أبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني
المحقق: ياسين محمّد السوّاس
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٦٣
في موضع رفع على البدل من الضمير في «تخيل» ، وهو بدل الاشتمال. ويجوز مثل ذلك في قراءة من قرأ بالياء ، على أن تجعل الفعل ذكّر على المعنى. ويجوز أن تكون «أن» ، في قراءة من قرأ بالتاء ، في موضع نصب على تقدير حذف الباء ، تقديره : تخيل إليه من سحرهم بأنّها تسعى ، وتجعل المصدر أو (إِلَيْهِ) في موضع مفعول ما لم يسمّ فاعله (١).
١٤٤١ ـ قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) ـ ٦٧ ـ (مُوسى) في موضع رفع ب «أوجس» ، و «خيفة» مفعول ل «أوجس». وأصل (خِيفَةً) «خوفة» ، ثم أبدل من الواو ياء ، وكسر ما قبلها ليصحّ بناء «فعلة». وإنما خاف موسى أن يفتتن الناس. وقيل : لمّا أبطأ عليه الوحي بإلقاء عصاه خاف. وقيل : بل غلبه طبع البشرية عند معاينة ما لم يعتد ، والله أعلم.
١٤٤٢ ـ قوله تعالى : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) ـ ٦٩ ـ من جزم (٢) (تَلْقَفْ) جعله جوابا للأمر. ومن رفعه ، وهو ابن ذكوان ، رفع على الحال من (ما) وهي العصا ، وقيل : هو حال من الملقي وهو موسى ، نسب إليه التلقف لمّا كان عن فعله وحركته ، كما قال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٣). وهي حال مقدرة لأنها إنّما تلقفت حبالهم بعد أن ألقاها.
١٤٤٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) ـ ٦٩ ـ «ما» اسم «إنّ» وهو بمعنى «الذي» ، و (كَيْدُ) خبرها ، والهاء محذوفة من (صَنَعُوا)(٤) ، تقديره : إنّ الذي صنعوه كيد ساحر. ومن قرأ (٥) : (كَيْدُ ساحِرٍ) فمعناه : كيد ذي
__________________
(١) الكشف ١٠١/٢ ؛ والبيان ١٤٧/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٢٢٢/١١.
(٢) الجزم قراءة غير ابن ذكوان. التيسير ص ١٥٢ ؛ والنشر ٣٠٨/٢ ؛ والكشف ١٠٢/٢.
(٣) سورة الأنفال : الآية ١٧.
(٤) في الأصل : «صنعوه».
(٥) قرأ حمزة والكسائي وخلف «سحر» بكسر السين وإسكان الحاء من غير ألف ، والباقون بالألف وفتح السين وكسر الحاء. النشر ٣٠٨/٢ ؛ والتيسير ص ١٥٢ ؛ ـ
سحر. ويجوز في الكلام نصب (كَيْدُ) ب (صَنَعُوا) ، ولا تضمر في (صَنَعُوا) هاء ، على أن تجعل «ما» كافّة ل «إنّ» عن العمل. ويجوز فتح «أنّ» على معنى : لأنّ ما صنعوا.
١٤٤٤ ـ قوله تعالى : (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) ـ ٧٢ ـ «ما» كافّة لعمل «إنّ» ، و (هذِهِ) نصب على الظرف ، و (الْحَياةَ) بدل من (هذِهِ) أو نعت ، تقديره : إنما تقضي في هذه الحياة الدنيا. ويجوز في الكلام رفع (هذِهِ) و (الْحَياةَ) على أن تجعل «ما» بمعنى «الذي» والهاء محذوفة مع (تَقْضِي) ، و «هذه» خبر «إنّ» و (الْحَياةَ) بدل من (هذِهِ) أو نعت ، تقديره : إنّ الذي تقضيه [أمر] هذه الحياة الدنيا.
١٤٤٥ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِي فَطَرَنا) ـ ٧٢ ـ (الَّذِي) في موضع خفض على العطف على (ما) ، وإن شئت على القسم.
١٤٤٦ ـ قوله تعالى : (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ) ـ ٧٣ ـ (ما) في موضع نصب على العطف على «الخطايا». وقيل : هو حرف ناف ؛ فإذا جعلت (ما) نافية ، تعلقت «من» ب «الخطايا» ، وإذا جعلت (ما) بمعنى الذي تعلقت (مِنَ) ب (أَكْرَهْتَنا).
١٤٤٧ ـ قوله تعالى : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) ـ ٧٧ ـ من رفع (تَخافُ) جعله حالا من الفاعل وهو «موسى» ، والتقدير : اضرب لهم [طريقا] في البحر ، غير خائف دركا ، ولا خاشيا. ويقوّي رفع «تخاف» إجماع القرّاء على رفع «تخشى» ، وهو معطوف على «تخاف». ويجوز رفع «تخاف» على القطع ، أي : أنت لا تخاف دركا. وقيل : إنّ رفعه على أنّه نعت لطريق على تقدير حذف «فيه». ومن جزم «لا تخف» ، وهو حمزة (١) ، جعله جواب الأمر ، وهو (فَاضْرِبْ) والتقدير : إن تضرب لا تخف دركا ممن خلفك ، ويرفع «ولا تخشى» على القطع ، أي وأنت لا تخشى غرقا.
__________________
ـ والكشف ١٠٢/٢.
(١) وقرأ باقي العشرة بالرفع. التيسير ص ١٥٢ ؛ والنشر ٣٠٨/٢.
وقيل : إن الجزم في «لا تخف» على النهي. وأجاز الفراء (١) أن تكون (وَلا تَخْشى) في موضع جزم ، وتثبت الألف كما تثبت الياء والواو ، على تقدير حذف الحركة منهما ، وهذا لا يجوز في الألف ، لأنها لا تتحرّك أبدا ، إلا بتغييرها إلى غيرها ؛ والياء والواو يتحركان ولا يتغيران (٢).
١٤٤٨ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) ـ ٨٦ ـ يجوز أن يكون «الوعد» بمعنى «الموعود» ، كما جاء «الخلق» بمعنى «المخلوق» ، فتنصب (وَعْداً) على هذا التقدير ، على أنّه مفعول ثان ل «يعد» ، على تقدير حذف مضاف تقديره : ألم يعدكم ربّكم تمام وعد حسن. ويجوز أن يكون انتصب «وعد» على المصدر.
١٤٤٩ ـ قوله تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) ـ ٨٠ ـ انتصب (جانِبَ) على أنّه مفعول ثان ل «واعد» ، ولا يحسن أن ينتصب على الظرف ؛ لأنه ظرف مكان مختصّ غير مبهم ، وإنما تتعدّى الأفعال والمصادر إلى ظروف المكان [بغير حرف جر] ، إذا كانت مبهمة. هذا أصل لا اختلاف فيه ، وتقدير الآية : وواعدناكم إتيان جانب الطور ؛ ثم حذف المضاف.
١٤٥٠ ـ قوله تعالى : (مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) ـ ٨٧ ـ «الملك» مصدر ، في قراءة من ضمّ أو فتح أو كسر الميم (٣) ، وهي لغات ، والتقدير : ما أخلفنا موعدك بملكنا الصواب ، بل أخلفناه بخطيئتنا ، والمصدر مضاف في هذا إلى الفاعل ، والمفعول محذوف ، كما يضاف في موضع آخر إلى المفعول ويحذف الفاعل ، نحو قوله تعالى : (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ)(٤) ، [وفي قوله] : (دُعاءِ الْخَيْرِ)(٥). وقيل : إنّ من قرأه بضم الميم جعله مصدر قولهم : هو
__________________
(١) معاني القرآن ١٨٧/٢.
(٢) الكشف ١٠٢/٢ ؛ والبيان ١٥٠/٢ ؛ والعكبري ٦٨/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٢٢٨/١١.
(٣) قرأ نافع وأبو جعفر وعاصم بفتح الميم من «ملكنا» ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضمها ، والباقون بكسرها. التيسير ص ١٥٣ ؛ والنشر ٣٠٨/٢.
(٤) سورة ص : الآية ٢٤.
(٥) سورة فصلت ، الآية : ٤٩.
ملك بيّن الملك. ومن كسر جعله مصدر : هو مالك بيّن الملك. ومن فتح جعله اسما (١).
١٤٥١ ـ قوله تعالى : (فَكَذلِكَ أَلْقَى) ـ ٨٧ ـ الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف تقديره : فألقى السامريّ إلقاء كذلك.
١٤٥٢ ـ قوله تعالى : (يَا بْنَ أُمَ) ـ ٩٤ ـ من فتح (٢) الميم أراد : يا ابن أمّي ، ثم أبدل من الياء التي للإضافة ألفا. ومن كسر الميم فتحه ، ثم حذف الألف استخفافا ؛ لأنّ الفتحة تدل عليها. وقيل : بل جعل الاسمين اسما واحدا فبناهما على الفتح. ومن كسر الميم فعلى أصل الإضافة ، لكن حذف الياء لأنّ الكسرة تدلّ عليها ، وكان الأصل إثباتها ؛ لأنّ «الأمّ» غير منادى ؛ إنّما المنادى هو «الابن» ، وحذف الياء إنما يحسن ويختار مع المنادى بعينه ، و «الأمّ» ليست بمناداة (٣).
١٤٥٣ ـ قوله تعالى : (لَنْ تُخْلَفَهُ) ـ ٩٧ ـ من قرأ بكسر اللام فعلى معنى : لن تجده مخلفا ؛ كما تقول : أحمدته ، أي وجدته محمودا. وقيل : إن معناه محمول على التهدّد ، أي : لا بدّ لك [من] أن تصير إليه. ومن فتح اللام فمعناه : لن يخلفكه الله ، والمخاطب مضمر ، مفعول لم يسمّ فاعله ، والفاعل هو «الله» جلّ ذكره ، والهاء المفعول الثاني. والمخاطب في القراءة الأولى فاعل على المعنيين جميعا. و «أخلف» يتعدّى إلى مفعولين ، والثاني محذوف في قراءة من كسر اللام ، والتقدير : لن تخلف
__________________
(١) الكشف ١٠٤/٢ ؛ والبيان ١٥٢/٢ ؛ والعكبري ٦٩/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٢٣٤/١١.
(٢) وهي قراءة غير ابن عامر وأبي بكر وحمزة والكسائي وخلف ، وأما هؤلاء فقرءوا بكسر الميم. الإتحاف ، ص ٣٠٧.
(٣) انظر : معاني القرآن ؛ للفراء ٣٩٤/١ ؛ والكشف ٤٧٨/١.
(٤) قرأ بكسر اللام من «تخلفه» ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ، وقرأ الباقون بفتحها. التيسير ص ١٥٣ ؛ والنشر ٣٠٩/٢ ؛ والإتحاف ص ٣٠٧.
أنت الله الموعد الذي قدّر أن ستأتيه (١).
١٤٥٤ ـ قوله تعالى : (كَذلِكَ نَقُصُ) ـ ٩٩ ـ الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، أي نقصّ عليك قصصا كذلك.
١٤٥٥ ـ قوله تعالى : (زُرْقاً) ـ ١٠٢ ـ حال من (الْمُجْرِمِينَ).
١٤٥٦ ـ قوله تعالى : (قاعاً) ـ ١٠٦ ـ حال أيضا.
١٤٥٧ ـ قوله تعالى : (إِلَّا عَشْراً) ـ ١٠٣ ـ نصب ب (لَبِثْتُمْ).
١٤٥٨ ـ قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا) ـ ١١٨ ـ (إِنَّ) في موضع نصب لأنها اسم (إِنَّ). ومن فتح (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) ـ ١١٩ ـ عطفها على «ألّا» ، تقديره : إنّ لك عدم الجوع وعدم الظمأ في الجنة. ويجوز أن تكون [«إِنَّ»] الثانية في موضع رفع عطف على الموضع. ومن كسر (٢) فعلى الاستئناف (٣).
١٤٥٩ ـ قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) ـ ١٢٨ ـ فاعل «يهدي» مضمر وهو المصدر ، تقديره : أفلم يهد الهدى لهم. وقيل : الفاعل مضمر على تقدير الأمر ، تقديره : أفلم يهد الأمر لهم كم [أهلكنا](٤). وقال الكوفيون : (كَمْ) هو فاعل «يهدي» ، وهو غلط عند البصريين ؛ لأنّ (كَمْ) لها صدر الكلام ، ولا يعمل فيها ما قبلها ؛ إنما يعمل فيها ما بعدها ، ك «أي» في الاستفهام ، فالعامل في (كَمْ) الناصب لها عند البصريين (أَهْلَكْنا).
١٤٦٠ ـ قوله تعالى : (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ـ ١٣١ ـ نصبت (زَهْرَةَ) على فعل مضمر دلّ عليه (مَتَّعْنا) ؛ لأن (مَتَّعْنا) بمنزلة «جعلنا» ، فكأنه قال :
__________________
(١) الكشف ١٠٥/٢ ؛ والبيان ١٥٣/٢ ؛ والعكبري ٦٩/٢.
(٢) الكسر قراءة نافع ، وأبي بكر عن عاصم ، والفتح قراءة الباقين. التيسير ص ١٥٣ ؛ والنشر ٣٠٩/٢.
(٣) الكشف ١٠٧/٢ ؛ والبيان ١٥٤/٢ ؛ والعكبري ٧٠/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٢٥٤/١١.
(٤) زيادة من(ظ).
جعلنا لهم زهرة الحياة [الدنيا ، وهو قول الزجاج (١)]. وقيل : هي بدل من الهاء في (بِهِ) على الموضع ، كما تقول : مررت به أخاك. [وأشار الفراء (٢) إلى نصبه على الحال ، والعامل فيه : (مَتَّعْنا) ، كما قال ؛ تقول : مررت به المسكين ؛ وقدّره : متعناهم به زهرة في الحياة الدنيا وزينة فيها. و (زَهْرَةَ الْحَياةِ) نكرة على زيادة الألف واللام ، وليست معرفة (٣) ؛ قال : وإن كانت معرفة ، فالعرب تقول : مررت به الشريف الكريم ، يعني تنصبه على الحال ، على تقدير زيادة الألف واللام.
ويجوز أن تنصب (زَهْرَةَ) على أنها موضوعة موضع المصدر ، وموضع «زينة» مثل : (صُنْعَ اللهِ) ، و (وَعْدَ اللهِ) ، وفيه نظر]. [قال أبو محمد : والأحسن أن (٤) تنصب (زَهْرَةَ) على الحال ، وتحذف التنوين لسكونه وسكون اللام من (الْحَياةِ) كما قرئ : ولا اللّيل سابق النّهار (٥) فنصب «النهار» بسابق ، على تقدير حذف التنوين لسكونه وسكون اللام ، وتكون (الْحَياةِ) مخفوضة على البدل من (ما) في قوله : (إِلى ما مَتَّعْنا)](٦) ، فيكون التقدير : ولا تمدنّ عينيك إلى الحياة الدنيا زهرة ، أي في حال زهرتها (٧). ولا يحسن أن تكون (زَهْرَةَ) بدلا من (ما) على الموضع في قوله (٨) : (إِلى ما مَتَّعْنا) ، لأن (لِنَفْتِنَهُمْ) متعلق ب (مَتَّعْنا) ، فهو داخل في صلة (ما) ، و (لِنَفْتِنَهُمْ) داخل أيضا في الصلة ، ولا يتقدم المبدل على ما هو في الصلة ؛ لأن البدل لا يكون إلا بعد تمام الصلة من المبدل منه ،
__________________
(١) معاني القرآن ٣٨٠/٣.
(٢) معاني القرآن ١٩٦/٢.
(٣) قوله : «وزهرة الحياة نكرة على زيادة الألف واللام ، وليس معرفة» ساقط في(ح ، ق)وأكمل من(ظ).
(٤) لفظ «أن» ساقط من(ظ).
(٥) سورة يس : الآية ٤٠.
(٦) زيادة من(ق ، ظ).
(٧) قوله : «فيكون التقدير ... في حال زهرتها» وردت في(ق)فقط.
(٨) في الأصل : «على موضع قوله».
فامتنع بدل (زَهْرَةَ) من (ما) على الموضع (١).
١٤٦١ ـ قوله تعالى : (بَيِّنَةُ ما) ـ ١٣٣ ـ (ما) في موضع خفض بإضافة «البينة» إليها. وأجاز الكسائيّ تنوين (بَيِّنَةُ) فتكون [«ما»] بدلا من (بَيِّنَةُ)(٢).
١٤٦٢ ـ قوله تعالى : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ) ـ ١٣٥ ـ (مَنْ) في موضع رفع بالابتداء ، ولا يعمل فيها «ستعلمون» ؛ لأنها استفهام ؛ والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. وأجاز الفراء (٣) أن تكون (مَنْ) في موضع نصب ب «ستعلمون» ، حمله على غير الاستفهام ، جعل (مَنْ) للجنس ، كقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)(٤) ، [فالمفسد والمصلح للجنس](٥).
__________________
(١) مغني اللبيب : ٥٥٤/٢ : «قول مكي وغيره في قوله تعالى : (وَلاٰ تَمُدَّنَّ ... زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا) : إن زهرة حال من الهاء في به ، أو من ما ، وإن التنوين حذف للساكنين ... وإن جر الحياة على أنه بدل من ما. والصواب : أن زهرة مفعول بتقدير : جعلنا لهم أو آتيناهم ، ودليل ذلك ذكر التمتيع ، أو بتقدير(أذم) ؛ لأن المقام يقتضيه ...».
(٢) تفسير القرطبي ٢٦٤/١١.
(٣) معاني القرآن ١٩٧/٢.
(٤) سورة البقرة : الآية ٢٢٠.
(٥) زيادة في الأصل.
مشكل إعراب سورة
«الأنبياء»
١٤٦٣ ـ قوله تعالى : (مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) ـ ٢ ـ (مُحْدَثٍ) نعت للذكر. وأجاز الكسائي نصبه على الحال (١). وأجاز الفراء (٢) رفعه على النعت ل (ذِكْرٍ) على الموضع ؛ لأن (مِنْ) زائدة ، و (ذِكْرٍ) فاعل ، أي ما يأتيهم ذكر.
١٤٦٤ ـ قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ـ ٣ ـ (الَّذِينَ) بدل من المضمر المرفوع في (أَسَرُّوا) ، والضمير يعود على الناس. وقيل : (الَّذِينَ) رفع على إضمار : هم [الذين]. وقيل : (الَّذِينَ) في موضع نصب على «أعني». وأجاز الفراء (٣) أن تكون (الَّذِينَ) في موضع الخفض نعت للناس. وقيل : (الَّذِينَ) رفع ب (أَسَرُّوا) ، وأتى لفظ الضمير في (أَسَرُّوا) على لغة من قال : أكلوني البراغيث. وقيل : (الَّذِينَ) رفع على إضمار «يقول» (٤).
__________________
(١) أي ما يأتيهم محدثا. وانظر : تفسير القرطبي ٢٦٧/١١.
(٢) معاني القرآن ١٩٧/٢.
(٣) معاني القرآن ١٩٨/٢.
(٤) في هامش(ظ)/٨٦أ : «قوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) في موضعه ثلاثة أوجه : أحدها الرفع ، وفيه أربعة أوجه : أحدها أن يكون بدلا من الواو في (أَسَرُّوا). والثاني : أن يكون فاعلا ، والواو حرف للجمع ، لا اسم. والثالث : أن يكون مبتدأ ، والخبر (هَلْ هٰذٰا). والرابع : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ظلموا. والوجه الثاني : أن يكون منصوبا على إضمار(أعني). والثالث : أن يكون مجرورا صفة ـ
١٤٦٥ ـ قوله تعالى : (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) ـ ١٠ ـ «الذكر» مبتدأ ، و (فِيهِ) الخبر ، والجملة في موضع نصب على النعت ل «كتاب».
١٤٦٦ ـ قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) ـ ٢٢ ـ (إِلَّا) في موضع «غير» ، وهي نعت للآلهة عند سيبويه (١) والكسائي ، تقديره : غير الله ، فلما وضعت (إِلَّا) موضع «غير» أعربت الاسم [الذي] بعدها بمثل إعرابها. وقال الفراء (٢) : (إِلَّا) بمعنى : «سوى».
١٤٦٧ ـ قرأ يحيى بن يعمر (٣) : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ـ ٢٤ ـ بالتنوين على تقدير حذف ، تقديره : هذا (٤) ذكر ذكر من معي ، [مما أنزل إليّ ما هو معي](٥) ، وذكر من قبلي. قال أبو إسحاق (٦) : يريد بقوله (مَنْ مَعِيَ) : من الذي عندي ، ومن الذي قبلي ، ثم بيّن فقال : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) ، الآية.
١٤٦٨ ـ قوله تعالى : (الْحَقَ) ـ ٢٤ ـ نصب ب (يَعْلَمُونَ). وقرأ الحسن (٧) بالرفع على معنى : هو الحق ، وهذا الحق.
١٤٦٩ ـ قوله تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ـ ٢٦ ـ أي : بل هم عباد ، ابتداء وخبر. وأجاز الفراء (٨) : «بل عبادا مكرمين» (٩) ، بالنصب ،
__________________
ـ للناس. تبيان» وانظره في إملاء ما من به الرحمن ٧١/٢.
(١) الكتاب ٣٧٠/١ ؛ وانظر : تفسير القرطبي ٢٧٩/١١.
(٢) معاني القرآن ٢٠٠/٢.
(٣) قرأ به أيضا طلحة بن مصرف. المحتسب ٦١/٢ ؛ والبحر المحيط ٣٠٦/٦ ؛ وتفسير القرطبي ٢٨٠/١١.
(٤) في الأصل «هذا ذكر من الذين معي».
(٥) زيادة في الأصل.
(٦) معاني القرآن ٣٨٩/٣.
(٧) وهي قراءة ابن محيصن ، وحميد ، كما في البحر المحيط ٣٠٦/٦ ؛ وتفسير القرطبي ٢٨٠/١١.
(٨) معاني القرآن ٢٠١/٢.
(٩) في الأصل «مكرمون» وهو تحريف.
على معنى : بل اتخذوا (١) عبادا.
١٤٧٠ ـ قوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً) ـ ٣٠ ـ إنما وحد (رَتْقاً) لأنه مصدر ، وتقديره : كانتا ذواتي رتق.
١٤٧١ ـ قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ـ ٣٠ ـ (مِنَ الْماءِ) في موضع المفعول الثاني ل «جعل». ويجوز في الكلام «حيا» بالنصب على أنّه المفعول الثاني ، ويكون (مِنَ الْماءِ) في موضع البيان.
١٤٧٢ ـ قوله تعالى : (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ـ ٣٣ ـ أتى (يَسْبَحُونَ) بالواو والنون ، وهو خبر عمّا لا يعقل. وحقّ الواو والنون ألا تكونا إلّا لمن يعقل ، ولكن لمّا أخبر عنها أنها تفعل فعلا ، كما يخبر عمّن يعقل ، أتى الخبر عنها كالخبر عمّن يعقل.
١٤٧٣ ـ [قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) ـ ٣٤ ـ حقّ ألف الاستفهام ، إذا دخلت على حرف شرط ، أن تكون رتبتها قبل جواب الشرط ، فالمعنى : أفهم الخالدون إن متّ؟ ، ومثله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ)(٢) ، وهو كثير].
١٤٧٤ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ) ـ ٤٧ ـ من رفع (٣) «مثقالا» جعل (كانَ) تامة ، لا تحتاج إلى خبر. ومن نصبها جعل (كانَ) ناقصة تحتاج إلى خبر ، فهو خبرها ، واسم (كانَ) مضمر فيها ، تقديره : وإن كان الظلم مثقال حبّة ، فلتقدّم ذكر الظلم جاز إضماره (٤).
١٤٧٥ ـ قوله تعالى : (أَتَيْنا بِها) ـ ٤٧ ـ من قرأه بالقصر (٥) فمعناه :
__________________
(١) في(ظ) : «اتخذ».
(٢) سورة آل عمران : الآية ١٤٤.
(٣) الرفع قراءة نافع وأبي جعفر. النشر ٣١٠/٢ ، والتيسير ، ص ١٥٥.
(٤) الكشف ١١١/٢ ؛ والبيان ١٦١/٢ ؛ والعكبري ٧٣/٣ ؛ وتفسير القرطبي ٢٩٤/١١.
(٥) القصر قراءة الجمهور ، وقرأ بالمد مجاهد وعكرمة. تفسير القرطبي ٢٩٤/١١ ؛ والبحر المحيط ٣١٦/٦ ؛ وفي المحتسب ٦٣/٢ : قرأ بالمد ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمد ، وابن سريج الأصبهاني.
جئنا بها. وقرأ ابن عباس ومجاهد : «آتينا بها» بالمد ، على معنى : جازينا بها ؛ فهو «فاعلنا». ولا يحسن أن يكون «أفعلنا» ؛ لأنّه يلزم حذف الباء من (بِها) لأن «أفعل» لا يتعدّى بحرف ، وفي حذف الباء مخالفة للخط.
١٤٧٦ ـ قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) ـ ٥٢ ـ العامل في «إِذْ» (آتَيْنا إِبْراهِيمَ) ، أي : آتيناه رشده في وقت قال لأبيه.
١٤٧٧ ـ قوله تعالى : (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) ـ ٦٠ ـ (إِبْراهِيمُ) رفع على إضمار : هو إبراهيم ، ابتداء وخبر محكي. وقيل تقديره : الذي يعرف به إبراهيم. وقيل : (إِبْراهِيمُ) رفع على النداء المفرد ، فتكون ضمته بناء ، و (لَهُ) قام مقام المفعول الذي لم يسمّ فاعله ل (يُقالُ). وإن شئت أضمرت المصدر ليقوم مقام الفاعل ، و (لَهُ) في موضع نصب.
١٤٧٨ ـ وقوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ) ـ ٧٤ ـ (لُوطاً) نصب بإضمار فعل تقديره : وآتينا لوطا آتيناه. وانتصب بعده «نوحا» و «داود» على معنى : واذكر يا محمد نوحا واذكر داود.
١٤٧٩ ـ قوله تعالى : (وَالطَّيْرَ) ـ ٧٩ ـ عطف على (الْجِبالَ). وقيل : هو مفعول معه. ويجوز الرفع ، تعطفه على المضمر في (يُسَبِّحْنَ).
١٤٨٠ ـ قوله تعالى : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) ـ ٨٧ ـ (مُغاضِباً) نصب على الحال ، ومعناه : غضب على قومه لربّه ، إذ لم يجبه قومه. والغضب على القوم كان لمخالفتهم أمر ربّهم.
١٤٨١ ـ قوله تعالى : (رَغَباً وَرَهَباً) ـ ٩٠ ـ نصب على المصدر.
١٤٨٢ ـ قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ) ـ ٩١ ـ (الَّتِي) في موضع نصب على معنى : واذكر التي ، وكذلك : (وَذَا النُّونِ) ـ ٨٧ ـ.
١٤٨٣ ـ قوله تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) ـ ٩١ ـ (آيَةً) مفعول ثان ل «جعلناها» ، ولم يثنّ ، لأن التقدير عند سيبويه :
وجعلناها آية للعالمين ، وجعلنا ابنها آية ، ثم حذف الأوّل لدلالة الثاني عليه. وتقديره عن المبرّد على غير حذف ، لكن يراد به التقديم ، تقديره عنده : وجعلناها آية للعالمين وابنها (١).
١٤٨٤ ـ قوله تعالى : (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٨٨ ـ
قرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : بنون (٢) واحدة وجيم مشدّدة ، وكان يجب أن يفتح الياء ، لأنه فعل ماض لم يسمّ فاعله ، ويجب أن ترفع (الْمُؤْمِنِينَ) على هذه القراءة ؛ لأنه مفعول لم يسمّ فاعله ، وفعل ماض لم يسمّ فاعله ؛ لكن أتى على إضمار (٣) المصدر ، أقامه مقام الفاعل ، وهو بعيد ؛ لأنّ المفعول أولى بأن يقوم مقام الفاعل ، وإنما يقوم المصدر مقام الفاعل عند عدم المفعول به ، أو عند اشتغال المفعول به بحرف الجر ، نحو : قيم وسير بزيد. فأما الياء فأسكنها في موضع الفتح ، كما يسكنها في موضع الرفع ، وهو بعيد أيضا ؛ إنما يجوز في الشعر. وقال بعض العلماء : «نجّي» (٤) في هذه القراءة فعل سمي فاعله ، وإنما أدغم النون الثانية في الجيم ، وهو قول بعيد أيضا ؛ لأنّ النون لا تدغم في الجيم إدغاما صحيحا ، يكون منه التشديد ؛ إنما تخفى عند الجيم ، والإخفاء لا يكون معه تشديد.
وقال عليّ بن سليمان : هو في هذه القراءة فعل سمي فاعله ، وأصله : «ننجّي» بنونين وبالتشديد على «نفعّل» ، لكن حذفت النون الثانية لاجتماع النونين ، كما حذفت إحدى التاءين في : تفرّقون ، وتظاهرون ، وشبهه. واستدلّ من قال بهذين القولين الأخيرين على قوله بسكون الياء في «ننجي» ، فدلّ سكونها [على] أنه فعل مستقبل ، وهذا أيضا قول ضعيف ، لأنّ المثلين في مثل هذه الأشياء لا يحذف الثاني استخفافا ،
__________________
(١) البيان ١٦٤/٢ ؛ والعكبري ٧٤/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٣٣٨/١١.
(٢) وقراءة الباقين بنونين. التيسير ص ١٥٥ ؛ والنشر ٣١١/٢.
(٣) في الأصل : «فعل» وهو تحريف.
(٤) في الأصل : «ليس هو».
إلا إذا اتفقت حركة المثلين ، نحو «تتفرّقون» و «تتعاونون» ، فإن اختلفت حركة المثلين لم يجز حذف الثاني نحو : تتغافر الذنوب ، وتتناتج الدوابّ.
والنونان في (نُنْجِي) قد اختلفت حركتهما ، فلا يجوز حذف البتة في إحداهما. وأيضا فإنّ النون الثانية أصلية ، والأصلي لا يجوز حذفه البتة. والتاء المحذوفة في «تفرقوا» و «تعاونوا» زائدة ، فحذفها حسن إذا اتفقت الحركتان (١).
١٤٨٥ ـ قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) ـ ٩٦ ـ جواب (إِذا) محذوف ، والمعنى : قالوا يا ويلنا ، فحذف القول. وقيل جوابها : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) ـ ٩٧ ـ ، والواو زائدة. وقيل جوابها : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ.)
١٤٨٦ ـ قوله تعالى : (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) ـ ١٠٩ ـ يحتمل (عَلى سَواءٍ) أن تكون في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، أي : إيذانا على سواء. ويحتمل أن تكون في موضع الحال من الفاعل ، وهو النبي عليهالسلام. ويحتمل أن تكون حالا من المفعولين وهم المخاطبون. ومثله في الجواز قوله تعالى : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)(٢). (عَلى سَواءٍ) في موضع الحال من النبي عليهالسلام ، ومن الكفار ، أي مستويين في العلم بنقض العهد ، [أي في حالهم كذلك ، وحالك كذلك](٣) ، وهذا كقولك : لقي زيد عمرا ضاحكين ، وكقول الشاعر : (٤)
__________________
(١) الكشف ١١٣/٢ ؛ والبيان ١٦٤/٢ ؛ والعكبري ٧٤/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٣٣٤/١١ ؛ والبحر المحيط ٣٣٥/٦.
(٢) سورة الأنفال : الآية ٥٨.
(٣) زيادة في الأصل.
(٤) البيت من شواهد الأشموني ٢٦١/٢ وتمامه :
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن |
|
أيّي وأيّك فارس الأحزاب |
* فلئن لقيتك خاليين لتعلمن*
ف «خاليين» حال من التاء ومن الكاف ، وفيه اختلاف ؛ لاختلاف العاملين في صاحبي الحال (١).
__________________
ـ ولم يعرف قائله. وهو في المحتسب ٢٥٤/١ ؛ وشرح الشواهد الكبرى ؛ للعيني بهامش الخزانة ٤٢٢/٣.
(١) البيان ١٦٦/٢.
مشكل إعراب سورة
«الحج»
١٤٨٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ـ ١ ـ «أيّ» نداء مفرد ، و «ها» للتنبيه. ولا يجوز في (النَّاسُ) عند سيبويه (١) إلا الرفع ، وهو نعت لمفرد (٢) ، لأنه لا بدّ منه ، وهو المنادى في المعنى. وأجاز المازنيّ النصب فيه على موضع «أي» ؛ لأنّ المنادى مفعول به في المعنى ، وإنما ضمّ لأنه مبني ، وإنما بني لوقوعه موقع المخاطب ، والمخاطب لا يكون اسما ظاهرا ؛ إنما يكون مضمرا كافا أو تاء ؛ والدليل على أن المنادى مخاطب أنّك لو قلت : والله لا خاطبت زيدا ، ثم قلت : يا زيد ، لحنثت ، لأنّه خطاب ، فلما وقع موقع المضمر بني ، كما أنّ المضمر مبنيّ أبدا ، ولكنّه في أصله متمكّن في الإعراب ، فبني على حركة ، واختير له الضمّ لقوّته ، وقيل : لشبهه ب «قبل» و «بعد». وفي [علّة] ضمّه أقوال غير هذه (٣) ، يطول ذكرها (٤).
١٤٨٨ ـ قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) ـ ٤ ـ «أنّ» في موضع رفع ب (كُتِبَ). [و] قوله تعالى : (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) ذكر الزجّاج (٥) أنّ «أنّ» (٦)
__________________
(١) الكتاب ، لسيبويه ٣٠٦/١.
(٢) في الأصل : «مفرد».
(٣) في الأصل : «هذا».
(٤) البيان ٦٢/١ ؛ وتفسير القرطبي ٢٢٥/١.
(٥) معاني القرآن ٤١١/٣.
(٦) أي «أن» مع اسمها وخبرها عطف على قوله : أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّٰهُ.
الثانية عطف على الأولى في موضع رفع ، ثم قال : والفاء الأجود فيها أن تكون في موضع الجزاء ، ثم رجع فنقض ذلك وقال : وحقيقة «أنّ» الثانية أنها مكرّرة (١) ، على جهة التأكيد ؛ لأن المعنى : كتب على الشيطان أنّه من تولّاه أضلّه. وقد أخذ عليه إجازته [ذلك] ؛ أن تكون الفاء عاطفة ؛ لأن «من تولاه» شرط ، والفاء جواب الشرط ، ولا يجوز العطف على «أنّ» الأولى ، إلّا بعد تمامها ؛ لأنّ ما بعدها من صلتها ، فإذا لم تتم بصلتها لم يجز العطف عليها ؛ إذ لا يعطف على الموصول إلا بعد تمامه. والشرط وجوابه في هذه الآية هما خبر «أنّ» الأولى. وأخذ عليه أيضا قوله : «أنّ» الثانية مكرّرة للتأكيد ؛ وقيل : كيف تكون للتأكيد والمؤكد لم يتمّ؟ وإنما يصلح التأكيد بعد تمام المؤكد ، وتمام «أنّ» الأولى عند قوله «السّعير». والصّواب في «أنّ» الثانية أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تقديره : كتب على الشيطان أنّ من تولّاه فشأنه أنّه يضلّه ، أو فأمره أنّه يضلّه ، أي : فشأنه الإضلال (٢). ويجوز أن تكون «أنّ» الثانية في موضع رفع بالاستقرار ، [بأن](٣) يضمر له ، تقديره : كتب عليه أنّه من تولّاه فله أنّه يضلّه ، أي فله إضلاله وهدايته إلى عذاب السعير (٤).
١٤٨٩ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) ـ ٦ ـ «ذا» في موضع رفع على إضمار مبتدأ تقديره : الأمر ذلك. وأجاز الزجّاج (٥) أن تكون «ذا» في موضع نصب بمعنى : فعل الله ذلك بأنّه الحقّ.
١٤٩٠ ـ قوله تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ) ـ ٩ ـ نصب على الحال من المضمر في (يُجادِلُ) ؛ وهو راجع على «من» في قوله : (مَنْ يُجادِلُ) ، فمعناه : يجادل في آيات الله بغير علم معرضا عن الذكر.
__________________
(١) في معاني القرآن : «أنها مكررة مع الأولى».
(٢) في الأصل «إضلال».
(٣) زيادة من : (ق).
(٤) البيان ١٦٨/٢ ـ ١٦٩ ؛ والعكبري ٧٦/٢ ؛ والبحر المحيط ٣٥١/٦.
(٥) معاني القرآن ٤١٣/٣.
١٤٩١ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ) ـ ١٠ ـ (ذلِكَ) مبتدأ ، و (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) الخبر.
١٤٩٢ ـ قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ) ـ ١٠ ـ (أَنَّ) في موضع خفض عطف على (بِما). وقيل : (أَنَّ) في موضع رفع على معنى : الأمر أنّ الله. والكسر على الاستئناف حسن.
١٤٩٣ ـ قوله تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) ـ ١٣ ـ قال الكسائي : اللام في غير موضعها ، و (مِنْ) في موضع نصب ب (يَدْعُوا) ، والتقدير : [يَدْعُوا] من لضرّه أقرب من نفعه ، أي يدعو إلها لضرّه أقرب من نفعه. وقال المبرّد : في الكلام حذف مفعول ، واللام في موضعها ، و (مِنْ) في موضع رفع بالابتداء ، و (ضَرُّهُ) مبتدأ ، و (أَقْرَبُ) خبره ، والجملة صلة (مِنْ) ، و (لَبِئْسَ الْمَوْلى) خبر (مِنْ) تقديره : يدعو إلها لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى. وقال الأخفش (١) : (يَدْعُوا) بمعنى يقول ، و (مِنْ) مبتدأ ، و (ضَرُّهُ) مبتدأ ، و (أَقْرَبُ) خبره ، والجملة صلة (مِنْ) ، وخبر (مِنْ) محذوف تقديره : يقول لمن ضرّه أقرب من نفعه إلهه ، وقد شرحنا هذه المسألة في كتاب مفرد ؛ لأنّ فيها نظرا واعتراضات على هذه الأقوال ، وفيها أقوال أخر غير هذه ، وهي مشكلة ، والقول يتسع فيها ، ولذلك كثر الاختلاف فيها (٢).
١٤٩٤ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ـ ١٧ ـ خبر «إنّ» قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ.) وأجاز البصريون : إنّ زيدا إنّه منطلق ؛ كما يجوز : إنّ زيدا هو منطلق ، ومنعه الفراء (٣) ، وأجازه في الآية ؛ لأنّ فيها معنى الجزاء ، فحمل الخبر على المعنى.
١٤٩٥ ـ قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ـ ١٨ ـ ارتفع (كَثِيرٌ)
__________________
(١) معاني القرآن ص ٤١٣.
(٢) البيان ١٧٠/٢ ؛ والعكبري ٧٦/٢ ؛ وتفسير القرطبي ١٨/١٢ ؛ والبحر المحيط ٣٥٦/٦.
(٣) معاني القرآن ٢١٨/٢.
على العطف على (مَنْ) في قوله : (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ)(١) ، وجاز ذلك لأنّ السجود هو التذلّل والانقياد. فالكفار الذين حقّ عليهم العذاب أذلّاء تحت قدر الله وتدبيره ، فهم (٢) منقادون لما سبق فيهم من علم الله ، لا يخرجون عمّا سبق في علم الله تعالى فيهم. وقيل : ارتفع (كَثِيرٌ) بالابتداء ، وما بعده الخبر. ويجوز النصب ، كما قال : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٣) ، بإضمار فعل ، كأنّه قال : وأهان كثيرا حق عليه العذاب ، أو خلق كثيرا حقّ عليه العذاب ، وشبه ذلك من الإضمار الذي يدل عليه المعنى ، وإنما اختير فيه الرفع عند الكسائي ؛ لأنّه محمول على معنى الفعل ؛ لأن معناه : وكثير أبى السجود (٤).
١٤٩٦ ـ قوله تعالى : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) ـ ٢٠ ـ (ما) في موضع رفع ب (يُصْهَرُ) ، و (الْجُلُودُ) عطف على (ما) ، والمعنى : يذاب (٥) به ما في بطونهم ، وتذاب به جلودهم. والهاء في (بِهِ) تعود على (الْحَمِيمُ).
١٤٩٧ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) ـ ٢٥ ـ إنما عطف (وَيَصُدُّونَ) وهو مستقبل ، على (كَفَرُوا) ، وهو ماض ؛ لأن (يَصُدُّونَ) في موضع الحال ، والماضي يكون حالا مع «قد». وقيل : هو عطف على المعنى ، لأنّ تقديره : إنّ الكافرين والصّادّين. وقيل : الواو زائدة ، و (يَصُدُّونَ) خبر (إِنَّ)(٦). وقيل : خبر (إِنَّ) محذوف تقديره : إنّ الذين كفروا وفعلوا كذا وكذا خسروا وهلكوا ، وشبه ذلك من الإضمار الذي يدل عليه الكلام (٧).
__________________
(١) في الأصل : «يسجد له من ، وكثير».
(٢) في الأصل : «فمنهم» وصححت من : (ظ ، ق ، د).
(٣) سورة الإنسان : الآية ٣١.
(٤) انظر : البيان ١٧١/٢ ؛ والعكبري ٧٧/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٢٤/١٢.
(٥) في الأصل : «عطف على معنى يذاب».
(٦) على تقدير : إن الذين كفروا يصدون.
(٧) البيان ١٧٢/٢ ؛ والإنصاف ٦٤/٢ المسألة : ٦٤ ؛ والعكبري ٧٧/٢ ؛ وتفسير ـ
١٤٩٨ ـ قوله تعالى : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ) ـ ٢٥ ـ ارتفع (سَواءً) على أنه خبر ابتداء مقدّم تقديره : العاكف والبادي فيه سواء ، وفي هذه القراءة (١) دليل على أن الحرم لا يملك ، لأنّ الله تعالى قد سوّى فيه بين المقيم وغيره. وقيل : إن (سَواءً) رفع بالابتداء ، و (الْعاكِفُ) رفع بفعله ، ويسد مسدّ الخبر ، وفيه بعد ، لأنك لا بدّ أن تجعل (سَواءً) بمعنى «مستو» ، [و] كذلك يعمل ، ولا يحسن أن يعمل «مستو» حتى يعتمد على شيء قبله. فإن جعلت (سَواءً) وما بعده في موضع المفعول الثاني ل «جعلنا» حسن أن يرتفع بالابتداء ، ويكون بمعنى «مستو» فترفع (الْعاكِفُ) به ، ويسدّ مسدّ الخبر.
وقد قرأه حفص عن عاصم بالنصب ، جعله مصدرا ، عمل فيه معنى «جعلنا» كأنّه قال : سوّيناه للناس سواء ، [في معنى تسوية](٢) ، ويرفع (الْعاكِفُ) به ، أي مستويا فيه العاكف. والمصدر يأتي بمعنى اسم الفاعل ، ف (سَواءً) وإن كان مصدرا ، فهو بمعنى : مستو ، كما قالوا : رجل عدل ، بمعنى : عادل ، وعلى ذلك أجاز سيبويه (٣) وغيره : مررت برجل سواء درهمه ، وبرجل سواء هو والعدم ، أي مستو. ويجوز نصب (سَواءً) على الحال من المضمر المقدّر مع حرف الجرّ في قوله : (لِلنَّاسِ) والظرف عامل فيه ، أو من الهاء في (جَعَلْناهُ) و «جعلنا» عامل فيه. ويجوز نصبه على أنه مفعول ثان ل «جعلنا» ، وتخفض (الْعاكِفُ) على النعت للناس ، أو على البدل.
وقد قرئ بخفض (٤) (الْعاكِفُ) على البدل من «الناس» ، وقيل : على
__________________
ـ القرطبي ٣١/١١ ؛ والبحر المحيط ٣٦٢/٦.
(١) أي قراءة(سواء)بالرفع ، وقرأ بها عامة القراء غير حفص ، أما هو فقرأ بالنصب. التيسير ص ١٥٧ ؛ والنشر ٣١٣/٢.
(٢) زيادة في الأصل.
(٣) الكتاب ٢٧٥/١.
(٤) قرأ بخفض(العاكف)ونصب(سواء)فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي ، كما ـ
النعت ؛ لأن «الناس» جنس من أجناس الخلائق ، ولا بدّ من نصب (سَواءً) في هذه القراءة ، لأنّه مفعول ثان ل «جعل» ، تقديره : جعلناه سواء العاكف فيه والبادي (١).
١٤٩٩ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) ـ ٢٥ ـ الباء في (بِإِلْحادٍ) زائدة ، والباء في (بِظُلْمٍ) متعلقة بقوله : (يُرِدْ فِيهِ).
١٥٠٠ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) ـ ٢٦ ـ إنما دخلت اللام في «إبراهيم» على أنّ «بوّأت» محمول على معنى «جعلت» ، وأصل «بوّأ» ألّا يتعدّى بحرف ، وقيل : اللام زائدة ، وقيل : هي متعلّقة بمصدر محذوف.
١٥٠١ ـ قوله تعالى : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي) ـ ٢٦ ـ أي بأن لا تشرك بي ، فهي في موضع نصب. وقيل : هي زائدة للتوكيد. [وقيل : هي بمعنى «أي» للتفسير] ، مثل : (أَنِ امْشُوا)(٢).
١٥٠٢ ـ قوله تعالى : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ) ـ ٢٧ ـ إنما قيل : (يَأْتِينَ) ، لأن «ضامرا» بمعنى الجمع ، أي ضوامر ، ودلّت (كُلِّ) على العموم ، فأتى الخبر على المعنى بلفظ الجمع. وقرأ (٣) ابن مسعود «يأتون» ، ردّه على (النَّاسِ).
١٥٠٣ ـ قوله تعالى : (مِنَ الْأَوْثانِ) ـ ٣٠ ـ (مَنْ) لإبانة الجنس ، وجعلها الأخفش (٤) للتبعيض على معنى : فاجتنبوا الرّجس الذي هو بعض الأوثان. ومن جعل (مَنْ) لإبانة الجنس فمعناه : واجتنبوا الرجس الذي
__________________
ـ في البحر المحيط ٣٦٣/٦.
(١) الكشف ١١٨/٢ ؛ والبيان ١٧٣/٢ ؛ والعكبري ٧٨/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٣٤/١٢ ؛ وزاد المسير ٤١٩/٥ ؛ وإيضاح الوقف والابتداء ص ٧٨٣.
(٢) سورة ص : الآية ٦.
(٣) قرأ بها أيضا ابن أبي عبلة ، والضحاك. البحر المحيط ٣٦٤/٦ ؛ وتفسير القرطبي ٣٩/١٢.
(٤) معاني القرآن ، ص ٤١٤.