السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-177-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٦
السكوت والتسليم.
٦ ـ ومن خصائصهم ـ يعني حجر بن عدي وأصحابه ـ : أنهم «يتشددون في الدين» (١) حتى لقد جعل ذلك من أسباب الطعن عليهم.
٧ ـ ورغم اضطهاد الحكام للشيعة ، فإنهم كانوا في بغداد أهل يسار (٢).
والظاهر : أن مرد ذلك إلى أنهم كانوا يبر بعضهم بعضا ، في مقابل حرمان الحكام لهم ، واضطهادهم إياهم. فكانوا يهتمون بقضاء حاجات بعضهم البعض ، وحل مشاكلهم ، وتيسير أمورهم.
٨ ـ ومن خصائصهم كذلك بعد صيتهم (٣) ، أي شيوع ذكرهم الحسن ، وهذا يعني أنهم كانوا مستقيمين في سلوكهم ، ومواقفهم ، وعلاقاتهم ، وغير ذلك.
٩ ـ ومن ذلك أيضا : محافظتهم على الصلاة في أول وقتها ، ويدل على ذلك قصة المأمون مع يحيى بن أكثم ، وفي آخرها قال له المأمون : «إن الشيعة أشد رعاية لأوقات الصلاة من المرجئة» (٤).
وأما غيرهم ، فقد روى مالك عن القاسم بن محمد ، أنه قال : ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي (٥).
وقال الجاحظ : «وتفخر هاشم عليهم (أي على بني أمية) بأنهم : لم
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) أحسن التقاسيم ص ٤١.
(٣) المصدر السابق.
(٤) الموفقيات للزبير بن بكار ص ١٣٤ ، وراجع : عصر المأمون ج ١ ص ٤٤٥.
(٥) موطأ مالك ، (مع تنوير الحوالك) ج ١ ص ٢٧.
يهدموا الكعبة ، ولم يحولوا القبلة ، ولم يجعلوا الرسول دون الخليفة ، ولم يختموا في أعناق الصحابة ، ولم يغيروا أوقات الصلاة» (١).
وهذا يدل على مدى تأثر الناس بسيرة وروحية حكامهم الأمويين.
١٠ ـ ومن خصائص الشيعة العلم والفقه.
١١ ـ الجود والكرم. ويدل على هذا ، وعلى سابقه : ما روي من أنه دخل عبد الله بن صفوان على عبد الله بن الزبير ، وهو يومئذ بمكة فقال :
أصبحت كما قال الشاعر :
فإن تصبك من الأيام جائحة |
|
لا أبك منك على دنيا ولا دين |
فقال : وما ذاك يا أعرج؟
فقال : هذا عبد الله بن عباس يفقه الناس ، وعبيد الله أخوه يطعم الناس ، فما أبقيا لك؟
فأحفظه ذلك ، فأرسل صاحب شرطته ، عبد الله بن مطيع ، وقال له : انطلق إلى ابني عباس ، فقل لهما : أعمدتما إلى راية ترابية قد وضعها الله ، فنصبتماها؟ بددا عني جمعكما ، ومن ضوى إليكما من أهل الدنيا ، وإلا فعلت وفعلت.
فقال ابن عباس : ثكلتك أمك ، والله ما يأتينا من الناس غير رجلين : طالب فقه ، أو طالب فضل. فأي هذين تمنع؟! فقال أبو الطفيل :
لا در در الليالي كيف تضحكنا |
|
منها خطوب أعاجيب وتبكينا |
ومثل ما تحدث الأيام من غير |
|
يا ابن الزبير عن الدنيا تسلينا |
__________________
(١) آثار الجاحظ ص ٢٠٥.
كنا نجيء ابن عباس فيقبسنا |
|
علما ، ويكسبنا أجرا ويهدينا |
ولا يزال عبيد الله مترعة |
|
جفانه ، مطعما ضيفا ومسكينا |
فالبر ، والدين ، والدنيا بدارهما |
|
ننال منها الذي نبغي إذا شينا |
إن النبي هو النور الذي كشفت |
|
به عمايات باقينا وماضينا |
ورهطه عصمة في ديننا ولهم |
|
فضل علينا وحق واجب فينا |
ولست فاعلمه أولى منهم رحما |
|
يا بن الزبير ولا أولى به دينا |
ففيم تمنعهم عنا وتمنعنا |
|
عنهم وتؤذيهم فينا وتؤذينا |
لن يؤتي الله من أخزى ببغضهم |
|
في الدين عزا ولا في الأرض تمكينا (١) |
فابن الزبير يعتبر راية العلم ، وراية الجود من الروايات الترابية التي اكتسبها أتباع أبي تراب منه «صلوات الله وسلامه عليه».
١٢ ـ ومن خصائص الشيعة ابتعادهم عن العصبية ، فقد قال كثير عزة ، حينما قتل آل المهلب بالعقر : ما أجل الخطب! ، ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف ، وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر ، ثم انتضحت عيناه باكيا.
فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك ، فدعا به ، فلما دخل عليه قال : «عليك بهلة الله ، أترابية وعصبية»؟! (٢).
وموقف أهل البيت «عليهم السلام» من العصبيات ، ومن التمييز القبلي
__________________
(١) الأغاني ط ساسي ج ١٣ ص ١٦٨ ، وأنساب الأشراف أيضا ج ٣ ص ٣٢.
(٢) الأغاني ج ٨ ص ٦.
والعنصري ، معروف وواضح. والموقف المغاير من غيرهم واضح أيضا.
وهذا موضوع طويل الذيل ، لا مناص لنا من إرجاء الإفاضة فيه إلى فرصة أخرى (١).
١٣ ـ وكذلك ، فإن من خصائص الشيعة «رضوان الله تعالى عليهم» ، الابتعاد عن الشراب ، فقد ذكروا أن جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد على نبيذ لهم ، وفيهم منصور النمري ؛ فأبى منصور أن يشرب معهم ، فقالوا : إنما تعاف الشراب لأنك رافضي (٢).
وقال الجاحظ : «لكل صنف من الناس نسك ، فنسك الخصي غزو الروم ونسك الخراساني الحج إلى أن قال : ونسك الرافضي ترك النبيذ وزيارة المشهد» (٣).
١٤ ـ قال الزمخشري : «ليلة الغدير معظمة عند الشيعة ، محياة فيهم بالتهجد ؛ وهي الليلة التي خطب فيها رسول الله بغدير خم على أقتاب الإبل ، وقال في خطبته : من كنت مولاه فعلي مولاه» (٤).
١٥ ـ ومن خصائص الشيعة براعتهم في الأدب والشعر.
١٦ ـ ومن خصائصهم أيضا الفاعلية والحيوية ، والنشاط في مجال العمل على مستوى التغيير في الأمة.
ويدل على هذا الأمر وسابقه قول ابن هاني الأندلسي في مدحه لأبي
__________________
(١) راجع كتابنا «سلمان الفارسي في مواجهة التحدي».
(٢) الأغاني ج ١٢ ص ٢٣.
(٣) محاضرات الراغب المجلد الثاني ج ٤ ص ٤١٨.
(٤) ربيع الأبرار ج ١ ص ٨٤ و٨٥.
الفرج الشيباني :
شيعي أملاك بكر إن هم انتسبوا |
|
ولست تلقى أديبا غير شيعي |
من أنهض المغرب الأقصى بلا أدب |
|
سوى التشيع والدين الحنيفي (١) |
١٧ ـ ومما يمتاز به شيعة أهل البيت الفصاحة الظاهرة ، وسلامة المنطق ، حتى إن نطقهم بالضاد العربية كان معروفا ومتميزا (٢).
١٨ ـ والإكثار من العبادة والصلاة أمر عرف به الشيعة أيضا ، ونذكر هنا : أنه لما أرسل عبيد الله بن زياد معقلا ، ليكشف له خبر مسلم بن عقيل انطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم. وجعل لا يدري كيف يتأتى الأمر. ثم إنه نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد ، فقال في نفسه : «إن هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة ، وأحسب هذا منهم».
ثم ذكر كيف احتال حتى كشف الأمر (٣).
١٩ ـ ومن ميزاتهم أيضا : الجمع بين الصلاتين ، بحيث تكون صلاة العصر بعد الزوال بقليل (٤).
٢٠ ـ وقال إبراهيم بن هاني : «من تمام آلة الشيعي : أن يكون وافر الجمة صاحب بازيكند» (٥).
__________________
(١) راجع : ديوان ابن هاني ، الطبعة الأولى. لكن في طبعة سنة ١٤٠٥ ه. ق ، دار بيروت ص ٣٨١ : من أصلح ، بدل من أنهض.
(٢) روضات الجنات ج ١ ص ٢٤٤.
(٣) الأخبار الطوال ص ٢٣٥.
(٤) مقاتل الطالبيين ص ٤٦٧.
(٥) البيان والتبيين ج ١ ص ٩٥.
بازيكند : بفتح الزاي والكاف ، وضم الياء : نوع من الثياب.
٢١ ـ عن الإمام الصادق «عليه السلام» ، أنه قال : «إن أبي حدثني : أن شيعتنا أهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم ؛ إن كان فقيه كان منهم ، وإن كان مؤذن كان منهم ، وإن كان إمام كان منهم ، وإن كان صاحب أمانة كان منهم ؛ وإن كان صاحب وديعة كان منهم. وكذلك كونوا ، حببونا إلى الناس ، ولا تبغضونا إليهم» (١).
٢٢ ـ قال المعتزلي ، وهو يتحدث عن سجاحة خلق أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ، وبشر وجهه ، وطلاقة المحيا ، والتبسم ، ولين الجانب والتواضع : «وقد بقي هذا الخلق متناقلا في محبيه وأوليائه إلى الآن. كما بقي الجفاء ، والخشونة ، والوعورة في الجانب الآخر. ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك» (٢).
٢٣ ـ وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال : «إن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي ، فيكون زينها ، أداهم للأمانة ، وأقضاهم للحقوق ، وأصدقهم للحديث ، إليه وصاياهم وودائعهم ، تسأل العشيرة عنه ؛ فتقول : من مثل فلان ، إنه لأدانا للأمانة ، وأصدقنا للحديث» (٣).
٢٤ ـ وقال الإمام الصادق «عليه السلام» لشيعته ـ فيما روي عنه ـ : «دعوا رفع أيديكم في الصلاة ، إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة ، فإن
__________________
(١) البحار ج ٧٤ ص ١٦٢ و١٦٣ ، وصفات الشيعة للشيخ الصدوق ص ٢٨.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٦.
(٣) الكافي ط قديم ج ٨ ص ٦٧٨.
الناس قد شهروكم بذلك» (١).
٢٥ ـ وعن أبي عبد الله «عليه السلام» ، قال : «إن أصحاب علي «عليه السلام» كانوا المنظور إليهم في القبائل ، وكانوا أصحاب الودايع ، مرضيين عند الناس ، سهار الليل ، مصابيح النهار» (٢).
٢٦ ـ وقال المنصور بن أبي عامر صاحب الأندلس لأبي مروان الجزيري مرة يثني عليه وعلى أدبه : «لله درك ، قسناك بأهل العراق ففضلتهم ، فبمن نقيسك بعد» (٣).
٢٧ ـ ومن الأمور التي يعرف بها الشيعة هو أنهم يتختمون باليمين فقد ذكر إسماعيل البروسوي في عقد الدرر : «أن السنة في الأصل التختم في اليمين لكن لما كان ذلك شعار أهل البدعة (أي الشيعة) والظلمة ، صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا» (٤).
وبعد أن ذكر الراغب : أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يتختم بيمينه قال : وأول من تختم في يساره معاوية ، وقيل :
قالوا : تختم في اليمين وإنما |
|
مارست ذاك تشبها بالصادق |
وتقربا مني لآل محمد |
|
وتباعدا مني لكل منافق |
__________________
(١) البحار ج ٧٥ ص ٢١٥ ، والكافي ج ٨ ص ٧.
(٢) البحار ج ٦٥ ص ١٨٠ ط مؤسسة الوفاء ، وفي هامشه عن مشكاة الأنوار ص ٦٢ و٦٣.
(٣) بدائع البدائه ص ٣٥٦ ، ونفح الطيب ج ٣ ص ٩٥.
(٤) الغدير ج ١٠ ص ٢١١ عن روح البيان ج ٤ ص ١٤٢.
الماسحين فروجهم بخواتم |
|
اسم النبي بهن واسم الخالق (١) |
٢٨ ـ وقالوا : السنة تسطيح القبور ، ولكن لما صار شعار الرافضة كان الأولى مخالفتهم إلى التسنيم (٢).
٢٩ ـ وعن الزرقاني : كان بعض أهل العلم يرخي العذبة من قدام ، من الجانب الأيسر. ولم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني ، ولما صار شعارا للإمامية ينبغي تجنبه لترك التشبه بهم (٣).
٣٠ ـ قد حكم الزمخشري بكراهة الصلاة على أهل البيت مستقلا لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض (٤).
٣١ ـ وقال العسقلاني : «اختلف في السلام على غير الأنبياء «عليهم السلام» بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي ، فقيل يشرع مطلقا وقيل تبعا ، ولا يفرد لواحد ، لكونه صار شعارا للرافضة» (٥).
٣٢ ـ ومسك الختام نقول : قال الراغب : «إذا قيل أمير المؤمنين مطلقا
__________________
(١) محاضرات الراغب ، المجلد الثاني ج ٤ ص ٤٧٣ و٤٧٤.
(٢) رحمة الأمة باختلاف الأئمة (مطبوع بهامش الميزان للشعراني) ج ١ ص ٨٨ وراجع : المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٥٠٥ ومقتل الحسين للمقرم هامش ص ٤٦٤ عنهما وعن المهذب لأبي إسحاق الشيرازي ج ١ ص ١٣٧ والوجيز للغزالي ج ١ ص ٤٧ والمنهاج للنووي ص ٢٥ وشرح تحفة المحتاج لابن حجر ج ١ ص ٥٦٠ وعمدة القاري ج ٤ ص ٢٤٨ والفروع لابن مفلح ج ١ ص ٤٨١.
(٣) مقتل الحسين للمقرم هامش ص ٤٦٥ عن شرح المواهب ج ٥ ص ١٣.
(٤) الكشاف ج ٣ ص ٥٥٨.
(٥) فتح الباري ج ١١ ص ١٤٦.
فهو أمير المؤمنين «علي بن أبي طالب» (١).
هذا ما حضرنا الآن مما يرتبط بهذا الموضوع ، ونأمل التوفيق لإتحاف القارئ بالمزيد من خصائصهم الحميدة ، وخصالهم الفريدة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
__________________
(١) محاضرات الأدباء ، المجلد الثاني جزء ٣ ص ٣٤١.
الفصل الثاني :
أبو بكر في العريش ، وشجاعة أبي بكر
أبو بكر في العريش ، وشجاعة أبي بكر :
لقد رووا : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» سأل عن أشجع الناس ، فقالوا له : أنت ، فرفض ذلك ، وقرر هو نفسه : أنه لما كان يوم بدر جعلوا للنبي «صلى الله عليه وآله» عريشا ، فقالوا : من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟.
«فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر ، شاهرا بالسيف على رأس رسول الله ، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه ، فهو أشجع الناس» (١).
قال الحلبي الشافعي : «وبه يرد قول الشيعة والرافضة : أن الخلافة لا يستحقها إلا علي ، لأنه أشجع الناس». ثم استدل هو ودحلان على أشجعية أبي بكر : بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر عليا بأنه يقتل على يد ابن ملجم ، فكان إذا دخل الحرب ، ولاقى الخصم ، علم أنه لا قدرة له على قتله ، فهو معه كالنائم على فراشه. أما أبو بكر ؛ فلم يخبر بقاتله ، فكان إذا دخل
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٦ و٣٧ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٧ وقال : فيه من لم أعرفه ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧١ و٢٧٢ عن البزار وحياة الصحابة ج ١ ص ٢٦١ عنهما ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥٦ والفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج ١ ص ١٢٢ ، وعن الرياض النضرة ج ١ ص ٩٢.
الحرب لا يدرون هل يقتل أو لا ، ومن هذه حالته يقاسي من التعب ما لا يقاسيه غيره.
ومما يدل على شجاعته تصميمه على حرب مانعي الزكاة ، مع تثبيط عمر له عن ذلك.
وأنه حين توفي الرسول «صلى الله عليه وآله» طاشت العقول ، وأقعد علي ، وأخرس عثمان ، وكان أبو بكر أثبتهم.
وأما كونه لم يشتهر عنه في الحروب ما اشتهر عن علي ؛ فلأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يمنعه عن مبارزة الشجعان (١).
ويقول دحلان : «إن الشجاعة والثبات في الأمر هما الأهمان في أمر الإمامة ، لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم» (٢).
وقالوا أيضا : «أبو بكر كان مع النبي «صلى الله عليه وآله» على العريش يوم بدر ، مقامه مقام الرئيس ، والرئيس ينهزم به الجيش ، وعلي مقامه مقام مبارز ، والمبارز لا ينهزم به الجيش» (٣).
هذا كل ما عند القوم من الأدلة على أشجعية أبي بكر من سائر الصحابة ، حتى علي «عليه السلام».
__________________
(١) راجع فيما تقدم : الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج ١ ص ١٢٣ ـ ١٢٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥٦ ، وعن تفسير القرطبي ج ٤ ص ٢٢٢.
(٢) الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج ١ ص ١٢٤ ـ ١٢٦.
(٣) تاريخ بغداد للخطيب ج ٨ ص ٢١ ، والمنتظم لابن الجوزي ج ٦ ص ٣٢٧ ، وراجع : العثمانية للجاحظ ص ١٠.
عدم صحة ما تقدم :
ونحن نقطع بعدم صحة كل ما تقدم ، أو عدم دلالته ، وبيان ذلك عدا عما تقدم من عدم صحة قضية العريش من أساسها ما يلي :
ألف : فرار أبي بكر في المواقف :
لقد أقر دحلان بأن الشجاعة والثبات هما الأهمان في أمر الإمامة. ونحن نجد أبا بكر يفر في غير مشهد. وفراره في خيبر وحنين وأحد معروف ، ولسوف يأتي ذكر مصادره في تلك الغزوات ، وعن فراره في غزوة خيبر (١) قال ابن أبي الحديد المعتزلي المعترف بخلافة أبي بكر يذكر فراره هو وعمر :
وما أنس لا أنس اللذين تقدما |
|
وفرهما والفر قد علما حوب |
وللراية العظمى وقد ذهبا بها |
|
ملابس ذل فوقها وجلابيب |
إلى أن قال :
__________________
(١) أما بالنسبة لفراره في غزوة أحد ، فسيأتي ذلك مع مصادره الكثيرة جدا في الجزء السادس من هذا الكتاب. وبالنسبة لفراره في حنين سيأتي أيضا في غزوة حنين.
وأما بالنسبة لفراره في غزوة خيبر ، فهو أيضا سيأتي مع مصادر كثيرة.
وقد رواه البزار بسند صحيح ، ورواه أيضا الطبراني ، والإيجي ، والبيضاوي ، وابن عساكر فراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤ ، والمواقف كما في شرحه ج ٣ ص ٢٧٦ ، وأقره شراحه ، والمطالع ص ٤٨٣ ، عن البيضاوي في طوالع الأنوار ، وترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ١ ص ٨٢ ، والغدير ج ٧ ص ٢٠٤. وسيأتي المزيد إن شاء الله تعالى.
وقال أيضا :
ونقول لابن أبي الحديد : بل يلذ الموت لمن بلغ الدرجات العالية من اليقين والمعرفة بجلال وعظمة الله ، وما أعده لعباده الصالحين والمجاهدين في سبيله ، والناصرين لدينه. وكلمات أمير المؤمنين «عليه السلام» حول الموت في سوح الجهاد خير شاهد على ذلك. وفر أبو بكر أيضا في أحد. ويقول الإسكافي : إنه لم يبق معه حينئذ سوى أربعة بايعوه على الموت ، وليس أبو بكر من بينهم (١) وسيأتي ذكر ذلك في غزوة أحد مع مصادره الكثيرة إن شاء الله تعالى. وجبن أيضا في الخندق عن مبارزة عمرو بن عبد ود ، وفر أيضا في حنين ؛ حيث لم يبق معه «صلى الله عليه وآله» سوى علي «عليه السلام» ، والعباس ، وأبي سفيان بن الحارث ، وابن مسعود (٢). والخلاصة : أن أبا بكر قد شهد المشاهد كلها ، وليس فقط لم تؤثر عنه أية بادرة تدل على شجاعة وإقدام ، ولم يبارز ، ولم يقتل ، ولا جرح أحدا ، بل __________________ (١) الغدير ج ٧ ص ٢٠٦ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢٣. (٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٩٣. |