وثقه النسائى ، وقال : لا بأس به. وقال : مات سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وذكره ابن حبان فى الثقات. وقال أبو أحمد والحاكم : ليس بالمتين عندهم ، تركه ابن خزيمة.
وقال صاحب الكمال : يقال : إنه حج ثمانين حجة. وذكر الذهبى : أنه مات فى ذى الحجة سنة ثمان وأربعين يعنى ، ومائتين.
قرأت على فاطمة وعائشة بنتى محمد بن عبد الهادى بالسفح فى الرحلة الأولى : أن أبا العباس أحمد بن أبى طالب الحجار ، أخبرهما عن أبى الحسن محمد بن أحمد بن عمر المؤرخ ، قال : أخبرنا الشريف أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسى ، قال أخبرنا أبو على الحسن بن عبد الرحمن الشافعى ، قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسى المكى ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلى ، قال : حدثنا أبو صالح محمد بن أبى الأزهر ، المكى ، المعروف بابن زنبور ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن دينار : أنه سمع ابن عمر رضى الله عنهما ، يقول : «كنا نبايع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، على السمع والطاعة. يقول لنا : فيما استطعتم» (١).
أخرجه مسلم ، والترمذى ، والنسائى ، عن على بن حجر. ومسلم أيضا عن يحيى بن أيوب ، وقتيبة ، كلهم عن إسماعيل بن جعفر. فوقع لنا بدلا لهم عاليا (٢).
١٣٢ ـ محمد بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمى :
ولد بالحبشة. وحلق النبى صلىاللهعليهوسلم رأسه ورءوس إخوته ، حين جاءوا مع ابنى جعفر ،
__________________
(١) أخرجه البخارى فى صحيحه كتاب الأحكام حديث رقم (٧٢٠٢) ، والترمذى فى سننه كتاب السير حديث رقم (١٥٩٣) ، وأخرجه النسائى فى الصغرى كتاب البيعة حديث رقم (٤١٨٧ ، ٤١٨٨) ، وابن ماجة فى سننه كتاب الجهاد حديث رقم (٢٨٦٨) ، وأحمد فى المسند مسند المكثرين من الصحابة حديث رقم (٦٢٠٧ ، ١١٧٩٣) ، ومالك فى الموطأ كتاب الجامع حديث رقم (١٥٥٥).
(٢) أخرجه مسلم فى صحيحه كتاب الإمارة حديث رقم (١٨٦٧) من طريق : يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر واللفظ لابن أيوب ، قالوا : حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر أخبرنى عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : كنا نبايع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السمع والطاعة يقول لنا : «فيما استطعت».
١٣٢ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٢٣٥٠ ، الإصابة ترجمة ٧٧٨٠ ، أسد الغابة ترجمة ٤٧١٥ ، تاريخ الإسلام ٣ / ٢٠٤ ، أزمنة التاريخ الإسلامى ١ / ٨٤١ ، الأعلام ٦ / ٦٩ ، الجرح والتعديل ٧ / ٢٢٤ ، الوافى بالوفيات ٢ / ٢٨٧ ، المصباح المضىء ٢ / ٣٢ ، تجريد أسماء الصحابة ٢ / ٥٥ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٦٦).
ودعا لهم ، وقال : «أنا وليهم فى الدنيا والآخرة» وقال : «أما محمد ، فشبيه عمنا أبى طالب».
وكان صغيرا فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم ، وتزوج أم كلثوم بنت على ، بعد تأيمها من عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
وذكر الأموى فى مغازيه : أنه كان مع محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنهما ، حين بعثه على بن أبى طالب إلى مصر ، فلما قتل ، هرب محمد بن جعفر إلى فلسطين ، واستجار بأخواله من خثعم ، فمنعوه من معاوية لما طلبه ، ولم يزل عندهم حتى مات.
وذكر الواقدى : أنه استشهد بتستر (١). وأمه : أسماء بنت عميس رضى الله عنها.
١٣٣ ـ محمد بن أبى جهم بن حذيفة بن غانم ، القرشى ، العدوى :
يأتى فى محله ، وهو : محمد بن عامر ، ومحمد بن عبيد ؛ لأنه اختلف فى اسم أبى جهم ، فقيل : عامر. وقيل : عبيد.
١٣٤ ـ محمد بن الحارث بن قيس ، المخزومى. المكى :
روى عن على الأزدى. وروى عنه : ابن جريج ، وابن عيينة. هكذا ذكره ابن حبان فى الثقات.
١٣٥ ـ محمد بن حازم بن شميلة بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة ، الحسنى ، المكى :
كان من أعيان الأشراف آل أبى نمى. وله مكانة عند أمير مكة الشريف عجلان. وكان يتشبه به فى خصال الإمرة.
توفى سنة سبع وسبعين وسبعمائة.
__________________
(١) تستر : بالضم ثم السكون ، وفتح التاء الأخرى ، وراء : أعظم مدينة بخوزستان اليوم ، وهو تعريب شوشتر. انظر : معجم البلدان (تستر).
١٣٣ ـ ذكره ابن عبد البر فى باب حرف الميم باسم : «محمد بن أبى جهم بن حذيفة بن غنم العدوى» ، وذكره فى كتاب الكنى باسم «أبى جهم بن حذيفة العدوى» ولم يشر أنه واحد.
وسيأتى ذكره فى الترجمة رقم (٢٠٠) فى اسم محمد بن أبى جهم بن عامر.
١٣٤ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٧ / ٢٣١).
١٣٦ ـ محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، القرشى ، الجمحى ، المكى :
قال الزبير : وولد محمد بن حاطب بأرض الحبشة. وقال : حدثنى محمد بن سلام الجمحى ، قال : حدثنى بعض أصحابنا : أن أول من سمى فى الإسلام بالنبى صلىاللهعليهوسلم : محمد ابن حاطب.
ولد بأرض الحبشة. وأرضعته : أسماء بنت عميس ، وأرضعت أمه : عبد الله بن جعفر ، فكانا يتواصلان على ذلك حتى ماتا.
وقال الزبير : حدثنى محمد بن سلام ، قال : جاءت عمر حلل من اليمن ، فأعطى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبو أيوب الأنصارى غائب ، فرفع له حلة ، وأخذ لنفسه حلة.
فقدم أبو أيوب وحلة عمر عليه ، فقال : ما هذه الحلة؟ قالوا : حلل أتت من اليمن. قال ـ جازما ـ : افتعلها.
قال : فسمعها عمر رضى الله عنه ، فقال : قد رفعنا لك حلة. فإن شئت : فهى بها. قال : نعم.
فدخل عمر رضى الله عنه فلبس حلة أبى أيوب وأرسل إلى أبى أيوب بحلته. فجعل أبو أيوب ينظر إليها ، فإذا هى أجود من حلة عمر رضى الله عنه. فقال : هل لك فى الأولة؟ قال: نعم.
قال له زيد بن ثابت : يا أمير المؤمنين ، هل لك فى المحمديين؟ قال : ومن هم؟ قال محمد بن حاطب ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن أبى بكر. قال : نعم. وعند زيد : أم محمد ابن حاطب جويرية ـ إحدى بنى عامر بن لؤى ـ فقال : أعطهم.
__________________
١٣٦ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٢٣٥٢ ، الإصابة ترجمة ٧٧٨١ ، أسد الغابة ترجمة ٤٧١٧ ، طبقات خليفة ترجمة ١٤١ ، ٢٥١٣ ، المحبر ١٥٣ ، ٣٧٩ ، التاريخ الكبير ١ / ١٧ ، المعرفة والتاريخ ١ / ٣٠٦ ، الجرح والتعديل ٧ / ٢٢٤ ، جمهرة أنساب العرب ١٦٢ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١ / ٧٩ ، تهذيب الكمال ١١٨٤ ، تاريخ الإسلام ٣ / ٢٠٧ ، تذهيب التهذيب ٣ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، الوافى بالوفيات ٢ / ٢١٧ ، تاريخ أبى زرعة ١ / ٥٦١ ، الكامل فى التاريخ ٤ / ٣٧٣ ، تحفة الأشراف ٨ / ٣٥٥ ، الكاشف ٣ / ٢٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٣٥ ، مرآة الجنان ١ / ١٥٥ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٠٦ ، خلاصة تذهيب الكمال ٢٨٢ ، شذرات الذهب ١ / ٨٢).
فأخذ زيد أجود حلة ، فأعطاها محمد بن حاطب. فقال عمر رضى الله عنه : أى هات ، أى هات ، وتمثل بشعر عمارة بن الوليد :
أسرّك لما صرع القوم وانتبشوا |
|
أن أخرج منها سالما غير غارم |
بريا كأنى لم أكن كنت فيهم |
|
وليس الخداع من تصافى التنادم |
ردها ، فغطاها بثوب ، فقال : أدخل يدك وأنت لا تراها فأعطهم.
قال الزبير : وحدثنى مصعب بن عبد الله ، قال : كان محمد بن حاطب عند قدومه من أرض الحبشة ، وهو صبى ، قد أصابه حرق نار فى إحدى يديه.
فذهبت به أم جميل بنت المحلل إلى النبى صلىاللهعليهوسلم ، فرقاه النبى صلىاللهعليهوسلم ولمحمد بن حاطب محبة ورواية عن النبى صلىاللهعليهوسلم والصحابة ، منهم : أمه أم جميل بنت المحلل ، وعلى بن أبى طالب.
روى عنه : ابناه إبراهيم ، والحارث ، وحفيده عثمان بن إبراهيم ، وسماك بن حرب ، وغيرهم.
ومات بمكة سنة أربع وسبعين من الهجرة ، على ما قال أبو عمر بن عبد البر.
قال النووى : وهو الأشبه.
وانكفأت عليه ـ بقرب المدينة ـ قدر كانت على النار ، فاحترق ذراعه.
فذهبت به أمه إلى النبى صلىاللهعليهوسلم ، فتفل عليه ، ودعا له بالشفاء. فلم تقم به أمه حتى برئ ، ودعا له بالبركة ، ومسح رأسه.
وذكر النووى : أنه شهد مع على الجمل وصفين ، والنهروان (١) ، وأنه أول من سمى محمدا فى الإسلام.
وروى ذلك أبو عمر من حديث أمه فاطمة بنت المحلل. وقيل : جويرية بنت المحلل. وذكر أبو عمر : أن عداده فى الكوفيين.
١٣٧ ـ محمد بن حامد بن الحارث البغدادى ، نزيل مكة ، أبو رجاء :
حدث عن : أحمد بن خيثمة ، ومحمد بن الجهم وعبد الله بن مسلم بن قتيبة.
__________________
(١) نهروان : وأكثر ما يجرى على الألسنة بكسر النون ، وهى ثلاثة نهروانات : الأعلى والأوسط والأسفل ، وهى كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقى حدها الأعلى متصل ببغداد وفيها عدة بلاد متوسطة. انظر : معجم البلدان (نهروان).
وسمع منه جماعة ، منهم أبو محمد النحاس بمكة ، سمع منه حديثين ، قال : ما سمعت منه سواهما. رواهما عنه عن الحسن بن عرفة.
حدثنا على بن قدامة عن ميسرة بن عبد ربه عن عبد الكريم الجزرى ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما رفعهما أحدهما : «يا على خلقت أنا وأنت من نور الله وشيعتنا من نورنا». والآخر : «نجم بأعلى العقيق ، فإنه أقر لله بالوحدانية ولك بالإمامة».
قال الذهبى : هما ـ والله العظيم ـ : موضوعان ، والآفة من ميسره ، فإنه يضع الحديث. انتهى.
وقد وثق أبا رجاء هذا ، أبو عمرو الدانى فيما نقله عنه الذهبى فى الميزان ، وقال : ما أرى هذا الشيخ ممن يعتمد عليه. انتهى.
وذكر الذهبى : أنه مات سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة. وقيل : فى آخر سنة أربعين. وذكر: أنه ولد سنة خمس وأربعين ومائتين.
١٣٨ ـ محمد بن حجاج بن إبراهيم الحضرمى ، أبو بكر ، وأبو عبد الله ، وبها اشتهر ، بن الوزير أبى محمد ، المعروف بابن مطرف الإشبيلى :
نزيل مكة ، وشيخها ، الولى العارف ، ذو الكرامات الشهيرة. ذكر جدى أبو عبد الله الفاسى : أنه ولد سنة ثمان عشر وستمائة ، وحج سنة ثلاث وخمسين.
وسمع من ابن مسدى : الشفا للقاضى عياض ، والشمائل للترمذى.
ثم عاد إلى الإسكندرية. ثم عاد إلى مكة فى سنة ستين ، ثم توجه إلى عدن ، وأقرأ بها العربية ، ولم يزل مقيما بها إلى سنة تسع وستين.
فتوجه إلى مكة وأقام بها إلى أن مات. غير أنه جاور بالمدينة فى سنة خمس وتسعين. انتهى.
وذكر الذهبى : أنه جاور بمكة نحو ستين عاما ، وكان يطوف فى اليوم والليلة ستين أسبوعا ، وأن حميضة بن أبى نمى ـ صاحب مكة ـ حمل نعشه.
إلا أن الذهبى وهم فى تاريخ وفاته ؛ لأنه ذكره فى المتوفين فى سنة سبع وسبعمائة. وتبعه على ذلك اليافعى فى تاريخه.
ووجدت بخط العفيف المطرى أنه : توفى فى سنة أربع وسبعمائة ، وذلك وهم أيضا ؛ لأنه إنما توفى فى ليلة الخميس ثالث شهر رمضان سنة ست وسبعمائة بمكة. ودفن بالمعلاة.
كذا وجدت وفاته على حجر قبره بالمعلاة. ووجدتها كذلك بخط جدى أبى عبد الله الفاسى ، وذكر : أنه نزل قبره مع بعض أصحابه.
وله كرامات مشهورات ، منها ـ على ما ذكر اليافعى فى تاريخه ـ : أنه قال للشيخ أبى محمد عبد الله بن عمران البسكرى ـ بباء موحدة وسين مهملة ، وكاف مفتوحة وراء مهملة مكسورة وياء للنسبة ـ لما جاء إلى ابن مطرف مودعا له ، وقد عزم على الزيارة فى طريق الماشى : تلقون شدة ، ثم تغاثون.
وكان الأمر كما قال ابن مطرف. وله على ما ذكر جدى ، تقييد على جمل الزجاجى.
وذكر العفيف المطرى : أنه قرأ النحو على أبى على الشلوبين. وأنه كان يحفظ كتاب سيبويه قال : وكان من الصالحين الأولياء العاملين الزهاد. انتهى.
وذكر جدى : أن ابن مطرف ـ هذا ـ سكن برباط الموفق سنينا كثيرة ، قال جدى: أظن من سنة ثلاث وثمانين وستمائة إلى أن انتقل منه فى شهر رمضان سنة ثمان وتسعين بسبب تسلط متسلط.
قال : وكان سكناه قبل ذلك فى مدرسة المالكية التى بناها ابن الحداد المهدوى فى الثنية(١) من مكة.
وكتب جدى عنه : بيتين حسنين ؛ لأنى وجدت بخط جدى : أنشدنى الشيخ الصالح ، القدوة أبو عبد الله محمد بن أبى محمد حجاج بن إبراهيم بن مطرف الحضرمى الإشبيلى ، نزيل مكة ـ شرفها الله تعالى ـ بها لإبراهيم بن سهل الإشبيلى الشاعر :
أخاف عليك أن أشكو بثى |
|
مشافهة فيخجلك السماع |
وإن عبرت عن شوقى بكتب |
|
تلهب فى أناملى اليراع |
وكتب جدى عنه غير ذلك ؛ لأنه قال فى تعاليقه : وسمعت الشيخ أبا عبد الله بن
__________________
٣٨ ـ (١) الثنيّة البيضاء : عقبة قرب مكة تهبطك إلى فخّ وأنت مقبل من المدينة تريد مكة أسفل مكة من قبل ذى طوى. انظر : معجم البلدان (الثنية).
مطرف الإشبيلى يقول : كان الإمام الإبيارى يقول : لو رأيت منكرا ، فأردت أن أغيره ، فقال لى الذى يغير عليه : يا إبيارى أى شىء أدخلك فى هذا الفضول؟ لرأيت أن يسقط عنى وجوب تغيير المنكر. انتهى.
والإبيارى ـ هذا ـ من كبار أئمة المالكية المصريين.
١٣٩ ـ محمد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب ، القرشى ، العبشمى ، أبو القاسم :
ولد بالحبشة ، وكفله عثمان بعد قتل أبيه ، وبقى فى كفالته ونفقته سنين. وكان أشد الناس تأليبا على عثمان. وكان خرج إلى مصر ، وعبد الله بن أبى سرح وال لها.
فلما وفد عبد الله على عثمان رضى الله عنه انتزى محمد بن أبى حذيفة على مصر ، ومنعه من دخولها لما عاد إليها ، ثم ولاها له على بن طالب رضى الله عنه لما ولى ، ثم عزله عنها بقيس بن سعد بن عبادة ، ثم قتله مولى لمعاوية بن أبى سفيان حين خرج محمد إلى الشام.
١٤٠ ـ محمد بن حرب بن سليمان ، المكى ، أبو عبد الله :
روى عن ، مالك بن أنس. وروى عنه : عبد بن حميد ، ومحمد بن أحمد بن الجنيد.
١٤١ ـ محمد بن حسب الله ، القرشى ، الأموى ، المكى ، يلقب بالجمال ، ويعرف بالزعيم:
كان وافر الملاءة ، يقال : إن تركته بلغت ثلاثمائة ألف ألف. وقيل : ثمانمائة ألف ألف ومائتى ألف درهم. وقيل : ثلاثمائة ألف ألف وستمائة ألف درهم. وهو الذى اكتسب ذلك.
وكان لا يبالى فى إعطاء المال على وجه السلف بالفائدة ، ويعيب على من يطلب منه القليل.
__________________
١٣٩ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٢٣٥٤ ، الإصابة ترجمة ٧٧٨٣ ، أسد الغابة ترجمة ٤٧٢٠ ، التاريخ الصغير ١ / ٨١ ، تاريخ الطبرى ٥ / ١٠٥ ، الولاة والقضاة ١٤ ، جمهرة أنساب العرب ٧٧ ، الكامل ٣ / ٢٦٥ ، الوافى بالوفيات ٢ / ٣٢٨).
١٤٠ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ٧ / ٤٧٠ ، طبقات خليفة تفرد به : ٣٠٥١ ، التاريخ الكبير ١ / ٦٩ ، التاريخ الصغير ٢ / ٢٧٥ ، الجرح والتعديل ٧ / ٢٣٧ ، تهذيب الكمال ١١٨٥ ، العبر ١ / ٣١٥ ، تذكرة الحفاظ ١ / ٣١٠ ، الكاشف ٣ / ٣١ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٤٦ ، شذرات الذهب ١ / ٣٤١ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٥٧).
وكان ينال من غرمائه كثيرا بالقول والفعل ، وربما حبس بعضهم بغير مؤامرة الحكام ، بسبب إدلاله عليهم بإحسانه إليهم ، والله يغفر له.
توفى فى ليلة الجمعة الثالث من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة بمكة. ودفن بالمعلاة.
* * *
من اسمه محمد بن الحسن
١٤٢ ـ محمد بن الحسن بن محمد بن سعد بن الخشاب المخزومى ، أبو العباس، الصوفى :
ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد ، وقال : صاحب حكايات عن محمد بن جعفر عن أبى جعفر محمد بن عبد الله الفرغانى ، وأبى بكر الشبلى.
ورى عنه : أبو عبد الرحمن السلمى ، وأبو عبد الله الحاكم ، وذكر : أنه نزل بنيسابور ، وخرج إلى مكة ، فحج وجاور. وتوفى بمكة سنة إحدى وستين وثلاثمائة.
١٤٣ ـ محمد بن الحسن بن عبد الله بن على بن محمد بن عبد الملك الأموى ، قاضى الحرمين ، أبو الحسن بن أبى الشوارب :
ولد سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقلده المطيع قضاء الشرقية ، والحرمين ، واليمن ومصر ، وغير ذلك ، فى رجب سنة أربع وثلاثين.
ثم صرف عن ذلك فى رجب سنة خمس وثلاثين ؛ لأنه كان ينسب إلى الاسترشاء فى الأحكام.
وتوفى فى رمضان سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. ذكره الخطيب فى تاريخه ، ومنه لخصت هذه الترجمة.
١٤٤ ـ محمد بن حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسنى. الشريف أبو نمى ، ويقال : أبو مهدى بن أبى سعد ، صاحب مكة وابن صاحبها ، يلقب نجم الدين :
ولى إمرة مكة نحو خمسين سنة ، إلا أوقاتا يسيرة زالت ولايته عنها فيها ـ يأتى ذكرها.
__________________
١٤٤ ـ انظر ترجمته فى : (الجداول المرضية ١١٤ ، خلاصة الكلام ٢٦ ، شذرات الذهب ٦ / ٢ ، النجوم الزاهرة ٨ / ١٩٩ ، الدرر الكامنة ٣ / ٤٢٢ ، البداية والنهاية ١٤ / ٢١ ، الأعلام ٦ / ٨٦).
وذكر صاحب «بهجة الزمن» فى مدة ولايته لمكة ، ما ذكرناه فى مدة ولايته لها ، بزيادة فى ذلك لأنه قال : واستمرت إمرته على مكة ونواحيها ما ينيف على خمسين سنة. انتهى.
وما ذكره من أن ولاية أبى نمى على مكة ونواحيها ينيف على خمسين سنة ، فيه نظر ؛ لأنه لم يل إلا بعد أبيه ، وبين وفاتيهما تسع وأربعون سنة وأشهر.
وغايتها خمسين على الخلاف فى تاريخ شهر موت والده أبى سعد ، إلا أن يكون أبو نمى ولى إمرة مكة نيابة عن أبيه ، ويضاف ذلك إلى ولايته بعده ، فلا إشكال. والله أعلم.
واستقل أبو نمى بإمرة مكة فى أكثر المدة المشار إليها ، وشارك عنه إدريس بن قتادة فى بعضها.
وولايته المشتركة سبع عشرة سنة أو نحوها ، وولايته المستقلة إحدى وثلاثون سنة أو نحوها.
وقال الذهبى فى ذيل سير النبلاء له فى ترجمة أبى نمى ـ هذا ـ : وكانت ولايته نحوا من أربعين سنة بعد عمه ـ الذى قتله ـ انتهى.
وفيما ذكره الذهبى نظر ؛ لأن عمه المشار إليه هو إدريس بن قتادة ، وكانت وفاته فى سنة تسع وستين وستمائة ، على ما وجدت بخط الميورقى ، وذكر ذلك غير واحد من المؤرخين.
ومقتضى ما ذكرناه من تاريخ وفاة إدريس بن قتادة : أن تكون ولاية أبى نمى بعده إحدى وثلاثين سنة وأشهرا ، إلا أن أبا نمى لم يعش بعد عمه إدريس إلا المدة التى أشرنا إليها كما سيأتى فى تاريخ وفاة أبى نمى.
وقد وجدت ما يوهم الاختلاف فى ابتداء ولايته ؛ لأن ابن محفوظ ذكر ـ فيما وجدت بخطه ـ أن فى شوال سنة اثنتين وخمسين ، جاء الشريفان أبو نمى وإدريس ، وأخذا مكة من غانم بن راجح بن قتادة بالقتال ، ولم يقتل بينهم إلا ثلاثة أنفس ، منهم عالى شيخ المبارك.
وأقاما بها إلى الخامس والعشرين من ذى القعدة ، فجاء ابن برطاس المبارز بن على من اليمن ، فأخذها منهم ، وتقاتلوا بالسرجة من قوز المكاسة. وكان معهما جماز بن شيحة صاحب المدينة.
وحج بالناس تلك السنة ابن برطاس ، ولم يزل مقيما بمكة إلى آخر السنة. انتهى.
ووجدت بخط الميورقى : وولى أبو نمى بعد قتل أبيه أبى سعد فى المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة. انتهى.
وهذا وإن أوهم الخلاف فى تاريخ ابتداء ولاية أبى نمى بمكة ، فليس خلافا فى الحقيقة ، لإمكان الجمع بين ما ذكره ابن محفوظ فى ابتداء ولايته ، وبين ما ذكره الميورقى فى ابتدائها.
وذلك : أن يحمل كلام الميورقى على أنه أراد ولاية أبى نمى بمكة بعد خروج ابن برطاس منها.
ويحمل ما ذكره ابن محفوظ على : ولاية أبى نمى التى بعد غانم بن راجح.
ويؤيد ذلك : أن الميورقى ، وابن محفوظ ، ذكر كل منهما ما يقتضى : أن أبا نمى ولى مكة بعد ابن برطاس فى سنة ثلاث وخمسين وستمائة ؛ لأن الميورقى قال : ثم استحكم أبو نمى وعمه إدريس على مكة ، فأخرج الشرفا الغز بسفك دماء خيل ابن برطاس الوالى لها من جهة اليمن ، وامتلأ الناس رعبا ، وسفكت الدماء بالحجر يوم السبت لأربع ليال بقين من المحرم سنة ثلاث وخمسين وستمائة. انتهى.
وذكر فى موضع آخر نحو ذلك باختصار بالمعنى. انتهى.
وقال ابن محفوظ ـ فيما وجدت بخطه ـ : سنة ثلاث وخمسين وستمائة جاء أبو نمى وإدريس ومعهما جماز بن شيحة صاحب المدينة ، فدخلوا مكة ، وأخذوها من ابن برطاس بعد القتال. انتهى.
وذكر بعض العصريين حرب بين ابن برطاس ، وأبى نمى ، وإدريس الحرب الأول والحرب الثانى. وذكر : أنه أسر فى الثانى ، ثم خلص لافتدائه نفسه.
وسنوضح ذلك أكثر من هذا فى ترجمته.
وجرى بين أبى نمى وعمه إدريس بسبب مكة أمور ، منها : أن أبا نمى فى سنة أربع وخمسين وستمائة : أخذ مكة من عمه إدريس ، وكان شريكه فيها ، لما راح إدريس إلى أخيه راجح بن قتادة ، ثم جاء إدريس مع راجح بن قتادة ، وأصلح راجح بين إدريس وأبى نمى.
ومنها : أن أبا نمى ـ فى سنة سبع وستين ـ : أخرج عمه إدريس من مكة ، وانفرد بالإمرة ، وخطب لصاحب مصر الملك الظاهر بيبرس الصالحى البندقدارى.
وكتب إليه أبو نمى ـ يذكر له ـ : أنه لما شاهد من عمه إدريس ميلا إلى صاحب اليمن ، وتحاملا على دولته ، أخرجه من مكة ، وانفرد بالإمرة ، وخطب له ، وسأل مرسومه إلى أمراء المدينة : ألا يتخذوا عمه عليه.
فاشترط عليه صاحب مصر : تسبيل بيت الله للعاكف والباد ، وأن لا يؤخذ عنه حق ، ولا يمنع زائر فى ليل أو نهار ، وأن لا يتعرض إلى تاجر ولا حاج بظلم ، وأن تكون الخطبة والسكة له ، ولأبى نمى على ذلك عشرون ألف درهم فى كل سنة.
فلما ورد جواب أبى نمى إلى صاحب مصر بالتزام ذلك ، كتب له تقليدا بالإمرة بمفرده.
ومنها : أن إدريس بن قتادة بعد إخراج أبى نمى له من مكة : حشد وجمع ، وتوجه إلى مكة المشرفة ، ثم اصطلح مع أبى نمى ، واتفقا على طاعة صاحب مصر. وكتب إليه إدريس يعرفه بذلك ، فسلمت الأوقاف لنوابهما.
ذكر هاتين الحادثتين ابن عبد الظاهر كاتب الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر فى السيرة التى جمعها للملك الظاهر.
ومنها : أنه فى سنة تسع وستين وستمائة : وقع بين أبى نمى وعمه خلف ، فاستظهر إدريس على أبى نمى ، وخرج أبو نمى هاربا من بين يدى عمه ، ووصل ينبع (١) ، واستنجد بصاحبها ، وجمع ، وحشد ، وقصد مكة.
فالتقى هو وعمه إدريس وتحاربا ، فطعن أبو نمى إدريس ألقاه عن جواده ، ونزل إليه ، وحز رأسه ، واستبد بالإمرة.
ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه القطب اليونينى فى ذيل المرآة.
وذكر : أن فى آخر جمادى الأولى من السنة المذكورة : وصل النجابون إلى مصر من عند أبى نمى ، وأخبروا بذلك.
__________________
(١) ينبع : بالفتح ثم السكون ، والباء الموحدة مضمومة ، وعين مهملة : هى عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة على سبع مراحل. انظر معجم البلدان ٤٥٠ / ٥ ، الروض المعطار ٦٢١ ، رحلة الناصرى ٢١٦.
ووجدت بخط الميورقى : ما يشهد لبعض هذه القضية بزيادة فائدة ؛ لأنه ذكر : أن فى ربيع الأول سنة تسع وستين قتل ولد لأبى نمى وطرد أبوه ، وبعد قتله بأربعين يوما قتل أبوه عمه إدريس. وجرى بين أبى نمى ، وجماز بن شيحة صاحب المدينة أمور تتعلق بولاية مكة.
منها ـ على ما وجدت بخط الميورقى ـ أن عيسى بن الشيخ جرير ، قال : أخرج الأمير جماز بن شيخة الحسنى أبا نمى من مكة ـ شرفها الله تعالى ـ فى آخر صفر سنة سبعين وستمائة.
وجاءت مواليه سنة سبعين وستمائة ، وأبو نمى مطرود ، وأكمل لقتل ولده سنة ، ثم رجع أبو نمى إلى مكة فى ربيع وهزم جماز بن شيحة الحسنى ، ثم جاء الحسينى لإخراج أبى نمى فى شعبان سنة ثلاث وسبعين.
فأعطاه أبو نمى ورجع ، وخلى بينه وبين قتلة أبيه أبى سعد. انتهى.
ووجدت بخط ابن محفوظ : ما يشهد للقضية التى كانت بين أبى نمى ، وجماز بن شيحة فى سنة سبعين بزيادة فائدة ؛ لأنه ذكر : أن فى سنة سبعين وستمائة ، وصل جماز ـ يعنى صاحب المدينة ـ وغانم بن إدريس ، وأخذ مكة ، وبعد أربعين يوما أخذها منهم أبو نمى. انتهى.
وفى هذا فائدة لا تفهم من كلام الميورقى ، وهى : أن مدة إخراج أبى نمى من مكة أربعين يوما.
وفيه فائدة أخرى ، وهى : أن غانم بن إدريس كان مع جماز فى هذه القضية ، وغانم ابن إدريس ، هو : غانم بن حسن بن قتادة.
ويدل لذلك : ما وقع فى الخبر الذى ذكره الميورقى من : أن جماز بن شيحة خلى بن أبى نمى وقتلة ابنه. انتهى.
وقتلة ابنه هم : أولاد حسن بن قتادة ، ومنهم إدريس بن حسن ، والد غانم بن إدريس المحارب لأبى نمى.
ومنها : ـ على ما وجدت بخط المؤرخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزرى الدمشقى ـ : أن فى التاسع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين كانت وقعة بين أبى نمى صاحب مكة ، وبين جماز بن شيخة صاحب المدينة ، وبين صاحب ينبع إدريس ابن حسن بن قتادة ، فظهر عليهما أبو نمى ، وأسر إدريس ، وهرب جماز.
وكانت الوقعة فى مر الظهران (٢). وكانت عدة من مع أبى نمى مائتى فارس ومائة وثمانين راجلا ، ومع إدريس وجماز مائتين وخمسة عشر فارسا ، وستمائة راجل. انتهى.
ومنها : ـ على ما وجدت بخط ابن محفوظ ـ : أن فى سنة سبع وثمانين ، جاء جماز ابن شيحة وأخذ مكة ، وأقام بها إلى آخر السنة ، وأخذها منه نواب أبى نمى. وقد اختصر ابن محفوظ هذه الواقعة.
وقد وجدتها أبسط من هذا فى وريقة وقعت لى ـ لا أعرف كاتبها ـ فيها : أن جماز بن شيحة أمير المدينة تزوج خزيمة بنت أبى نمى ، وبنى بها فى ليلة السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وستمائة ، ثم حاربه جماز ـ المذكور ـ بعد ذلك ، وطلب من السلطان الملك المنصور عسكرا ، فسير عسكرا تقدمه أمير ، يقال له : الجكاجكى. فتوجهوا إلى مكة وأخذوها ، وأخرجوا أبا نمى منها.
وخطب لجماز ، وضربت السكة باسمه. وذلك فى سنة سبع وثمانين ، وبقيت فى يده مدة يسيرة.
ثم إن امرأة يقال لها : أم هجرس ، من صبايا خزيمة ، سقت الأمير جماز سمّا ، فاضطرب له جسمه ، وحصل من الجكاجكى مراسلة إلى أبى نمى فى الباطن ، فعرف جماز أنه مغلوب ، فرحل عن مكة.
ووصل إلى المدينة ، وهو عليل من السم ، فلم يزالوا يعالجونه حتى برئ. وأرسل الأمير جماز بالجكاجكى مقيدا إلى السلطان ، فحبسه ، ولم يزل فى يد أبى نمى إلى أن توفى.
قلت : الملك المنصور ـ المشار إليه ـ هو : قلاوون الصالحى. ولعل سبب إنجاده لجماز على أبى نمى : عدم وفاء أبى نمى باليمين التى حلفها للمنصور قلاوون.
ويبعد جدا أن يعين أحدا على أبى نمى مع وفاء أبى نمى باليمين المذكورة ؛ لأن الملوك تقنع من نوابهم بالطاعة ، وإظهار الحرمة ، سيما نواب الحجاز.
وهذه نسختها على ما وجدت فى تاريخ شيخنا ناصر الدين بن الفرات العدل الحنفى، وهى : أخلصت يقينى ، وأصفيت طويتى ، وساويت بين باطنى وظاهرى فى
__________________
(٢) مرّ الظّهران بفتح أوّله ، وتشديد ثانيه ، مضاف إلى الظهران ، بالظاء المعجمة المفتوحة. وبين مر والبيت ستّة ميلا. انظر : معجم ما استعجم (مر الظهران).
طاعة مولانا السلطان الملك المنصور وولده السلطان الملك الصالح ، وطاعة أولادهما ووارثى ملكهما ، لا أضمر لهم سوءا ولا غدرا فى نفس ، ولا مال ، ولا سلطنة.
وأنى عدو لمن عاداهم ، صديق لمن صادقهم ، حرب لمن حاربهم ، سلم لمن سالمهم.
وأننى لا يخرجنى عن طاعتهم طاعة أحد غيرهما ، ولا ألتفت فى ذلك إلى جهة غير جهتهما ، ولا أفعل أمرا مخالفا لما استقر من هذا الأمر ، ولا أشرك فى تحكيمهما علىّ ولا على مكة المشرفة ، وحرمها ، وموقف حلها زيدا ولا عمرا.
وأننى ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان ، وولده فى أمر الكسوة الشريفة المنصورية الواصلة من مصر المحروسة ، وتعليقها على الكعبة المشرفة فى كل موسم وأن لا يتقدم علمه علم غيره.
وأننى أسبل زيارة البيت الحرام أيام موسم الحج وغيرها للزائرين ، والطائفين ، والبادين ، والعاكفين اللائذين بحرمه ، والحاجين الواقفين.
وأننى أجتهد فى حراسثهم من كل عاد بفعله ، وقوله (٢٩ : ٦٧ ويتخطف الناس من حوله).
وأننى أو منهم فى شربهم ، وأعذب لهم مناهل شربهم.
وأننى ـ والله ـ أستمر بتفرد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصورى ، وأفعل فى الخدمة فعل المخلص الولى.
وأننى ـ والله ـ أمتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب ، وأكون لداعى أمره أول سامع مجيب.
وأننى ألتزم بشروط هذه اليمين من أولها إلى آخرها ، لا أنقضها. انتهى.
وكان حلف أبى نمى لهذه اليمين فى سنة إحدى وثمانين وستمائة ، على ما ذكره شيخنا العدل ناصر الدين بن الفرات.
وقد رأيت ما يدل على أن أبا نمى لم يف ببعض هذه اليمين ؛ لأنى وجدت بخط ابن محفوظ : أن فى آخر يوم من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة ، خطب للملك المظفر صاحب اليمن ، وقطعت خطبة خليل بن المنصور بعد أن خطب له فى أولها.
وهذا إنما يصدر عن أبى نمى ، ولعل أبا نمى تأول أن الأشرف خليل بن المنصور
قلاوون لم يدخل فى يمينه المنصور وابنه الصالح ، لكون الأشرف لم يسم فيها فإن كان تأول ذلك ، فهو تأويل غير مستقيم لدخوله فى قوله فى اليمين : وطاعة أولادهما.
وأظن أن الحامل لأبى نمى على تقديم صاحب اليمن على صاحب مصر : كون صلته أعظم من صلة صاحب مصر ؛ لأن العاقل لا يفعل أمرا يلحقه فيه ضرر إلا لنفع أكبر. وكانت صلة صاحب اليمن لأبى نمى عظيمة ، على ما وجدت فى مقدارها ؛ لأن بعض الناس ذكرها ، وذكر شيئا من حال صاحب اليمن بمكة ، وحال أبى نمى معه. وذلك مما يحسن ذكره هنا. ونص ذلك :
وقد كان الملك المؤيد لما تسلطن : جهز تلك السنة علمه المنصور ، ومحمل الحج السعيد ، صحبة القائد ابن زاكى ، فتلقاه الشريف أبو نمى صاحب مكة بالإجلال والإكرم ، وخفقت ذوائب العلم المنصور على جبل التعريف بعرفة ، وأعلن مؤذنه على قبة زمزم بمناقب السلطان على رءوس الأشهاد.
وسمع تلك الأوصاف من ضمه ذلك المقام الشريف ، وحلف للسلطان الملك المؤيد الأيمان الغليظة ، وكتب على قميصه ، ما يقتضى ما جرت به العادة.
ووصل إلى الشريف ـ المذكور ـ ما اقتضته المواهب السلطانية مما كان قرره الخليفة : من العين ، والغلة ، والكساوى ، والطيب من المسك ، والعود ، والصندل ، والعنبر ، والثياب الملونة ، والخلع النفيسة.
وكان مبلغ العين : ثمانون ألف درهم ، ومبلغ الغلة : أربعمائة مد. انتهى من كتاب «العقود اللؤلؤية فى أخبار الدولة الرسولية» لبعض مؤرخى اليمن فى عصرنا.
والذى يصل لصاحب مكة من صاحب اليمن : نحو ربع ذلك أو أقل ، ومبلغ الطعام المذكور بكيل مكة : ألف غرارة ومائتا غرارة مكية. وذلك فى عصرنا.
والخليفة ـ المشار إليه ـ هو الملك المظفر ، والد الملك المؤيد.
ووجدت بخط ابن محفوظ أيضا : أن أمير الركب فى سنة اثنتين وتسعين وستمائة : استحلف أبا نمى على الرواح إلى مصر ، فأعطاه ألف دينار. فعزم فى سنة ثلاث وتسعين ، ثم رجع من ينبع لما بلغه موت الأشرف. انتهى.
ووقع من أبى نمى فى حق الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر ما أوجب انحرافه منه غير مرة.
منها : أن أبا نمى وعمه إدريس : أخرجا نائبا كان للملك الظاهر ، يقال له : مروان ، نائب أمير جاندار فى سنة ثمان وستين وستمائة. وكتب إليه الملك الظاهر غير مرة بالرضا عما ارتكبه أبو نمى مما لا ينبغى فعله.
منها : فى سنة خمس وسبعين وستمائة ؛ لأنى وجدت بخط الميورقى : أهان الله ولاة مكة بكتاب من والى مصر يزجرهم فيه عن الجور فى آخر سنة خمس وسبعين وستمائة.
قلت : ووالى مصر فى هذا التاريخ هو الظاهر بيبرس ، ووالى مكة فى هذا التاريخ هو أبو نمى.
ووجدت فى تاريخ شيخنا ابن خلدون : أنه كان بين أبى نمى ، وبين الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر منافرة ، فكتب إليه الظاهر كتابا منه : من بيبرس سلطان مصر إلى الشريف الحسيب النسيب أبى نمى محمد بن أبى سعد.
أما بعد : فإن الحسنة فى نفسها حسنة ، وهى من بيت النبوة أحسن ، والسيئة فى نفسها سيئة ، وهى من بيت النبوة أوحش.
وقد بلغنا عنك أيها السيد : أنك آويت المجرم ، واستحللت دم المحرم ، ومن يهن الله فما له من مكرم ، فإن لم تقف عند حدك وإلا أغمدنا فيك سيف جدك ، والسلام. فكتب إليه نمى :
من محمد بن أبى سعد إلى بيبرس سلطان مصر.
أما بعد : فإن المملوك معترف بذنبه تائب إلى ربه ، فإن تأخذ ، فيدك الأقوى ، وإن تعفو ، فهو أقرب للتقوى ، والسلام. انتهى.
وبعض الناس يذكر فى كتاب بيبرس إلى أبى نمى غير ما سبق. وذكر : أنه كتب إليه يقول له : إنه بلغنا عنك أيها السيد : أنك أبدلت حرم الله بعد الأمن بالخيفة ، وفعلت ما يحمر الوجه ، ويسود الصحيفة. انتهى.
ولعل ذلك كتب مع الألفاظ السابق ذكرها ، فحفظ بعضهم الأول فقط ، وحفظ بعضهم الثانى فقد ، وظن ظان أنهما كتابان وهما واحد. والله أعلم.
ووقع فى زمن أبى نمى فتن بعضها بينه وبين أمير الحاج ، وبعضها بين الحجاج وأهل مكة ذكرناها فى تأليفنا : «شفاء الغرام ومختصراته» ونشير هنا لشىء منها باختصار.
فمنها : أن أبا نمى صدّ الحاج عن دخول مكة ، لوحشة بينه وبين أمير الحاج ، فنقب الحجاج السور ، وأحرقوا باب المعلاة ، ودخلوا مكة هجما بعد فرار أبى نمى منها.
وذلك فى موسم سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
ومنها : أن فى سنة تسع وثمانين : حصل بين أهل مكة والحجاج فتنة فى المسجد الحرام ، قتل فيها من الفريقين فوق أربعين نفرا ـ فيما قيل ـ ونهبت الأموال.
ولو أراد أبو نمى نهب الجميع لفعل إلا أنه تثبت.
وقد أثنى على أبى نمى غير واحد من العلماء مع ذكرهم لشىء من أخباره.
منهم : الحافظ الذهبى ؛ لأنه قال فى «ذيل سير النبلاء» فى ترجمة أبى نمى : شيخ ضخم ، أسمر ، عاقل ، سايس ، فارس ، شجاع ، محتشم ، تملك مدة طويلة ، وله عدة أولاد ، وفيه مكارم وسؤدد.
وذكره لى أبو عبد الله الدباهى ، فأثنى ، وقال : لو لا المذهب لصلح للخلافة ، كان زيديا كأهل بيته ، انتهى.
وقال القاضى : تاج الدين عبد الباقى اليمانى فى كتابه «بهجة الزمن فى تاريخ اليمن» بعد أن ذكر وفاة أبى نمى : وكان أميرا ، كبيرا ، زعيما ، ذا بخت ، وحظ فى الإمرة ، يرغب إلى الأدب وسماعه ، وله الإجازات السنية للشعراء الوافدين عليه بإطلاق الخيل الأصايد فى مقابلة القصائد. انتهى.
وللأديب موفق الدين على بن محمد الحندودى فى أبى نمى ـ هذا ـ من قصيدة يمدحه بها ، أولها :
أقاتلتى بغير دم ظلامه |
|
أما قود لديك ولا غرامه |
بخلت علىّ منك بدرّ ثغر |
|
تقبله الأراكة والبشامه |
ولو أن الفريق أطاع أمرى |
|
لما اختار الرحيل على الإقامة |
وكم بالطعن يوم مضاحكات |
|
عدمنا من قلوب مستهامه |
وبين أكلّة الحادين شمس |
|
قرعت لبينها سنى ندامه |
ومنها :
لقد جربت هذا الدهر حتى |
|
عرفت به السماح من الملامه |
يريد إقامتى فيهم قويم |
|
وما لى بين أظهرهم إقامه |
خداع ثمامة بن أثال فيهم |
|
معاينة وكذب أبى ثمامه |
منها فى المدح :
وفى الحرم الشريف خضم جود |
|
كأن البحر أنحله النظامه |
أما والحجر والحجرات منى |
|
وبيت الله ثالثه قسامه |
لئن نزلت بسوح أبى نمى |
|
لقد نزلت على كعب بن مامه |
بأبلج أين منه البدر نورا |
|
وحسنا فى الجمال وفى الوسامه |
وذو كرم وزنت الناس طرا |
|
بخنصره فما وزنوا قلامه |
منها :
أبا المهدى كم لك من إياد |
|
كشفت بها عن الصادى أوامه |
وكم لك من وقائع ذكرتنا |
|
بوقعة خالد يوم اليمامه |
عمرت تهامة بالعدل حتى |
|
تمنت نجد لو كانت تهامه |
حقيق أن يسال بك المصلى |
|
ويدعو فى الأذان وفى الإقامه |
وأن تعطى القضيب وأى حق |
|
لغيرك فى القضيب وفى الإمامه |
وفى مدحه الأديب عبد الواحد القيروانى ـ الآتى ذكره ـ بأشعار حسنة ، أجاد فيها عنه.
ونظم كثيرا ، على ما نقله الصلاح الصفدى ، عن أبى حيان.
ووقفت له فى بعض المجاميع على قصيدة جيدة يمدحه بها ، أولها :
خليلى هيا فانظر ذلك اليرقا |
|
تبدى لنا يهفو على طرف البرقا |
فمن مبلغ عنى بلادى وأهلها |
|
ولم تأل لى عنهم غوادى النوى سحقا |
بأنى لم أنفك للخرق قاطعا |
|
إلى أن وصلت السيد الملك الخرقا |
وأن صروف الدهر عنى تماسكت |
|
لأنى قد استمسكت بالعروة الوثقا |
ندا لأبى المهدى هديت لنيله |
|
وأحرزت ما قد جل منه وما دقا |
وطلقت أمرا لهم حين لقيته |
|
وقابلت فى ساحته وجهه الطلقا |
هو ابن أبى سعد الزكى ولاده |
|
ولم يزك فرعا غير من قد زكا عرقا |
من القوم يستشفى بمسح أكفهم |
|
لداء ومنها أو بها الغيث يستسقا |
لهم كرم سهل المنال وإنما لهم |
|
شرف وعر المسالك والمرقا |
وسيأتى غزلها فى ترجمته.
ومدحه قاضى مكة نجم الدين الطبرى بقصيدتين. إحداهما نونية بليغة ـ على ما بلغنى ـ ولم أقف عليها. والأخرى عينية. سيأتى ذكرها فى ترجمة القاضى نجم الدين الطبرى ، أولها :
أمفرقا جمع الخزاين إذ عدا |
|
كرما لمفترق المحامد يجمع |
وبلغنى : أنه لما مات أبو نمى ، امتنع الشيخ عفيف الدين الدلاصى من الصلاة عليه: فرأى فى المنام السيدة فاطمة بنت النبى صلىاللهعليهوسلم رضى الله عنها ، وهى بالمسجد الحرام يسلمون عليها ، فجاء ليسلم ، فأعرضت عنه ـ ثلاث مرات ـ ثم إنه تحامل عليها ، وسألها عن سبب إعراضها عنه ، فقالت له : يموت ولدى ولا تصلى عليه؟ فقال لها ـ ما معناه ـ : أنه ظالم. انتهى بالمعنى.
وذكر اليافعى فى تاريخه نقلا عن حميضة بن أبى نمى أنه قال : إن لأبيه خمس خصال : العز ، والعلم ، والكرم ، والشجاعة ، والشعر. انتهى.
ومن شعر أبى نمى على ما ذكر بيبرس الدوادار فى تاريخه. وذكر : أنه كتب به إلى الملك المنصورى لما تسلطن بعد الملك العادل كتبغا (٣) المنصورى فى سنة ست وتسعين وستمائة.
أما وتعادى المقريات الشوارب |
|
بفرسانها فى ضيق ضنك المقانب |
وبالجحفل الجرار أفرط جمعه |
|
كأسراب كدرى فى سوار قوارب |
وبالزرد الموصوف ضمت عصوبه |
|
على كل ماضى العزم خيف المحارب |
وبالبيض والبيض الرقاق ألية |
|
لبتر عداتى حلفه غير كاذب |
لقد نصر الإسلام بالملك الذى |
|
ترعرع من شيم الملوك السناجب |
حسام الهدى والدين منصوره الذى |
|
رقا فى سماء المجد أعلى المراتب |
ملوك جهات الأرض يعفو لعزه |
|
فمرهوبها من سيفه أى راهب |
تفرد بالملك العظيم فلم تزل |
|
له خضعا صيد الملوك الأغالب |
__________________
(٣) كتبغا بن عبد الله المنصورى ، زين الدين ، الملقب بالملك العادل : من ملوك المماليك البحرية فى مصر والشام ، أصله من سبى التتار من عسكر «هولاكو» أخذه الملك المنصور «قلاوون» فى وقعة حمص الأولى سنة ٦٥٩ ه وجعله من مماليكه ، وتسلطن كتبغا سنة ٦٩٤ ه وتلقب بالملك العادل ، وانتقل إلى مملكة حماة سنة ٦٩٩ ه واستمر إلى أن توفى بها ثم نقلت جثته إلى دمشق. وكان شجاعا دينا. انظر ترجمته فى : (ابن إياس ١ / ١٣٣ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٥٥ ، الأعلام ٥ / ٢١٩).
مضى كتبغا خوف الحمام وقد أتت |
|
إليه أسود الخيل من كل جانب |
وأحييته بالعفو منك وزدته |
|
لباس أمان من عقاب العواقب |
وأحرزت ملك الأرض بالسيف عنوة |
|
وعبدت من فى شرقها والمغارب |
توليت هذا الأمر فى خير طالع |
|
لأسعد نجم فى السعادة ثاقب |
وكان لأبى نمى هذا من الأولاد الذكور : أحد وعشرون ذكرا ، واثنى عشر أثنى. على ما ذكر الشهاب أحمد بن عبد الوهاب النويرى فى تاريخه.
وذكر : أنه مات عن هذا العدد ، وعن أربع زوجات لم يسم أحدا من الأولاد. والذى عرفت اسمه من أولاد أبى نمى : حسان ، وحمزة ، وحميضة ، وراجح ، ورميثة ، وزيد ، وزيد آخر ، وسيف ، وشميلة الشاعر ، وعبد الله ، له ذرية بالعراق ، وعبد الكريم ، وعاطف ، وعطاف ، وعطيفة ، ومقبل ، ولبيدة ، ومنصور ، ومهدى ، ونمى ، وأبو دعيج ، وأبو سعد ، وأبو سويد ، وأبو الغيث. وآخرهم وفاة : سيف. وهى تدل على : أنهم ثلاثة وعشرون ذكرا.
وأظن : أن نمى ليس ولدا لأبى نمى ، وإنما كنى به لمعنى آخر ، فظن ظان : أنه كنى بذلك ؛ لأن له ولدا يسمى : نميا. والله أعلم.
وما ذكرناه فى عددهم يوهم خلاف ما ذكره النويرى فى عددهم ، ويمكن التوفيق : بأن يكون الزائد على ما ذكره النويرى : مات قبل أبى نمى والله أعلم.
أخبرنى بمجموع ما ذكرته من أسماء أولاد أبى نمى غير واحد من أشياخنا وغيرهم. وليس كل منهم أخبرنى بهذه الأسماء ، وإنما كل منهم ذكر لى بعضها ، فتحصل لى من مجموع ما قالوه هذه الأسماء.
وذكر النويرى : أنه توفى فى رابع صفر سنة إحدى وسبعمائة.
وذكر وفاته فى هذا التاريخ قاضى مكة نجم الدين الطبرى ، بزيادة فوائد تتعلق بأبى نمى هذا. ولنذكر كلامه بنصه لذلك.
قال ـ فى كتاب كتبه إلى بعض أهل اليمن بخطه ، يخبر فيه بوفاة أبى نمى ، وغير ذلك ـ :
أن أبا نمى حم فى ليلة الأحد العشرين من المحرم ، وكان معه خرّاج فى مقاعده ، وفى مواضع من بدنه ، فلم يزل مريضا حتى مات فى يوم الأحد رابع صفر وغسل بالحديد ،