تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي

تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

المؤلف:

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي


المترجم: صلاح الدين عثمان هاشم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: لجنة التأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٩

بالذات ترجع أول إشارات ولو مبهمة عن ظهور مصورات جغرافية وعن الجغرافيا الوصفية فى المجالين الإدارى والاقتصادى. أما المعلومات العملية فى ميدان الجغرافيا فقد زادت العناية بتنظيمها أيضا ولكن لم يتبق لنا أى أثر من ذلك. كما وأن بريد الدولة الذى خضع لتنظيم جيد فى العهد الأموى قد استدعى إعداد رسوم تخطيطية لمختلف الطرق ؛ ومثل هذه الرسوم قد وجد بلاريب فى دواوين الحكومة واستغلها بعض مؤلفى العصر العباسى فى وضع مؤلفات فى هذا الميدان وصلت إلينا. أما طرق البريد فقد نصبت على جانبها حجارة لتوضيح المسافات وهى ما يسمى بالأميال ؛ وكانت تبدأ من مركز الخلافة. وقد عثر على بعض هذه الحجارة بفلسطين وترجع إلى عهد عبد الملك بن مروان (أى قبل عام ٨٦ ه‍ ـ ٧٠٥) (١٥٥) ؛ ومنذ عهد ليس ببعيد عثر على واحد منها قرب تفليس وأغلب الظن أنه يرتفع إلى نفس ذلك العصر (١٥٦).

وتنعدم الجغرافيا الفلكية تماما فى هذا العصر. وإذا حدث وأن وجدت فقد كان صداها ضئيلا وبين السريان وحدهم بحيث لم تصل إلى العرب. ومن المعلوم أن أسقف اليعاقبة ساويرس سبوكت Severus Sabokt ، وكان معاصرا لعمر وعثمان بل ولمعاوية فى الأعوام الأول لخلافته ، قد وجد الوقت الكافى ليشتغل بالفلك إلى جانب اشتغاله بمنطق أرسطو. ومن معاصرى الخلفاء الأمويين الأوائل يعقوب الرهاوى (٦٤٠ ـ ٧٠٨) الذى نال الشهرة كعالم لغوى ومفسر ، وكان أول من حاول فى اللغة السريانية إعطاء صورة متماسكة للتصورات العلمية فى ذلك العصر عن العالم وأقسامه وظواهره وذلك أثناء تفسيره لأسطورة التوراة فى خلق العالم ؛ وهو يورد فى سياق عرضه مقتطفات من بطلميوس (١٥٧). ولم يكن بمقدور السريان أن يصبحوا أساتذة للعرب فى العصر الأموى بالرغم من أن هذا هو ما حدث فعلا فى أقل من قرن بعد ذلك. لذا فليس من الغريب ألا نعثر على أى أثر للجغرافيا الفلكية بين العرب فى ذلك العصر. ولكنها تندفع فجأة كسيل جارف فى نهاية القرن الثامن ولا تكتفى بإبراز فرع جديد فحسب بل تحدث تحولا ملحوظا فى الفروع الأخرى التى تشكلت آنذاك. وهذه اللحظة بالذات هى التى يجب أن تعتبر بحق بداية الأدب الجغرافى العربى.

٦١

حواشى الفصل الأول

__________________

(١) ـ Sarton ,Introduction ,I ,p.٠٣٢

(٢) ـ Müller ,p.٣٢٥ ـ ٦٢٥

(٣) شرحه ص ٤٠٩. عن حياتهما راجع : Christ ـ Schmidt ,II ,p.١٠٤

(٤) ـ Mzik ,Ptolemaus und die Karten ,p.٣٥١

(٥) ـ Conti Rossini, Chrestomathia, p. ٥٣ ـ ٧٣; Sarton, Introduction, I, p. ٣٣٤

(٦) خلاصة كلام المؤلفين القدامى عن بلاد بلاد العرب الجنوبية يعطيه باللاتينية : Conti Rossini, Chrestomathia, p. ١ ـ ٧٣.

(٧) نالينو ، الفلك ، ص ١١٢ (ـ Racc.,p.٥٧١ ـ ٦٧١)

(٨) ـ Saussure ,Commentaire p.٩٢١ ـ ٥٧١ (فى كتاب : Ferrand ,Introduction)

(٩) ـ Nallino ,El ,I ,p ٧١٥

(١٠) ابن قتيبة ، راجع شكرى الآلوسى ، الجزء الثالث ، ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(١١) ـ Ruska ,EI ,III ,p.٢٥٢

(١٢) نالينو ، الفلك ، ص ١٢٨ ـ ١٣٣ (ـ Racc.,p.٧٨١ ـ ٢٩١)

(١٣) ـ Ferrand ,Introduction ,p.٣٤١ ـ ٤٤١ ,note l

(١٤) ـ Saussure ,Commentaire ,p.٣٤١

(١٥) ـ Nallino, Sun, Moon Stars, p. ٥٩ ـ Wellhausen, Reste ٢, p. ٠١٢.

(١٦) نالينو ، الفلك (ـ (ـ Racc.,p.٧٠١ ,٩٠١

المعلوف ، مجلة المجمع العلمى العربى

Samaha, Names, p. ٧ Jacob, Beduinenleben ٢, p. ٨٥١ ـ ٠٦١ ـ Dvorac, p. ٨٣ ـ ٠٤

(١٧) Saussure ,p.٥٠١ ,٧٠١ راجع ـ Hess ,

(١٨) راجع مثلا ياقوت ، المعجم ، الجزء الثالث ، ص ٧٠٤ ٨ وص ٥٤٨ ٣٠ ـ ٣١

ولدى البدو أيضا : راجع Hess ص ١ ـ ٢ ـ نالينو ، الفلك ، ص ١٠٨ ـ ١٠٩ وص ٣١٢ ـ ٣١٣ (ـ Racc.p.٢٧١ ـ ٣٧١ ,٥١٣ ـ ٦١٣)

(١٩) No I ,١ ـ ٣ ـ Huber ـ Brockelmann ,p.V الخالدى

(٢٠) (No XIX ,٤ ـ ٦ (p.٦٣١ ـ ٧٣١ الخالدى ،

ـ Brockelmann, GAL, SBI, p. ٣٠٤ ـ Huber Brockelmann, p. XXXIX ـ XL.

٦٢

__________________

(٢١) (النص ص ٥ ؛ الترجمة ص ١٨) ـ Lyall ,No I ,١ ـ ٣

(٢٢) ـ Hirschfeld ,p.٥٥ ,No CXXV ,١ ـ ٣ ; راجع ياقوت ، المعجم ، الجزء الثالث ص ١٠٥.

(٢٣) ـ Brockelmann ,GAL ,SBI ,p.٨٨١ ,No ٢ b

(٢٤) شرحه ص ٤٠٣.

(٢٥) (الطبعة المنفصلة ، ص ٢) ـ Wüstenfeld ,Bahrein und Jema؟ma ,p.٤٧١

(٢٦) ـ Kowalski, Korosi Czoma Archivum, II, ٦٢٩١, p. ٨٣ ـ ١٤ :

أنشدنا الرياشى :

غلبت أمه أباه عليه

فهو كالكابلى أشبه خاله

(ابن قتيبة ، عيون الأخبار ، الجزء الرابع ، ص ١٢٢)

(٢٧) ـ Mzik ,WZKM ,XLV ,p.٧٩

(٢٨) شرحه ص ٩٩

(٢٩) ـ Samaha

(٣٠) نالينو ، الفلك ص ١٠٥ (ـ Racc.,p.٠٧١)

(٣١) ـ Michelson ,p.٦١٦ ـ ٧١٦ ,No.٧٠٣

(٣٢) نالينو ، الفلك ص ١٠٦ (ـ Racc.,p.٠٧١ ـ ١٧١)

(٣٣) ـ Samaha ,Names ,p.٦ ـ Horovitz ,p.٩١١

(٣٤) نالينو ، الفلك ، ص ١١٠ ، ٣١١ ـ ٣١٢ (ـ Racc.,p.٤٧١ ,٥١٣ ـ ٦١٣) ولكن راجع أيضا : Hartner ,EI III ,p.٧٧٥

(٣٥) ـ Sablukov ,p.٦٥

(٣٦) ـ Dvorac ,p ١٤ ـ ٢٤

(٣٧) نالينو ، الفلك ، ص ٨٤ ـ ١٠٤ (ـ Racc.p.٣٥١ ـ ٩٦١) وأيضا : Moberg ,An ـ nasi \' ,EI ,III ,p.٤٢٩ ـ ٥٢٩

(٣٨) راجع : ـ Hartner ,Zaman ,p.٧٠٣١ ـ ٨٠٣١

(٣٩) ـ Streck ,Kaf ,p.٨٥٦

(٤٠) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٣٦

(٤١) ـ Golius ,p.II sui. ـ Mehren ,Udsigt ,p.٠٨ ـ ١٨

(٤٢) ـ Wensinck ,Navel ,p ,٤

(٤٣) ـ Streck ,Kaf ,p.٨٥٦ ـ ٩٥٦. وعن علاقة جبل قاف بالنظريات الإيرانية فى نشأة العالم (البندهشن) راجع : Aga Oghlu ,p.٦٤٢ ـ ٨٤٢

٦٣

__________________

(٤٤) راجع مجموعة المنحولات (Apocrypha) المصرية : Nau, Les Arabes chrétiens, p. ٥٣١.

ويشير فيه إلى : ROC ,XVII ,p.٧٤٢

(٤٥) راجع آراء العبريين فى هذا : ـ Hirschberg ,p.٦٨ ,Note I وReinaud ,Introduction ,p.CLXXVIII ـ CLXXX قارن أيضا غريمه (Grimme ,II ,٧٤) الذى يرى فى السبع أرضين تقليدا للسبعة سماوات ، لأن العبريين يعتقدون أن كل ما خلقه الله فى أعلى جعل له مثيلا فى أسفل.

(٤٦) ـ Kramers ,Legacy ,p.٣٨ ـ ٤٨ p.٧٤

(٤٧) ـ BGA ,III ٢ ,p.٦١

(٤٨) ـ ZKV ,I ,٥٢٩١ ,p.٧٠١ ـ ٨٠١

(٤٩) ـ Wensinck ,Ocean ,p.٠٢ ,٧٣

(٥٠) ـ Mzik ,WZKM ,XLV ,p.٥٨ ـ ٨٠١ وخاصةp.٧٩ ـ ٨٠١

(٥١) ـ BGA ,III ٢ ,p.٠٢ ـ ٦٣١

(٥٢) ـ Mzik ,WZKM ,XLV ,p.٣٠١

(٥٣) شرحه p.٦٠١ ـ ٧٠١

(٥٤) شرحه p.٧٠١

(٥٥) شرحه p.٨٠١

(٥٦) ـ Ahreus ,p.٢٣١

(٥٧) ـ BGA ,III ٢ ,p.٦١ ـ Wensinck ,Ocean ,p.٤٢

(٥٨) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٣٦

(٥٩) ـ Horovitz ,p.١٤١

(٦٠) شرحه p.٧٣١ ـ ٨٣١

(٦١) شرحه p.٨٠١

(٦٢) شرحه p.٣٢١

(٦٣) ـ Streck ,Djudi ,p.٦٠١١ ـ Horovitz ,p.٧٠١ ـ ٨٠١

(٦٤) ـ Horovitz ,p.٣٢١ ـ ٥٢١

(٦٥) شرحه p.٥٢١

(٦٦) شرحه p.٨٣١

(٦٧) شرحه p.٣٩ ـ ٤٩

(٦٨) شرحه p.٤٩ ـ ٥٩

٦٤

__________________

(٦٩) شرحه p.٤٩

(٧٠) شرحه p.٩٨ ـ ٠٩

(٧١) شرحه p.١٤١ وأيضا القرآن (٥٨٢) : مصرا

(٧٢) ـ Horovitz ,p.١٠١

(٧٣) شرحه p.٧٢١

(٧٤) شرحه p.١٣١

(٧٥) شرحه p.١٢١ ـ ٢٢١

(٧٦) شرحه p.٧٣١

(٧٧) شرحه p.٣١١

(٧٨) شرحه p.٥٢١ ـ ٧٢١

(٧٩) شرحه p.٣٠١ ـ ٦٠١

(٨٠) شرحه p.٥١١

(٨١) شرحه p.٢٠١ ـ ٣٠١

(٨٢) Reinaud, Introduction, p. CCCXI ـ CCCXIV ـ Horovitz, p. ٠٥١ ـ ١٥١ ـ Wensinck, EI, IV, p. ٦٣٢١

(٨٣) ـ J.K.Wright ,Geogr.Lore ,p.٢٧ ـ ٤٧ ,٧٨٢ ـ ٨٨٢

(٨٤) نالينو ، الفلك ، ص ١٢٤ (ـ Racc .. p ,٤٨١ ـ ٥٨١) Wensinck ,Handbook ,p.١٠٢

(٨٥) Wensinck ,Handbook ,p.٩٩

(٨٦) (مع ذكر المراجع) ـ Streck , (Ka؟l) p.٨٥٦ ,

(٨٧) شرحه P.٩٥٦

(٨٨) راجع : ـ Wensinck, Handbook, p. ٣٦٢

(٨٩) ـ Wensinck ,El ,IV ,p.٥٣٢١

(٩٠) ـ Fischer ,Beitra؟ge ,p ,٥١

(٩١) ـ Wensinck ,Handbook ,p.٦٦

(٩٢) ابن الفقيه BGA ,V ,p.٣ راجع : Wensinck ,Navel ,p.١٥

(٩٣) راجع : ـ Hirschberg ,p.٢٢ ـ ٣٢ ـ Wensinck ,Navel ,p XII

(٩٤) ـ Carra de Vaux ,EI ,I ,p ,٦٠٦ ـ ٧٠٦

(٩٥) ـ Nau ,Les Arabes chre؟tiens ,p.٥٣١

٦٥

مع الإشارة إلى ترجمة القرآن لسافارى Savary ص ٢١

Barbier de Meynard, Al Macoudi, I, p. ٣٠٢ ـ Sprenger, Mohammed, II p, ٦٤٩

راجع أيضا : Kimble p.٥٨١

__________________

(٩٦) Kramers ,El ,EB p ,٣٦

(٩٧) ابن الفقيه : BGA ,V ,p.٤

(٩٨) شرحه : ـ p.٤ مفصل أكثر ولكن يختلف عنه : ابن خرداذبه BGA ,VI ,p.٣٩

(٩٩) ـ Wensinck ,Handbook ,p.٠٥ ـ ١٥

(١٠٠) شرحه p.٠٤.

(١٠١) شرحه p.٠٨١.٣٨١.

(١٠٢) شرحه p.٦٩ ـ ٧٩

(١٠٣) يرويها فى صيغة أخرى ابن عبد الحكم ، راجع Torrey ,p.١ وقارن : Brockelmann ,GAL ,I ,p.٨٤١ : No I ;SBI ,p.٧٢٢ , مع اشارة : Carra de Vaux ,Abre؟ge؟,p.٩٢ ابن الفقيه : BGA ,V ,p.٣ ـ ٤

(١٠٤) ترد مع مشك Meshek (عبرية)

(١٠٥) قرب الاسكندرية راجع اليعقوبى : BGA ,VII ,p.٢٤٣

(١٠٦) ـ Ferrand ,Le Wakwak.

(١٠٧) ـ Wensinck ,Tree ,p.٧٣.

(١٠٨) ـ Ferrand ,Le Wakwak ,p.٤١٢ ـ ٥١٢.

(١٠٩) ـ De Goeje, Selections, p. ٣٢ ـ ٤٢; Brockelmann, GAL, SBI, p. ٣٠٤

(١١٠) ـ Goldziher, Muh Studien, II, p. ١٦١. Levi Della Vida, El, IV, p. ٠٠٧ ـ ٢٠٢.

(١١١) ـ Sprenger, Mohammed, l, p. ٠٦٤ ـ Barbier de Meynard, AlMacoudi, IV, p. ٨٢ ـ ٩٢.

(١١٢) ـ Chauvin ,VII p.٠٥ ـ ٥٥ ـ Basset ,Temim ,p.٣ ـ ٦٢

(١١٣) ـ Brockelmann ,GAL ,II ,p.٠٣١ ,No ٤ ,SB ,II ,p.٢٦١.

(١١٤) حاجى خليفة ، I ، ص ٣٧١ رقم ١٠٠٨ : إفحام الممارى بأخبار تميم الدارى Basset ,Temi؟m ,p.٦.

(١١٥) ابن سعد ، الثالث / الثانى ، ص ٩٣ ـ ٩٤

ـ Caetani, Chronographia, p. ٤٦٣, ٤٢ ـ Caetani, Annali, VI, p. ٥٨١.

٦٦

__________________

(١١٦) الطبرى ، الأول ، ص ٢٧٩٨ ، والفهرس ص ٣٠٩

(١١٧) ابن سعد ، الثالث / الثانى ، ص ٩٤

(١١٨) ياقوت ، المعجم ، الثانى ، ص ٨٠٦ ـ ٨٠٧ ـ القزوينى ، الأول ، ص ١٦١

(١١٩) ـ Krymski ,Sem Spiaschikh otrokov ,p.٨٥ ـ ٩٥.

(١٢٠) الدينورى ، ص ٢١ ـ ٢٢.

(١٢١) ابن الفقيه BGA ,p.٠٤١ ـ ٣٤١.

(١٢٢) ـ Krymski ,Sem spiaschikh otrokov ,p.٣

(١٢٣) Krymski ,Rozvidkip.٧١١.

(١٢٤) Wüstenfeld ,Ibn Ishak ,p.٢٩٩. وقراءات أخرى لدى الطبرى ، الجزء الأول ، ص ١٦٠٥ ـ ١٦٠٦ راجع الدميرى ، الجزء الثانى ، ص ١De Goeje ,Brandan ,p.٣٦

(١٢٥) ـ Wensinck ,Handbook ,p.٤٢٢.

(١٢٦) ـ Rosen ,K Fihristu ,p.٩٣٢ ـ ١٤٢.

(١٢٧) (فى نص المسعودى بدل «لنا» توجد «لى»)

(١٢٨) ـ Barbier de Meynard ,Al Maccudi ,lll ,p.٣٢١ ـ ٠٣١.

(١٢٩) شرحه ص ١٢٥ ـ ١٢٦

(١٣٠) ياقوت ، المعجم ، الرابع ، ص ٨

(١٣١) ـ Description de l\'égypte, l, ١٨٥ ـ ٢٨٥ ـ Nallino, II Valore, p. ٢٢.

(١٣٢) ابن خلكان الأول ، ص ٢٣٦ ـ ٢٤٣ ـ Perrier ,p.٠٠٢ ـ ١٠٢.

(١٣٣) الدينورى ، ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦

(١٣٤) ياقوت ، المعجم ، الجزء الأول ، ص ٢٩٤ : «قد وليتك بلدة حجرها الكحل وذبابها النحل وحشيشها الزعفران».

راجع حبيب الزيات : Les Couvents ,p.٣٤٣

(١٣٥) ابن خلكان ، الجزء الأول ، ص ٢٣٩ ـ ٢٤٠

(١٣٦) ياقوت ، المعجم ، الجزء الرابع ، ص ٦١٣. أبيات الأعشى. قراءة أخرى : عمر وقندابيل : ابن قتيبة ، العيون ، الجزء الثانى ، ص ١٩٩

(١٣٧) (كتاب الأغانى ، الجزء الأول ، ص ١٧٦ و ١٦٩) ـ Rescher ,Abriss ,l ,٢ ,p.٧٠٢.

(١٣٨) عن ابن القرية راجع كاتيانى (Caetani ,Chronographia ,p.٥١٠١ ,No ٤٣)

(١٣٩) ـ Wensinck, A scha, p. ٦٩٤ Brockelmann, GAL, l, p. ٢٦, No ٧; SB, l, p. ٥٩ Rescher, Abriss, l, p. ٩٤١ ـ ٠٥١.

(١٤٠) ـ Geyer ,p.٨٢٣ ,No ٠٢ ـ Goutta ,p.٥١ ياقوت ، المعجم ، الرابع ، ص ٦١٣ ـ البلاذرى ، ص ٤٣٣ ـ ٥٣٤ شيخو ، المجانى ، الخامس ، ص ١٨٣ ـ ١٨٤

٦٧

__________________

(١٤١) ياقوت ، الإرشاد ، الجزء الرابع ، ص ١٦٠ ـ ١٦٥.

(١٤٢) جرجس افندى صفا ، ص ٤٤١ ـ ٤٤٢

(١٤٣) ـ Wellhausen, Das arab. Reich, p. ١٧٢ Périer, p. ٥٣٢ ـ Gibb, The Arab Conquests, p. ٥٣.

(١٤٤) الطبرى الثانى ، ص ١١٩٩

(١٤٥) ابن الفقيه ، BGA ,V ,p.٣٨٢

(١٤٦) من المحتمل أن بيزلى يعنى هذا بقوله : Beazley, l, p. ٩٠٤» The maps or repesentatrions drafted by provincial administrators were

(قبل العصر العباسى).Put under contribution «

(١٤٧) التنوخى ، «الفرج» ، الأول ص ١٣٨ ـ ١٤٧ : «روى نجيد كاتب ابراهيم بن المهدى أن ابراهيم حدثه أن مخلدا الطبرى الكاتب للمهدى على ديوان الرسائل أخبره أنه كان فى ديوان عبد الملك يتعلم ...».

(١٤٨) المقدسى ، BGA ,lll ص ١٥٣ ـ ١٥٤. راجع :

الطبعة الأوكرانية ص ١٢٧.Krymski ,Sem spiaschikh otrokov ,p.٦٢ ـ ٧٢ ,no ١٢

(١٤٩) ـ S.Vila ,Atti ,p.٥٤٥ ـ Dozy ,Recherches ,l ,p.٦٧ ـ ٨٧ ـ راجع عن المصادر : ـ Caetani ,Chronographia ,p.٥٤٢١ ,٣ ـ السمعانى ، ص ١٨٢ ـ ابن حيان موجود لدى : المقرى ، الجزء الثانى ، ص ٨ ؛ وراجع أيضا المقرى الجزء الأول ص ١٤٥ ـ ابن عذارى ، الجزء الثانى ، ص ٢٥ ـ ٢٦.

(١٥٠) ـ Levi ـ Provencal ,L\'Espagne ,p.٢٠٢ ـ ٣٠٢

(١٥١) ـ Caetani, Chronographia, p. ٨٨٢١, ٠٤ ـ Wellhausen, Das Arab. Reich, p. ٣١٢

(١٥٢) ـ Wüstenfeld ,Erdbeschreibung ,p.٢ ,No I

(١٥٣) ـ Ruska ,GZ ,٣٣ ,٧٢٩١ ,p.٤٢٥ وأيضا قبله : Meyer ,III ,p.٧٦٢ ,Note ٢

(١٥٤) ـ Renaud, Invasion p. ٦١, Note l Caetani, Chronographia, p. ٨٨٢١, ٠٤ Simonet, Historia, p. ٥٥١ ـ ٧٥١

(١٥٥) ـ RChr E؟Ar ,l ,p.٣١ ـ ٦١ ,No ٤١ ـ ٧١

(١٥٦) ـ Krachkovskia ,EV ,VI ,p.٨٨ ـ ١٩ ,illustration ,٦١

(١٥٧) ـ Mzik ,Ptolemaeus ,p.٨٥١ and note ٣١

٦٨

الفصل الثانى

بداية الجغرافيا الرياضية عند العرب (١)

يرجع أصل الجغرافيا العلمية عند العرب إلى الفلكيين اليونان. فإذا ما تم الاتفاق على هذه الحقيقة الثابتة وانتقلنا منها إلى تاريخ التطورات الأولى للعلم فى قالبه العربى لجابهنا لأول وهلة عدد غير قليل من المشاكل المعلقة التى ما تزال تفتقر إلى الحل حتى الآن. وسيتضح لنا منذ البداية أن التأثير اليونانى لم يكن هو السابق من الناحية الزمنية ، فقد تقدمه الهندى ثم الإيرانى الذى يرتبط بدوره بالهندى. وإذا كان المذهب اليونانى قد أخذت كفته فى الرجحان منذ بداية القرن التاسع ولم يلبث أن غلب عقب ذلك إلا أن المذهبين الأولين ظلا مع ذلك محتفظين ببعض أهميتهما مدة لا تقل عن القرنين حتى فى المناطق البعيدة جدا عن موطنيهما كالأندلس ، وظلت بعض النظريات المرتبطة بهما عالقة بالجغرافيا العربية إلى عهد أبعد من ذلك. وقد أدى أحيانا تداخل التأثيرات وتشابكها إلى خلق صورة متضاربة الألوان أصبح من العسير تتبع سير التطور التاريخى خلالها.

وثمة سؤال آخر لا يزال يفتقر إلى إجابة شافية وهو لماذا ظهرت الجغرافيا العلمية عند العرب فى العصر العباسى فقط ، وذلك فى النصف الثانى من القرن الثامن؟ ولماذا كان نقلتها فى أول الأمر من الإيرانيين غالبا على الرغم من أن الأمويين كانوا أقرب إلى المهد القديم للحضارة الهلنستية Hellinistic Civilization))(١) فى أنطاكية والإسكندرية حيث لعب السريان فى العادة دور الوسيط.

ويبدو مغريا الفرض القائل بأن العباسيين فى اتجاههم السياسى نحو إيران قد ارتبطوا بالثقافة الإيرانية أيضا. وقد عرف بلاط الساسانيين المنجمين (٢) بينما لا نسمع شيئا عنهم بين العرب فى العصر الأموى ، بلى إن لفظ «منجم» لا يقابلنا فى الشعر قبل عام ١٣٢ ه‍ ـ ٧٥٠ (٣). ولعله ليس من محض الصدفة أن يلعب المنجمون دورا ملحوظا عند وضع الحجر الأساسى لبناء بغداد عام ١٤٥ ه‍ ـ ٧٦٢ ، بل ويقال إن الخليفة المنصور استعان بمعرفة الطالع (horoscope) لاختيار موقع عاصمته الجديدة (٤). ويرد اسم اثنين من المنجمين فى هذه المناسبة ، وكانا كما هو الحال فى ذلك العصر فلكيين أيضا وعلى معرفة

__________________

(*) العصر الهلنستى Hellinistic هو عصر انتشار الحضارة اليونانية فى المشرق عقب فتوحات الإسكندر ؛ وقد أثرت هذه الحضارة فى حضارة الشرق وتأثرت بها وأخرجت مزيجا من الاثنين. وهذا اللفظ يستعمل فى مقابل العصر الهلينى Hellinic وهو عصر الحضارة اليونانية فى بلاد اليونان نفسها ، أى قبل الغزو المقدونى. ويقول سارطون إنه «قد أحسن اختيار هذه العبارة إذ توحى بالهلينية بالإضافة إلى شىء آخر غريب عنها ، شىء مصرى أو شرقى». (المترجم)

٦٩

تامة بالتراث العلمى لعصرهما. أحدهما هو نوبخت الذى انحدرت من صلبه دوحة إيرانية احتلت مكانا مرموقا فى ميدانى العلم والسياسة فى العصر العباسى (٥) ، أما الآخر فهو ما شاء الله الذى وإن كان يهوديا إلا أنه ارتبط ارتباطا وثيقا بالتراث الإيرانى (٦) ، وسيرد بالتالى ذكر استعماله «لزيج الشاه» الذى يرجع أصله إلى العهد الساسانى. والتأثير الإيرانى يمكن تتبعه ليس فى الأسماء فحسب بل أيضا فى المصطلحات التى وجدت طريقها إلى أوروبا الوسيطة بفضل الترجمات اللاتينية لمصنفات ما شاء الله الذى يرد اسمه باللاتينية على صورةMessahallath أوMesseallah (٧). ويمكن افتراض وجود علاقة بين هذا التراث الإيرانى والمدرسة الطبية الشهيرة لعهد الساسانيين بجنديسابور (٨) التى وإن كان أطباؤها جلهم من المسيحيين إلا أن لغتهم كانت الفارسية.

ونادرا ما اتسمت المصنفات الفلكية الإيرانية التى وصلت العرب فى ذلك العصر بالأصالة ، فهى كانت عادة تعكس العلم الهندى الذى وجد طريقه أيضا إلى العرب مباشرة. وتصور الرواية العربية هذه الصلة بالعلم الهندى على الطريقة الآتية : فقد كان من بين أعضاء السفارة الهندية إلى بلاط المنصور فى عام ١٥٤ ه‍ ـ ٧٧١ أو عام ١٥٦ ه‍ ـ ٧٧٣ عالم هندى هو مانكاManka أو كانكاKanka أحضر معه من الهند رسالة فى الفلك بجداولها أطلق عليها فى الترجمة العربية التى عملها الفزارى ويعقوب بن طارق اسم «كتاب السند هند» (٩). وكثير من جوانب هذه القصة غير واضح ابتداء من التردد فى الوقوف عند تاريخ محدد ، الأمر الذى يزيد فى تعقيده وجود رواية أخرى عن سفارة ثانية فى عام ١٦١ ه‍ ـ ٧٧٧ ـ ٧٧٨ (١٠). غير أن أصل هذه الرسالة قد أمكن تحديده بكل ثقة وبدرجة كبرى من اليقين ألا وهو رسالة «براهما سفوطا سدانتا» Brahm asphutasiddhanta التى وضعها فى عام ٦٢٨ براهما غبتاBrahma Gupta (١١) ، ولفظ «سيدانتا» قد تحول فى الوسط العربى تحت تأثير الاشتقاق الشعبى إلى «السند هند» الذى تنعكس فيه التسمية العربية لشطرى الهند ، أى الهند والسند. ومعنى «سيدانتا» فى الأصل هو «المعرفة والعلم والمذهب» (١٢) ، ثم لم يلبث أن أطلق اصطلاحا على كل مصنف فى الفلك. والرسالة تحوى مقدمة وجيزة أرفق بها عدد من الجداول الفلكية فى تحركات الأجرام السماوية وطلوع ومغيب البروج. وقد حسبت هذه الحركات على أساس دورات زمنية تضم آلاف السنين وهى ما تسمى بالكلباKalpa التى تقوم على فرض مؤداه أنه فى بداية العالم كانت الشمس والقمر والكواكب مجتمعة على خط واحد وأنها سترجع إلى نفس الوضع فى نهاية العالم (١٣)

وقد ظلت هذه النظرية معروفة فى أوروبا لعهد طويل ، ولنذكر بهذه المناسبة أنه قد وردت فى «الكوميديا الإلهية» لدانتى Dante الأبيات الآتية :

«كان الوقت لحظة الصباح الأولى ، وقد ارتفعت الشمس محاطة بنفس تلك النجوم التى كانت

٧٠

تصحبها منذ الأزل ، عندما حرك الحب الإلهى

تلك الأشياء الجميلة لأول مرة» (١٤).

والبرهان على ما بلغتة هذه النظرية من انتشار بين العرب يتضح من موضع فى «كتاب الشعر والشعراء» لابن قتيبة (المتوفى عام ٢٧٦ ه‍ ـ ٨٨٩ م). فهو عند شرحه لبيت أبى نواس فى وصف الخمر :

تخيّرت والنجوم وقف

لم يتمكن بها المدار

كتب يقول :

«يريد أن الخمر تخيرت حين خلق الله الفلك ، وأصحاب الحساب يذكرون أن الله تعالى حين خلق النجوم جعلها مجتمعة واقفة فى برج ثم سيرها من هناك وأنها لا تزال جارية حتى تجتمع فى ذلك البرج الذى ابتدأها فيه وإذا عادت إليه قامت القيامة وبطل العالم. والهند تقول إنها فى زمان نوح اجتمعت فى الحوت إلا يسيرا منها فهلك الخلق بالطوفان وبقى منهم بقدر ما بقى منها خارجا عن الحوت. ولم أذكر هذا لأنه عندى صحيح بل أردت به التنبيه على معنى البيت ونظر هذا الشاعر فى هذا الفن» (١٥).

وفيما بعد استعمل الفلكى أبو معشر حساب التوقيت الذى يبدأ من الطوفان ، لأن الطوفان حدث فى لحظة اقتران جميع الكواكب فى نهاية دائرة البرج (١٦).

ومن العسير التكهن بالصيغة التى اتخذها كتاب «السند هند» فى الوسط العربى إذ أن نصه لم يحفظ لنا ، ومن العسير كذلك التكهن بطبيعة الدور الذى قام به كلا المترجمين فى هذا الصدد فالفزارى كان إلى عهد غير بعيد ، وذلك لتضارب المعلومات حوله فى المصادر الإسلامية ، يقصد به شخصان. وإحدى أيادى نالينوNallino العديدة على العلم هى إثبات اسمه الحقيقى (١٧). وقد استعمل الفزارى فى كتابه الأسس والمناهج الهندية فى الحساب لوضح جداول فلكية جديدة ـ زيج (١٨). وقد حفظ لنا الفزارى على العموم أصل المذهب الذى أطلق عليه فى العلم العربى «مذهب السند هند» ولكنه أجرى فيه بالطبع تعديلات وإضافات جوهرية وقام بتحويل حساب التوقيت الهندى إلى «سنى العرب» كما تقول المصادر ، أى أنه استبدل بنظام الكلبا حساب السنين القمرية المستعمل لدى المسلمين (١٩) ، أما إضافاته فقد بدت فى الاتساع الملحوظ فى المادة المتعلقة بأراضى الخلافة ؛ وفى القطعة من زيجة التى حفظها لنا المسعودى (٢٠) والتى يرد فيها تعداد البلدان الإسلامية يلاحظ اهتمامه بالعامل التاريخى وهو شىء غريب على الهند تماما. فلديه يظهر لأول مرة الرباط بين التاريخ والجغرافيا (٢١) الذى أصبح بالتالى طابعا مميزا لجميع مصنفات الأدب الجغرافى فى اللغة العربية. ومادة هذه القطعة تشير إلى أنها دونت عقب عام ١٧٠ ه‍ ـ ٧٨٦ (٢٢) بقليل ويلوح أنه إلى نفس تلك الحقبة ترجع الصيغة النهائية لزيج الفزاوى.

إن نشاط الفزارى ومعاصريه كان بلا شك فاتحة عهد جديد فى تطور الفلك والجغرافيا الرياضية

٧١

عند العرب ، وكان هو وما شاء الله الذى مر ذكره أول من وضعا الأسطرلاب (٢٣) بين العرب. وربما أفاد فى هذا من الرسالة السريانية لساويرس سبوكت التى ترجع إلى منتصف القرن السابع ، غير أنه من الصعب إصدار حكم فى هذا الصدد لأن آثار الفزارى لم تصل إلينا كما وأن آثار ما شاء الله فى نفس الموضوع معروفة لنا فى ترجمتها اللاتينية الوسيطة فقط. ويلاحظ أن الفزارى قد نظم قصيدة فى النجوم مفتتحا بهذا سلسلة الشعر التعليمى الذى ازدهر بشدة فى العصور التالية.

وأقل من ذلك بكثير معرفتنا بمصنفات الداعية الثانى للمذهب الهندى وهو يعقوب بن طارق (٢٤) معاصر الفزارى. واعتمادا على بعض الوقائع يمكن أن نفترض أن المعين الذى استقى منه مادته كان أوسع ولم يقتصر على رسالة براهما غوبتا وحدها بل شمل عددا من الآثار الأخرى. ولكن مصنفاته هو أيضا مع الأسف الشديد لا يمكن الحكم عليها إلا من عناوينها ، ويبرز من بينها كتاب «تركيب الفلك» الذى يزعم أنه قد جمع بين دفتيه المعلومات التى استقاها من العلماء الهنود أعضاء السفارة الثانية إلى بلاط العباسيين فى عام ١٦١ ه‍ ـ ٧٧٧ ـ ٧٧٨ (٢٥) ، أى بعد خلافة المنصور. أما قيمة مؤلفاته فيدل عليها ما لقيته من تقدير علماء مثل البيرونى (٢٦) ، أو ابراهيم بن عزرا الذى عاش بعد ذلك بوقت طويل فى الأندلس النائية وفى إيطاليا.

هذا وقد ثبتت قواعد نظام «السند هند» فى الفلك العربى على أساس عدد من الرسائل الهندية فى عهد المنصور وبقى سائدا سيادة مطلقة حوالى الخمسين عاما إلى عصر المأمون حين بدأ يزحمه المذهب اليونانى (٢٧) ؛ غير أنه لا يمكن القول بأية حال أنه قد اختفى مرة واحدة بأجمعه ، فأكبر رياضى عصر المأمون قاطبة وهو الخوارزمى الذى سيرد ذكره مرارا قد وضع جداوله الفلكية «السند هند الصغير» اعتمادا على النظام الهندى (٢٨). وقد استمر متداولا على أية حال إلى آخر القرن الحادى عشر وأفاد منه بحاثة كبار مثل البيرونى (٢٩) الذى كان إلى جانب الترجمات العربية يعرفه معرفة جيدة فى مصادره الأصلية (٣٠). أما فى أراضى الخلافة الغربية فقد استمر الاهتمام به زمنا أطول ، كما يظهر ذلك من مثال ابراهيم بن عزرا (٣١) وغيره. وإحدى القواعد الجوهرية لهذا المذهب ظلت إلى حد ما مرتبطة بالمصنفات الجغرافية العربية على الدوام وامتد تأثيرها فى بعض المجالات على العلم الأوربى إلى أيام كولومبس ، أعنى بذلك مسألة حساب خط الزوال أى خط منتصف النهار (meridional) من الشرق ، وأيضا نقطة ابتداء ذلك الحساب. ذلك أنه قبل مجىء النظام اليونانى كانت الأطوال عند العرب تقاس ابتداء من خط منتصف النهار عند الأرين Arine أو «قبة الأرض» الموجودة فى مكان ما من الشرق. وفى القرن العشرين فقط أصبح من الممكن إلى حد ما استكناه جوهر هذه النظريات ونفض غبار الغموض الذى تراكم على ممر قرون طويلة ؛ وكانت أول محاولة فى هذا الصدد للمستشرق الفرنسى رينوReinaud (٣٢).

ووفقا لنظرية العلماء الهنود فإن خطوط الطول يبدأ تعدادها من خط منتصف النهار الذى يمر بوسط المعمورة حيث توجد جزيرة لانكاLanka التى عرفها العرب باسم سرنديب وتعرف حاليا باسم

٧٢

سيلان والتى زعموا أنها تقع على خط الاستواء. والنقطة التى يتقاطع فيها خط الاستواء مع خط منتصف النهار كانت تسمى عند العرب «قبة الأرض» أو «القبة» وهى تقع على أبعاد متساوية من الغرب والشرق والشمال والجنوب. ومن جزيرة لانكا أو من هذه «القبة» كان ابتداء حساب الأطوال الجغرافية عند الهنود (٣٣) ، وبحسب تصوراتهم فإن خط زوال لانكا كان يمر على مدينة أوجينى (اجين Ujain الحالية من أعمال مالوه Malwa بالهند الوسطى) حيث كان يقوم مرصد مشهور (٣٤). وفى صورتها العربية تحولت أجين إلى أزين ، وهذا قريب من شكلها عند بطلميوس وهو أزين Ozene ؛ ثم نتيجة لنقص معهود فى الكتابة العربية تتحول أزين ببساطة إلى أرين Arine. أما الجزيرة نفسها فنظرا لعدم احتفاظها باسمها الهندى عند العرب فقد تمت زحزحتها سهوا فى تجاه الغرب مستمرة على خط الاستواء بحيث أصبحت حسب تصوراتهم تحتل مكانا وسطا بين الهند والحبشة (٣٥) ؛ ونتيجة لكل هذا فقد ثبتت لدى العرب النظرية القائلة بأن حساب الأطوال وفقا لمذهب الهند يبدأ من خط زوال الأرين ، وهذا بدوره جر إلى خلط مفعم بالنتائج بين «قبة الأرض» والأرين ، بل أدى إلى ظهور مصطلح «قبة الأرين». ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى اتخاذ لفظ أرين شيئا فشيئا لمعنى المركز على الإطلاق (٣٦) ؛ وفى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) يعرف الجرجانى الأرين فى معجمة للمصطلحات «التعريفات» كالآتى :

«الأرين محل الاعتدال فى الأشياء وهى نقطة فى الأرض يستوى معها ارتفاع القطبين فلا يأخذ هناك الليل من النهار ولا النهار من الليل وقد نقل عرفا إلى محل الاعتدال مطلقا» (٣٧).

ولم يختف حساب الأطوال ابتداء من الشرق اختفاء تاما حتى بعد دخول المذهب اليونانى. ففى القرن العاشر أثبت الجغرافى وعالم الآثار المشهور الهمدانى ، وأصله من جنوب جزيرة العرب ، أقول أثبت الهمدانى فى كتابه «صفة جزيرة العرب» (٣٨) أطوال «مدن العرب المشهورة» بما فى ذلك مكة والمدينة ابتداء «من الشرق» وأشار إلى أن مصادره هى الفزارى ومعاصر الفزارى المشهور حبش المروزى ، وقد اهتم هونغمان Honigmann فى الآونة الأخيرة بدراسة هذه المادة وحللها تحليلا دقيقا (٣٩).

ولم يكتف مذهب السند هند بإدخال مصطلح «قبة الأرض» والأرين فى الجغرافيا العربية بل أدخل أيضا عددا من النظريات الأخرى ، أحيانا عن طريق الرواية الإيرانية مع زيادات مختلفة. ويروى البيرونى أن بعض الجغرافيين قد حدد موقع جزيرة جمكوت Djamkut (٤٠) على درجة ٩٠ إلى الشرق من جزيرة لانكا أى فى نهاية المعمورة ، ويذكر أن اسمها عند الهنود هو ياماكوتى Yamakoti ، بالرغم من أن ذكرها لا يرد لديهم. وهكذا فإن جمكوت فى الشرق تقابل «جزر السعادة» (الخالدات) عند بطلميوس فى المغرب (٤١). وفى أقصى المشرق على خط الاستواء وعلى بعد ١٨٠ درجة إلى الشرق من «جزر السعادة» و ٩٠ درجة إلى الشرق من «قبة الأرض» يضع البيرونى بدلا من جمكوت قلعة كنكدزKangdez

٧٣

الأسطورية التى كما تزعم الرواية الإيرانية قد بناها الملك كيكاوس أو الملك جم فى أقصى المشرق على خط الاستواء وعلى بعد ١٨٠ درجة إلى الشرق من «جزر الخالدات» و ٩٠ درجة من «قبة الأرين» (٤٢)! بل إن هذه القلعة قد ظهرت فى نهاية القرن السادس عشر كأنها موجودة فعلا وذلك فى كتاب فارسى الجغرافيا هو «آئين أكبرى» الذى تم تصنيفه بالهند (٤٣).

ومن الغريب بمكان أن نظرية «قبة الأرض» الموجودة بالأرين ربما وجدت طريقها إلى أوروبا ، بل وربما أدت هناك إلى ظهور نظريات كانت لها نتائج بعيدة المدى. ففى أثناء أسفاره بالمشرق بين عامى ١١١٠ ـ ١١١٤ اعتنق اديلارد الباثى Adelard of Bath ، مترجم الجداول الفلكية للخوارزمى النظريات العربية الأساسية عن قبة الأرض والتقسيم المنظم لها ، ويلوح أنه أول من أدخل ذلك المصطلح إلى أوروبا فى ترجمته اللاتينية لتلك الجداول حوالى عام ١١٢٦ (٤٤) ؛ وجاء فى قوله «الأرين أو قبة الأرض تقع على خط الاستواء فى النقطة التى تتلاشى عندها العروض ويمكن تحديد النقاط الرئيسية لأى مكان من خط زوال الأرين». ونفس هذه الفكرة قد دعا إليها المترجم الشهير جيرارد الكريمونى Gerard of Cremona (١١١٤ ـ ١١٨٧) وقد حملها على ما يبدو من طليطلة Toledo (٤٥).

وفى القرن التالى لهذا اعتنقها عدد من كبار علماء القرون الوسطى الأوروبية مثل روجر باكون Roger Bacon والبرت الكبيرAlbertus Magnus (٤٦). وكانت التصورات عنها مبهمة أحيانا ، ففى إحدى الخارطات التى ترجع إلى عام ١٢٧٢ زحزجت الأرين صوب الشمال (٤٧).

وقد لعب بطرس ألآيى Petrus de Aliaco أسقف كمبرى Cambrai (١٣٣٠ ـ ١٤٢٠ (٤٨)) دورا خطيرا بالنسبة للعلم الأوروبى والكشوف الجغرافية التالية ، خاصة بفضل رسالته «صورة العالم» Imago Mundi التى تم تصنيفها حوالى عام ١٤١٠ وتم طبعها حوالى عام ١٤٨٠ ـ ١٤٨٧ (٤٩). وإذا كانت الرسالة فى حد ذاتها لا تمثل أهمية كبرى من وجهة نظر الدراسات العربية ، إذ لا تتضمن فى الواقع سوى بضع مقتطفات من الترجمات اللاتينية لابن رشد وابن سينا وهالى Hali (١) والفرغانى (٥٠) ، إلا أنه من الغريب ملاحظة أن نظرية الأرين تظهر فيها بحذافيرها فى المتن وفى الخارطة على السواء (٥١). وأكثر غرابة من ذلك أن يعرفها خريستوفر كولومبس Christopher Columbus فقد حفظت لنا تعليقاته الشخصية على النسخة التى كان يمتلكها من كتاب «صورة العالم» Imago Mundi (٥٢). ومن

__________________

(*) نقل المستعرب الكبير هذا الاسم من كتاب نيوتن : Newton, Travels and Travellers in the Middle Ages, London ٦٢٩١ وقد جاء فى ذلك الكتاب فى ص ٢٤ ما نصه : «Many citations are given from Arab authors, Averroes, Hali, Alfragan, Avicenna and so on»

وإننى أميل إلى الاعتقاد بأن هذا الشكل اللاتينى كان يراد به اسم العالم العربى على بن رضوان (توفى عام ١٠٦٨ م) شارح «كتاب الأربعة» Tetrabiblos. لبطلميوس. (المترجم)

٧٤

هذا يتضح أن نظرية الأرين هى المسئولة بالذات عن ظهور نظرية الشكل الكمثرى للأرض عند كولومبس ، ومؤداها أنه يوجد فى نصف الكرة الغربى من الأرض وفى مواجهة «قبة الأرين» مركز آخر للأرض على موضع أكثر ارتفاعا من رصيفه الموجود بالجهة الشرقية (٥٣). وهكذا فمهما بدا الأمر غريبا اليوم فإن النظرية الجغرافية العربية قد لعبت دورا ما فى كشف العالم الجديد ، وليس ببعيد أن يكون تأثير هذه النظرية هو الذى دفع دانتى ـ الذى يدين بالكثير للتراث الإسلامى كما أثبت البحث الحديث ـ إلى وضع «المطهر» Purgatory على جبل فى الجانب الغربى من نصف الكرة الجنوبى (٥٤) ، كأنما يعكس بهذا التصورات المسيحية عن وجود الفردوس الأرضى فى أقصى الشرق فى مكان ما وراء البحار (٥٥). هذا ولم تختف نظرية قبة الأرين من الجغرافيا الأوروبية إلّا عقب الرحلات الكبرى حول الكرة الأرضية (٥٦).

ولم تجد النظريات الفلكية والجغرافية الهندية طريقها إلى العرب مباشرة فحسب ، بل وصلتهم أحيانا فى ثوبها الإيرانى. ويتضح هذا بصورة جلية من بعض المصطلحات التى دخلت فى الاستعمال العلمى لدى العرب مبكرا واستمرت باقية فيه ؛ وأحد هذه المصطلحات هو اللفظ الذى يطلق عادة على الجداول الفلكية أعنى بذلك لفظ زيج (وجمعه زيجات ، وزيجة ، وأزياج) ، وأصلها من الفارسية زيگ ، وبالبهلوية زيك (٥٧) ، ويقصد به السدى الذى تنسج فيه اللحمة ، ثم أطلق على الجداول العددية لمشابهة خطوطها الرأسية لخيوط السدى. وثمة تفسير آخر لمؤرخ العلوم الدقيقة عند العرب شوى Schoy وهو أن لفظ زيج من الفارسية زه Za؟h أو زيق Zik بمعنى الوتر والخيط الذى يستعمل فى المقاس (٥٨) ؛ غير أن هذا التفسير لم ينل القبول رغم أنه يجد بعض التعضيد فى كلام للبيرونى ، وذلك أثناء محاولته وضع ترجمة دقيقة للفظ اليونانى «قانون» (٥٩). وقد أطلق لفظ زيج عند العرب على أى مصنف فلكى بجداوله ، أما الجداول نفسها فقد حملت أحيانا الاسم العربى «جداول» (جمع جدول) Tables ، كما استعمل فى نفس معنى جداول تقريبا اللفظ اليونانى «قانون» الذى وصل إلى العرب على ما يبدو فى شكله السريانى.

وبعض البحاثة أراد أن يبصر آثار النفوذ الشرقى (الهندى ـ الإيرانى) فى أن الأوصاف الأولى للأقاليم السبعة ، التى ربما ساعد على اعتناق نظريتها التصورات الإيرانية عن السبع كشورات (٦٠) ، تورد مناطق كل إقليم ابتداء من الشرق كما لدى الفرغانى مثلا (٦١). ومن المستحيل بالطبع نفى هذا تماما ، رغم أن نظرية الأقاليم السبعة لم تثبت لدى العرب فى الواقع إلا بعد أن كانوا قد تعرفوا على النظريات اليونانية ، وربما حدث ذلك عن طريق السريان أيضا (٦٢).

ومن بين المصنفات الفارسية لم يحدث تأثيرا كبيرا على العلم العربى إبان نشأته إلا مصنف واحد فقط ، لم يكن ذا قيمة كبيرة فى حد ذاته لأنه يقوم على الأرصاد والجداول الهندية لا الفارسية ، وهو المعروف

٧٥

عند العرب باسم «زيج الشاه» أو «زيج الشهريار» ومعناه زيج الملك (٦٣). واصله البهلوى معروف باسم «زيك شتروآيار» (Zik.i Shatroayar) ويبدأ حساب توقيته ببداية ملك يزدجرد أى فى اليوم السادس عشر من شهر يونيو عام ٦٣٢ ، وهو يزدجرد الثالث آخر ملوك آل ساسان (٦٤). وكما هو الحال دائما فإنه من العسير الحكم على أصله الذى لم يصل إلينا ، ولكنه لعب دورا خطيرا فى قالبه العربى (٦٥) ، وقد أفاد منه كما رأينا ما شاء لله (٦٦) كما وأن نظرياته لم تكن غريبة على محمد الخوارزمى (٦٧) أكبر دعاة المذهب اليونانى. ولما ثبتت جذور المذهب الأخير بدأ يبطل استعمال «زيج الشهريار» ولكنه لم يختف تماما وكثيرا ما اعتمد عليه الفلكى حبش المروزى (٦٨) ، ونال انتشارا واسعا على يد أبى معشر البلخى (المتوفى عام ٢٧٢ ه‍ ـ ٨٨٦) الذى اشتهر فى أوروبا الوسيطة باسم Albumasar (٦٩) ، وذلك بقصصه المنمقة فى تاريخ هذا الزيج وأهميته. وأبو معشر أصله من بلخ ، انصرف فى أول أمره إلى دراسة التوحيد والحديث ، ثم فكر فى أداء فريضة الحج. أما ما حدث له فى هذا الصدد فيرويه لنا ياقوت فى معجمه «إرشاد الأريب» قال :

«كان بكر كر من نواحى القفص (١) ضيعة نفيسة لعلى بن يحيى بن المنجم وقصر جليل فيه خزانة كتب عظيمة يسميها خزانة الحكمة يقصدها الناس من كل بلد فيقيمون فيها ويتعلمون منها صنوف العلم والكتب مبذولة فى ذلك لهم والصيانة مشتملة عليهم والنفقة فى ذلك من مال على بن يحيى فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج وهو إذ ذاك لا يحسن كبير شىء من النجوم فوصفت له الخزانة فمضى ورآها فهاله أمرها فأقام بها وأضرب عن الحج وتعلم فيها علم النجوم وأعرق فيه حتى الحد وكان ذلك آخر عهده بالحج والدين والإسلام أيضا» (٧٠).

ومن بين المصنفات العديدة لأبى معشر هذا «زيج» يعتمد على خط نصف نهار قلعة كنكدز التى مر ذكرها أى أنه يرتفع إلى الأرصاد الهندية فى قالبها الفارسى (٧١). وحتى القرن السابع عشر كان لدى حاجى خليفة فكرة واضحة عن هذا الزيج عندما كتب يقول (٧٢) :

«زيج أبى معشر ... وهو مجلد كبير ألفه على مذهب الفرس وأثنى على هذا المذهب وقال إن أهل الحساب من فارس وغيره أجمعوا على أن أصح الأدوار أدوار هذه الفرقة وكانوا يسمونها سنى العالم وأما أهل زماننا يسمونها سنى أهل فارس».

ولعله بسبب هذه «الأدوار» قد أطلق على جداوله فى موضع آخر اسم «زيج الهزارات» أى «زيج الألوف» (٧٣) حيث نبصر فى القسم الثانى من التركيب لفظا فارسيا كذلك. وكان اهتمام أبى معشر بالأدوار الكونية (Cosmic Cycles) يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظريات المتعلقة بأدوار حياة العالم وبمسألة طول «السنة الكبرى» الذى حدده بطلميوس كما حدده الهنود والعرب أيضا بست وثلاثين

__________________

(*) قريبا من بغداد. (المترجم)

٧٦

ألف سنة. ولمجهود أبى معشر فى هذا الصدد أهمية خاصة فى تاريخ العلم البشرى ، وترجمة رسالته الكبرى «المدخل إلى علم أحكام النجوم «أو «المدخل الكبير» التى قام بها هرمان الدلماتى Hermann of Dalmatia حوالى عام ١١٤٠ (٧٤) قد ساعدت بشكل خاص على ترويج تلك النظريات فى الغرب (٧٥). هذا وقد شغلت مسائل التقويم (Chronology) وحساب الأزمنة ذهن أبى معشر بوجه عام فلم يحصر نفسه فى نطاق العلم الهندى ـ الإيرانى ؛ ونبصر من قطعة كبيرة تبقت من مؤلفه المفقود «الألوف» أنه كان يجهد فى توضيح معنى «النسىء» الذى كان يعمل به عرب الجاهلية ، وهو شىء أشبه بالشهر الكبيس. ذلك أنه حتى فى العصر الذى عاش فيه كان المعنى الحقيقى لهذا اللفظ قد نسى تماما (٧٦).

وأبو معشر هو آخر الدعاة الكبار للمذهب الإيرانى ، بالرغم من أنه كمحمد الخوارزمى قد أخذ طرفا فى نشر المذهب اليونانى. غير أن المذهب الإيرانى لم يهجر بعده بصورة نهائية (٧٧) ، ففى الأندلس مثلا كانت الأطوال تقاس أحيانا إلى نهاية القرن الحادى عشر «بمذهب أهل الفرس» الذى كثيرا ما أشار إليه إلى جانب «مذهب الهند» مصنف «جداول طليطلة» The Tables of Toledo ومخترع الاسطرلاب المكمل أبو اسحق إبراهيم الزرقالى (٧٨) الذى اشتهر فى أوروبا باسم (Arzahel) بفضل رسالته فى الاسطرلاب.

ولعل «زيج الشاه» كان أكثر مصنفات المذهب الفلكى الإيرانى انتشارا فى اللغة العربية ، بل وربما كان الوحيد من نوعه إذ لا علم لنا بوجود ترجمات لمصنفات أخرى ؛ ومن المحتمل أن الفرس لم تعرف فى هذا الفن كتبا غيره. أما تلك المصنفات المنحولة ، خاصة فى التنجيم (Astrology) ، والمنسوبة أحيانا إلى زردشت Zoroastra (٧٩) وبزرجمهر ، والتى وجدت انتشارا واسعا فى الأدب العربى ، فليس لها أهمية جدية أضف إلى هذا أنها كثيرا ما ترجع إلى التراث اليونانى لا الإيرانى رغما من أن عناوينها تشير إلى العكس.

وقد أخذ المذهب اليونانى يضيق الخناق على المذهبين الآخرين فى الجغرافيا الرياضية العربية منذ بداية القرن التاسع ، ويمكن القول بأنه قد أصبح بحق المذهب السائد منذ منتصف القرن التاسع. والمقاومة الضعيفة التى ظهرت من المذهبين الهندى والإيرانى ترجع فى جوهرها إلى أن أغلبية المصنفات التى تمت ترجمتها عنهما من قبل قد حملت طابعا عمليا خالصا واقتصرت على إيراد القواعد وشرح طريقة استعمال الجداول دون الاهتمام بسرد البراهين والأدلة (٨٠) ؛ فالفلكى المكتفى بها لم يكن بوسعه أن يرقى فوق مرتبة المحاكاة الصرفة والتقليد المحض إذا لم يتمرس فى التحليل النظرى ويتمكن من الأسس ويتدرب تدريبا كافيا على الأرصاد الشخصية القائمة على الملاحظات الدقيقة على أمد طويل. وسرعان ما أحس العرب بحاجتهم إلى هذا المنهج عندما تعرفوا على مصنفات إقليدس Euclides وبطلميوس ؛ وليس أفضل فى هذا الصدد من إيراد ألفاظ البتانى عن بطلميوس. قال :

٧٧

«إذ كان قد تقصى ذلك من وجوهه ودل على العلل والأسباب العارضة فيه بالبرهان الهندسى والعددى الذى لا تدفع صحته ولا يشك فى حقيقته فأمر بالمحنة والاعتبار بعده وذكر أنه قد يجوز أن يستدرك عليه فى أرصاده على طول الزمان كما استدرك هو على إبّرخس (Hipparchus) وغيره من نظرائه لجلالة الصناعة ولأنها سمائية جسيمة لا تدرك إلا بالتقريب» (٨١).

ويبدو جليا أن شمول التراث الهلنستى واتساع مداه واستيعابه المنظم لدى العرب ، هو الطابع المميز فى تاريخ نفوذ العلم اليونانى إلى العرب لدى مقارنته بالهندى والإيرانى. ففيما يتعلق بالتراث الهندى والإيرانى نلتقى بمصنفات منفردة تدين بظهورها لمجهودات فردية ، وذلك بعكس التراث اليونانى الذى بدأ العمل فيه بطريقة منظمة. فمنذ عهد هارون الرشيد (١٧٠ ه‍ ـ ٧٨٦ ـ ١٩٣ ه‍ ـ ٨٠٩) تم إنشاء «خزانة الحكمة» أو «بيت الحكمة» وهى أشبه بأكاديمية للترجمة ملحقة بها مكتبتها الخاصة ، وقد أضفى المأمون (١٩٨ ه‍ ـ ٨١٣ ـ ٢١٨ ه‍ ـ ٨٢٣) على المؤسسة طابعا رسميا حينما أمدها بهيئة علمية خاصة وبعث من أجلها البعوث إلى بيزنطة لجلب المخطوطات اليونانية. ولم تلبث بغداد أن أضحت مركزا لحركة الترجمة العلمية وشارك فى هذا ممثلو جميع الطوائف الدينية من مختلف أصقاع الخلافة. وقد بلغ النشاط فى الترجمة درجة عالية حتى لم تكن لتنقضى عشر سنوات أو عشرون دون أن تظهر للكتاب الواحد ثلاث أو أربع ترجمات. وفى زمن قصير انتشرت بين العرب مؤلفات ابقراطHippocrates وجالينوس Galenus وأرسطو وإقليدس وأرخميدس ومنيلاوس Menelaus وأبولونيوس Appollonius ومارينوس الصورى Marinus of Tyre ، وهى تمثل فى مجموعها القاعدة الأساسية للعلم اليونانى (٨٢). ولم يلبث أن احتل مكانة خاصة فى هذه المجموعة اللامعة من الأسماء شخص بطلميوس (١) الذى بدأ به عهد جديد فى تاريخ الفلك والجغرافيا عند العرب. أما تبيان أهمية مؤلفاته بالنسبة للعلم العربى بصورة مفصلة متكاملة فأمر يحتاج إلى بحث خاص يتطلب بدوره الكثير من البحث والتقصى. وقد تجمعت فى خلال العشرين عاما الأخيرة مادة كبيرة وتعددت الأبحاث بصورة ملحوظة ، ولكنه رغما من أن التواريخ قد تكون واضحة أحيانا إلا أن استنباط علاقة الترجمات المختلفة بعضها ببعض ودور كل منها لا يزال يقوم إلى الآن على أسس واهية.

ويمكن القول على وجه التحديد بأن الاهتمام الأساسى قد تركز حول مصنفيه الكبيرين وهما رسالته فى الفلك وتقع فى ثلاث عشر كتابا بجداولها (أى «الجامع») و «المدخل إلى الجغرافيا» () المعروف عادة باسم «جغرافيا». والأول

__________________

(*) كلاوديوس بطلميوس Claudius Ptolemaius الذى عرفته العرب باسم بطلميوس القلوذى فلكى مصر عاش فى مصر الرومانية. وأفضل ما يوجد فى العربية للتعريف به وبآثاره هو القسم المفرد له فى كتاب سارطون «العلم القديم والمدنية الحديثة» الذى عرب وطبع بالقاهرة منذ عهد غير بعيد. (المترجم)

٧٨

منهما قد أخذ فى شكله العربى اسم «المجسطى» Almadjisti (أحيانا بكسر الميم «المجسطى» Almidjisti) وفيما بعد دخل أوربا الوسيطة فى صورة المجسطAlmagest (٨٣) وهذه التسمية تعطينا بلا شك صيغة التفضيل (Superlative) فى اللغة اليونانية (أى «الأعظم»). وقد أطلقت على المصنف علامة على الاحترام والتقدير الذى فاز به ، وهكذا فهم العرب الأمر (٨٤). ولعل التسمية ترتفع إلى المترجمين العرب إذ لم تقابل إلى الآن فى المصادر اليونانية ؛ وقد أطرح الآن الرأى القائل بأن التسمية مركبة من اللفظين على طريقة النحت (٨٥).

ومنذ عام ١٩٢٨ لاحظ أحد البحاثة بالكثير من الاكتئاب أنه «لا يوجد شىء أكثر خلطا ولا اضطرابا من مسألة الترجمات العربية لكتاب المجسطى لبطلميوس» (٨٦) ويرجع هذا الاضطراب إلى أن معظم هذه الترجمات كما هى العادة لم تصل إلينا بل عرفت فقط من بعض الإشارات والشذرات المأخوذة عنها ، فضلا عن أن الترجمات المصلحة المختلفة التى نما عددها على مر الزمن قد طغت فى بعض الأحايين على الأصل تماما وقضت على إمكانية الحكم عليه. ويصدق هذا القول على الترجمة الأولى المعروفة باسم «النقل القديم» وهى التى عملت ليحيى بن برمك (٨٧) (توفى عام ١٩٠ ه‍ ـ ٨٠٥) ، أى قبل عام ١٨٧ ه‍ ـ ٨٠٣ دون شك ، وهو عام نكبة البرامكة. وهناك أساس للقول بأن هذه الترجمة تمت عن السريانية (٨٨) ، وهى كانت ما تزال فى أيدى الفلكيين الأوائل مثل البتانى والصوفى (٨٩) غير أنها بإجماع الآراء لم تكن ذات قيمة كبرى. وتفوقها الترجمة التى عملت فى عصر المأمون والتى قام بها الحجاج بن يوسف (١) حوالى عام ٢١٢ ه‍ ـ ٨٢٧ ـ ٨٢٨ ، وحفظت لنا فى بضعة مخطوطات لا تمثل الأصل دائما (٩٠) ، ويبدو أنها هى أيضا قد نقلت عن السريانية (٩١). ولم يقف الجهد عند هذا فقد شارك فى ترجمة المجسطى عالم يمكن اعتباره أكبر مترجمى القرن التاسع قاطبة وهو حنين بن إسحق (حوالى عام ١٩٤ ه‍ ـ ٨١٠ ـ ٢٦٠ ه‍ ـ ٨٧٣) (٩٢) ، وقد صلح ترجمته بالتالى الفلكى الشهير ثابت بن قرة الصابى الحرّانى (٢١٩ ه‍ ـ ٨٣٤ ـ ٢٨٨ ه‍ ـ ٩٠١) الذى سنلتقى به عند الكلام على مصنفات بطلميوس فى الجغرافيا. والعلاقة بين ترجمتى حنين وثابت غير واضحة إذ أن ثابتا نفسه قد نسب إليه عدد من المؤلفات الشخصية حول المجسطى (٩٣). ومهما يكن من شىء فإن هذا الوضع يقف دليلا على ما بلغته حركة الترجمة من حيوية وانتظام ابتداء من عصر المأمون ، ويوكد الاهتمام العميق بكتاب المجسطى الذى ترك أثرا محمودا فى تقدم الفلك والرياضيات (٩٤) لا بين العرب وحدهم بل وفى أوروبا الوسيطة. ومن فضل القول أن نضيف أن الترجمات العربية لعبت أيضا دورها فى أوروبا الوسيطة ، فأولى ترجمات المجسطى العربية إلى اللاتينية قام بها جيرارد الكريمونى منذ عام ١١٧٥ (٩٥).

__________________

(*) هو الحجاج بن يوسف بن مطر الذى عاش فى عهد الرشيد والمأمون بين حوالى عام ١٧٠ ه‍ ـ ٧٨٦ و ٢٢٠ ه‍ ـ ٨٣٥ ، وهو مترجم أصول إقليدس فى الهندسة. (المترجم)

٧٩

وكان بطلميوس على الأصح فلكيا ورياضيا أكثر منه جغرافيا (٩٦) ، ومن ثم فإن رسالته فى الجغرافيا تمثل فى جوهرها جداول فلكية لعروض وأطوال النقاط الرئيسية المسكونة فى العالم. ويعتبرها أحد كبار البحاثة المعاصرين «مقدمة لوضع مصور جغرافى» وليست «بجغرافيا» وذلك وفقا لمفهوم الجغرافيا الذى تطور فيما بعد. ووفقا لرأيه فإن هدف بطلميوس كان المعاونة فى رسم صورة الأرض لا وصفها (٩٧). ويرجع الفضل فى ظهور «جغرافيا» بطلميوس فى قالب عربى إلى المترجمين والفلكيين أيضا ولكن اهتم بها اهتماما جديا كذلك ممثلو الجغرافيا الوصفية. أما تاريخ الرسالة فى العالم العربى فنستطيع تتبعه بصورة أفضل بكثير عما هو الحال مع «المجسطى» وذلك بفضل الترجمة العربية المصلحة التى حفظت لنا والتى تم نشرها منذ زمن غير بعيد. ولكن حتى فيما يتعلق بهذا أيضا يجب تكرار القول بأنه لا يزال يوجد عدد من النقاط الغامضة ، على الرغم من بحث هو نغمان Honigmann الممتاز الذى ظهر عام ١٩٢٩ والذى بين فيه الخطوط الرئيسية لتاريخ هذه المسألة. وتذكر المصادر العربية ما لا يقل عن ثلاث ترجمات مختلفة لهذه الرسالة ، ترتبط جميعها بأسماء لامعة ؛ إحداها عملت للكندى (توفى حوالى عام ٢٦٠ ه‍ ـ ٨٧٤) الفيلسوف المقرب من بلاط العباسيين ، أو ربما عملها بنفسه (٩٨) ، والزعم الأخير موضع للشك خاصة إذا ما علمنا أن الترجمة وصفت بأنها «رديئة». أما الترجمة الجيدة فهى من عمل ثابت بن قرة (توفى عام ٢٨٨ ه‍ ـ ٩٠١) (٩٩) ، وثمة ترجمة ثالثة يشير إليها ابن خرداذبه (بين ٢٣٢ ه‍ ـ ٨٤٦ و ٢٧٢ ه‍ ـ ٨٨٥) وذلك فى ألفاظ توحى بأنها من عمله هو. فهو يقول «فوجدت بطلميوس قد أبان الحدود وأوضح الحجة فى صفتها بلغة أعجمية فنقلتها عن لغته باللغة الصحيحة» (١٠٠). وكما دلل نولدكه No؟ldeke (١٠١) فإن الاتجاه الأدبى لابن خرداذبه والمركز الذى كان يشغله فى الإدارة يقف ضد الزعم القائل بأنه كان يستطيع الترجمة عن اليونانية أو السريانية ، ولعل الأمر يتعلق بتنقيح أسلوب الترجمة «الرديئة» التى مر القول عليها والتى عملت من أجل الكندى. أما ثابت بن قرة فهو من صابئة حرّان بالجزيرة وينتمى إلى مدرسة حران العلمية التى حفظت لنا التراث اليونانى بعناية أدق مما فعلت بغداد. ومن العسير القول بأنه ترجم رسالة بطلميوس دون إحداث أى تغيير فيها ، بل المحتمل أنه قد أجرى تعديلات فى النص ليكون أكثر قبولا وفائدة للعرب المعاصرين له (١٠٢). وجميع هذه الترجمات لرسالة بطلميوس فى الجغرافيا ترد بعناوين مختلطة مضطربة ، الأمر الذى يزيد فى تعقيد المسألة (١٠٣). غير أنه لحسن الحظ وصلتنا ترجمة مصلحة معدلة لعلها من أقدم الترجمات وهى لأكبر رياضى وفلكى فى النصف الأول من القرن التاسع هو محمد بن موسى الخوارزمى ، ويمكن اعتبارها فى الوقت ذاته أول رسالة أصيلة فى الجغرافيا الرياضية عند العرب وشاملة لجميع العالم المعروف لهم ، وسيرد الكلام عليها فى حينه بالتفصيل.

ومما يزيد فى تعقيد مسألة الترجمات العربية لبطلميوس أن العرب باستثناء الأثرين اللذين مر ذكرهما ، قد عرفوا لبطلميوس مصنفات أخرى. وطريقة الاقتباس دون الإشارة إلى المصادر أدت إلى خلق صورة

٨٠