عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١
٦ ـ فصل :
في ظهور آياتها في غليان القدر بغير نار
وفيه : حديثان
٢٥٤ / ٢ ـ عن زاذان ، عن سلمان رضي الله عنه ، قال : أتيت ذات يوم منزل فاطمة عليها السّلام فوجدتها نائمة قد تغطَّت بالعباءة ، ونظرت إلى قدر منصوبة بين يديها تغلي بغير نار ، فانصرفت مبادراً إلى رسول الله (ص) ، فلمّا بصر بي ضحك ، ثمّ قال : «يا أبا عبد الله ، أعجبك ما رأيت من حال ابنتي فاطمة ؟» قلت : نعم ، يا رسول الله .
فقال رسول الله (ص) : «أتعجب من أمر الله ، إنّ الله تبارك وتعالى علم ضعف ابنتي فاطمة ، فأيّدها بمن يعينها على دهرها من كرام ملائكته» .
٢٥٥ / ٢ ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قد استقرض من يهوديّ شيئاً ، فاسترهنه فدفع إليه ملاءة فاطمة عليها السلام ، وكانت من الصّوف ؛ فأدخلها اليهودي داره ، فوضعها في بيت ، فلمّا كان الليل دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل ، فرأت نوراً ساطعاً في البيت فانصرفت إلى زوجها فأخبرته بما رأت في ذلك البيت ، فتعجّب
___________________
١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٣١ قطعة منه ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٨ عن الخرائج .
٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٣٧ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٣٠ عن الخرائج .
زوجها ، وقد نسي أنّ في بيته ملاءة فاطمة عليها السلام ، فنهض مسرعاً ، فدخل البيت فإذا ضياء الملاءة ، منتشرة وشعاعها ، كأنّها تشتعل من بدر منير ، يلمع من قريب ، فتعجّب من ذلك فأمعن النّظر في موضع الملاءة ، فعلم أن النّور من ملاءة فاطمة عليها السّلام ، فخرج اليهوديّ إلى قرابته ، وزوجته إلى قرابتها (١) ، واستحضرهم الدار ، فاجتمع ثمانون من اليهود ، فرأوا ذلك فأسلموا .
___________________
(١) في ر ، ك : أقرانها .
الباب الخامس
في بيان آيات السبط الزكي أبي محمّد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام
وفيه سبعة فصول
١ ـ فصل :
في بيان آياته في إحياء الموتى
وفيه : حديث واحد
٢٥٦ / ١ ـ عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «جاء أناس إلى الحسن عليه السلام فقالوا له : أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينها .
قال : أفتؤمنون بذلك ؟ فقالوا كلّهم : نعم ، نؤمن بالله تعالى» . قال : «فأحيا لهم ميتاً بإذن الله ، فقالوا بأجمعهم : نشهد أنّك ابن أمير المؤمنين عليه السلام حقّاً ، وأنّه كان يرينا مثل ذلك كثيراً» .
___________________
١ ـ دلائل الإِمامة : ٦٨ ، اثبات الهداة ٢ : ٥٦٣ / ٣٩ .
٢ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته فيما يشاكل ذلك
وفيه : حديث واحد
٢٥٧ / ١ ـ عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله (ص) : «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، فإنّه قد كانت فيهم الأعاجيب ، ثمّ أنشأ (١) يحدِّث (ص) فقال :
«خرجت طائفة من بني إسرائيل حتّى أتوا مقبرة لهم ، وقالوا : لو صلّينا فدعونا الله تعالى فأخرج لنا رجلاً ممّن مات نسأله عن الموت ؛ ففعلوا ، فبينما هم كذلك ، إذ أطلع رجل رأسه من قبر ، بين عينيه أثر السجود ، فقال : يا هؤلاء ، ما أردتم منّي ، لقد متّ منذ عام ، ما كان سكنت عني حرارة الموت ، حتّى كان الآن فادعوا الله أن يعيدني كما كنت» .
قال جابر بن عبد الله : ولقد رأيت وحقّ الله وحقّ رسول الله من الحسن بن عليّ عليهما السلام أفضل وأعجب منها ، ومن الحسين بن عليّ عليهما السلام أفضل : وأعجب منها .
أمّا الذي رأيته من الحسن عليه السلام فهو : أنّه لمّا وقع عليه
___________________
١ ـ معالم الزلفى : ٤١٤
(١) في م : انثنى .
من أصحابه ما وقع ، وألجأه ذلك إلى مصالحة معاوية ، فصالحه ، واشتدّ ذلك على خواص أصحابه ، فكنت أحدهم فجئته فعذلته ، فقال : «يا جابر ، لا تعذلني ، وصدِّق رسول الله في قوله : (إنَّ ابني هذا سيّد ، وإنَّ الله تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)» .
فكأنّه لم يشف ذلك صدري فقلت : لعل هذا شءً يكون بعد ، وليس هذا هو الصلح مع معاوية ، فإنّ هذا هلاك المؤمنين وإذلالهم ، فوضع يده على صدري وقال : «شككت وقلت كذا» .
قال : «أتحب أن أستشهد رسول الله (ص) الآن حتّى تسمع منه ؟!» فعجبت من قوله ، إذ سمعت هدّة ، وإذا بالأرض من تحت أرجلنا انشقت ، وإذا رسول الله (ص) ، وعليّ وجعفر وحمزة عليهم السلام قد خرجوا منها ، فوثبت فزعاً مذعوراً ، فقال الحسن : «يا رسول الله ، هذا جابر ، وقد عذلني بما قد علمت» .
فقال (ص) لي : «يا جابر ، إنّك لا تكون مؤمناً حتّى تكون لأئمتك مسلّماً ، ولا تكون عليهم برأيك معترضاً ، سلّم لابني الحسن ما فعل ، فإنّ الحقّ فيه ، إنّه دفع عن حياة (١) المسلمين الاصطلام بما فعل ، وما كان ما فعله إلّا عن أمر الله ، وأمري» .
فقلت : قد سلمت يا رسول الله . ثمّ ارتفع في الهواء هو وعليّ وحمزة وجعفر ، فما زلت أنظر إليهم حتّى انفتح لهم باب [ من السماء ] ودخلوها ، ثمّ باب السماء الثانية ، إلى سبع سماوات يقدمهم سيّدنا ومولانا محمّد (ص) .
___________________
(١) في ر : خيار .
٣ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته من إخراج التمر من الشجر (*) اليابس بإذن الله تعالى
وفيه : حديث واحد
٢٥٨ / ١ ـ عن إسماعيل بن مهران ، عن منذر الكناسيّ (١) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام في بعض سفره ومعه رجل من ولد الزبير [ لا ] (٢) يقول بإمامته ، فنزلوا في منهل من المناهل ، تحت نخل يابس ، قد يبس من العطش»
قال : «ففرش لأبي محمّد الحسن تحت نخلة ، والزبيريّ بحذائه تحت نخلة أخرى» .
___________________
(*) في هامش ر : النخل .
١ ـ بصائر الدرجات : ٢٧٦ / ١٠ ، الكافي ١ : ٣٨٤ / ٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٦ ، كشف الغمة ١ : ٥٥٧ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٧ / ٦ ، مدينة المعاجز : ٢٠٦ / ٣٠ ، اثبات الهداة ٢ : ٥٥٥ .
(٢) في البصائر : عبد الله الكناسي ، وفي الكافي : الكناسي ، وفي المصدرين روى عنه اسماعيل بن مهران ، وفي معجم رجال الحديث ٢٣ : ١٣٧ ذكر الكناسي ، وقال : روى عن أبي عبد الله عليه السلام ، وروى عنه إسماعيل بن مهران ، ولم نجد ذكراً لعبد الله ومنذر في المصادر المتوفرة لدينا .
(٣) ليس في ر .
قال : «فقام الزبيريّ ورفع رأسه وقال : لو كان في هذا النخل رطبٌ لأكلنا منه . فقال الحسن عليه السلام : وإنّك لتشتهي الرطب ؟! قال : نعم . فرفع يده إلى السماء ودعا بدعاء لم يسمعٍ ولم يفهم ، فاخضرّت النخلة ، ثمّ صارت إلى حالتها فأورقت وحملت رطباً» .
قال : «فقال الجمّال الذي اكتروا منه : سحر والله ! فقال الحسن : والله ليس بالسحر ولكن دعوة ابن نبيّ مجابة ، فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا (١) ما كان فيها ، وما كان كفاهم» .
___________________
(١) صرم : الصرم : القطع البائن للحبل والعذق ، وقد صرم العذق عن النخلة ، «لسان العرب ـ صرم ـ ١٢ : ٣٣٤» .
٤ ـ فصل :
في ظهور آياته من إظهار بعض حكم القيامة ، وأحوالها في الدنيا
وفيه : حديث واحد
٢٥٩ / ١ ـ عليّ بن رئاب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يحدّث عن آبائه أنّه أتى آت الحسن بن عليّ عليهما السلام ، فقال : ما عجز عنه موسىٰ عليه السلام من مسألة الخضر عليه السلام ، فقال : من الكنز الأعظم .
ثمّ ضرب بيده على منكب الرجل فقال : «إيه» ثمّ ركض ما بين يديه ، فانفلق عن انسانين على صخرة ، يرتفع منهما بخار أشدّ نتناً من الخبال وفي عنق كلّ واحد منهما سلسلة وشيطان مقرون به ، وهما يقولان : يا محمّد ، يا محمّد . والشيطانان يردَّان عليهما : كذبتما .
ثمّ قال : «انطبقي عليهما إلى الوقت المعلوم الذي لا يقدَّم ولا يؤخر» وهو خروج القائم المنتظر عليه السلام ، فقال الرجل : سحر . ثمّ ولّى على أن يخبر بضد ذلك فخرس .
وفي ذلك آيات بينات .
___________________
١ ـ عنه مدينة المعاجز : ٢٠٧ / ٣٦ .
٥ ـ فصل :
في بيان آياته في انقلاب الرجل امرأة والإِمرأة رجلًا
وفيه : حديث واحد
٢٦٠ / ١ ـ وجدت في بعض كتب أصحابنا الثقات رضي الله عنهم أنّ رجلاً من أهل الشام أتى الحسن عليه السلام ومعه زوجته ، فقال : يا ابن أبي تراب ـ وذكر بعد ذلك كلاماً نزهت عن ذكره ـ إن كنتم في دعواكم صادقين فحوّلني امرأة وحوّل امرأتي رجلاً . كالمستهزئ في كلامه ، فغضب عليه السلام ، ونظر إليه شزراً ، [ وحرّك شفتيه ] (١) ودعا بما لم يُفهم ، ثمّ نظر إليهما ، وأحدَّ النظر ، فرجع الشاميّ إلى نفسه وأطرق خجلاً ووضع يده على وجهه ، ثمّ ولّى مسرعاً ، وأقبلت امرأته (٢) ، وقالت : والله إنّي صرت رجلاً .
وذهبا حيناً من الزمان ، ثمّ عادا إليه وقد ولد لهما مولود ، وتضرّعا إلى الحسن عليه السلام تائبين ومعتذرين ممّا فرطا فيه ، وطلبا منه انقلابهما إلى حالتهما الأولىٰ ، فأجابهما إلى ذلك ، ورفع يده ، وقال : «اللَّهمَّ إن كانا صادقين في توبتيهما فتب عليهما ، وحوّلهما إلى ما كانا عليه» فرجعا إلى ذلك لا شك فيه ولا شبهة .
___________________
١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٨ ، باختلاف ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٧ ، باختصار ، اثبات الهداة ٢ : ٥٦٧ ، نحوه .
(١) من ر .
(٢) في ر : زوجته .
٦ ـ فصل :
في بيان آياته فيما أعطاه جبرئيل من فاكهة الجنّة
وفيه : حديث واحد
٢٦١ / ١ ـ عن أبي الحسن عامر بن عبد الله ، عن أبيه ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن الحسين عليه السلام ، قال : «دخلت مع الحسن عليه السلام على جدّي رسول الله (ص) وعنده جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبيّ ، وكان دحية إذا قدم من الشام على رسول الله (ص) حمل لي ولأخي خرنوباً (١) ونبقاً وتيناً ، فشبّهناه بدحية بن خليفة الكلبيّ ، وإنّ دحية كان يجعلنا نفتش كمّه ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا رسول الله ، ما يريدان ؟ قال : «إنّهما شبّهاك بدحية بن خليفة الكلبي ، وإن دحية كان يحمل لهما إذا قدم من الشام نبقاً وتيناً وخرنوباً» .
قال : «فمدّ جبرئيل عليه السلام يده إلى الفردوس الأعلى ، فأخذ منه نبقاً (٢) وخرنوباً وسفرجلاً ورمّاناً فملأنا به حجرنا» .
قال : «فخرجنا مستبشرين ، فلقينا أبونا أمير المؤمنين عليّ عليه
___________________
١ ـ روضة الواعظين : ١٥٩ .
(١) في ر : ثوباً .
(٢) في ر : تيناً .
السلام فنظر إلى ثمرة لم ير مثلها في الدنيا ، فأخذ من هذا ، ومن هذا واحداً واحداً ، ودخل على رسول الله (ص) وهو يأكل فقال : «يا أبا الحسن ، كُل وادفع إليَّ أوفر نصيب ، فإنّ جبرئيل عليه السلام أتى به آنفاً» .
٧ ـ فصل :
فيما ظهر من آياته من الإِخبار بالغائبات
وفيه : أربعة أحاديث
٢٦٢ / ١ ـ عن داود الرقيّ ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام قال لولده عبد الله : يا بني ، إذا كان في عامنا هذا يدفع إليَّ هذا الطاغي جارية تسمّى (أنيس) فتسمّني بسمّ قد جعله الطاغي تحت فصّ خاتمها . قال له عبد الله : فلم لا تقتلها قبل ذلك ؟! قال : يا بني جفَّ القلم ، وأبرم الأمر فانعقد ، ولا حلّ لعقد الله [ المبرم ] (١) .
فلمّا كان في العام القابل أهدي إليه جارية اسمها (أنيس) فلمّا دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ، ثمّ قال : يا أنيس ، دخلتِ النار بما تحت فصّ خاتمك» .
٢٦٣ / ٢ ـ عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه
___________________
١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٨ ، نحوه ، مدينة المعاجز : ٢٠٩ / ٤٤ .
(١) من ر .
٢ ـ اثبات الوصية : ١٣٥ ، الكافي ١ : ٤٦٣ / ٦ ، دلائل الإِمامة : ٦٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٣٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٧ ، عيون المعجزات : ٦٢ ، كشف الغمة ١ : ٥٥٧ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٧ ، مدينة المعاجز : ٢٠٥ / ٢٧ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥٥ / ٨ ، مختصراً ، اثبات الهداة ٢ : ٥٥٦ ، وفي الكل ورد باختلاف يسير .
السلام ، قال : «خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام إلى مكة ماشياً سنة من السنين ، فورمت قدماه ، فقال بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك بعض هذا الورم الذي برجلك .
قال : كلا ، إذا أتينا المنزل فإنّه سيستقبلك عبد أسود ، معه دهن لهذا الورم ، فاشتر منه ولا تماكسه . فقال مولاه : بأبي أنت وأمّي ، ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء ! قال : بلى ، إنّه أمامك دون المنزل .
فسارا أميالاً ، فإذا الأسود يستقبله ، فقال الحسن عليه السلام : دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه ثمنه . فقال له الأسود : ويحك يا غلام ، لمن أردت هذا الدهن ؟ قال : للحسن بن عليّ عليهما السلام قال : انطلق بي إليه .
فأخذ بيده حتّى أدخله عليه ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، لم أعلم أنّك تحتاج إليه ، ولا أنّه يراد ذلك ، ولست آخذ له ثمناً ، إنّما أنا مولاك ، ولكن ادعو الله أن يرزقني ذكراً سوياً ، يحبكم أهل البيت ، فإنّي خلّفت امرأتي وقد أخذها الطلق (١) .
فقال له الحسن عليه السلام : انطلق إلى منزلك ، فإنّ الله تبارك وتعالى وهب لك ذكراً سوياً ، وهو لنا شيعة .
فرجع الأسود من فوره ، فإذا بأهله قد وضعت غلاماً سوياً ، فرجع إلى الحسن عليه السلام فأخبره بذلك ، ودعا له خيراً ، ومسح الحسن عليه السلام بذلك الدهن رجليه فما برح من مجلسه حتّى سكن ورمه ، ومشى على قدميه» .
___________________
(١) زاد في ر : تمخض ؛ وهي بمعنى : أخذها الطلق راجع لسان العرب : ٧ : ٢٢٨ (مخض) .
٢٦٤ / ٣ ـ عن الباقر عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن حذيفة ، قال : بينا رسول الله (ص) على جبل أحد في جماعة من المهاجرين والأنصار إذ أقبل الحسن بن عليّ عليه السلام يمشي على هدوء ووقار ، فنظر إليه رسول الله (ص) فرمقه من كان معه ، فقال له بلال : يا رسول الله ، ما ترى أحداً بأحُد ؟! فقال (ص) : «إنّ جبرئيل عليه السلام يهديّه ، وميكائيل يسدده ، وهو ولدي والطاهر من نفسي ، وضلع من أضلاعي ، هذا سبطي وقرَّة عيني بأبي هو» .
وقام ، وقمنا معه ، وهو يقول : «أنت تفاحي وأنت حبيبي وبهجة قلبي» وأخذ بيده ، [ فمشى معه ] (١) ونحن نمشي حتّى جلس وجلسنا حوله ، فنظرنا إلى رسول الله (ص) وهو لا يرفع بصره عنه ، ثمّ قال : «إنّه سيكون بعدي هادياً مهدياً ، هدية من ربّ العالمين لي ، ينبئ عنّي ، ويعرّف الناس آثاري ويحيي سنّتي ، ويتولى أموري في فعله ، وينظر الله تعالى إليه ، ويرحمه ، رحم الله من عرف له ذلك وبرّني فيه ، وأكرمني فيه» .
فما قطع صلوات الله عليه وآله كلامه حتّى أقبل إلينا أعرابي يجرّ هراوة له ، فلمّا نظر إليه (ص) قال : «قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم ، وإنّه يسألكم عن أمور ، ألا إنّ لكلامه جفوة» فجاء الأعرابي فلم يسلّم ، فقال : أيّكم محمّد ؟ قلنا : ما تريد ؟ فقال (ص) : «مهلًا» فقال : يا محمّد ، قد كنت أبغضك ولم أرك ، والآن قد ازددت لك بغضاً . فتبسّم رسول الله (ص) وغضبنا لذلك ، فأردنا للأعرابي إرادة ، فأومأ إلينا رسول الله (ص) أن امسكوا (٢) ، فقال الأعرابي : يا محمّد ، إنّك تزعم أنّك نبيّ ، وأنّك قد كذبت على
___________________
٣ ـ العدد القوية : ٤٢ / ٦٠ .
(١) من ر .
(٢) في م : اسكتوا .
الأنبياء ، وما معك من دلائلهم شيء .
فقال النبيّ (ص) : «يا أعرابي ، وما يدريك ؟» قال : فخبّرني ببراهينك .
قال : «إن أحببت أخبرتك كيف خرجت من منزلك ، وكيف كنت في نادي قومك ، وإن أردت أخبرك عضو من أعضائي ، فيكون ذلك أوكد لبرهاني» قال : أو يتكلم العضو ؟! قال : «نعم ، يا حسن قم» .
فازدرى الأعرابي نفسه وقال : هو لا يأتي ويأمر صبيّاً يكلّمني ؟! قال : «إنك ستجده عالماً بما تريد» فابتدر الحسن فقال : «مهلاً يا أعرابي :
ما غبياً سألت وابن غبي |
|
بل فقيهاً اذن وأنت الجهول |
فإن تك قد جهلت فإنّ عندي |
|
شفاء الجهل ما سأل السؤول |
وبحراً لا تقسّمه الدوالي |
|
تراثاً كان أورثه الرسول |
لقد بسطت لسانك ، وعدوت طورك ، وخادعتك نفسك ، غير أنّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء الله تعالى» فتبسّم الأعرابي وقال : هيهات (١) .
فقال له الحسن عليه السلام : «قد اجتمعتم في نادي قومك ، وقد تذاكرتم ما جرى بينكم على جهلٍ ، وخرقٍ منكم ، فزعمتم أنّ محمّداً صنبور (٢) ، والعرب قاطبة تبغضه ، ولا طالب له بثأره ، وزعمت أنّك قاتله وكاف قومك مؤونته ، فحملت نفسك على ذلك ، وقد أخذت قضاتك بيدك تؤمه وتريد قتله ، تعسر عليك مسلكك ، وعمى عليك بصرك ، وأبيت إلّا ذلك ، فأتيتنا خوفاً من أن يستهزئوا بك ، وإنّما جئت
___________________
(١) في م : مه .
(٢) الصنبور : أي أبتر لا عقب له ولا أخ فإذا مات انقطع ذكره . «لسان العرب ـ صنبر ـ ٤ : ٤٦٩» .
لخير يراد بك .
أنبئك عن سفرك : خرجت في ليلة ضحياء (١) ، إذ عصفت ريح شديدة اشتدَّ منها ظلماؤها ، وأطبقت سماؤها ، وأعصر سحابها ، وبقيت محر نجماً (٢) كالأشقر إن تقدم نُحر ، وإن تأخر عُقر ، لا تسمع لواطئ حسّاً ، ولا لنافخ خرساً (٣) ، تدالت عليك غيومها ، وتوارت عنك نجومها ، فلا تهتدي بنجم طالع ، ولا بعلمٍ لامع ، تقطع محجّة وتهبط لجّة بعد لجّة ، في ديمومة قفر ، بعيدة القعر ، مجحفة بالسفر ، إذا علوت مصعداً وأرادت الريح تخطفك ، والشوك تخبطك ، في ريح عاصف وبرق خاطف ، قد أوحشتك قفارها ، وقطعتك سلامها ، فانصرفت فإذا أنت عندنا ، فقرّت عينك وظهر زينك (٤) ، وذهب أنينك» .
قال : من أين قلت ـ يا غلام ـ هذا ؟! كأنّك قد كشفت عن سويداء قلبي ، وكأنّك كنت شاهدي ، وما خفي عليك شيء من أمري ، وكأنّك عالم الغيب ، يا غلام ، لقّني الإِسلام .
فقال الحسن عليه السلام : «الله أكبر ، قل : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله» .
فأسلم الرجل وحسن إسلامه ، وسرَّ رسول الله (ص) ، وسرّ المسلمون وعلّمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن ، فقال : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي وأعرّفهم ذلك . فأذن له ، فانصرف ، ثمّ رجع
___________________
(١) ليلة ضحياء : مضيئة لا غيم فيها . «لسان العرب ـ ضحا ـ ١٤ : ٤٧٩» .
(٢) أحرنجم : اجتمع . والمراد انطوىٰ على نفسه . «لسان العرب ـ حرجم ـ ١٢ : ١٣٠» .
(٣) ولا لنافخ خرسا : المراد ولا لأحد صدىٰ . «لسان العرب ـ نفخ ـ ٣ : ٦٣ ، و ـ خرس ـ ٦ : ٦٢» .
(٤) في بعض النسخ : ذهنك .
ومعه جماعة من قومه ، فدخلوا في الإِسلام .
وكان الحسن عليه السلام إذا نظر إليه الناس قالوا : لقد أعطي هذا ما لم يعط أحدٌ من العالمين .
٢٦٥ / ٤ ـ وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في الرحبة ، فقام إليه رجل ، وقال : أنا من رعيتك وأهل بلادك .
فقال عليه السلام : «لست من رعيتي ولا من أهل بلادي ، وإنّ ابن الأصفر (١) بعث إلى معاوية بمسائل أقلقته ، فأرسلك إليّ بها» . قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، كان في خفية وأنت قد اطلعت عليها ، ولم يعلم غير الله .
قال : «سل أحد ابني هذين» . قال : اسأل ذا الوفرة (٢) ـ يعني الحسن عليه السّلام ـ فأتاه فقال : «جئت لتسأل (٣) : كم بين الحقّ والباطل ؟ وكم بين السّماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض ؟» [ قال : نعم ] (٤) .
قال الحسن عليه السّلام : «بين الحقّ والباطل أربعة أصابع ، فما
___________________
٤ ـ الخصال : ٤٤٠ / ٣٣ ، الاحتجاج : ٣٩٨ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٧٢ ، روضة الواعظين : ٥٧ ، تحف العقول : ٢٢٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٨ ، مختصراً ، حلية الأبرار ١ : ٥٠٣ ، مدينة المعاجز : ٢٢٢ / ٧٨ ، الوسائل ٨ : ٤٤٨ / ٥ .
(١) ابن الأصفر : أي ملك الروم ، لأن أباهم الأوّل كان أصفر اللون . «لسان العرب ـ صفر ـ ٤ : ٤٦٥» .
(٢) الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن . «لسان العرب ـ وفر ـ ٥ : ٢٨٨» .
(٣) في بعض النسخ : أسألك .
(٤) من ر .
رأيته بعينك فهو الحقّ وما سمعته (١) بأذنيك باطل كثير ، وبين السّماء والأرض دعوة المظلوم مدّ البصر ؛ وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ؛ وقزح اسم للشيطان ، لا تقل قوس قزح ، هو قوس الله ، وعلامة الخصب ، وأمان لأهل الأرض من الغرق ،
وأمّا المؤنث فهو من لا يدري أذكر هو أم أنثى ، فإنّه ينتظر فيه ، فإن كان ذكراً احتلم ، وإن كانت أنثى حاضت وبدا ثدياها ، وإلّا قيل له : بل ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهو امرأة .
وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشد شيء خلقه الله الحجر ، وأشدّ منه الحديد ، يقطع به الحجر ، وأشدّ من الحديد النّار ، تذيب الحديد ، وأشدّ من النّار الماء ، يطفئ النّار ، وأشدّ من الماء السحاب ، يحمل الماء ، وأشدّ من السحاب الريح ، تحمل السحاب ، وأشدّ من الريح الملك الذي يردّها ، وأشدّ من الملك ملك الموت الَّذي يميت الملك ، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشدّ من الموت أمر الله تعالى [ الذي ] يدفع الموت»
___________________
(١) في ر : تسمعه .