إبراهيم إبراهيم بركات
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٦٠٨
وتقول : كم عاملا أعطيته مستحقاته؟ ، حيث ذكر بعد (كم) الفعل (أعطى) وهو يتعدى إلى اثنين ، وقد ذكرا ، وهما (ضمير الغائب ، ومستحقات) ، فتعرب (كم) فى محل رفع على الابتداء ، ويكون خبرها الجملة الفعلية (أعطيته ...).
كما تقول : كم أصدقاء منحتهم الوفاء ، كم من مولود اليوم سمّى محمدا ، كم فردا أعلمته أن الرحلة موعدها غدا؟.
وسنذكر فيما بعد أننا قد نجعل هذا التركيب قضية اشتغال.
موضع النصب :
تكون (كم) بنوعيها فى محلّ النصب إذا ذكر بعدها ما يحتاج إلى منصوب ، وكانت تؤدّى معنى المنصوب ، ويكون ذلك فى مواقع المفعولية ، والمصدرية ، والظرفية.
أ ـ موقع المفعولية : إذا ذكر بعدها فعل متعدّ وتطلّب ما يتعدى إليه ، ولم يذكر بعده. كأن تقول : كم موضوعا درستم اليوم؟ حيث (درس) فعل ماض يتعدى إلى واحد ، ولا يوجد فى الجملة مفعول به ، وتتحمل (كم) هذه المفعولية ، فتكون (كم) اسم استفهام مبنيا فى محلّ نصب ، مفعول به. و (موضوعا) تمييز لكم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
وتقول : كم يتيم كسوت أثوابا ، حيث (كم) خبرية ذكر بعدها الفعل (كسا) الذى يتعدى إلى مفعولين ، وقد ذكر مفعول واحد وهو (أثوابا) ، فتطلب الفعل مفعولا به ثانيا لأداء المعنى ، وتتحمل (كم) هذه المفعولية ؛ لأنها تعبر عن عدد من اليتامى ، فتعرب لذلك (كم) فى محل نصب مفعول به أول لكسا. أما (يتيم) فهو مجرور بالإضافة إلى (كم).
وتقول : كم واحدا أعلمت عليّا غائبا؟ ، تعرب (كم) فى محلّ نصب ، مفعول به أول لأعلم ، وهو فعل يتعدى إلى ثلاثة ، ولم يذكر إلا اثنان ، (عليا ، وغائبا) ، وتتحمل (كم) هذه المفعولية.
فى قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨] ، (كم) اسم للتكثير مبنى ، فى محلّ نصب ، مفعول به ، حيث الفعل (أهلك) متعد ، ولم يذكر مفعوله.
وفى قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [الشعراء : ٧] ، (كم) خبرية للتكثير ، وهى فى محلّ نصب على المفعولية للفعل (أنبت) ، حيث إنه متعدّ ، ويحتاج إلى مفعول به ، أما التمييز فهو (من كل زوج) ، والتقدير : أنبتنا كثيرا من كل زوج.
ومثله قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الدخان : ٢٥] ، أى : تركوا كثيرا من جنات وعيون ، فتكون (كم) خبرية للتكثير ، فى محلّ نصب مفعول به ، و (من جنات) تمييزها.
وتنصب (كم) على المفعولية فى قوله تعالى : (وَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) [السجدة : ٢٦].
وقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) [طه : ١٢٨]. والتقدير : أهلكنا قبلهم كثيرا من القرون.
وقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم : ٩٨]. والتقدير : أهلكنا قبلهم كثيرا من القرون.
وقوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) [الأنبياء : ١١].
ب ـ موقع الظرفية : تقع (كم) فى محلّ نصب على الظرفية إذا أدّت معناها فى التركيب ، ويكون ذلك من خلال دلالة تمييزها ، فتقول : كم يوما سافرت؟ ، وكم ساعات ذاكرت هذا الدرس ، (كم) اسم للاستفهام فى الأول ، وللكثرة فى الثانى ، مبنى فى محلّ نصب على الظرفية.
ومن ذلك أن تقول : كم ساعة طهوت هذا الطعام؟ ، كم أوقات أضرّ نفسى فأجلس أمام البرامج المرئية ، كم مرة أجبت عن الأسئلة الموجهة إليك؟
فى قوله تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩]. (كم) فى محلّ نصب على الظرفية ، وتمييزها محذوف مفهوم من الجواب : (قالوا لبثنا يوما) ، فيكون التقدير : كم يوما لبثتم.
ومثل ذلك قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [البقرة : ٢٥٩].
ج ـ موقع المصدرية : تقع (كم) فى محل نصب على المصدرية إذا أدّى تمييزها المصدرية ، كأن تقول : كم إجابة أجبت عن الأسئلة الشفوية؟ ، كم ضحكة ضحكت اليوم ، حيث (كم) فى الموضعين اسم مبنى فى محل نصب على المصدرية ، والتقدير : أجبت عددا من الإجابات ، وضحكت كثيرا من الضحكات ، أو ضحكات كثيرة.
ومنه أن تقول : كم شربة شربت الدواء؟ ، كم من إصلاح أصلحت بين الناس ، كم رؤية رأيت رؤيا العين؟ كم إصابة أصبتم الهدف؟.
بين موضعى النصب والرفع :
يجوز أن تحتسب (كم) فى موضع نصب أو موضع رفع إذا ذكر الفعل معدّى إلى ضمير تمييز (كم) ، على احتسابها قضية اشتغال ، كأن تقول : كم قصة قرأتها؟ ، فإذا احتسبتها قضية اشتغال فإن التقدير يكون على وجهين : إما أن يكون : كم قصة قرأت قرأتها؟ وبذلك فإن (كم) تكون فى محلّ نصب على المفعولية ، حيث جعلت الفعل المذكور المشغول بالضمير مفسرا للفعل المحذوف الذى لا يذكر فيه الضمير ؛ لأن (كم) تؤدى معنى المفعولية. وإما أن يكون التقدير :عدد القصص التى قرأتها ، فتكون (كم) فى محلّ رفع ، مبتدأ ؛ لأن الضمير المذكور هو المفعول به للفعل المذكور المتعدى إلى واحد (قرأ).
وتقول فى ذلك : كم أخ قابلته ، فيكون إعراب (كم) على وجهين : إما محلّها الرفع على الابتداء ، حيث شغلت الفعل بضمير التمييز فنصبه ، وإما أن تكون فى محل نصب على المفعولية ، حيث جعلت الفعل المذكور الناصب للضمير مفسرا لفعل محذوف ناصب لكم. ومثل ذلك ما ذكرناه من أمثلة تتماثل مع هذا التركيب فى قسم موضع رفع (كم).
موضع الجر :
تكون (كم) بنوعيها فى موضع الجر إذا سبقت بحرف جرّ ، أو أضيفت إلى ما يسبقها ، ولا تفقد صفة الصدارة حال سبقها بما تضاف إليه ؛ لأن المضاف والمضاف إليه بمثابة الكلمة الواحدة ، فتقول : بكم قرشا (قرش) اشتريت هذا القلم؟ (كم) اسم استفهام مبنى فى محل جر بالباء ، وشبه الجملة (بكم قرشا) متعلقة بالشراء ، و (قرشا) تمييز (كم) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وتقدير التركيب : اشتريت هذا القلم بعدد ما من القروش.
وتقول : فى كم صفحة حللت هذه المسألة ، حيث (كم) اسم للكثرة مبنى فى محل جر بفى ، وشبه الجملة متعلقة بالفعل (حل) ، و (صفحة) مجرور بالإضافة إليه ، وتقدير التركيب : حللت هذه المسألة فى كثير من الصفحات. ومنه أن تقول :
فى كم حجرة دخلت؟ وإلى كم فناء خرجت؟ وعن كم كتاب تبحث؟
كذا
اسم يكنى به عن العدد القليل والكثير ، وقيل : إن (كذا) تفيد الكثرة ، ويبدو أنه يكنى بها عن العدد مطلقا ، فإذا قلت : عندى كذا وكذا درهما ، كأنك قلت : عندى كالعدد درهما ، أو : عندى عدد ما درهما (١).
خصائصها التركيبية :
ـ تمييزها يكون منصوبا لا غير.
ـ تمييزها يكون نكرة.
__________________
(١) الكاف فى (كذا) زائدة للتشبيه ، ولكنها زيادة لازمة ، أى : امتزجت بذا حتى صارتا اسما واحدا ، أما (ذا) فهو اسم إشارة ، والغرض منهما معا التعبير عن العدد المبهم ، أى : عدد ما.
ـ لا تكون فى صدر الجملة.
ـ تستعمل غالبا معطوفا عليها بتكريرها ، ويذكر أن هذا واجب.
ـ موقعها الإعرابى حسبما تتطلبه الجملة.
فتقول : اشتريت كذا وكذا كتابا. حيث (كذا) اسم مبنى دال على العدد في محل نصب ، مفعول به ، و (كذا) معطوف على الأول فى محل نصب. و (كتابا) تمييز لـ (كذا) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. ومنه قول الشاعر :
عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا |
|
كذا وكذا لطفا به نسى الجهد (١) |
قد تأتى (كذا) لغير العدد دالة على شىء ما ، فتقول : قال فلان كذا ، وتكون (كذا) مقول القول مبنيا فى محل نصب.
يذكر ابن عصفور : «وأمّا كذا فإن كنيت به عن الثلاثة إلى العشرة أو المائة أو الألف قلت : كذا من الدراهم ، وإن كنيت به عن أحد عشر إلى تسعة عشر قلت :كذا وكذا درهما ، وإن كنيت به عن عشرين أو ثلاثين إلى تسعين قلت : كذا درهما ، وإن كنيت به عن المعطوف من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين قلت :كذا وكذا درهما» (٢).
__________________
(١) الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ٣٩٠. (عد) فعل أمر مبنى على السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين ، وماضية : وعد ، يعد ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (النفس) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (نعمى) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (بعد) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو متعلق بالوعد. (بؤساك) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة المقدرة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه. (ذاكرا) حال من الضمير المستتر الفاعل منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (كذا) مفعول به مبنى فى محل نصب. (وكذا) عاطف ومعطوف مبنى فى محل نصب. (لطفا) تمييز لكذا منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (به) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالنسيان. (نسى) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول. (الجهد) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية فى محل نصب ، صفة للطف.
(٢) المقرب ١ ـ ٣١٤.
كأين
مثل (كم) الخبرية ، حيث تفيد الكثرة ، وهى اسم مثل (كم).
خصائصها فى التركيب :
ـ تلزم صدر الجملة.
ـ تمييزها يكون مفردا دائما.
ـ أكثر ما يكون تمييزها مجرورا بمن. وقد يرد منصوبا ، وكذلك فإنه يجب أن يكون نكرة.
ـ خبرها لا يكون إلا جملة.
ـ لا تقع مجرورة ولا استفهامية.
ـ موقعها الإعرابىّ حسب ما بعدها من طالب منصوب.
فتقول : كأيّن من رجل رأيت. والمعنى : كثيرا من الرجال رأيت ، حيث أفادت (كأين) الكثرة ، وتمييزها مفرد مجرور بمن ، وتعرب مفعولا به مبنيا فى محل نصب لرأيت ، وقد تجعلها مبتدأ مبنيا فى محل رفع ، خبره الجملة الفعلية (رأيت) ، وفيها ضمير محذوف فى محلّ نصب ، مفعول به يعود على رجل ، والتقدير : رأيته.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا) [آل عمران : ١٤٦](١). (كأيّن) اسم مبنى
__________________
(١) (كأين) اسم مبنى يدل على الكثرة فى محل رفع ، مبتدأ. (من نبى) جار ومجرور ، وهو تمييز لكأين. (قاتل) فعل ماض مبنى على الفتح. (معه) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالقتال. (ربيون) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ. (كثير) صفة لربيين مرفوعة ، وعلامة رفعها الضمة. (فما) الفاء : عاطفة تعقيبية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. ما : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (وهنوا) فعل ماض مبنى على الضم. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (لما) اللام : حرف جر مبنى لا محل له. ما : اسم موصول مبنى فى محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلقة بوهنوا. (أصابهم) فعل ماض مبنى على الفتح. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (فى سبيل) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالإصابة. (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وما ضعفوا) حرف عطف وحرف نفى وفعل ماض وفاعله. والجملة معطوفة على ما وهنوا. (وما استكانوا) مثل سابقتها.
دال على الكثرة فى محل رفع ، مبتدأ ، تمييزه (نبى) ، وهو مفرد مجرور ، وخبره الجملة الفعلية (قاتل ربيون).
وقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [يوسف : ١٠٥](١). (كأين) اسم دال على الكثرة مبنى فى محلّ رفع ، مبتدأ ، تمييزه المجرور (آية) ، وخبره الجملة الفعلية (يمرون).
ومثل ذلك قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها) [الحج : ٤٨].
ـ أما قوله تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها). [الحج : ٤٥]. ففيه (كأين) اسم للتكثير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، وقد تحتسب قضية اشتغال ، فتنصب (كأين) على أنها مفعول به لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور (أهلكنا).
ومما ورد من تمييزها المنصوب قول الشاعر :
اطرد اليأس بالرجا فكأيّن |
|
آلما حمّ يسره بعد عسر (٢) |
حيث (آلما) تمييز منصوب لكأيّن.
__________________
(١) (كأين) اسم مبنى يدل على الكثرة فى محل رفع ، مبتدأ. (من) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب يفيد الجنس. (آية) اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة ، وهو تمييز كأين. (فى السموات) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل جر ، صفة لآية. (والأرض) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. الأرض : معطوف على السموات مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (يمرون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر (كأين). (عليها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالمرور. (وهم) الواو : للابتداء أو للحال حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، هم : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (عنها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإعراض. (معرضون) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال.
(٢) شرح التصريح ٢ ـ ٢٨١ / ارتشاف الضرب ١ ـ ٣٨٦ / أوضح المسالك ٢ ـ ٢٥٩ / الأشمونى ٤ ـ ٨٥ آلم على وزن فاعل من ألم يألم حم : قدر. (اطرد) فعل أمر مبنى على السكون. وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت
بعض الكلمات الدالة
مما يكنى به عن العدد بعض الكلمات الدالة ، من مثل : بضع : البضع أى القطع ، و (بضع) إذا كنّى به عن العدد فإنه يطلق على الكسر المتقطع من العشرة ، ويقال لما بين الثلاثة إلى العشرة ، فهو كناية عن هذه الأعداد ، وقيل فيه غير ذلك ، ويستخدم مع العشرات دون المئات والألوف ، ويسرى عليه أحكام الأعداد من الثلاثة إلى العشرة. فيقال : حضر اليوم بضعة طلاب ، وبضع طالبات ، ومنه :
(فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف : ٤٢]. إذ (سنين) تمييز لبضع مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. كما يقال : أعتقد أن الحاضرين بضعة وعشرون رجلا ، وبضع وثلاثون امرأة.
وأنبه إلى أنه يمكن أن يكون من الكلمات الدالة على العدد (رهط ، وذود ، ونفر).
إذ الرهط يكون للقوم ، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، يدل على عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة ، وقيل : لا يكون فيهم امرأة ، ولكن لما كان رهط الرجل قومه وقبيلته وهما جامعان للرجال والنساء كان الأرجح أن الرهط كناية عن عدد من ثلاثة إلى عشرة ، يجمع بين الرجال والنساء. وبعضهم يقول إن الرهط من السبعة إلى العشرة ، حيث يجعلون النفر من الثلاثة إلى السبعة.
أما الذود فإنه يكون للقطيع من الإبل الثلاث إلى التسع ، وقيل : ما بين الثلاث إلى العشر ، وقيل : من ثلاث إلى خمس عشرة ، وقيل : إلى عشرين ، أو ما فوق ذلك ، ولا يكون إلا من الإناث دون الذكور. ومنها : النفر والنفير لمجموعة عددها أدنى من عشرة.
* * * *
الأسماء العاملة عمل الفعل
الأسماء العاملة عمل الفعل فى احتياجها إلى فاعل ؛ وجواز نصبها لمفعول به أو أكثر ـ على تباين بينها ـ إنما هى أسماء ؛ بعضها اسم محض ، يتمثل فى بعض الصفات المشتقة والمصادر ، والآخر أسماء للأفعال التى تدلّ عليها.
ونلحظ أن القاسم المشترك بين هذه الأسماء والأفعال الصريحة هو الدلالة على الحدثية ، والحدثية دلالة الفعل ، إلى جانب ما يمكن أن يكون فيها من جوانب معنوية أخرى ، تختلف باختلاف كل منها ، فى أداء ما وضع له فى اللغة من جوانب دلالية متعانقة.
والأسماء العاملة عمل الفعل هى :
ـ أسماء الأفعال.
ـ المصادر وأسماء المصادر.
ـ من الصفات المشتقة : اسم الفاعل ، صيغ المبالغة ، اسم المفعول ، الصفة المشبهة باسم الفاعل ، اسم التفضيل.
* * * *
أسماء الأفعال (١)
أسماء الأفعال كلمات وضعت فى اللغة على صيغ الأفعال ، كما تدلّ الأسماء على مسمياتها (٢) ، فإذا قلنا : إن (هيهات) اسم فعل ؛ فإنه يكون اسما للفظ الفعل (بعد) ، ويكون دالا عليه.
لكن ؛ لماذا لم تغن هذه الأفعال عن الأسماء الأفعال الدالة عليها ، بحيث تهمل فى الاستعمال اللغوى؟
يذكر ابن يعيش أن الغرض من أسماء الأفعال هو الإيجاز والاختصار ونوع من المبالغة ، «ووجه الاختصار فيها مجيئها للواحد والواحدة والتثنية والجمع بلفظ واحد ، وصورة واحدة» (٣).
فتقول : (صه) بمعنى (اسكت) يا زيد ، ويا زيدان ، ويا زيدون ، ويا هند ، ويا هندان ، ويا هندات.
ولكنك تقول بالفعل : اسكت ، واسكتا ، واسكتوا ، واسكتن ، واسكتا ، واسكتن على ترتيب المخاطبين المذكورين. ذلك إلى جانب معنى المبالغة الكامن فى (صه). فمعناه : اسكت سكوتا تاما ، أو كثيرا ... أو غير ذلك مما يدل على المبالغة.
فأسماء الأفعال أسماء نائبة عن أفعال ، ملاقية لها فى معانيها الحدثية وأزمانها (٤) ،
__________________
(١) يرجع فى هذه الدراسة إلى : الكتاب ١ ـ ٢٤٢ : ، ٢٥٣ ٤ ـ ٢٢٩ المقتضب ٣ ـ ٢٠٢ / المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٦٩ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ١٠١٤ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٢٥ المقرب ١ ـ ١٣٤ / التسهيل ٢١٠ ، ٢١١ / شرح ابن الناظم ٦١١ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٣٩ ، ٣ ـ ٩٨ / الجامع الصغير ٩٨ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٥ : ٢٠١ / الصبان على الأشمونى على ألفية ابن مالك ٢ ـ ١٩٤.
(٢) شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٢٥.
(٣) الموضع السابق.
(٤) للنحاة فى حد أسماء الأفعال أقوال ، هى :
ـ أسماء للألفاظ النائبة عن الأفعال. وهو رأى جمهور البصريين.
ـ أسماء نائبة عن معانى الأفعال من الأحداث والأزمنة ، وذهب إليه جماعة البصريين
ـ أسماء للمصادر النائبة عن الأفعال ، وذهب إليه جماعة من البصريين.
ـ هى أفعال ، وهو قول الكوفيين. ـ كما اختلفوا فيما بينهم فى كونها فى محل رفع بالابتداء ، وأغنى مرفوعها عن الخبر ، أو فى محل نصب بأفعالها النائبة عنها ، أو لا محل لها من الإعراب. ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ١٩٥.
ولا موضع لها من الإعراب (١) ، ويقصد بها الاختصار والإيجاز وضرب المبالغة.
أى أسماء الأفعال أسماء لمسميات هى أفعال ، ولذلك فإنها تنوب عن هذه الأفعال فى معانيها وأزمانها وعملها.
ومنهم من يجعل أسماء الأفعال خالفة الفعل ، أى : خليفته ونائبه فى الدلالة على معناه (٢). وهو ما يتفق مع التحليل السابق.
الفرق بينها وبين الأسماء والأفعال :
ذكرنا أن أسماء الأفعال ليست بأسماء محضة.
وهى تفترق عن الأسماء فيما يأتى :
أ ـ لا تتصرف أسماء الأفعال تصرف الأسماء ، حيث لا تكون مبتدا ، ولا فاعلا ، ولا مفعولا ، ولا تقع فى أى موقع إعرابى ، وقد ذكرنا أنها ـ على الوجه الأرجح ـ لا محل لها من الإعراب.
ويستشهد بعض النحاة على تصرّفها بقول ربيعة بن مقروم الضبى :
فدعوا نزال فكنت أول نازل |
|
وعلام أركبه إذا لم أنزل (٣) |
حيث اسم الفعل (نزال) فى ظاهر التركيب فى موقع المفعولية للفعل (دعا).
__________________
(١) للنحاة أقوال فى إعرابها ، وهى ـ إلى جانب الرأى المذكور ـ وهو الأرجح ، وهو أنه لا محل لها من الإعراب :
ـ أنها فى موضع نصب بمضمر ، وهو ما ذهب إليه المازنى ومن وافقه.
ـ أنها فى موضع رفع بالابتداء ، ومرفوعها سد مسد الخبر.
ينظر : الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٩٦.
(٢) ينظر : الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٩٦.
(٣) شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٢٧ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٣٩.
وبقول زهير :
ولنعم حشو الدرع أنت إذا |
|
دعيت نزال ولجّ فى الذعر (١) |
حيث (نزال) اسم فعل ، وهو فى ظاهر التركيب فى موقع نائب فاعل.
وجاء فى شرح المفصل لابن يعيش (٢) : «فلو كانت (نزال) بما فيها من الضمير جملة لما جاز إسناد (دعيت) إليها ، من حيث كانت الجمل لا يصح كون شىء منها فاعلا ، وإنما لم يصح أن تكون الجملة فاعلا لأن الفاعل يصح إضماره ، والجملة لا يصح إضمارها ؛ لأن المضمر لا يكون إلا معرفة ، والجمل ممّا لا يصح تعريفها من حيث كانت معانى الجمل مستفادة ، ولو كانت معرفة لم تكن مستفادة ، فلما تدافع الأمران فيها وتنافيا لم يجتمعا».
فهذا كلّه من قبيل الإسناد اللفظى ، أى : عن طريق الحكاية ، حيث يكون الصواب الذى عليه جمهور النحاة أن أسماء الأفعال لا يسند إليها ، فلا تقع فى موقع المسند إليه.
ويذهب سيبويه إلى أنها لا تتصرف تصرف الأسماء ، ويذكر : «لم تصرف تصرف المصادر ؛ لأنها ليست بمصادر» (٣).
ب ـ نعلم أن الأسماء لا تستقلّ بالفائدة بنفسها ، كما لا تستقل بالحرف ، وإنما لا بدّ للاسم من اسم آخر أو فعل ؛ كى يعطى فائدة معنوية مقصودة من تحقيق اللغة.
لكنّ أسماء الأفعال تستقلّ بالفائدة بنفسها ؛ لأنها وإن كانت اسما فهى اسم لفعل ، فتضمنت فاعلا : إما مضمرا ، وإما مظهرا يجب ذكره ، فتقول : صه ، إيه ، نزال ، تراك ، فيفهم معنى بين طرفى الحديث.
__________________
(١) شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٢٦.
المخصوص بالمدح (أنت) وهو مبتدأ مؤخر ، خبره المقدم جملة المدح (نعم حشو الدرع) ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر لمبتدإ محذوف. ومعناه : نعم لابس الدرع أنت إذا اشتدت الحرب. (نزال) اسم فعل أمر بمعنى انزل ، مبنى على الكسر ، لا محل له من الإعراب وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
(٢) ٤ ـ ٢٦ ، ٢٧.
(٣) الكتاب ١ ـ ٢٤٢ ، ٢٤٣.
ج ـ لا تجر أسماء الأفعال ما بعدها ، كما أنها لا تجرّ ، ولا يدخل عليها حروف الجر ، والجرّ من خصائص الأسماء.
يذكر سيبويه : «وهى أسماء الأفعال ، وأجريت مجرى ما فيه الألف واللام ، نحو : النّجاء ؛ لئلا يخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الأمر والنهى» (١). ويفهم من ذلك أن أسماء الأفعال تعامل معاملة ما فيه الألف واللام ، فلا يضاف إليها ما بعدها ، ويظل مثل ما يكون عليه ما بعد الأمر والنهى ، وهو النصب ، فلا يخفض.
كما أنّ أسماء الأفعال ليست بأفعال فى كلّ خصائص الفعل :
وإنما تفترق عنها فيما يأتى (٢) :
أ ـ يلزم اسم الفعل البناء مطلقا على ما وضع عليه ، وإن اختلف بين ما يدل على الفعل الماضى والمضارع والأمر.
ومن ذلك : شتّان بمعنى افترق ، دالّا على الماضى ، وأفّ بمعنى أتضجّر ، دالا على المضارع ، ووى بمعنى أعجب ، دالا على المضارع ، ومه بمعنى انكفف ، دالا على الأمر ، وكلها مبنية حال المضى والمضارعة والأمر.
ب ـ يتجرد اسم الفعل من عوامل النصب والجزم التى يمكن أن تدخل على الفعل المضارع.
فمثلا : (أفّ) بمعنى (أتضجر) ، الأول اسم فعل مضارع ، والثانى فعل مضارع ، يقبل دخول أدوات النصب والجزم عليه ، فيقال : لم أتضجّر ، على الجزم ، ولن أتضجر ، على النصب. وليس هذا فى اسم الفعل.
ج ـ من أسماء الأفعال ما ينون ، نحو : واها ، أفّ ، من ذلك قول أبى النجم العجلى :
__________________
(١) الكتاب ١ ـ ٢٤٢.
(٢) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ٢٤١ : ٢٥٣ ٤ ـ ٢٢٩ / المقتضب : ٣ ـ ٢٠٢ / التسهيل ٢١٠ ، ٢١١ / المقرب ١ ـ ١٣٢ : ١٣٤ / الجامع الصغير ١٤٨ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٥ : ٢٠١.
واها لسلمى ثم واها واها |
|
هى المنى لو أننا نلناها (١) |
حيث (واها) اسم فعل مضارع ، بمعنى أعجب ، وهو منون ، والتنوين من خصائص الأسماء ، ولا يدخل الأفعال.
ومنه قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء : ٢٣].
د ـ من أسماء الأفعال ما ينوّن فرقا بين المعرفة والنكرة ، فإذا قلت : صه ، بمعنى اسكت ـ مبنيا على السكون ـ فإنه يكون معرفة ، فإذا نطقته منونا بالكسر ؛ فقلت : صه ؛ كان نكرة.
والتنكير والتعريف يكونان للمصدر الذى هو أصل كل فعل أو اسمه ، ويكون (صه) منونا يعنى : اسكت سكوتا ، أى : مطلق السكوت عن كل كلام ، إذ لا تعيين فيه. أما بغير التنوين فيعنى السكوت المعهود المعيّن.
ه ـ لا يؤكّد اسم الفعل بالنون ، ثقيلها وخفيفها ، وإلحاقها ـ خفيفة وثقيلة ـ فى لغة بنى تميم بكلمة (هلمّ) بسبب أنها عندهم (٢) ، وليست باسم فعل.
و ـ لا يجوز حذف اسم الفعل فى أى تركيب ، حيث لا يعمل اسم الفعل مضمرا ، وهذا على غير ما درس فى قضية الحذف فى الجملة الفعلية ، حيث جواز حذف الفعل فى بعض التراكيب.
ز ـ لا يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه ، وذلك جائز مع الفعل.
أما قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] ، بنصب (كتاب) ، فإنه يؤول على ثلاثة أوجه (٣) :
ـ أن يكون منصوبا بإضمار فعل ، تقديره : الزموا ، ويكون شبه الجملة (عليكم) متعلقة بالمصدر (كتاب) ، أو فى محل نصب ، حال من كتاب.
__________________
(١) ينظر : المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٥١ / ضياء السالك ٣ ـ ٣٨ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٧ / الصبان على الأشمونى ٣ ـ ١٩٨.
(٢) يرجع إلى : الكتاب ٣ ـ ٥٢٩ المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٤٤.
(٣) يرجع إلى : إملاء ما منّ به الرحمن ١ ـ ١٧٤ / البيان ١ ـ ٢٤٨ / الإنصاف م ٢٧ / الدر المصون ٢ ـ ٣٤٥.
ـ أن يكون منصوبا على المصدرية ، حيث يتأول بمصدر حذف عامله ، والتقدير : كتب ذلك كتابا الله ، ثم أضيف المصدر إلى فاعله. وشبه الجملة تكون متعلقة بالمصدر ، أو بالفعل المحذوف.
ـ يذهب الكوفيون ـ وعلى رأسهم الكسائى ـ إلى أنه إغراء ، ويكون (كتاب) منصوبا على الإغراء بشبه الجملة ، ويستدلون بذلك على جواز تقدم معمول اسم الفعل عليه.
ومثله قول الراجز (١) :
يا أيّها المائح دلوى دونكا
أى : خذ دلوى ، فتكون (دلوى) مفعولا به لفعل محذوف ، يقدر من معنى اسم الفعل (دونك).
ويجوز أن يمثل (دلوى دونك) جملة اسمية ، من مبتدإ فخبر شبه جملة.
ح ـ لا يجوز إظهار الضمير مع اسم الفعل أى : ضمائر الرفع البارزة.
ويعلل لذلك بأنها أسماء ، وليست على الأمثلة التى أخذت من الفعل (٢).
وعند ما يظهر ضمير الرفع مع أحدها ينتقل إلى الأفعال ، كما هو فى اسم الفعل (هلمّ) ، حيث لا يظهر معه ضمائر الرفع ، فيكون فاعله ضميرا مستترا عند الحجازيين ، ولكنه عند بنى تميم يظهرون معه ضمائر الرفع ، فيقولون : هلمّى ، هلمّا ... ؛ لذلك فإنه اسم فعل عند الحجازيين ، وفعل عند بنى تميم.
ط ـ لا يجوز لاسم الفعل الطلبى أن ينصب الفعل المضارع الواقع فى جوابه كما هو فى الأفعال ، حيث يجوز : زرنى فأكرمك. (أكرم) مضارع منصوب ؛ لأنه بعد فاء السببية الواقعة جوابا للطلب بالفعل الأمرى (زر) ولا يجوز القول : صه فأحدثك ، حيث (صه) اسم فعل ، فلا يجوز نصب المضارع فى جوابه خلافا للكسائى ، حيث أجاز نصب المضارع فى هذا الموضع.
__________________
(١) ضياء السالك ٣ ـ ٣٣٤ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٠٠ / الصبان على الأشمونى ٢ ـ ٢٠٦.
(٢) ينظر : الكتاب ١ ـ ٢٤٢ / ٣ ـ ٢٨٠.
ولكن يجوز أن يجزم المضارع الواقع فى جواب الطلبى منه.
ى ـ لا تتصرف تصرف الأفعال ، حيث إنها لا تتصرف فى نفسها ولا فى معمولها ، بل تلزم ما وضعت عليه من لفظ (١) ، فلا يتصرف أحدهما بين الماضى والمضارع والأمر ، وإنما يكون لما وضع له من أحد هذه الأزمنة والمعانى.
ك ـ من أسماء الأفعال ما يخالف أوزان الأفعال ، نحو : نزال ، وقرقار.
ومنها ما هو شبه جملة ، نحو : إليك ، عليك ، دونك ، أمامك.
الأثر النحوى لاسم الفعل :
نستنتج مما سبق أن اسم الفعل ينوب عن الفعل الذى وضع اسما له فى المعنى والعمل النحوى والزمن ، إن ماضيا ، وإن مضارعا ، وإن أمرا ، وهو مبنى دائما ، فهو كصيغتيه التى وضع عليها لأداء دلالات محددة ، ولا يتأثر بالعوامل النحوية التى تؤثر فى الفعل ، ولا يكون فضلة لأنه لا يماثل الحروف ، ولذا فهو اسم فعل ، ويعمل عمل مسماه الفعلى ، ويعرب إعرابه ، لكن بالبناء على ما ينطق عليه.
ففى قول جرير :
فهيهات هيهات العقيق ومن به |
|
وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (٢) |
حيث (هيهات) اسم فعل بمعنى (بعد) ، فيكون اسم فعل ماضيا ، وفاعله (العقيق) ، و (خل).
__________________
(١) ينظر : المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٣٩.
(٢) المقرب ١ ـ ١٣٤ / المساعد على التسهيل ٢ ـ ٦٤٠ / ضياء السالك ٣ ـ ٣٢٣ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٩. (هيهات) اسم فعل ماض مبنى على الفتح. (هيهات) توكيد لفظى. (العقيق) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ومن) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. من : اسم موصول مبنى ، فى محل رفع بالعطف على العقيق. (به) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة صلة لا محل لها من الإعراب. (وهيهات) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (هيهات) اسم فعل ماض مبنى ، لا محل له من الإعراب. (خل) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (بالعقيق) جار ومجرور ، وشبه الجملة فى محل جر ، نعت لخل ، ويجوز أن تتعلق بالوصول. (نواصله) فعل مضارع مرفوع. وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. الجملة الفعلية فى محل رفع ، نعت ثان لخل. أو نعت لخل ، أو فى محل نصب ، حال من خل ، إذا جعلنا شبه الجملة نعتا.
يعمل اسم الفعل عمل فعله فى التعدى واللزوم ، ويستثنى من ذلك اسم الفعل (آمين) ، فهو لا يتعدى ، وفعله (استجب) متعد.
تقول : دراك القطار ، فيكون (القطار) مفعولا به ؛ لأن (دراك) اسم فعل للفعل (أدرك) ، وهو متعد.
ولكنك تقول : صه ، فيكون لازما ، ولا يتعدى ؛ لأنه اسم فعل بمعنى (اسكت) ، وهو لازم.
ويقال : بله زيدا ، أى : اترك ، عليك الصديق الأمين ، أى : الزم. فيتعدى كل منهما.
كما يقال : أفّ لكم ، أى : أتضجر ، إيه ، أى : امض فى حديثك ، فيكون كلّ منهما لازما.
وإذا كان الفعل المسمى لاسم الفعل لازما تارة ، ومتعديا تارة أخرى فإن اسم الفعل يكون كذلك ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) [الأنعام : ١٥٠] ، أى : أحضروهم ، فيتعدى اسم الفعل (هلمّ) كما تعدى الفعل المسمى به وهو (أحضر) ، ويكون (شهداء) مفعولا به لاسم الفعل.
وقال تعالى (هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨] ، أى : أقبلوا أو ائتوا ، فيكون لازما كما كان (أقبل) لازما. ويلحظ أن كلا من الفعل اللازم واسمه يتعدى بالحرف نفسه.
وتقول : هلمّ سعدا ، أى : أحضر ، فيكون (سعدا) مفعولا به منصوبا بـ (هلمّ).
كما أنه يجزم الفعل المضارع الواقع فى جواب اسم الفعل الطلبى ، وقد ذكرنا أنه لا يجوز فيه النصب ، خلافا للكسائى. فتقول نزال أكرمك ، حيث (نزال) اسم فعل أمر مبنى على الكسر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (أنت) ، فاسم الفعل (نزال) طلبى ، فجاز جزم المضارع فى جوابه (أكرم).
وتقول : عليك المحسن تنل برّه. مكانك تسترح (١).
__________________
(١) ينظر : المساعد على التسهيل ٣ ـ ٩٨.
ومنه قول الشاعر :
وقولى كلّما جشأت وجاشت |
|
مكانك تحمدى أو تستريحى (١) |
حيث جزم الفعل (تحمدى) ، وعلامة جزمه حذف النون ؛ لأنه وقع فى جواب اسم الفعل الأمرى (مكانك) ، وهو بمعنى (اثبتى). وتقدير الكلام : الزمى مكانك إن تثبتى تحمدى.
أقسامها من حيث معناها
أسماء الأفعال أسماء متوارثة فى اللغة ، ولا يجوز التصرف فيها ، كما لا يجوز القياس عليها إلا ما كان منها قياسيا ، كما سنوضح ، وأسماء الأفعال من حيث ما وجدت عليه بنائيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام (٢) ، سنذكرها فيما يأتى ؛ مع ذكر مسمّى كل منها من فعل.
أولها : ما وضع كذلك من أول أمره :
يطلق على هذا القسم (المرتجل) ، حيث إنه يضمّ أسماء الأفعال التى وضعت على البنية التى توورثت عليها ، دون تغيير فى بنيته ، إلا ما كان من أثر للخلاف اللهجى فى استعمالها ، وبه تتعدد لهجات أحدها ، أو تنحرف بعض بنيته.
وأسماء أفعال هذا القسم هى :
شتّان (٣) : (بفتح ففتح مشدد طويل ففتح) ، بمعنى : افترق. وكان الفراء يكسر نونها.
ومنه قول لقيط بن زرارة :
شتّان هذا والعناق والنوم |
|
والمشرب البارد فى ظل الدوم (٤) |
__________________
(١) الجامع الصغير ١٤٩ / شرح الشذور ، رقم ٣٤٥.
(٢) شرح التصريح ١ ـ ١٩٧.
(٣) مأخوذ من الشت ، وهو التفرق والتباعد.
(٤) شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٣٦ / شرح الشذور ٣ ـ ٤.
حيث (شتّان) اسم فعل ماض مبنى على الفتح ، لا محل له من الإعراب ، (هذا) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، فاعل ، (والعناق) عاطف ومعطوف على الفاعل.
و (شتان) يستلزم فاعلا مكونا من جزأين ؛ لأن التفرق والتباعد يكون بين شيئين ، كما نرى فى البيت السابق ، حيث الفاعل معطوف ومعطوف عليه.
ويصح أن يكون الفاعل ما يدل على بعد بين طرفين ، فإذا كان واحدا فهو واحد بين شيئين ، ويعدّ بمثابة جزأين ، ومن ذلك قول ربيعة الرقى :
لشتّان ما بين اليزيدين فى الندى |
|
يزيد سليم والأغرّ بن حاتم (١) |
حيث الفاعل اسم موصول (ما) ، وهو يدل على بعد بين شخصين.
وكان الأصمعى ينكر ما جاء على مثال : شتان ما بين زيد وعمرو ، لكنه يمكن قبول ذلك طبقا للتفسير السابق ، واحتجاجا بقول الشاعر المذكور ، واستحضارا للجانب الدلالى الذى يؤديه التركيب ، وملاءمته للدلالة الذاتية لشتان. يذكر ابن يعيش : «والقياس لا يأباه من جهة المعنى ؛ لأنه إذا تباعد ما بينهما فقد تباعد كلّ واحد منهما من الآخر» (٢).
وأنبه إلى أن التثنية تتحقق فى فاعل (شتان) أو فى متعلقه عن طريق التثنية الصريحة ، أو العطف بالواو ، لكن استخدام حرف عطف غير الواو لا يصح.
ومثل ما سبق قول الأعشى (ميمون بن قيس) :
شتّان ما يومى على كورها |
|
ويوم حيّان أخى جابر (٣) |
__________________
(١) الكامل ١ ـ ٢٧٠ / الأغانى ١٤ ـ ٣٨ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٣٨ / شرح الشذور ، رقم ٢١٥.
(٢) شرح المفصل ٤ ـ ٣٨.
(٣) المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٥٧٥ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ١١٦٠ / شرح المفصل ٤ ـ ٣٧ / المقرب ـ ١ ـ ١٣٣ شرح الشذور ٤٠٣ / شرح التصريح ٢ ـ ١٩٩.
الكور : الرحل ، والضمير يعود على الناقة. والمعنى : أن يوميه لا يستويان. اليوم الأول يوم ركوبه الناقة ، والآخر وهو بجوار حيان ، فبينهما افتراق ، الأول سفر وتعب والثانى لهو ومرح.
ويجعلون (ما) فى هذا الموضع زائدة ؛ لأنها لا تحقق فاعلا ذا جزأين ، أو طرفين ، يحققان دلالة شتان ، لكن الثنائية تبدو فى يومين (يومى ، ويوم حيان).
ويذكر أن الزمخشرى قد قيد الافتراق بكونه فى المعانى والأحوال ، ويمثلون لذلك بالعلم والجهل والصحة والسّقم ، ولا تستعمل فى غير ذلك ، فلا يقال : شتّان الخصمان عن مجلس الحكم ، ولا شتان المتبايعان عن مجلس العقد ، بمعنى افترقا (١).
هيهات : (بفتح فسكون ففتح طويل فتح) : بمعنى : بعد. وفيها تثليث التاء بدون تنوين ، وبالتنوين ، وفيها : هيها (بحذف التاء). وهيهات (بسكون التاء) ، وهيهان ، وأيهات (بالفتح ، وبتنوين الفتح ، وبالكسر) ، وأيها ، وأيهاك ، (وفيها لغات أخرى (٢) ، تصل إلى ست وثلاثين.
حيث يذكرون لغات ستا منها ، هى : هيهات ، أيهات ، هيهان ، وأيهان ، وهيهاه ، وأيهاه ، وكلّ منها مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته وكل واحدة منها منونة وغير منونة (٣).
ومنه قول جرير :
هيهات منزلنا بنعف سويقة |
|
كانت مباركة من الأيام (٤) |
وفيه رواية : أيهات (٥).
وقوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) [المؤمنون ٣٦].
(هيهات) اسم فعل ماض مبنى ، لا محلّ له من الإعراب ، (هيهات) الثانية توكيد لفظى. وفاعل (هيهات) :
__________________
(١) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ١٩٦.
(٢) شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٦٧ / التسهيل ٢١١.
(٣) ينظر : الأشمونى على الصبان ٣ ـ ١٩٩.
(٤) ينظر : الكتاب ٤ ـ ٢٠٦ / الخصائص ٣ ـ ٤٣ / شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٦٧ / الدر المصون ٥ ـ ١٨٤. نعف سويقة : موضع.
(٥) شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٣٦.