السيد محمد كاظم القزويني
المحقق: السيد مصطفى القزويني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الغدير
الطبعة: ١
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: ٦٩٤
بعض ما قيل فيها من الشعر
هناك أسباب وعوامل متعدّدة كان لها الدور الكبير في إثارة مشاعر وعواطف الشعراء ، وتَفَتُّح قرائحهم ، لكي ينظموا القصائد الرائعة في مدح ورثاء السيدة زينب عليهاالسلام.
فمِن جملة تلك الأسباب :
١ ـ الشعور بالمسؤولية تجاه نصرة آل الرسول الكريم.
٢ ـ إزدحام الفضائل ، وتجمّع موجبات العظمة والجلالة في شخصيّة السيدة زينب الكبرى عليهاالسلام.
٣ ـ الشعور الإنساني بالإندفاع لنصرة المظلوم.
إنّ هذه الأسباب ـ وغيرها ـ جعلت الشعراء يحومون حول هذه الشخصية العظيمة ، لكي تجول أفكارهم على مسرح الخيال والتصوّر ، تمهيداً للوصف ولصياغة المعاني في
قوالب الكلمات ، وصَبغها بطابع الشعر والأدب.
إنّ العواصف والأعاصر العاتية التي عصفت بحياة السيدة زينب عليهاالسلام حفّزت في الشعراء شعور القيام بنصرة المظلوم ، ليقوموا بواجبهم الإنساني والإسلامي تجاه ثاني أعظم سيدة من سيدات نساء التاريخ ، وليُلَبّوا نداء ضمائرهم في نصرة أخيها سيد المظلومين الإمام الحسين عليهالسلام.
إنّ هؤلاء الشعراء الشرفاء سجّلوا أسماءهم في قائمة الذين نصروا أهل البيت النبوي ، ونالوا شرف خدمة آل الرسول الطاهرين ، فمدحوا مَن مدحهم الله تعالى في قرآنه المجيد ، ورَثَوا مَن بكت عليه الأرض والسماء ، والملائكة والأنبياء ، وحيتان البحار وطيور الفضاء!
وإليك بعض ما قيل من الشعر في السيدة زينب الكبرى عليهاالسلام :
قصيدة في ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) للشاعر الأديب السيد محمد رضا القزويني (١) :
وُلدتِ كما يُشرقُ الكوكب |
|
فأُمٌّ تُبـاهـي ويَزهـو أبُ |
علـيٌ وفاطمـةٌ انجَبـاكِ |
|
عَيناً من الخيـر لا يَنضبُ |
وجاءا بكِ جَدّكِ المصطفى |
|
ليختـار لاسمكِ ما يُعجِبُ |
__________________
١ ـ السيد محمد رضا بن العالم الجليل المجاهد السيد محمد صادق القزويني ، ابن عمّ مؤلّف هذا الكتاب. شاعر لامع ، وأديبٌ بارع ، يجري في دمه حبّ أهل البيت الطاهرين عليهمالسلام.
وُلِدَ في تاريخ ٢٠/٨/١٩٤٠ م ، بدأ نظم الشعر مع بداية مرحلة المراهقة ، يتميّز شعره بمميّزات منها : قوّة المعنى وروعة الإبداع ، وجمال الإبتكار ، ونكهة الإخلاص.
له ديوان شعر مخطوط ، جمَعَ فيه ما نظمه حول النبي الكريم وآله المعصومين ( سلام الله عليهم أجمعين ).
وقد نظم هذه القصيدة في سوريا بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى عليهاالسلام عام ١٤١١ هـ الموافق لسنة ١٩٩٠ م.
فقال : ولَستُ ـ كما تَعلَمـا |
|
نِ ـ أسبـقُ ربّي بما يَنسِبُ |
وهـذا أخي جبرئيـل أتـى |
|
بـأمـرٍ مـن الله يُستَعـذبُ |
يقـول إلهك ربّ الجـلال : |
|
تـقبّلتهـا و اسمهـا زينـب |
وكفّـلتهـا بأخيها الحسيـن |
|
ويـومٍ يَعُـزّ بـه المَشـرَبُ |
لِتَحمـلَ أعبـاءَه كالليـوث |
|
فيَسـري بأطفاله المَـركَـبُ ءَ |
أُسارى إلى الشام من كربلا |
|
وسوطٌ على ظهرهم يلهَبُ |
* * * *
أقائـدةَ الركـب يـا زينب |
|
تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ |
خَطبـتِ فدوّى بسمع الزما |
|
ن صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ |
أخاف الطغاة على عرشهم |
|
فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ |
وأسقطتِ قبل فناه يزيد (١) |
|
وضـاق على رأيه المَذهبُ |
ووَلّـت أميّـة مدحـورة |
|
ومـا ظل ذكـر لهم طيّبُ |
وأنـتِ التي كُنتِ مأسورةً |
|
وما لكِ في الشام مَن يُنسَبُ |
لكِ اليوم هذا الندى والجلا |
|
ل مثالاً لأهل النُهى يُضرَبُ |
وقبـرٌ يطـوف به اللائذو |
|
نَ رَمـزاً و ما عنده يُطلَبُ |
منـاراً يَشِـعُّ بأفق السماء |
|
فيُعـلِنُهـا : هـذه زينـب |
__________________
١ ـ فناه : أي قبل فنائه وهلاكه.
وللسيد محمد رضا القزويني قصيدة أخرى يقول فيها :
تتـراءى لـه الأُسـارى فتَبـدو |
|
زينـب أمسَكـت بطفـلٍ يتيـم |
وهي تَرعى الرؤوس فوق رماحٍ |
|
طابَ منها النجوى لأختٍ رَؤومِ (١) |
حَمَلَتهـا مـن كربلاء و قالت : |
|
يـا سماء اهتدي بهذي النجـومِ |
إنّـهـا مـن محمـدِ وعـلـيّ |
|
قَدّمتهـا البتـول فـي تكـريـمِ |
وسياطُ الأعداء لم تَمنَـعِ الأختَ |
|
وداع الـحسيـن بيـنَ الجسـومِ |
هُرعَـت و الخيـام مُشتعـلاتٌ |
|
تتحَـرّى الأطفـال بين الرميـم |
رَفَعـت رأسهـا إلـى الله تشكو |
|
فأتـاها الجـواب عبـر النسيـم |
جـدّكـم أسَّسَ القواعـد للبيـتِ |
|
وإسمـاعيـل ذبـحُ الحُـلـومِ |
__________________
١ ـ رَؤوم : مُشتقّ مِن المحبّة والعَطف ، قال الفيروز آبادي ـ في القاموس ـ : رَئمت الناقة وَلَدها : عطَفت عليه ، فهي رائمة ورؤوم.
وانتَهـت فيكم النبـوّة والبيتُ |
|
ومـا في السِتـار والمعلومِ |
ورأى الله في الحسينِ عظيماً |
|
فـافتدى دينَه بذبـحٍ عظيمِ |
وللشاعر الحسيني اللامع ، المرحوم الحاج محمد علي آل كمّونة ( رضوان الله عليه ) (١) قصيدة نَقتَطفُ منها الأبيات التالية :
لـم أنسَ زينبَ بعد الخِدر حاسرةً |
|
تُبـدي النيـاحة ألحاناً فألحانـا |
مَسجـورة القلـب إلا أنّ أعينَهـا |
|
كالمُعصرات تصُبّ الدمع عقيانا (٢) |
__________________
١ ـ الحاج محمد علي آل كمّونة الأسدي الكربلائي ، شاعرٌ بليغ ، وأديب فصيح ، كان من الشعراء المتألّقين في عصره ، والأدباء اللامعين بين أقرانه وزملائه ، إستعمل قريحته الشعريّة ـ بنسبة كبيرة ـ في خدمة النبي وآله الطاهرين ، وله قصائد كثيرة في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليهالسلام ، مِن مميّزات شعره : طابع الشِجاوة ، ونكهة الإخلاص ، وسلاسة التعبير.
عند التأمّل في ديوان شعره نجد أنّ أشعاره تهزّ المشاعر والعواطف مِن الأعماق ، وتَنقل ذهن القارئ إلى أجواء الحرب والقتال.
وللمُميّزات المتوفّرة في شعره ـ ونخصّ منها : كونه شجيّاً ـ تَهافَتَ خطباء المنبر الحسيني على قراءة أشعاره في بداية ونهاية مجالسهم ومحاضراتهم الحسينيّة.
له ديوان مطبوع ، جُمعَ فيه بعض أشعاره.
ولد سنة ١٢٠٢ هـ ، وتوفّي سنة ١٢٨٢ هـ ، ودُفنَ في حرم الإمام الحسين عليهالسلام.
٢ ـ عِقياناً. العِقيان : الذهب الخالص. شَبّه الشاعر قطرات دموعهنّ الصافية الغالية بحَبّات الذهب الخالص من الشوائب.
تـدعـو أبـاها أميـر المؤمنين ألا |
|
يـا والدي حَكمَـت فينـا رَعايانا (١) |
وغـابَ عنّـا المُحامي والكفيلُ فمَن |
|
يَحمي حِمانـا و مَن يُؤوي يَتامانا |
إن عَسعَسَ الليل وارى بَـذلَ أوجُهنا |
|
وإن تَنفّـس وجه الصبـح أبدانا |
نـدعـوا فلا أحدٌ يَصبوا لِدَعوتِنا (٢) |
|
وإن شكَونـا فلا يُصغى لِشَكوانا |
قُـم يا عليّ فما هـذا القعود ومـا |
|
عهدي تَغُضّ علـى الأقذاء أجفانا |
عَجّـل لعلّك مِـن أسـرٍ أضَرّ بنـا |
|
تَفُكّنـا أو تَوَلّـى دفـن قتـلانـا |
وتَنثَني تـارةً تـدعـو عشيرتهـا |
|
مِن شيبة الحمـد أشيـاخـاً وشُبّانا (٣) |
__________________
١ ـ رعايانا. رعايا ـ جمع رعيّة ـ : عامّة الناس الذين عليهم راع وحاكم ، يُدبّر أمورهم ويَرعى مصالحهم.
٢ ـ يَصبو : يميل ويَحِنّ. وفي نسخة : « نَدعوا فلا أحد يَرنو لَدَعوتنا ».
٣ ـ شَيبَة الحَمد : هو عبد المطلب بن هاشم ، جدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قوموا غِضاباً مِن الأجداث وانتَدبوا |
|
واستَنقِـذوا مِن يَد البَلوى
بٌقايانا (١) |
وله قصيدة أخرى يقول فيها :
ولَئن نسيتُ فلَسـتُ أنسى زينبـاً |
|
ودوام مِحنتهـا وطـول عنـائهـا |
حَمَلت مِن الأرزاء ما أ عيا الورى |
|
حَمـلَ اليسير النَزر مِـن أعبائهـا |
عن كَربها و بَلائها سَـل كربـلا |
|
سَـل كربلا عـن كربها و بلائهـا |
طَـوراً على القتلى تنوح وتـارةً |
|
تحنـو محافظـة علـى أبـنائهـا |
وتطوف حـول حمىً أباد حُماته |
|
صَرفُ الرَدى وأبـاحَ هَتكَ نسائها |
مَـن مُبلغٌ عنّـي سرايـا هاشـم |
|
خَبَـراً يَـدُكّ الشمّ مـن بَطحائهـا |
سُبيَت ، و أعظم ما شَجاني غَيرةً |
|
ـ يا غيرة الإسلام ـ سَلبُ رِدائها |
و وقوفهـا فـي مجلـسٍ جُلاسُه |
|
أهوى بهـا الشيطـان في أهوائها (٢) |
__________________
١ ـ المصدر : ديوان ابن كمّونة ، طبع قم ـ ايران ، عام ١٤١١ هـ ص ٩٥. ورياض المدح والرثاء ، للشيخ حسين البحراني ، طبع ايران ، عام ١٤٢٠ هـ ص ٦٤٨.
٢ ـ ديوان ابن كمونة ، ص ٣.
وله ( رضوان الله عليه ) شعرٌ آخَر يُخاطب فيه الإمام الحسين عليهالسلام بقوله :
وأمسَيـتَ رَهنَ الحادثات و أصبَحت |
|
نساؤك بعد الصَون بينَ الأجـانب |
حَيـارى يُـردِّدنَ النُـواح
سَواغبـاً |
|
عُطاشى فلهفي للعُطاشى النـوادب |
ومِن بينها مأوى البَليّات رَبّة
الرزيّـ |
|
ـات حَلفُ الحُـزن أمّ المصـائب |
فَـريسـة أفـواه الحـوادث زينـبٌ |
|
ومَنهـبُ أنيـاب الرَدى والمَخالبِ |
تُنـادي وقـد حَـفّ العـدوّ برحلها |
|
وتَهتـِف لكن لم تَجد مِن مُجاوبِ |
فمَن مُبلغٌ عنّي الرسـول و حيـدراً |
|
وفاطمة الزهراء بنـت الأطـائبِ |
بأنـّا سُبينـا ، والحسيـنُ عمـادُنا |
|
غدا موطئـاً للعـاديات الشَوازِب (١) |
__________________
١ ـ الشوازب ـ جمع شازِب ـ : الخَيل الغَضبان ، الذي يُسرع في ركضه للغارة والهجوم. كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.
ويُسرى بنـا نحو الشام فـلا سَقَت |
|
معـاهد أرض الشام جونُ السحائب |
ونُهدى إلى الطاغي يزيد نتيجة الـ |
|
ـدَعـيّ ابـن سفيان لَئيم المَناسِب |
ويَنكُتُ ظلماً بالقضيـب مَراشفـاً |
|
تَرشّفهـا المختار بيـن المُصاحبٍ (١) |
وله قصيدة أخرى يَصفُ ـ فيها ـ مصيبة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين عليهالسلام ومنها قوله :
حُمـاةٌ حَمَـوا خـِدراً أبى الله
هَتكهُ |
|
فعَـظّمـه شـأنـاً وشَـرّفه قَـدرا |
فأصبـح نَهبـاً للمغـاويـر بعدهم |
|
ومنه بنات المصطفى أُبرزت حَسرى |
يُقنّعها بالسوط « شمرٌ » فـإن شكَت |
|
يؤنّبهـا « زَجـرٌ » ويوسِعُهـا زَجرا |
نـوائـح إلا أنّـهـنّ ثـواكــلٌ |
|
عـواطـش إلا أنّ أعينهـا عَبـرى |
____________
١ ـ ديوان ابن كمّونة ، ص ١٢ ـ ١٣.
يَصـون بيُمنـاها الحَيا ماء وَجهها |
|
ويَستُرهـا إن أعوزَ السِتـر باليُسرى |
وقُل لسـرايـا شيبة الحمد ما لكم |
|
قعدتم وقـد سـاروا بِنسـوتكم أسرى |
وأعظمُ ما يُشجـي الغَيور دخولها |
|
إلـى مجلس مـا بارح اللهو والخَمرا |
يُقـارعهـا فيـه يـزيـد مَسَبّـةً |
|
ويَصـرفُ عنها وجهه مُعرِضاً كِبرا |
ويَقـرَعُ ثَغـرَ السبـط شُلّت يمينه |
|
فأعظـم به قَرعـاً وأعظِـم به ثَغراً |
أينكُـتُ ثَغراً طَيّـبَ الدهـر
ذِكرَه |
|
وما بـارَح التسبيـح والحمد والشُكرا(١) |
__________________
١ ـ ديوان ابن كمّونة ، ص ٥٨ ـ ٦٠.
وللعالم الجليل الشيخ جعفر النقدي (١) قصيدة نختار منها هذه الأبيات
يا دهرُ كُفّ سِهام خطبك عن حشىً |
|
لـم يَبـقَ فيهـا موضعٌ للأسهم |
في كـلّ يـوم للنوائـب صـارمٌ |
|
يَسطو على قلبي ويَقطر مِن دمي |
وأبيتُ والأرزاء تَنهـشُ مُهجَتـي |
|
نَهشاً يهونُ لديـه نَهـشٌ الأرقم (٢) |
__________________
١ ـ الشيخ جعفر بن الحاج محمد بن عبد الله التقي الربعي ، المعروف بـ « النقدي » ، : عالم خبير مُتبحّر ، وأديب واسع الإطّلاع ، له مؤلّفات كثيرة تَشهَد له بغَزارة العلم والأدب ، وُلِد في مدينة العمارة بالعراق سنة ١٣٠٣ هـ ، هاجر إلى مدينة النجف الأشرف ، ودَرسَ فيها حتّى بلغ مرتبة عالية من العلم والثقافة.
شَغَل منصِبَ القضاء في مسقط رأسه ( العمارة ) حوالي عشر سنوات.
أمّا شعره : فهو مِن الطبقة الممتازة ، وأكثر شعره في مدح أهل البيت عليهمالسلام.
توفّي ( رضوان الله عليه ) بتاريخ ٩/محرم/١٣٧٠ هـ ، إقتطفنا ترجمة حياته من كتاب ( أدب الطف ) للخطيب السيد جواد شبّر ، ج ١٠ ص ٨.
٢ ـ الأرقَم : أخبَثُ أنواع الحَيّات ، وأطلَبُها للناس ، أو : ما في لونه سَواد وبَياض ، أو : ذكرُ الحيات .. والأنثى رَقشاء. كما في كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي.
أوَ كـان ذَنبـي أنّنـي مُتمسـّكٌ |
|
بالعـروة الوثقـى التي لم تُفصَمِ |
آل النبي المصطفـى مَـن مَدحُهُم |
|
وردي وفيهـم لا يـزالُ تـَرنّمي |
وإلى العقيلة زينب الكبرى ابنة الـ |
|
ـكرّار حيـدر بالـولايـة أنتَمي |
هي رَبّة القَدر الرفيـع رَبيبـة الـ |
|
ـخِدر المنيع وعِصمةُ المستَعصِم |
مَن فـي أبيهـا الله شَـرّفَ بيتـَه |
|
وبجَدّها شَرَفُ الحطـيمِ وزَمـزَمِ |
مَن بيتُ نشأتها بـه نـشأ الهـدى |
|
وبـه الهـدايـة للصـراط الأقوم |
ضُربَت مَضاربُ عِزّها فوق السُها |
|
وسَمَت فضائلهـا سُمـوّ المـرزمِ (١) |
فَضلٌ كشمس الأفق ضاء فلو يشأ |
|
أعـداؤها كتمـانَـه لـم يُكـتَـمِ |
كانت مَهابتُـها مَهـابة جـدّهـا |
|
خيرِ البـريّة والرسـول الأعـظم |
__________________
١ ـ المِرزَم : السحاب الذي لا ينقطع رَعده. كما في « لسان العرب ».
كانـت بلاغتُها بلاغة حيدر الـ |
|
ـكـرّار إن تَخطب وإن تتكلّمِ |
قد شابَهَت خيـر النسـاء بهَديها |
|
ووقارها وتُقىً وحُسـنِ تـكرّمِ |
ومُقيمةَ الأسحار فـي مِحـرابها |
|
تَدعو وفي الليل البَهيم المُظلـم |
شَهِدِت لها سُوَر الكتـاب بأنّهـا |
|
مِن خير أنصار الكتاب المُحكمِ |
زَهِدَت بدُنياها وطيـب نَعيمهـا |
|
طلَباً لمرضات الكريـم المُنعـم |
وتَجرّعت رَنقَ الحيـاة وكابَدَت (١) |
|
مِن دَهرها عيشاً مريـرَ المطعمِ |
فأثابهـا ربّ السمـاء كـرامةً |
|
فيها سوى أمثالهـا لـم يُـكرمِ |
فلَها ـ كما للشافعين ـ شفاعة |
|
يوم الجزاء بها نجـاة المجـرم |
بَلغت من المجد الموثّل موضعاً |
|
ما كـان حتى للبتـولة مريـم |
__________________
١ ـ رَنقَ الحياة : كدَرّ الحياة ، يُقال : رَنَقَ عَيشُه : أي كَدِرَ.
كـلا ولا لِلطُـهـر حـَوّا أو لآ |
|
سيـةٍ وليس لأختِ موسى كلثَمِ |
هذي النساء الفُضلَيات وفي العُلا |
|
كـلٌ أقامـت فـي مقامٍ قَيّـمِ |
فاقَـت بـه كـلّ النسـاء ، ورَبّها |
|
في الخُلد أكرَمَهـا عظيم المَغنَمِ |
لكنّ زينـب في عُـلاها قد سَمَت |
|
شَـرَفاً تأخّـر عنـه كلّ مقدّمِ |
في عِلمِهـا وجمـالهـا وكمـالها |
|
والفضل والنَسَبِ الرفيع الأفخمِ |
مَن أرضَعَتهـا فاطـمٌ دَرّ العـُلى |
|
مِن ثديها فَعَنِ العلـى لم تُفطِمِ |
عن أمّها أخـذت علوم المصطفى |
|
وعلوم والدهـا الوصيّ الأكرم |
حتى بهـا بلغـت مقامـاً فيه لَم |
|
تَحتَـج لِتَعـليـمٍ ولا لمعـلّـمِ |
شَهِـد الإمـام لها بـذاك وأنّهـا |
|
بعد الإمام لهـا مقـام الأعلـم |
ولهـا بيوم الغاضـريّـة موقفٌ |
|
أنسى الزمان ثَبات كلّ غَشَمشَمِ |
حَمَلَـت خطـوباً لو تَحَمّل بعضَها |
|
لانهـارَ كـاهـل يذبلٍ ويَلَملَـمِ |
ورأت مُصابـاً لـو يُلاقي شَجوَها |
|
العَذبُ الفرات كسـاه طعم العَلقمِ |
في الرُزء شاركـت الحسين وبعده |
|
بَقِيـت تـُكافـح كلّ خطبٍ مؤلم |
كانـت لنسوتـه الثـواكل سلـوةً |
|
عُظمـى وللأيتـام أرفـَقَ قـَيّمِ |
ومُصابها فـي الأسـر جَدّد كلّما |
|
كانت تُقاسيـه بعـشـر محـرّمِ |
ودخـول كـوفـانٍ أبـاد فؤادها |
|
لكن دخول الشـام جـاء بأشـأمِ |
لم أنسَ خُطبتهـا التـي قَلَمُ القَضا |
|
في اللوح مثل بيانهـا لم يُـرقـمِ |
نَزلت بها كالنار شـبّ ضـرامها |
|
في السامعين ، من الفؤاد المُضرَمِ |
جاءت بهـا عَلَويّـةً وقعـت على |
|
قلب ابن ميسـونٍ كوقـعِ المِخذَم |
أوداجه انتَفَخت بها فكأنّما |
|
فيها السيوف أصبنّه في الغلصمِ (١) |
* * * *
أشقيقـة السبطيـن دونـك مدحةً |
|
قِسّ الفَصاحة مِثلَهـا لم يَنـظمِ |
تمتـاز بالحـق الصـريح لو أنّها |
|
قيسَت بشعر البُحتـري ومسلـمِ |
يَسلو المحبّ بها وتطعـن في حَشا |
|
أعداء أهل البيـت طعـن اللهذم (٢) |
بيَميـن إخلاصـي إليك رَفعتُهـا |
|
أرجو خلاصي من عذاب جهنّمِ |
وعليكِ صلـى الله ما رُفعـَت له |
|
أيدي مُحِـلٍّ بالدعـاء ومحـرِمِ |
__________________
١ ـ الغَلصَم : رأس الحُلقوم. كما في « لسان العرب ».
٢ ـ اللّهذم : سيفٌ لَهذم : أي حادّ ، وقيل : كل شيء قاطع .. مِن سيف أو سنان. « لسان العرب »
رغم كثرة ما قيل من الشعر في مدح ورثاء آل رسول الله الطاهرين .. فإنّ قصائد السيد حيدر الحلّي لا زالت متألّقة ومتفوّقة في سماء الشعر والأدب ، فقوّة التعبير ، وجمال الوَصف ومميّزات أخرى تجعل الإنسان حائراً أمام هذا المستوى الرفيع من الشعر ، والبيان الساحر ، والصياغة الرائعة الفريدة!
ولا عَجَبَ من ذلك ، فقد كتبوا عن هذا الشاعر العظيم أنّه ـ رغم مواهبه وثقته بنفسه وشعره ـ كان يُجري على بعض قصائده لَمَسات فاحِصة ، يقوم خلالها بالتغيير والتعديل والتجميل ، ويَستمرّ على هذا المنوال مدة سنة كاملة ، ولذلك جاء التعبير عن بعض قصائده بـ « الحَوليّات »!! (١)
أمّا شعره عن السيدة زينب الكبرى :
فالجدير بالذكر أني قرأت ( ديوان السيد حيدر الحلي ) ولم أجِد فيه التصريح باسم السيدة زينب عليهاالسلام رغم أنّه يتحدّث عنها وعن مصائبها الأليمة في كثير من قصائده الحسينيّة الرائعة!
فكأنّ التَهيّب والحياء ورعاية الأدب في السيد ، وجلالة
__________________
١ ـ السيد حيدر بن السيد سليمان الحلّي ، وُلدَ في مدينة الحلة بالعراق سنة ١٢٤٦ هـ ، وتوفّي سنة ١٣٠٤ ، كان عالماً جليلاً ، وشاعراً مُجيداً ، وكان سيّد الأدباء في عصره.