شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٣
وفيه يقول عامر بن عبد الله بن الزّبير :
جدّي ابن عمّه أحمد ووزيره |
|
عند البلاء وفارس الشّقراء (١) |
وغداة بدر كان أوّل فارس |
|
شهد الوغى في اللّأمة الصّفراء |
نزلت بسيماه الملائك نصرة |
|
بالحوض يوم تألّب الأعداء |
وعن عروة ـ وهو في الصّحيح ـ أنّ عائشة قالت : يا بن أختي كان أبي (٢) تعني أبا بكر الصّدّيق ـ والزّبير من الذين استجابوا لله وللرّسول من بعد ما أصابهم القرح (٣).
وقال محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الخندق : «من يأتينا بخبر بني قريظة»؟ فقال الزّبير : أنا ، فذهب على فرس فجاء بخبرهم ، ثمّ ندب النّاس ثانيا وثالثا ، فانتدب الزّبير وقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لكلّ نبيّ حواريّا وحواريي الزّبير (٤)».
وقال ابن المنكدر ، عن جابر أيضا قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الزّبير ابن عمّتي وحواريي من أمّتي» (٥).
__________________
(١) في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦١ «العشواء».
(٢) في منتقى أحمد الثالث ، ع (أبواك).
(٣) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة ٤ / ١٨٨١ رقم (٢٤١٨ / ٥٢) باب من فضائل طلحة والزبير رضياللهعنهما ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ١٠٤.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣٠٧ و ٣١٤ و ٣٣٨ و ٣٦٥ ، والبخاري في فضائل الصحابة رقم (٣٧١٩) باب مناقب الزبير ، ومسلم في فضائل الصحابة (٢٤١٥) باب فضائل الزبير ، والطبراني في المعجم الكبير ١ / ١١٩ رقم ٢٢٧ ، والترمذي في المناقب (٣٧٤٥) باب مناقب الزبير ، وابن ماجة في المقدّمة (١٢٢) باب فضائل الزبير ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ١٠٥ ، والحميدي في مسندة (١٢٣١) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦١) ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ١ / ٥٨١ ، وابن حجر في الإصابة ١ / ٥٤٦.
(٥) إسناده صحيح ، وأخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣١٤.
وقال عاصم ، عن (١) زرّ استأذن ابن جرموز على عليّ [وأنا عنده] (٢) ، فقال : بشّر قاتل ابن صفيّة بالنّار ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لكلّ نبيّ حواريّ وحوارييّ الزّبير (٣)».
الحواريّ : النّاصر. وقال الكلبيّ : الحواريّ : الخليل ، وقال مصعب الزّبيريّ : الحواريّ : الخالص من كلّ شيء.
وقال عروة ، عن أخيه عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه قال : جمع لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبويه قال : إرم فداك أبي وأمّي» (٤).
وقال عبد الرحمن بن أبي الزّناد : ضرب الزّبير يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف فقدّه إلى القربوس (٥) ، فقالوا : ما أجود سيفك ، فغضب ، يعني أنّ العمل ليده لا لسيفه (٦).
وعن الزّبير أنّه دخل يوم الفتح ومعه لواءان : لواؤه ، ولواء سعد بن عبادة (٧).
__________________
(١) في نسخة دار الكتب «عاصم عن زر» ، وهو خطأ ، والتصحيح من منتقى ابن الملّا ، وسير أعلام النبلاء.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب والاستدراك من منتقى ابن الملا ، وسير أعلام النبلاء.
(٣) إسناده حسن ، وأخرجه أحمد في المسند ١ / ٨٩ و ١٠٢ و ١٠٣ ، والترمذي في المناقب (٣٧٤٥) ، والطبراني / ١١٩ رقم ٢٢٨ و ١٢٣ رقم ٢٤٣ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٣٦٧ وصحّحه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ١٠٥ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦١ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ١٩٩.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ١ / ١٦٤ ، وابن ماجة في المقدّمة (١٢٣) باب فضل الزبير ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ١ / ٥٨٢ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ١٠٦ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ١٩٧ ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٥ / ٣٦٢ ، والنويري في نهاية الأرب ٢٠ / ٩١ ، وابن حجر في الإصابة ١ / ٥٤٥.
(٥) القربوس : بالتحريك ، مقدّم السّرج ومؤخّره.
(٦) الخبر مرسل ، وهو في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٢.
(٧) مجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٦٩ ، المطالب العالية لابن حجر (٤٣٥٧) ونسب فيهما لأبي يعلى.
وانظر سند الحديث والتعليق عليه في سير أعلام النبلاء ١ / ٥١.
وقال عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن هشام ، عن أبيه قال : أعطى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم الزّبير يلمق (١) حرير ، محشوّ بالقزّ يقاتل فيه (٢).
وقال سفيان الثّوريّ : كان هؤلاء الثّلاثة نجدة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : حمزة وعليّ والزّبير.
وقال عروة : كان في الزّبير ثلاث ضربات بالسّيف ، إحداهنّ في عاتقه ، إن كنت لأدخل أصابعي فيها ، ضرب ثنتين يوم بدر ، وواحدة يوم اليرموك. وقال عروة : أخذ بعضنا سيف الزّبير بثلاثة آلاف (٣).
وقال سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان على حراء فتحرّك الجبل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اسكن حراء فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد ،
وكان عليه هو ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزّبير ، وسعد (٤).
وقد قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في العشرة إنّهم في الجنّة فذكر منهم الزّبير (٥).
__________________
(١) اليلمق : قباء ، وهو فارسيّ معرّب ، أصله «يلمه». قاله الجوهري. (شفاء الغليل).
(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٢ ، كنز العمال (٣٦٦٢٩).
(٣) أخرجه البخاري في المغازي (٣٩٧٣) باب قتل أبي جهل ، وفي فضائل الصحابة ، (٣٧٢١) باب مناقب الزبير ، وانظر المغازي (٣٩٧٥) باب قتل أبي جهل. وأخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٣.
(٤) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (٢٤١٧) باب فضائل طلحة والزبير ، من طريق سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وفيه عليّ.
وأخرجه والترمذي (٣٦٩٧) من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة. وأخرجه خيثمة الأطرابلسي في فضائل الصحابة من طريق : جعفر بن محمد بن الحسن بن زياد الزعفرانيّ ، عن إبراهيم بن موسى ، عن محمد بن أنس ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. (انظر كتابنا : «من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي ـ ص ٩٥ ـ طبعة دار الكتاب العربيّ ، بيروت ١٤٠٠ ه ـ / ١٩٨٠ م). وابن عساكر في (تهذيب تاريخ دمشق) ٥ / ٣٦٣.
(٥) انظر فضائل الصحابة (بتحقيقنا) «من حديث خيثمة» ـ ص ٩٥.
وقال عروة : قال عمر بن الخطّاب : لو عهدت أو تركت تركة ، كان أحبّهم إليّ الزّبير ، [إنّه ركن من أركان الدّين (١).
وقال عروة : أوصى سبعة من الصّحابة إلى الزّبير] (٢) منهم عثمان وابن مسعود ، وعبد الرحمن بن عوف ، فكان ينفق على الورثة من ماله ، ويحفظ عليهم أموالهم (٣).
وقال هشام بن عروة : لمّا قتل عمر محا الزّبير بن العوّام نفسه من الدّيوان (٤).
وروى أحمد في «مسندة» (٥) من حديث مطرّف قال : قلت للزّبير : يا أبا عبد الله ما شأنكم ضيّعتم عثمان حتّى قتل ، ثمّ جئتم تطلبون بدمه؟! فقال الزّبير : إنّا قرأناها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٦) ، لم نكن نحسب أنّا أهلها ، حتّى وقعت منّا حيث وقعت.
يزيد بن هارون ، عن عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه قال : كانت
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١ / ١٢٠ رقم (٢٣٢) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٥ / ٣٦٥ وفي سنده عند الطبراني : عبد الله بن محمد بن يحيى بن الزبير المدني. وهو متروك الحديث يروي الموضوعات عن الثقات. (المجروحين ٢ / ١٠ ، الجرح والتعديل ٥ / ١٥٨ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٤٨٦ ، الكشف الحثيث ٢٤٧ رقم ٤١٠).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب ، والاستدراك من المنتقى لابن الملّا.
(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٥.
(٤) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١ / ٢٢ رقم ٢٤٠ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ١٠٧ ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٥ / ٣٦٦.
(٥) بسند حسن ١ / ١٦٥ وذكره ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٥ / ٣٦٧ ، والسيوطي في «الدرّ المنثور» ٣ / ١٧٧ ونسبه الى أحمد ، والبزّار ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٧ / ٢٧ وقال : رواه أحمد بإسنادين ، رجال أحدهما رجال الصحاح.
(٦) سورة الأنفال ـ الآية ٢٥.
أمّ كلثوم بنت عقبة (١) بن أبي معيط تحت الزّبير ، وكانت فيه شدّة على النّساء ، وكانت له كارهة ، تسأله الطّلاق ، فيأبى حتّى ضربها الطّلق وهو لا يعلم ، فألحّت عليه وهو يتوضّأ ، فطلقها تطليقة ، ثمّ خرج ، فوضعت ، فأدركه إنسان من أهله ، فأخبره ، فقال خدعتني خدعها الله. وأتى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فذكر ذلك له ، فقال : «سبق فيها كتاب الله فاخطبها» قال : لا ترجع إليّ أبدا.
قال الواقديّ : ثمّ تزوّجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له إبراهيم وحميدا. قاله يعقوب بن شيبة (٢).
وروى هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قال الزّبير : إنّ طلحة يسمّي بنيه بأسماء الأنبياء. وقد علم أنّه لا نبيّ بعد محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإنّي أسمّي بأسماء الشّهداء لعلّهم يستشهدون : عبد الله بعبد الله بن جحش ، والمنذر بالمنذر بن عمرو ، وعروة بعروة بن مسعود ، وحمزة بحمزة ، وجعفر بجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بمصعب بن عمير ، وعبيدة بعبيدة بن الحارث ، وخالد بخالد بن سعيد ، وعمرو بعمرو بن سعيد بن العاص قتل باليرموك (٣).
وقال فضيل بن مرزوق : حدّثني شقيق بن عقبة ، عن قرّة بن الحارث ، عن جون (٤) بن قتادة قال : كنت مع الزّبير يوم الجمل ، فكانوا يسلّمون عليه بالإمرة.
وقال حصين بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن جاوان قال : كان أوّل قتيل
__________________
(١) في نسخة دار الكتب «عتبة» وهو تحريف.
(٢) ابن سعد في الطبقات ٨ / ٢٣٠ ، ٢٣١.
(٣) ابن سعد ٣ / ١٠١.
(٤) في ع (جول) ولعلّه من تصحيف السمع ، إذا كان النّاسخ يملي عليه ممل.
طلحة ، وانهزموا ، فانطلق الزّبير فلقيه النّعر (١) المجاشعيّ فقال : تعال يا حواريّ رسول الله فأنت في ذمّتي ، فسار معه ، وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس ، فذكر أنّه رأى الزّبير بسفوان (٢) فقال : حمل بين المسلمين ، حتّى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسّيف ، أراد أن يلحق ببنيه ، قال : فسمعها عمير بن جرموز المجاشعيّ ، وفضالة بن حابس ، ورجل (٣) ، فانطلقوا حتّى لقوة مع النّعر ، فأتاه ابن جرموز من خلفه ، فطعنه طعنة ضعيفة. فحمل عليه الزّبير ، فلمّا استلحمه وظنّ أنّه قاتله ، قال : يا فضالة يا فلان (٤) ، فحملوا على الزّبير فقتلوه ، وقيل : طعنه ابن جرموز ثانية فوقع (٥).
وقال ابن عون : رأيت قاتل الزّبير ، وقد أقبل على الزّبير ، فأقبل عليه الزّبير ، فقال الزّبير : أذكّرك الله ، فكفّ عنه الزّبير حتّى صنع ذلك غير مرّة ، فقال الزّبير : ما له ـ قاتله الله ـ يذكّرنا بالله وينساه.
وعن أبي نضرة قال : جاء أعرابيّ برأس الزّبير إلى عليّ ، فقال : يا أعرابيّ تبوّأ مقعدك من النّار (٦).
وقال أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر : قال عليّ : إنّي لأرجو أن أكون أنا ، وطلحة ، والزّبير من الذين قال الله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ
__________________
(١) في المنتقى لابن الملّا (النّضر) وهو وهم ، على ما في سير أعلام النبلاء ١ / ٦٠ وتاريخ الطبري ٤ / ٤٩٨ وغيرهما.
(٢) سفوان : بالتحريك ، ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة. (معجم البلدان ٣ / ٢٢٥).
(٣) يقال له «نفيع». انظر سير أعلام النبلاء ١ / ٦١.
(٤) في سير أعلام النبلاء «يا فضالة ، يا نفيع».
(٥) المعرفة والتاريخ للفسوي ٣ / ٣١١ ، ٣١٢ ، المطالب العالية لابن حجر (٤٤٦٦) ، وانظر تاريخ الطبري ٤ / ٤٩٨ ، ٤٩٩ ، والإصابة ١ / ٥٢٨ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ١١١ ، ١١٢.
(٦) انظر سير أعلام النبلاء ١ / ٦١.
إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (١)) (٢).
وقال منصور بن عبد الرحمن الغدّانيّ : سمعت الشّعبيّ يقول. أدركت خمسمائة أو أكثر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون : عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير في الجنّة (٣).
وفيه يقول جرير :
إنّ الرّزيّة من تضمّن قبره |
|
وادي السّباع لكلّ جنب مصرع |
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع (٤) |
وقال عروة : ترك أبي من العروض خمسين ألف ألف درهم ، ومن العين خمسين ألف ألف درهم. هذه رواية أبي أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، وروى ابن عيينة عنه ، عن أبيه قال : اقتسم مال الزّبير على أربعين ألف ألف (٥).
وادي السّباع على سبعة فراسخ من البصرة.
__________________
(١) سورة الحجر ـ الآية ٤٧.
(٢) وأخرجه ابن سعد ٣ / ١١٣ من طريق قبيصة بن عقبة ، عن سفيان بن منصور ، عن إبراهيم.
(٣) قال المؤلّف ـ رحمهالله ـ في سير أعلام النبلاء ١ / ٦٢ : «قلت : لأنّهم من العشرة المشهود لهم بالجنة ومن البدريين ، ومن أهل بيعة الرضوان ، ومن السابقين الأوّلين الذين أخبر تعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه ، ولأن الأربعة قتلوا ، ورزقوا الشهادة ، فنحن محبّون لهم ، باغضون للأربعة الذين قتلوا الأربعة». وانظر : تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٩.
(٤) في طبقات ابن سعد ٣ / ١١٣ ثلاثة أبيات ، وقد نسبها إلى جرير بن الخطفي ، وكذلك في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٩ ، والبيتان في ديوان جرير يهجو الفرزدق من قصيدة طويلة (٣٤٠ ـ ٣٥١) مطلعها :
بان الخليط برامتين فودّعوا |
|
أو كلّما رفعوا لبين تجزع |
(٥) رجاله ثقات. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٦١ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ١١٠ ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٥ / ٣٧٠ ، وقد أخرجه ابن سعد من طريق : عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، عن سفيان بن عيينة ، وأخرجه الحاكم من طريق : محمد بن إسحاق ، عن قتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبيّ.
وقال البخاريّ : إنّه قتل في رجب (١).
وقال ابن عيينة : جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزّبير ، يعني أيّام ولي العراق لأخيه فقال : أقدني بالزّبير ، فكتب في ذلك إلى عبد الله بن الزّبير ، فكتب إليه : أنا أقتل ابن جرموز بالزّبير؟ ولا بشسع نعله (٢).
وعن عبد الله بن عروة ، أنّ ابن جرموز مضى من عند مصعب ، حتّى إذا كان ببعض السّواد ، لحق بقصر هناك ، عليه زجّ (٣) ، ثمّ أمر إنسانا أن يطرحه عليه ، فطرحه عليه فقتله ، وكان قد كره الحياة لما كان يهوّل عليه ، ويرى في منامه ، وذلك دعاه إلى ما فعل.
[(زيد بن صوحان العبديّ) (٤) أخو صعصعة ، يقال : له وفادة على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وسمع من عمر ، وعليّ.
__________________
(١) التاريخ الكبير ٣ / ٤٠٩.
(٢) قال المؤلّف ـ رحمهالله ـ في سير أعلام النبلاء ١ / ٦٤ : «أكل المعثّر يديه ندما على قتله ، واستغفر ، لا كقاتل طلحة ، وقاتل عثمان ، وقاتل عليّ. وانظر الخبر في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٣٧١.
(٣) الأزج : محرّكة. ضرب من الأبنية ، وفي الصّحاح ، والمصباح ، واللسان : الأزج : بيت يبنى طولا. (تاج العروس ٥ / ٤٠٤).
(٤) طبقات ابن سعد ٦ / ١٢٣ ـ ١٢٦ ، أخبار مكة ٢ / ١٧٣ ، البرصان والعرجان للجاحظ ٢٤٧ ، تاريخ خليفة ١٩٠ ، طبقات خليفة ١٤٤ ، التاريخ الكبير ٣ / ٣٩٧ رقم ١٣٢٥ ، المعارف ٤٠٢ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٣١٢ ، أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٥٢٨ و ٥٣٢ ، و ٥ / ٤٠ و ٤١ و ٤٣ ، الكنى والأسماء للدولابي ٢ / ٢٠ ، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام ١٠ / ٢٥٨) ، الجرح والتعديل ٣ / ٥٦٥ رقم ٢٥٥٨ ، العقد الفريد ٤ / ٣١٧ ، الاستيعاب ١ / ٥٥٩ ـ ٥٦١ ، مشاهير علماء الأمصار ١٠١ رقم ٧٤٥ ، جمهرة أنساب العرب ٢٠٥ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ رقم ٤٥٤٩ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٢ ـ ١٦ ، أسد الغابة ٢ / ٢٣٣ ، ٢٣٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ١٤٤ و ١٥٨ و ٢١٦ و ٢٢٨ و ٢٢٩ و ٢٣٢ و ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٥١ ، التذكرة الحمدونية ٢ / ٦٤ ، مرآة الجنان ١ / ٩٩ ، الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٢ ، ٣٣ رقم ٣٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٩٨ ، تعجيل المنفعة ١٤٢ ، ١٤٣ رقم ٣٤٧ ، الإصابة ١ / ٥٦٨ رقم ٢٩١٠ و ١ / ٥٧٤ رقم ٢٩٥٠ ، شذرات الذهب ١ / ٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٥٢٥ ـ ٥٢٨ رقم ١٣٣.
روى عنه أبو وائل ، والعيزار بن حريث.
وكان صوّاما قوّاما ، فقال له سلمان الفارسيّ : إنّ لبدنك عليك حقّا ، ولزوجك عليك حقّا ، فأقلّ ممّا تصنع (١).
قتل يوم الجمل] (٢).
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٥.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.
سلمان الفارسيّ (١)ع (٢)
أبو عبد الله الرامهرمزيّ (٣) ، وقيل الأصبهانيّ ، سابق الفرس إلى
__________________
(١) السير والمغازي لابن إسحاق ٨٧ و ٩١ و ٩٢ و ١٢٤ و ١٢٥ و ٢٨٧ ، تهذيب سيرة ابن هشام ١٢٧ ، المغازي للواقدي ٤٤٥ ـ ٤٤٧ و ٤٥٠ و ٤٦٥ و ٩٢٧ ، مسند أحمد ٥ / ٤٣٧ ـ ٤٤٤ ، الزهد له ١٨٨ ـ ١٩١ ، الزاهد لابن المبارك ١٦٩ و ٣٤٣ و ٣٤٤ و ٣٦٧ و ٣٨٤ و ٤٢٠ و ٤٧٧ و ٤٩٣ و ٥٦٠ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٧٥ ـ ٩٣ ، و ٦ / ١٦ ، ١٧ ، التاريخ الكبير ٤ / ١٣٥ ، ١٣٦ رقم ٢٢٣٥ ، المحبّر لابن حبيب ٧٥ ، تاريخ خليفة ١٩١ ، طبقات خليفة ٧ و ١٤٠ و ١٨٩ ، أخبار مكة للأزرقي ١٩٧ و ٣٢٦ و ٢ / ٤ ، المعارف ٢٦٣ و ٢٧٠ و ٤٢٦ ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد ٨٥ رقم ٥٦ ، المعرفة والتاريخ ٢ / ٥٥١ ، ٥٥٢ و ٣ / ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ، عيون الأخبار ١ / ٨٥ و ٢٦٨ و ٢٦٩ و ٣٢٧ و ٢ / ١٢٦ و ١٢٧ و ٣٥٦ و ٣٧١ و ٣ / ٨ ، تاريخ أبي زرعة ١ / ١٢٢ و ٢٢١ ، ٢٢٢ و ٦٤٨ ، ٦٤٩ ، أنساب الأشراف ١ / ٢٧١ و ٣٤٣ و ٣٦٦ و ٣٦٧ و ٤٨٥ ـ ٤٨٨ و ٥٩١ / فتوح البلدان ٥٥٩ ، المنتخب من ذيل المذيّل ٥٣١ ، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام) ١٠ / ٢٧٠ ، الكنى والأسماء للدولابي ١ / ٧٨ ، العقد الفريد ٢ / ٣٧١ و ٣ / ١٥ و ٤ / ٢٠٦ و ٦ / ٩٠ ، الجرح والتعديل ٤ / ٢٩٦ ، ٢٩٧ رقم ١٢٨٩ ، البدء والتاريخ ٥ / ١١٠ ـ ١١٣ ، مشاهير علماء الأمصار ٤٤ رقم ٢٧٤ ، المعجم الكبير للطبراني ٦ / ٢٦٠ ـ ٣٠٥ رقم ٥٩٨ ، ثمار القلوب للثعالبي ١٦٢ و ١٨١ ، ربيع الأبرار للزمخشري ٤ / ١٥٠ أو ٢٨١ و ٣٣٤ و ٣٤٤ و ٣٦٩ و ٣٧٧ ، حلية الأولياء ١ / ١٨٥ ـ ٢٠٨ رقم ٣٤ ، الاستيعاب ٢ / ٥٦ ـ ٦١ ، المستدرك ٣ / ٥٩٨ ـ ١٠٤ ـ ٦٠٤ ، الأسامي والكنى (مخطوط دار الكتب) ، ورقة ٣٠٤ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٩٠ ـ ٢١١ ، التذكرة الحمدونية ١ / ٥٦ و ٦٦ و ١٢٣ و ١٢٦ و ١٣٠ و ١٣٧ و ١٣٨ و ١٤٤ و ١٨٧ ، الزيارات للهروي ٧٦ ، أسد الغابة ٢ / ٣٢٨ ـ ٣٣٢ ، الكامل في التاريخ (انظر فهرس الأعلام) ١٣ / ١٥٥ ، تحفة الأشراف للمزّي ٤ / ٢٦ ـ ٣٥ رقم ٢٠٠ ، تهذيب الكمال ١ / ٥٢٠ ، ٥٢١ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ١ / ٢٢٦ ـ ٢٢٨ رقم ٢١٩ ، صفة الصفوة ١ / ٥٢٣ ـ ٥٥٦ رقم ٥٩ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥٠٥ ـ ٥٥٨ رقم ٩١ ، دول الإسلام ١ / ٣١ ، الكاشف ١ / ٣٠٤ رقم ٢٠٣٨ ، المعين في طبقات المحدّثين ٢١ رقم ٤٩ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٥٩٨ ـ ٦٠٤ ذكر أخبار أصبهان ١ / ٤٨ ـ ٥٧ ، مرآة الجنان ١ / ١٠٠ ، الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٠٩ ، ٣١٠ رقم ٤٣٣ ، الوفيات لابن قنفذ ٥٤ رقم ٣٥ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ٣٣٢ ـ ٣٤٤ ، شفاء الغرام ١ / ١٣٨ و ٢٧٦ ، تهذيب التهذيب ٤ / ١٣٧ ـ ١٣٩ رقم ٢٣٣ ، تقريب التهذيب ١ / ٣١٥ رقم ٣٤٦ ، النكت الظراف ٤ / ٢٧ ـ ٣٥ ، الإصابة ٢ / ٦٢ ، ٦٣ رقم ٣٣٥٧ ، خلاصة تذهيب التهذيب ١٤٧ ، كنز العمال ١٣ / ٤٢١ شذرات الذهب ١ / ٤٤ ، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) ١٦ / ٩٢ و ٢٤ / ٣٧٨ ، تاريخ بغداد ١ / ١٦٣ ـ ١٧١ رقم ١٢ ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١ / ٣٣٢ ، موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان (من تأليف المحقّق) ٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩ رقم ٦٤١.
الإسلام ، خدم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وصحبه.
روى عنه ابن عبّاس ، وأنس أبو الطّفيل ، وأبو عثمان النّهديّ ، وأبو عمر (١) زاذان ، وجماعة سواهم.
ثقبان : ثنا يعقوب بن سفيان الفسويّ ، ثنا زكريّا بن نافع (٢) الأرسوفيّ (٣) ، ثنا السّريّ بن يحيى ، عن سليمان التّيميّ ، عن أبي عثمان النّهديّ قال : كان سلمان من أهل رامهرمز ، فجاء راهب إلى جبالها يتعبّد ، فكان يأتيه ابن دهقان (٤) القرية ، قال : ففطنت له ، فقلت : اذهب بي معك ، فقال : لا ، حتّى أستأمره ، فاستأمره ، فقال : جيء به معك ، فكنّا نختلف إليه ، حتّى فطن لذلك أهل القرية ، فقالوا : يا راهب ، إنّك قد جاورتنا فأحسنّا جوارك ، وإنّا نراك تريد أن تفسد علينا غلماننا ، فاخرج عن أرضنا ، قال : فخرج ، وخرجت معه ، فجعل لا يزداد ارتفاعا في الأرض ، إلّا ازداد معرفة وكرامة ، حتّى أتى الموصل ، فأتى جبلا من جبالها ، فإذا رهبان سبعة ، كلّ رجل في غار يتعبّد فيه ، يصوم ستّة أيّام ولياليهنّ ، حتّى إذا كان يوم السّابع ، اجتمعوا فأكلوا وتحدّثوا.
فقلت لصاحبي : اتركني عند هؤلاء [إن شئت ، قال : فمضى وقال : إنّك لا تطيق ما يطيق هؤلاء ، وكان ملك بالشّام يقتل] (٥) النّاس ، فأبى عليّ
__________________
(٢) الرمز مستدرك من مصادر الترجمة.
(٣) في نسخة دار الكتب «الرامهرمزيّ» وهو تحريف.
__________________
(١) في النسخة (ع) «عمرو» وهو تحريف.
(٢) «نافع» ساقطة من نسخة دار الكتب ، واستدركتها من منتقى أحمد الثالث ، و (ع).
(٣) الأرسوفي : بضمّ الألف وسكون الراء المهملة وضمّ السين المهملة. نسبة الى أرسوف ، مدينة على ساحل بحر الشام. (الأنساب ١ / ١٨٥).
(٤) دهقان : كلمة فارسية ، أصلها : ده خان ، أي رئيس القرية ، (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة ـ السيد ادّي شير ـ ص ٦٨ ـ طبعة مكتبة لبنان ١٩٨٠).
(٥) ما بين الحاصرتين زيادة من منتقى الأحمدية.
إلّا أن ننطلق ، فقلت : فإنّي أخرج معك ، قال : فانطلقت معه. فلمّا انتهينا إلى باب بيت المقدس ، فإذا على باب المسجد رجل مقعد قال : يا عبد الله تصدّق عليّ ، فلم يكن معه شيء يعطيه إيّاه ، فدخل المسجد فصلّى ثلاثة أيّام ولياليهنّ ، ثمّ إنّه انصرف ، فخطّ خطّا وقال : إذا رأيت الظّلّ بلغ هذا الخطّ فأيقظني ، فنام ، وقال : فرثيت له من طول ما سهر ، فلم أوقظه حتّى جاوز الخطّ ، فاستيقظ فقال : ألم أقل لك! قلت : إنّي رثيت لك من طول ما سهرت ، فقال : ويحك إنّي أستحي من الله أن تمضي ساعة من ليل أو نهار لا أذكره فيها ، ثمّ خرج ، فقال له المقعد : أنت رجل صالح دخلت وخرجت ولم تصدّق عليّ ، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ، قال : أرني يدك ، قم بإذن الله ، فقام ليس به علّة ، فشغلني النّظر إليه ، ومضى صاحبي في السّكك ، فالتفتّ فلم أره ، فانطلقت أطلبه.
قال : ومرّت رفقة من العراق ، فاحتملوني ، فجاءوا بي إلى المدينة ، فلمّا قدم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم المدينة قال : ذكرت قولهم : «إنّه لا يأكل الصّدقة ويقبل الهديّة» ، فجئت بطعام إليه ، فقال : «ما هذا ،؟ قلت : صدقة ، فقال لأصحابه : «كلوا» ولم يذقه ، ثمّ إنّي رجعت وجمعت طعيما ، فقال : «ما هذا يا سلمان»؟ قلت : هديّة ، فأكل ، قلت : يا رسول الله أخبرني عن النّصاري ، قال : «لا خير فيهم» ، فقمت وأنا مثقل ، قال : فرجعت إليه رجعة أخرى ، فقلت له : يا رسول الله أخبرني عن النّصاري ، قال : «لا خير فيهم ولا فيمن يحبّهم» ، فقمت وأنا مثقل ، فأنزل الله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) (١) فأرسل إليّ فقال : «يا سلمان إنّ صاحبك أو أصحابك من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى» (٢). إسناده جيّد ، وزكريا
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ٨٢.
(٢) الأسامي والكنى للحاكم (ورقة ٣٠٤ ، ٣٠٥).
الأرسوفيّ صدوق إن شاء الله.
وقد ذكرنا قصّته وكيف [تنقّل في البلدان في طلب الهدى ، إلى أن وقع في الأسر بالمدينة ، وكيف] (١) كاتب مولاه.
قال أبو عبد الرحمن القاسم (٢) : إنّ سلمان زار الشّام ، فصلّى الإمام الظّهر ، ثمّ خرج ، وخرج النّاس يتلقّونه كما يتلقّى الخليفة ، فلقيناه وقد صلّى بأصحابه العصر وهو يمشي ، فوقفنا نسلّم عليه ، فلم يبق فينا شريف إلّا عرض عليه أن ينزل به ، فقال : جعلت على نفسي مرّتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد ، وسأل عن أبي الدّرداء ، فقالوا : هو مرابط ، قال : أين مرابطكم؟ قالوا : بيروت ، فتوجّه قبله (٣).
وقال أبو عثمان النّهديّ ، عن سلمان ، تداولني بضعة عشر من ربّ إلى ربّ. أخرجه البخاريّ (٤).
__________________
(١) ما بين الحاصرتين زيادة عن منتقى الأحمدية.
(٢) هو القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشاميّ. قال في تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٣ (... قال أبو زرعة الدمشقيّ : ذكرت لأحمد حديثا حدّثنا به محمد بن المبارك الصّوري عن ... قال) قدم علينا سلمان دمشق. فأنكره أحمد وقال لي : كيف يكون له هذا اللقاء وهو مولى خالد بن يزيد بن معاوية؟ قال : فأخبرت عبد الرحمن بن إبراهيم بقول أبي عبد الله ، فقال لي : كان القاسم مولى لجويرية بنت أبي سفيان ، فورث بنو يزيد بن معاوية ولاءه ، فلذلك يقال : مولى بني يزيد بن معاوية. وفي (تاريخ ابن عساكر تحقيق دهمان ١٠ / ١٥٤) : (بشير بن سعد ، نزل عليه سلمان الفارسيّ ضيفا لما قدم دمشق). ثمّ روى ابن عساكر الخبر عن القاسم بن عبد الرحمن.
(٣) تاريخ أبي زرعة ١ / ٢٢١ ، ٢٢٢ رقم ٢٠٧ ، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) ١٦ / ٩٢ ، التهذيب ٦ / ١٩٠.
(٤) في مناقب الأنصار (٣٩٤٦) باب إسلام سلمان ، وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٩٥ ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٥٧ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ٩٧ ، التهذيب ٦ / ١٩٩ ، وابن الجوزي في صفة الصفوة ١ / ٥٣٤.
وقال يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سلمان سابق الفرس» (١).
وقال الواقديّ : أوّل غزوة غزاها سلمان الخندق (٢).
وقال شريك : ثنا أبو ربيعة (٣) ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله يحبّ من أصحابي أربعة ، وأمرني أن أحبّهم : عليّ ، وأبو ذرّ ، وسلمان ، والمقداد بن الأسود» (٤).
وعن أنس قال : «الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : عليّ ، وعمّار ، وسلمان» (٥). رفعه.
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٤٩ و ١٨٥ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٢٨٥ من طريق عمارة بن زاذان ، عن ثابت ، عن أنس ، وإسناده ضعيف لسوء حفظ عمارة ، وقال الحاكم :
تفرّد به عمارة بن زاذان ، وأقرّه بذلك الذهبي في تلخيصه ، وانظر تاريخ دمشق ٦ / ٩٣ والتهذيب ٦ / ١٩٩.
(٢) المنتخب من ذيل المذيّل ٥٣١ ، طبقات ابن سعد ٦ / ١٧ وطبقات ابن سعد ٤ / ٨٢.
(٣) في نسخة دار الكتب «ابن ربيعة» ، والتصويب من منتقى الأحمدية ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٥٤٠.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٣٥١ ، والترمذي في المناقب (٣٧٢٠) باب مناقب علي ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، وابن ماجة في المقدّمة (١٤٩) باب فضل سلمان وأبي ذر ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٩٠ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٣٠ وقال : صحيح على شرط مسلم ، وتعقبه الذهبي فقال : ما خرّج مسلم لأبي ربيعة ، وهو في الاستيعاب ٢ / ٥٩ ، وتاريخ دمشق ١٦ / ٩٤ ، والتهذيب ٦ / ٢٠٠.
وشريك بن عبد الله سيّئ الحفظ ، وأبو ربيعة منكر الحديث كما قال أبو حاتم ، وقد وثّقه ابن معين ، ومال الذهبي في ميزانه الى تضعيفه.
(٥) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٩٠ وأضاف إليهم «المقداد» ، وأخرجه الطبراني (٦٠٤٥) من طريق حسين بن إسحاق التستري ، عن علي بن بحر ، عن سلمة بن فضل الأبرش ، عن عمران الطائي ، عن أنس ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٩ / ٣٠٧ و ٣٤٤ وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي ربيعة الإيادي. وقد حسّن الترمذيّ حديثه ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٠).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الجنّة لأشوق إلى سلمان من سلمان إليها» (١).
وقال عليّ : سلمان أدرك العلم الأوّل والعلم الآخر (٢) ، بحر لا يدرك قعره ، وهو منّا أهل البيت (٣).
وقال العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٤). قالوا : يا رسول الله من هؤلاء؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسيّ ، ثمّ قال : «هذا وقومه ، ولو كان الدّين عند الثّريّا لتناوله رجال من الفرس» (٥).
وقال الأعمش ، عن أبي صالح قال : بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قول سلمان لأبي الدّرداء : إنّ لأهلك عليك حقّا ، فقال : «ثكلت سلمان أمّه لقد اتّسع من العلم» (٦).
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠١.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٨٥ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ١٨٧ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ٩٦ ، والتهذيب ٦ / ٢٠١.
(٣) تاريخ دمشق ١٦ / ٩٦ ، التهذيب ٦ / ٢٠١ و ٢٠٣ ، صفة الصفوة ١ / ٥٣٥.
(٤) سورة محمد ـ الآية ٣٨.
(٥) أخرجه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان ١ / ٢ ، ٣ من طريق مسلم بن خالد الزنجي ، ومن طريق عبد الله بن جعفر المديني ، كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي. وأخرجه البخاري في التفسير (٤٨٩٧) و (٤٨٩٨) باب قوله : وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم ، من طريق سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، ومسلم في الفضائل (٢٥٤٦) باب فضائل الفرس ، والترمذي في التفسير (٣٣٠٧) باب ومن سورة الجمعة ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٠ ، والتهذيب ٦ / ٢٠٣.
(٦) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٨٥ من طريق عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، بنحوه ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٠ ، والتهذيب ٦ / ٢٠٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٤٣ ، ٣٤٤ ونسبه إلى الطبراني في الأوسط. وأصل الحديث رواه البخاري في كتاب الصوم من صحيحه ، ورواية الحافظ ابن عساكر موقوفة على أبي صالح ، وهو تابعيّ.
وقال قتادة : (ومن عنده علم الكتاب) (١) هو سلمان ، وعبد الله بن سلّام (٢).
وعن عليّ ، وذكر سلمان فقال : ذاك مثل لقمان الحكيم بحر لا ينزف (٣).
وقال أبو إدريس الخولانيّ ، عن يزيد بن خمير (٤) قال : قلنا لمعاذ :
أوصنا ، قال : التمسوا العلم عند أربعة : أبي الدّرداء ، وسلمان ، وابن مسعود ، وعبد الله بن سلّام (٥).
ويروى أنّ سلمان قال مرّة : لو حدّثتهم بكل ما أعلم لقالوا رحم الله قاتل سلمان.
وقال حجّاج بن فرّوخ الواسطيّ ـ وقد ضعّفه النّسائيّ (٦) ـ ثنا ابن جريح ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس قال : قدم سلمان من غيبة ، فتلقّاه عمر ، فقال لسلمان : أرضاك لله عبدا ، قال : فزوّجني ، فسكت عنه ، فقال : أترضاني لله عبدا ولا ترضاني لنفسك ، فلمّا أصبح أتاه قوم عمر
__________________
(١) سورة الرعد ـ الآية ٤٣.
(٢) أخرجه الطبري في التفسير ١٣ / ١٧٧ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٢ ، والتهذيب ٦ / ٢٩٤.
(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٨٦ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ١٨٧ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٣ ، والتهذيب ٦ / ٢٠٤ وانظر الاستيعاب ٢ / ٥٩ ، وأسد الغابة ٢ / ٤٢٠.
(٤) في نسخة دار الكتب «حميد» ، وهو تحريف ، والتصحيح من منتقى الأحمدية ، والنسخة (ع) ، وتقريب التهذيب ٢ / ٣٦٤ رقم ٢٤٧ ، وسير أعلام النبلاء ـ طبعة دار الكتب ، وقد أثبتت في طبعة مؤسسة الرسالة «عميرة» بدل «خمير» ، وجاء في الحاشية أن «خمير» تحريف.
كما أثبتت في تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٤ «عميرة».
(٥) أخرجه الترمذي في المناقب (٣٨٠٦) باب مناقب عبد الله بن سلام. وقال : هذا حديث حسن غريب ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٤١٦ وصحّحه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وذكره البخاري في التاريخ الصغير ١ / ٧٣ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ١ / ٤٦٨ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٢ ، والتهذيب ٦ / ٢٠٤.
(٦) في كتاب «الضعفاء والمتروكين» ـ ص ٢٨٩ رقم ١٦٧.
ليضرب عن خطبة عمر ، فقال : والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه ، ولكن قلت : رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومنّي نسمة صالحة ، قال : فتزوّج في كندة ، فلمّا جاء ليدخل على أهله ، إذا البيت منجّد ، وإذا فيه نسوة ، فقال : أتحوّلت الكعبة إلى كندة أم حمّ ، يعني : بيتكم! أمرني خليلي أبو القاسم صلىاللهعليهوسلم إذا تزوّج أحدنا أن لا يتّخذ من المتاع إلّا أثاثا كأثاث المسافر ، ولا يتّخذ من النّساء إلّا ما ينكح (١) ، فقام النّسوة وخرجن ، وهتكن ما في البيت ، ودخل بأهله فقال : أتطيعيني؟ قالت : نعم ، قال : إنّ خليلي صلىاللهعليهوسلم أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلّي ، ويأمرها فتصلّي خلفه ، ويدعو وتؤمن ، ففعل وفعلت ، فلمّا أصبح جلس في كندة ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله كيف أصبحت ، كيف رأيت أهلك؟ فسكت ، فأعاد القول ، فسكت عنه. ثمّ قال : ما بال أحدكم يسأل عن الشّيء قد وارته الأبواب والحيطان ، إنّما يكفي أحدكم أن يسأل عن الشّيء ، أجيب أو سكت عنه (٢).
وقال عقبة (٣) بن أبي الصّهباء : ثنا ابن سيرين ، ثنا عبيدة ، أنّ سلمان الفارسيّ مرّ بجسر المدائن غازيا ، وهو أمير الجيش ، وهو ردف رجل من كندة ، على بغل موكوف ، فقال أصحابه : أعطنا اللّواء أيّها الأمير نحمله ، فيأبى ويقول : أنا أحقّ من حمله ، حتّى قضى غزاته ورجع ، وهو ردف ذلك
__________________
(١) في صفة الصفوة لابن الجوزي ١ / ٥٣٩ : ورأى خدما فقال : لمن هذه الخدم؟ قالوا : خدمك وخدم امرأتك ، فقال : ما بهذا أوصاني خليلي صلىاللهعليهوسلم ، أوصاني أن لا أمسك إلّا ما أنكح.
(٢) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٨٦ ، والطبراني في المعجم الكبير (٦٠٦٧) ، وابن الجوزي في صفة الصفوة ١ / ٥٣٩ ، ٥٤٠ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٤ ، والتهذيب ٦ / ٢٠٦ ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٢٩١ وقال : رواه البزّار ، وفي إسناده الحجّاج بن فرّوخ ، وهو ضعيف.
(٣) «عقبة» ساقطة من نسخة دار الكتب ، والاستدراك من منتقى الأحمدية ، والنسخة (ع) ، وتعجيل المنفعة ١٩١.
الرجل ، حتّى رجع إلى الكوفة (١).
وعن رجل قال : رأيت سلمان على حمار عريّ ، وكان رجلا طويل السّاقين ، وعليه قميص سنبلانيّ (٢) ، فقلت للصبيان : تنحّوا عن الأمير ، فقال : دعهم فإنّ الخير والشّرّ فيما بعد اليوم (٣).
وقال عطاء بن السّائب ، عن ميسرة ، إنّ سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال : خشعت الله ، خشعت لله (٤).
وقال جرير بن حازم : سمعت شيخا من عبس يحدّث عن أبيه قال : أتيت السّوق ، فاشتريت علفا بدرهم ، فرأيت رجلا فسخّرته ، فحمّلت عليه العلف ، فمرّ بقوم فقالوا : نحمل عنك يأبا عبد الله ، فقلت : من هذا؟ قالوا : هذا سلمان صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : لم أعرفك ، فضعه عافاك الله ، فأبى حتّى أتى منزلي به (٥).
وقال الحسن البصريّ : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان أميرا على ثلاثين ألفا ، يخطب في عباءة ، يفترش نصفها ويلبس نصفها ، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف (٦) يده (٧).
وقال النّعمان بن حميد : رأيت سلمان وهو يعمل الخوص ، فسمعته
__________________
(١) تاريخ دمشق ١٦ / ١٠٥ ، التهذيب ٦ / ٢٠٦.
(٢) يقال : ثوب سنبلاني ، وسنبل ثوبه إذا أسبله وجرّه من خلفه أو أمامه. قال الهروي : يحتمل أن يكون منسوبا إلى موضع من المواضع. (النهاية في غريب الحديث).
(٣) طبقات ابن سعد ٤ / ٨٧ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٧.
(٤) طبقات ابن سعد ٤ / ٨٨ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٧.
(٥) طبقات ابن سعد ٤ / ٨٨ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٧ ، صفة الصفوة ١ / ٥٤٢ ، ٥٤٣.
(٦) في القاموس : سفّ الخوص : نسجه.
(٧) طبقات ابن سعد ٤ / ٨٧ ، حلية الأولياء ١ / ١٩٨ صفة الصفوة ١ / ٥٣٨ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٨ ، الزهد لابن حنبل ١٨٨ أسد الغابة ٢ / ٤٢٠.
يقول : أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم ، فأعيد درهما فيه ، وأنفق درهما على عيالي ، وأتصدّق بدرهم ، ولو أنّ عمر نهاني عنه ما انتهيت (١) ، رواها بعضهم فزاد فيها : فقلت له : فلم تعمل؟ يعني : لم وليت ، قال : إنّ عمر أكرهني ، فكتبت إليه فأبى عليّ مرّتين. وكتبت إليه فأوعدني.
وقال عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ظبيان ، عن جرير بن عبد الله قال : نزلت بالصّفاح (٢) في يوم شديد الحرّ ، فإذا رجل نائم مستظلّ بشجرة ، معه شيء من الطّعام في مزود تحت رأسه ، وقد التفّ في عباءة. فأمرت أن يظلّل عليه ، ونزلنا ، فانتبه ، فإذا هو سلمان ، فقلت : ما عرفناك ، فقال : يا جرير تواضع في الدّنيا فإنّه من تواضع في الدّنيا يرفعه الله يوم القيامة ، ومن يتعظّم في الدّنيا يضعه الله يوم القيامة. يا جرير لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنّة لم تجده ، لأنّ أصول الشّجر ذهب وفضّة ، وأعلاها الثّمار ، يا جرير تدري ما ظلمة النّار؟ قلت : لا ، قال : ظلم النّاس بعضهم بعضا (٣).
وقال عبد الله بن بريدة : كان سلمان يعمل بيديه ، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا ، ثمّ يدعو المجذومين فيأكلون معه (٤).
وفي «الموطّأ» عن يحيى بن سعيد ، أنّ أبا الدّرداء كتب إلى سلمان :
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٤ / ٨٩ ، وحلية الأولياء ١ / ١٩٧ من طريق مسلمة بن علقمة المازني ، عن داود بن أبي هند ، عن سماك بن حرب ، عن سلامة العجليّ ، والمعجم الكبير للطبراني (٦١١٠) ، صفة الصفوة ١ / ٤١ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٤٣.
(٢) الصّفاح : بكسر الصاد ، موضع بين حنين وأنصاب الحرم. (معجم البلدان ٣ / ٤١٢).
(٣) حلية الأولياء ١ / ٢٠٢ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٨.
(٤) طبقات ابن سعد ٤ / ٨٩ ، حلية الأولياء ١ / ٢٠٠ ، صفة الصفوة ١ / ٥٤٣ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٩.
أن هلم إلى الأرض المقدّسة ، فكتب إليه : إنّ الأرض لا تقدّس أحدا ، وإنّما يقدّس الإنسان عمله ، وقد بلغني أنّك جعلت طبيبا ، فإن كنت تبرئ فنعمّا لك ، وإن كنت متطبّبا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النّار ، فكان أبو الدّرداء إذا قضى بين اثنين ثمّ أدبرا عنه نظر إليهما وقال : متطبّب والله ، ارجعا إليّ أعيدا عليّ قصّتكما (٣).
وقال سليمان بن قرم ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال : لو لا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهانا عن التّكلّف لتكلّفت لكم ، ثمّ جاءنا بخبز وملح ، فقال صاحبي : لو كان في ملحنا صعتر ، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها ، وجاء بصعتر ، فلمّا أكلنا قال صاحبي : الحمد لله الّذي قنّعنا بما رزقنا ، فقال سلمان : لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة (٤).
حبيب بن الشّهيد ، عن ابن بريدة قال : كان سلمان يصنع الطّعام للمجذومين ، ثمّ يجلس فيأكل معهم (٣).
وقال أبو عثمان النّهديّ : كان سلمان لا يفقه كلامه من شدّة عجمته ، وكان يسمّي الخشب خشبان (٤).
__________________
(١) أخرجه مالك في الموطّأ ، في الوصيّة ـ ص ٤٨٠ باب جامع القضاء ، رقم (٨) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٢٠٥ ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٦ / ٢٠٩ ، وابن الجوزي في صفة الصفوة ١ / ٥٤٨.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٦٠٨٥) ، وابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق) ٦ / ٢١١ ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ١٧٩ وقال : رجاله رجال الصحيح ، غير محمد بن منصور الطوسي ، وهو ثقة.
(٣) انظر الحاشية رقم (٤) من الصفحة السابقة.
(٤) ذكر أخبار أصبهان ١ / ٥٥ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٢١١.
وقال المؤلّف ـ رحمهالله ـ في سير أعلام النبلاء ١ / ٥٥٢ : «وأنكره أبو محمد بن قتيبة ـ أعني عجمته ـ ولم يصنع شيئا ، فقال : له كلام يضارع كلام فصحاء العرب.