مشكل إعراب القرآن

أبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني

مشكل إعراب القرآن

المؤلف:

أبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني


المحقق: ياسين محمّد السوّاس
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٦٣

٢١

٢٢

٢٣

٢٤

٢٥
٢٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وصلّى الله على محمد وآله

قال أبو محمد مكيّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، المقرئ (١) :

أما بعد حمد الله جلّ ذكره ، والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله (٢) ، وعلى جميع النبيين : فإني رأيت أفضل علم صرفت إليه الهمم ، وتعبت فيه الخواطر ، وسارع إليه ذوو العقول : علم كتاب الله ـ تعالى ذكره ـ إذ هو الصّراط المستقيم ، والدين المبين ، والحبل المتين ، والحقّ المنير. ورأيت من أعظم ما يجب على طالب علوم القرآن ـ الراغب في تجويد ألفاظه وفهم معانيه ، ومعرفة قراءاته ولغاته ، وأفضل ما القارئ إليه محتاج ـ معرفة إعرابه ، والوقوف على تصرّف حركاته وسواكنه ، ليكون بذلك سالما من اللحن فيه ، مستعينا على إحكام اللفظ به ، مطّلعا على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات ، متفهّما لما أراد الله ـ تبارك وتعالى ـ به من عباده ؛ إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني ، وينجلي الإشكال ، وتظهر الفوائد ، ويفهم الخطاب ، وتصحّ

__________________

(١) في (ظ) «بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرنا الشيخ الإمام صائن الدين أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي قال : أنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب إجازة ، قال : حدثني الفقيه المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي ـ رضي الله عنه ـ قراءة مني عليه في أصله ، وهو يسمع ، قلت ـ رضي الله عنك».

(٢) في (ح) «أهله» وما أثبته من (ظ).

٢٧

معرفة حقيقة المراد. وقد رأيت أكثر من ألّف الإعراب طوّله ؛ بذكره لحروف الخفض وحروف الجزم ، وبما هو ظاهر من ذكر الفاعل والمفعول ، واسم «إنّ» وخبرها ؛ في أشباه لذلك ، يستوي في معرفتها العالم والمبتدئ ، وأغفل كثيرا مما يحتاج إلى معرفته من المشكلات.

فقصدت في هذا الكتاب إلى تفسير مشكل الإعراب ، وذكر علله ، وصعبه ، ونادره ؛ ليكون خفيف المحمل ، سهل المأخذ ، قريب المتناول ، لمن أراد حفظه والاكتفاء به ، فليس في كتاب الله ـ عزوجل ـ إعراب مشكل إلا وهو فيه منصوص ، أو قياسه موجود فيما ذكرته. فمن فهمه كان لما هو أسهل منه ـ مما تركت ذكره اختصارا ـ أفهم ، ولما لم أذكره مما ذكرت نظيره أبصر وأعلم.

ولم أؤلف كتابنا هذا لمن لا يعلم من النحو [إلا](١) الخافض والمخفوض ، والفاعل والمفعول ، والمضاف والمضاف إليه ، والنعت والمنعوت ؛ في أشباه لهذا ، إنما ألّفناه لمن شدا طرفا منه ، وعلم ظواهره وجملا من عوامله ، وتعلّق بطرف من أصوله.

وبالله نستعين على ذلك ، وإياه نسأل (٢) التوفيق والأجر على ما تولّيته (٣) منه ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، وصلّى الله على خير خلقه محمد النبي ، وعلى آله (٤) ، وسلم تسليما (٥).

__________________

(١) سقطت من (ح) ، واستدركت من (ق ، ظ).

(٢) في (ظ) «أسأل».

(٣) في (ظ) «ما أولاني».

(٤) في (ح) «أهله» ، وأثبتّ ما في (ظ).

(٥) في (ظ) «وصلواته على محمد المخصوص بالقرآن العظيم والسبع المثاني ، وعلى آله وأصحابه ، صلاة تفصح وتقوى بها حالي ، وسلم تسليما كثيرا».

٢٨

مشكل إعراب الاستفتاح

١ ـ كسرت الباء من «بسم الله» لتكون حركتها مشبهة لعملها. وقيل : كسرت ليفرّق بين ما يخفض ، ولا يكون إلا حرفا نحو : «الباء» و «اللام» وبين ما يخفض ، وقد يكون اسما نحو : «الكاف». وإنما عملت الباء وأخواتها الخفض ؛ لأنها لا معنى لها إلا في الأسماء ، فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأسماء وهو الخفض ، وكذلك الحروف التي تجزم الأفعال ، إنما عملت الجزم لأنها لا معنى لها إلا في الأفعال ، فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأفعال (١) ، وهو الجزم. وحذفت الألف من الخطّ في «بسم الله» لكثرة الاستعمال. وقيل : حذفت لتحرّك السين في الأصل ؛ لأنّ أصل السين الحركة ، وسكونها لعلّة دخلتها. وقيل : حذفت للزوم الباء هذا الاسم.

فإن كتبت «بسم الرحمن» أو «بسم الخالق» حذفت الألف من الخطّ أيضا عند الأخفش والكسائي. وقال الفراء (٢) : لا تحذف إلّا في «بسم الله» فقط ؛ فإن أدخلت على «اسم» غير الباء ، من حروف الخفض ، لم يجز حذف الألف عند أحد ، نحو قولك : ليس اسم كاسم الله ، وقولك : لاسم الله حلاوة.

وموضع «بسم» موضع رفع عند البصريين ، على إضمار مبتدأ تقديره :

__________________

(١) عبارة «إنما عملت الجزم ... في الأفعال» ساقطة في (ظ).

(٢) معاني القرآن ١ / ١ ـ ٢.

٢٩

ابتدائي باسم الله ، فالباء على هذا متعلّقة بالخبر الذي قامت الباء مقامه ، تقديره : ابتدائي ثابت أو مستقرّ باسم الله ، أو نحوه. ولا يحسن (١) تعلق الباء بالمصدر الذي هو مضمر ؛ لأنه يكون داخلا في صلته ، فيبقى الابتداء بغير خبر.

وقال الكوفيون : «بسم» في موضع نصب على إضمار فعل تقديره : ابتدأت باسم الله ؛ فالباء على هذا متعلّقة بالفعل المحذوف.

واسم أصله «سمو» وقيل سمو. وهو عند البصريين مشتق من : سما يسمو ، ولذلك ضمت السين في أصله في «سم». وقيل : هو مشتق من : سمي يسمى ، ولذلك كسرت السين في «سم» ثم حذف آخره ، وسكّن أوّله اعتلالا على غير قياس ، ودلّ على ذلك قولهم : «سمي» في التصغير ، وجمعه أسماء ، وجمع أسماء أسامي. وهو عند الكوفيين مشتق من السّمة ؛ إذ صاحبه يعرف به ، وأصله : «وسم» ثم أعلّ بحذف الفاء ، وحرّكت العين على غير قياس أيضا. ويجب على قولهم أن يصغّر فيقال : «وسيم» ولم يقله أحد ؛ لأن التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها ، ولهم مقال يطول ذكره ؛ وقولهم أقوى في المعنى ، وقول البصريين أقوى في التصريف (٢). وحذفت الألف في الخط من اسم «الله» استخفافا ، وقيل : حذفت لئلا تشبه هجاء «اللات» في قول من وقف عليها بالهاء ، وقيل : لكثرة الاستعمال. وكذلك العلة في حذف ألف «الرحمن». والأصل في اسم «الله» جلّ ذكره «إلاه» ، ثم دخلت الألف واللام فصار «الإلاه» (٣) ، فخففت الهمزة بأن ألقيت حركتها على اللام الأولى ، ثم أدغمت اللام الأولى في الثانية (٤) ، ولزم الإدغام والحذف للتعظيم والتفخيم. وقيل : بل

__________________

(١) في (ح) مطموسة ، وأثبت ما جاء في (ظ).

(٢) انظر الإنصاف ١ / ٤ ـ ١٠ ، وتفسير القرطبي ١ / ١٠٠ ، والبحر المحيط ١ / ٤ ، وإملاء ما منّ به الرحمن ، للعكبري ١ / ٣.

(٣) في (ح) «اللال» ، والتصحيح من (ظ ، د).

(٤) بعدها في ق : «فصارتا لاما مشددة».

٣٠

حذفت الهمزة حذفا ، وعوّض منها الألف واللام ، ولزمتا الاسم (١). وقيل : أصله «لاه» ثم دخلت الألف واللام عليه ولزمتا للتعظيم ، ووجب الإدغام لسكون الأوّل من المثلين ، ودلّ على ذلك قولهم : لهي (٢) أبوك ، يريدون : لله أبوك ، فأخّروا العين في موضع اللام لكثرة استعمالهم له. ويدل عليه أيضا قولهم (٣) :

* لاه ابن عمّك*

يريدون : لله.

وقد ذكر الزجّاج في بعض أماليه عن الخليل : أنّ أصله «ولاه» ثم أبدل من الواو همزة ، كإشاح في وشاح ، والألف في «لاه» منقلبة من ياء ؛ دلّ على ذلك قولهم : لهي أبوك ، فظهرت الياء عوضا من الألف ، فدلّ على أنّ أصل الألف الياء (٤). وإنما أشبعنا الكلام في هذين الاسمين ليقاس

__________________

(١) قوله : «ولزمتا الاسم» لم يرد في (ق) ، وفي ظ : «ولزمت للتعظيم». وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام لازمة له لا يجوز حذفهما منه. قال الخطابي : والدليل على أنّ الألف واللام من بنية هذا الاسم ، ولم يدخلا للتعريف دخول حرف النداء عليه ، كقولك : يا الله ؛ وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ؛ ألا ترى أنّك لا تقول : يا الرحمن ، ولا يا الرحيم ، كما تقول : يا الله ، فدلّ على أنّهما من بنية الاسم. والله أعلم. (انظر سيبويه ١ / ٣٠٩ وتفسير القرطبي ١ / ١٠٣).

(٢) في (ح) «لاه» وأثبت ما في (ظ ، د).

(٣) قطعة من بيت لذي الإصبع العدواني ، وتمامه :

لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني

انظر المفضليات ص ١٦٠ وإصلاح المنطق ٣٧٣ والمشوف المعلم : ١ / ٢٤٠ وشرح أبيات إصلاح المنطق لابن السيرافي ص ٥٧٥ والأغاني ٣ / ١٠٠ وأمالي القالي ١ / ٢٥٥ وشرح أبيات المغني للبغدادي ٣ / ٢٨٧.

(٤) انظر سيبويه ١ / ٣٠٩ و ٢ / ١٤٤ ، وتفسير ابن كثير ١ / ١٩ ، وتفسير القرطبي ١ / ١٠٢ ، والبحر المحيط ١ / ١٤ ، والمجيد ، للسفاقسي الورقة ٦ مخطوطة الظاهرية ، وقد ذكر الأخير مادته في أربعة أوجه : إما من : لاه يليه ، بمعنى ارتفع ، ولذلك قيل للشمس ألهة ، بكسر الهمزة وفتحها. والثاني من لاه يلوه ، أي

٣١

عليهما شبههما ممّا لعلنا نغفل ذكره. وكذلك نفعل في كل ما هو مثل هذا ، فاعلمه ، إن شاء الله ، والله المستعان (١).

__________________

احتجب. والثالث : من أله ، بمعنى عبد ، فإلاه فعال بمعنى مفعول ، كالكتاب بمعنى المكتوب. والرابع من : وله ، بفتح الواو وكسر اللام ، بمعنى طرب.

(١) قوله : «إن شاء الله ، والله المستعان» ساقط في (ظ ، د).

٣٢

مشكل إعراب سورة

«الحمد» (١)

٢ ـ «السّورة» يحتمل أن يكون معناها الرّفعة ، من سورة البناء ، فكأنها بمنزلة شرف (٢) ، فلا يجوز همزها ، ويحتمل أن يكون معناها قطعة من القرآن ، من قولهم : أسأرت في الإناء ، أي : أبقيت فيه بقية ، فيجوز همزها على هذا ، وقد أجمع القرّاء على ترك همزها ، فتحتمل الوجهين (٣) جميعا (٤).

٣ ـ قوله تعالى : (الْحَمْدُ) ـ ٢ ـ رفع بالابتداء ، و (لِلَّهِ) الخبر ، والابتداء عامل معنوي غير ملفوظ به ؛ وهو خلوّ الاسم المبتدأ من العوامل اللفظية. ويجوز نصبه على المصدر. وكسرت اللام في (لِلَّهِ) كما كسرت الباء في (بِسْمِ) ؛ العلة واحدة. وقد قال سيبويه : إنّ أصل اللام أن تكون مفتوحة ، بدلالة انفتاحها مع المضمر ؛ والإضمار يردّ الأشياء إلى أصولها ،

__________________

(١) في هامش (ح) عبارة : «بلغ مقابلة ..».

(٢) في (ظ) : «فإنها منزلة شرف».

(٣) انظر مجاز القرآن ١ / ٢٠ ، وتفسير الطبري ١ / ١٠٤.

(٤) في هامش (ظ) ٢ / ب : (سورة القرآن) : أجمع على ترك همزها في الاستعمال ، واختلف في أصلها ، الهمز أم لا ، فقيل : أصلها الهمز ، فهي من أسار إذا بقيت له قطعة من الشيء. فالسورة قطعة من القرآن ، وقيل : أصلها ألا تهمز ، فهي كسورة البناء ، وهو ما بني منها شيء بعد شيء ، فهي الرتبة بعد الرتبة.

٣٣

وإنما كسرت مع الظاهر للفرق بينها وبين لام التأكيد. قال أبو محمد (١) : وفيها نظر يطول ذكره (٢). واللام متعلّقة بالخبر المحذوف الذي قامت اللام مقامه ، كما كانت الباء في (بِسْمِ) ، تقديره : الحمد ثابت لله ، أو مستقر ، وشبهه.

٤ ـ ويجوز نصب (٣) (رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٢ ـ على النداء ، أو على (٤) المدح. ويجوز رفعه على : هو ربّ العالمين.

٥ ـ وكذلك (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ـ ٤ ـ مثله ، و (يَوْمِ الدِّينِ) ظرف جعل مفعولا على السّعة (٥) ، فلذلك أضيف إليه «ملك» ؛ وكذلك في قراءة من قرأ : (مالِكِ)(٦) بألف. فأما من قرأ : (مالِكِ) ، فلا بدّ من تقدير مفعول محذوف (٧) ، تقديره مالك يوم الدين الفصل أو القضاء ، ونحوه ؛ لأنه متعدّ. وجمع (مالِكِ) : ملّاك وملّك ، وجمع «ملك» : أملاك وملوك. وقد قرأ (٨) أبو عمرو «ملك» بإسكان اللام ، كما يقال : فخد ، وفخذ ، وجمعه

__________________

(١) كنية المصنف رحمه‌الله.

(٢) اختلفوا في أصل اللام ، فذهب قوم إلى أن أصلها الكسر كما هو شأنها في بِسْمِ اللهِ ، * وذهب آخرون إلى أن أصلها الفتح بدلالة انفتاحها مع المضمر في (لك ، وله ، ولنا ، ولهم ...) وما شابه ذلك ، يضمونها أو يكسرونها مجانسة للحرف الذي قبلها ، كما روي عن ابن أبي عبلة أنه قرأ «الحمد لله» بضم الدال واللام. انظر تفسير القرطبي ١ / ١٣٦ ، وراجع الفقرتين (١) و (١٣٠) من هذا الكتاب.

(٣) النصب قراءة زيد بن علي وطائفة ، والجر قراءة الجمهور ، على النعت لله. البحر المحيط ١ / ٩١ ، والمجيد ٩ / ب.

(٤) في (ح) : «وعلى».

(٥) أي اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به.

(٦) قرأ بالألف عاصم والكسائي ويعقوب وخلف ، وقرأ الباقون بغير ألف. النشر ١ / ٢٧٠ ؛ والتيسير ص ١٨ ؛ والحجة ١ / ٥.

(٧) أي من إضافة اسم الفاعل إلى الظرف ، فقد حذف المفعول به من الكلام للدلالة عليه.

(٨) انظر هذه القراءة في الحجة ١ / ٦ ؛ والبحر المحيط ١ / ٢٠.

٣٤

على هذا : أملك (١) وملوك. وقد يجوز النصب في «ملك» على الحال ، أو على النداء ، وعلى المدح ، وعلى النعت لربّ ؛ على قول من نصبه (٢).

وإنما نذكر هذه الوجوه ليعلم تصرّف الإعراب ، ومقاييسه ، لا لأن يقرأ به ؛ فلا يجوز أن يقرأ إلا بما روي وصح عن الثقات المشهورين عن الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنهم ـ ووافق خطّ المصحف (٣).

٦ ـ قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ـ ٥ ـ «إيّا» عند الخليل (٤) وغيره اسم مضمر أضيف إلى الكاف ، وهو شاذ ، لا يعلم اسم مضمر أضيف غيره. وحكى ابن كيسان أن الكاف هو الاسم ، و «إيّا» أتي بها لتعتمد الكاف عليها ؛ إذ لا تقوم بنفسها. وقال المبرّد : «إيّا» اسم مبهم أضيف للتخصيص ، ولا يعرف اسم مبهم مبني أضيف غيره ؛ ومن أصل المبهم إذا أضيف أن يكون نكرة ، وأن يعرب ، نحو : «غير» و «بعض» و «كل». وقال الكوفيون : «إيّاك» بكماله ، اسم مضمر ، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره ، فتقول فيه : «إياه» و «إياها» و «إياكم» غير هذا. وهو منصوب ب «نعبد» مفعول مقدّم ، ولو تأخّر لم ينفصل ، ولصار كافا متصلة ، فقلت : نعبدك.

__________________

(١) في اللسان والتاج : أملاك وملوك.

(٢) ذكر أبو حيان في البحر ١ / ٢٠ ثلاث عشرة قراءة ل (مالك) ، والقرطبي ١ / ١٣٩ ذكر لها أربع لغات : مالك وملك وملك ومليك. وفي هامش النسخة (ظ) ٢ / ب ذكر لها ستا وثلاثين قراءة.

(٣) المشهور عند العلماء أن شروط الاعتداد بالقراءة ثلاثة : استقامة الإعراب والمعنى ، وصحة السند ، والموافقة لرسم المصحف. فإذا فقد أحد الشرطين الأولين لم تعد قراءة ، وإذا كان السند غريبا كانت شاذة. وقال السفاقسي في غيث النقع في القراءات السبع ، ص ٨ : «مذهب الأصوليين وفقهاء المذاهب الأربعة والمحدّثين والقراء أن التواتر شرط صحة القراءة ، ولا تثبت بالسند الصحيح غير المتواتر ، ولو وافقت رسم المصاحف العثمانية والعربية».

وللشوكاني بحث له أهميته في هذا الموضوع ذكره في إرشاد الفحول ، ص ٢٧ ، وذهب فيه إلى أنه لا يشترط التواتر في القراءات ...

(٤) سيبويه ١ / ٣٨١.

٣٥

٧ ـ قوله تعالى : (نَسْتَعِينُ) ـ ٥ ـ وزنه : نستفعل ، وأصله : نستعون ، لأنه من العون ، فألقيت حركة الواو على العين فانكسرت العين ، وسكّنت الواو فانقلبت ياء لانكسار ما قبلها ؛ إذ ليس في كلام العرب واو ساكنة قبلها كسرة ، ولا ياء ساكنة قبلها ضمة ؛ وإنما أعلّ لاعتلال الماضي. والمصدر «استعانة» ، وأصله استعوان ، فألقيت حركة الواو على العين ، وقلبت الواو ألفا ، وحذفت إحدى الألفين لالتقاء الساكنين ؛ قيل : الأولى ، وقيل : الثانية ، ودخلت الهاء عوضا من المحذوف. ويجوز كسر (١) النون والتاء والألف في أوّل هذا الفعل ، وفي نظيره في غير القرآن ، ولا يحسن ذلك في الياء.

٨ ـ قوله تعالى : (اهْدِنَا) ـ ٦ ـ طلب وسؤال ، ومجراه في الإعراب مجرى الأمر ، لكنه مبني عند البصريين ؛ حذف الياء منه بناء ، ومعرب عند الكوفيين ؛ حذف الياء جزم. والألف ألف وصل ، كسرت في الابتداء لسكونها وسكون ما بعدها ، لأنها اجتلبت ليبتدأ بها ، ولا حظّ لها (٢) في الحركات. وقيل : كسرت بكسر الثالث وهو الدال ، ولم تضم لثقل الخروج من ضم إلى كسر ، ولم تفتح لئلا تشبه ألف المتكلم. وهذه علّة ألف الوصل حيث وقعت في الأفعال والأسماء. فإن كان الثالث من الفعل مضموما ضمّت الألف للاتباع ، فحركتها لالتقاء الساكنين ، واختيرت الضمة لانضمام الثالث ، نحو : «ادخل» «اخرج». فأما ألف الوصل التي مع لام التعريف في «الرجل» و «الغلام» فهي مفتوحة في الابتداء ؛ للفرق بين دخولها على الأفعال والأسماء ، ودخولها على الحروف. وهذا (٣)

__________________

(١) قرأ بالكسر المطوعي ، كما في القراءات الشاذة ، ص ٢٢ ، وفي البحر المحيط ١ / ٢٣ قرأ بها عبيد بن عمير الليثي ، وزر بن حبيش ، ويحيى بن وثاب ، والنخعي ، والأعمش.

(٢) في (ظ) : «فلا يخط لها».

(٣) أي : (اهْدِنَا).

٣٦

يتعدّى إلى مفعولين ، ويجوز الاقتصار على أحدهما ، وهما في هذا الموضع «نا» و (الصِّراطَ).

٩ ـ قوله تعالى : (الْمُسْتَقِيمَ) ـ ٦ ـ أصله : المستقوم ، واعتلاله في الاسم والمصدر كاعتلال (نَسْتَعِينُ).

١٠ ـ قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ) ـ ٧ ـ بدل من (الصِّراطَ) الأول. و (الَّذِينَ) اسم مبهم مبني ناقص يحتاج إلى صلة وعائد ، فهو غير معرب في الواحد والجمع ، ويعرب في التثنية ؛ لصحة التثنية ؛ إذ لا تختلف ولا تأتي في جميع الأسماء إلا على مثال واحد ، وليس كذلك الجمع. وعلة بناء «الذي» أنّه شابه الحروف ، لإبهامه ووقوعه على كل شيء ، فمنع الإعراب كما منعته الحروف. وقيل : إنما بني لأنه ناقص يحتاج إلى صلة ، فهو كبعض اسم ، وبعض الاسم مبنيّ أبدا ؛ لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء والأفعال. وقد قيل : إن (الَّذِينَ) اسم للجمع ، وليس بجمع. وواحد (الَّذِينَ) : «لذ» كعم [وشج] ، فلما دخلته الألف واللام ولزمتا ، عادت الياء كما تعود في «قاض» فقلت : الذي. وأصله أن يكتب بلامين ، إلا أنهم حذفوا إحدى اللامين لكثرة الاستعمال ، تخفيفا ، وجرى الجمع على الواحد ؛ إذ هو مبني مثله ، وإذ هو أقرب إليه في الإعراب ، وكتبت التثنية بلامين على الأصل. وصلة «الذين» قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، والهاء والميم تعود عليهم.

١١ ـ قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) ـ ٧ ـ «غير» اسم مبهم ، إلا أنه أعرب للزومه الإضافة. وخفضه على البدل من (الَّذِينَ) أو على النعت لهم ، إذ لا يقصد بهم قصد أشخاص بأعيانهم ؛ فجرى مجرى النكرة ، فجاز أن تكون (غَيْرِ) نعتا لهم ، ومن أصل (غَيْرِ) أنها نكرة ، وإن أضيفت إلى معرفة ، لأنها لا تدل على شيء معيّن. وإن شئت خفضت «غيرا» على البدل من الهاء والميم في (عَلَيْهِمْ). وقد روي نصب «غير» عن ابن كثير (١)

__________________

(١) الحجة ١ / ١٠٥ وفيه : واختلف عن ابن كثير ؛ فروي عنه النصب والجر ، وفي

٣٧

وغيره ؛ ونصبها على الحال من الهاء والميم في (عَلَيْهِمْ) أو من (الَّذِينَ) ، إذ لفظهم لفظ المعرفة. وإن شئت نصبته على الاستثناء المنقطع عند البصريين ، ومنعه الكوفيون لأجل دخول (لَا) ، وإن شئت نصبت على إضمار «أعني». و (عَلَيْهِمْ) الثاني في موضع رفع ، مفعول لم يسمّ (١) فاعله ، ل (الْمَغْضُوبِ) ، لأنه بمعنى : الذين غضب عليهم ، ولا ضمير فيه ؛ إذ لا يتعدى إلا بحرف جرّ ؛ بمنزلة : مرّ بزيد ، ولذلك لم يجمع.

١٢ ـ قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ) ـ ٧ ـ (لَا) زائدة للتأكيد عند البصريين ، وبمعنى «غير» عند الكوفيين. ومن العرب من يبدل من الحرف الساكن الذي قبل المشدد همزة ، فيقول : (وَلَا الضَّالِّينَ) وذلك إذا كان ألفا ، وبه قرأ (٢) أيوب السّختيانيّ ؛ حرّك الألف لالتقاء الساكنين ، فلم يمكن تحركها ، فأبدل منها حرفا مؤاخيا لها ، قريب المخرج منها (٣) ، أجلد منها وأقوى ، وهو الهمزة (٤).

__________________

القراءات الشاذة ، ص ٢٣ : قرأ بنصب «غير» ابن محيصن.

(١) أي : نائب فاعل لاسم المفعول «الْمَغْضُوبِ».

(٢) انظر المحتسب ، لابن جني ١ / ٤٦ ؛ وإعراب القرآن للنحاس ١ / ١٢٦ ؛ والبحر المحيط ١ / ٣٠.

(٣) في هامش (ح) عبارة «بلغ ...».

(٤) في هامش (ظ) ٣ / ب : وأما «آمين» فاسم للفعل ، ومعناها : اللهم استجب. وهو مبني لوقوعه موقع المبني. وحرك بالفتح لأجل الياء قبل آخره ، كما فتحت (أين). والفتح فيها أقوى ؛ لأن قبل الياء كسرة. فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين.

وقيل : آمين اسم من أسماء الله تعالى ، وتقديره : يا آمين ؛ وهذا خطأ لوجهين : أحدهما : أن أسماء الله تعالى لا تعرف إلا تلقيا ، ولم يرد بذلك سمع.

والثاني : أنه لو كان كذلك لبني على الضم ، لأنه منادى معرفة أو مقصود.

وفيه لغتان : القصر ، وهو الأصل. والمد ، وليس من أبنية العربية ، بل أعجمية كهابيل وقابيل.

والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة فنشأت الألف. فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية. «تبيان» وانظره فيه ، أي في إملاء ما من به الرحمن للعكبري ١ / ٥.

٣٨

مشكل إعراب سورة

«البقرة»

١٣ ـ قوله تبارك وتعالى (الم) ـ ١ ـ أحرف مقطّعة محكيّة لا تعرب إلا أن تخبر عنها أو تعطف بعضها على بعض ، فتقول : هذا ألف وألفك حسنة ؛ وفي الكتاب ألف ولام [وميم](١) وعين. وموضع (الم) نصب على معنى : اقرأ (الم) ، ويجوز أن يكون موضعها رفعا على معنى : هذا (الم) أو ذلك أو هو ، ويجوز أن يكون موضعها خفضا على قول من جعله قسما (٢). والفراء (٣) يجعل (الم) ابتداء ، و (ذلِكَ) الخبر ، تقديره عنده : حروف المعجم يا محمّد ذلك الكتاب ؛ وأنكره الزجّاج. و (ذلِكَ) ـ ٢ ـ في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، أو على الابتداء وتضمر الخبر ، و «ذا» اسم مبهم مبنيّ. والاسم عند البصريين : الذال ، والألف زيدت لبيان الحركة وللتقوية. و «ذا» بكماله هو الاسم عند الكوفيين (٤) ، وجمعه أولاء ، واللام

__________________

(١) زيادة من (ظ).

(٢) يرى أبو عبيدة في مجاز القرآن ١ / ٢٨ : أنها حروف هجاء لا إعراب لها.

(٣) معاني القرآن ١ / ٩ ـ ١٠.

(٤) هذا مخالف لما ذكره غير واحد من أئمة النحو كابن يعيش في شرح المفصل ٣ / ١٢٦ ، ١٢٧ ، وابن الأنباري في الإنصاف ٢ / ٦٧٠ ، والصبان في حاشيته على الأشموني ١ / ١٣٧. فقد نصوا على أن الكوفيين يقولون : إن «الذال» وحدها هي الاسم ، والألف زائدة للتكثير ، وأن البصريين ذهبوا إلى أن «الذال» وحدها ليست

٣٩

لام التأكيد ، دخلت لتدلّ على بعد المشار إليه ، وقيل : دخلت لتدلّ على أنّ «ذا» ليس بمضاف إلى الكاف. وكسرت اللام للفرق بينها وبين لام الملك ، إذا قلت : ذا لك ، أي في ملكك ، وقيل : كسرت لسكونها وسكون الألف قبلها. والكاف للخطاب ، لا موضع لها من الإعراب ؛ لأنها لا تخلو أن تكون في موضع رفع ، أو نصب ، أو خفض. فلا يجوز أن تكون في موضع رفع لأنه لا رافع قبلها ؛ وليست الكاف من علامات (١) المضمر المرفوع. ولا يجوز أن تكون في موضع نصب ؛ إذ لا عامل قبلها ينصبها. ولا يجوز أن تكون في موضع خفض ؛ لأنّ ما قبلها لا يضاف وهو المبهم. فلمّا بطلت الوجوه الثلاثة علم أنّها للخطاب ، لا موضع لها من الإعراب. و (الْكِتابُ) ـ ٢ ـ بدل من «ذا» أو عطف بيان ، أو خبر (ذلِكَ).

١٤ ـ قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٢ ـ (لا) تبرئة (٢) ، فهي و (رَيْبَ) كاسم واحد ، ولذلك بني (رَيْبَ) على الفتح ، لأنّه مع (لا) كخمسة عشر ، وهو في موضع رفع خبر (ذلِكَ).

١٥ ـ قوله تعالى : (هُدىً) ـ ٢ ـ في موضع نصب على الحال من «ذا» أو من (الْكِتابُ) ، أو من المضمر المرفوع في (فِيهِ) ، والعامل فيه إذا كان حالا من «ذا» أو من (الْكِتابُ) معنى الإشارة ؛ فإن كان حالا من المضمر في «فيه» ، فالعامل فيه معنى الاستقرار. ويجوز أن تكون (هُدىً) في موضع رفع على الابتداء ، و (فِيهِ) الخبر ؛ فتقف (٣) على هذا القول على

__________________

الاسم. راجع المصادر المتقدمة إذا أردت التوسع في معرفة خلافهم. وقد وردت العبارة مصححة في نسخ متأخرة من الكتاب.

(١) في (ح) : «علامة» ، والمثبت من (ظ).

(٢) أي : نافية للجنس.

(٣) انظر إيضاح الوقف والابتداء ١ / ٤٨٤ ، ٤٩٠. ولم يرجح ابن كثير هذا الوقف في تفسيره ١ / ٧١.

٤٠