الرسالة الثانية لأبى دُلَفْ رحالة القرن العاشر

المؤلف:

أبي دلف


المحقق: بطرس بولغاكوف وأنس خالدوف
المترجم: دكتور محمد منير مرسي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٥

يراه الناس من مرج القلعة ومن عقبة همذان والناظر اليه من «الرى» يظن أنه مشرف عليه وأن المسافة بينهما فرسخ أو فرسخان وبينهما ثلاثون فرسخا. ويزعم العامة أن سليمان بى داود عليهما‌السلام حبس فيه ماردا من مردة الشياطين يقال له صخر (١) المارد وزعم آخرون «أفريدون» (٢) الملك حبس فيه «بيوراسب» (٣) وأن دخانا يخرج من كهف فى الجبل يقول العامة أنه

__________________

«دبناوند» والاحتمال الاكثر هو عن أعلى جبل يحمل نفس الاسم (بناوند) حيث سجن بيوراسب الشرير حسب ما يقال.

(١) صخر : اسم أحد اثنين من الشياطين فى التراث الدينى الإسلامى. واسمه الكامل هو صخر الجنى (ابن الأثير : ج ١ ص ١٦٧ ـ ١٦٩).

(٢) أفريدون : (بالفارسية فريدون) بطل شعبى ايرانى. وفى العصور الوسطى كانت تنتشر بين أهالى ايران (انتقلت عنهم إلى البلاد الإسلامية الأخرى فى الشرق) أساطير شعبية عن انتصاره على «الضحاك» الشيطان (بيوراسب) ويرد ذكره فى كتاب «الأفست» الفارسى المعروف تحت اسم» Thraetaona «وفى العصر الإسلامى ظل اسمه يعيش إلى جانب أبطال آخرين فى «الشاهنامة». (Justi ,S.١٣٣).

(٣) بيوراسب (بيوراسف) : أحد الشياطين فى المعتقدات الزرادشتتية يسمى «آجى دهاق» وقد احتفظت صورته بوجودها فى الأساطير الفارسية فى العصر الإسلامى. وصورته فى الشاهنامة عبارة عن حيوان غريب على كتفه حيتان ويسميه الكتاب العرب «ضحاك بيوراسب» أو ضحاك أو بيوراسب. والبطل الشعبى الفارسى «افريدون» حسب ما تروى الأسطورة ، وضع نهاية أو حدا لسيادة الضحاك (بيوراسب) بحبسه فى جبل «دبناوند». يورد ابن الكلبى إحدى الأساطير التى تحكى انتصار «أفريدون» عليه وعنه يوردها ياقوت عند وصفه جبل «دبناوند» وكانت مصادر معلومات أبى دلف عن بيوراسب كما يتضح من نص الرسالة الثانية تتمثل فى المعتقدات الشائعة بين أهالى «دبناوند». انظر : ياقوت : ج ٢ ص ٦٠٧.

٨١

نفسه ولذلك أيضا يرون نارا فى ذلك الكهف يقولون انها عيناه وان همهمته تسمع من ذلك الكهف فاعتبرت ذلك وارتصدته ولزمت المكان وصعدت فى الجبل حتى وصلت إلى نصفه بمشقة شديدة ومخاطرة بالنفس وما أظن أن أحدا تجاوز الموضع الذى بلغت اليه بل ما وصل اليه انسان فيما أظن وتأملت الجبال فرأيت عينا كبيرة نقية وحولها كبريت مستحجر فإذا طلعت عليه الشمس والتهبت فظهرت فيه نار وإلى جانبه مجرى يمر تحت الجبل تخترقه رياح مختلفة فتحدث بينها أصوات متضادة على ايقاعات متناسبة فمرة مثل صهيل الخيل ومرة مثل نهيق الحمير ومرة مثل كلام الناس. ويظهر للمصغى اليها مثل الكلام الجهورى دون المفهوم وفوق المجهول يتخيل السامع أنه كلام بدوى ولغة انسى. وذلك الدخان الذى يزعمون أنه نفسه بخار تلك العين الكبريتية. وهذه حال يحتمل على ظاهر هذه الصورة ما تدعيه العامة. ووجدت فى بعض شعاب هذا الجبل آثار بناء قديم وحولها مشاهد تدل على أنها مصايف بعض الاكاسرة. وإذا نظر أهل هذه الناحية إلى النمل تذخر الحب وتكثر من ذلك علموا أنها سنة قحط وجدب. وإذا دامت عليهم الأمطار وتأذّوا بها وأرادوا قطعها صبوا لبن المعز على النار فانقطعت. وقد امتحنت هذا من دعواهم دفعات فوجدتهم فيه صادقين. وما رأى أحد رأس هذا الجبل فى وقت من الأوقات منسحرا (١) عنه الثلج إلا وقعت الفتنة وهريقت الدماء من الجهة التى تراها منسحرة. وهذه العلامة أيضا صحيحة باجماع أهل البلد. وبالقرب من هذا الجبل معدن الكحل والمرتك والأسرب والزاج.

وعلى حد هذا المكان طبرستان وهى مدن كثيرة وأعمال واسعة وبها غياض لا تحصى وأنهار ومياه واسعة وبها عدة معادن ، الذهب أجلها وأجودها

__________________

(١) فى المخطوط «منحسرا».

٨٢

ما يوجد «بخشم» (١) وهو شعب فى جبل بها وبطبرستان ؛ اليوم فى يد العلوية وهم ملوكها منذ خرج عنها سليمان بن عبد الله بن طاهر (٢). وعدلهم ظاهر وسياستهم منتظمة وأمر الرعية معهم مستقيم وأول من ملكها يلقب بالناصر (٣) وبعده الداعى (٤) ثم الهادى (٥) ، وصاحبها فى وقتنا هذا

__________________

(١) لا توجد عند ياقوت معلومات عن «خشم» ولوسترانج يصفها بأنها مدينة فى الطرف الغربى لطبرستان على بعد مسيرة يومين من وادى «سفيد رود» وأربعة أيام من «بيلمان» (بيمان) ويذكر لوسترانج نقلا عن المقدسى أن هذه المدينة كان لها سوق كبير ومسجد جامع وأن على النهر الذى يعبرها جسر من النوع العائم. وفى النص هنا يوصف المكان بأنه شعب جبلى وهذا لا يتعارض مع ما سبق ذكره على اعتبار أن الطرف الغربى لطبرستان يمثل فى الواقع البلاد الجبلية وأن تسمية المدينة امتد بالطبع إلى ما جاورها. انظر المقدسى : ص ص ٣٥٥ ، ٣٦٠ ، ٣٧٣ ومينورسكى يفترض أن ما يذكره أبو دلف عن «خشم» مبنى على السماع وأن المدينة لم تكن فى طبرستان وإنما فى غيلان. (مينورسكى : أبو دلف : ص ١٠٣).

(٢) سليمان بن عبد الله بن طاهر كان واليا على طبرستان وقد نصبه عليها أخوه طاهر بن عبد الله. وفى سنة ٨٦٤ نفى من طبرستان تحت ظروف ثورة شعبية بقيادة حسن بن زيد العلوى.

(٣) كان الحسن بن زيد أول ممثل للأسرة العلوية فى طبرستان (وهى أسرة مقسمة إلى فرعين آل حسن ، وآل الحسين) وكان من فرع آل الحسن. وكان يلقب بالداعى الكبير (٨٦٤ ـ ٨٨٤) والمقصود هنا أول حاكم علوى جاء إلى الحكم بعد فترة الحكم الطارئة لحكام «بنى سمند» (٩٠٠ ـ ٩١٣) وهو أبو محمد الحسن الأطرش بن على بن حسن الملقب بالناصر الكبير (٩١٣ ـ ٩١٦).

(٤) هو ثانى حاكم علوى لطبرستان بعد الناصر الكبير وآخر ممثل لفرع آل الحسن. واسمه الحسن بن القاسم ويلقب بالداعى الصغير (٩١٦ ـ ٩٢٨)

(٥) ليس من المعروف هنا ما يقصده المؤلف ويبدو أنه أحد ثلاثة من آل

٨٣

الثائر (١). وبطبرستان أترج (٢) ليس فى سائر البلدان مثله حسنا وكبرا. ويعمل بها ماء الزعفران يصاعد كالماورد ولا يتم عمله فى غيرها. والمطر فيها دائم مدة الشتاء وأكثر أشهر الصيف وبها حمات كثيرة ولها قصب سكر دون الاهوازى. ووردها غير ذكى. وبها جماعة يتعاطون الحذق بعلم النجوم. وبها معادن زاجات وشبوب منها الشب الأبيض الذى يصلح لتبييض الفضة السوداء وليس يكون إلا بها ولا يعمل فى بلد من البلدان مثل المرداسنج المعمول بها. وتعمل بها أكسية عجيبة يبلغ الكساء منها جملة دنانير وكذا مناديلها موصوفة فى جميع البلدان. وهى متصلة بجرجان ومن الرى على طريق الجادة يسير الناس إلى جرجان فى المفازة وعن ذات الشمال من الجادة جبال طبرستان وفى بعض جبال طبرستان بين «سمنان» (٣) و «دامغان» (٤) فلجة (٥) تخرج منها ريح فى أوقات من

__________________

الحسين الذين حكموا فى الفترة من سنة ٩٢٩ إلى سنة ٩٣٩.

(١) يبدو أن المقصود هو أبو الفضل الثائر العلوى حفيد الناصر الكبير الذى تحارب من أجل السلطة فى خمسينات القرن العاشر مع آل بويه فى طبرستان مرة بالاتحاد مع «وشم غيره» ومرة منفردا وفى ٣٥٠ / ٩٦١ ـ ٦٢ قام بغزوة عسكرية من غيلان وديلم إلى طبرستان (ابن اسفنديار : ص ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣).

(٢) ليمون.

(٣) سمنان : مدينة فى محافظة «قومس» بين طهران («ريم» فى العصور الوسطى). والدامغان. عنها انظر : ياقوت : ج ٣ ص ص ١٤١ ـ ١٤٢ ، وحدود العالم ص ١٣٥.

(٤) الدامغان : مدينة بين طهران أو ريم فى العصور الوسطى ونيسابور وفى القرن العاشر كانت المدينة الرئيسية لمحافظة «قومس» عنها انظر ياقوت : ج ٢ ص ٥٣٩ وحدود العالم ص ١٣٥.

(٥) أى فتحة أو مسقط عميق.

٨٤

السنة إلى من يسلك طريق الجادة فلا تصيب أحدا إلا أتت عليه ولو أنه مشتمل بالوبر وبين الطريق وهذه الفلجة فرسخ واحد وفتحها نحو أربع مائة ذراع ومقدار ما ينال أذاها فرسخان. وليس تأتى على شىء إلا جعلته كالرميم. ويقال لهذه الفلجة وما يقرب منها من الطريق «الماذران» (١). وأنى لأذكر وقد صرت إليها مجتازا ومعى نحو المائتى نفس أو أكثر ومن الدواب أكثر من ذلك فهبت علينا فما سلم من سائر الناس والدواب غيرى ورجل آخر لا غير وذلك أن دوابنا كانت حيادا (٢) فوافت بنا أزجا (٣) وصهريجا كانا على الطريق فاستكنا بالأزج وسدرنا ثلاثة أيام بلياليها لا نحس بشىء ثم استيقظنا بعد ذلك فوجدنا

الدابتين قد نفقتا (٤) ويسر الله عزوجل لنا قافلة حملتنا وقد أشفينا على التلف. وسمنان مدينة صغيرة كثيرة الأهل واسعة الفواكه والخيرات لها مياه عذبة ويعمل بها مناديل منقوشة الأعلام مثمنة يبلغ المنديل خمسين دينارا ويعمل بها أيضا سبنيات (٥) عجيبة الصنعة تباع السبنية بمائتى دينار وأكثر ويقال أن المرأة التى تعملها تعمى من دقة الصنعة وكثرة العمل. والدامغان مدينة حسناء

__________________

(١) الماذران : اسم وادى جبلى وبلدة فى طبرستان بين سمنان والدامغان انظر ياقوت : ج ٤ ص ص ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) أى أصيلة قوية.

(٣) مبنى على هيئة «بهو»

(٤) استخدام صيغة المثنى هنا لا يتمشى مع الكلام السابق حيث تستخدم صيغة الجمع وفى الترجمة الروسية تستخدم صيغة الجمع دون تفسير لذلك.

(٥) نوع من القماش من القطن أو الصوف وتصنع منه أيضا أنواع من المناديل والفوط.

٨٥

كثرة الفواكه وفاكهتها نهاية. (١). والرياح بها لا تنقطع ليلا ولا نهارا. وبها مقسم للماء كسروى عجيب الشأن يخرج ماؤه من مغارة فى جبل ثم ينقسم إذا انحدر عنه على مائة وعشرين قسما لمائة وعشرين رستاقا (٢) لا يزيد قسم على صاحبه ولا يمكن تأليفه على غير هذه القسمة وهو مستطرف جدا ما رأيت فى سائر البلدان مثله ولا شاهدت أحسن منه. وهناك [قرية] تعرف بقرية «الجمالين» (٣) فيها عين تنبع دما لا يشك فيه لأنه جامع لأوصاف الدم كلها. إذا ألقى فيه زئبق صار لوقته حجرا يابسا صلبا منقشا. وتعرف هذه القرية أيضا «بفنجار» (٤). وبالدامغان تفاح يقال له القومسى جيد حسن أحمر الصبغ مشرق الحمرة يحمل إلى العراق. وبها معادن زاجات وأملاح ولا كباريت فيها. وبها معدن للذهب صالح. ومنها إلى قرية كبيرة شبيهة بالمدينة الصغيرة يقال لها «بسطام» (٥) كان منها أبو زيد البسطامى (٦) رحمة الله عليه. وبها تفاح

__________________

(١) هكذا فى النص تنتهى الجملة ويبدو أن الكلمة الأخيرة «نهاية» لا تكفى لتكملتها. ومينورسكى : يترجم الجملة كما يلى :

Damghan is a fine town abounding in fruit of which there is

» «no need

أى دمغان مدينة حسناء كثيرة الفواكه الزائدة عن الحاجة.

(٢) يتفق مينورسكى : مع نص مخطوط مشهد : ويترجمها كما يلى : «of twenty districts» أى عشرين رستاقا وليست مائة وعشرين.

(٣) لا توجد هذه التسمية فى أى مكان آخر. ومن فحوى التسمية يستدل على أن هذه القرية كانت محطة للقوافل وكان أهلها يشتغلون بتأجير الجمال وخدمة القوافل.

(٤) مينورسكى يرى قراءتها فنجان (أبو دلف : ص ١٠٥).

(٥) «بسطام» : مدينة فى «قومس» بناها فى القرن السادس «بسطام» وإلى خراسان وقومس وجرجان وأهم معالمها (حتى ذلك اليوم) مقام الشيخ بايزيد الصوفى. عنها انظر ياقوت : ج ١ ص ٦٢٣. وحدود العالم ص ١٣٥.

(٦) المقصود هنا هو الشيخ «الصوفى» المشهور أبو يزيد طيفور بن عيسى

٨٦

حسن يحمل إلى العراق يعرف بالبسطامى. وبها خاصيتان عجيبتان أحدهما أنه لم ير عاشق قط من أهلها ومتى دخلها إنسان فى قلبه هوى وشرب من مائها ، زال العشق عنه. والأخرى أنه لم يرمد بها أحد قط. ولا معدن فيها إلا شىء من مغنيسيا. ولها ماء مر ينفع إذا شرب على الريق ، من البخر وإذا إحتقن به أبرأ البواسير الباطنة. وتنقطع بها رائحة [العود ولو أنه من أجود الهندى ويزكو بها رائحة](١) المسك والعنبر والكافور وسائر أصناف الطيب إلا العود فإنه ينقطع. وبها حجارة سود يبيض الأسرب بها بياضا حسنا. وبها حيات صغار وثابات وذباب كثير مؤذ. وشرابها أخضر (٢). وعلى تل بازاء نهر فيها قصر مفرط السعة ، عالى السور ، كثير الأبنية والمقاصير يقال أنه من بناء شابور ذى الاكتاف (٣) ودجاجها لا تأكل العذرة (٤).

وسرت منها متياسرا إلى جرجان فى هبوط وصعود وأودية هائلية. وجرجان مدينة حسنة على واد عظيم فى ثغور بلدان السهل والجبل والبر والبحر وبها النخل والزيتون والجوز والرمان وقصب السكر والأترج وبها ابريسم (٥) جيد لا يستحيل صبغه وبها أحجار كثيرة لها خواص عجيبة وبها ثعابين تهول

__________________

البسطامى الذى يختصر اسمه عادة إلى بايزيد وقد عاش فى بسطام مع أن أهل المدينة طردوه منها عشرين مرة لإتهامه «بالهرطقة» أى الخروج عن المألوف من أمور الدين. مات سنة ٢٦٠ / ٨٧٤ م وشيد له فى بسطام مقام.

(١) ما بين القومسين من إضافة ياقوت

(٢) أى ماء الشرب بها لونه أخضر ومينورسكى يترجمها بأنها «الخمر»

(٣) شابور ذو الاكتاف هو شابور الثانى (٣١٠ ه‍ ـ ٣٧٩ ه‍)

(٤) العذرة : أوساخ الأرض.

(٥) حرير

٨٧

الناظر ولا ضرر بها. وسرت منها فى مفازة خوارزم (١) فرأيت بها آثارا كثيرة لجماعة من ملوك العرب والعجم وأشجارها وغياضها كثيرة جدا ويقع فيها ثلج. ومطرها دائم لا يكاد ينقطع وهى متصلة برساتيق نيسابور وأيضا رستاق تعرف باسبينقان (٢) خسف منه بعض السنين بنيف وثلاثين قرية وهبت عليها ريح عاصف فحملت من ذلك الخسف رملا أحمر جاوزت به فى الجو أعمال طوس ونيسابور ومرت به نحو مائة وخمسين ... (٣) وهذا مما شاهدته ووقفت عليه وذلك أنى مررت بهذا الرستاق وهو فى نهاية العمارة وكثرة البساتين وتخرق الأنهار فما استقررت بنيسابور حتى اتصل بى أنه قد خسف به فعدت لأنظر إليه فرأيته وقد ساخ فى الأرض نحو مائة قامة أو أكثر ورأيت المياه تخر فيه من جوانبه.

وطوس أربع مدن (٤) منها اثنتان كبيرتان واثنتان صغيرتان. وبها آثار أبنية اسلامية جليلة وبها دار حميد بن قحطبة (٥) ومساحتها ميل فى مثله.

__________________

(١) هل وصل أبو دلف حقيقة إلى خوارزم؟ إن الشك فى هذا يتولد عن أنه فى وصفه هذه البلاد يورد معلومات ضحلة ذات طابع عام. (كراتشكوفسكى : الرسالة الثانية ص ٢٩٢ ملاحظة ١)

(٢) اسبينقان أو اسفينقان : مدينة ورستاق على ما يبدو فى منطقة نسا (نسى) (المقدسى : ص ٥١ ، ٣٠٠ ملاحظة ١) أو فى منطقة نيسابور (ياقوت : ج ١ ص ٢٥١ والسمعانى : ١٣٤٦) ومكانها بالضبط غير معروف.

(٣) فى مخطوط مشهد سقط المعدود ويمكن أن تكون «فرسخا» وهو ما أخذ به مينورسكى.

(٤) هذه الأربع مدن هى : الطابران ونوقان وعلى ما يبدو الرازكان وبزدغور. انظر ياقوت : ج ٣ ص ٥٦٠ وحدود العالم ص ١٠٣.

(٥) حميد بن قحطبة : قائد عسكرى للأوائل من بنى العباس كان حاكم ما بين النهرين ومصر (مات فى شعبان سنة ١٥٩ / مايو ٧٧٦) وهو وإلى خراسان وإقامته بنيسابور. عنه انظر الطبرى : حمزة الأصفهانى ج ١ ص ٢٢١.

٨٨

وفى بعض بساتينها قبر على بن موسى الرضا (١) رضى الله عنه وقبر الرشيد. وبينها وبين نيسابور قصر هائل عظيم محكم البنيان لم أر مثله علو جدران واحكام بناء وفى داخله مقاصير تتحير فى حسنها الأوهام. وازاج وأروقة وخزائن وحجر للخلوة. وسألت عن أمره فوجدت أهل البلد وهم مجتمعون على أنه من بناء [بعض] التبابعة (٢) وأنه قصد بلد الصين من اليمن فلما صار إلى هذا المكان رأى أن يخلف حرمه وكنوزه وذخائره (٣) فى مكان يسكن اليه ويسير متخففا. فبنى هذا القصر وأجرى له نهرا عظيما آثاره بينة وأودعه كنوزه وذخائره وحرمه ومضى إلى الصين فبلغ ما أراد وانصرف وحمل بعض ما كان جعله فى القصر وبقيت له فيه أموال وذخائر تخفى امكنتها إلا أن صفات موضعها مكتوبة معه فلم يزل (٤) على هذا الحال تجتاز به القوافل وتنزله السابلة ولا يعلمون أن فيه شيئا حتى استبان ذلك. واستخرجه أسعد ابن أبى يعفر (٥) صاحب «كحلان» (٦) فى أيامنا هذه لأن الصفة كانت وقعت اليه فوجه قوما استخرجوها وحملوها اليه.

وليس بنيسابور أثر ظاهر للعجم ولا للعرب إلا أبنية بناها بعض آل طاهر

__________________

(١) على بن موسى الرضا هو ثامن إمام شيعى أعلن خليفة للمأمون فى الحكم وقبره يوجد فى قرية «شاباد» قرب «مشهد» وهناك أيضا يوجد قبر الخليفة هارون الرشيد.

(٢) هم ملوك جنوب الجزيرة العربية (قوم سبأ) انظر بطرس البستانى : دائرة المعارف ج ٤ ص ٢٧ ، بيروت : ١٨٨٢.

(٣) فى الأصل «وذخائر»

(٤) الضمير فى «يزل» يعود على القصر.

(٥) هو صاحب منطقة كحلان فى اليمن (فى القرن العاشر) انظر : ياقوت : ج : ٣ ص ٥٦٠.

(٦) هى فى منطقة «مخلاف» باليمن انظر ياقوت : ج ٤ ص ٢٤٠.

٨٩

شبيهة بالأبنيه القديمة. ولمائها خاصية فى اظهار البغاء والأبنة (١) قل من يسلم من ذلك إلا من أقل شراب الماء بها. وهذا عند أهلها خبر مستفيض وأكثر ما ينال الغرباء (٢). وفى نسائها جمال ظاهر وقلة امتناع عمن يريدهن. وبها معدن نحاس تفوق سائر معادن الأرض جودته. وبها ريباس (٣) عظيم ويكبر حتى تصير القصبة الواحدة منه تزن خمسين منا وأكثر وسيستعظم هذا من قولى من يسمعه وما قلت إلا ما شاهدته ورأيت. وبها سفرجل يعظم جدا ولقد وزنت منه واحدة فكان وزنها أربعة مائه درهم ونيفا وعشرين درهما. وفى وسط المدينة مدينة عتيقة لها سور شاهق وخندق عظيم وأبرجه هائلة. وعلى حدها مدينة هراة يجلب (منها) الزبيب الخراسانى الجيد والقشمش (٤) ويقال أن ذا القرنين بنى سورها وسور اصفهان القديم.

واصبهان صحيحة الهواء نقية الجو خاليه من جميع الهوام لا تبلى فى تربتها الموتى ولا تتغير فيها رائحة اللحم ولو بقيت القدر بعد أن تطبخ شهرا ما تغيرت. وربما حفر الإنسان بها حفيرة لحال من الأحوال فيهجم على قبر له ألوف السنين والميت فيه على حاله لم يتغير. وتربتها أصح ترب الأرض. ويبقى بها التفاح غضا سبع سنين. ولا يتسوس بها الحنطة كما تتسوس فى غيرها. وبها آثار كثيرة حسنة وبينها وبين الاهواز قنطرة «يذج» وهى من العجائب المذكورة لأنها مبنية

__________________

(١) الأبنة : الغضب أو شدة الانفعال.

(٢) أى أن الغرباءهم أكثر من يقاسى منه.

(٣) «الريباس» هو نوع من النبات تطبخ فروعه وتعمل منها حلوى وهو يعرف بالإنجليزية باسم» Rhubarb

(٤) خليط من الفواكه المجففة من الزبيب والتين وغيرها.

٩٠

بالصخر على واد يابس بعيد القعر. وايذج (١) كثيرة الزلازل وبها معادن كثيرة وبها ضرب من القاقلى (٢) تنفع عصارته للنقرس (٣). وفيها بيت نار قديم (٤) كان يوقد إلى زمن الرشيد (٥). ودونها بفرسخين مما يلى البصرة صور فى الماء وهو مجمع أنهار يعرف بفم البواب (٦) إذا وقع فيه انسان أو دابة لا يزال يدور به ابدا حتى يموت ثم يقذفه إلى الشاطىء من غير أن يغيب فى الماء أو يركبه. وهذا من الأمور الطريفة لأن الذى يقع فيه لا يرسب فيه ولا يعلو ماؤه عليه.

ويفتتح لخراجها قبل النيروز الفارسى (٧) بشهر. وهذا الرسم مخالف

__________________

(١) ايذج : مدينة فى «لورستان الكبيرة» فى منطقة إلى الشرق والجنوب من المجرى العلوى لنهر «قارون» على بعد ١٠٠ كيلومترا إلى الجنوب الشرقى من «تستر» وعلى نفس المسافة تقريبا من «عسكر مركم» فى العصور الوسطى ومن القرن ١٢ إلى ١٥ كانت «ايذج» عاصمة بنى «خزرسب» وفى الوقت الحاضر لم يبق من المدينة إلأ بقايا آثارها وبالقرب منها بلدة «مالمير» عنها انظر ياقوت : ج ١ ص ٤١٦.

(٢) القاقلى : نوع من النبات. عنه أنظر : ابن البطار : ج ٣ ص ٥٥ والقانون لابن سيناء : ج ٢ ص ٥٥٥ ، ص ٥٥٦.

(٣) داء المفاصل

(٤) من المحتمل أن المقصود هنا هو الموقد الذى كان فى «شامى» شمال بلدة «مالمير» والذى اكتشف سنة ١٩٣٤. عنه انظر مينورسكى : أبو دلف ص ١٠٨

(٥) أى حتى زمن الخليفة هارون الرشيد (٧٨٦ ـ ٨٠٩).

(٦) لا توجد معلومات عنه ومينورسكى يعتبر أنه من المحتمل أن يكون مجمع أنهار «دخنى شير» (أى فم الأسد بالفارسية) على نهر «قارون».

(٧) النيروز (بالفارسية اليوم الجديد) : هو أول السنة الفارسية ويتفق مع

٩١

لرسوم الخراج فى سائر الدنيا ولا يجاوزها المد والجزر. وهى سفلى أرض الأهواز منخفضة عنها بكثير ومائية قصب سكرها تزيد على سائر قصب السكر فى سائر الأهواز أربعة فى كل عشرة وفانيذها (١) يعمل عمل السجزى (٢). وسوق الأهواز (٣) تخترقها مياه مختلفة منها الوادى الأعظم (٤) وهو ماء «تستر» يمر على جانبها. ومنه يأخذ واد عظيم (٥) يدخلها. وعلى هذا

__________________

الحادى والعشرين من شهر مارس عندما تكون الشمس وقت الظهر عمودية على خط الاستواء. وهو عيد الربيع

(١) الفانيذ هو السكر النبات.

(٢) عند ياقوت : «السنجرى» وفى مخطوط مشهد : يمكن قراءتها «السجزى» وهى تنسب إلى «سجستان» (سيستان) حيث يزرع قصب السكر منذ زمن بعيد. ومنها نوع السكر «السجزى».

(٣) سوق الأهواز : مدينة على بعد ١٠٠ كيلومترا من «تستر» قرب ممر نهر قارون. وفى هذا المكان عند المجرى الرئيسى يتفرغ إلى الشرق مجرى آخر مكونا جزيرة حيث كان يوجد فى القرن العاشر الجزء الغربى من المدينة مع مسجد جامع وسوق «أما الجزء الشرقى من المدينة فقد ربطه بالجزء الغربى جسر هندوان (بارتولد يذكر خطأ أن هذا الجسر كان على قناة مسروقان التى كان حقيقة تخترق المدينة وإن كان مجراها جافا) وفى القرن العاشر كانت سوق الأهواز المدينة الرئيسية لخوزستان وأحد المراكز التجارية الكبرى للخلافة وحاليا مكانها بلدة «تستر» (شستر) عنها انظر ياقوت : ج ١ ص ٢٠٨ وحدود العالم ص ٣٨١.

(٤) المقصود هنا وادى «قارون» ومجراه الرئيسى الغربى «آبى دز» «دزفل رود) والشرقى فى آب جرجر (غرغر) (مسروقان) وفى القرن العاشر ارتبط مع نهر دجلة بقناة وأصبح عاملا هاما للاتصال ومن أسمائه الأخرى «دجيل»

(٥) المقصود هنا فرع نهر قارون الذى يتفرع إلى الشرق وكان عليه الجزء الغربى لسوق الأهواز.

٩٢

الوادى قنطرة عظيمة عليها مسجد واسع حسن وعليه أرجاء عجيبة ونواعير بديعة وماؤه فى وقت المدود أحمر ويصب إلى الباسيان (١) والبحر (٢). ويخترقها وادى المسرقان (٣) وهو من ماء «تستر» أيضا ويخترق عسكر مكرم (٤) ولون مائه فى سائر أيام نقصان المياه أبيض ويزداد فى وقت المدود بياضا وسكرها أجود سكر الأهواز وعلى الوادى الأعظم (٥) شاذروان (٦)

__________________

(١) الباسيان : مدينة فى جنوب خوزستان على بعد ٤ ـ ٥ كيلومترات من شط خليج فارس فى القرن العاشر كانت كما يذكر الاصطخرى : متوسطة الحجم وياقوت يقتبس الاصطخرى ويذكر أنها تقع بين «الباسيان» «ودورق انظر ياقوت : ج ١ ص ص ٤٦٧ ـ ٤٦٨ والاصطخرى : ص ٩٥

(٢) أى خليج فارس

(٣) قناة نهر «المسروقان» أو المشروقان أو آب جرجر تبدأ من قارون إلى الطرف الغربى لمدينة تستر وفى القرن العاشر كانت القناة تصل حتى سوق الأهواز إلا أن حسب رواية الاصطخرى «مجراها توقف بدون ماء على بعد فرسخين من المدينة. وحاليا تصب القناة فى قارون على مسافة أبعد إلى الشمال قرب بلدة «بندى كر» وعلى مقربة منها مدينة عسكر مكرم «انظر الاصطخرى : ص ٨٩ وحدود العالم ص ٢١٤ هامش ٣٨.

(٤) عسكر مكرم : مدينة فى الجزء الأوسط لخوزستان على قناة مسروقان على بعد ٨ فراسخ (٤٥ كيلومترا) إلى الشرق من سوق الأهواز فى مكان المدينة الساسانية «برج شابور» كانت فى القرن العاشر مركزا لأقليم وقد سميت المدينة بهذا الإسم نسبة إلى مكرم بن معزاء أحد قواد الحجاج الوالى الأموى وفى الوقت الحاضر لم يبق من المدينة سوى بقايا آثارها. انظر عنها : ياقوت ج ٣ ص ص ٤٧٦ ـ ٤٧٧ وحدود العالم ص ٣٨١.

(٥) أى وادى نهر قارون

(٦) أى «سد» وكان يوجد جنوب مدينة سوق الأهواز والآن لم يبق منه ـ ـ إلا بقايا آثاره ومبنى المسجد الذى أقامه على بن موسى الرضا ما زال حتى يومنا هذا وهو يوجد على مقربة من هذا السد إلى الشمال الشرقى منه.

٩٣

حسن عجيب متقن الصنعة معمول من الصخر المهندم يحبس الماء على أنهار عدة وبإزائه مسجد لعلى بن موسى الرضا خطه فى اجتيازه به وهو مقبل من المدينة يريد خراسان وبها نهر آخر يمر على حافتها من جانب المشرق يأخذ من واد (١) [و] يعرف بشور آب (٢) وبها آثار كسروية يسيرة. ومنها إلى «رام هرمز» (٣) وهذه مدينة جليلة والطريق منها إلى «دورق» (٤) على بيوت نار فى مفازة مقفرة وفيها أبنية عادية عجيبة. والمعادن فى أعمالها كثيرة. وقل ما رأيت ملحا أحكم فى الصنعة من ملحها. وبدورق آثار قديمة لقباذ بن دارا (٥) وبها صيد كثير إلا أنه يتجنب الرعى فى أماكن منها ولا يدخلها بوجه ولا سبب. ويقال أن خاصية ذلك من طلسم عملته أمه له [لأنه] كان لهجا بالصيد فى تلك الأماكن فربما أخل بالنظر فى أمور المملكة مدة. فيقال إنها عملت له هذا الطلسم ليتجنب الوحش تلك المواضع التى كان يتصيد بها.

__________________

(١) أى وادى نهر قارون

(٢) شور آب : إحدى ثلاث قنوات تبدأ عند سد سوق الأهواز وتمز بالمدينة من طرفها الشرقى.

(٣) «رام هرمز» مدينة فى الجزء الجنوبى الشرقى لخوزستان على بعد ١٩ كم شرق سوق الأهواز. كانت فى القرن العاشر مدينة كبيرة. انظر عنها ياقوت : ج ٢ ص ٧٣٨ وحدود العالم ص ٣٨١.

(٤) «دورق» : مدينة فى الجزء الجنوبى لخوزستان. كانت فى القرن العاشر مدينة كبيرة ومركز محافظة بنفس الاسم. انظر عنها ياقوت : ج ٢ ص ٦١٨ ـ ٦٢٠. وحدود العالم ص ٣٨١.

(٥) قباذ بن دارا : أحد أكاسرة الفرس (٤٨٨ ـ ٥٣١).

٩٤

وبها هوام قتالة لا يبل سليمها. وبها عيون الكبريت الأصفر البحرى (١) وهو يسرج (٢) الليل عليه. ولا يوجد هذا الكبريت فى غيرها. وأن حمل منها إلى سواها لم يسرج. وأن أتى بالنار من غير «دورق» واشتغلت فى ذلك الكبريت أحرقته أصلا فأما نارها (٣) فأنها لا تحرقه. وهذا من ظريف الأشياء وعجيبها ولا يوقف على العلة فى ذلك. وفى أهلها سماحة ليست لغيرهم من أهل الأهواز وأكثر نسائها لا يرددن يد لامس. وأهلها قليلو الغيرة.

وآسك (٤) متصلة بها وهى مدينة وقريات وفيها أيوان عال حسن فى صحراء «على عين غزيرة وبيئة وبازاء هذا الأيوان قبة مسجد منيفة [ينيف] سمكها على مائة ذراع بناها قباذ (٥) وفيها مسجد وخارجها عدة قبور لقوم استشهدوا فى أيام الفتوح. وعلى هذه القبة آثار الستائر وما رأيت فى سائر البلدان قبة أحسن بناء منها ولا أحكم صنعة وعلى بابها الغربى كتابة منقوشة فى الصخر بالفهلوية (٦) وبينها وبين أرجان (٧) قرية تعرف «بالهنديجان» (٨)

__________________

(١) يبدو أنه كان يستخرج من قاع خليج فارس والعرب ويعتقد شوارتز أنه كان يحتوى على مادة فوسفورية من مياه البحر.

(٢) أى يضىء.

(٣) الضمير فى نارها يعود على مدينة «دورق».

(٤) آسك : مدينة صغيرة فى الجزء الجنوبى الشرقى لخوزستان بين أرجان ورام هرمز على بعد ٣٢ كم تقريبا إلى الجنوب الشرقى من الأخيرة (أى رام هرمز) انظر عنها ياقوت : ج ١ ص ص ٦١ ـ ٦٢. وحدود العالم ص ٣٨١.

(٥) هو قباذ الأول (٤٨٨ ـ ٥٣١) ويرد ذكره فى الرسالة الثانية مرارا.

(٦) أى اللغة الفارسية القديمة.

(٧) أرجان : هى إحدى كبريات مدن فارس تقع على نهر «طاب» على بعد ٣٥٠ كم تقريبا من «شيراز» ومثلها من سوق الأهواز. عنها انظر ياقوت : ج ١ ص ص ١٩٣ ـ ١٩٥.

(٨) الهنديجان : بلدة على الطرف الشرقى لخوزستان بين آسك وأرجان على

٩٥

ذات آثار عجيبة وأبنية عادية (١) وتثار منها الدفائن (٢) كما تثار بمصر وبها نواويس بديعة الصنعة وبيوت نار. ويقال أن جيلا (٣) [من] الهند لما فصدت بعض ملوك الفرس لتزيل مملكته كانت الوقعة فى هذا المكان فغلبت الفرس الهند فهزمتم هزيمة قبيحة فهم يتبركون بهذا الموضع. ونهر المسرقان يشق أعمالا كثيرة ويسقى ضياعا واسعة. ومبدؤه من «تستر» وتستر ذات آثار وأعاجيب وخواص. وبها قبر دانيال عليه‌السلام وقد قيل بالسوس (٤) ولها قناطر وشاذروان (٥) ما رأيت فى شىء من البلدان مثلها. وبها معادن كثيرة. وأكثر أبنيتها لقرد جشنس [؟] بن شاه مرد (٦) وكان من عظماء الفرس.

__________________

بعد ١٤ كم من شط خليج فارس والعرب عنها انظر ياقوت : ج ٤ ص ٩٩٣.

(١) أى أثرية قديمة.

(٢) أى يستخرج منها الآثار المدفونة.

(٣) هكذا عند ياقوت وفى مخطوط مشهد «خيل»

(٤) السوس (شوس). مدينة فى الشمال الغربى لخوزستان على شط نهر «آب شور» قرب آثار «سوز» العاصمة القديمة لآل أخمن. وأحد معالم المدينة يعتبر قبر «دانيال» انظر ياقوت ج ٢ ص ص ١٨٨ ـ ١٩٠ والمقدسى : ص ص ٤٠٧ ـ ٤٠٨.

(٥) المقصود هو السد الكبير على نهر «قارون» (قرب تستر) بناه شابور الأول (٢٤١ ـ ٢٧٢).

(٦) فى مقالتين مستقلتين يتناول مينورسكى (انظر مينورسكى : أسطورتان ايرانيتان ، وايضا أبو دلف : ص ص ١١٤ ـ ١١٨) بدقة تحليل الاسم الذى يربط أبو دلف بينه وبين الابنية المشيدة فى «تستر» وكذلك القنطرة العجيبة» وأيضا الاسطورة عن مقتل بعض ملوك اليمن. وشرحه لكل هذا مقنع ولذا فسنكتفى بما توصل هو اليه : فقصة أبى دلف تعكس حقيقة حادثة تاريخية عرفت بعد أن قتل خسرو الثانى بارويز فى سنة ٦٢٨ بواسطة ابنه «شيرويه» وكانت مدة

٩٦

أكثر همته فى البناء واحكامه وتشييده. وهناك قنطرة عجيبة مشهورة بنتها أخته خوراذام أردشير وهى التى احتالت حتى قتلت بعض ملوك اليمن وذلك أنه قتل اخاها ثم تزوجها بعد قتله اياه. فلما زفت اليه وهى كارهة لذلك وكانت قد أخذت معها عدة غلمان مرد من أبناء ملوك فارس وألبستهم البسة الجوارى وقالت لهم ان ملك العرب قد قتل ملوككم وأهل الرياسة منكم وهو قاتلكم

__________________

حكم الأب المقتول سبعة أشهر وبعد موته أعلن ابنه أردشير الثالث وهو فى السابعة من عمره ملكا. وعين «مه آزار جشنس» وصيا. وأقلق الجنرال المشهور «شهر براز» تصريف الأمور بدون استشارته أو معرفته فسار من الحدود الرومية (البيزنطية) إلى العاصمة حيث تمكن من قتل الملك والوصى (فى أبريل ٦٣٠) واعتلى شهر براز نفسه الحكم وتزوج من «بوران» ابنة خسرو بارويز ثم بعد سبعة أسابيع قتل شهر براز بمؤامرة من «بسفروه» الذى كان يعمل فى «الحرس» وأعلنت «بوران» ملكة وعينت بسفروه وزيرا لها. وفى سنة ٦٣١ ماتت «بوران» وخلفتها أختها «آزار ميدخت» وطلب «فروه ـ هرمند» وهو من دم غير ملكى ـ منها طلبا حقيرا هو مراودتها عن نفسها فحددت له موعدا للقاء وعندها قبض عليه الحرس وقطع رقبته. ثم ان ابنه هجم بجنده على العاصمة وقتل «آزار ميدخت». وبهذا الشكل فان الملكة المقتولة عند أبى دلف تتمثل فى «بوران» وفى اسمها «خوراذام» ينعكس اسم «آزار ميدخت» واخوها المقتول هو اردشير الثالث «وملك اليمن هو «شهر براز» ومه آزار جشنس ـ قرد جشنس بن شاه مرد. وليس من الضرورى أن اسم بانى القنطرة المعروفة باسم قنطرة «خوراذام» كان «خوراذام». ويجب الاشارة فى عداد اسماء ملوك ساسان بعد خسرو الثانى بارويز يذكر البيرونى (نقلا عن حمزه الاصفهانى) اسماء «جشنس بند» و «خوراذاوخسر» (أبوريحان البيرونى : مؤلفات مختارة : ج ١ ترجمة م. سال. طشقند ١٩٥٧ ص ص ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٩ وهناك أيضا يذكر البيرونى فى عداد حكام اليمن من (الفرس فى نهاية القرن السادس وبداية السابع) اسم خرزاد واسم شخر وخور آخر (هناك فى ص ١٣٤).

٩٧

متى علم بكم ثم لم يقنعه الذى فعل حتى اغتصب ملكتكم وابنة ملككم نفسها. وقد عزمت على قتله فأى شىء عندكم قالوا نحن طوع يديك. مرينا بما شئت. قالت إذا دخلت اليه فادخلوا معى كأنكم جوارلى فإذا خلوت به وجئته بخنجر معى وليكن معكم أنتم خناجر فإذا فعلت ذلك فاجهزوا عليه قالوا نفعل كما تريدين. فلما أدخلت إليه وخلا بها وهو لا يأبه بالغلمان ويظنهم جواريها وجاءته بالخنجر وبادر الغلمان فقتلوه. وخرجت واياهم إلى مكان بالقرب من غلمانه وحاشيته فأتوا عليهم. وهى أيضا صاحبة القنطرة المعروفة بقنطرة «خوراذ» التى بين ايذج والرباط. وهذه القنطرة من عجائب الدنيا وذلك أنها مبنية على واد يابس لا ماء فيه إلا فى أوان المدود من الأمطار فإنه حينئذ يصير بحرا عجاجا وفتحه على وجه الأرض أكثر من ألف ذراع وعمقه مائة وخمسون ذراعا وفتح أسفله فى قراره نحو عشرة أذرع. وقد ابتدىء بعمل هذه القنطرة من أسفلها إلى أن بلغ بها وجه الأرض بالرصاص والحديد كلما علا البناء ضاق وجعل بين وجهه وجنب الوادى حشو من خبث الحديد وصب عليه الرصاص المذاب حتى صار بينه وبين وجه الأرض نحو أربعين ذراعا وصار فتحه هناك مائة واثنى (١) عشر ذراعا فقعدت القنطرة عليه فهى على وجه الأرض وحشى ما بينها وبين جنبى الوادى بالرصاص المصلب بنحاته النحاس وهذه القنطرة طاق واحد (٢) عجيب الصنعة محكم العمل. وكان المسمعى (٣) قطعها فمكث دهرا لا يتسع أحد لبنائها فأضر ذلك بالسابلة ومن كان يجتاز عليها لا سيما فى الشتاء ومدود الأودية.

__________________

(١) فى الاصل : اثنتى»

(٢) أى طاقة واحدة أو فتحة واحدة مقوسة.

(٣) المقصود كما يعتقد شوارتز هو عبد الله بن ابراهيم المسمعى أحد القواد العسكريين للخليفة المكتفى (٩٠٢ ـ ٩٠٨).

٩٨

وكان ربما صار اليها قوم ممن بقرب منها فاحتالوا فى قلع حشوها من الرصاص بالجهد الشديد فلم تزل على ذلك دهرا حتى أعاد ما انهدم منها وعقدها أبو عبد الله محمد بن أحمد القمى (١) المعروف بالشيخ وزير الحسن [بن] بويه (٢) فإنه جمع الصناع والمهندسين واستفرغ الجهد والوسع فى أمرها فكان الرجال يحطون اليها بالزبل فى البكر والحبال فإذا استقروا على الأساس اذابوا الرصاص والحديد وصبوه على الحجارة ولم يمكنه عقد الطاق إلا بعد سنين فيقال انه لزمه على ذلك سوى أجرة الفعلة فإن أكثرهم كانوا مسخرين من رساتيق ايذج واصفهان ثلاثمائة ألف دينار وخمسون ألف دينار. وفى مشاهدتها والنظر اليها عبرة لأولى الألباب.

__________________

(١) هو أبو عبد الله القمى وزير «ركن الدولة» حاكم بنى بويه فى (٣٢٠ / ٩٣٢)

(٢) الحسن بن بويه هو أحد مؤسسى عائلة بنى بويه المشهور بركن الدولة (٩٣٤ ـ ٩٧٦).

٩٩

٥ ـ قائمة المراجع

١ ـ و. بارتولد (مقالة) :

 المسح التاريخى الجغرافى لايران. سانت بطرسبورج سنة ١٩١٣ (روسى)

٢ ـ ب. بولغاكوف :

 معلومات الجغرافيين العرب فى القرن التاسع وبداية العاشر عن الطرق والمدن فى وسط آسيا. ليننجراد ١٩٥٤ (رسالة علمية بالروسية)

٣ ـ و. غريغوريف :

 عن الرحالة العربى للقرن العاشر أبى دلف ورحلته فى وسط آسيا. (مجلة وزارة المعارف العمومية سانت بطرسبورج ١٨٧٢. سبتمبر ج ٢ ص ص ١ ـ ٤٥)

٤ ـ تاريخ شعب ازبكستان :

من العصور القديمة حتى بداية القرن / ١٦. طشقند ٩٥٠

٥ ـ ابن فضلان :

 رحلة ابن فضلان على نهر الفولجا. تحرير كراتشكوفسكى موسكو ليننجراد ١٩٣٩.

٦ ـ ابن فضلان :

كتاب احمد بن فضلان ورحلته على نهر الفولجا فى ٩٢١ ـ ٩٢٢ تأليف كواليفسكى. خاركوف ١٩٥٦.

٧ ـ مجلة أخبار المجتمع العلمى الروسى.

٨ ـ ابن سينا :

القانون (فى علوم الطب) طشقند ١٩٥٤ ـ ١٩٥٦.

٩ ـ كراتشكوفسكى :

 الرسالة الثانية لابى دلف فى معجم ياقوت الجغرافى المؤلفات المختارة ج ١. موسكو. ليننجراد ١٩٥٥ .... ص ص ٢٨٠ ـ ٢٩٢.

١٠٠