جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والطوسي وأبي المكارم ، بل حكي عن المرتضى وإن كنا لم نتحققه إلا أن ذلك لم يبلغ حد الاشتهار ، خصوصا بعد أن كان خيرة الشيخ والطبرسي وغيرهما من القدماء الخمس عشرة ، بل حكي عن أتباع الشيخ ، بل لعله خيرة أئمة الحديث وفقهاء أصحاب الأئمة ، كمحمد بن أحمد بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن أبى عمير ، والحسن بن محبوب ، وحماد بن عثمان ، وعلي بن رئاب ، وهشام بن سالم ، وغيرهم ممن اقتصر على رواية الخمس عشرة دون العشر ، كما عساه يومئ اليه ظهور دعوى الشهرة من محكي المبسوط والتبيان ومجمع البيان ، بل ربما ظهر من عبارتي الخلاف والتذكرة إجماع الإمامية على ذلك ، خصوصا الأخيرة ، قال فيها : « الرضاع المحرم ما حصل به أحد التقريرات الثلاثة : إما رضاع يوم وليلة ، أو رضاع خمس عشرة رضعة ، أو ما أنبت اللحم وشد العظم عند علماء الإمامية ـ ثم قال ـ : يشترط توالي الرضعات من المرأة الواحدة ، فلو تخلل بين العدد رضاع امرأة أخرى لم ينشر الحرمة ، ولم يعتد برضاع ، شي‌ء منهما ما لم يكمل رضاع إحداهما خمس عشرة رضعة متوالية ، فلو رضع من إحداهما أربع عشرة رضعة ثم رضع مثلها من اخرى لم يعتد بذلك الرضاع عند علمائنا أجمع » وإن كان هو مع شهرة الخلاف المزبور كما ترى ، لكن لا ريب في استفادة شهرة هذا القول أيضا بين القدماء.

ومع ذلك هو في غاية البعد عن أقوال العامة ورواياتهم ، فان للقائلين بالعدد منهم ثلاثة أقوال : ( أحدهما ) الثلاث ، وبه قال زيد بن ثابت أو أبو ثور وابن المنذر وداود وأهل الظاهر ، لمفهوم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ».

( ثانيها ) الخمس ، وهو المشهور بينهم ، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وطاوس وعطا وسعيد بن جبير وعبد الله بن زبير وعبد الله بن مسعود وعائشة ، لما‌ رووه (٢) عنها أنها قالت : « كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٥٥ و ٤٥٨.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٥٤.

٢٨١

نسخه بخمس معلومات ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي وهي مما تقرأ في القرآن » والحديث مشهور عندهم ، أخرجه الستة إلا البخاري.

( وثالثها ) التحريم بالعشر كما حكي عن عائشة وحفصة وطائفة منهم ، لما‌ روى عن عائشة (١) أنها قالت : « نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها » ولما رواه‌ عروة في حديث سهلة (٢) بنت سهيل « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها فيما بلغنا : أرضعيه عشرا تحرمي عليه » ولكن المعروف في هذه الرواية عندهم أنه قال لها : « أرضعيه خمسا » ولذلك كانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يراها خمس رضعات وإن كان كبيرا وبذلك تظهر قوة هذا القول باعتبار بعده عمن جعل الله الرشد في خلافهم.

ومع هذا أصحهما سندا أنه لا تحرم وأظهرهما دلالة ، بل لا صحة في رواية العشر ، ضرورة كون العمدة فيها الرواية الأولى ، وفي طريقها محمد بن سنان الذي ضعفه الشيخ والنجاشي وابن الغضائري ، وقال : إنه غال لا يلتفت اليه ، بل روى الكشي فيه قدحا عظيما ، بل عن ابن شاذان أنه من الكذابين المشهورين ، على أنها مختلفة المتن ، فاسدة الحصر ، متروكة الظاهر ، إذ هي على ما حضرني من نسخة الوافي مروية عن التهذيب‌ عن ابن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حريز عن الفضيل بن يسار (٣) عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلا المجبورة ، أو خادم أو ظئر قد رضع عشر رضعات يروى الصبي وينام » ‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ج ٤ ص ١٧٩ ( كتاب الرضاع الحديث ٢٢٢ ) وسنن ابن ماجه ج ١ ص ٥٩٩ ( باب رضاع الكبير ).

(٢) ذكره ابن قدامة في المغني ج ٩ ص ١٩٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١١ وفيه « الا المخبورة ».

٢٨٢

و‌عنه أيضا عن الثيملى عن النخعي عن حريز عن الفضيل بن يسار عن البصري (١) قال : « لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا ، قلت : وما المجبور؟ قال : أم مربية أو لم ترتب أو ظئر تستأجر أو خادم يشتري أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه » وعن الفقيه عن حريز عن الفضيل بن يسار (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا ، قلت : وما المجبور؟ قال : أم مربية أو ظئر تستأجر أو خادم تشترى » وعن بعض نسخ الفقيه « المحبور » بالحاء المهملة ، وهو مع حذف العشرة منه جعل « المحبور » فيه صفة للرضاع ، وفسره بإحدى النسوة الثلاث ، وفي الأولى من روايتي التهذيب جعل الخادم والظئر مقابلين للمجبورة.

وأما أنها متروكة الظاهر فهو واضح ، ضرورة عدم اعتبار نوم الصبي في التحريم ، وعدم انحصار المحرم في ذلك ، فان رضاع المتبرعة أو المستأجرة على عدد خاص وغيرهما محرم قطعا ، على أنه إن كان قوله عليه‌السلام : « قد رضع » الى آخره مختصا بالظئر كان مخالفا للظاهر عند الخصم أيضا ، كما أن حصره مخالف له أيضا ، فلا بد من طرحه أو تأويله ، بل اختلال متنه كاف في فساده ، ومن هنا احتمل الشيخ أن يكون المراد به نفي التحريم عمن أرضع رضعة أو رضعتين مستدلا عليه بخبر موسى بن بكير (٣) عن أبى الحسن عليه‌السلام « قلت له : إن بعض مواليك تزوج إلى قوم ، فزعم النساء أن بينهما رضاعا ، قال : أما الرضعة والرضعتان والثلاث فليس بشي‌ء إلا أن يكون ظئرا مستأجرة مقيمة عليه ».

وأما خبرا هارون (٤) وعمرو بن يزيد (٥) فمع الطعن في سندهما ـ خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧ وفيه‌ « الا ما كان مخبورا ».

(٢) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧ وذكر نصه في الفقيه ج ٣ ص ٣٠٧ الرقم ١٤٧٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٨ عن موسى بن بكر.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥ عن عمر بن يزيد.

٢٨٣

الأول لأن هارون بن مسلم من أهل الجبر والتشبيه ، بل هو تارة رواها عن أبي عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة وأخرى رواها عنه عليه‌السلام بواسطة مسعدة بن زياد العبدي ـ دلالتهما بالمفهوم الذي هو أضعف من المنطوق ، على أن الأول إذا كان الظرف فيه متعلقا بالبأس المنفي اقتضى مفهومه تحريم ما دون العشر أيضا مع الاجتماع ، ولا ينافيه خبر عمرو بن يزيد ، لإمكان ذلك فيه ، وإلغائه بالنسبة الى ذلك ليس بأولى من إلغائه بالنسبة إلى الجميع ، على أن يكون المراد منه عدم المحرم على سائر الوجوه بخلاف العشر ، فإنها قد تحرم فيما لو فرض حصول الإنبات بها على نحو الخمس عشرة ، على أنه يمكن كون المراد منه ما سمعته من خبر موسى بن بكير المتقدم المعلوم عدم إرادة المفهوم منه.

وأما خبر عبيد بن زرارة (١) فهو بالدلالة على خلاف المطلوب أولى ، ضرورة ظهوره في كون الجواب « لا » وإلا لذكره ، على أنه هو بنفسه روى (٢) عن الصادق عليه‌السلام عدم إنبات العشر ، وكذا خبره (٣) الآخر الظاهر في نسبة الإنبات بها الى غيره ، سيما بعد الاعراض عن جوابه ثانيا ، بل هو ظاهر في الخروج مخرج التقية.

والفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام لم تثبت حجيته عندنا ، بل لعل الثابت عدمها.

ومن ذلك كله يظهر لك فساد ما عساه يقال : إن القول بالعشر تجتمع عليه جميع الروايات بعد حمل مطلقها على مقيدها على معنى حمل ما دل على النفي بالعشر على المتفرقات ، وما دل على الثبوت بها على المجتمعات ، ضرورة عدم المكافئة سندا ودلالة ، على أنه لا يتم في مثل مرسل (٤) المقنع ، بل ولا في موثق زياد بن سوقة (٥) الذي هو كالتصريح في التحديد بالخمس عشرة ، خصوصا بعد ملاحظة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣ وفيه عدم ثبوت الحرمة بعشر رضعات.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٢٨٤

وروده في بيان التحديد ، بل يمكن دعوى القطع ممن له أدنى خبرة بكلماتهم عليهم‌السلام بعدم إرادة مثل هذا التقييد في أمثال هذه الخطابات التي هي صريحة أو كالصريحة في عدم النشر بالعشر ولو مجتمعات ، فلم يبق إلا الترجيح ، وليس إلا للنفي ، لصحة السند ، وكثرة العدد ، ووضوح الدلالة ، وشهرة العمل ، والاشتمال على التعليل ، وغير ذلك. ولو سلم فلا أقل من الشك بعد تعارض الأدلة التي منها مطلقات الإنبات في أن العشر يحصل بها الإنبات المحرم ، والشك في الشرط شك في المشروط ، واحتمال التمسك في إثباته بالعشر بمطلق الإنبات بعد فرض حصول الإنبات بها عرفا يدفعه معلومية إرادة المرتبة الخاصة من الإنبات لا مطلقه ، ولذا لم يحصل بما دون العشر ولو يسيرا عند الخصم ، فهو في الحقيقة مجمل لا مطلق أراد الشارع منه الإطلاق إلا ما أخرجه الدليل ، كما لا يخفى على من رزقه الله بصيرة في فهم كلماتهم عليهم‌السلام التي قد ينكشف بها خلاف ما تقتضيه صناعة فن القواعد الأصولية المبنية على الغالب ، فلا ريب حينئذ في أن الترجيح لنفي التحريم بها.

ومنه يعلم أنه ينشر الحرمة إن بلغ خمس عشرة رضعة ضرورة استلزام عدم النشر بها النشر بالأكثر ، وهو إما الخمس عشرة أو ما فوقه أو ما بينه وبين العشر ، والأخيران باطلان بالإجماع ، فتعين الأول ، والإجماع هنا مع وضوحه منقول في كلام الأصحاب ، فإن الشيخ في الخلاف والحلي والآبي احتجوا على الخمس عشرة بالإجماع على التحريم ، وبه صرح العلامة في المختلف والسيوري في التنقيح بأن بطلان العشر يستلزم ثبوت الخمس عشرة ، لعدم القائل بغيرهما من المحققين ، وفي المسالك ليس فيما فوق العشر ما يجوز التعويل عليه غير الخمس عشرة بالإجماع ، لكن في التقييد إشعار بوجود قول لا يعتد به ، وليس القول بما دون العشر ، لبطلانه ببطلان العشر قطعا ، وكأنه إشارة إلى القول بالخمسة عشر يوما ، وهو كما ستعرف قول شاذ منقوض ملحوق بالإجماع ، فلا ريب في تعين الخمس عشرة ، مضافا إلى موثق زياد بن سوقة ومرسل المقنع ، وقد اتضح الحال بحمد الله على وجه لم يبق شك في المسئلة أو شبهة.

٢٨٥

كما لا شك في ثبوت التحريم لو رضع يوما وليلة للموثق المزبور المعتضد بمرسل المقنع المذكور وفتوى الطائفة قديما وحديثا ، بل قد يظهر من محكي التبيان ومجمع البيان والغنية والإيضاح وغيرها عدم الخلاف فيه ، وفي الخلاف إجماع الفرقة عليه ، وفي محكي التذكرة نسبته الى علماء الإمامية ، وفي كشف اللثام الاتفاق عليه ، ومنه يعلم ما‌ عن الفقه (١) المنسوب الى الرضا عليه‌السلام « والحد الذي يحرم به الرضاع مما عليه عمل العصابة دون كل ما روى ، فإنه مختلف ما أنبت اللحم وقوي العظم ، وهو رضاع ثلاثة أيام متواليات ، أو عشر رضعات متواليات محررات مرويات بلبن الفحل » ضرورة أنه لم نعرف بل ولا حكي عن أحد من عصابة الحق العمل بذلك ، بل لم نعثر على رواية ولو شاذة توافقه مع كثرة أخبار الباب ، على أنه لا يخفى عليك بعد ما بين العلامتين ، وهذا أحد المقامات التي تشهد بعدم صحة نسبة هذا الكتاب ، مضافا الى ما اشتمل عليه مما لا يليق بمنصب الإمامة ، ومما هو مخالف للمتواتر عن الأئمة عليهم‌السلام أو ما ثبت بطلانه بإجماع الإمامية بل الأمة ، بل منه أيضا يعلم ما‌ في مرسل الصدوق في الهداية عن الصادق عليه‌السلام (٢) « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن وليس بينهن رضاع » ويحتمل انقطاع الحديث على « النسب » فيكون الباقي فتوى مشعرة بالرواية ، وعلى الأول رواية مشعرة بالفتوى ، وربما حكي‌ عن المقنع أنه قال : « وروي (٣) « أنه لا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن ليس بينهن رضاع » » وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن ، لكني لم أجده فيما حضرني من نسخة المقنع ، بل الموجود فيه ما سمعته من المرسل السابق.

وعلى كل حال فهذه الرواية على تقدير ثبوتها ووجود القائل بها لا تزيد على‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٢) المستدرك الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١ وفيه « قال النبي. ».

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٥.

٢٨٦

خبر مرسل غير منجبر ، فلا ينهض لمعارضة مما سبق من النص والإجماع ، كما لا ينهض لمعارضتهما‌ صحيح العلاء بن رزين (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرضاع فقال : لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة » فإنه وإن كان معتبر السند إلا أن عمل الطائفة بخلافه ، فهو من الشاذ الذي أمرنا بطرحه ، وصحفه بعض متأخري المتأخرين بالضم والتشديد أو بالكسر مع الإضافة إلى ضمير الارتضاع ، على أن المراد الرضاع في الحولين اللذين هما سن الرضاع والسنة فيه ، فضلا عن‌ خبر الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يحرم من الرضاع إلا ما كان حولين كاملين » وخبر عبيد بن زرارة أو زرارة (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرضاع ، فقال : لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » الضعيفين المتروكين أيضا بإجماع الطائفة الممكن تأويلهما بإرادة الظرفية ، ولا يأباه وصف الكاملين.

فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في ذلك فيهما ، بل أغرب منه ميلة الى اعتبار الحولين لتعدد رواياته وتأيده بالأصل والمخالفة لمذاهب الجمهور ، إذ يمكن أن يكون مخالفا لإجماع المسلمين وللأخبار المتواترة عن الأئمة الميامين عليهم‌السلام ، بل يمكن أن يكون مخالفا للضرورة من الدين ، كالذي عساه يظهر من النصوص السابقة ، في المجبور ، من اعتبار الدوام والاستمرار في تحريم الرضاع الذي لا يخلو من تأييد للحولين ، ولكن لو ساغ للفقيه التردد بكلما يجد أو الجمود على كل ما يرد ما اخضر للفقه عود ولا قام للدين عمود ، نسأل الله تعالى تنوير البصيرة وصفاء السريرة ، فإنه الرحيم المنان المتفضل الحنان ذو الفضل والإحسان.

ثم لا يخفى عليك ظهور النص والفتوى في الاكتفاء بذلك وإن لم يبلغ العدد ، ويمكن أن يكون تحديد الشارع ملاحظا فيه الوسط من الناس ، فإنه كما اعترف به في المسالك يأتي على العدد تقريبا ، وهذه عادة للشارع في ضبط قوانين الشرع في مقامات عديدة ، ويكون تحقيقا في تقريب ، وقد عرفت أن الأصل الإنبات ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٨.

٢٨٧

وإنهما علامتان شرعيتان له على التحقيق الذي تقدم ، فما عن الشيخ والتذكرة ـ من أنهما لمن لم يضبط العدد ، ومقتضاه عدم اعتبارهما مع العلم بالنقص عن العدد ـ في غير محله ، خصوصا بعد إطلاق النص والفتوى مع معلومية اختلاف الأطفال في ذلك اختلافا بينا ، نعم قد يقال : إن الظاهر من ملاحظة ما سمعت والعدد ونحوهما عدم اعتبار خصوص اليوم والليلة الحقيقين فيكفي الملفق حينئذ المقابل لهما في المقدار مع ملاحظة الاتصال فيه مع احتمال العدم.

كما أنه لا يخفى عليك ظهورهما أيضا ولو للإطلاق في أن المراد ارتضاع الصبي فيهما كلما يحتاج إليه ، فلا ينافي ارتوائه حينئذ قبل الليلة بيسير على وجه لم يحتج الى الرضاع إلا بعد انتصاف الليل مثلا ، ضرورة تحقق الصدق بعد عدم اعتبار ابتداء إرضاعه من أولهما ، ولا استيعابهما بالرضاع ، فتأمل جيدا.

وو كيف كان ف يعتبر في عدد الرضعات المذكورة اجتماع قيود ثلاثة : الأول أن تكون الرضعة كاملة بلا خلاف أجده فيه بيننا ، للأصل والتبادر والتصريح بها في الأخبار كما عرفت. والثاني أن تكون الرضعات متوالية بالمعنى الذي ستعرفه والثالث أن يرتضع من الثدي وأما غير العدد من التقدير فلا يعتبر فيه اجتماع ذلك ، نعم يعتبر الارتضاع من الثدي في الثلاثة قطعا ، لتوقف تحقق مسمى الارتضاع المعتبر في الجميع عليه ، وأما كمالية الرضعة فقد عرفت عدم اعتبارها في الإنبات ، ضرورة إمكان تحققه بالناقصة إذا بقي على ذلك مدة ، كما عرفت.

وقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبى عمير (١) « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتملأ ويتضلع وينتهى نفسه » كخبر ابن أبى يعفور (٢) « سألته عما يحرم من الرضاع ، قال : إذا رضع حتى يمتلئ بطنه ، فان ذلك ينبت اللحم والدم ، وذاك الذي يحرم » يجب حمله على إرادة بيان المنبت من حيث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٢٨٨

العدد أو نحو ذلك ، وإلا كان مخالفا للوجدان ، نعم صرح في كشف اللثام وغيره باعتبارها أيضا في التقدير الزماني ، وهو متجه مع فرض انتفاء صدق رضاع يوم وليلة بذلك ، لكن دعوى ذلك في جميع الأفراد محل شك ، كما لو فرض ارتضاع الصبي بعض الرضعة واشتغل بلعب ونحوه حتى تحقق الفصل الطويل ثم ارتضع رضعة كاملة ، فإنه قد يمنع عدم صدق رضاع يوم وليلة فيه ، ضرورة ابتناء ذلك على العرف الذي لا يقدح فيه أمثال ذلك من تأخير وقت رضاع الصبي في الجملة ، وعدم الإكمال في الجملة ونحو ذلك مما لا ينافي الصدق عرفا على وجه الحقيقة دون المسامحة ، بل لو كان تمام الليلة أو اليوم ببعض الرضعة كفى بلا إشكال ، وذلك كاف في عدم اعتبار الكمال بالمعنى المعتبر في العدد فيه ، كما هو واضح.

وأما التوالي بالمعنى الذي ستعرفه فستعرف تحقيق الحال فيه ، ولعل إلى ذلك أومأ في المسالك ، حيث قال في شرح المتن : « هذه القيود الثلاثة إنما تعتبر في الرضعات بالنسبة إلى العدد ، أما غيره من التقديرين فمنها ما يعتبر فيه مطلقا ، وهو الارتضاع من الثدي ، ومنها ما يعتبر في تقدير الزماني دون النشوي وهو توالي الرضعات ، فان المعتبر في رضاع اليوم والليلة كون مجموع غذاء الولد في ذلك الوقت من اللبن بحيث كلما احتاج اليه يجده إذ لم يبق منتفيا في الزماني إلا الكمال ، لكن في الرياض جعل القيود الثلاثة معتبرة في الزماني والعددي محتجا عليه بما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، فلاحظ وتأمل.

ثم إنه هل المعتبر مع ذلك حصول العدد بشرائطه كيف اتفق أم يعتبر مع صحة مزاج الولد؟ وجهان كما في المسالك ، قال : « وتظهر الفائدة لو كان مريضا ورضاعه قليل الكمية وحصل العدد المعتبر منه ، بحيث كان مرتويا في جميعها بحسب حاله ، فعلى الأول يكفي ذلك في نشر الحرمة عملا بإطلاق النص الشامل له ، وعلى الثاني يعتبر في الكمية مقدار ما يتناول صحيح المزاج حملا على المعهود ، والوجهان آتيان في القدر الزماني ، وما وقفت فيه على شي‌ء يعتد به » قلت : لعل العرف في ذلك مختلف كما لا يخفى على من تأمله.

٢٨٩

وعلى كل حال فـ ( يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف الذي هو المرجع في كل لفظ لم يعين له الشارع حذا مضبوطا. وقيل : حدها أن يروى الصبي مثلا ويصدر من قبل نفسه وكأنه في محكي التذكرة أرجع القولين إلى قول واحد حيث قال : « إن المرجع في الكاملة إلى العرف ، ـ ثم قال ـ : إذا ارتضع الصبي وروى وقطع قطعا بينا باختياره وأعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك رضعة » وهو الذي فهمه في كشف اللثام ، فإنه قال : « القولان مذكوران في المبسوط ، ونسب الثاني إلى أصحابنا ، وفي الخلاف قطع به ، ونسب الأول إلى الشافعي ، والظاهر أن الثاني تفسير للأول ، كما هو صريح التذكرة ، ولا تنافيه هذه العبارة ولا عبارة المبسوط » وقد سبقه الى ذلك ثاني الشهيدين في المسالك قال فيها : « والقولان للشيخ ، وهما في الحقيقة قول واحد ، لأن ما ذكره ثانيا مما يدل عليه العرف ولا يدل على غيره ، وإنما الاختلاف في العبارة ، وقد جمع بينهما في التذكرة » ثم حكى ما سمعته عنها وقال : « فجعل العبارتين معا حدا واحدا ، وقد فصل المصنف بينهما بقيل ، وكذلك العلامة في القواعد والتحرير نظرا الى الشك في تساويهما مفهوما ، وكلام الشيخ في المبسوط ليس فيه ما ينافي اتحادهما ، لأنه قال : والمرجع في ذلك الى العرف ، لأن ما لا حد له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه الى العرف ، غير أن أصحابنا قيدوا الرضعة بما يروى الصبي منه ويمسك ، وهذه العبارة هي مستند الجماعة في جعلهما قولين ، وليست بدالة على ذلك ، وربما نزلت الحكاية بقيل على التنبيه على اختلاف العبارة في ضبطها ، لا أنه قول مستقل ».

قلت : لا يخفى ظهور ذلك والمحكي عن الخلاف في أنهما قولان مستقلان ، وكأن ثانيهما نظر الى الخبرين المزبورين ، فلا يكفي حينئذ عدم الارتواء والامتلاء والتضلع ولو لعارض في الصبي أو عادة أو نحو ذلك بخلاف الأول ، فإنه يكفي صدق الرضعة عرفا المتحققة بحسب حال الصبي ويكون ذلك فائدة القولين ، ولعل الأول ، أقواهما كما هو ظاهر الأصحاب ، ومقتضى القاعدة في أمثال ذلك من الألفاظ ، والخبران يمكن إرجاعهما إليه ، بل لم نجد عاملا بهما على جهة مخالفة العرف ، فتأمل جيدا فإنه قد ينكشف بذلك الحال في المسألة السابقة ، وهي اعتبار صحة المزاج الذي قد عرفت الوجهين فيها ، والله العالم.

٢٩٠

وكيف كان فقد عرفت أن المدار على العرف ، فلو التقم الصبي الثدي ثم لفظه وعاود فان كان أعرض أولا عن الرضاع لعدم إرادته فهي رضعة ، وإن كان لا بينة الاعراض كالتنفس أو الالتفات إلى ملاعب بضم الميم أو فتحها أو الانتقال من ثدي إلى آخر أو غير ذلك مما يكون قرينة على عدم إكمال الأولى كان الكل رضعة واحدة عرفا حينئذ ، نعم قد يقال بتحقق الرضعة في الأول عرفا بمجرد الاعراض مع عدم قرينة تدل على النقصان على إشكال.

ولو منع بأن قطعته المرضعة مثلا قبل استكماله الرضعة لم يعتبر في العدد قطعا ، لما عرفت خلافا للمحكي عن الشافعية من الوجه في تعدد الرضعات بتعدد قطع المرضعة نظرا إلى أنه لو حلف « لا أكلت اليوم إلا أكلة واحدة » فاستدام الأكل من أول النهار الى آخره لم يحنث وإن أكل وقطع قطعا بينا ثم عاد إليه حنث ، وفيه أنه كفى بالعرف فارقا بين المقامين ، وحينئذ لم تحتسب الرضعة الناقصة في العدد وإن لفقت برضعة ناقصة اخرى ، بل يخرجان معا عن الاعتداد بهما في العدد.

وعلى كل حال فقد عرفت أيضا أنه لا بد في العدد من توالي الرضعات بمعنى أن المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها من غير تحقق رضاع اخرى فلو رضع من واحدة بعض العدد ثم رضع من اخرى بطل حكم الأول وإن أكملته بعد ذلك.

وكذا لو تناوب عليه عدة نساء لم تنشر الحرمة وإن كن لرجل واحد ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء وحينئذ ف لا يصير صاحب اللبن بذلك مع اختلاف المرضعات أبا ولا أبوه جدا ولا المرضعة أما لانتفاء الشرط وهو التوالي فتنتفي الحرمة حينئذ بانتفائه بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل في محكي الخلاف والغنية والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة مضافا الى موثق زياد بن سوقة (١) المتقدم سابقا والى ما عرفت من أن الأصل الإنبات والباقيان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٢٩١

علامتان ، ومع الفصل لا يعلم إن لم نقل لا يحصل النبات والاشتداد به وحده الذي هو المتبادر.

فمن الغريب بعد ذلك كله دغدغة صاحب المسالك في بعض أفراد ذلك ، حيث إنه بعد أن ذكر أن لاعتبار التوالي جهتين : إحداهما ما ذكره المصنف من عدم النشر بإكمال العدد من مرضعة أخرى ، وذكر دعوى التذكرة الإجماع عليه ، والاستدلال له برواية زياد ، قال : وهذه الرواية ناصة على المطلوب إلا أنك قد عرفت ما في سندها من الإشكال ، ولعل التعويل على الإجماع أولى على ما فيه ، وقد خالف في ذلك العامة كافة ، فلم يعتبروا المرضعة بل اتحاد الفحل ، والأصل وعموم أدلة الرضاع تقتضيه ، وتخصيصها باشتراط اتحاد المرضعة يحتاج الى دليل صالح ، والرواية ليست حجة مطلقا ، أما على المخالف فظاهر ، وأما علينا فلضعف السند.

ومن ثم لم يعتبرها الأكثر في اشتراط كون العدد خمس عشرة ، نظرا الى ذلك ، فيبقى الاحتياج الى تحقيق الإجماع وحجيته ، وفيه ما لا يخفى ، ضرورة تحقق الإجماع وحجيته ، والخبر مع أنه من قسم الموثق الذي قد فرغنا من حجيته في الأصول معتضد بفتوى الأصحاب قديما وحديثا ، معمول به فيما بينهم في المقام وغيره ، فلا ينبغي حينئذ التوقف في عدم النشر بالإكمال من عدة نساء وإن كن لفحل واحد ، وأنه لا يكون الفحل أبا ولا أحد من المرضعات اما ، وربما وافقنا على ذلك بعض العامة ، نعم خالف فيه آخر منهم ، فحكم بكونه أبا إذا كن لفحل واحد ، لأن جميع اللبن له ، كما لو اتحدت المرضعة ، والزوجات ظروف ، ولا تلازم بين الأبوة والأموة ، فيمكن تحقق كل منهما بدون الآخر كما في النسب ، وحينئذ فلو فرض كون المرتضع زوجة صغيرة لصاحب اللبن انفسخ نكاحها دونهن ، ولكن يحرمن عليه لو كان ذكرا لأنهن موطوءات أبيه لا لكونهن أمهات له ، كغيرهن ممن وطأ أبوه وإن لم يكن قد رضع منهن إذ الفرض عدم رضاعة من واحدة منهن ما تستحق به ذلك ، وهو واضح ، وإن كان فيه ما عرفت.

كوضوح كون المراد بالتوالي عدم الفصل بخصوص رضاع امرأة أخرى نصا‌

٢٩٢

وفتوى ، فلا يقدح الفصل بالأكل ونحوه ، بل وبوجود اللبن في فمه بلا خلاف أجده فيه ، بل يظهر من المسالك وغيرها المفروغية منه ، لكن قد يشكل ذلك بناء على كون العدد كاشفا عن الإنبات فيما لو كان الفصل بالأكل ونحوه على وجه يعلم عدم الإنبات بالخمس عشرة المتخللة ، كما لو اتفق الفصل بين كل رضعتين مثلا حتى أكمل الخمس عشرة رضعة ، اللهم إلا أن يقال : إن العدد المزبور كاشف شرعا وهو أدرى به ، ويمكن أن يكون قد لاحظ الكشف في أغلب أفراده وجعلها علامة دائما محافظة على ضبط الشرع.

إنما الكلام في أن القادح في التوالي مسمى رضاع امرأة أخرى أو الرضعة الكاملة ، فلا يقدح فيه حينئذ الناقصة ، وجهان بل قولان ، صريح القواعد الأول ، بل لعله ظاهر المصنف والمحكي من عبارة المبسوط ، بل في كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأصحاب ، وفي المسالك ينبغي أن يكون العمل عليه ، وصريح المحكي عن التذكرة الثاني ، لظهور لفظ « رضعة » في الموثق المزبور الذي هو الأصل في هذه الأحكام في ذلك ، خصوصا بعد إرادة الكاملة منها في ضمن الخمس عشرة ، مع ظهور اتحاد المراد منها فيهما ، اللهم إلا أن يقال : إن المنساق من إضافتها إلى الامرأة وإن كانت هي بمعنى « من » إرادة مصداق الرضاع منها ، لكنه كما ترى ، والمناسب لإطلاق دليل الرضاع اعتبار الكاملة ، فينبغي أن يكون العمل عليه وإن كان مراعاة الاحتياط أولى ، هذا كله في العدد.

وأما التقديران الآخران فليس في النصوص اعتبار التوالي بهذا المعنى فيهما ، فينبغي المدار على حصول مسماهما وعدمه ، من غير فرق بين الفصل بالأكل ونحوه وبينه بالرضاع ، فكل ما نافي حصول مسماها اعتبر عدمه ، ولا ريب في اختلاف الأفراد في ذلك بحسب القلة والكثرة ، وتغذى الصبي وعدمه ، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر من النص والفتوى كون المراد بالتوالي عدم الفصل المزبور ، فيكفي الأصل في الحكم به مع الشك ، لا أن المراد به أمر وجودي يلزمه ذلك ، فلا يكفي الأصل حينئذ في الحكم مع الشك به وإن علم حصول العدد من الامرأة ،

٢٩٣

لما عرفته من ظهور النص والفتوى بخلافه ، مضافا الى إطلاق الرضاع ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد عرفت أنه لا بد في التقديران الثلاثة من ارتضاعه أي المرتضع من الثدي في قول مشهور ، تحقيقا لمسمى الارتضاع ، فلو وجر في حلقه أو أوصل إلى جوفه بحقنة وما شاكلها من سعوط وتقطير في إحليل أو ثقب من جراحة أو نحو ذلك لم ينشر حرمة ، لعدم صدق الارتضاع ، ول‌ خبر زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » الذي هو نص في المطلوب وإن كان ظاهره غير مراد ، فيبقى حينئذ عموم الحل سالما بعد حرمة العمل على العلة المستنبطة ، خلافا للعامة للقياس المعلوم بطلانه عندنا بعد فرض حصول موضوعه ، بل عن بعضهم الحرمة بالسعوط ، لأن الدماغ جوف للتغذي كالمعدة ، أو لأن الحاصل فيه ينحدر إليها في عروق متصلة بها.

وكذا لو جبن فأكله جبنا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل في كشف اللثام نسبته إلى علمائنا أجمع إلا في الجور ، فاعتبره الإسكافي والشيخ في موضع من المبسوط ، مع أنه قوى المشهور في مواضع أخر ، للمرسل (٢) عن الصادق عليه‌السلام « وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » ولكن مع فقده شرائط الحجية وعدم صراحته لاحتمال إرادة المنزلة في الغذاء ونحوه قد أعرض عنه الأصحاب ، ولدعوى شمول الرضاع ، وهي ممنوعة ، ولأن العلة في التحريم الإنبات ، وهو حاصل بالوجور كالرضاع ، وفيه منع كون العلة ذلك ، ومنع العمل على العلة المستنبطة ، ويمكن أن يكون للرضاع مدخلية ، فلا إشكال حينئذ في عدم اعتبار الوجور.

بل لا يبعد أن يكون في حكم وجور الحليب الوجور من الثدي ، فإن المعتبر هو ما كان بالتقامه الثدي وامتصاصه ، كما صرح به في كشف اللثام ، بل قد يشك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣.

٢٩٤

في جريان حكمه بالامتصاص من غير رأس الثدي فضلا عن الامتصاص من غير الثدي كثقب ونحوه ، بل وفي جذب الصبي اللبن من الثدي بغير الفم ، فتأمل.

وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله ، فلو مزج بأن ألقى في فم الصبي مائع مثلا ورضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا استهلكه أم لا غالبا أم لا لم ينشر إذ الرضاع وإن تحقق إلا أن المعتبر مع ذلك نصا وفتوى وصول اللبن ، بل في كشف اللثام أن ذلك هو المفهوم من الرضاع والإرضاع والارتضاع ، بل فيه أيضا أن في حكمه امتزاجه بريقه كذلك كما في التذكرة ، ولو لم يخرجه عن الاسم جرى عليه الحكم ما لم يحصل مناف من جهة أخرى.

ولو ارتضع من ثدي الميتة تمام العدد مثلا أو رضع بعض الرضعات منها وهي حية ثم أكملها منها ميتة أو أكمل الرضعة الأخيرة منها كذلك لم ينشر الحرمة ، لا لأن اللبن متنجس أو حرام أو ليس في محل الولادة أو نحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه ، بل لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام العرفية التي منها صدق كونها مرضعة « و ( أَرْضَعْنَكُمْ ) » ونحو ذلك ، فهي حينئذ كالبهيمة المرضعة التي قد عرفت عدم نشر الحرمة بين الرضيعين منها ، والنائمة والغافلة والمغمى عليها ونحوها قد خرجن بالدليل على عدم اعتبار القصد ، فيبقي اعتبار الحياة المستفاد من ( أَرْضَعْنَكُمْ ) وغيره بحاله ، كل ذلك مع عدم ظهور خلاف فيه ، بل في كشف اللثام لا حكم للبن الميتة ، بالاتفاق أيضا كما يظهر من التذكرة. ولكن في المتن مع ذلك فيه تردد ، ولعله مما عرفت ومن إطلاق أدلة الرضاع الذي يجب الخروج عنه بما عرفت ، لا أقل من الشك ، والأصل الحل.

وكذا يعتبر في النشر الوصول إلى معدة الصبي الحي ، فلا اعتبار بغير المعدة ، ولا بالإيصال إلى معدة الميت ، لعدم الامتصاص والارتضاع والاغتذاء ونبات اللحم وشد العظم ، فلو وجر حينئذ لبن للفحل في معدته لم يصر أبا له ، ولا المرأة اما له ، ولا زوجته حليلة ابن ، كما هو واضح.

٢٩٥

( الشرط الثالث )

أن يكون في الحولين ، ويراعى ذلك في المرتضع من حين انفصاله ولو بتكميل المنكسر من الشهور من الخامس والعشرين على وجه يكون شهرا هلاليا أو عدديا ، ويحتمل إكماله مما يليه من الشهر وهكذا ، فيجري الانكسار في الجميع حينئذ ، والتكملة حينئذ هلالية أو عددية ، ولعل الأقوى الأول إن لم يكن الدليل ظاهرا في إرادة تحقق الحولين المراد منهما أربعة وعشرون شهرا هلاليا على وجه يخرج المنكسر عنهما وإن لحقه الحكم ، نحو ما سمعته سابقا في خيار الحيوان ، ولعل هذا هو المراد من أحد الاحتمالين في جامع المقاصد ، قال « والمعتبر في الحولين الأهلة كما في سائر أبواب الفقه ، ولو انكسر الشهر الأول فاحتمالان ».

وعلى كل حال فلا خلاف معتد به في اعتبار كون الرضاع في حولي المرتضع فلا عبرة بما بعدهما ولو في الشهر والشهرين ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لقوله أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه عنه الصادق عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم (١) وقول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٢) أيضا‌ لا رضاع بعد فطام‌ ومعناه كما في الفقيه أنه إذا رضع الصبي حولين كاملين ثم شرب بعد ذلك من لبن امرأة أخرى ما شرب لم يحرم ذلك الرضاع ، لأنه رضاع بعد فطام ، أي بعد بلوغ سن الفطام ، قال حماد بن عثمان (٣) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قال : قلت : جعلت فداك وما الفطام؟ قال : الحولان اللذان قال الله عز وجل » وبذلك يعلم المراد من‌ قوله عليه‌السلام في صحيح البقباق (٤) : « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » لا أن المراد منه اعتبار عدم فطامه قبل الحولين أيضا كما عن الحسن بن أبى عقيل ، وإلا كان منافيا لإطلاق الأخبار والفتاوى ، بل لم نتحقق خلاف الحسن ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٤.

٢٩٦

المحكي عنه اعتبار الفطام ويمكن إرادته سن الفطام ، فلا خلاف حينئذ في نشره الحرمة فيهما وإن فطم الصبي.

إلا أنه مع ذلك فالإنصاف عدم خلو اعتبار ذلك عن قوة إن لم يقم إجماع ، ضرورة كونه هو مقتضي قواعد الجمع بين الإطلاق والتقييد ، وأصالة التأسيس وظهور الفطام في الفعلي منه لا سنه ، بل استعماله فيه مجاز ، بل في الكافي في تفسير‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا رضاع ـ إلى آخره ـ أن الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما يفطم لا يحرم ذلك الرضاع التناكح » نعم ما عن الإسكافي من النشر بالرضاع بعد الحولين إذا لم يفطم مناف لصريح النص والفتوى ، بل الإجماع بقسميه ، مع أنه لا دليل عليه إلا الإطلاق والمفهوم اللذين يجب الخروج عنهما بما عرفت ، وخبر داود بن الحصين (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الرضاع بعد حولين قبل أن يفطم يحرم » الضعيف بلا جابر ، أو الموثق الموهون بما عرفت الذي رماه في التهذيب بالشذوذ ، وحمله فيه وفي الاستبصار على التقية ، بل يمكن حمله على الحولين من ولادتها بناء على عدم اعتبار ذلك في التحريم ، والأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في أنه هل يراعى ذلك أيضا في ولد المرضعة الأصح عند المصنف وابن إدريس والفاضل في غير المختلف والشهيدين وفخر الإسلام والكركي وغيرهم بل ربما نسب إلى الأكثر أنه لا يعتبر للعموم ، خلافا للتقي وابني زهرة وحمزة ، بل في الغنية الإجماع عليه ، للأصل وإطلاق‌ « لا رضاع بعد فطام » (٢) وأخبار الحولين (٣) ولأن‌ ابن فضال (٤) سأل ابن بكير في المسجد فقال : « ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان؟ أيفسد ذلك بينهما؟ قال : لا يفسد ذلك بينهما ، لأنه رضاع بعد فطام ، وإنما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا رضاع بعد فطام ، أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حد اللبن ، ولا يفسد بينه وبين من شرب من لبنه ، قال : وأصحابنا يقولون :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٤ و ٥ و ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٦.

٢٩٧

إنها لا تفسد إلا أن يكون الصبي والصبية مما يشربان شربة شربة » وربما حكي عن ظاهر التهذيبين الموافقة على هذا التفسير ، وأجيب بمنع الإجماع ، بل في كشف اللثام وغيره أنه ادعى الإجماع على خلافه ، وأن الظاهر فطام المرتضع والحولين من سنه ، لأنه المبحوث عنه ، لا ولد المرضعة ، لعدم مدخليته في البحث ليكون الكلام فيه ، والأصل يجب الخروج عنه بإطلاق الأدلة فضلا عن غيره ، وفهم ابن بكير الناشئ عن اجتهاد غير حجة وإن كان من أصحاب الإجماع ، هذا.

ولكن قد يقال : إنه لا شهرة محققة على عدم اعتبار ذلك ، فإنه في كشف اللثام قد اعترف بإجمال عبارة الشيخين وكثير ، كما أنه في محكي المختلف حكي الإطلاق عن أكثر المتقدمين أو الإجماع.

قال في المقنعة : « وليس يحرم النكاح من الرضاع إلا ما كان في الحولين قبل الكمال ، فأما ما حصل بعد الحولين فإنه ليس برضاع يحرم به النكاح‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا رضاع بعد فطام ، ولا يتم بعد احتلام ، ولو أرضعت امرأة صبيا قد أكمل سنتين وكانت لها بنت جاز التناكح بينهما ، إذ هو رضاع بعد انقضاء أيامه وحده على ما وصفناه ».

وقال في محكي النهاية : « وينبغي أن يكون الرضاع في مدة الحولين ، فان حصل الرضاع بعد الحولين سواء كان قبل الفطام أو بعده قليلا كان أو كثيرا فإنه لا يحرم ».

وفي محكي المبسوط بعد أن ذكر عدم العبرة برضاع الكبير خلافا لعائشة قال : « الرضاع لا حكم له إلا ما كان في الحولين ، فان رضع بعضه في الحولين وبعضه خارج عن الحولين لم ينشر الحرمة ، ولا فرق بين أن يكون مفتقرا الى شربه أو مستغنيا ».

وكذا في محكي الخلاف ، فإنه بعد أن ذكر مسألة الكبير قال : « مسألة المعتبر في الرضاع المحرم ينبغي أن يكون في مدة الحولين ، فان وقع بعضه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٢.

٢٩٨

في المدة وبعضه خارجا عنها لم يحرم ».

وفي محكي المراسم « المحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينها برضاع اخرى ، وأن يكون اللبن لبعل واحد ، وأن يكون الرضاع في الحولين ، ولهذا نقول : إنه متى رضع أقل من العشر لم يحرم ، أو رضع بعد الحولين لم يحرم » إلى غير ذلك من عباراتهم التي لا ظهور فيها بإرادة حولي المرتضع خاصة ، بل يمكن دعوى ظهورها في حولي الولادة مع ذلك ، لأنه هو مقتضى التعريف في الحولين المشار به الى ما في الآية (١) المعلوم إرادتهما منها ، بل من ذلك يظهر دلالة خبر حماد بن عثمان عليه أيضا ، بل ليس في تفسير الفقيه للخبر المزبور منافاة لما ذكره ابن بكير ، لأنه ذكر بعض الأفراد في مقابلة العامة الذين يحرمون برضاع الكبير ، بل لعل ملاحظة ما في المبسوط والخلاف وذكرهما المسألتين مستقلتين أى رضاع الكبير ومدة الرضاع يشهد لما ذكره ابن بكير.

على أنه لو نزل كلام الأصحاب على إرادة حولي المرتضع خاصة يكون لأحد عندهم لمدة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة ، فإنه يبقى رضاعها مؤثرا ولو سنين متعددة ، وهو مع إشكاله في نفسه لكونه حينئذ كالدر مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك ، خصوصا بعد أن تعرض له العامة ، فإنهم قد اختلفوا في تحديد مدة الرضاع ، فذهب جماعة إلى أنها حولان لقوله تعالى (٢) ( وَالْوالِداتُ ) الى آخره فدل على أن الحولين تمام مدتها ، فإذا انقضت فقد انقطع حكمها ، وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والمروي عن عمرو بن مسعود وأبى هريرة وأم سلمة ، وعن مالك أنه جعل حكم الزيادة على الحولين إذا كان يسيرا حكم الحولين ، وقال أبو حنيفة : مدة الرضاع ثلاثون شهرا لقوله تعالى (٣) : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ) إلى آخره وفيه أنه لأقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع ، لأن الفصال الفطام ، وقال بعضهم : مدة الرضاع ثلاث سنين ، الى غير ذلك من الشواهد‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٣) سورة الأحقاف : ٤٦ ـ الآية ١٥.

٢٩٩

الكثيرة ، لما ذكره ابن بكير ، نعم قد ينافيه موثق داود بن الحصين (١) بناء على تفسيره بما سمعت ، ولكن قد عرفت شذوذه.

وكيف كان فلو مضى لولدها أكثر من حولين ثم أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة على القول الأول ، ولم ينشر على الثاني ولو رضع العدد إلا رضعة فتم الحولان ثم أكمله بعدها لم ينشر الحرمة على القولين ، لتحقق الفطام في المرتضع والولادة وكذا لو كمل الحولان ولم يرو من الأخيرة ضرورة عدم صدق تمام العدد فيهما أيضا وهو واضح. نعم ينشر على الأول إذا تمت الرضعة مع تمام الحولين للمرتضع وعليهما إذا تمت بتمام الحولين له ولولد المرضعة ، لإطلاق أدلة الرضاع ، واختصاص النفي بما بعد الفطام الذي هو الحولان ، لكن قد ينافي ذلك ما في صحيح البقباق (٢) من كون الرضاع قبل الحولين الذي لا يصدق مع التمام ، بل هو مقيد لإطلاق المفهوم السابق ، اللهم إلا أن يراد منه قبل تجاوز الحولين لا قبل تمامهما ، فلا يكون منافيا ، ولعل ذلك أقوى ولو لفهم الأصحاب المؤيد بإطلاق الرضاع ، وصدق كونه في الحولين الذي هو معقد الإجماع المحكي ، نعم عن غاية المراد « يعتبر في نشر الحرمة في الرضاع أن يكون المرتضع دون الحولين طول مدة الرضاع إجماعا ، وخلاف ابن الجنيد حيث نشر الحرمة بعد الحولين ما لم يتخلل فطام ضعيف ، لسبق الإجماع وتأخره » الى آخره ، ويمكن أن يريد بقرينة ما حكاه عن ابن الجنيد بدون الحولين ما لا ينافي المقارنة ، والله العالم.

ولو جهل الحال فلم يعلم كونه في الحولين أو في غيرهما ففي القواعد وجامع المقاصد الحكم بالحل من غير فرق بين العلم بتاريخ أحدهما وعدمه ، ولعله لقاعدة أن الشك في الشرط شك في المشروط ، فيبقى أصل الإباحة بحاله ، ولما عرفته منا مكررا من عدم الحكم بالاقتران مع تعارض الأصلين وجهل التاريخ ، بل هو حادث والأصل عدمه ، ولا بتأخر المجهول عن المعلوم كما حررناه في محله ، وحينئذ فأصل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٤.

٣٠٠