العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٥

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٥

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٩٤

٢٠٨٨ ـ على بن عجلان بن رميثة بن أبى نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة الحسنى المكى ، يلقب علاء الدين ، ويكنى أبا الحسن :

أمير مكة ، ولى إمرة مكة ثمانى سنين ، ونحو ثلاثة أشهر ، مستقلا بالإمرة ، غير سنتين أو نحوها ، فإنه كان واليا فيها ، شريكا لعنان بن مغامس بن رميثة الآنى ذكره ، كما سيأتى بيانه.

وأول ولايته فى رجب ، وإلا ففى أول شعبان ، من سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، بعد عزل عنان ، حنقا عليه ، لما اتفق فى ولايته ، من استيلاء كبيش ، وجماعة عجلان ، وابنه أحمد ، ومن انضم عليهم ، على جدّة ، وما فيها من أموال الكارم ، وغلال المصريين ، وعجز عنان عن دفعهم عن الاستيلاء على جدة ، وعن استنقاذ الأموال منهم ، ولا شراكة لبنى عمه فى إمرة مكة ، ووصل إلى على تقليد وخلعة ، بسبب ولايته لإمرة مكة ، من الملك الظاهر برقوق ، صاحب مصر ، مع نجّاب معتبر من العيساويّة ، ووصل النجاب إلى عنان فى النصف الثانى من شعبان ، من سنة تسع وثمانين ، لكى يسلّم مكة لعلىّ وجماعته ، فامتنع من تسليمها إليهم أصحاب عنان ، وتابعهم على ذلك عنان.

ولما علم بذلك علىّ وجماعته ، قوى عزمهم على التوجّه إلى مكة ، وصرف الجمال محمد بن فرج المعروف بابن بعلجد ، نفقة جيدة على من لايم عليا من الأشراف والقواد العمرة والحميضات ، وساروا إلى مكة ، وخرجوا على الأبطح من ثنيّة أذاخر ، وخرج للقائم من مكة عنان وأصحابه ، فلما تراءى الجمعان ، انحاز الحميضات عن آل عجلان ، فلم يكونوا معهم ولا مع عنان ، وتقاتل الفريقان ، فتم النصر لعنان وأصحابه ، ورجع آل عجلان إلى محلّهم ، وهو القصر بالوادى ، بعد أن قتل منهم كبيش ولقاح بن منصور ، من القواد العمرة ، وعشرون عبدا فيما قيل ، وذلك فى سلخ شعبان من السنة المذكورة.

وفى شهر رمضان توجه على إلى مصر ، فأقبل عليه السلطان ، وولّاه نصف إمرة مكة ، وولّى النصف الثانى لعنان بشرط حضور عنان لخدمة المحمل ، ووصل علىّ مع المحمل إلى مكة ، فدخلها مع الحاج ، وقرئ توقيعه على مقام الحنابلة بالمسجد الحرام.

وكان عنان قد أعرض عن لقاء المحمل ، متخوفا من آل عجلان ، وفر إلى الزّيمة بوادى نخلة اليمانية ، وكان أصحابه قد سبقوه إليها ، فسار إليهم علىّ وجماعته ، وجماعة من الترك الحجاج ، فوجدوا الأشراف محاربين لقافلة بجيلة.

__________________

٢٠٨٨ ـ انظر ترجمته فى : (ابن الفرات ٩ / ٤٢٠ ، شذرات الذهب ٦ / ٣٥٠ ، ابن إياس ١ / ٣٠٤ ، خلاصة الكلام ٣٦ ، الأعلام ٤ / ٣١٢).

٢٨١

ولما عرف بهم الأشراف ، هربوا خوفا من سهام الترك ، وقتل أصحاب علىّ منهم مبارك بن عبد الكريم من الأشراف ، وابن شكوان من أتباعهم ، وعادوا إلى مكة ، ومعهم من خيل الأشراف خمسة ، ومن دروعهم ثلاثة عشر درعا ، وتوصلت قافلة بجيلة إلى مكة ، فانتفع بها الناس.

وبعد سفر الحاج من مكة ، صار عنان والأشراف إلى وادى مرّ ، واستولوا عليه وعلى جدّة ، ونهبوا بعض تجار اليمن ، وأفسدوا فى الطرقات ، ولأجل استيلائهم على مدّة ، احتاج علىّ إلى النفقة ، فأخذ من تجار اليمن ومكة ، ما استعان به على إزالة سرورته.

وفى ربيع الآخر ، أو جمادى الأولى من سنة تسعين وسبعمائة ، أتاه من مصر أخوه الشريف حسن ، بجماعة من الترك استخدمهم له ، نحو خمسين فارسا وخلعة من السلطان ، وكتاب منه يتضمن استمراره ، فلبس الخلعة ، وقرئ الكتاب بالمسجد الحرام ، ووصل إليه أيضا خلعة ، وكتاب يتضمن باستمراره ، من الصالح حاجّى بن الأشرف شعبان ، لما عاد إلى السّلطنة بمصر ، بعد خلع الملك الظاهر ، فى أثناء سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.

وفى آخر ذى القعدة منها ، بلغه أن الأشراف آل أبى نمىّ ، يريدون نهب الحاجّ المصرى ، فخرج من مكة بعسكره لنصرهم ونصر أخيه محمد ، فإنه كان قدم معهم من مصر ، بعد أن أجيب لقصده فى حبس عنان ، ولم يقع بين الفريقين قتال ، لأن أمير الحاج أبا بكر بن سنقر الجمالى ، لما عرف قصد الأشراف للحاج ، لاطفهم مع الاستعداد لحربهم ، فأعرضوا عن الحاجّ.

وفى أوائل سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ، حصل بين علىّ وأخويه ، حسن ومحمد منافرة ، فبان عن علىّ أخواه ، ونزلا بمن انضم إليهما فى وادى مرّ ، ثم هجم حسن مكة فى جماعة ، وخرجوا منها من فورهم ، وقتل بعضهم شخصا يقال له بحر.

وفى سنة اثنتين وتسعين أيضا ، اصطلح والأشراف آل أبى نمىّ ، بسعى محمد بن محمود ، وكان علىّ قد قلّده أمره لنيل رأيه ، وحلفوا لعلى وحلف لهم ، وأعطاهم إبلا وأصائل بوادى مرّ ، وتزوّج بعد ذلك منهم ، بنت حازم بن عبد الكريم بن أبى نمىّ.

ولما كان قبيل النصف من شعبان سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ، وصل عنان من مصر ، متوليّا نصف الإمرة بمكة ، من قبل الملك الظاهر ، شريكا لعلىّ ، فسعى الناس

٢٨٢

بينهم فى المؤالفة ، وأن يكون لكلّ منهما نوّاب بمكة ، بعضهم للحكم بها ، وبعضهم لقبض ما يخصه من المتحصّل ، وإن كلّا منهما يقدم مكة إذا عرضت له بها حاجة فيقضيها ، وأن يكون القواد مع عنان ، والأشراف مع على ، لملايمتهم له قبل وصول عنان ، فرضيا بذلك ، وفعلا ما اتفقا عليه.

وكان أصحاب كل منهما غالبين له على أمره ، فحصل للناس فى ذلك ضرر ، سيّما الواردين إلى مكة ، لأن حجّاج اليمن ، نهبوا بالمعابدة بطريق منى وبمكة نهبا فاحشا ، ونهب أيضا بعض الحجاج المصريين ، وما خرج الحاج المصريون ، حتى استنزل عليهم أمير الحاجّ أبو بكر بن سنقر ، من بعض بنى حسن ، وكان ذلك فى موسم سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.

ولمّا سمع ذلك السلطان بمصر ، استدعى إليه عليا وعنانا ، وكان وصول هذا الاستدعاء ، فى أثناء سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، ووصل مع النجّاب المستدعى لهم ، خلعتان من السلطان ، لعلى ولعنان ، وكان عنان إذ ذاك منقبضا عن دخول مكة ، لأن بعض غلمان علىّ بن عجلان ، همّ بالفتك به فى آخر صفر من سنة أربع وتسعين وسبعمائة بالمسعى ، ففر هاربا ، بعد أن كاد يهلك ، وأزال أصحاب على نوّابه من مكة ، وشعار ولايته بها ، لأنهم قطعوا الدعاء له على زمزم بعد المغرب ، وأمر الخطيب بقطع اسمه من الخطبة فما أجاب ، ثم دخل عنان مكة ، بموافقة علىّ وأصحاب رأيه ، ليتجهّز منها إلى مصر.

فلما انقضى جهازه ، سافر منها فى جمادى الآخرة إلى مصر ، وتلاه إليها علىّ ، وقصد المدينة النبوية ، فزار جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيره ، وجمع الناس بالحرم النبوى ، لقراءة ختمة شريفة للسلطان ، والدعاء له عقيبها ، وكتب بذلك محضرا يتضمن ذلك ، وما اتفق ذلك لعنان ، لأنه قصد من بدر ينبع ، ليسبق منها عليا إلى مصر ، ولما وصل علىّ إلى مصر ، أهدى للسلطان وغيره هدايا حسنة ، واجتمع السّلطان يوم الخميس خامس شعبان من سنة أربع وتسعين ، فى يوم الموكب بالإيوان ، فأقبل عليه السلطان كثيرا ، وأمره بالجلوس فوق عنان ، وكان جلس تحته ، وبعد أيام ، فوّض إليه إمرة مكة بمفرده ، وأعطاه أربعين فرسا ، وعشرة مماليك من الترك ، وثلاثة آلاف أردب قمح ، وألف أردب شعير ، وألف أردب فول.

ومما أحسن إليه به ، فرس خاص ، وسرج مغرق بالذهب ، وكنبوش ذهب ، وسلسلة

٢٨٣

ذهب وأحسن إليه الأمراء لإقبال السلطان عليه ، فحصّل غلمانا من الترك ، قيل إنهم مائة ، وخيلا قيل إنها مائة ، ونفقة جيدة ، وتوجّه مع الحجاج إلى مكة ، فوصلها سالما ، وكان يوم دخوله إليها يوما مشهودا ، وقام بخدمة الحاج ، فى أيام الموسم من سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وحج فى هذه السنة ناس كثير من اليمن بمتاجر ، وانكسر من جلابهم ببندر جدّة ، ستة وثلاثون جلبة فيما قيل ، وسافروا من مكة بعد قضاء وطرهم منها فى قافلتين ، وصحبهم فيها علىّ بعسكره ، وأطلق القافلة الثانية من المكس المأخوذ منهم بمكة.

وكان غالب الأشراف آل ألى نمىّ ، لم يحجّوا فى سنة أربع وتسعين وسبعمائة لا نقباضهم منه ، فإنه كان نافر رأسهم جار الله بن حمزة ، بمصر ، وسعى فى التّشويش عليه ، فما وسع جار الله إلا أن يخضع لعلىّ فقلّ تعبه ، واستدعى علىّ الأشراف آل أبى نمىّ ، فحضر إليه جماعة منهم ، مع جماعة من القواد والحميضات ، فقبض على ثلاثين شريفا ، وثلاثين قائدا فيما قيل ، وطالبهم بما أعطاه لهم من الخيل والدّروع ، فسلّم القواد ما طلب منهم ، وسلّم إليه الأشراف بنو عبد الكريم بن أبى سعد ، وبنو إدريس بن قتادة ، ما كان له عندهم من ذلك.

وأما الأشراف آل أبى نمىّ ، فلم يسلّموا ما كان عندهم ، فأقاموا فى سجنه ، حتى سلّم إليه ما طلب منهم ، بعد ثلاثة أشهر ، وكان سجنه لهم فى آخر ذى الحجة من سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، وكان بمكة جماعة من الأشراف والقواد ، غير الذين قبض عليهم ، ففروا بمكة مستخفين ، والتحق كل منهم بأهله ، ومضى الأشراف إلى زبيد ونزلوا عليهم بناحية الشام ، وراسلوا عليّا فى إطلاق أصحابهم ، فتوقف ، ثم أطلق منهم محمد بن سيف بن أبى نمى ، لتكرّر سؤال كبيش بن سنان بن عبد الله بن عمر له فى إطلاقه ، فإنه كان عنده يوم القبض عليه ، ومضى محمد بن سيف بعد إطلاقه إلى علىّ ، وكان نازلا ببئر شميس ، فسعى عنده فى خلاص أصحابه ، واستقر الحال معه على أن يسلّم الأشراف إليه أربعين فرسا وعشرين درعا ، وأن يردوا إليه ما أعطاه لهم من الأصائل ، وأن يكون بين الفريقين مجود ، أى حسب إلى سنة ، ومضى من عند علىّ جماعة إلى الأشراف لإبرام الصّلح على ذلك ، وقبض الخيل والدروع والإشهاد بردّ الأصائل ، ففعل الأشراف ذلك.

وجاء علىّ إلى مكة ، فأطلق الأشراف فى تاسع عشرى ربيع الأول ، سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، وما كان إلا أن خرجوا ، فساروا بأجمعهم حتى نزلوا البحرة بطريق

٢٨٤

جدّة ، فجمع علىّ الأعراب ومن معه من العبيد والترك ، ومضى حتى نزل الحشّافة ، فرحل الأشراف من البحرة ونزلوا جدّة ، واستولوا عليها ، وكان مما حرّكهم على ذلك ، الطمع فى مركب وصل إليها من مصر ، فيه ما أنعم به السّلطان عليه ، من القمح والشعير والفول ، وصار فى كل يوم يرغب فى المسير إلى جدّة ، لقتال المذكورين ، فيأبى عليه أصحابه من القواد ، ويحيرون عليه من المسير ، ودام الحال على ذلك شهرا ، ثم سعى عنده القواد الحميضات ، فى أن يعطى للأشراف أربعمائة غرارة قمح ، من المركب الذى وصل إليه ، ويرحل الأشراف من جدّة ، فأجاب إلى ذلك وسلّمها إليهم.

فلما صارت بأيديهم ، توقفوا فى الرحيل ، فزادهم مائة غرارة فرحلوا ونزلوا العدّ ، وصاروا يفسدون فى الطريق ، وبلغه أن ذوى عمر فى أنفسهم منه شىء ، فمضى إلى الأشراف وصالحهم ، وردّ عليهم ما أعطوه له ، وأقبل على موادّتهم ، فكان جماعة منهم يتحملون منه ، وجماعة يبدون له الجفاء ، ويعملون فى البلاد أعمالا غير صالحة ، اقتضت أن التجار أعرضوا عن مكة ، وقصدوا ينبع ، لقلة الأمن بمكة وجدّة ، فلحقه لأجل ذلك شدة.

وكان يجتهد فى رضائهم عليه ، بكل ما تصل قدرته إليه ، وقنع منهم بأن يتركوا الفساد فى البلاد ، فما أسعفوه بمراده ، ومما ناله من الضرر بسبب حقدهم عليه ، أن بعض الشرفاء والقواد ، غزوه بمكة فى خدمة أخيه السيد حسن بن عجلان لوحشة كانت بينهما ، ونزلوا الزّاهر أياما كثيرة ، ثم رحلوا منه لأنهم لم يتمكنوا من دخول مكة ، ويقال إن بعضهم ناله برّ من علىّ بن عجلان ، فرحل وتلاه الباقون.

وكان وصولهم إلى مكة فى جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، وتوجه بعد ذلك حسن وعلىّ بن مبارك إلى مصر ، راجين لإمرة مكة ، فقبض عليهما السلطان الملك الظاهر برقوق ، وبعث خلعة لعلىّ ، وكتابا أخبره فيه بما فعل ، وأمره فيه بالإحسان إلى الرعيّة والعدل فيهم ، لما بلغه من أن عليّا تعرض لأخذ شىء من المجاورين بمكه ، فقرئ الكتاب بالمسجد الحرام ، بعد لبسه للخلعة ، وأحسن السيرة ، ونادى فى البلاد بأن من كان له حق ، فليحضر إليه ليرضيه فيه ، وكان الذى حمله على الأخذ ، فقده لما كان يعهد من النفع بجدة ، ومطالبة بنى حسن له بالعطاء ، وما زال حريصا على أن يحصل منهم عليه رضا ، إلى أن أدرك من بعضهم ما به الله عليه قضى ، من سلب روحه وإسكانه فى ضريحه ، وكان صوره ما فعل به ، أنه لمّا خرج يريد البراز ، اتبعه الكردىّ ولد عبد الكريم ابن مخيط ، وجندب بن جخيدب بن لحاف ، وعبيّة بن واصل ، وهم

٢٨٥

مضمرون فيه سوءا فبدر إليه الكردى ، فسايره وهو راكب على راحلته ، وعلىّ على فرس ، ورمى بنفسه على علىّ وضربه بجنبيّة كانت معه ، فطاحا جميعا إلى الأرض ، فوثب عليه علىّ فضربه بالسيف ضربة كاد منها يهلك.

وولّى علىّ راجعا إلى الحلّة ، فأغرى به شخص يقال له أبو نمىّ ـ غلام لصهره حازم بن عبد الكريم ـ جندبا وعبيّة وحمزة بن قاسم ، وعرّفهم أنه قتل الكردى ، فوثبوا عليه فقتلوا وقطعّوه وكفّنوه ، وبعثوا به إلى مكة فى شجار ، فوصل إلى المعلاة ليلا ، وصلّى عليه ودفن فى قبر أبيه.

وكان قتله فى يوم الأربعاء سابع شوال سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، ودفن فى ليلة الخميس ثامنه ، وعظم قتله على الناس ، سيّما أهل مكة ، لأنهم تخوّفوا أن الأشراف يقصدون مكة وينهبونها ، وتخيّل ذلك بعض العبيد الذى فى خدمة علىّ ، وهمّوا بنهبها ، والخروج منها قبل وصول الأشراف إليها ، فنهاهم عن ذلك العقلاء من أصحابهم ، وحمى الله البلد من الأشراف وغيرهم.

وفى الصباح وصل إليها السيّد محمد بن عجلان ، وكان عند الأشراف منافرا لأخيه على ، ووصل إليها أيضا السيد محمد بن محمود ، وكان نازلا بحادثة قريبا من مكة ، وقاما مع العبيد والمولّدين بحفظ البلد ، إلى أن وصل السيد حسن من مصر ، متوليّا لإمرة مكة ، عوض أخيه علىّ ، وذلك نصف سنة ونحو نصف شهر ، وكان لعلىّ من العمر حين قتل ، نحو من ثلاث وعشرين سنة ، وكان تزوّج الشريفة فاطمة بنت ثقبة ، بإثر ولايته بمكة ، وتجمّل بها حاله ، ثم تزوّج بنت حازم بن عبد الكريم بن أبى نمىّ ، ثم بنت النّصيح أحمد بن عبد الكريم بن عبد الله بن عمر ، وكان زواجه عليها قبل موته بنحو جمعة أو أقلّ ، وكانت قبله عند أخيه السيّد حسن ، فأبانها لما تزوّج عليها ابنة عنان ، لتحريم الجمع بينهما باعتبار الرضاع.

وكان مليح الشّكالة والأخلاق ، ذا كرم وعقل رزين ، وكان بنو حسن يتعجّبون منه ، لأنهم كانوا يكثرون الحديث عنده فيما يريدونه من الأمور ، ويرغبون فى أن يخوض معهم فى ذلك ، فلا يتكلم إلا بما فيه فصل لذلك ، وأصلح الله بوصول السيد حسن البلاد ، لا جتهاده فى حسم موادّ الفساد ، واستمرّ منفردا بإمرة مكة ، إلى شعبان سنة تسع وثمانمائة ، ثم شاركه فى ولايتها ابنه السيد بركات ، بسعى أبيه له فى ذلك ، ثم ولى ما كان بيد السيد حسن من الولاية ، وهو نصف الإمرة بمكة ، ابنه السيد أحمد ،

٢٨٦

بسعى أبيه له فى ذلك أيضا ، وولى أبوهما نيابة السّلطنة بالأقطار الحجازيّة ، وكان ولايته لذلك ، وولاية ابنه أحمد ، فى شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، واستمروا على ذلك إلى أثناء النصف الثانى من سنة اثنتى عشرة وثانمائة ، ثم عزلوا عن ذلك مدّة يسيرة نحو شهر ، ثم عادوا إلى ولاياتهم ، فى ثالث عشر ذى القعدة من السنة المذكورة ، وما ظهر لعزلهم أثر بسرعة عودهم للولاية ، واستمروا على ولاياتهم ، إلى أوائل صفر سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، ثم عزلوا عن ذلك كلّه ، ووليه السيد رميثة بن محمد بن عجلان.

وفى توقيعه أنه ولى نيابة السّلطنة عن عمه وإمرة مكة عوض ابنى عمّه ، واستمر الدعاء فى الخطبة ، وبعد المغرب على زمزم ، للسيّد حسن وابنيه ، إلى مستهلّ الحجة سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، وكان إليهم أمر مكة ، من حين بلغهم الخبر بذلك ، فى أول النصف الثانى من ربيع الأول سنة ثمانى عشرة وثمانمائة ، وإلى استهلال ذى الحجة منها.

وفى هذا التاريخ فارقها المذكورون ، ودخلها فيه السيد رميثة ، واستمرت بيده إلى أن فارقها فى ليلة السادس والعشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة ، بعد حرب كان بينه وبين عمّه ، فى يوم الأربعاء خامس عشر شوال ، ظهر فيه عسكر عمّه على عسكره ، ومضوا لصوب اليمن ، ثم أتى رميثة لعمه خاضعا ، وفى صفر سنة عشرين وثمانمائة ، فأكرم عمّه وفادته ، وقد خطب لرميثة ودعى له على زمزم ، فى مدّة إقامته بمكة على العادة ، وضربت السّكة باسمه ، فالله يصلح الجميع ويسدّدهم ، وإلى الخير يرشدهم.

ولوالدى قصيدة فى مدح على بن عجلان منها [من البسيط] :

إن بان وجه الصفا من راكد الكدر

وانشق فجر الضيا عن ظلمة الفكر

لأنثرن على أبى عليا أبى حسن

تال من الحمد أو نظما من الدرر

وأوقف القصد فى ساحات مشعره

كيما أفيض بنسك النجح والظفر

ما لى وللنأى والترحال عن أفق

علا على كرة الإشراق بالقمر

نادى على بن عجلان سماء سما

بنى رميثة والسادات من مضر

ومنها :

كم طاف حولك من ملوى ومن ملك

وحول بيتك من حاج ومعتمر

ومنها :

٢٨٧

وأمك الملك من مصر به أدب

إلى لقاك فلاقى الخبر كالخبر

إن تابعتك صفوف تلو أفئدة

فأنت قبلة أهل البدو والحضر

لم لا يكون على الدنيا حلى بها

وأنت جوهرة الأخبار والسير

أحييت آثار أسلاف وقد سلفوا

أحيت مكارمهم أموات مفتقر

ومنها :

فمذ هبطت إلى الأرضين أصعدنى

أبو سريع سماء العز والكبر

فالله يسكنه جنات مزخرفة

مع النبيين فى صحب وفى زمر

أبقى لنا عدة الأمرا خليفته

والبدر فى الوهن مثل البدر فى السحر

منشى سحائب جود مزنها درر

تغنى عن السحب والأنواء والمطر

٢٠٨٩ ـ علىّ بن عدىّ بن ربيعة بن عبد العزّى بن عبد شمس القرشى :

أمير مكة ، ذكره هكذا الذهبى فى تجريد الصحابة رضى الله عنهم ، وذكر أنه وليها لعثمان بن عفان رضى الله عنه ، وما علمت من حاله سوى هذا.

٢٠٩٠ ـ علىّ بن عرفة بن سليمان المكى :

توفى فى الرابع من رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، ومن حجر قبره كتبت هذا.

٢٠٩١ ـ على بن عمر بن على البغدادى الأزجى :

الفراش بالحرم الشريف. استجازه القطب القسطلانى لنفسه ، ولجماعة من أولاده وغيرهم ، فى سنة ثلاث وستين وستمائة بمكة ، ولم أدر ما روى.

٢٠٩٢ ـ علىّ بن عيسى بن حمزة بن وهّاس بن أبى الطيّب ، الشريف السّليمانىّ الحسنىّ ، أبو الحسن المكى ، المعروف بابن وهّاس :

هكذا نسبه العماد الكاتب فى الخريدة ، وقال : من أهل مكة وشرفائها وأمرائها ، من بنى سليمان بن حسن ، وكان ذا فضل غزير ، وله تصانيف مفيدة ، وقريحة فى النظم

__________________

٢٠٨٩ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٦٢٧٧ ، التجريد ١ / ٤٢٤ ، الاستيعاب ترجمة ١٨٧٩ ، أسد الغابة ترجمة ٣٧٩٣).

٢٠٩٢ ـ انظر ترجمته فى : (التاج ١٠ / ٢٥٣ ، الدول الإسلامية ١٤٢ ، خريدة القصر ٣ / ٣٢ ، إنباه الرواة ٣ / ٢٦٥ ، التحف ٤٠ ، الأعلام ٤ / ٣١٨).

٢٨٨

والنثر مجيدة. قرأ على الزمخشرى بمكة وبرّز عليه ، وصرفت أعنّة طلبة العلم بمكة إليه. توفى فى أول ولاية الأمير عيسى بن فليتة أمير مكة ، فى سنة ست وخمسمائة ، وكان الناس يقولون : ما جمع الله بين ولاية عيسى ، وبقاء علىّ بن عيسى.

أنشدنى له من قطعة [من البسيط] :

أهلا بها من بنات فكر

إلى أبى عذرهن صاد (١)

وله مرثية فى الأمير قاسم جد الأمير عيسى. انتهى ما ذكره العماد من خبره ، وسنذكر هذه فى ترجمة قاسم.

ومن شعره ما ذكره الحافظ أبو طاهر السلفى فى «معجم السفر» له ، وقد روينا عن الحافظ أبى طاهر السّلفىّ. قال : أنشدنا أبو بكر شهم بن أحمد بن عيسى الحسنى المكى بديار مصر. وذكر أنه كتب عنه أشياء من الشعر لابن وهاس لغرابة اسمه ، قال : أنشدنى أبو الحسن على بن حمزة لنفسه بمكة [من الطويل] :

وسائلة عنّى أهل هو كالذى

عهدنا صروم الحبل ممن يجاذبه

أم ارتجعت منه الليالى وربّما

تفلّل من حدّ اليمانى مضاربه

فقلت لها إنى لترّاك منزل

إلى حبيب حين يزورّ جانبه

ومن شعره ما مدح به شيخه أبا القاسم الزمخشرى حيث يقول :

وأحر بأن تزهو زمخشر بامرئ

إذا عدّ من أسد الشّرا زمخ الشّرا

جميع قرى الدنيا سوى القرية الّتى

تبوأها دارا فداء زمخشرا

وللزمخشرى فى ابن وهّاس يمدحه [من الطويل] :

ولو لا ابن وهّاس وسابق فضله

رعيت هشيما وانتقيت مصردا

ولأجل ابن وهّاس صنّف الزمخشرى «الكشّاف».

وبلغنى عن شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى ، أن ابن وهّاس هذا ، اسمه : علىّ ، بضم العين المهملة وفتح اللّام تصغير على ، وهذا بعيد أن يقع من الأشراف ، لفرط حبهم فى على رضى الله عنه ، فلا يصغّرون اسمه ، ولم أر ذلك فى شىء من الكتب المؤلفة فى «المؤتلف خطّا والمختلف لفظا» وقد ذكروا فيها من هو دون ابن وهّاس ، والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصول :

أملا بها من بنات فكرى

إلا أن عذرهن صار

والتصحيح من خريدة القصر.

٢٨٩

وكان ابن وهّاس هذا إمام الزّيدية بمكة ، كذا ذكر ابن المستوفىّ فى «تاريخ إربل» فى إسناد حديث رواه عن الشريف تاج العلاء أبى زيد الأشرف بن الأعزّ بن هاشم الحسينى عنه ، عن أبى طاهر المخلّص ، وقال : هكذا أملى علينا هذا الحديث ، تاج العلاء ، وقد سقط بين «السليمانى» يعنى ابن وهاس ، وأبى طاهر ، لأنه لا يتصوّر أن يكون السليمانى أدرك أبا طاهر. انتهى.

ومن الفوائد المنقولة عن ابن وهّاس ، أن «وادى الزّاهر» أحد أودية مكة المشهورة ، فيما بين التنعيم ومكة ، وهو «فخّ» الذى ذكره بلال رضى الله عنه فى شعره [من الطويل]:

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة

بفخ وحولى إذخر وجليل

كذا فى رواية الأزرقى ، وفى البخارى وغيره «بواد» عوض «فخّ». وفى فخّ ، كانت وقعة مشهورة بين العلويين ، وبين أصحاب الخليفة موسى الهادى ، قبيل الوقوف ، من سنة تسع وستين ومائة ، وقد سبق ذلك فى ترجمة الحسين بن على بن الحسن ، رأس العلويّين فى هذا الحرب.

٢٠٩٣ ـ على بن عيسى بن أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس العباسى :

أمير مكة. ذكر ابن جرير فى أخبار سنة سبع وثلاثين ومائتين : أنه حجّ بالناس فيها ، وكان والى مكة ، وذكر أنه حجّ بالناس فى سنة ثمان وثلاثين. وذكر الفاكهى : أنه توفى بمكة ، ولم يذكر تاريخ وفاته. وما عرفت أنا ذلك ، والله أعلم بذلك.

٢٠٩٤ ـ على بن الجمال عيسى المصرى ، أبو الحسن المكى :

سمع من العفيف الدلاصى «وصايا العلماء» : لابن زبر ، فى ذى القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، ثم قرأ على الشيخ خضر بن حسن النابتىّ : الصحيحين ، وما أدرى هل حدّث أم لا ، ولا متى مات ، إلا أنه أجاز لشيخنا ابن سكر ، كما ذكر ، مع جماعة من الشيوخ ، فى استدعاء مؤرّخ بشوال سنة خمس وستين وسبعمائة.

٢٠٩٥ ـ على بن الفضيل بن عياض العابد :

روى عن عبد العزيز بن أبى روّاد. روى عنه أحمد بن يونس ، وكان من الخائفين.

__________________

٢٠٩٣ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ الطبرى ٧ / ٣٦٩).

٢٠٩٥ ـ انظر ترجمته فى : (الحلية ٨ / ٢٩٧ ، تهذيب الكمال ٩٩٠ ، تذهيب التهذيب ٣ / ٧٣ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٧٣ ، الكواكب الدرية ١٤٣ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٤٤٢).

٢٩٠

كان يقدّم على أبيه فى الخوف والعبادة ، مات قبل أبيه. وكان سبب موته ، أنه بات يتلو القرآن فى محرابه ، فأصبح ميّتا فى محرابه.

ذكره هكذا ابن حبّان فى الطبقة الرابعة من الثقات ، وذكره ابن الجوزى فى المصطفين من طبقات أهل مكة من التابعين ومن بعدهم ، فى كتابه «صفة الصفوة».

٢٠٩٦ ـ على بن قريش بن داود الهاشمى المكى :

سمع من عيسى بن عبد الله الحجى ، والزين الطبرى ، والجمال محمد بن الصفى ، وبلال عتيق ابن العجمى ، والجمال المطرى ، من قوله فى جامع الترمذى : باب التيمّم ، إلى سورة الأعراف ، بقراءة المحدّث أمين الدين بن الوانى ، فى رمضان سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بالحرم الشريف ، وما علمته حدّث.

وتوفى سنة سبع وسبعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، وكان رجلا خيرا من أعيان الناس بمكة ، وكان وكيل أهل المدارس فى قبض الأوقاف باليمن.

وبلغنى أن والد المذكور «قريش بن داود» طلع مع القاضى نجم الدين الطبرى ، لرؤية هلال رمضان ، إلى أبى قبيس ، فادّعى أنه رآه ، وشهد عند القاضى نجم الدين ، فقبل شهادته ، مع إنكار الحاضرين عليه وطعنهم ، فلما كانت ليلة ثلاثين من رؤيته ، طلعوا إلى الجبل فرأوا الهلال كلهم ، فقام إليه القاضى نجم الدين ، وقبّل ما بين عينيه ، وقال : مثلك يشهد.

٢٠٩٧ ـ ٢٠٩٧ على بن أبى القاسم بن محمد بن حسين اليمنى ، المعروف بابن الشّقيف الزيدى :

كان من أعيان الزيدية بمكة ، ممّن يفتيهم ويعقد لهم الأنكحة. وتوفى ليلة الأربعاء السادس عشر من ذى القعدة ، سنة ست عشرة وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، وهو فى أثناء عشر الثمانين.

٢٠٩٨ ـ على بن أبى الكرم المعروف بالشولى :

تلميذ على بن إدريس. وكان أبو الكرم ، أبا الكرم عند اسمه لفظا ومعنى. انتهى.

وأخبرنى شيخنا الشريف عبد الرحمن بن أبى الخير الحسنى المكى ، أنه سمع الشيخ خليل المالكى يقول : إن الدعاء مستجاب عند قبور بالمعلاة ، منها : قبر على بن أبى الكرم

__________________

٢٠٩٧ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٢٧٥).

٢٩١

الشولى ، وقبر إمام الحرمين ، يعنى عبد المحسن بن أبى العميد الحفيفى المقدم ، وقبور سماسرة الخير ، وهى الآن لا تعرف ، إلا أنها فى محاذاة قبة الملك المسعود بالمعلاة.

وأخبرنى شيخنا المذكور عن شيخه المذكور ، أنه كان دفن عند الشيخ على الشولى ، شخص من بنى النّهاوندىّ ، أحد أعيان مكة ، فعزم الشيخ عبد الله الدّلاصى على نقله من جوار الشيخ ، لكونه كان يخالط السلطنة بمكة ، ثم أعرض عن ذلك ، لأنه رأى الشيخ وأمره أن لا يفعل ، وقال : جاهنا يسعه. قال شيخنا عبد الرحمن : وكان يقول شيخنا : انظروا الفرق بين هذا الشيخ ، كيف وسع جاهه غيره ، وبين ابن عساكر ـ يعنى عبد الوهاب ـ كيف لم يسع جاهه سواه! فإنه كان فى تربة المؤذنين ، فرآه ولده أبو اليمن عبد الصمد فى النوم ، وشكى إليه من مجاورتهم ، وأمره بنقله عنهم ، فنقله عنهم.

توفى بمكة يوم الأحد سلخ صفر سنة أربع وأربعين وستمائة ، كذا وجدت بخط أبى العباس الميورقى ، ووجدت فى حجر قبره بالمعلاة ، أنه توفى فى ربيع الأول من السنة.

٢٠٩٩ ـ على بن مبارك بن رميثة بن أبى نمىّ الحسن المكى :

كان يأمل إمرة مكة ، وقوى رجاؤه لها ، لّما انحرف الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر ، على صاحب مكة الشريف حسن بن عجلان ، ورسم بالقبض عليه وعلى ولديه ، وندب لذلك الأمير بيسق ، وأشير عليه بأن يكون علىّ بن مبارك المذكور مع بيسق ، فيما ندب إليه ، ليتألّف له بنى حسن لا ينفروا منه ، وبعث علىّ المذكور إلى الإسكندرية ، على أنه يعتقل بها ، فإذا خرج الحاجّ من مصر إلى مكة ، طلب علىّ وجهّز إلى مكة ، بحيث يدرك أمير الحاج قبل وصوله إلى مكة ، وكان إرساله إلى الإسكندرية ليبلغ ذلك صاحب مكة فلا ينفر منها ، وتتم عليه المكيدة ، فوقاه الله السوء ، وعطف عليه قلب صاحب مصر ، فبعث إليه وإلى ولديه بالتشاريف ، والعهد ببقائهم على ولاياتهم ، وإلى أمير الحاج بالكف عن حربهم ، ورجع على بن مبارك إلى مصر ، وقصده أولاده من مكة ، رجاء أن يتم له أمر ، فأدركه الحمام دون المرام ، فى آخر سنة خمس عشرة وثمانمائة ، وهو معتقل بقلعة الجبل.

وكان اعتقاله فى هذه السنة ، بإشارة الملك المؤيد أبى النضر شيخ ، قبل توليته الملك ، وكان علىّ المذكور فى سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، لايم آل عجلان بجدّه ، وجعلوه سلطانا مع على بن عجلان ، وأعطوه نصف ما تحصل فيها ، ليصرفه على جماعته ، ثم خوّف منهم ، ففرّ إلى عنان وأصحابه بمكة ، وأشركه عنان فى إمرة مكة ، وصار له

__________________

٢٠٩٩ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٢٧٧).

٢٩٢

ولأخيه عقيل بن مبارك نصف البلاد ، ولعنان وأحمد بن ثقبة النصف ، وكان عنان قبل وصول علىّ إليه ، جعل مكة أثلاثا ، بينه وبين عقيل وابن ثقبة ، فلما أشرك معهم عليّا ، صار يدعى لأربعة على زمزم ، وفى خطبة الصغار فى رمضان ، وأما فى خطبة الجمعة ، فلا يدعى إلا لعنان ، لأن الخطيب بمكة ، لم يوافق على الدعاء لغيره ، وحضر علىّ بن مبارك حصار مكة فى دولة على بن عجلان ، سنة سبع وتسعين وثمانمائة ، ثم توجّه بعد انقضاء الحصار إلى مصر فى هذه السنة ، فاعتقل بها ، ثم نقل إلى الإسكندرية فاعتقل بها ، ثم أطلق فيها ، ثم أذن له فى القدوم إلى مصر ، فقدمها وأقام بها حتى مات ، خلا المدّة التى بعث فيها إلى الإسكندرية ، للمكيدة المقدّم ذكرها.

٢١٠٠ ـ على بن مبارك بن عيسى بن غانم المكى ، المعروف بابن عكاش :

كان ورث عن أبيه نقدا وعقارا كثيرا بوادى نخلة ووادى مرّ ، وغير ذلك ، فأذهبه بالبيع ، وأذهب ثمنه فى إطعام من لا يلزمه إطعامه ، فاحتاج وصار يتقّوت مما يحصّله أجرة فى كتابة الوثائق والشهادة ، ودام على ذلك نحو عشرة أعوام ، ثم توفى فى ليلة الثامن والعشرين من شعبان ، سنة أربع عشرة وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، عن بضع وثلاثين سنة ، سامحه الله تعالى ، وبلغنى أنه عمّر مسجد التّنضب بوادى نخلة.

* * *

من اسمه على بن محمد

٢١٠١ ـ على بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم الطبرى المكى ، يلقّب نور الدين ، أخو الرّضىّ والصّفى :

سمع من شعيب الزّعفرانىّ : الأربعين الثقفية ، وحدّث بها مع أخيه الرضىّ إمام المقام ، وغيره من أقاربه ، بقراءة ابن عبد الحميد ، فى مجلسين ، ثانيهما العشرين من ذى الحجة سنة ست وثمانين وستمائة بالمسجد الحرام. ولم أدر متى مات ، ولا أعلم من حاله سوى هذا.

٢١٠٢ ـ على بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن ناصر العبدرىّ الشيبى الحجبى المكى الشافعى ، الشيخ نور الدين :

شيخ الحجبة وفاتح الكعبة. ولد فى ثالث عشر ربيع الأول ، سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، على ما وجدت بخطّه.

__________________

٢١٠٠ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٢٧٧).

٢١٠٢ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٢٩٥).

٢٩٣

سمع من الجمال محمد بن أحمد بن عبد المعطى ، والكمال محمد بن عمر بن حبيب الحلبى ، وغيرهما ، من شيوخ مكة والقادمين إليها ، واشتغل بالعلم فى فنون ، وكتب بخطه كتبا كثيرة ، فى الفقه والأدب وغير ذلك ، وكان يذاكر بأشياء حسنة فى الأدب وغيره ، وله نظم وهمّة ومروءة ، وإحسان إلى أقاربه ، وولى مشيخة الكعبة ، بعد على بن أبى راجح ، من جهة أمير مكة ، نحو ثلاث سنين فى نوبتين ، لأنه ولى ذلك فى صفر سنة سبع وثمانين ، إلى العشر الأخير من رمضان ، سنة ثمان وثمانين ، لعزله حينئذ عن ذلك ، بأخيه أبى بكر بن محمد ، إلا أنه لم يباشر ذلك لغيبته ، وباشر عنه ابنه أحمد بن أبى بكر ، حتى مات أحمد فى ذى القعدة من السنة المذكورة ، وعاد حينئذ عمه نور الدين إلى ولاية ذلك ، واستمر حتى عزل ثانيا بأخيه أبى بكر بن محمد ، فى أوائل سنة تسعين وسبعمائة ، واستمرّ معزولا حتى مات ، غير أنه ولى ذلك نيابة عن أخيه أشهرا ، فى أوائل السنة التى مات فيها ، وكانت وفاته بعد علّة طويلة ، فى يوم الأحد ثالث ذى القعدة الحرام ، سنة خمس عشرة وثمانمائة ضحى ، ودفن فى عصر يومه بالمعلاة.

٢١٠٣ ـ علىّ بن أبى راجح محمد بن يوسف بن إدريس بن غانم بن مفرّج العبدرىّ الشيبى :

شيخ الحجبة وفاتح الكعبة ، نور الدين. سمع من الزين الطبرى : سنن النسائى ، فى مجالس آخرها فى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وما علمته حدّث ، ولى فتح الكعبة بعد أخيه يوسف بن أبى راجح الآتى ذكره ، وكان هو الأكبر ، حتى مات فى صفر سنة سبع وثمانين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة عن سبعين سنة فيما بلغنى ، وكان رجلا جيّد الحفظ للقرآن ويتلوه.

٢١٠٤ ـ على بن محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن مفرّج الأنصارى ، الفقيه شمس الدين الشافعى الإسكندرى :

ذكره هكذا الصلاح الصّفدى فى أعوان النصر ، وكان جيّد القريحة ، ذكىّ الفطرة الصحيحة له مشاركات فى الأصول والفروع ، سمع الحديث من الدمياطى ، ومن الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد ولازمه ، وأملى عليه «شرح الإلمام» ، وفى الفقه والأصول ، والنحو ، على العلم العراقى ، وتوجه إلى قوص وأعاد بمدرسة السّديد ، ثم أعرض عن ذلك ، وحصل له فقر شديد مدقع مدّة ، ثم تعرف بفخر الدين ناظر الجيش ، فأعطاه

__________________

٢١٠٣ ـ انظر ترجمته فى : (الدرر الكامنة ٣ / ٩٨).

٢٩٤

شهادة الكارم بعيذاب (١) ، وحصّل مالا ، وشفع فيه عند قاضى القضاة جلال الدين القزوينى ، فولاه قضاء فوّة ، وأجازه بالفتوى ، ثم نقله إلى قضاء أسيوط ، ثم عزله ، فتوجه إلى مكة ، فتوفى هناك سنة أربعين وسبعمائة ، وقد جاوز الستين ، وكتب بخطه كثيرا. ومن شعره [من الكامل] :

سائلى عن شامة فى أنف من

فضح الغصون بميسة فى عطفه

إن الذى برأ الحواجب صاغها

نونين فى وجه الحبيب بلطفه

فتنزع النّونان نقطة حسنه

فأقرّه ملك الجمال بأنفه

انتهى.

٢١٠٥ ـ على بن محمد بن حسب الله القرشى ، المعروف بالزعيم ، يلقب نور الدين:

كان أكثر تجار مكة مالا ، لاحتوائه على ما خلفّه أبوه من الأموال الكثيرة ، وأصرف كثيرا منها على الدولة فرعوه ، وعلى عوامّ مكة فخدموه ، وكانوا يغتبطون بحمل نعله ، ثم تغيّر حاله فى الحرمة لنقص ماله ، ولم يزل به النقص حتى احتاج وسأل ، وتوجّه وهو بهذه الصّفة إلى اليمن ، فأدركه الأجل بزبيد ، سنة ست عشرة وثمانمائة ، فى ربيع الثانى منها ظنّا ، والله أعلم ، وسمع الحديث على القاضى عز الدين بن جماعة ، ولم يحدّث ، والله يغفر له.

٢١٠٦ ـ على بن محمد بن داود البيضاوى ، المعروف بالزمزمى :

نزيل مكة ، كان مشهورا بالخير ، وكان شيخنا قاضى القضاة صدر الدين المناوىّ يثنى عليه كثيرا ، وذكر أنه أعطاه شيئا يدخل فى الأدوية ، كان محتاجا إليها ، من غير سؤاله ولا إعلامه ، وعدّ ذلك له مكاشفة ، وسمع من القاضى عز الدين بن جماعة ، والشيخ فخر الدين النويرى : بعض السنن ، لأبى عبد الرحمن النسائى ، فى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، والسماع بخط شيخنا ابن سكر ، إلا أنه سمّى أباه شمسا ، ولم يذكر محمدا ، فلعل شمسا لقب غلب عليه ، وقد أملى علىّ نسبه هكذا ، ولده صاحبنا الأديب مجد

__________________

٢١٠٤ ـ (١) عيذاب : بالفتح ثم السكون ، وذال معجمة ، وآخره باء موحدة : بليدة على ضفة بحر القلزم هى مرسى المراكب التى تقدم من عدن إلى الصعيد. انظر : معجم البلدان مادة «عيذاب».

٢١٠٥ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٢٩٧).

٢٩٥

الدين إسماعيل عنه ، وأخبرنى أنه أخبره أنه قدم مكة عام قدمها الفيل من العراق ، وأنه خدم عند الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن فى بئر زمزم ، فلما بلغ له خبره ، نزل له عنها ، وزوّجه بابنته ، فولد له منها ولده المذكور ، وغيره من إخوته ، وصار لهم أمر البئر ، وكان معه أيضا سقاية العبّاس ، وذكر لى ولده المذكور ، أنه توفى فى حادى عشر شهر ربيع الآخر ، سنة خمس وثمانين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. انتهى. وكان قدوم الفيل مكة ، فى سنة ثلاثين وسبعمائة.

٢١٠٧ ـ على بن محمد بن سند المصرى :

الفرّاش بالمسجد الحرام. ولى الفراشة به قبل الثمانمائة بسنين ، ولم يزل متولّيا لها ، حتى تركها قبيل موته بسنة ، لصهريه زوجى ابنتيه ، ونزل لهما عن البوابة بالمطهرة الناصرية بمكة ، وكان وليها فى سنة عشر وثمانمائة ، وكان سافر من مكة فى موسم سنة ثمان عشرة وثمانمائة إلى مصر ، فأقام بها حتى توّجه إلى مكة مع الحجّاج المصريين ، فى سنة عشرين وثمانمائة ، وعرض له قبل موته ضعف فى ظهره ، عسر عليه لأجله المشى ، وكان حضر دروس بعض الفقهاء بمصر ، وعلق بذهنه شىء من مسائل الفقه ، وكان قزازا ببعض القياسر بمصر ، ثم عانى التجارة بمكة ، ووقف كتبا اقتناها ، وجعل مقرها برباط ربيع بمكة ، وبها مات فى ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، وقد بلغ السبعين أو قاربها ، رحمه‌الله تعالى.

٢١٠٨ ـ على بن المحب محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن الصّفىّ أحمد الطبرى المكى :

ولد بمكة ، وكان ينطوى على عقل وسكون ، وخدمة لأصحابه ، وباشر الإمامة بقرية التّنضب من وادى نخلة الشامية ، نيابة عن أخويه أوقاتا قليلة.

توفى بمكة فى يوم الجمعة ثانى عشر صفر ، سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، ودفن بالمعلاة عند أسلافه ، عقيب صلاة الجمعة ، وهو فى عشر الأربعين ظنّا غالبا.

٢١٠٩ ـ على بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن على بن الحسين الطبرى المكى :

سمع من جدّه لأبيه ، الفقيه عماد الدين عبد الرحمن : صحيح البخارى ، فى أوائل سنة

__________________

٢١٠٧ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٣٠٧).

٢١٠٨ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٥ / ٣١٠).

٢٩٦

سبع وتسعين وستمائة والسماع بخط أبيه ، ومنه نقلت. وأجاز له من دمشق القاضى سليمان بن حمزة وطائفة سواه من شيوخ عبد الله بن الرضى بن خليل ، والبرزالى ، وما علمته حدّث.

وذكر لى شيخنا أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطى المكى المصرى ، أنه كان يشتغل بعلم الرّوحانيات ، وأن بعض الناس فيما قيل شكا إليه فراق امرأته ، وأنها تريد سفرا لنخلة ، فكتب له على هذا ، ورقة ، وأمره بوضعها فى الموضع الذى تركب فيه ، ففعل ذلك الرجل ، فأعرضت المرأة عن السفر ، هذا معنى ما حدّثنى به شيخنا ابن عبد المعطى. وقد اتفق لعلىّ هذا وأبيه محمد حكاية عجيبة ، تقدّم ذكرها فى ترجمة أبيه ، وملخصها : أن بعض الناس بالشام ، حمل عنهما مرضا كان بهما فشفيا ، وأعطاهما درهمين ، وأمرهما أن لا يشتريا بهما جميعا حاجة ، فكانا يشتريان بأحدهما الحاجة ، ويرجع إليهما ذلك الدرهم ، فاتفق أنهما اشتريا بالدرهمين حاجة ، فما عادا إليهما. ولم أدر متى مات علىّ هذا. والله أعلم.

٢١١٠ ـ علىّ بن محمد بن عبد السلام بن أبى المعالى بن أبى الخير بن ذاكر بن أحمد بن الحسن بن شهريار الكازرونى الأصل ، المكىّ ، يلقّب بالتاج :

مؤذّن الحرم الشريف. سمع من والده ، ويعقوب الطبرى : بعض الترمذى ، ومن أبى عبد الله محمد بن على الطبرى النجار : أربعين المحمدّين للجيّانى ، وروى عن محمد بن أبى الفضل المرسىّ. كذا ذكر البرزالى ، ولم أدر ما يروى عنه ، وذكر أنه أجاز له.

توفى فى رجب سنة خمس وتسعين وستمائة ، وقعت عليه صاعقة على سطح زمزم ، فمات هناك.

٢١١١ ـ على بن محمد بن عبد العزيز العباسى الشريف النقيب ، أبو الحسن :

توفى ليلة الأحد لثمان بقين من [.........](١) سنة إحدى عشرة وخمسمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، ومن حجر قبره لخصت ما ذكرته.

٢١١٢ ـ على بن محمد بن عطيّة بن على بن عطيّة الحارثى ، أبو الحسن بن أبى طالب المكىّ :

ذكره الخطيب البغدادى ، وقال : حدّث عن أبيه ، وأبى طاهر طاهر المخلّص ، كتب

__________________

٢١١١ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٢١١٢ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ بغداد ١٢ / ١٠٣).

٢٩٧

عنه أصحابنا ، ولم أسمع منه شيئا ، وذكر أن سماعه صحيح ، ومات فى ذى الحجة من سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. انتهى.

٢١١٣ ـ على بن محمد بن على الإستراباذى ، أبو مسعود :

تقدّم فى ترجمة أبى النصر إبراهيم بن محمد بن على الإستراباذى ، أن المسجد المعروف بمسجد الهليلجة ، الذى أحرمت منه عائشة الصدّيقة رضى الله عنها ، لما حجّت ، عمّر بأمر أبى النصر وأخيه أبى مسعود هذا ، وذلك فى رجب سنة ست وستين وأربعمائة ، وترجم أبو مسعود هذا فى الحجر الذى فى المسجد المكتتب بسبب هذه العمارة : بالرئيس الأجلّ السيّد ذى المحاسن.

٢١١٤ ـ على بن الزين محمد بن الأمين محمد بن القطب محمد بن أحمد بن على ابن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد القسطلانى المكى ، يلقب نور الدين :

وجدت بخطه ، أنه ولد فى الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة تسعين وستمائة ، وسمع من جده أمين الدين القسطلانى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى ، من أوله إلى قوله : إعادة الصلاة مع الإمام. وأجاز له ، وسمع من يحيى بن محمد الطبرى : نسخة أبى مسهر الغسّانى : وما معها ، وسمع من الفخر التوزرى : الموطأ أيضا ، وصحيح البخارى ، وصحيح مسلم ، وسنن أبى داود ، وعلى الصفى الطبرى ، وأخيه الرضى : من قوله فى صحيح البخارى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [الإعراف : ٨٥] ، إلى باب : مبعث النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسمعه كاملا على الرضى ، وسمع من غيره. وحدّث

سمع منه جماعة من شيوخنا ، منهم ابن سكّر ، ووجدت بخطه ، أنه توفى فى التاسع والعشرين من شهر رجب سنة تسع وخمسين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، بقرب جدّه أبى العباس القسطلانى. انتهى.

وكان مشهورا بالخير ، معتبرا عند الناس ، وكان وافر العقل ، ولذلك صحب قاضى مكة نجم الدين الطبرى ، وأخاه القاضى زين الدين ، وكانت بينهما عداوة ، فلذلك عسرت صحبتهما على كثير من الناس ، وتيسر ذلك لعلىّ بن الزين هذا.

وبلغنى أنه نفى حمل أمة له ، ولاعن على نفيه ، وأستبعد أن يكون لاعن ، والله أعلم.

٢١١٥ ـ على بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن على الحسنى ، الشريف نور الدين أبو الحسن بن الشريف أبى عبد الله الفاسى ، المكى المولد والدار :

وجدت بخط أبيه أنه ولد بعد العصر من يوم الخميس سادس جمادى الآخرة سنة ثمان

٢٩٨

وسبعمائة ، بدار مظفّر من السّويقة بمكة ، وعنى به أبوه ، فأحضره فى الرابعة على الشيخ فخر الدين التوزرى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى ، وصحيح مسلم [.....](١) وعلى الصفى الطبرى ، وأخيه الرضى : صحيح البخارى وغير ذلك ، وعلى الرضىّ فقط : مسند الشافعى ، واختلاف الحديث له ، وصحيح ابن حبّان ، ثم سمعه عليه ، وسمع عليه صحيح البخارى أيضا ، وجامع الترمذى ، وسنن أبى داود ، والنّسائى ، والثقفيات ، وعلى العفيف الدلاصى : رسالة القشيرى ، وعلى والده : العوارف للسّهروردىّ ، وغير ذلك عليهم ، وعلى غيرهم من شيوخ مكة والقادمين إليها ، وحدّث باليسير.

سمع منه من شيوخنا : الحافظان أبو الفضل العراقى ، وأبو الحسن الهيثمى وغيرهم. وإنما حدّث باليسير من مروياته ، لتوقفه فى التحديث بمكة ، فى حياة الشيخ خليل المالكى ، ويقول : هو أولى بذلك ، كما ذكر لى عنه شيخنا ابن سكّر. وما علمت أنه سمع عليه ، إلا أنه أجاز له ، وتناول منه بعض مروياته ، فى العشر الأول من ربيع الأول ، سنة خمسين وسبعمائة ، بالحرم الشريف ، كذا وجدت بخطه ، أعنى ابن سكر ، وسألت عنه شيخنا السيد عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى ، هو ابن أخيه ، فذكر أنه كان ديّنا صالحا ، كثير الطواف ، خصوصا بالليل ، واصلا لرحمه ، يصحب أهل الخير كثيرا ، ويؤثرهم ، وكان صحب الشيخ داود وجماعة بالإسكندرية ، وأخذ عنهم ، وأذن له فى الفتوى ، ودرّس فى الحرم ، فى درس قرّره له بدر الدين الخرّوبى ، أحد تجار الكارم بمصر ، وتصدّق على يده بمائة ألف درهم ، وكان قاضى القضاة عز الدين بن جماعة ، وغيره من رؤساء الديار المصرية يعظمونه ، وكان قاضى القضاة يعتمده فى أمور الحرم بمكة ، وفوّض إليه ما له النظر فيه بالحرمين ، وكان ولى مباشرة الحرم قبل الأربعين وسبعمائة ، وكان الشيخ خليل المالكى ، إمام المقام ، يعظّمه كثيرا ، وأخرج عن الشيخ خليل ألف كفّارة يمين ، كان أوصى بها ، لما لم يخرجها أوصياء الشيخ خليل.

وكان شريف النّفس ، عالى الهمة ، كريما كثير المكارم ، وكان يتكلفها بالدين ، وكان حسن الشكالة ، طويلا ، وكان سافر إلى بالد التّكرور ، وحصل له فيها قبول كثير ودنيا طائلة ، وكان سفره إليها من مكة ، فى شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين ، وعاد إلى مكة فى موسم سنة تسع وخمسين ، ثم توجّه منها فى آخر سنة إحدى وستّين ، وقصد بلاد التّكرور ، وتوجه منها بعد أن حصّل دنيا ، وأدركه الأجل فى الطريق ، فى شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة ، ووصل خبره مكة فى سنة سبعين ، أخبرنى بشهر وفاته والدى ، أحسن الله إليه ورحمه.

__________________

٢١١٥ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٢٩٩

٢١١٦ ـ على بن محمد بن على [.....](١) السكندرى :

[.........................](١).

٢١١٧ ـ على بن محمد بن على الصليحى :

صاحب اليمن ومكة. قال صاحب المرآة فى أخبار سنة خمس وخمسين وأربعمائة : وفيها دخل الصليحىّ إلى مكة ، واستعمل الجميل مع أهلها ، وأظهر العدل والإحسان والأمن ، وطابت به قلوب الناس ، ورخصت الأسعار ، وكثرت له الأدعية ، وكان شابا أشقر اللحية أزرق العينين ، وليس باليمن أزرق أشقر غيره ، وكان متواضعا ، إذا جاز على جمع سلّم عليهم بيده ، وكان فطنا ما يخبر بشىء إلا ويصحّ ، وكسا البيت ثيابا بيضا ، وردّ بنى شيبة عن قبيح أفعالهم ، ورد إلى البيت من الحلىّ ، ما كان بنو أبى الطيب الحسنيون أخذوه ، لما ملكوا بعد شكر ، وكانوا قد عرّوا البيت والميزاب ، ودخل البيت ومعه زوجته ، ويقال لها الحرّة الكاملة ، وكانت حرة كاسمها ، مدبّرة مستولية عليه وعلى اليمن ، وكان يخطب لها على المنابر ، يخطب أولا للمسنتصر وبعده للصليحى ، وبعده لزوجته ، فيقال : اللهم وأدم أيّام الحرّة الكاملة السيدة كافلة المؤمنين.

وكانت لها صدقات كثيرة ، وكرم فائض ، وكرم فائض ، وعدل وافر. وقال : ذكر الصليحى : محمد ابن هلال الصابى فقال : وورد فى صفر من الحج ، من ذكر دخول الصليحى مكة فى سادس ذى الحجة ، واستعماله الجميل مع أهلها ، وإظهاره العدل فيها ، وأن الحجاج كانوا آمنين أمنا لم يعهد مثله ، لإقامته السياسة والهيبة ، حتى كانوا يعتمرون ليلا ونهارا ، وأموالهم محفوظة ، ورحالهم محروسة ، وتقدّم بجلب الأقوات ، فرخصت الأسعار ، وانتشرت له الألسنة بالشكر ، وأقام إلى يوم عاشوراء ، وراسله الحسنيون ، وكانوا قد بعدوا من مكة : أخرج من بلادنا ، ورتّب منّا من تختاره.

فرتب محمد بن أبى هاشم فى الإمارة ، ورجع إلى اليمن ـ وقد سبق فى ترجمة ابن أبى هاشم ، ما أحسن به إليه الصليحى لما أمّره بمكة ـ قال : وكان الصليحى يركب على فرس له يسمى «الملك» قيمته ألف دينار ، وعلى رأسه مائة وعشرون قصبة ملبّسة بالذهب والفضة ، وإذا ركبت الحرّة ، ركبت فى مائتى جارية ، مزينات بالحلى والجوهر ،

__________________

٢١١٦ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٢١١٧ ـ انظر ترجمته فى : (وفيات الأعيان ٢ / ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٣ / ٤١١ ـ ٤١٥ ، ٥ / ٢٢٩ ، ٧ / ٣٢٣ ، تاريخ ثغر عدن ١٥٩).

٣٠٠