دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

هذا اذا لم تكن حاملا.

واما الحامل فعدتها ان لم تكن من الوفاة تنتهي بوضع الحمل ، وان كانت منها فأبعد الاجلين من ذلك ومن اربعة اشهر وعشرة ايام.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب العدة في الجملة‌ فهو من واضحات الفقه بل من ضروريات الدين. ويدل عليه الكتاب الكريم في جملة من المواضع ، كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) (١) ، (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٢) ، (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٣) ، (... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) (٤).

واما الروايات فهي فوق حدّ الاحصاء. وسيوافيك بعضها فيما يلي من أبحاث إن شاء الله تعالى.

٢ ـ واما تفسير العدة بما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه. وتدل عليه الآيات الكريمة السابقة.

٣ ـ واما وجوب العدة على المطلقة‌ فقد اتضح مما سبق. واما عدم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

(٤) الأحزاب : ٤٩.

٤٢١

وجوب العدة على غير المدخول بها فهو مما لا كلام فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) ، والروايات الشريفة ، كصحيحة أبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فقد بانت منه وتزوج من ساعتها ان شاءت» (١) وغيرها.

٤ ـ واما الصغيرة واليائس‌ فالمشهور بين الاصحاب عدم ثبوت العدة عليهما. وخالف في ذلك السيد المرتضى فأثبتها عليهما (٢).

ومنشأ الخلاف في ذلك أمران : الآية الكريمة والروايات.

اما الآية الكريمة : (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ...) (٣) فقد استدل بها السيد المرتضى على مدعاه بتقريب انها تدل بوضوح على ثبوت العدة ثلاثة أشهر للآيسات واللائي لم يحضن. ولا يوجد ما يحول دون الاخذ بذلك سوى الشرط ـ (إِنِ ارْتَبْتُمْ) ـ فانه لا يتلاءم مع افتراض عدم بلوغ سن الحيض او تجاوزه ولكنه يمكن تفسيره بالجهل ، اي ان عدتهن ثلاثة أشهر ان كنتم جاهلين وغير عالمين بمقدارها.

ويؤيده ما ورد في شأن النزول من ان البعض سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السبب في عدم ذكر عدد بعض النساء ـ كالكبار والصغار واولات الاحمال ـ في القرآن الكريم فنزلت الآية الكريمة.

هذا هو المقصود من الارتياب. وليس المقصود الارتياب في انها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٤ الباب ١ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٣١.

(٣) الطلاق : ٤.

٤٢٢

يائس أو لا ، اذ فرض في الآية الكريمة اليأس من الحيض ، ومع الارتياب بالمعنى المذكور لا يأس.

هذا توضيح ما أفاده قدس‌سره (١).

واما الروايات فهي على طائفتين ، فهناك مجموعة تبلغ أربعا أو أكثر دلت على عدم ثبوت العدة لليائس والصغيرة ، كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن التي قد يئست من المحيض والتي لا يحيض مثلها ، قال : ليس عليها عدة» (٢) وغيرها.

وهناك مجموعة تقرب من مقدار الطائفة الاولى دلت على ثبوت العدة عليهما وانها ثلاثة اشهر ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض ثلاثة أشهر ...» (٣).

وهذا الاختلاف بين الروايات هو سبب آخر لعدم وضوح حكم المسألة.

والسيد المرتضى لم يعر أهمية للأخبار المذكورة. ولعل ذلك نشأ من مبناه في مسألة حجية الخبر.

واما رأي المشهور ففي مقام الدفاع عنه يمكن أن يقال :

اما بالنسبة إلى الآية الكريمة فالمناسب لو كان المقصود ما ذكره السيد المرتضى في تفسير معنى الارتياب التعبير بالجهل دون الارتياب. على ان جميع الاحكام واردة في حالة الجهل بها فلا وجه‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٤ الباب ١ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٨ الباب ٢ من أبواب العدد الحديث ٨.

٤٢٣

لتقييد خصوص الحكم المذكور بذلك.

وعليه يتعين ان يكون المقصود : ان ارتبتم في تحقق اليأس لهن واقعا وعدمه فعدتهن ... ولازم ذلك انه مع عدم الارتياب ـ بان كان يجزم باليأس ـ فلا عدة عليهن لا بالاقراء ولا بالاشهر اذ لا يحتمل ثبوت العدة عليهن بشكل آخر.

والتعبير عنهن ب (اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) وجيه بعد افتراض انهن اشرفن على سن اليأس واحتمل ذلك في حقهن.

واما قوله : (وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ) فليس من البعيد أن يكون المراد منه : واللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. والارتياب لا يتصور في حق التي لم تحض الا اذا فرض انها في سن من تحيض ولم تحض.

وعليه فالآية الكريمة أجنبية عن الصغيرة التي هي ليست في سن من تحيض.

يبقى انه لو كان المقصود من الارتياب هذا المعنى فالمناسب ان يعبر : ان ارتبن لا (إِنِ ارْتَبْتُمْ).

والجواب : ان التعبير المذكور وجيه بعد ان كان ارتياب الرجال يؤثر على موقفهم ، حيث لا يجوز لهم آنذاك الزواج بهن اثناء الاشهر الثلاثة ويجوز لأزواجهن الرجوع إليهن.

واما بالنسبة الى الروايات فاذا أمكن الجمع بحمل الثانية على الاستحباب بقرينة الاولى فلا اشكال.

واذا لم يمكن ذلك لعدم عرفية الجمع المذكور يلزم ترجيح الاولى‌

٤٢٤

لموافقة الثانية للتقية (١).

ومع التنزل يلزم التعارض والتساقط. ومن ثمّ لا يبقى دليل على لزوم العدة على اليائس والصغيرة ويكون المرجع هو اطلاقات جواز النكاح. وعلى جميع التقادير الثلاثة تعود النتيجة واحدة.

٥ ـ واما ان العدة ثلاثة قروء‌ فلصريح الآية الكريمة : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...) (٢).

واما ان القرء هو بمعنى الطهر دون الحيض فالروايات فيه متعارضة ، فهناك مجموعة دلت على انه بمعنى الطهر ومجموعة اخرى على انه بمعنى الحيض.

مثال الاولى : صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الاقراء هي الاطهار» (٣). وفي صحيحته الاخرى : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سمعت ربيعة الرأي يقول : من رأيي ان الاقراء التي سمى الله عز وجل في القرآن انما هو الطهر فيما بين الحيضتين فقال : كذب ، لم يقل برأيه ولكنه انما بلغه عن علي عليه‌السلام. فقلت : كان علي عليه‌السلام يقول ذلك؟ فقال : نعم ، انما القرء الطهر الذي يقرؤ فيه الدم فيجمعه فاذا جاء المحيض دفعه» (٤) وغيرهما.

ومثال الثانية : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة التي‌

__________________

(١) نقل الجزيري في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٤٨٢ ان الحنفية قالوا بثبوت العدة على الصغيرة. وهكذا المالكية والشافعية قالت بثبوت العدة عليها لو كانت تطيق الوطء.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٢٤ الباب ٤ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٤ الباب ١٤ من أبواب العدد الحديث ٤.

٤٢٥

تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، وهي ثلاث حيض» (١).

والتعارض بين الطائفتين مستقر.

ويمكن ترجيح الاولى اما لأنها مخالفة للتقية ـ حسب دعوى الشيخ الطوسي (٢) او لموافقتها للكتاب الكريم اما ببيان ان القرء عبارة عن الجمع ، وجمع الدم وحبسه يتحقق في حالة الطهر ـ كما تشير إلى ذلك صحيحة زرارة المتقدمة ـ فيكون القرء متحققا حالة الطهر أو ببيان ان ظاهر الآية الكريمة ان مدة التربص التي هي ثلاثة قروء تبتدئ من حين الطلاق ، وذلك لا يتم الا بتفسير القرء بالطهر.

٦ ـ واما انه يكفي في الطهر الاول مسماه‌ ، ومن ثمّ يكفي في انتهاء العدة مجرد رؤية دم الحيضة الثالثة فتدل عليه الروايات الكثيرة ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : اصلحك الله رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين فقال : اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج. قلت له : اصلحك الله ان اهل العراق يروون عن علي عليه‌السلام انه قال : هو احق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة فقال : فقد كذبوا» (٣) وغيرها ، فان مقتضى اطلاق قوله عليه‌السلام : «اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها» انه برؤية الدم الثالث تنتهي العدة سواء كان الطلاق قد وقع في بداية الطهر الاول أو قبيل نهايته بلحظة.

وبناء على هذا فأقل زمان يمكن تحقق العدة فيه ستة وعشرون‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٢٥ الباب ١٤ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) نقل ذلك الحر العاملي في وسائله ١٥ : ٢٢٥ من أبواب العدد الباب ١٤ في ذيل الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٢٦ الباب ١٥ من أبواب العدد الحديث ١.

٤٢٦

يوما ولحظتان ، بان يفترض ان طهرها الاول لحظة ثم تحيض ثلاثة ايام ثم ترى أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض ثلاثة ايام ثم ترى أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض. وبمجرد رؤية هذا الدم الاخير لحظة من اوله تنقضي العدة. وطبيعي ان هذه اللحظة الاخيرة خارجة عن العدة ودورها دور الكاشف عن تمامية الطهر الثالث.

٧ ـ واما ان عدة المسترابة ثلاثة اشهر‌ فيدل عليه قوله تعالى : (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ...) (١) ، فان فقرة (وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ) تدل على المطلوب ، أي واللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. والارتياب في التي لا تحيض لا يتصور الا في المسترابة كما تقدم في الرقم ٤.

والاخبار في المسألة كثيرة ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة اشهر ...» (٢) وغيرها.

٨ ـ واما ان عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل‌ فهو المشهور. ويدل عليه قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٣) ، والروايات الشريفة ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «طلاق الحامل واحدة فاذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه» (٤) وغيرها.

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٢ الباب ٤ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٣) الطلاق : ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٨ الباب ٩ من أبواب العدد الحديث ٣.

٤٢٧

وفي مقابل ذلك قول الشيخ الصدوق وآخرين بان عدتها اقرب الاجلين من الوضع والاقراء او ثلاثة اشهر تمسكا بصحيحة ابي الصباح عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «طلاق الحامل واحدة وعدتها اقرب الاجلين» (١) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «طلاق الحبلى واحدة وأجلها ان تضع حملها وهو أقرب الاجلين» (٢) وغيرهما (٣).

ولا يخفى ان الواو في فقرة : «وهو أقرب الاجلين» حالية لا استئنافية ، اذ قد يكون الوضع أقرب الاجلين وقد لا يكون.

هذا قول الشيخ الصدوق.

ولا تبعد وجاهته لان الآية الكريمة والطائفة الاولى من الروايات مطلقة من حيث كون الوضع أقرب الاجلين أو لا فتقيد بالطائفة الثانية الدالة على ان الوضع تنتهي به العدة فيما اذا كان أقرب الاجلين.

ولأجل هذا مال صاحب الجواهر الى القول المذكور (٤).

٩ ـ واما ان عدة المتوفى زوجها اربعة اشهر وعشرة ايام‌ فهو من ضروريات الفقه بل الدين. ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٥).

واما ما تضمنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) (٦) فهو تشريع قبل نزول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٨ الباب ٩ من ابواب العدد الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٩ الباب ٩ من ابواب العدد الحديث ٦.

(٣) جواهر الكلام ٣٢ : ٢٥٢.

(٤) جواهر الكلام ٣٢ : ٢٥٣.

(٥) البقرة : ٢٣٤.

(٦) البقرة : ٢٤٠.

٤٢٨

آية العدة ومنسوخ بها.

والروايات في المسألة كثيرة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للنساء : اف لكن قد كنتنّ قبل ان ابعث فيكن وان المرأة منكن اذا توفي عنها زوجها اخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها ثم قالت : لا امتشط ولا اكتحل ولا اختضب حولا كاملا وانما امرتكن بأربعة أشهر وعشرا ثم لا تصبرن» (١) وغيرها.

١٠ ـ واما التعميم بلحاظ جميع الحالات المتقدمة‌ فلإطلاق ما تقدم من الآية الكريمة والروايات الشريفة.

اجل دلت رواية محمد بن عمر الساباطي : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل بها قال : لا عدة عليها. وسألته عن المتوفى عنها زوجها من قبل ان يدخل بها قال : لا عدة عليها ، هما سواء» (٢) على اشتراط الدخول في ثبوت عدة الوفاة ، لكنها مضافا الى ضعف سندهما بالساباطي نفسه ساقطة عن الحجية لهجران الاصحاب لمضمونها.

١١ ـ واما ان عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الاجلين‌ فهو مما لا خلاف فيه. وقد يستدل له بانه مقتضى الجمع بين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٣) ، وقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥١ الباب ٣٠ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٦٢ الباب ٣٥ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

٤٢٩

حَمْلَهُنَّ) (١) بتقريب ان الحامل مشمولة لكلتا الآيتين الكريمتين ، وامتثال الامر فيهما لا يحصل الا بالاعتداد بأبعد الاجلين.

وفيه : ان آية الاحمال ناظرة إلى خصوص المطلقة فلاحظ.

والانسب الاستدلال لذلك بالروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها آخر الاجلين» (٢) وغيرها.

١٢ ـ واما الحداد‌ (٣) فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه. وقد دلت عليه صحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المتوفى عنها زوجها قال : لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ...» (٤) وغيرها.

وقد فهم منها الاصحاب حرمة كل ما يعدّ زينة. قال في الحدائق : «والمفهوم من هذه الاخبار ان الحداد هو ترك كل ما يعدّ زينة في البدن أو اللباس وان اختلف ذلك باختلاف العادات في البلدان فيحكم على كل بلد بما هو المعتاد فيها» (٥).

اجل قيّد بعض الاصحاب ـ ومنهم السيد اليزدي ـ التزين المنهي عنه بما يعدّ زينة للزوج (٦).

ولعله استند في ذلك الى موثقة عمار الساباطي عن ابي‌

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥٥ الباب ٣١ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الحداد من الحدّ بمعنى المنع ، فان الزوجة حيث تمنع نفسها من التزين فهي حادة.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥٠ الباب ٢٩ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٥) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٧٠.

(٦) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٦٣.

٤٣٠

عبد الله عليه‌السلام : «سأله عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحل لها ان تخرج من منزلها في عدتها؟ قال : نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج» (١).

الا ان الموثقة قد ترمى بهجران الاصحاب لها لاشتمالها على جواز صنع ما شاءت بشرط ان لا يكون معدودا من مصاديق الزينة للزوج ، وهو مما لا يقول به الاصحاب.

١٣ ـ واما جواز ما لا يعدّ زينة‌ فلأصل البراءة بعد قصور المقتضي للتحريم. هذا لو لم يستفد من اخبار الحداد نفسها جواز ذلك والا كانت هي الدليل ، لعدم وصول النوبة الى الاصل العملي بعد فرض وجود الدليل الاجتهادي.

١٤ ـ واما تقييد وجوب الحداد بما اذا كانت الزوجة كبيرة عاقلة‌ فلأن غيرها لا تكليف عليها ، ووجوب الحداد تكليفي.

١٥ ـ واما ثبوت العدة في وطء الشبهة‌ فقد نفى السيد اليزدي الاشكال والخلاف في ذلك (٢). وتدل عليه صحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل» (٣) وغيرها ، فانها باطلاقها تشمل وطء الشبهة. والزنا خرج بالمخصص.

ولكن كيف نثبت ان العدة هي بمقدار عدة المطلقة؟ ذلك بالبيانات التالية :

أ ـ ان السكوت عن مقدار العدة مع كونه عليه‌السلام في مقام البيان يدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥١ الباب ٢٩ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٥٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٥ الباب ٥٤ من أبواب المهور الحديث ٤.

٤٣١

على ان عدتها كعدة المطلقة ـ وهي العدة المعروفة للمرأة التي لم يمت زوجها ـ ولو كانت غيرها لبيّن عليه‌السلام ذلك.

ب ـ التمسك بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر. وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ...» (١) ، فانها تدل على ان عدة المرأة بشكل عام فيما اذا كانت مستقيمة الحيض هي ثلاثة قروء فتشمل محل كلامنا ، والخروج عن ذلك هو الذي يحتاج الى دليل.

ج ـ التمسك بصحيحة الحلبي الاخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر وعشرا فقال : ان كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له ابدا واعتدت ما بقي عليها من الاول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ...» (٢) ، فان وطء الشبهة هو القدر المتيقن منها وقد دلت على ان العدة له ثلاثة قروء.

١٦ ـ واما وجوب العدة على المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ او انفساخ‌ فلا اشكال فيه. وتدل عليه صحيحة ابن البختري المتقدمة.

واما ان مقدارها كعدة المطلقة فللصحيحة الاولى المتقدمة للحلبي وغيرها.

واما ان عدة المرتد زوجها عن فطرة هي عدة الوفاة فلموثقة الساباطي : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذّبه ، فان دمه مباح لمن سمع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٢ الباب ٤ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٦ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

٤٣٢

ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام ان يقتله ولا يستتيبه» (١).

١٧ ـ واما ان عدة المتمتع بها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الاجل أو هبة المقدار المتبقى من الاجل‌ فقد تقدم بيانه في مبحث النكاح المؤقت من كتاب النكاح.

١٨ ـ واما ان عدتها من الوفاة اذا كانت حاملا ابعد الاجلين‌ فهو مما لا خلاف فيه على ما في الجواهر (٢). وتدل على ذلك الروايات الخاصة التي تقدّمت الاشارة إليها في الرقم ١١ ، فانها باطلاقها تشمل المتمتع بها.

واما ان عدتها في غير الوفاة اذا كانت حاملا وضع الحمل فلقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٣) ، فانه وان كان ناظرا الى المطلقات دون المتمتع بها التي ليس لها طلاق ، الا انه حيث لا يحتمل ان يكون حال المتمتع بها اشد من حال المطلقة في العقد الدائم فيعمها ذلك.

٥ ـ من أحكام الخلع والمباراة‌

الخلع ـ بضم الخاء ـ هو طلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها. وهو مشروع جزما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٤٥ الباب ١ من أبواب حد المرتد الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٣٠ : ٢٠٠.

(٣) الطلاق : ٤.

٤٣٣

وتشترط فيه ـ مضافا الى الشروط المتقدمة في الطلاق ـ كراهة الزوجة لزوجها ، وعدم كراهة الزوج لزوجته ، وبذل الزوجة للفدية عن طيب نفس.

والصيغة الخاصة للخلع : «خلعتك على كذا» ، او «انت او هي مختلعة على كذا» ، او «انت او هي او فلانة طالق على كذا».

والجمع باتباع الخلع بالطلاق ـ بأن يقول الزوج او وكيله : «خلعتك على كذا فانت طالق» ـ اولى.

ويعتبر ـ لدى المشهور ـ عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخل بالموالاة العرفية.

ويجوز في الفدية ان تكون بمقدار المهر او أقلّ او اكثر.

والطلاق في الخلع بائن ما دام لم ترجع الزوجة عن البذل في العدة.

والمباراة (١) تساوي الخلع في الاحكام المتقدمة وتفارقه في :

أ ـ اعتبار الكراهة من كلا الطرفين فيها بخلافه في الخلع فان الكراهة معتبرة من الزوجة فقط.

ب ـ ان لا يكون الفداء اكثر من مقدار المهر فيها.

ج ـ انها تقع بلفظ الطلاق ـ بان يقول الزوج : انت طالق على كذا ، أو يقول :

بارأتك على كذا فانت طالق ـ ولا يكفي الانشاء بلفظ المباراة وحده.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الخلع يتميز عن الطلاق بأمرين ـ الفدية من الزوجة وكراهتها‌ ـ فهو من واضحات الفقه. وتدل عليه مضافا الى ذلك نصوص المشروعية التالية.

__________________

(١) المبارأة ـ بالهمز وقد تخفف الفا ـ هي المصالحة. يقال : بارأه بمعنى صالحه. والمرأة بارأها بمعنى صالحها على الفراق. القاموس المحيط ١ : ٨.

٤٣٤

٢ ـ واما انه مشروع‌ فهو مما لا اشكال فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (١) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها : والله لا ابرّ لك قسما ولا اطيع لك امرا ولا اغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك ولآذنن عليك بغير اذنك وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما اخذ منها فكانت عنده على تطليقتين باقيتين وكان الخلع تطليقة ...» (٢) وغيرها.

وعليه فالمشروعية لا تأمل فيها بل عن جماعة منهم شيخ الطائفة اختيار وجوبه عند تمرد الزوجة على القيام بحقوق الزوجية بحجة ان النهي عن المنكر واجب وهو لا يتم الا بالخلع (٣).

والتأمل في ذلك واضح باعتبار عدم تمامية المقدمة الثانية. ومن هنا حمل في الحدائق الوجوب في كلام الشيخ على الثبوت (٤).

٣ ـ واما ان الخلع طلاق وليس فسخا‌ فهو المشهور خلافا لشيخ الطائفة حيث اختار كونه فسخا لأنه لا ينشأ بلفظ الطلاق بل ولا ينوى به ذلك.

والثمرة تظهر في عدّه من جملة الطلقات الثلاث وعدمه.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٩ الباب الخلع الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ٣.

(٤) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٥٥٥.

٤٣٥

والمناسب كونه طلاقا لتصريح الروايات بذلك ، كصحيحة الحلبي السابقة وغيرها.

وزاد في الجواهر ما نصه : «بل لو قلنا انه فسخ امكن دعوى اجراء حكم الطلاق عليه للنصوص المزبورة» (١).

٤ ـ واما اعتبار اجتماع شرائط صحة الطلاق في الخلع ـ من حضور شاهدين وكون الزوجة طاهرة بطهر لم تواقع فيه و... ـ فباعتبار انه لما كان فردا من الطلاق فتثبت له أحكامه.

هذا مضافا الى ان بعض الشرائط الخاصة للطلاق قد دلت الروايات الخاصة على ثبوتها للخلع ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام هل يكون خلع او مباراة الا بطهر؟ فقال : لا يكون الا بطهر» (٢) وغيرها.

٥ ـ واما اعتبار كراهة الزوجة لزوجها في تحقق الخلع‌ فهو من المسلمات ، بل يمكن اعتبار كون الكراهة قد وصلت حدا يؤدي الى ترك الحقوق الثابتة للزوج على زوجته لقوله تعالى : (إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ...) (٣) وصحيحة الحلبي السابقة وغيرها.

هذا وقد وقع الكلام بين الاعلام في ان التلفظ بالكلمات المذكورة في صحيحة الحلبي هل هو شرط في صحة الخلع او يكفي تحقق الكراهة إلى المستوى المذكور ولو من دون تلفظ بذلك؟

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٣ : ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٦ الباب ٦ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ١.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

٤٣٦

المناسب لو خلينا وظاهر الصحيحة المتقدمة وما شاكلها اعتبار التلفظ بالكلمات السابقة الا ان قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) يدل على ان المدار على وصول الكراهة الى حدّ يخاف من ترك الحدود الالهية من دون مدخلية للتلفظ بما ذكر.

وتؤكد ما ذكرناه السيرة الجارية على اجراء الخلع بدون فحص عن صدور الكلمات المذكورة.

وهل يلزم في الكراهة ان تكون ذاتية ـ بمعنى نشوئها عن مناشئ غير طارئة بعد الزواج كقبح منظر الزوج وفقره وسوء خلقه ـ أو يكفي كونها عارضة وناشئة من اسباب طارئة بعد ذلك كالتزوج باخرى؟

أجاب صاحب الحدائق بما نصه : «المستفاد من كلام من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين هو الاول. وقد حضرناه في غير موضع وقد كانوا لا يوقعون الخلع الا بعد تحقيق الحال ومزيد الفحص والسؤال في ثبوت الكراهة الذاتية وعدم الكراهة العارضية ...» (١).

ويرده : ان الآية الكريمة وصحيحة الحلبي مطلقتان من الناحية المذكورة. ولعله لذلك قال صاحب الجواهر : «وهو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب ولا سنة» (٢).

٦ ـ واما اعتبار عدم كراهة الزوج لزوجته‌ فلانه مع كراهته أيضا يكون المورد من مصاديق المباراة دون الخلع.

٧ ـ واما اعتبار بذل الزوجة للفداء‌ فلتقوم حقيقة الخلع بذلك ومن‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٥٧٦.

(٢) جواهر الكلام ٣٣ : ٤٤.

٤٣٧

دونه لا يكون خلعا بل طلاقا بشكله المتعارف.

٨ ـ واما اعتبار ان يكون بذل الفداء عن طيب نفس الزوجة‌ فلقوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) (١). بل بقطع النظر عن ذلك لا مسوغ لإكراهها على بذل ذلك فانه مصداق للظلم المحرم. اضافة الى دلالة حديث : «رفع عن امتي ما استكرهوا عليه» (٢) على عدم ترتب الاثر على ذلك.

٩ ـ واما ان الصيغة الخاصة «خلعتك او انت او هي مختلعة على كذا» فلانه بعد ما لم ترد صيغة خاصة في النصوص لانشاء الخلع فيلزم الحكم بالاكتفاء بكل صيغة دالة على إنشاء الخلع ـ ومن ذلك ما تقدم ـ تمسكا بالاطلاق اللفظي ان امكن تحصيله والا فبالاطلاق المقامي.

١٠ ـ واما الاكتفاء بصيغة «هي او انت او فلانة طالق على عوض كذا» فباعتبار ان الخلع لما كان مصداقا من مصاديق الطلاق فيلزم الاكتفاء فيه بصيغة الطلاق ، غايته يلزم اضافة العوض لان ذلك هو المائز بين الخلع والطلاق المتعارف.

١١ ـ واما الجمع باتباع الخلع بالطلاق‌ فقد اختار اعتباره الشيخ قدس‌سره وجماعة (٣). وقد يستدل له برواية موسى بن بكر عن العبد الصالح : «قال علي عليه‌السلام : المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة» (٤).

__________________

(١) النساء : ١٩.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ٦.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٠ الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ١.

٤٣٨

وفيه : انها لو تمت سندا ولم يناقش من ناحية موسى بن بكر هي ضعيفة دلالة لإجمال المقصود منها.

وما ذكره الشيخ قدس‌سره لو استفيد منها يلزم الحكم بجواز تأخير الطلاق عن الخلع حتى بفترة طويلة ما دامت العدة باقية. وهذا بعيد وان استظهر في الحدائق من بعض كلمات القائلين بالقول المذكور الالتزام بذلك (١) ، ولكنه غريب.

هذا ويظهر من بعض الروايات ان الخلاف في اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق كان ثابتا في عصر الأئمة عليهم‌السلام ، ولذلك تكرر السؤال عن ذلك فلاحظ صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع : «سألت ابا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال : تبين منه وان شاءت ان يرد اليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت. فقلت : فانه روي لنا انه لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق قال : ليس ذلك اذا خلع. فقلت : تبين منه؟ قال : نعم» (٢) وغيرها.

وبالجملة : لا دليل على اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق لعدم الدليل ـ فيتمسك بالاطلاق اللفظي ان كان والا فبالاطلاق المقامي ـ بل وللدليل على العدم ، كصحيحة ابن بزيع وغيرها.

نعم لا اشكال في ان الاتباع اولى خروجا من خلاف الشيخ وغيره وامتثالا للمضمون المحتمل لرواية موسى بن بكر.

١٢ ـ واما اعتبار عدم الفصل بين إنشاء الفدية والطلاق‌ فهو‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٢ الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٩.

٤٣٩

المشهور. واستدل له في الجواهر :

تارة بان الخلع معاوضة بين بذل الفداء وإنشاء الطلاق فهو على هذا كسائر المعاوضات لقول امير المؤمنين عليه‌السلام : «لكل مطلقة متعة الا المختلعة فانها اشترت نفسها» (١) ، وموثقة البقباق عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المختلعة ان رجعت في شي‌ء من الصلح يقول لأرجعن في بضعك» (٢). واخرى بان القدر المتيقن من نصوص الباب حالة التحفظ على الموالاة ، والاصل عدم الصحة فيما سوى ذلك (٣).

ويرده :

اما بالنسبة الى الاول فلان الحديثين ليسا واضحين في المعاوضة. وكيف يمكن الالتزام بذلك والحال ان رجوع الزوجة عن البذل لا يستوجب بطلان الطلاق بل صيرورته رجعيا؟ هذا مضافا الى ان اعتبار الموالاة في باب المعاوضة اول الكلام.

واما بالنسبة الى الثاني فباعتبار انه لا مجال للأصل بعد وجود الاطلاق ولو المقامي.

وعليه فالمناسب عدم اعتبار الموالاة ويكفي استمرار عزمها على البذل. ولكن الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور امر لازم.

١٣ ـ واما انه يجوز في الفدية ان تكون بقدر المهر او اكثر او أقلّ‌ فلعدم الدليل على اشتراط حدّ معين بل وللدليل على العدم ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «المباراة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٣ الباب ١١ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٩ الباب ٧ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ١٤.

٤٤٠