الحوار مع الزنادقة
في عصرهِ شاعَ حديثُ الزندقه |
|
تنشرهُ أهلُ الهوى والفسقه |
قد زلزلوا عقيدةَ الضعافِ |
|
وطرحوا مسائلَ الخلاف |
فأنكروا التوحيدَ والمعادا |
|
وخادعوا الرحمنَ والعبادا |
وعقدوا مجالساً للجدلِ |
|
مع الإمامِ الصادقِ المبجلِ |
لكنهُ حاورهم بصدقِ |
|
وردّهم بحكمةٍ ورفقِ |
مبيناً أدلةَ الوجودِ |
|
ومثبتاً حقيقةَ التوحيدِ |
حتى غدوا أضحوكةَ الزمانِ |
|
وعبرة القاصي ودرس الداني |
قد خالفوا طبيعة الانسانِ |
|
كابن أبي العوجاءِ والديصاني |
فيالهم من عصبةٍ مغروره |
|
تشوهت أرواحهم والصوره |
قد حذّر الإمامُ منهم صحبه |
|
ففتح الكلُ اليهِ قلبه |
مستمعين وعظهُ بالاي |
|
مستلهمين حكمةَ في الراي |
امامهم قد اسكت الزنادقه |
|
وعجزت بالفكرِ ان تلاحقه |
فخضعت له الرقابُ طوعا |
|
وامتلأت تلك العيونُ دمعا |
من خشية الرحمنِ والجبارِ |
|
وآمنت بسادس الأطهار (١) |
__________________
(١) شاعتْ في أيام إمامة الصادق عليهالسلام
مقولات الزنادقة ، والوثنيين ، وأهل الزيغ من مختلف الديانات والملل الأخرى ، مستغلين فسح المجال لهم من قبل السلطات الجائرة آنذاك ، فكُثرتْ هذه المقولات ، وكثر أهل التعطيل والزندقة من أمثال عبد الكريم بن أبي
العوجاء
=
__________________
=
وأبي شاكر الديصاني ، وابن المقفع الفارسي ، وأهل التنجيم والفلك ممّن مُسختْ نفوسهم.
وقد تصدّى إمامنا الصادق عليهالسلام ومجموعة من خلص صحابته ممّن عُرف بالجدل ، وعلم الكلام ، والفلسفة ، وقوة المنطق ، كهشام بن الحكم وغيره ، وقد أوردت جملة من المصادر المُعتبرة الشيء الكثير من هذه المقولات ، والمجادلات ، والاحتجاجات التي نافح فيها الإمام عليهالسلام وتلاميذه عن عقيدة التوحيد واصول الدين كالمِعاد وبعض القضايا الشائكة كقضية التناسخ ، والكثير من مجالس الرد على أهل الفلك والتنجيم.
وكان عليهالسلام يتمتع بأدب الحوار والحكمة في الجدل والصبر على جهل الجاهل ، وينقل عن أحد الملحدين انه قال للمفضل بن عمر بعد ان رأى منه حدّة في الكلام :
يا هذا إن كنت من اهل الكلام كلمناك ، فإن ثبت لك حجّة تبعناك ، وان لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من اصحاب جعفر بن محمد فما كان هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادل فينا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت ، فما أفحش في خطابنا ، ولا تعدى في جوابنا ، وأنه للحليم الرزين ، العاقل ، الرصين ، لا يعتريه خرق ، ولا طيش ولا نزق ، يسمع كلامنا ، ويصغي الينا ، ويتعرف حجتنا ، حتى اذا استفرغنا ما عندنا وظننا اننا قطعناه ، أدحض حجّتنا في كلام يسير ، وخطاب قصير يُلزمنا به الحجة ، ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه رداً ، فان كنت من اصحابه فخاطبنا بمثل خطابه. الطبرسي ، الاحتجاج٢ / ٦٩.
المعتزلة والاشاعرة
وكثرت في عهده الآراءُ |
|
واتبعت بذلك الاهواءُ |
فمنهمُ من قال باعتزالِ |
|
ومنهم أرجأَ بالأفعال |
وبعضُهم قد أول الكتابا |
|
مرتبكاً في نهجهِ مرتابا |
وجادلت في عصرهِ الاشاعرة |
|
مقلّدين للنصوص الظاهره |
قد اغلقوا العقولَ والافهاما |
|
واتعبوا في ذلك الإماما |
فيالها من فتنةٍ مخوفه |
|
من يثربٍ تمتد حتى الكوفه |
وقد تحدى الصادق الافكارا |
|
وردها بحكمةٍ مرارا (١) |
* * *
__________________
(١) وكما ذكرنا من قبل ، فقد شاعت في عهد الإمام الصادق عليهالسلام وربما هذه كيد عملته السلطة الحاكمة لأضعاف مدرسة أهل البيت عليهمالسلام مقالات المعتزلة التي لا تعترف سوى بإمامة العقل رغم قصره ومحدوديته ، والذين عطّلوا أصل العدل ، وكذلك مقالات اهل الارجاء وشيوع مذهب الاشاعرة الذين يعملون بظاهر النصوص ولا يؤمنون بتطور العقول ، ثم اغلقوا باب الاجتهاد ، كما كُثرتْ مقالات التشبيه ، التعطيل ، ممّا أدى الى خلق فتنة أثّرتْ على ذوي العقول الضعيفة ، وبسطاء الناس ، ولهذا شرع الإمام الصادق عليهالسلام للتصدي لهذه المقالات وأربابها بعد شيوع وانتشار مقالاتهم في المدينة ، والعراق ، وسائر الامصار الاسلامية ، واستطاع ببرهانه النيّر ، وقوة جدله من إفحام الخصوم ، وإعلاء كلمة التوحيد.
عصر الإمام الصادق عليهالسلام
وعاش عصرَ جعفرِ المنصور |
|
وهو لعمري سُبةُ العصورِ |
الظلمُ فيه مَعلم الخلافه |
|
والعدلُ في أكنافه مخافه |
كم ظُلمت فيه من العبادِ |
|
وانهدمت دعائمُ الرشادِ |
فيه بنو الزهراءِ ظلماً شُرّدوا |
|
وعذبوا أو سجنوا واستشهدوا |
وهدّمت بيوتهُم بظلمِ |
|
وسفكت دماؤُهم بجرمِ |
ومنعوا من حقهم إجحافا |
|
وولغوا في دمهم إسرافا |
والصادقُ الإمامُ كان ينظرُ |
|
لما جرى لأهلهِ ويصبرُ |
فقال فيه الظالم المنصورُ |
|
هذا الشجى والعلقمُ المريرُ |
لكنه أعلمُ أهلِ العصرِ |
|
بحكمةٍ موروثةٍ وفكرِ |
وراح يحتالُ له بمكرِ |
|
بحيلةٍ ممزوجةٍ بغدرِ |
محاولاً تخليدهُ في السجن |
|
فسامهُ ظلماً بألفِ لونِ |
يُرسلُ خلفَ داره العيونا |
|
متابعاً لخطوهِ سنينا |
علَّ يرى من الإمام زلّه |
|
فيستبيحَ سجنه وقتله |
فكان وعدُ الله خيرَ حامي |
|
لشيعةِ الحق وللامامِ |
من زمرةٍ تكيدُ ما تكيدُ |
|
قلوبها حاقدةٌ وسودُ |
لكنه كان يقولُ ديني |
|
تقيةٌ من العدى تقيني |
فحارت العقول في أوصافهِ |
|
وحارت القلوب في ألطافهِ |
وكيف لا وهو ابنُ خيرِ الرُسلِ |
|
وكيف لا وهو ربيبُ الفضلِ (١) |
* * *
__________________
(١) تواترتْ أخبار دولة بني العباس ، ولا سيما أيام المنصور العباسي فيما فعلتهُ بالناس من الظلمِ ، والجور ، والقتل ، والتشريد ، ولا سيما في حق آل أبي طالب عليهمالسلام فقد ذكر السيوطي في ترجمة المنصور : وكان المنصور فحلُ بني العباس وفيه طغيان وجبروت حيث قتل خلْقاً كثيراً حتى استقام ملكه. تاريخ الخلفاء / ٢٥٩.
وأخرج السيوطي ايضاً عن عبد الصمد بن علي أنه قال : قلت للمنصور : لقد هجمتَ على آل ابي طالب كأنك لم تسمعْ بالعفو وصلة الرحم ! فقال لي : إن آل أبي طالب لم تُغمد سيوفهم طوال الدهر ، وقد رأونا بالامس سوقةً واليوم خلفاء ، فلا تتمهدْ هيبتنا في صدورهم ويستقيم سلطاننا إلّا باستعمال العقوبة معهم. تاريخ الخلفاء / ٢٦٧.
وذكر الشيخ عباس القمّي : وإجمالاً فقد كان المنصور رجلاً دموياً فتّاكاً نصب للامام الصادق عليهالسلام اشدّ العداوة حتى استدعاه مراراً ليبطشَ به أو كاد ، وأخيراً دسّ له السمّ ومضى عليهالسلام شهيداً مظلوماً.
وخيرُ ما نتمّم به حديثنا في هذا المجال ما ذكره د. حسين فاضل العاني : لقد خلّف المنصور لولده المهدي من بعده خَزانة مملوءة من رؤوس العلويين. سياسية أبي جعفر المنصور / ٢٩.
وكم عانى أمامنا من ظلم هذه الطاغية وكثرة مراقبته له ، والتشديد عليه من قبل جلاوزته ، حتى كان عليهالسلام يعمل هو وأصحابه بمبدأ التقية ، وهو القائل : « التقية ديني ودين آبائي » والتقية استعمال الحكمة في مواجهة الإخطار حفظاً للنفس الحاملة للعقيدة والمبدأ ، وكان عليهالسلام قد نجا مراراً من بطشه بفضل لطف الله سبحانه ، وهكذا وبعد أن حمله مُكرهاً من بلد آبائه وأجداده الى بغداد ، وبعد عذابات القتل والتشريد التي رآها الإمام عليهالسلام في أهل بيته وابناء عمومته سقط عليهالسلام تحت رحمة هذا الطاغية ليُسقيه سُماً زُعاقاً ليلتحق بعد ذلك بآبائه وأجداده شهيداً مظلوماً.
شعر السيد الحميري
فالحميريُ قالَ فيه شعرا |
|
كأنهُ قلّدَ فيه الدُرا |
فقال كالسحابِ كان جعفرُ |
|
وكفهُ تعجزُ عنها الأبحرُ |
الارضُ ميراثٌ له والناسُ |
|
وعزمهُ وعلمهُ والباسُ |
فيه الخلاصُ من عذابِ النارِ |
|
ويوم يُدعى الناسُ للجبارِ |
إني تجعفرتُ وذاك فخرُ |
|
فهو امام ملهمٌ وحَبرُ (١) |
__________________
(١) السيّد الحميري هو اسماعيل بن محمد بن زيد بن ربيعة من حمير ، ومن قبيلة قحطانية ، وبهذا لم يكن هذا الشاعر سيداً علوياً ولا هاشمياً وإنما هو لقبٌ أطلق عليه لأنه سيّد شعراء أهل البيت عليهمالسلام بعد الكُميت ودعبل ، لقد تعرض هذا الرجل الجليل لحملةٍ شعواء قديماً وحديثاً ، حيث نَسبت اليه ظلماً تهمة شرب الخمر ، وتهمة اعتناقه عقيدة باطلة وغير ذلك ، وقد تصدى جملة من كبار علمائنا للدفاع عنه بأعتباره صوتاً علوياً يريدون إخماده كما فعلوا ذلك مع غيره.
قال السيد حسن الصدر : .. وقد أكثر الناسُ الوضعَ والكذب عليه ونسبوه الى الفسوق ، والوجه الظاهر عندي أنه كان أول أمره كيسانياً ثم استبصر على يد الإمام الصادق عليهالسلام وهو القائل :
تجعفرتُ بأسم الله واللهُ أكبرُ |
|
وأيقنتُ أن الله يعفو ويغفرُ |
ودنتْ بدينٍ غيرَ ما كنتُ رائياً |
|
هداني اليه سيدُ الناس جعفرُ |
وقال الشيخ المفيد : وقد رجع السيد الحميري عن القول بمذهب الكيسانية لمّا بلغه إنكار الإمام الصادق عليهالسلام مقاله ودعا له بالهداية فقال حينئذ :
=
__________________
=
أيا راكباً نحو المدينة جسرةً |
|
غذافرةً تُهدي بها كل سبسبِ |
إذا ـ ما هداك الله ـ عاينتَ جعفراً |
|
فقل يا أمينَ الله وابنَ المُهذبِ |
إليك رددت الأمر غيرَ مُخالفٍ |
|
وفئت الى الرحمن من كل مذهب |
سوى ما تراه يابن بنتِ محمدٍ |
|
فان بها عهدي وزُلفى تقربي |
الى أن قال :
وأشهد ربي أنّ قولكَ حجةٌ |
|
على الخلق طُراً من مطيعٍ ومذنبِ |
الارشاد / ٢٨٣.
وقال السيد ابن معصوم : كما نسبوا للسيد الحميري أنه كان كيسانياً فقد نسبوا نفس القول الى كثيّر ونسبوا له ابياتاً في هذا الغرض ، وأغلبُ الظن أنهما رجعا عن ذلك وتابا. الدرجات الرفيعة / ٥٨٩.
وقد حضر الصادق عليهالسلام وفاته وبشره بالجنة. وينسب إليه هذا القول في حق السيد الحميري : دعوه فإنه إن زلت له قدم ثبتت له أخرى.
تدوين العلوم
وقد مضى الصادقُ يوُصي صحبه |
|
ان يحفظوا حديثَهُ وكتبه |
يقول لا بدَّ بأن تُدونا |
|
علومكم كي تتحدى الزمنا |
ونسبت كتبٌ اليه جمّه |
|
فهو لعمري وارثُ الائمه |
فجفرهُ الاحمرُ والمصباحُ |
|
وجعفريات الهدى الصحاحُ |
وغيرها من كتبِ المعارفِ |
|
وخطهُ للاي والمصاحفِ (١) |
* * *
__________________
(١) نصّت كتب السير والتاريخ على اسماء ثلة من خواص اصحاب الإمام الصادق عليهالسلام ممّن عايشوه وسمعوا منه ، ودونوا حديثه ووصاياه ، وكان عليهالسلام يأمرهم بالتفّقه بالدين ، وتدوين الحديث خوفاً من الاندثار ، والضياع ، والتشويه ، وبحكم كونه عليهالسلام وارث علم الائمة من آبائه وأجداده وهو القائل : إن عندنا الجفر الأحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة ، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس اليه الى يوم القيامة.
وفي هذا الباب أورد الشيخ البهائي قال : قال صاحب شرح المواقف : الجفر والجامعة كتابان للإمام علي ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث الى انقراض العالم وكان الائمة من ولدهِ يعرفونهما ويتوارثونهما. الكشكول ٢ / ١٨١.
قال الأستاذ محمد أمين غالب الطويل : كان الإمام علي عليهالسلام قد وضع علماً غامضاً سمّاه الجفر ثم وضع ولده الصادق عليهالسلام جفراً آخر مستقلاً وسماه « جفر جعفر » فأصبح أحدُ الجفرين يسمّى الجفر الابيض والثاني الجفر الأحمر ومعنى الجفر الجلد الذي يُكتب فيه. تاريخ العلويين / ١٤٨.
ثم قال : وقد جمع جميع مؤلفات الإمام الصادق عليهالسلام تلميذه جابر بن حيان الكوفي ، وهنا يُشير الى اكثر من ٥٠٠ رسالة جمعها الكوفي في اسرار الكيمياء وطُبعتْ باسم « كتاب الخواص الكبير ».
ومن الجدير ذكره هنا أنه كثيراً ما حصل اضطراب ، وتشويش ، وتشويه في قضية الجفر حتى وضعت الكثير من الاساطير في هذا الباب.
ثورة زيد بن علي
وفي ليالي الظلم قام زيدُ |
|
بثورةٍ يُكسرُ فيها القيدُ |
لما رأى الفساد والتحريفا |
|
ولم يجد خليفةً عفيفا |
فطلبَ الاصلاحَ والرشادا |
|
لينهي الجورَ والاستبدادا |
فقال لو وصلتُ للثريا |
|
ثم سقطت لاحتقرت الغيا |
فقد رأيتُ من هشامٍ عجبا |
|
كان فتىً له يسبُ العربا |
ثم يسبُ جدي النبيا |
|
معانداً مكابراً عصيا |
ما كره المؤمن حرَّ السيفِ |
|
الا هوى مطوقا بالحيفِ |
بايع زيداً عدةٌ آلافُ |
|
تحوطها الرماحُ والاسيافُ |
مؤججاً لثورةِ التحدي |
|
وقائداً بنفسهِ للجندِ |
حتى أطل ثالث من صفرِ |
|
على فتى لولا القضا لم يقهرِ |
فانفضت الجيوشُ عن قائدها |
|
مذعورةً تلوذُ عن رائدها |
حتى أصيبَ جسمهُ بجرحِ |
|
فعالج الجرح بقلب سمحِ |
لكنه كان أصاب مقتلا |
|
منه فلن يدرك زيدٌ أملا |
حتى قضى مضرجاً بالنزفِ |
|
في مشهد يعجز عنه وصفي |
فدفنوه في مياه النهرِ |
|
من خشية الحرق بغير قبرِ |
لكنما هشامُ قد تجرا |
|
واخرج الجثمانَ حين اصفرا |
وأمر الطاغي يزيدٍ يُصلبُ |
|
وهو فتى فاطمة المقرّبُ |
وظلّ في الصلب سنيناً عده |
|
شيعتهُ كانت تذوق الشده |
وبعدها أحرق بالنيرانِ |
|
وهو لعمري أطهرُ الجثمانِ |
وذرّ بعدُ ذلك الرمادُ |
|
في النهر كي تشربهُ العبادُ |
وما دروا أن به شفاءا |
|
لكل قلب يستضيف الداءا |
فهو ابن طه وسليل حيدرِ |
|
والاطهر ابن الاطهرِ ابن الاطهرِ |
ونكب الإمام في المصابِ |
|
وذرف الدموع للاحبابِ |
وقال قد كان الشهيدُ عارفا |
|
ولو أتاه النصر يوماً لوفى (١) |
__________________
(١) الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام أشهر من نارٍ على علم ، ترجم له الكثير من أرباب السير والتاريخ وأثنوا عليه ، وأقر له الكثير بفضله وهنا نورد نُتفاً من شهاداتٍ تقديرية في حق هذا الإمام الثائر الشهيد :
ـ جاء في نور الابصار عن ابن الصباغ في الفصول المهمة : كان زيد بن علي رجلاً ديّناً شجاعاً ناسكاً وكان من أحسن بني هاشم عبادةً وأجلّهم سيادةً.
ـ قال أبو إسحاق السبيعي : رايتُ زيداً فلم أرَ مثله ولا أعلم منه ، وكان أفصح الناس لساناً ، واكثرهم زهداً.
ـ وقال الشعبي : والله ما ولدت النساء أفضل من زيدٍ فقهاً وشجاعةً وزهداً وكان يُسمى حليف القرآن.
ـ ومدحه النعمان بن ثابت ابو حنيفة فقال : شاهدتُ زيداً فما رأيتُ في زمانه أفقه وأبين قولاً منه ، لقد كان منقطع الدين لا ندّ له.
واليك ملخصُ ثورته واستشهاده كما نقلتها كتبُ التاريخ : في أيام حكم الاموي هشام بن عبد الملك انتشر الظلم والفساد ، وأندثرتْ معالم الشريعة ، حينئذ أنبرى رجلٌ علويٌ ، عالي الهمّة ، أبي النفس ، لا يرضي أن يرى صور الظلم والإذلال خاصةً على آل ابي طالب ، وهنا كانت ثورة الإمام زيد بن علي بن الحسين قرة عين السجاد عليهالسلام بعد أخيه الباقر عليهالسلام وكان شعارُه : ما كرهَ قومٌ حرّ السيوف إلّا ذلوا. فأعلن ثورته في الكوفة بعد أن نهاهُ أخوه الباقر عليهالسلام لما رأى من صعوبة الظرف ، ونصحه بعدم الخروج ، لكنّ زيداً لم يعدْ يحتملُ ما يراهُ من الظلم ، فثار مع عصابة مؤمنة بلغتْ ٤٠٠٠ رجل.
وفي الأول من صفر ، عام ١٢١ هـ
أعلن الإمام زيد بن علي عليهالسلام ثورته ، وفي اثناء القتال
__________________
=
أُصيب بسهمٍ لكنّ المنيّة المحتومة عاجلتهُ فذهب شهيداً الى ربه ، وخوفاً على جثته من بني امية عمد بعضُ منْ ثبتَ معه في القتال بعد تفرّق الباقين من اصحابه الى دفنه في نهرٍ يقع الآن قرب الحلة ، وبعد وشايةٍ وصلت الى هشام بموضع قبره في النهر أمر الطاغية هشام لعينه يوسف الثقفي بنبش قبره ثم صلبه عياناً أمام الناس وهو عريان قرابة اربعة سنوات.
وقد نقل الشبلنجي في نور الابصار عن تاريخ بن عساكر : إن العنكبوت نسجت على عورة زيد لما صُلب عرياناً وأقام مصلوباً أربع سنين.
وبعدها أنزلوه ثم حرقوا جثته وذروها في الهواء. وقد ذكرت المصادر التاريخية أن الإمام الباقر عليهالسلام بكى عليه كثيراً وترحّم عليه ، وكذلك إمامنا الصادق عليهالسلام وكان ما يقول عليهالسلام : « رحمَ اللهُ عمي زيداً » ويكثر عليه البُكاء. بل ذكر الشيخ الصدوق : لما بلغ الإمام الصادق عليهالسلام خبر استشهاده بكى عليه وقال : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، عند الله أحتسبُ عمي زيداً ، مضى والله عمّي شهيداً. عيون أخبار الرضا ١ / ٢.
لمّا وصل الى الشام خبر استشهاده وصلبه أنشد الحكم بن العباس الكلبي هذه الابيات يُشمت بها ببني هاشم :
صلبنا لكم زيدا على جذعِ نخلةٍ |
|
ولم نرَ مهديّاً على الجذع يُصلبُ |
وقستمُ بعثمانٍ علياً سفاهة |
|
وعثمانُ خيرٌ من عليّ وأطيبُ |
فلما سمع الإمام الصادق عليهالسلام بهذه الابيات قال : « اللهم إن كان كاذباً فسلّطْ عليه كلباً » واثناء توجّه الشاعر الى الكوفة أفترسه سبعٌ في الطريق فلما بلغ الصادق عليهالسلام ذلك حمد الله وقال : « الحمد لله الذي أنجز لنا ما وعدنا ».
ونقل الشيخ المفيد : لمّا بلغ الإمام الصادق عليهالسلام خبر قتل زيد حزن حزناً شديداً وفرق من ماله في عيال منْ أصيب معه في القتال. وكان مقتله لليلتين خلتْ من صفر سنة ١٢٠ هـ وقيل ١٢١ هـ وكان عمره يومذاك ٤٢ سنة وخلّف زيد بعد استشهاده أربعة أولاد ذكور ومن أبرزهم ولده الشهيد يحيى بن زيد.
وهكذا مضى هذا الثائر العظيم كآبائه وأجداده شهيداً رافضاً للظلم والذلّ وهذا هو ديدن آل محمد صلىاللهعليهوآله عبر العصور ، وكثيراً ما كان الائمة عليهمالسلام كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا عليهالسلام يترحمون عليه ويصفونه بالشهيد المظلوم ، فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
ثورة يحيى بن زيد
وبعدهُ قام ابنهُ يحيى الفتى |
|
وقد أتى بمثل ما زيدُ أتى |
فترك الكوفةَ ذاتَ ليله |
|
الى خراسانَ يجرُ خيله |
فحط في « سرخس » ثم نادا |
|
بأنهُ لثورةِ قد قادا |
حتى أتى « بلخا » مع الثوارِ |
|
سبعين كانوا مثلما الأقمارِ |
فجاءهُ « نصر بن سيارٍ » بما |
|
حشدهُ جيشاً غدا عرمرما |
عشرةَ الاف من الفرسانِ |
|
تسوقهم حميةُ الطغيانِ |
فاصطدم الجيشانِ عند « بلخِ » |
|
فمسخَ الأعداء أي مسخِ |
فسيفُ يحيى مثلُ سيف حيدره |
|
وجيشُ « نصرٍ » مثل جيش الكفره |
وقد غدوا جرحى بها وقتلى |
|
وازداد يحيى شرفاً ونبلا |
فقد تهاوى ابن زرارة عمر |
|
قائد جيش نصرٍ الذي انكسر |
وجاء جيشٌ للقتال ثانِ |
|
فأدركوا يحيى بجوزجانِ |
فاشتعلت معركةٌ رهيبه |
|
في ساعةٍ مخوفةٍ عصيبه |
أصيب يحيى عندها بسهمِ |
|
في وجهه فخرّ دامي الجسمِ |
وقتل الجميعُ من اصحابه |
|
وفُجع الصادقُ في مصابه |
وسلب القميصُ من جثمانهِ |
|
فسالت الجراحُ من أردانه |
وبعثوا برأسهِ لأمهِ |
|
معفراً مخضباً بدمهِ |
فصرخت شردتموه عني |
|
ثم دنا وهو قتيلٌ مني |
فلعنةُ الله على الوليدِ |
|
ولعنةُ الله على يزيدِ |
اذ صلب الجثمان في وديانِ |
|
بلخٍ وفي هضبة جوزجانِ |
ولم يزل معلقاً مصلوبا |
|
سبع سنين يُقرحُ القلوبا (١) |
__________________
(١) وهكذا فعلَ يحيى بن زيد « رحمه الله » فبعد شهادة ابيه زيد بن علي عليهالسلام قام ابنه يحيى بدفنه ، ثم انتقلتْ السلطة الجائرة الى الفاسق الفاجر الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
ذكر الشيخ المحقّق عباس القمّي : كان الوليد بن يزيد رجلاً فاسد السيرة مُلحداً سيء السلوك معروفاً بالفسق والفجور مُشتغلاً بالغناء واللهو والطرب ، وهكذا لمّا أدخرتْ الأيام الشهيد زيد بن علي عليهالسلام للثورة على الفاسق الجائر هشام بن عبد الملك ، عادتْ الايام لتهيء ولده يحيى للثورة على هذا الفاسد الفاسق. تتمة المنتهى في تواريخ الخلفاء / ١٣٧.
واليك ملخص قصة ثورته واستشهاده حسب ما وردت في المصادر التاريخية :
لمّا استُشهد زيد بن علي عليهالسلام في الكوفة سنة ١٢١ هـ في أيام هشام بن عبد الملك فرغ ابنه يحيى من دفن أبيه ، ولمّا لم يجد هناك أعواناً معه خرج الى نينوى ، ثم الى المدائن فطوُرد هناك فأتجه الى الري أولاً ثم الى سرخس وبقي هناك ٦ أشهر ، وخلالها تعرّض الى السجن لمدة محدودة ثم أطلق سراحه ، وهناك وجد أكثر من سبعين رجلاً عاهدوه على الجهاد ضد أعدائه ، وسرعان ما حارب بهم جيشاً جاء للقبض عليه فانتصر عليهم وغنم ما كان معهم ، ثم رحل الى هرات ثم الى جوزجان وهي مدينة تقع بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ، وهناك قويت شوكته ممّا جعلهم يرسلون له جيشاً عرمرماً تعداده عشرة آلاف فارس من الشام وغيرهم من المُدن الأخرى يقوده اللعين سلم بن الاحور الذي أرسله نصر بن سيّار بأمر من الوليد بن يزيد ، وهناك التقوا في معركة ضارية استمرتْ ثلاثة أيام حتى أضمحلَ جيش يحيى وأصيبَ بسهمٍ أرداه شهيدا وبعد قتلهِ فصلوا رأسه ثم بعثوه الى نصر بن سيار ، ثم الى الوليد ثم الى أمّه التي بكتْه كثيراً ودعتْ على قاتليه ، واما جسده الشريف فصُلب عند بوابة جوزجان وبقي هناك مصلوباً سبع سنوات حتى مجيء دولة بني العباس ، وكان استشهاده رحمه الله سنة ١٢٥ هـ وحيث قبره هناك ، وللشهيد يحيى بن زيد فضلٌ كبير في حفظ السند الاصلي لصحيفة جده السجاد عليهالسلام والمعروفة بـ « الصحيفة السجادية » حيث سلّمها الى المتوكل بن هارون راوي الصحيفة لمّا أعلمَ يحيى بن زيد عن طريق الإمام الصادق عليهالسلام أنه كأبيه زيد بن علي عليهالسلام ماله الشهادة ممّا جعله يخاف من ضياع تراث آل محمد صلىاللهعليهوآله.
فسلامٌ على شهداء آل محمد صلىاللهعليهوآله في الأولين والاخرين.
صبر الإمام الصادق عليهالسلام
وكلُ ذا كان بعينِ جعفرِ |
|
كنزاً من الصبرِ كصبرِ حيدرِ |
يعطيه درساً للذين بعده |
|
متبعاً أباءهُ وجدّه |
يرعى يتامى ونسا من قُتلا |
|
سراً لكي يبعثَ فيها الأملا |
فقلبهُ الحاني على الجميعِ |
|
من شيبة الشيخِ الى الرضيعِ |
كأنه أبٌ لكل الخلقِ |
|
يمدُهم بالحبِ قبل الرزقِ (١) |
* * *
__________________
(١) لمّا استشهد زيد بن علي عليهالسلام وابنه يحيى فقد توالتْ المحن والشدائد على إمامنا الصادق عليهالسلام حيث رأى بأم عينه يتامى وأرامل منْ قُتلوا مع عمه زيد وابن عمّه يحيى.
قال الشيخ المفيد في الارشاد : لما بلغ الإمام الصادق عليهالسلام خبر شهادة عمّه زيد حزن لذلك حزناً عظيماً حتى بان عليه ثم فرّق شيئاً من ماله في عيال منْ اصيب معه من أصحابه. وجاء في كتب السّير والتاريخ : لمّا بلغ الإمام الصادق عليهالسلام خبر مقتل زيد بكى وقال : إنا لله وانا اليه راجعون ، عند الله احتسب عمي زيداً ، ثم فرق شيئاً من ماله على يتامى وأرامل الشهداء.
ولما كان له عليهالسلام في آبائه وأجداده قدوة حسنة في التأسي بهم والسير على نهجهم ، فقد تدرع الإمام بالجلد والصبر ، كما صبر جده الإمام علي بن ابي طالب عليهالسلام لمّا أصيب بخواص أصحابه كمالك وعمّار وغيرهم.
ومن أقواله في هذا المجال ما ورد في إثبات الوصية للمسعودي :
« إني لاستغفر لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة مائة مرة لأنّا نصبر على ما نعلم وهم يصبرون على ما لا يعلمون ».
رواية حميدة
فقد روت في فضله « حميده » |
|
رواية غريبة فريده |
قالت : قبيلَ أن يموت جعفرُ |
|
سيدُنا وهو الإمام المفخرُ |
قال : اجمعو لي الان كل أهلي |
|
وليسمعوا وصيتي وقولي |
شفاعتي والله لا أعطيها |
|
من يستخفُ بالصلاة تيها |
وبالصلاة بعدها أوصانا |
|
ثم بكى وعندها أبكانا (١) |
* * *
__________________
(١) نقل الشيخ الصدوق ، عن ابي البصير في ثواب الاعمال : قال ابو بصير : دخلتُ على أم حميدة ـ وقيل حميدة ـ أعزيها بالإمام الصادق عليهالسلام فبكتْ وبكيتُ لبكائها ثم قالتْ : يا ابا محمد لو رأيتَ ابا عبد الله الصادق حين الموت لرأيت عجباً حين فتح عينيه ثم قال : اجمعوا لي كلَ من بيني وبينة قرابة. قالت : فلم نترك احداً إلّا جمعناه فنظر الينا ثم قال : « إنّ شفاعتنا أهل البيت لا تنال مستخفاً بالصلاة »
ولمّا كانت الصلاة عماد الدين ، وعروة اليقين ، ومعراج المؤمن الى ربه ، فقد اكثر الإمام الصادق عليهالسلام من الوصية بها ، فقد نقل ابن شعبة الحراني في تحف العقول مقطعاً من وصيةٍ طويلةٍ له عليهالسلام الى شيعته وأصحابه جاء فيها : وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمركم الله في كتابه.
كما نُقل أيضاً من وصيته لصاحبه عبد الله بن جُندب ومنها : وأعلم أنّ من شباك الشيطان النوم عن الصلاة التي فرضها الله ، فويلٌ للساهين عن الصلوات.
ومما نقله ابن شهر آشوب عن عائذ بن بناته الاحمسّي قال : قال لي الصادق عليهالسلام : منْ أتى الله بالصلوات الخمس المفروضات لم يُسئلْ عمّا سوى ذلك. المناقب ٤ / ٢٢٥.
وصية الإمام الصادق عليهالسلام
وقال : أوصيكم بوصلِ الرحمِ |
|
فانّ قطعَها حلولُ النقمِ |
وصيةٌ كبيرةُ المعاني |
|
قد قالها وقد غدا يُعاني |
من سمّهِ المخفي في الطعامِ |
|
ومن ضياعِ أمة الاسلامِ |
أوصى لخمسةٍ من الرجالِ |
|
وذاك من حكمةِ بيت الآلِ |
منهم ابو جعفرٍ المنصورُ |
|
حيث غدا من حقدهِ يفورُ |
لكنما كان الوصيُ موسى |
|
وغيرُه اضحى بها ميؤوسا (١) |
__________________
(١) وصيةٌ عظيمةٌ غزيرةُ المعاني ألقاها امامنا العظيم وهو يودّع الدنيا شهيداً ملتحقاً بآبائهِ وأجدادهِ ، فقد ذكر الكُليني : عن سالمة مولاة إمامنا الصادق عليهالسلام قالت : لما حضرتْ مولاي الصادق عليهالسلام الوفاة أُغمي عليه فلما أفاق قال : اعطوا الحسن بن علي بن الحسين ـ يقصد الافطس ـ سبعين ديناراً ، واعطوا فلاناً كذا ، وفلاناً كذا ، فقلتُ له : مولاي أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقال عليهالسلام ويحكِ اما تقرئين القرآن ؟! قلت : بلى ، قال عليهالسلام : أما سمعتِ قول الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) الرعد : ٢١.
يا سالمة ، أن الله تبارك وتعالى خلق الجنة وطيّبها وطيب ريحها وان ريحها لتوجدَ من مسيرة ألفي عام ولا يجد ريحها عاقٌ ولا قطعُ رحم. الكافي ٧ / ٥٥.
ومن وصية له عليهالسلام لجماعة من شيعته :
أُوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهادَ كلهِ بطولِ السجودِ ، وأداءَ الامانة ، وحسن الجوار ، وصدقِ الحديث ، وصلة الأرحام ، فانّ بهذا بُعث محمد صلىاللهعليهوآله.
وهكذا ولم أحسّ الإمام الصادق عليهالسلام
بدنوّ أجله وسرعة لحوقه بربّه بسبب السمّ الخفيّ الذي دسه اللعين الدوانيقي أسرع عليهالسلام بالوصية لخمسة من الرجال عاملاً بالتقية التي عمل بها ، ودعا اليها طيلة حياته ، وحِفاظاً على ولده الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام وعلى
الصفوة
=
__________________
=
من بقية خواصّه ، رغم أنه قد أعلم القاصي ، والداني ، القريب ، والبعيد ، مراراً عديدة وطيلة حياته مشافهةً ومصارحةً بين آونةٍ وأخرى أن وصيّه الشرعي هو ولده موسى بن جعفر عليهالسلام.
وبهذا الخصوص أورد القطب الراوندي : لمّا سمع ابو حمزة الثمالي وكان يومئذٍ في الكوفة مع جمعٍ من الشيعة خبر وفاة الإمام الصادق عليهالسلام وهو في المدينة قال لمنْ أتاه بالخبر : هلْ سمعتْ للامام الصادق عليهالسلام بوصية ؟ قال الرجل : إنه أوصى الى ابنه عبد الله وابنه موسى والى المنصور ، فقال ابو حمزة : الحمد لله الذي لم يضلنا دلّ على الصغير ومنَّ على الكبير وستر الامر العظيم. الخرائج والجرائح ١ / ٣٢٨.
ونقل الشيخ الكليني ، والطوسي ، وابن شهر آشوب ، عن ابي ايّوب النحوي قال : بعث اليّ المنصور في جوف الليل وأخبرني بموت جعفر بن محمد عليهالسلام ثم قال لي : انظر إنْ كان أوصى الى رجلٍ واحدٍ بعينهِ فقدمه واضربْ عنقه. قال أبو ايوب : فلما أرجعت اليه الجواب أنه قد أوصى الى خمسةٍ منهم أنت ، ومحمد بن سليمان ، وولديه ؛ عبد الله ، وموسى ، وحميدة.
قال المجلسي وهو يُعلقُ على ذلك بقوله : إن الإمام الصادق عليهالسلام كان يُعلم بعلم الإمامة الخفيّ أن المنصور سيقتلُ وصيّه فأشرك هؤلاء النفر ظاهراً ستراً عليه فكتب اسم المنصور أولاً ولكن الإمام عليهالسلام كان قد أعلم الناس أن ولده موسى عليهالسلام هو الذي كان مخصوصاً بالوصية والإمامة من بعده دون البقية ، وكان أهل العلم يعرفون ذلك. جلاء العيون / ٥٢٣.
شهادته
ثم قضى معذباً شهيدا |
|
مجدداً دينَ الهدى تجديدا |
وحُملَ الجثمانُ للبقيعِ |
|
مجللاً بالحزنِ والدموعِ |
فصادقُ القولِ غدا مفقودا |
|
وصار قلبُ احمدٍ مكمودا |
عليه من آبائهِ السلامُ |
|
فقد بكاهُ الحلُ والاحرامُ |
وقد بكاهُ العلمُ والقرآنُ |
|
والحجرُ والمطافُ والاركانُ |
وصار موسى بعده الإماما |
|
ليحفظَ الأمةَ والاسلاما (١) |
__________________
(١) وهكذا رحل هذا الإمام الصابر شهيداً ، مسموماً بسمٍّ دسّه له المنصور الدوانيقي بعد عذابٍ طويل من المضايقة والتشديد ، وبعدما لاقى ما لاقى من هذا الطاغية الذي حاول مراراً قتله فأنقذه الله منه بلطفه. رحل هذا الإمام وهو يحملُ عذاباتِ سنين طويلة ، وهو يرى مصائب أهل بيته ، وأولاد عمومته ، وصفوة أصحابه على يد هذا الطاغية.
نقل الشيخ الشبلنجي في نور الابصار عن ابن الصباغ المالكي قال : مات الإمام الصادق عليهالسلام مسموماً في سنة ١٤٨ هـ ، وله من العمر ٦٨ سنة ودُفن في البقيع في القبر الذي دُفن فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه ، فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.
وذكر الشيخ عباس القمّي : توفي الإمام الصادق عليهالسلام في شهر شوّال سنة ١٤٨ هـ بالعنب المسموم الذي أطعمه به المنصور وكان عمرُه الشريف آنذاك ٦٥ سنة. منتهى الآمال ٢ / ٢٤١.
وعندما رُفع جثمانه الشريف وأُخرج الى البقيع رثاه الشاعر أبو هريرة العجلي :
أقول وقد راحوا به يحملونه |
|
على كاهلٍ من حامليهِ وعاتقِ |
أتدرون منْ ذا تحملونَ الى الثرى |
|
ثبُيراً ثوى من رأسِ علياءِ شاهقِ |
غداة حثا الحاثون فوق ضريحهِ |
|
تراباً وأولى كان فوق المفارقِ |
=
__________________
=
أقول وقد راحوا به يحملونه |
|
على كاهلٍ من حامليهِ وعاتقِ |
أتدرون منْ ذا تحملونَ الى الثرى |
|
ثبُيراً ثوى من رأسِ علياءِ شاهقِ |
غداة حثا الحاثون فوق ضريحهِ |
|
تراباً وأولى كان فوق المفارقِ |
أيا صادق ابن الصادقين إليّةً |
|
بآبائكَ الأطهار حلفةَ صادقِ |
لَحقّاً بكم ذو العرش أقسم في الورى |
|
فقال تعالى اللهُ ربُ المشارقِ |
نجومٌ هي اثنا عشرة كُنّ سُبقا |
|
الى الله في علمٍ من الله سابقِ |
منتهى الآمال ٢ / ٢٤٥.
وباستشهاده عليهالسلام انتقلت الإمامة العظيمة الى ولده الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام بوصيةٍ منه إليه.
والحمدُ للهِ ربّ العالمين.