقيق د. بشار عوّاد) ، الكاشف ١ / ١٣٣ رقم ٨٢٨ ، تجريد أسماء الصحابة رقم ٨٥٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٧٥ ـ ١٧٧ رقم ٣١ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٩٤ رقم ٢٨٨ و ١١ / ١٩٥ رقم ٢٩٠ ، تهذيب التهذيب ٢ / ١١٨ ، ١١٩ رقم ١٩٠ ، تقريب التهذيب ١ / ١٣٥ رقم ١٢٠ ، الإصابة ١ / ٢٤٨ رقم ١٢١٧ ، تحفة الأشراف ٢ / ٤٤٦ رقم ٧٧ ، خلاصة تذهيب التهذيب ٥٥.
(٣) انظر الأقوال في اسمه : في سير اعلام النبلاء ٣ / ١٧٧ فهو جندب الخير ، وجندب بن عبد الله ، وجندب بن كعب ، وجندب بن عفيف ، وهو قاتل الساحر.
(٤) الكامل في ضعفاء الرجال ٣ / ١٢٩٥.
(٥) المغازي للواقدي ٤١٥ ، ٤١٦ و ٤٣٥ ، تهذيب سيرة ابن هشام ٢١٠ ، طبقات خليفة ٣٣ ، التاريخ الكبير ٢ / ٢٤٩ رقم ٢٣٥٥ ، المعارف ٣٢٣ ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد ١٥٣ رقم.
٨١٧ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٣٦ ، ٥٣٧ و ٥٨١ ، و ٥ / ٤٧ و ٤٨ و ٨٩ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٥ و ٤ / ٣٦٦ و ٣٦٧ ، الاستيعاب ١ / ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، الجرح والتعديل ٢ / ٥٤٣ رقم ٢٢٥٨ ، المعجم الكبير للطبراني ٢ / ٢٧٤ رقم ٢٠٨ ، أسد الغابة ١ / ٣٠٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٢ و ٣ / ١٦٨ و ٤٠٣ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ٩٢ ، الوافي بالوفيات ١١ / ٢٠٧ رقم ٣٠٤ ، الإصابة ١ / ٢٥٣ رقم ١٢٤٥.
(٦) في نسختي (ع) و (ح) «لعمرو» ، والتصحيح من منتقى ابن الملا ، والاستيعاب ، والإصابة.