مشكل إعراب القرآن

أبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني

مشكل إعراب القرآن

المؤلف:

أبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني


المحقق: ياسين محمّد السوّاس
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٦٣

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

وبعد : فإن كتاب (مشكل إعراب القرآن) ، لمكي بن أبي طالب القيسي القيرواني ثم القرطبي (١) ـ من علماء القرنين الرابع والخامس ـ من الكتب المتفردة في مادتها وأسلوبها ؛ إذ يبحث فيما أشكل من إعراب القرآن ، فيفسره ويذكر علله ، معتمدا السهولة والإيجاز ، ليكون ـ كما يقول ـ خفيف المحمل ، سهل المأخذ ، قريب المتناول ، لمن أراد حفظه والاكتفاء به. وقد ذكر الكتاب في كتب التراجم بأسماء مختلفة ، من مثل : مشكل

__________________

(١) له ترجمة في جذوة المقتبس ص ٣٥١ ؛ ترتيب المدارك ٤ / ٧٣٧ ؛ نزهة الألباء ٣٤٧ ؛ فهرسة ابن خير ٤٥٨ ؛ الصلة ٢ / ٦٣١ ؛ بغية الملتمس ٤٦٩ ؛ معجم الأدباء ١٩ / ١٦٧ ؛ إنباه الرواة ٣ / ٣١٣ ؛ وفيات الأعيان ٥ / ٢٧٤ ؛ معالم الإيمان ٣ / ٢١٣ ؛ العبر ٣ / ١٨٧ ؛ معرفة القراء الكبار ١ / ٣١٦ ؛ تلخيص ابن مكتوم ٢٥١ ؛ عيون التواريخ ١٢ / ٢١٧ ؛ مرآة الجنان ٣ / ٥٧ ؛ الديباج المذهب ٢ / ٣٤٢ ؛ غاية البلغة ٢٦٣ ؛ غاية النهاية ٢ / ٣٠٩ ؛ طبقات ابن قاضي شهبة ٢٥٧ ؛ النجوم الزاهرة ٥ / ٤١ ؛ بغية الوعاة ٢ / ٢٩٨ ؛ مفتاح السعادة ١ / ٤١٩ ؛ كشف الظنون ١ / ٣٣ ، ١٢١ ، ١٧٤ ؛ شذرات الذهب ٣ / ٢٦٠ ؛ إيضاح المكنون ١ / ٨٥ ؛ هدية العارفين ٢ / ٤٧٠.

٥

إعراب القرآن (١) ـ إعراب القرآن (٢) ـ تفسير إعراب القرآن (٣) ـ إعراب مشكل القرآن (٤) ، كما ذكره المؤلّف في كتابه (الكشف) بعناوين مختلفة أيضا ، مختصرة ومطولة هي : تفسير مشكل إعراب القرآن (٥) ـ مشكل الإعراب (٦) ـ تفسير مشكل الإعراب (٧). واخترت أن يكون عنوانه : (مشكل إعراب القرآن) لأسباب كثيرة من أهمها : ما وجدته في النسختين المعتمدتين : التيمورية والأحمدية ، وفي باقي النسخ الأخرى ، وما ذكر أيضا في (طبقات القراء) نقلا عن مكي نفسه ، وفي (كشف الظنون) ، وأمالي ابن الشجري ، يضاف إلى ذلك عناوين السور نفسها. وهذا كله يؤكد عندي شهرة الكتاب بهذا الاسم دون غيره.

وللكتاب سمات كثيرة من أهمها :

ـ أنه الأول في طريقته ونهجه ، فهو يتناول مشكلات القرآن الإعرابية ، دون غيرها من الإعراب ، وقد صرح بذلك في مقدمته ، وانتقد من سبقه في إطالتهم الإعراب والتفاتهم إلى السهل منه ، وإهمالهم لكثير من مشكلاته ، يقول : «وقد رأيت أكثر من ألّف الإعراب طوّله ، بذكره حروف الخفض وحروف الجزم ، وبما هو ظاهر من ذكر الفاعل والمفعول ، واسم إن وخبرها ، في أشباه لذلك ، يستوي في معرفتها العالم والمبتدئ ، وأغفل كثيرا مما يحتاج إلى معرفته من المشكلات». وتتلخص طريقته بأنه يأخذ

__________________

(١) طبقات القراء : ٢ / ٣٠٩ ؛ وكشف الظنون ١ / ١٢١.

(٢) معالم الإيمان ٣ / ٢١٣ ؛ وطبقات ابن قاضي شهبة (مخطوط ٥٠٤) ؛ والوافي بالوفيات (مخطوط) ٢٦ / ٦٨ ؛ وعيون التواريخ (مخلوط) ١٣ / ٢١٧ ؛ ومعجم الأدباء ١٩ / ١٦٧ ؛ وبغية الوعاة ص ٣٩٦ ؛ وعقود الجوهر ص ٢٩٧ ؛ ومفتاح السعادة ١ / ٤١٨.

(٣) نفخ الطيب ٣ / ١٧٩.

(٤) نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص ٢٣٨.

(٥) الكشف ٢ / ٤٢ ، ٣٣٧.

(٦) الكشف ١ / ٢٥٠ ، ٢ / ١٧٩.

(٧) الكشف : ١ / ٢٥٢ ، ٤٢٠ ، ٤٥٩ ، ٤٦٢ ، و ٢ / ١٠١ ، ٢٣٣ ، ٣٤١ ، ٣٥٥.

٦

سور القرآن مراعيا ترتيبها في المصحف ، فيعرض لما أشكل من الإعراب في كل سورة ، مع مراعاة أيضا لنسق الآيات وترتيبها في أكثر الأحيان. وعند ذكره لمشكل إعرابي يتناوله بشكل موجز ، مكتفيا بالإشارة المختصرة الدالة على المراد ، مختارا الوجوه التي يراها دون إسهاب أو إطناب ، فغايته الأولى الإيجاز وعرض المشكلات الإعرابية فقط ، ولهذا نراه يخص بكتابه من بلغ في النحو درجة متقدمة ، ولا يخص به من «لا يعلم من النحو إلا الخافض والمخفوض ، والفاعل والمفعول ، والمضاف والمضاف إليه ..».

ومكي قلما يكرر الكلام في المشكل الإعرابي ذاته ، وإنما يحيل عليه بعبارات مختلفة من مثل : «وعلى هذا قياس ما شابهه ، وعلته كعلته ، فقسه عليه» أو «وقد شرحناه في سورة النحل شرحا أشبع من هذا» أو «وقد تقدم نظائره ، فيقاس عليه ما شابهه» ، «وقد شرحناه بأبين من هذا في موضع آخر في هذا الكتاب ، ومثلناه بأمثلة ، وشبه هذا كثير. وهو يصرح بطريقته هذه فيقول : «وإنما أذكر مثالا من كل صنف لتقيس عليه ما يأتي من مثله ، إذ لا يمكن ذكر كل شيء أتى منه ، كراهة التكرار والإطالة» (١).

قد يذكر المؤلف رأيه في إعراب ما ، فهو بعد أن يعرض وجوها متعددة ومختلفة ، يلجأ إلى انتقاد بعض ما يراه فيها ، بعبارة تدل على دقة ودراية ، مع ذكر لسبب الاعتراض ، أو إهمال له ، يقول : «قال أبو محمد : وفيها نظر يطول ذكره» أو «وفيه بعد» أو «وهو بعيد ضعيف» ، ... وقد يختار ويرجح وجها من الوجوه ، مع تعليل لهذا الاختيار (٢).

ـ يكثر من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم ، ولم يستشهد بالحديث الشريف غير مرتين ، وزادت شواهده من الشعر على الثلاثين شاهدا ، وما قلة شواهده من الحديث والشعر إلا دليل اهتمامه الشديد بالقرآن الكريم وحده ، وتعمده الإيجاز.

كثيرا ما يعرض لمشكل إعرابي يعتمد على قراءة شاذة ، ولكنه يسارع

__________________

(١) المشكل ١ / ٤٣.

(٢) المشكل ١ / ٣٧ ، ٤٢ وغير ذلك كثير.

٧

ليعطي رأيه في تلك القراءة بأنها ليست إلا وجها إعرابيا مختلفا ، فقديما قيل : توجيه القراءة الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة ؛ ومن ذلك ما قاله عند إعرابه ل «مالك» من سورة الاستفتاح ، قال : «وإنما نذكر هذه الوجوه ، ليعلم تصرّف الإعراب ومقاييسه ، لا لأن يقرأ به ، فلا يجوز أن يقرأ إلا بما روي وصح عن الثقات المشهورين عن الصحابة والتابعين ، رضي الله عنهم ، ووافق خط المصحف». ومثله في موضع آخر من الكتاب : «وكلما قرأنا في كتابنا هذا وفي غيره ، من قراءة أبيّ وغيره ، مما يخالف خط المصحف ، فلا يقرأ به لمخالفته المصحف ، وإنما نذكره شاهدا لا ليقرأ به ، فاعلم ذلك» (١). يلجأ أحيانا إلى التفسير ، للاستعانة به في توضيح وجه إعرابي. ينقل في كتابه عن أئمة النحو ممن سبقه ، من مثل : سيبويه ، والأخفش ، والكسائي ، والفراء ، والنحاس وغيرهم ، وكثيرا ما كان يغفل ذكر أسماء من نقل عنهم. استخدم في الإعراب مصطلحات غير مألوفة لدينا اليوم ، من مثل : «لا التبرئة» أي «لا» النافية للجنس ، و «مفعول على السعة» إذا أريد الاتساع بالظرف ومعاملته معاملة المفعول به ، ويسمي التمييز ب : «التفسير» أو «البيان» ، وضمير الفصل ب : «العماد» ، واستعمل كلمة «تكرير» وأراد بها بدل الاشتمال ، و «استثناء ليس من الأول» أي استثناء منقطعا ، و «المجهول» وأراد به الضمير المحذوف ، و «القطع» بدل الاستئناف ... والمؤلف ـ رحمه‌الله ـ يوجّه الإعراب في الآيات حسب التفسير المأثور عن السلف الصالح من أهل السنة ، وقد يصرح أحيانا بنقد ما ذهب إليه المخالفون من المعتزلة وغيرهم ؛ وينعتهم بأهل الزيغ (٢).

والكتاب من مؤلفات مكي المبكرة ، فقد ذكر ابن الجزري في (طبقات القراء) (٣) أنه ألّف كتاب (المشكل) في الشام ببيت المقدس سنة

__________________

(١) المشكل فقرة ١١١٤.

(٢) المشكل فقرة ١١٦٧ ، ١٨٦١ ، ١٨٦٨.

(٣) طبقات القراء ٢ / ٣٠٩.

٨

٣٩١ ه‍ ، أي ألفه قبل أن يستقر في قرطبة ، ويرتفع شأنه فيها. ومكي من المشهورين في علوم القرآن ، وفي مقدمتها علم القراءات ، ونظرة إلى ثبت مؤلفاته التي تزيد على المائة ، بين كبير وصغير ، تدل على سعة علمه وكثرة تآليفه. وكنت قد أعددت ترجمة وافية عن حياته ومؤلفاته ، إلا أن مجمع اللغة العربية الذي تفضل بطبع هذا الكتاب ، رغب في إسقاطها ، لأن كتابا آخر لمكي بدئ بطبعه قبل كتاب (المشكل) بقليل ، وهو كتاب (الكشف عن وجوه القراءات السبع) بتحقيق الدكتور محيي الدين رمضان ، وفيه ترجمة وافية للمؤلف ، فيمكن الرجوع إليه. ولا أشك في أن الكتاب كان ذا شهرة كبيرة في وقته ، وبعد ذلك أيضا ، وهذا ما أشار إليه السيوطي في (بغية الوعاة) حين ترجم لمكي فقال : «مكي بن أبي طالب صاحب الإعراب» (١) ، ويدل عليه أيضا كثرة النسخ المخطوطة للكتاب المنتشرة في المكتبات العامة والخاصة.

وقد اشتغل العلماء من بعد مكي بكتابه (المشكل) بين متعقب له وناقل منه ، وعلى رأس من تعقّبه ابن الشجري في أماليه ؛ إذ خص المجلسين : الثمانين والحادي والثمانين لتتبّع سقطاته ، وبلغ بها ستة وعشرين موضعا (٢) ، بدأها من سورة البقرة ، وانتهى بها إلى سورة مريم ، وذكر في آخرها بأنه لم يبالغ في تتبع سقطات هذا الكتاب. وحذا حذو ابن الشجري في بعض هذه التعقيبات أو غيرها ابن هشام في (مغني اللبيب) (٣) وأبو حيان في (البحر المحيط) (٤) ، والسفاقسي في كتابه (المجيد في إعراب القرآن المجيد) (٥). وقد ذكرت أكثر ذلك في الحواشي ، حيث مكانه

__________________

(١) بغية الوعاة ، ص ٣٩٦.

(٢) أمالي ابن الشجري «مخطوط» : ٢ / ٤٤١ ـ ٤٦٩.

(٣) مغني اللبيب : ص ١٢ ، ٦٠ ، ١٧٩ ، ١٨٩ ، ٣٦٠ ، ٤٠٧ ، ٥٤٠ ، ٥٤٦ ، ٥٧٢ ، ٥٩٣ ، ٥٩٩.

(٤) البحر المحيط : ١ / ٩٧ ، ١٤٤ ، ١٦٣ ، ٤٧٨ ، و ٢ / ٥٩٥ ، ٤٢٦ ، ٤٣٧ ...

(٥) المجيد : ٥١ / ب ، ٦٩ / ب ، ٧٠ / أ ، ٧٨ / أ ، ١٤٦ / ب ، ١٥٦ / أ ، ب ، ١٥٩ / أ ، ١٨٨ / ب ...

٩

من هذا الكتاب. وممن أخذ عنه أبو البركات بن الأنباري في كتابه (البيان في غريب إعراب القرآن) ، فقد وجدت تشابها كبيرا بين الكتابين في المنهج وفي كثير من العبارات (١).

الأصول المعتمدة في النشر :

حصلت على ست نسخ خطية للكتاب ، وجعلتها معتمدي في التحقيق ، وهي :

١ ـ النسخة التيمورية :

ورمزت إليها بالحرف (ت) ودعوتها الأصل ، وهي من كتب المكتبة التيمورية في القاهرة ، رقمها (١٥٧ تفسير) وتقع في ٣٥٤ صفحة ، وفي كل صفحة ٢٢ إلى ٢٣ سطرا ، وفي السطر الواحد ١٢ كلمة تقريبا ، مخرومة الأول ، تبدأ بإعراب كلمة «خطاياكم» من سورة البقرة الآية ٥٨ ، كما سقط منها من أواخر الفقرة (١٠٧٥) إلى منتصف الفقرة (١٢٨٨) ومواضع أخرى متفرقة. وهي مكتوبة بخط مغربي دقيق تصعب قراءته ، وقد تغير الخط بعد الصفحة ١٠٦ بخط أسوأ. وقد شكلت شكلا خفيفا. وجاء في نهاية الصفحة ١٩٦ : «كمل الربع الأول من مشكل الإعراب ، لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي المقرئ ، بحمد الله وإحسانه وتوفيقه ، وذلك في العشر الأواخر من جمادى الآخرة سنة تسعين وأربعمائة» ، وفي آخر الكتاب عبارة مشابهة أيضا ، ويدل هذا على قدم النسخة ، وقربها من سنة وفاة المؤلف. وهي مقروءة ومقابلة ، وفي ثناياها عبارات تشير إلى ذلك. وبالرغم من رداءة خطها ، فهي قليلة الخطأ قديمة العهد ، لا أشك بأن كاتبها كان عالما ثبتا تصرف ببعض العبارات ، وأضاف بعضها الآخر توضيحا وشرحا ، في المتن أو في الهامش ، ومع ذلك لم يخلّ بمضمون الأصل. ولهذا كله اعتمدتها وجعلت منها ومن النسخة الأحمدية أصلا يعتمد عليه.

__________________

(١) انظر البيان : ١ / ١٩٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٧٠ ، ٢٧٩ ، ٣٩٤ ، ٤٠٣ ، ٤١٤ .. إلخ.

١٠

٢ ـ النسخة الأحمدية :

ورمزت إليها بالحرف (ح) وهي من مخطوطات المكتبة الأحمدية في حلب ، ويعود تاريخها إلى سنة ٥٤٥ ه‍ ، وتقع في ٢٦٥ ورقة ، في كل صفحة من ٨ إلى ٢٥ سطرا ، وفي السطر الواحد من ٨ إلى ١٣ كلمة ، وهي ملفقة ذات خطوط متعددة ، تدل على أن ناسخها كان أكثر من واحد. وفي الصفحة الأولى عنوان الكتاب واسم مؤلفه ، وأسماء المتملكين ومنهم : يحيى بن عبد الرحيم الشقنداوي العلواني ، وأحمد بن عمر المعروف بابن الربعي ، ومحمد بن قاسم بن أحمد المغربي المالكي ... الطنجي. وفي الصفحة الأخيرة : «تم بحمد الله وعونه في العشر الأخير من ذي القعدة من سنة خمس وأربعين وخمس مائة» وكتب قبلها عبارة تشير إلى أن هذه النسخة قد قوبلت بالأم بعد تاريخ نسخها بسنة تقريبا ، وهي : «قوبل بالأم فصحّ إن شاء الله ، وكان الفراغ من مقابلته النصف من محرم من سنة ست وأربعين وخمس مائة». كما جاء في الصفحة الأخيرة عبارة تردد شبهها في حواشي الكتاب تشير إلى مقابلة النسخة وتصحيحها ، وهي : «بلغ مقابلة وتصحيحا. كتبه الفقير جمال الدين بن عمر بن حسن ، غفر الله لهم ، سنة ٦٧٣». وعلى الرغم من قدم هذه النسخة ومقابلتها بالنسخة الأم ـ كما تقول عبارة الصفحة الأخيرة ـ إلا أنّها أقل مرتبة من النسخة التيمورية ، لكونها ملفقة ، ذات خطوط مختلفة ، وأخطاؤها أكثر من النسخة الأولى ، فقد سقطت بعض الجمل والكلمات ، وكرر بعضها الآخر ، سقطت الورقة ٢٦٠ وحل محلها الورقة ٢٥٩ مكررة ، ومن الأخطاء الظاهرة تصحيف (الزجاج) وجعله (الزجاجي) في القسم الأخير من الكتاب (١). ومع هذا تبقى هذه النسخة إحدى النسختين المعتمدتين ، إذ جعلت منها متممة للنسخة التيميورية ، فكان لي من ذلك كله نسخة متكاملة ، جمعت بين محاسن النسختين.

__________________

(١) انظر على سبيل المثال : المشكل رقم ١٤٨٨ ، ١٤٨٩ ، ١٥٨٤ ، ١٦٠٧ ، ١٦١٢ ...

١١

٣ ـ نسخة الظاهرية :

ورمزت إليها بالحرف (ظ). وهي في المكتبة الظاهرية بدمشق ، تحت رقم (٧٧٢٣ عام) عدد أوراقها ١٤٨ ورقة ، في كل صفحة ٢١ سطرا ، وفي السطر ١٧ كلمة تقريبا ، قياسها ٢٦* ١٨ سم. وهي نسخة جيدة الخط ، ولكنها مجهولة التاريخ والناسخ ، خطها نسخ معتاد لعله من خطوط القرن الثامن الهجري ، مشكولة بعض الشكل ، كتبت أسماء السور ورءوس الفقر بالحمرة. والنسخة مقروءة ، وعليها حواش وشروح ، نقل بعضها من كتاب (الكشاف) للزمخشري ، وأكثرها من كتاب (التبيان في إعراب القرآن) لأبي البقاء العكبري ، والقليل عن (الكواشي) من علماء التفسير في القرن السابع ، والجعبري من علماء القراءات في القرن العاشر. وقد أثبتّ بعض هذه التعليقات في الحواشي ؛ نزولا عند رغبة لجنة التراث في المجمع وإتماما للفائدة. خرمت الورقة الأولى من هذه النسخة ، ثم استدرك النقص بخط مغاير قديم ، وفيها آثار رطوبة وترميم في أولها وآخرها ، وعليها تملكات متعددة ، أظهرها وضوحا تملك : يوسف بن يعقوب بن علي ، وتاريخ تملكه سنة ٩٨٠ ه‍. وفي الورقتين الأولى والثانية تعليقات متفرقة لا صلة لها بالكتاب ، بعضها أحاديث نبوية وبعضها الآخر تفصيل في ترتيب نزول القرآن الكريم ، وغير ذلك.

والجدير بالذكر أن هذه النسخة قد رواها أحد من أجاز لهم المؤلف رواية كتبه ، وهو أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب (١) ، جاء في أولها : «أخبرنا الشيخ صائن الدين أبو بكر يحيى (٢) بن سعدون بن تمام بن

__________________

(١) وهو من أهل قرطبة ، ومن كبار الشيوخ بالأندلس في علو الإسناد وسعة الرواية ، روى عن أبيه وسمع معظم ما عنده. أجاز له مكي وجماعة من الشيوخ المتقدمين ، كان عارفا بالقراءات والتفسير واللغة ... مع حلم وتواضع وزهد. ولد سنة ٤٣٣ ه‍ ، وتوفي سنة ٥٢٠ ه‍ عن سبع وثمانين سنة. (الصلة ١ / ٣٢٢ ؛ والديباج ص ١٥٠ ؛ وشذرات الذهب ٤ / ٦١ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٩ / ٥١٤).

(٢) يحيى بن سعدون القرطبي ، إمام عارف علامة ، ولد بقرطبة سنة ٤٨٦ ه‍ ، وقرأ

١٢

محمد الأزدي ، قال : أنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب إجازة ، قال : حدثني الفقيه المقرئ ، أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي ـ رضي الله عنه ـ قراءة منّي عليه في أصله وهو يسمع ، قلت ـ رضي الله عنك ـ ...» (١). ويلاحظ من هذا النص أن مكيّا أجاز لابن عتاب رواية مؤلفاته ، على صغر سنه ، وهو شيء كان معهودا ومتعارفا عليه إذ ذاك.

٤ ـ نسخة المدينة المنورة :

ورمزت إليها بالحرف (د) وهي من مخطوطات مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة ، وقد صورها معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية بالقاهرة ، ورقمها فيه (١٨٩). عدد أوراقها (١٩٨) ورقة ، في كل صفحة ٢١ سطرا ، وفي السطر ١١ كلمة تقريبا ، وقياسها ٥ ، ١٦* ٢٥ سم ، كتبت بخط نسخي جيد ، كتبها عمر الأشتري لنفسه وفرغ منها سنة ٥٨٩ ه‍ ؛ ففي الصفحة الأخيرة : «تم جميع مشكل إعراب القرآن بحمد الله وعونه وكرمه ومنّه ، كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى عمر بن أبي الحسين بن ابن الفتح الأشتري لنفسه ، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وخمسمائة». وهي مشكولة شكلا خفيفا ، وعليها أختام المتملكين ، وترجمة للمؤلف منقولة عن كتاب (مفتاح السعادة). والنسخة جيدة ، لا تقل في جودتها عن

__________________

بها القراءات ، ورحل إلى مصر ودمشق وبغداد ، ونزل الموصل ، وسمع من كبار شيوخ تلك الأقطار ، أخذ العربية والأدب عن أبي القاسم الزمخشري ، وسمع ببلاده من ابن عتاب ، توفي سنة ٥٦٧ ه‍. (وفيات الأعيان ٢ / ٢٢٦ ؛ وبغية الوعاة ص ٤١٢ ؛ وطبقات القراء ٢ / ٣٧٢).

(١) هذا السند ملحق في أول النسخة بخط مختلف ولا قيمة له في توثيق النسخة ، وهو على الأغلب من فعل الناسخ أو أحد المالكين ؛ إذ كيف يعقل أن تتم تلك القراءة على المؤلف من قبل ابن عتاب وهو طفل صغير لم يتجاوز الرابعة من عمره؟! ومن الغريب المستهجن أن محقق الكتاب في بغداد قد اعتمد هذه النسخة ، وجعل منها أصلا رغم تأخرها وكثرة أخطائها وغفلها من اسم الناسخ وتاريخ النسخ ، وبنى على ذلك كثيرا من الملاحظات ، والنتائج الخاطئة ، فتأمّل!!.

١٣

نسخة المكتبة الأحمدية. وقد اعتراها نقص في عدد من الفقر ، واختصار لبعضها الآخر ، ومن ذلك ما حصل للآيات في سورة البقرة : ٣ ، ١٩ ، ٣٠ ، ٣٣ ، ٣٤ ، والأعراف : ١٧٢ ، ويونس : ٣٥ ، ٦٦ ، ٨٣ ، ويوسف : ٧ ، ١١ ، والإسراء : ١٠٦ ، ومريم : ٦٩ وغير ذلك.

٥ ـ نسخة آل عبد القادر :

ورمزت إليها بالحرف (ق) وهي من مخطوطات مكتبة الشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر الأنصاري الخاصة في منطقة الإحساء (المبرّز) ، وقد صورتها بعثة معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية ، وتمكنت من الحصول عليها والكتاب يطبع أوله ، فقابلتها بالأصل وأفدت منها. وأول هذه النسخة مبتور ، تبدأ أثناء سورة البقرة بقوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) الآية ١٩ من السورة المذكورة. عدد أوراقها (٢٠٤) ورقة ، منها ثلاث في آخرها لا علاقة لها بالكتاب ، تدور حول شرح بعض آيات القرآن الكريم ، قياس هذه النسخة ١٥* ١٩ ، وفي الصفحة ٢١ سطرا ، وفي السطر ١٢ كلمة تقريبا. كتبت بقلم نسخي جيد ، مضبوطة بالشكل ، وفي آخرها إشارة إلى تاريخ النسخ ، وهي : «آخر كتاب مشكل إعراب القرآن ، وقع الفراغ من تسطيره في الخامس عشر من ذي الحجة ، حجة ست وعشرين وستمائة». والنسخة غفل من ذكر المؤلف ، فاعتبرت لمجهول ، ولعل ذلك راجع للسقط الذي في أولها. وهي من النسخ الجيدة ، بينها وبين نسخة الظاهرية تشابه كبير ، ولكنها تمتاز عنها بجودة ضبطها ، وصحة عبارتها ، وندرة أخطائها.

٦ ـ نسخة الأسكوريال :

ورمزت إليها بالحرف (ك) وهي من مخطوطات مكتبة الأسكوريال في مدريد ، تحت رقم (١٤٣٧ / ٢) على ما ذكر بروكلمان ، وتقع في ١٤١ ورقة ، وفي كل صفحة ١٨ سطرا ، وفي كل سطر نحو ٨ كلمات. وقد سقط جزء كبير منها ، ويزيد ما سقط على نصف الكتاب ؛ إذ تبدأ بإعراب الآية ٤

١٤

من سورة الحج ، وتنتهي بآخر سورة من القرآن الكريم. والنسخة لا تاريخ لها وهي غفل من ذكر الناسخ أيضا ، وخطها مقروء ، لعله من خطوط القرن السابع الهجري ، ومشكولة شكلا كاملا وكتبت أسماء السور ورءوس الفقر بالحمرة. أخطاؤها أقل من نسخة الظاهرية ، ولكن لما اعتراها من نقص كبير ولخلوها من ذكر الناسخ وتاريخ النسخ ؛ جعلتها متأخرة في الرتبة بالنسبة إلى باقي النسخ. وقد قمت بمقابلتها مع النسخ الأخرى ، وأثبتّ منها ما رأيته جديرا بذلك.

خطة التحقيق :

ـ اعتمدت في تحقيق الكتاب ـ كما ذكرت ـ على النسخة التيمورية (ت) ، وجعلتها بمثابة الأم بالنسبة إلى النسخ الباقية ، ولكن ما اعتراها من النقص في أولها ووسطها وبعض المواضع المتفرقة منها ؛ دفعني لأجعل من النسخة الأحمدية (ح) نسخة متممة لها ، وأكملت السقط منها ، وجعلته بين قوسين كبيرين دون الإشارة إلى ذلك في الهوامش. كما اعتمدت عليهما معا في تقويم النص ، وتبيان الفروق الجوهرية ، وقابلت هذا مع النسخ الأخرى ، مستدركا منها ما لزم النص من توضيح عبارة ، أو إظهار لفروق ذات دلالة ، وقد ذكرت أن هناك زيادات في نسخة الأصل (الأم) آثرت أن تكون بين قوسين كبيرين أيضا ، ولكن مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية ، ليدرك القارئ تلك الزيادات التي أدخلت على الأصل ، وقصد بها التوضيح والشرح أكثر ما قصد ، فكان لزاما أن أشير إليها ، لأني أرجح أنها ليست من إضافات المؤلف. جعلت الآية المعربة بين قوسين ، واضعا رقمها بجانبها ، وذلك حسب ورودها في المصحف. أما إذا كانت الآية المستشهد بها من سورة أخرى فكنت أشير في الحاشية إلى اسم السورة ورقم الآية. اهتممت بضبط الآيات القرآنية ضبطا تاما ، وكذلك الشواهد الشعرية ، كما ضبطت بعض الكلمات التي يمكن أن يحصل لبس في قراءتها. سقطت عبارة «قوله تعالى» في كثير من المواضع ، فآثرت إثباتها قبل كل فقرة ، لكي تتناسق الفقر بعضها مع بعض ؛ وهو ما لم تكن لتتفق

١٥

فيه النسخ كلها ، في أكثر الأحيان. كثيرا ما كانت تتغير العبارة التي تتقدم اسم السورة ، من مثل «مشكل إعراب سورة ...» أو «ما أشكل من إعراب سورة ...» أو «إعراب سورة ...» وغير ذلك ، وهذا أيضا لم تكن لتتفق فيه النسخ الباقية ، ففضلت إثبات عنوان واحد للسور جميعها ، وهو : «مشكل إعراب سورة ...» وهو الغالب على الأصل ، وعلى النسخ الأخرى كذلك. ذكرت المواضع التي كان المؤلف ـ رحمه‌الله ـ يحيل عليها من الكتاب نفسه. ووردت بعض الآيات متأخرة أو متقدمة عن موضعها المناسب في السور ، فكنت أشير إلى الملتبس منها ، وأترك الباقي لسهولة إدراكه ، وقرب تناوله. قمت بتخريج القراءات من الكتب المعتمدة في هذا الفن ، وفي مقدمتها : كتاب التيسير في القراءات السبع ، والنشر في القراءات العشر ، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ... استخرجت الشواهد الشعرية من مصادرها ومظانها ؛ في الكتب والمعاجم والدواوين. ترجمت للأعلام الواردة في النص ترجمة مختصرة في آخر الكتاب. وكنت أريد أن أحيل على الكتب التي تتناول موضوعات الكتاب ومشكلاته بالشرح والتفصيل ، وذكر الفروق والاختلافات ، ولكن عدلت عن ذلك ، واكتفيت ببعض الإشارات القليلة ، كيلا أخرج عن خطة المؤلف في الاختصار والتسهيل ، وحتى لا أضيف كتابا جديدا في الحواشي ، يعود بنا إلى الكتب المطولة المعقدة. ومع هذا وجدت لزاما علي أن أثبت في الحاشية ما ذكرته آنفا من انتقاد وتعقب بعض علماء النحو على مؤلفنا في كتابه ، لأدلّ على قيمة الكتاب ، ومكانة مكيّ بين العلماء. وقد قمت بعمل فهارس متنوعة للكتاب إتماما للفائدة.

وبعد : فهذا هو كتاب (مشكل إعراب القرآن) أقدمه اليوم ليكون خير معين على فهم قرآننا العظيم ، والوقوف على أسرار الإعراب فيه وغرائبه.

والله ولي العون ، ومنه سبحانه السداد والتوفيق كتبه ياسين محمّد السّوّاس

كتبه

ياسين محمّد السّوّاس

١٦

١٧

١٨

١٩

٢٠