شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤
وروى «مسلم» (١) من حديث جابر بن سمرة قال : قال النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّي فرطكم على الحوض ، وإنّ بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة ، كأنّ الأباريق فيه النّجوم».
وقال معاوية بن صالح ، عن سليم بن عامر ، عن أبي أمامة ، عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله يدخل [الجنّة] (٢) من أمّتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب». فقال : رجل : يا رسول الله فما سعة حوضك؟ قال : ما بين عدن وعمّان وأوسع ، وفيه مثعبان من ذهب وفضّة ، شرابه أبيض من اللّبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا ، ولن يسودّ وجهه أبدا». هذا حديث حسن (٣).
وروى «ابن ماجة» (٤) من حديث عطيّة (٥) ـ وهو ضعيف ـ عن أبي
__________________
الصلاة على الشهداء ، وأحمد في المسند ٤ / ١٤٩ و ١٥٣ و ١٥٤ ، والنويري في نهاية الأرب ١٨ / ٣٦٢.
(١) في الطهارة (٢٤٩) باب استحباب إطالة الغرّة والتحجيل في الوضوء ، وفي الإمارة (١٨٢٢) باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ، وفي الفضائل (٢٢٨٩) باب إثبات حوض نبيّنا صلىاللهعليهوسلم وصفاته ، و (٢٢٩٠) و (٢٢٩٦) و (٢٣٠٣) ، وابن ماجة في الفتن (٣٩٤٤) باب لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وفي الزهد (٤٣٠٥) باب ذكر الحوض ، وأحمد في المسند ١ / ٢٥٧ و ٣٨٤ و ٤٠٢ و ٤٠٦ و ٤٠٧ و ٤٢٥ و ٤٣٩ و ٤٥٣ و ٤٥٥ و ٢ / ٤٠٨ و ٣ / ١٨ و ٦٢ و ١٦٦ و ٣٤٩ و ٤ / ٣١٣ و ٣٥١ و ٥ / ٤١ و ٨٦ و ٨٨ و ٨٩ و ٣٣٣ و ٣٣٩ و ٣٩٣ و ٤١٢.
(٢) ساقطة من الأصل و (ع).
(٣) أخرجه مسلم في الفضائل (٢٣٠٠) و (٢٣٠١) باب إثبات حوض نبيّنا صلىاللهعليهوسلم وصفاته ، والترمذي في صفة القيامة (٢٥٦١) باب ما جاء في صفة أواني الحوض.
(٤) في كتاب الزهد (٤٣٠١) باب ذكر الحوض.
(٥) هو عطيّة بن سعيد العوفيّ الجدلي ، أبو الحسن. قال أحمد : هو ضعيف الحديث ، وكان هشيم يضعّف حديثه. وقال أبو زرعة : ليّن ، وقال أبو حاتم : ضعيف يكتب حديثه ، وقال الجوزجاني : مائل ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن عديّ : قد روى عن جماعة من الثقات ، وقال أبو داود : ليس بالذي يعتمد عليه. وقال أبو بكر البزّار. كان يعدّه في التشيّع ، روى عنه جلّة الناس ، وقال السّاجي : ليس بحجّة وكان يقدّم عليّا على الكل. انظر عنه.
سعيد ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لي حوض طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس أشدّ بياضا من اللّبن ، آنيته عدد النّجوم ، وإنّي أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة».
وقال عطاء بن السّائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الكوثر نهر في الجنّة حافّتاه الذّهب ، مجراه على الدّرّ والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وأشدّ بياضا من الثّلج (١)».
وثبت أنّ ابن عبّاس قال : الكوثر الخير الكثير الّذي أعطاه الله إيّاه (٢).
رواه سعيد بن جبير وقال : النّهر الّذي في الجنّة من الخير الكثير (٣).
وصحّ من حديث عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنّة أعطيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، شاطئه درّ مجوّف (٤).
وروي عن عائشة قالت : من أحبّ أن يسمع خرير الكوثر فليضع إصبعيه في أذنيه.
وصحّ عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، وأوّل من يشفع».
__________________
التاريخ الكبير ٧ / ٨ ـ ٩ رقم ٣٥ ، والتاريخ الصغير ١٣ و ١٢٢ و ١٣٣ ، والضعفاء والمتروكين للنسائي ٣٠١ رقم ٣٨١ ، وأحوال الرجال للجوزجانيّ ٥٦ رقم ٤٢ ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٦ / ٢١٢ ، والضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٣٥٩ رقم ١٣٩٢ ، والكامل في الضعفاء لابن عديّ ٥ / ٢٠٠٧ ، والكاشف للذهبي ٢ / ٢٣٥ رقم ٣٨٧٦ ، والمغني في الضعفاء له ٢ / ٤٣٦ رقم ٤١٣٩ ، وميزان الاعتدال له ٣ / ٧٩ ـ ٨٠ رقم ٥٦٦٧ ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ٧ / ٢٢٤ ـ ٢٢٦ رقم ٤١٣ ، وتقريب التهذيب له ٢ / ٢٤ رقم ٢١٦.
(١) رواه الترمذي في تفسير سورة الكوثر (٣٤١٩) ، وابن ماجة في الزهد (٤٣٣٤) باب صفة الجنّة ، وأحمد في المسند ٢ / ١١٢.
(٢) رواه البخاري في الرقائق ٧ / ٢٠٧ باب في الحوض وقول الله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ).
(٣) رواه البخاري في تفسير سورة الكوثر ٦ / ٩٣ ، وأخرجه مسلم في الصلاة (٤٠٠) باب حجّة من قال البسملة آية من أول كل سورة ، سوى براءة.
(٤) رواه أحمد في المسند ٢ / ٦٧ و ١٥٨ و ٣ / ١٠٢.
وصحّ عن أبي هريرة قال : قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ما من نبيّ إلّا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وكان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
وقال سليمان التّيمي ، عن سيّار ، عن أبي أمامة ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله فضّلني على الأنبياء ، ـ أو قال : أمّتي على الأمم ـ بأربع : أرسلني إلى النّاس كافّة ، وجعل الأرض كلّها لي ولأمّتي مسجدا وطهورا ، فأينما أدرك الرجل من أمّتي الصّلاة فعنده مسجده وطهوره ، ونصرت بالرّعب ، يسير بين يديّ مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي ، وأحلّت لنا الغنائم» (١). إسناده حسن ، وسيّار صدوق. أخرجه أحمد في «مسندة» (٢).
وقال سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فضّلت على النّاس بأربع : بالشّجاعة ، والسّماحة ، وكثرة الجماع ، وشدّة البطش».
__________________
(١) رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥٢١) أول الباب.
(٢) ج ٢ / ٢٢٢ و ٣ / ٣٠٤ و ٥ / ٢٤٨ بألفاظ مقاربة.
باب مرض النّبيّ صلىاللهعليهوسلم
قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن عمر بن ربيعة ، عن عبيد مولى الحكم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : نبّهني رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اللّيل فقال : «يا أبا مويهبة إنّي قد أمرت أن استغفر لأهل هذا البقيع» ، فخرجت معه حتى أتينا البقيع ، فرفع يديه فاستغفر لهم طويلا ثم قال : «ليهن لكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح النّاس فيه ، أقبلت الفتن كقطع اللّيل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، للآخرة شرّ (١) من الأولى ، يا أبا مويهبة إنّي قد أعطيت مفاتيح خزائن الدّنيا والخلد فيها ، ثمّ الجنّة ، فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربّي والجنّة» ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، فخذ مفاتيح خزائن الدّنيا والخلد فيها ، ثمّ الجنّة ، فقال : «والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربّي والجنّة» ، ثم انصرف ، فلمّا أصبح ابتدئ بوجعه الّذي قبضه الله فيه (٢).
__________________
(١) هكذا في الأصل وطبقات ابن سعد وغيرهما ، وفي نسخة دار الكتب (خير) بدل (شرّ).
(٢) طبقات ابن سعد ٢ / ٢٠٤ ، وانظر : نهاية الأرب للنويري ١٨ / ٣٦٢ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٧ ، والسيرة لابن كثير ٤ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، ودلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٧١٦ ـ ٧١٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٨٨ ، وأنساب الأشراف ١ / ٥٤٤.
رواه إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، وعبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص.
وقال معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خيّرت بين أن أبقى حتّى أرى ما يفتح على أمّتي وبين التعجيل ، فاخترت التعجيل».
وقال الشّعبيّ ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : اجتمع نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند رسول الله ، لم تغادر منهنّ امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «مرحبا بابنتي» ، فأجلسها عن يمينه أو شماله ، فسارها بشيء ، فبكت ، ثم سارّها فضحكت ، فقلت لها : خصّك رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسّرار وتبكين! فلمّا أن قام قلت لها : أخبريني بما سارّك ، قالت : ما كنت لأفشي سرّه ، فلمّا توفّي قلت لها : أسألك بما لي عليك من الحقّ لما أخبرتيني (١) ، قالت : أمّا الآن فنعم ، سارّني فقال : «إنّ جبريل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني العام مرّتين ، ولا أرى ذلك إلّا اقتراب أجلي ، فاتّقي الله واصبري فنعم السّلف أنالك» ، فبكيت ، ثمّ سارّني فقال : «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ـ أو سيّدة نساء هذه الأمّة» ـ يعني فضحكت. متّفق عليه (٢).
وروى نحوه عروة ، عن عائشة ، وفيه أنّها ضحكت لأنّه أخبرها أنّها أوّل
__________________
(١) كذا بإثبات الياء بعد التاء ، وهو جائز.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب ، ٤ / ٢١٠ باب مناقب قرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومنقبة فاطمة عليهاالسلام بنت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ومسلم في فضائل الصحابة (٢٤٥٠ / ٩٩) بلفظه ، في باب فضائل فاطمة بنت النبيّ عليها الصلاة والسلام ، والترمذي في المناقب (٣٩٦٤) باب ما جاء في فضل فاطمة رضياللهعنها ، وأبو داود في الأدب (٥٢١٧) باب ما جاء في القيام ، وانظر جامع الأصول لابن الأثير ٩ / ١٢٩ ـ ١٣٠ رقم ٦٦٧٧.
أهله يتبعه. رواه مسلم (١).
وقال عبّاد بن العوّام ، عن هلال بن خبّاب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (٢) دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاطمة فقال : «إنّه قد نعيت إليّ نفسي» ، فبكت ثم ضحكت ، قالت : أخبرني أنّه نعي إليه نفسه ، فبكيت ، فقال لي : «اصبري فإنّك أوّل أهلي لاحقا بي» ، فضحكت.
وقال سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : قالت عائشة : وا رأساه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك» ، فقالت : وا ثكلاه (٣) والله إنّي لأظنّك تحبّ موتي ، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا ببعض أزواجك ، فقال : «بل أنا وا رأساه لقد هممت ـ أو أردت ـ أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أن يتمنّى المتمنّون ، ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون ، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون» (٤). رواه البخاري هكذا (٥).
وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدّثني يعقوب بن عتبة ، عن الزّهري عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي ، فقلت : وا رأساه ، فقال : «بل أنا والله وا رأساه ، وما عليك لو متّ قبلي فوليت أمرك وصلّيت عليك وواريتك» ،
__________________
(١) في فضائل الصحابة (٢٤٥٠ / ٩٧).
(٢) أوّل سورة النصر.
(٣) في صحيح البخاري «وا ثكلياه».
(٤) أي يأبى المؤمنون إلا أبا بكر.
(٥) في كتاب الأحكام ٨ / ١٢٦ باب من نكث بيعة .. وفي كتاب المرضى والطب ٧ / ٨ باب قول المريض إنّي وجع أو وا رأساه أو اشتدّ بي الوجع .. وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٤١.
فقلت : والله إنّي لأحسب أن لو كان ذلك ، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النّهار فأعرست بها ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ تمادى به وجعه ، فاستعزّ (١) برسول الله وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة ، فاجتمع ، إليه أهله ، فقال العبّاس : إنّا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلمّوا فلنلدّه ، فلدّوه (٢) ، وأفاق رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «من فعل هذا»؟ قالوا : عمّك العبّاس ، تخوّف أن يكون بك ذات الجنب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّها من الشّيطان ، وما كان الله تعالى ليسلّطه عليّ ، لا يبقى في البيت أحد إلّا لددتموه إلّا عمّي العبّاس ، فلدّ أهل البيت كلّهم ، حتّى ميمونة ، وإنّها لصائمة يومئذ ، وذلك بعين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيتي ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيتي ، وهو بين العبّاس وبين رجل آخر ، تخطّ قدماه الأرض إلى بيت عائشة. قال عبيد الله : فحدّثت بهذا الحديث ابن عبّاس فقال : تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسمّه عائشة؟ قلت : لا ، قال : هو عليّ رضياللهعنه (٣).
وقال (خ) (٤) قال يونس ، عن ابن شهاب ، قال عروة : كانت عائشة تقول : كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول في مرضه الّذي توفّي فيه : «يا عائشة لم أزل
__________________
(١) في حاشية الأصل : استعزّ به : غلب. وفي (النهاية) : اشتدّ به المرض وأشرف على الموت.
(٢) أي جعلوا الدواء في أحد جانبي فمه بغير اختياره ، وكان الّذي لدّوه به العود الهندي والزيت ، على ما في (إرشاد الساري).
(٣) انظر طبقات ابن سعد ٢ / ٢٣٢ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ١ / ٥٤٤ ـ ٥٤٥ ، والمصنّف لعبد الرزاق ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٥٩ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ١٤ / ٥٦٠ رقم ١٨٨٨٥ ، ودلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٧٢٣ ، ونهاية الأرب للنويري ١٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ٣٣٦ ، والسيرة لابن كثير ٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٨٨ ـ ١٨٩ و ١٩٥.
(٤) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ٥ / ١٣٧ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، ورواه أحمد في المسند ٦ / ١٨ ، والدارميّ في السنن ١ / ٣٢ ـ ٣٣.
أجد ألم الأكلة التي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السّمّ».
وقال اللّيث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أنّ عائشة قالت : لمّا ثقل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم واشتدّ به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة ، فأذّن له ، فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض ، قالت : لمّا أدخل بيتي اشتدّ وجعه فقال : «اهرقن عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهنّ لعلّي أعهد إلى النّاس» ، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ طفقنا نصبّ عليه ، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتنّ ، فخرج إلى النّاس فصلّى بهم ثمّ خطبهم. متّفق عليه (١).
وقال سالم أبو النّضر ، عن بسر بن سعيد ، وعبيد بن حنين ، عن أبي سعيد قال : خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم النّاس فقال : «إنّ عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله» ، فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه ، فكان المخيّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان أبو بكر أعلمنا به ، فقال : «لا تبك يا أبا بكر ، إنّ أمّن النّاس عليّ في صحبته وما له أبو بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا لاتّخذته خليلا ، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته ، لا يبقى في المسجد باب إلّا سدّ إلّا باب أبي بكر». متّفق عليه (٢).
وقال أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أبي المعلّى ، عن
__________________
(١) رواه البخاري في الوضوء ١ / ٥٧ باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة ، وفي الطب ٧ / ١٨ باب (حدّثنا بشر بن محمد ..) ، وفي المغازي ٥ / ١٣٩ ـ ١٤٠ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، وأحمد في المسند ٦ / ١٥١ ، و ٢٢٨ ، وابن هشام في السيرة ٤ / ٢٥٩ ، والطبري في التاريخ ٣ / ١٨٩.
(٢) أخرجه البخاري في الصلاة ١ / ١١٩ ـ ١٢٠ باب الخوخة والممرّ في المسجد ، وفي فضائل أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ٤ / ١٩٠ ـ ١٩١ باب قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر ، والترمذي في المناقب (٣٧٣٥) مناقب أبي بكر الصّدّيق رضياللهعنه ، و (٣٧٤٠) ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٦ و ٣ / ١٨ ، وعبد الرزاق في المصنّف ٥ / ٤٣١ والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٤٧.
أبيه أحد الأنصار ، فذكر قريبا من حديث أبي سعيد الّذي قبله (١).
وقال جرير بن حازم ، سمعت يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مرضه الّذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «إنّه ليس من النّاس أحد أمنّ عليّ بنفسه وماله من أبي بكر ، ولو كنت متّخذا من النّاس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ولكنّ خلّة الإسلام أفضل ، سدّوا عنّي كلّ خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر». أخرجه البخاريّ (٢).
وقال زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن الحارث ، حدّثني جندب أنّه سمع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قبل أن يتوفّى بخمس يقول : «قد كان لي منكم إخوة وأصدقاء وإنّي أبرأ إلى كلّ خليل من خلّته ، ولو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، وإنّ ربّي اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا ، وإنّ قوما ممّن كانوا قبلكم يتّخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ، فلا تتّخذوا القبور مساجد ، فإنّي أنهاكم عن ذلك». رواه مسلم (٣).
مؤمّل (٤) بن إسماعيل ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : لما مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرضه الّذي قبض فيه أغمي عليه ، فلمّا أفاق قال : «ادعي لي أبا بكر فلأكتب له لا يطمع طامع في أمر أبي بكر ولا يتمنّى متمنّ» ، ثمّ قال : «يأبى الله ذلك والمؤمنون» (ثلاثا) قالت :
__________________
(١) رواه الترمذي في المناقب (٣٧٣٩) باب رقم (٥١).
(٢) في كتاب الصلاة ١ / ١٢٠ باب الخوخة والممرّ في المسجد ، ورواه أحمد في المسند ١ / ٢٧٠ ، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (٢٣٨٢) باب من فضائل أبي بكر الصّدّيق رضياللهعنه ، وانظر تاريخ الطبري ٣ / ١٩٠ ـ ١٩١ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ١ / ٥٤٧.
(٣) في المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢) باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصّور فيها ، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.
(٤) من هنا إلى قوله (وهو أشبه) من حاشية الأصل.
فأبى الله إلّا أن يكون أبي (١).
قال أبو حاتم : ثنا يسرة (٢) بن صفوان ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة مرسلا ، وهو أشبه.
وقال عكرمة ، عن ابن عبّاس ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج من مرضه الّذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه ، فجلس على المنبر وأوصى بالأنصار ، فكان آخر مجلس جلسه. رواه البخاريّ (٣). ودسماء : سوداء.
وقال ابن عيينة : سمعت سليمان يذكر عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عبّاس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى ، قلت : يا أبا عبّاس : وما يوم الخميس؟ قال : اشتدّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم وجعه فقال : «ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا» ، قال : فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع فقالوا : ما شأنه ، أهجر! استفهموه ، قال : فذهبوا يعيدون عليه ، قال : «دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه» ، قال : وأوصاهم عند موته بثلاث فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، قال : وسكت عن الثالثة ، أو قالها فنسيتها. متّفق عليه (٤).
__________________
(١) رواه أحمد في المسند ٦ / ١٠٦.
(٢) في طبعة القدسي ٢ / ٣٨٣ «بسرة» بالباء الموحّدة ، وهو تحريف ، والتصويف عن الجرح والتعديل ٩ / ٣١٤ رقم ١٣٦٢ ، وهو بفتح الياء والسين. انظر : المشتبه للذهبي ٢ / ٦٦٩.
(٣) في مناقب الأنصار ٤ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧ باب
قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ،
وأحمد في المسند ١ / ٢٣٣.
(٤) رواه البخاري في المغازي ٥ / ١٣٧ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، وفي الجزية ٤ / ٦٦ باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. ومسلم في الوصيّة (١٦٣٧) باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٩٣.
وقال الزّهريّ ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس قال : لما حضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي البيت رجال فيهم عمر ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «هلمّ (١) أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» ، فقال : إنّ رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومنهم من يقول : ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللّغو (٢) والاختلاف عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «قوموا». فكان ابن عبّاس يقول : إنّ الرّزيّة كلّ الرّزيّة ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. متّفق عليه (٣).
وإنّما أراد عمر التخفيف عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، حين رآه شديد الوجع ، لعلمه أنّ الله قد أكمل ديننا ، ولو كان ذلك الكتاب واجبا لكتبه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لهم ، ولما أخلّ به.
وقال يونس ، عن الزّهريّ ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه قال : لمّا اشتدّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم وجعه قال : «مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» ، فقالت له عائشة : يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق ، إذا قام مقامك لم يسمع النّاس من البكاء : فقال : «مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» ، فعاودته مثل مقالتها فقال : «أنتنّ صواحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصلّ
__________________
(١) (هلم) لم تذكر في الأصل ، لكنّها ذكرت في نسخة دار الكتب ومراجع أخرى.
(٢) في المصادر الأخرى (اللّغط) بدلا من (اللّغو).
(٣) رواه البخاري في العلم ١ / ٣٧ باب كتابة العلم ، وفي الاعتصام ٨ / ١٦١ باب كراهية الخلاف ، ومسلم في الوصيّة (١٦٣٧ / ٢٢) باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه ، وأحمد في المسند ٢٢٢ و ٢٩٣ و ٣٢٤ و ٣٥٥ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٦٢ رقم ١١٤١.
بالنّاس». أخرجه البخاريّ (١).
وقال محمد بن إسحاق ، عن الزّهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس ، عن أمّه أمّ الفضل قالت : خرج إلينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو عاصب رأسه في مرضه ، وصلّي بنا المغرب ، فقرأ بالمرسلات ، فما صلّى بعدها حتّى لقي الله تعالى ، يعني فما صلّى بعدها بالنّاس (٢). وإسناده حسن.
ورواه عقيل ، عن الزّهريّ ، ولفظه أنّها سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات ، ثمّ ما صلّى لنا بعدها. (خ) (٣).
وقال موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ، حدّثتني عائشة قالت : ثقل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أصلّى النّاس»؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك ، قال : «ضعوا لي ماء في المخضب (٤)» ، ففعلنا ، فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثمّ أفاق فقال : «أصلّى النّاس»؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : «ضعوا لي ماء في المخضب ، قالت : ففعلنا ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثمّ أفاق فقال : «أصلّى النّاس؟» فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك ، والنّاس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله
__________________
(١) في الأذان ١ / ١٧٤ و ١٧٥ باب من أسمع الناس تكبير الإمام ، وباب الرجل يأتم بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم ، وباب إذا بكى الإمام في الصلاة ، وأخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة (١٢٣٢) باب ما جاء في صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مرضه ، وأحمد في المسند ٦ / ٢١٠ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢١٧ و ٢١٩ و ٢٢٤ و ٢٢٥ ، والطبري في التاريخ ٣ / ١٩٧ ، والبلاذري في الأنساب ١ / ٥٥٤.
(٢) رواه الترمذي في الصلاة ، باب في القراءة في المغرب (٢٠٧) ، وأحمد في المسند ٣ / ٩١ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٥١.
(٣) رواه البخاري في المغازي ٥ / ١٣٧ باب مرض النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، والنسائي في الافتتاح ٢ / ١٦٨ باب القراءة في المغرب بالمرسلات ، والدارميّ في الصلاة ، باب رقم ٦٤ ، وأحمد في المسند ٦ / ٣٣٨.
(٤) المخضب : إناء لغسل الثياب ، ويسمى به ما صغر عن ذلك.
لصلاة العشاء ، قالت : فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أبي بكر يصلّي بالنّاس ، فأتاه الرسول بذلك ، فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا : يا عمر صلّ بالنّاس. فقال له عمر : أنت أحقّ بذلك منّي ، قالت : فصلّى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ثمّ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجد من نفسه خفّة ، فخرج بين رجلين أحدهما العبّاس لصلاة الظّهر ، وأبو بكر يصلّي بالنّاس ، قالت : فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر ، فأومأ إليه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن لا يتأخّر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر. فجعل أبو بكر يصلّي وهو قائم بصلاة رسول الله ، والنّاس يصلّون بصلاة أبي بكر ، والنّبيّ صلىاللهعليهوسلم قاعد. قال عبيد الله : فعرضته على ابن عبّاس فما أنكر منه حرفا. متّفق عليه (١).
وكذلك رواه الأسود بن يزيد ، وعروة ، أنّ أبا بكر علّق صلاته بصلاة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وكذلك روى الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عبّاس. وكذلك روى غيرهم.
وأمّا صلاته خلف أبي بكر فقال شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل عن مسروق ، عن عائشة قالت : صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا (٢).
وروى شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة.
__________________
(١) رواه البخاري في الأذان ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩ باب إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به وصلّى النبي صلىاللهعليهوسلم في مرضه الّذي توفي فيه بالناس وهو جالس ، ومسلم في الصلاة (٤١٨) باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما .. والنسائي في الإمامة ٢ / ٨٤ باب الائتمام بمن يأتم بالإمام ، والدارميّ في الصلاة باب ٤٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٥٢ و ٦ / ٢٥١ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢١٨ ، والنويري في نهاية الأرب ١٨ / ٣٦٩.
(٢) رواه أحمد في المسند ٦ / ١٥٩ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٥٥.
أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خلف أبي بكر (١).
وروى هشيم ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير ، واللّفظ لهشيم ، عن حميد ، عن أنس ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج وأبو بكر يصلّي بالنّاس ، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها ، فصلّى بصلاته (٢).
وروى سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيّوب ، حدّثني حميد الطّويل ، عن ثابت ، حدّثه عن أنس ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صلّى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد ، مخالفا بين طرفيه ، فلمّا أراد أن يقوم قال : «ادعوا لي أسامة بن زيد» ، فجاء ، فأسند ظهره إلى نحره ، فكانت آخر صلاة صلّاها (٣). وكذلك رواه سليمان بن بلال بزيادة ثابت البناني فيه.
وفي هذا دلالة على أنّ هذه الصّلاة كانت الصّبح ، فإنّها آخر صلاة صلّاها ، وهي التي دعا أسامة عند فراغه منها ، فأوصاه في مسيره بما ذكر أهل المغازي. وهذه الصّلاة غير تلك الصّلاة التي ائتمّ فيها أبو بكر به ، وتلك كانت صلاة الظّهر من يوم السّبت أو يوم الأحد. وعلى هذا يجمع بين الأحاديث ، وقد استوفاها الإمام الحافظ الحبر أبو بكر البيهقيّ (٤).
وقال موسى بن عقبة : اشتكى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في صفر ، فوعك أشدّ الوعك ، واجتمع إليه نساؤه يمرّضنه أيّاما ، وهو في ذلك ينحاز إلى الصّلوات حتّى غلب ، فجاءه المؤذّن فآذنه بالصّلاة ، فنهض ، فلم يستطع من الضّعف ، فقال للمؤذّن : «اذهب إلى أبي بكر فمره فليصلّ» ، فقالت
__________________
(١) انظر تاريخ الطبري ٣ / ١٩٧.
(٢) أنساب الأشراف ١ / ٥٥٦.
(٣) رواه أحمد في المسند ٣ / ٢٤٣.
(٤) في كتابه «دلائل النّبوّة».
عائشة : إنّ أبا بكر رجل رقيق ، وإنّه إن قام مقامك بكى ، فأمر عمر فليصلّ بالنّاس (١) ، فقال : مروا أبا بكر ، فأعادت عليه ، فقال : إنّكن صواحب يوسف ، فلم يزل أبو بكر يصلّي بالنّاس حتّى كان ليلة الاثنين من ربيع الأول ، فأقلع عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوعك وأصبح مفيقا ، فغدا إلى صلاة الصّبح يتوكّأ على الفضل وغلام له يدعى ثوبان (٢) ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهما ، وقد سجد النّاس مع أبي بكر من صلاة الصّبح ، وهو قائم في الأخرى ، فتخلّص (٣) رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصّفوف يفرّجون له ، حتّى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بثوبه فقدّمه في مصلّاه فصفّا جميعا ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس ، وأبو بكر قائم يقرأ ، فلمّا قضى قراءته قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فركع معه الرّكعة الآخرة ، ثم جلس أبو بكر يتشهّد والنّاس معه ، فلمّا سلّم أتمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الرّكعة الآخرة ، ثم انصرف (٤) إلى جذع من جذوع المسجد ، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص ، ليس على السّقف كثير طين ، إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا ، إنّما هو كهيئة العريش ، وكان أسامة قد تجهّز للغزو.
باب حال النّبي صلىاللهعليهوسلم لمّا احتضر
قال الزّهريّ : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أنّ عائشة ، وابن عبّاس قالا : لما نزل برسول الله صلىاللهعليهوسلم (٥) طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك : «لعنة الله على اليهود والنّصارى
__________________
(١) هنا تكرار كلمات في نسخة (ع).
(٢) في الأصل (نوبا) في موضع (ثوبان) ، والتصحيح من طبقات ابن سعد ونسخة دار الكتب.
(٣) في طبقات ابن سعد (فخرج فجعل يفرّج الصّفوف).
(٤) حتى هنا ينتهي الحديث في طبقات ابن سعد ٢ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.
(٥) أي نزل به في المرض.
اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، يحذّر ما صنعوا. متّفق عليه (١).
حدّثنا أحمد بن إسحاق بمصر ، أنا عمر بن كرم ببغداد ، أنا عبد الأوّل بن عيسى ، أنا عبد الوهاب بن أحمد الثّقفي من لفظه سنة سبعين وأربعمائة ، ثنا أبو عبد الرحمن محمد بن حسين السّلميّ إملاء ، ثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبّار العطارديّ ، ثنا أبو بكر بن عيّاش ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل موته بثلاث يقول : «أحسنوا الظّنّ بالله عزوجل». هذا حديث صحيح من العوالي.
وقال سليمان التّيمي ، عن قتادة ، عن أنس قال : كانت عامّة وصيّة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حين حضرة الموت «الصّلاة وما ملكت أيمانكم» ، حتّى جعل يغرغر بها في صدره ، وما يفيض بها لسانه. كذا قال سليمان.
وقال همّام : ثنا قتادة ، عن أبي الخليل ، عن سفينة ، عن أمّ سلمة قالت : كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول في مرضه : «الله الله الصلاة وما ملكت أيمانكم» قالت : فجعل يتكلّم به وما يكاد يفيض. وهذا أصحّ (٢).
وقال اللّيث ، عن يزيد بن الهاد ، عن موسى بن سرجس ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يموت وعنده قدح فيه ماء ،
__________________
(١) رواه البخاري في الصلاة ١ / ١١٢ باب الصلاة في البيعة ، وفي المغازي ٥ / ١٤٠ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١) باب النهي عن بناء المساجد على القبور .. والنسائي في المساجد ٢ / ٤٠ ـ ٤١ باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، والدارميّ في الصلاة ، باب ١٢٠ ، وأحمد في المسند ٦ / ٢٢٩ و ٢٧٥.
(٢) رواه ابن ماجة في الجنائز (١٦٢٥) باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : إسناده صحيح على شرط الصحيحين ، وأحمد في المسند ٣ / ١١٧ و ٦ / ٣١١ و ٣١٥ و ٣٢١.
يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ، ثمّ يقول : «اللهمّ أعنّي على سكرة الموت (١).
وقال سعد بن إبراهيم ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كنّا نتحدّث أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يموت حتّى يخيّر بين الدّنيا والآخرة ، فلمّا مرض عرضت له بحّة ، فسمعته يقول : «مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيّين ، والصّدّيقين ، والشّهداء ، والصّالحين ، وحسن أولئك رفيقا» (٢) فظننّا أنّه كان يخيّر. متّفق عليه (٣). وقال نحوه الزّهريّ ، عن ابن المسيّب وغيره ، عن عائشة. وفيه زيادة : قالت عائشة : كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلّم بها النّبيّ صلىاللهعليهوسلم «الرفيق الأعلى». خ. (٤).
وقال مبارك بن فضالة ، عن ثابت عن أنس قال : لمّا قالت فاطمة عليها
__________________
(١) رواه ابن ماجة في الجنائز (١٦٢٣) باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والترمذي في الجنائز (٩٨٥) باب ما جاء في التشديد عند الموت ، وأحمد في المسند ٦ / ٦٤ و ٧٠ و ٧٧ و ١٥١ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٩٧ و ١٩٨.
(٢) سورة النساء ـ الآية ٦٩.
(٣) رواه البخاري في التفسير ٥ / ١٨١ تفسير سورة النساء ، باب فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيّين ، ومسلم في فضائل الصحابة (٢٤٤٤ / ٨٦) باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها ، وابن ماجة في الجنائز (١٦٢٠) باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأحمد في المسند ٦ / ١٧٦ و ٢٠٥ و ٢٦٩ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٢٩ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٤٧.
(٤) في المغازي ٥ / ١٣٨ ـ ١٣٩ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، وفي الرقائق ٧ / ١٩٢ باب سكرات الموت ، وفي الدعوات ٧ / ١٥٥ باب دعاء النبيّ صلىاللهعليهوسلم اللهمّ الرفيق الأعلى ، ومسلم في السلام (٢١٩١) باب استحباب رقية المريض ، وفي فضائل الصحابة (٢٤٤٤) باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها ، وابن ماجة في الجنائز (١٦١٩) باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومالك في الموطّأ ١٥٩ رقم (٥٦٥) جامع الجنائز ، وأحمد في المسند ٦ / ٤٥ و ٤٨ و ٧٤ و ٨٩ و ١٠٨ و ١٢٠ و ١٢٦ و ٢٠٠ و ٢٣١ و ٢٧٤ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢١٠ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٤٨.
السلام : «وا كرباه» قال لها النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنّه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة» (١). وبعضهم يقول : مبارك ، عن الحسن ، ويرسله.
وقال حمّاد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما ثقل جعل يتغشّاه ـ يعني الكرب ـ فقالت فاطمة : «وا كرب أبتاه» ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا كرب على أبيك بعد اليوم». أخرجه البخاريّ (٢).
__________________
(١) دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٧٢٨ ، ٧٢٩ وعنه في كنز العمال ٧ / ٢٦٠ ، ٢٦١ ولفظه في الدلائل : «لقد حضر أباك ما ليس الله بتارك منه أحدا من الناس لموافاة يوم القيامة».
(٢) رواه البخاري في المغازي ٥ / ١٤٤ باب مرض النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، ومسلم في الجنائز (١٦٢٩) باب ذكر وفاته ودفنه صلىاللهعليهوسلم ، وأحمد في المسند ٣ / ١٤١ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٥٢.