الإحتجاج - ج ١-٢

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

الإحتجاج - ج ١-٢

المؤلف:

أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٦

لدخلت في دينكم.

فقال له عليه‌السلام وما هو؟

قال قوله تعالى ( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) (١) وقوله ( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) (٢) وقوله ( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (٣) وقوله ( يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) (٤) ـ وقوله ( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٥) وقوله تعالى ( يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) (٦) وقوله ( إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) (٧) وقوله ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ ) (٨) وقوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (٩) وقوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (١٠) وقوله ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (١١) وقوله ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) (١٢) وقوله ( لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) الآيتين (١٣) وقوله ( ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً ) (١٤) وقوله ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) (١٥) وقوله ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) (١٦) وقوله ( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) (١٧) وقوله ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) (١٨) وقوله ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ) (١٩) وقوله ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) (٢٠) وقوله ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (٢١) وقوله ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) (٢٢).

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام فأما قوله تعالى : ( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) إنما يعني ( نَسُوا اللهَ ) في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته ( فَنَسِيَهُمْ ) في الآخرة أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا فصاروا منسيين من الخير وكذلك تفسير قوله عز وجل : ( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه والذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب.

وأما قوله ( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) فإن ربك تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم وقد تقول العرب نسينا فلان فلا يذكرنا أي إنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به

__________________

(١) التوبة ـ ١٩٧.

(٢) الأعراف ـ ٥١.

(٣) مريم ـ ٦٤.

(٤) ـ النبأ ـ ٣٨.

(٥) الأنعام ـ ٢٣.

(٦) العنكبوت ـ ٢٥.

(٧) ص ـ ٦٤.

(٨) ق ٢٨.

(٩) يس ـ ٦٥.

(١٠) القيامة ـ ٢٢.

(١١) الأنعام ـ ١٠٣.

(١٢) النجم ـ ١٤.

(١٣) النبأ ـ ٣٨.

(١٤) الشورى ـ ٥١

(١٥) المطففين ـ ١٥.

(١٦) الأنعام ـ ١٥٨.

(١٧) السجدة ـ ١٠.

(١٨) التوبة ـ ٧٧.

(١٩) الكهف ـ ١١٠.

(٢٠) الكهف ـ ٥٣.

(٢١) الأنبياء ـ.

(٢٢) المؤمنون ـ و ١٠٣.

٢٤١

قال علي عليه‌السلام وأما قوله عز وجل : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) وقوله ( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وقوله عز وجل ( يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) وقوله عز وجل يوم القيامة ( إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) وقوله ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ) وقوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) فإن ذلك في مواطن غير واحد ـ من مواطن ذلك اليوم الذي ( كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد ( يَكْفُرُ ) أهل المعاصي بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا والكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرأ بعضهم من بعض ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : ( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) وقول إبراهيم خليل الرحمن ( كَفَرْنا بِكُمْ ) يعني تبرأنا منكم.

ثم يجتمعون في مواطن أخر يبكون فيها فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لأزالت جميع الخلق عن معايشهم وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع ويفضوا إلى الدماء.

ثم يجتمعون في مواطن أخر فيستنطقون فيه فيقولون ( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلا ينفعهم إيمانهم بالله لمخالفتهم رسله وشكهم فيما أتوا به عن ربهم ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم ( الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) ـ فكذبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان بقوله : ( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) فيختم الله على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون ( لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ).

ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظم البلاء فذلك قوله عز وجل : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) الآية.

ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه فلا يتكلم أحد ( إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلى أممهم وتسأل الأمم فتجحد كما قال الله تعالى ( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) فيقولون ( ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ) فتستشهد الرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيشهد بصدق الرسل وتكذيب من جحدها من الأمم فيقول لكل أمة منهم بلى ( فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم ـ بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم كذلك قال الله لنبيه ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهده وتغييرهم سنته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على أدبارهم واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم : ( رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالمينَ ).

٢٤٢

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو المقام المحمود ـ فيثني على الله بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد قبله ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم الصالحين فيحمده أهل السماوات وأهل الأرضين فذلك قوله تعالى ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) فطوبى لمن كان له في ذلك المكان حظ ونصيب وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض وهذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه نسأل الله بركة ذلك اليوم.

قال علي عليه‌السلام وأما قوله ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدها [ بعد ما ] يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه ويشربون من آخر فتبيض وجوههم فيذهب عنهم كل أذى وقذى ووعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ومنه يدخلون الجنة فذلك قول الله عز وجل في تسليم الملائكة عليهم : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) فعند ذلك قوله تعالى أثيبوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم الله عز وجل فلذلك قوله تعالى ( إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ألم تسمع إلى قوله تعالى : ( فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) أي منتظرة بم يرجع المرسلون وأما قوله ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) ـ يعني محمدا كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عز وجل وقوله في آخر الآية : ( ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) رأى جبرئيل في صورته مرتين هذه مرة ومرة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل خلق عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم ولا صفتهم إلا الله رب العالمين.

قال علي عليه‌السلام وأما قوله ( ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) كذلك قال الله تعالى قد كان الرسول يوحي إليه رسل من السماء فتبلغ رسل السماء إلى الأرض وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا جبرئيل هل رأيت ربك؟ فقال جبرئيل إن ربي لا يرى.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أين تأخذ الوحي؟ قال آخذه من إسرافيل قال ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين قال ومن أين يأخذ ذلك الملك قال يقذف في قلبه قذفا.

فهذا وحي وهو كلام الله عز وجل وكلام الله ليس بنحو واحد منه ما كلم الله به الرسل ومنه ما قذف في قلوبهم ومنه رؤيا يراها الرسل ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله عز وجل.

قال علي عليه‌السلام وأما قوله : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) فإنما يعني به يوم القيامة عن

٢٤٣

ثواب ربهم لمحجوبون وقوله تعالى ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) يخبر محمدا عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله فقال : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ ) وحيث لم يستجيبوا لله ولرسوله : ( أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى فهذا خبر يخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم ثم قال : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) الآية يعني لم تكن آمنت من قبل أن تأتي هذه الآية وهذه الآية هي طلوع الشمس من مغربها وقال في آية أخرى ( فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) يعني أرسل عليهم عذابا وكذلك إتيانه بنيانهم حيث قال : ( فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ ) يعني أرسل عليهم العذاب.

قال علي عليه‌السلام وأما قوله عز وجل : ( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) وقوله ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) وقوله ( إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) وقوله ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ) يعني البعث فسماه لقاء كذلك قوله ( مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ ) يعني من كان يؤمن أنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب والعقاب فاللقاء هو البعث وكذلك ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون.

قال علي عليه‌السلام وأما قوله عز وجل : ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) يعني تيقنوا أنهم يدخلونها وكذلك قوله ( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) وأما قوله عز وجل للمنافقين : ( وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) فهو ظن شك وليس ظن يقين ـ والظن ظنان ظن شك وظن يقين فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك.

قال علي عليه‌السلام وأما قوله عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك وتعالى الخلائق بعضهم من بعض ويجزيهم بأعمالهم ويقتص للمظلوم من الظالم ومعنى قوله ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) فهو قلة الحساب وكثرته والناس يومئذ على طبقات ومنازل فمنهم من ( يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ) ومنهم الذين ( يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ) لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا وإنما الحساب هناك على من تلبس بها هاهنا ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ويصير إلى عذاب السعير ومنهم أئمة الكفر وقادة الضلالة فأولئك لا يقيم لهم وزنا ولا يعبأ بهم بأمره ونهيه يوم القيامة وهم ( فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ ) و ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ ).

ومن سؤال هذا الزنديق أن قال أجد الله يقول : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (١).

ومن موضع آخر يقول ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (٢) و ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ

__________________

(١) السجدة ـ ١١.

(٢) الزمر ـ ٤٢.

٢٤٤

طَيِّبِينَ ) (١) وما أشبه ذلك فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة للملائكة.

وأجده يقول : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ ) (٢) ويقول ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٣) أعلم في الآية الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفر وأعلم في الثانية أن الإيمان والأعمال الصالحات لا تنفع إلا بعد الاهتداء.

وأجده يقول ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) (٤) فكيف يسأل الحي من الأموات قبل البعث والنشور.

وأجده يقول ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (٥) فما هذه الأمانة ومن هذا الإنسان وليس من صفته العزيز العليم التلبيس على عباده.

وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) (٦) وبتكذيبه نوحا لما قال ( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) (٧) بقوله ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (٨) وبوصفه إبراهيم بأنه عبد كوكبا مرة ومرة قمرا ومرة شمسا وبقوله في يوسف : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) (٩) وبتهجينه موسى حيث قال : ( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ) الآية (١٠) وببعثه على داود جبرئيل وميكائيل حيث تسور المحراب وبحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغضبا ـ وأظهر خطأ الأنبياء وزللهم ووارى اسم من اغتر وفتن خلقا وضل وأضل وكنى عن أسمائهم في قوله : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) (١١) فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء؟

وأجده يقول : ( وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (١٢) و ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) (١٣) : ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ) (١٤) فمرة يجيئهم ومرة يجيئونه.

وأجده يخبر أنه يتلو نبيه شاهد منه وكان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره.

وأجده يقول ( ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (١٥) فما هذا النعيم الذي يسأل العباد عنه؟

وأجده يقول ( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ ) (١٦) ما هذه البقية؟

__________________

(١) النحل ـ ٣٢.

(٢) الأنبياء ـ ٩٤.

(٣) طه ـ ٨٢.

(٤) الزخرف ـ ٤٥.

(٥) الأحزاب ـ ٧٢.

(٦) طه ـ ١٢١.

(٧) هود ـ ٤٥.

(٨) هود ـ ٤٦.

(٩) يوسف ـ ٢٤.

(١٠) الأعراف ـ ١٤٣.

(١١) الفرقان ـ ٢٧.

(١٢) الفجر ـ ٣٢.

(١٣) الأنعام ـ ١٥٨.

(١٤) الأنعام ـ ٩٤.

(١٥) التكاثر ـ ٨.

(١٦) هود ـ ٨٦.

٢٤٥

وأجده يقول : ( يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) ( وفَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (١) ( وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (٢) ( وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ) (٣) ( وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ) (٤) ما معنى الجنب والوجه واليمين والشمال فإن الأمر في ذلك ملتبس جدا؟

وأجده يقول ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (٥) ويقول ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ ) (٦) ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (٧) ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) (٨) ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٩) ( وما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) (١٠) الآية.

وأجده يقول ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١١) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فما معنى ذلك؟

وأجده يقول ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١٢) فكيف يظلم الله؟ ومن هؤلاء الظلمة؟

وأجده يقول ( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) (١٣) فما هذه الواحدة؟

وأجده يقول ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) (١٤) وقد أرى مخالفي الإسلام معتكفين على باطلهم غير مقلعين عنه وأرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم يلعن بعضهم بعضا فأي موضع للرحمة العامة لهم المشتملة عليهم؟

وأجده قد بين فضل نبيه على سائر الأنبياء ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وانتقاص محله وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب أحدا من الأنبياء مثل قوله ( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ ) (١٥) وقوله ( لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) (١٦) ( إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) (١٧) وقوله ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) (١٨) وقوله ( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (١٩) وقال : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) (٢٠) فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام وهو وصي النبي فالنبي أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها : ( ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) وهذه كلها صفات مختلفة وأحوال

__________________

(١) البقرة ـ ١١٥.

(٢) القصص ٢٨.

(٣) الواقعة ـ ٢٧.

(٤) الواقعة ـ ٤١.

(٥) طه ـ ٥.

(٦) الملك ـ ١٦.

(٧) الزخرف ـ ٨٤.

(٨) الحديد ـ ٤.

(٩) ق ـ ١٦.

(١٠) المجادلة ـ ٧.

(١١) النساء ـ ٣.

(١٢) الأعراف ـ ١٦٠

(١٣) سبأ ـ ٤٦.

(١٤) الأنبياء ـ ١٠٧.

(١٥) الأنعام ـ ٣٥.

(١٦) الإسراء ـ ٧٤.

(١٧) الإسراء ـ ٧٥.

(١٨) الأحزاب ـ ٢٧.

(١٩) الأحقاف ـ ٩.

(٢٠) يس ـ ١٢.

٢٤٦

متناقضة وأمور مشكلة فإن يكن الرسول والكتاب حقا فقد هلكت لشكي في ذلك وإن كانا باطلين فما علي من بأس.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام سبوح قدوس رب الملائكة والروح تبارك وتعالى هو الحي الدائم القائم ( عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) هات أيضا ما شككت فيه.

قال حسبي ما ذكرت يا أمير المؤمنين.

قال سأنبئك بتأويل ما سألت ( وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) و ( عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ).

فأما قوله ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) وقوله ( يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) و ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) و ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ) و ( الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) فهو تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم ( بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال الله فيهم : ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتون منسوب إليه وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه ( يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ) على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء وإن فعل أمنائه فعله فما يشاءون ( إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ).

وأما قوله ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ ) وقوله ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) فإن ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ونجا سائر المقرين بالوحدانية ـ من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين الله ذلك بقوله : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) وبقوله ( الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ).

وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب وإيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ولم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة ـ إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطرق الحق.

٢٤٧

وقطع الله عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقة ومتعلم على سبيل النجاة أولئك هم الأقلون عددا وقد بين الله ذلك في أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله في قوم نوح ( وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) وقوله فيمن آمن من أمة موسى : ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) وقوله في حواري عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل ـ : ( مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) يعني بأنهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم ولا يستكبرون عن أمر ربهم فما أجابه منهم إلا الحواريون وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وبقوله ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) وبقوله ( اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وبقوله ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم فكل من عمل من أعمال الخير فجرى على غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم مردود وغير مقبول وأهله بمحل كفر وإن شملتهم صفة الإيمان ألم تسمع إلى قوله تعالى : ( وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ )؟

فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفع حق أوليائه و ( حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) وكذلك قال الله سبحانه ( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ) ـ وهذا كثير في كتاب الله عز وجل والهداية هي الولاية كما قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) والذين آمنوا في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأوصياء في عصر بعد عصر.

وليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويدفعون عهد رسول الله بما عهد به من دين الله وعزائمه وبراهين نبوته إلى وصيه ويضمرون من الكراهة لذلك والنقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيما قد بينه الله لنبيه بقوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ـ وبقوله ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) ومثل قوله ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء وهذا كثير في كتاب الله عز وجل وقد شق على النبي ما يئول إليه عاقبة أمرهم وإطلاع الله إياه على بوارهم فأوحى الله عز وجل إليه : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) و ( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ).

وأما قوله ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) فهذا من براهين نبينا التي آتاه إياها وأوجب به الحجة على سائر خلقه لأنه لما ختم به الأنبياء وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل خصه

٢٤٨

الله بالارتقاء إلى السماء عند المعراج ـ وجمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه من عزائم الله وآياته وبراهينه وأقروا أجمعون بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم ولم يستكبروا عن أمرهم وعرف من أطاعهم وعصاهم من أممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدم أو تأخر.

وأما هفوات الأنبياء عليهم‌السلام وما بينه الله في كتابه ووقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله عز وجل الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة لأنه علم أن براهين الأنبياء تكبر في صدور أممهم وأن منهم من يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عز وجل ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى حيث قال فيه وفي أمه : ( كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ) يعني أن من أكل الطعام كان له ثقل ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم ولم يكن عن أسماء الأنبياء تبجرا وتعررا (١) بل تعريفا لأهل الاستبصار.

إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وإنها من فعل المغيرين والمبدلين ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله : ( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) وبقوله ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ ) وبقوله ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) بعد فقد الرسول مما يقيمون به أود باطلهم (٢) حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه وبقوله ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه وبين إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم ( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ).

وضرب مثلهم بقوله : ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع فهي محل العلم وقراره.

وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم والرضا بهم ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عدا [ عددا ] من أهل الحق فلأن الصبر على ولاة الأمر

__________________

(١) البجر : العيب. والتعزير : اللوم والتأديب.

(٢) الأود : الاحتجاج.

٢٤٩

مفروض لقول الله عز وجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه.

وأما قوله ( وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) وقوله ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ) وقوله ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) فذلك كله حق وليست جيئته جل ذكره كجيئة خلقه فإنه رب كل شيء.

ومن كتاب الله عز وجل يكون تأويله على غير تنزيله ولا يشبه تأويله بكلام البشر ولا فعل البشر وسأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إن شاء الله تعالى وهو حكاية الله عز وجل عن إبراهيم عليه‌السلام حيث قال : ( إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي ) فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده ألا ترى أن تأويله غير تنزيله وقال : ( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ) ـ وقال ( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) فإنزاله ذلك خلقه إياه.

وكذلك قوله ( إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) أي الجاحدين والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.

ومعنى قوله ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) فإنما خاطب نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله هل ينتظر المنافقون والمشركون ( إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ ) فيعاينونهم ( أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) يعني بذلك أمر ربك والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون الخالية وقال ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه إتيانا وقال ( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) أي لعنهم الله أنى يؤفكون فسمى اللعنة قتالا وكذلك قال ( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) أي لعن الإنسان وقال ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) ـ فسمى فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعلا له ألا ترى تأويله على غير تنزيله ومثل قوله ( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) فسمى البعث لقاء وكذلك قوله ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) أي يوقنون أنهم مبعوثون ومثله قوله ( أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) أي ليس يوقنون أنهم مبعوثون واللقاء عند المؤمن البعث وعند الكافر المعاينة والنظر.

وقد يكون بعض ظن الكافر يقينا وذلك قوله ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) أي تيقنوا أنهم مواقعوها.

وأما قوله في المنافقين ( وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) فليس ذلك بيقين ولكنه شك فاللفظ واحد في الظاهر ومخالف في الباطن وكذلك قوله ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) يعني استوى تدبيره وعلا أمره ـ وقوله ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) وقوله ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) وقوله ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه وأن فعله فعلهم.

٢٥٠

فافهم عني ما أقول لك فإني إنما أزيدك في الشرح لأثلج في صدرك وصدر من لعله بعد اليوم يشك في مثل ما شككت فيه فلا يجد مجيبا عما يسأل عنه لعموم الطغيان والافتتان واضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب إلى الاكتتام والاحتجاب خيفة أهل الظلم والبغي.

أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا والباطل ظاهرا مشهورا وذلك إذا كان أولى الناس بهم أعداهم له : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ ) وعظم الإلحاد وظَهَرَ الْفَسادُ ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً. ونحلهم الكفار أسماء الأشرار فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح الله الفرج لأوليائه ويظهر صاحب الأمر على أعدائه.

وأما قوله ( وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) فذلك حجة الله أقامها على خلقه وعرفهم أنه لا يستحق مجلس النبي إلا من يقوم مقامه ولا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله لئلا يتسع لمن ماسه حس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه إذ كان الله قد حظر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) فلما علم إبراهيم عليه‌السلام أن عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ).

واعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين والكفار على الأبرار ( فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ) إذا كان قد بين في كتابه الفرق بين المحق والمبطل والطاهر والنجس والمؤمن والكافر وأنه لا يتلو النبي عند فقده إلا من حل محله صدقا وعدلا وطهارة وفضلا.

وأما الأمانة التي ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب ولا تجوز أن تكون إلا في الأنبياء وأوصيائهم لأن الله تبارك وتعالى ائتمنهم على خلقه وجعلهم حججا في أرضه والسامري [ فبالسامري ] ومن أجمع [ اجتمع ] معه وأعانه من الكفار على عبادة العجل عند غيبة موسى ما تم انتحال محل موسى من الطغام والاحتمال لتلك الأمانة التي لا ينبغي إلا لطاهر من الرجس فاحتمل وزرها ووزر من سلك سبيله من الظالمين وأعوانهم ولذلك قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن استن سنة حق كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ولهذا القول من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد من كتاب الله وهو قول الله عز وجل في قصة قابيل قاتل أخيه : ( مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) وللإحياء في هذا الموضع تأويل في الباطن ليس كظاهره وهو من هداها لأن الهداية هي حياة الأبد ومن سماه الله حيا لم يمت أبدا إنما ينقله من دار محنة إلى دار راحة ومنحة.

وأما ما كان من الخطاب بالانفراد مرة وبالجمع مرة من صفة الباري جل ذكره فإن الله تبارك وتعالى اسمه على ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانية هو النور الأزلي القديم الذي ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) لا يتغير ويحكم ( ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ) و ( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) ولا راد لقضائه ولا ما خلق زاد في ملكه وعزه ولا نقص منه ما لم يخلقه وإنما أراد بالخلق إظهار قدرته وإبداء سلطانه وتبيين براهين حكمته

٢٥١

فخلق ما شاء كما شاء وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه وكان فعلهم فعله وأمرهم أمره كما قال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ـ وجعل السماء والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه ليميز ( الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) مع سابق علمه بالفريقين من أهلها وليجعل ذلك مثالا لأوليائه وأمنائه وعرف الخليقة فضل منزلة أوليائه فرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده وتوحده وبأن له أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله فهم العباد المكرمون ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) هو الذي (١) ( أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) وهم النعيم الذي يسأل العباد عنه لأن الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم.

قال السائل من هؤلاء الحجج؟

قال هم رسول الله ومن حل محله من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه ورسوله وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وقال فيهم ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ).

قال السائل ما ذاك الأمر؟

قال علي عليه‌السلام الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها ( كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) من خلق ورزق وأجل وعمل وعمر وحياة وموت وعلم غيب السماوات والأرض والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه وهم وجه الله الذي قال : ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ـ هم بقية الله يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ومن آياته الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان وحلول الانتقام ولو كان هذا الأمر الذي عرفتك نبأه للنبي دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ولقال نزلت الملائكة وفرق كل أمر حكيم ولم يقل ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ ) و ( يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم‌السلام ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) تعريفا للخليقة قربهم ألا ترى أنك تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه.

وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت به الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة

__________________

(١) في بعض النسخ : « وهم الذين ».

٢٥٢

( أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى ( اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ).

ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال الله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) أغشى أبصارهم وجعل ( عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً* ) عن تأمل ذلك فتركوه بحاله وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله فالسعداء ينهون [ يتثبتون ] عليه والأشقياء يعمون عنه ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ).

ثم إن الله جل ذكره لسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن ( شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) وقسما لا يعرفه إلا الله وأمناؤه ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) وإنما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا (١) وافتراء على الله عز وجل ـ واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عز وجل ورسوله.

فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله في كتاب الله فهو قول الله عز وجل : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) وقوله ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) والباطن قوله ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضله عليكم وما عهد به إليه تسليما وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه وكذلك قوله سلام على آل ياسين لأن الله سمى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : ( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ـ لعلمه بأنهم يسقطون قول الله سلام على آل محمد كما أسقطوا غيره وما زال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى أذن الله عز وجل في إبعادهم بقوله : ( وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ) وبقوله ( فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ. أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ. كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) وكذلك قول الله عز وجل : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) ولم يسم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم.

وأما قوله ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) فإنما أنزلت كل شيء هالك إلا دينه لأن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه هو أجل وأكرم وأعظم من ذلك إنما يهلك من ليس منه ألا ترى أنه قال ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) ـ ففصل بين خلقه ووجهه.

__________________

(١) أي تمنعا وتمردا.

٢٥٣

وأما ظهورك على تناكر قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ـ وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال ـ وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء (١) :

وأما قوله ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من أن يظلم ولكن قرن أمناءه على خلقه بنفسه وعرف الخليقة جلالة قدرهم عنده وأن ظلمهم ظلمه بقوله ( وَما ظَلَمُونا ) ببغضهم أولياءنا ومعونة أعدائهم عليهم ( وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) إذ حرموها الجنة وأوجبوا عليها خلود النار.

وأما قوله ( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) فإن الله جل ذكره نزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر ولكنه جعل الأناة والمداراة أمثالا لأمنائه ـ وإيجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة والشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات

__________________

(١) في ج ١ ص ١٥ من تفسير مجمع البيان للطبرسي قال :

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فانه لا يليق بالتفسير ، فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأما النقصان منه ، فقد روى جماعة من أصحابنا ، وقوم من حشوية العامة : أن في القرآن تغييرا ونقصانا ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى « قدس الله روحه » واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء ، في جواب المسائل الطرابلسيات ، وذكر في مواضع : أن العلم بصحة نقل القرآن : كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ... إلى أن قال : وذكر أيضا رضي‌الله‌عنه : أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن ، واستدل على ذلك : بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه :

كان يعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا ، مرتبا ، غير مبتور ، ولا مبثوث ، وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها ، لا يرجع لمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.

وقال آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتاب « أصل الشيعة واصولها »

وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وانه لا نقص فيه ، ولا تحريف ، ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه ، أو تحريف ، فهو مخطئ ، يرده نص الكتاب العظيم ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم ، الظاهرة في نقصه أو تحريفه ، ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد ، لا تفيد علما ولا عملا ، فأما أن تأول بنحو من الاعتبار أو يضرب بها عرض الجدار.

٢٥٤

وما يجري مجراها من مال الفيء فقال المنافقون هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضه شيء آخر يفترضه فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره فأنزل الله في ذلك ( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) يعني الولاية.

وأنزل ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) ـ وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل ولو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من ذكره وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ليجهل معناها المحرفون فيبلغ إليك وإلى أمثالك وعند ذلك قال الله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ).

وأما قوله للنبي ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ـ وإنك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان ومن يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية وإنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير فإن الله تبارك وتعالى إنما عنى بذلك أنه جعله سببا لإنظار أهل هذه الدار لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض وكان النبي منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كان نبيهم يتوعدهم بها ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب التي هلكت بها الأمم الخالية.

وإن الله علم من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه من كنت مولاه فهذا مولاه ـ وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وليس من خليقة النبي ولا من النبوة أن يقول قولا لا معنى له فلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة والأخوة موجودتين في خلقة هارون ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلته أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال له ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) ولو قال لهم لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه وإلا نزل بكم العذاب لأتاهم العذاب وزال باب الإنظار والإمهال.

وبما أمر بسد باب الجميع وترك بابه ثم قال ما سددت ولا تركت ولكني أمرت فأطعت فقالوا سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا.

فأما ما ذكروه من حداثة سنه فإن الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد بالوصية إليه وهو في سن ابن سبع سنين ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته وإنما جعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الأمور ـ وأن وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا.

وبأن عمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيه وأمره بقراءتها على أهل مكة فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيه وأمره بارتجاعها منه والنفوذ إلى مكة ليقرأها

٢٥٥

على أهلها وقال إن الله جل جلاله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني دلالة منه على خيانة من علم أن الأمة اختارته على وصيه.

ثم شفع ذلك بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه ومن يوازره في تقدم المحل عند الأمة إلى علم النفاق عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل ولاهما عمرو حرس عسكره.

وختم أمرهما بأن ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد وأمرهما بطاعته والتصريف بين أمره ونهيه وكان آخر ما عهد به في أمر أمته قوله أنفذوا جيش أسامة يكرر ذلك على أسماعهم إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين.

ولو عددت كل ما كان من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في إظهار معايب المستولين على تراثه لطال وإن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمة ومستقيلا (١) مما قلدوه لقصور معرفته على تأويل ما كان يسأل عنه وجهله بما يأتي ويذر.

ثم أقام على ظلمه ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره فأتى التالي بتسفيه رأيه والقدح والطعن على أحكامه ورفع السيف عمن كان صاحبه وضعه عليه ورد النساء اللاتي كان سباهن إلى أزواجهن وبعضهن حوامل (٢) وقوله قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي إنك لحدب على أهل الكفر وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم.

ولم يزل يخطئه ويظهر الإزراء عليه ويقول على المنبر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه وكان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا ليته حسنة من حسناته ويود أنه كان شعرة في صدره وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الإسلام.

وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها عقد الظلم والإلحاد والغي والفساد حتى تقرر على إرادته ما لم يخف على ذي لب موضع ضرره.

ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل فعاجلته بالقتل فاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة.

كل ذلك لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس إلى أن ( يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) ويقترب الوعد الحق الذي بينه في كتابه بقوله : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (٣) وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له.

__________________

(١) إشارة إلى قول أبي بكر « أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ».

(٢) راجع قصة مالك بن نويرة في ترجمة خالد بن الوليد فيما مضى من هذا الكتاب.

(٣) النور ـ ٥٥.

٢٥٦

وعند ذلك يؤيده الله ( بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) ـ ويظهر دين نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على يديه ( عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).

وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ربه كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن مالأه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه وتغيير ملته ومخالفته سنته ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وإيحاشهم منه وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه.

ولقد علم الله ذلك منهم فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ) وقال ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ ) ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف ألف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل ـ وأن ذلك إن ظهر نقص ما عهدوه قالوا لا حاجة لنا فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا وكذلك قال ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ).

دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم وافترائهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم وهو عليهم ـ وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال ( ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم.

والذي بدا في الكتاب من الإزراء على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فرقة الملحدين ولذلك قال و ( لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) ويذكر جل ذكره لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ) يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين و ( يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ) بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال ( بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ).

فافهم هذا واعلمه واعمل به واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما

٢٥٧

سألت عنه وإني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم وقلة الراغبين في التماسه وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب.

قال السائل حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين شكر الله لك على استنقاذي من عماية الشرك وطخية الإفك وأجزل على ذلك مثوبتك ( إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وصلى الله أولا وآخرا على أنوار الهدايات وأعلام البريات محمد وآله أصحاب الدلالات الواضحات وسلم تسليما كثيرا

عن الأصبغ بن نباتة قال : لما بويع أمير المؤمنين عليه‌السلام خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لابسا بردته منتعلا بنعل رسول الله ومتقلدا بسيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصعد المنبر فجلس متمكنا ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال :

يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني وهذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا ما زقني رسول الله زقا زقا سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين.

أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الزبور بزبورهم ـ وأهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول صدق علي لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما أنزل الله فيه ولو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (١).

ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أم في نهار نزلت مكيها ومدنيها سفريها وحضريها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لأنبأتكم.

فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ ـ فأجابه بما تقدم ذكرنا إياه (٢).

قال فسلوني قبل أن تفقدوني.

فقام إليه رجل من أقصى المجلس فقال يا أمير المؤمنين دلني على عمل ينجيني الله به من النار ويدخلني الجنة.

قال اسمع ثم افهم ثم استيقن قامت الدنيا بثلاث بعالم ناطق مستعمل لعلمه وبغني لا يبخل بماله على دين الله وبفقير صابر فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله ولم يصبر الفقير على فقره فعندها الويل والثبور وكادت الأرض أن ترجع إلى الكفر بعد الإيمان.

أيها السائل لا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم متفرقة فإنما الناس

__________________

(١) الرعد ـ ٣٩.

(٢) مر جوابه عليه‌السلام لسائل سأله السؤال نفسه فقال : لم أك بالذي أعبد من لم أره ... الخ » فراجعه.

٢٥٨

ثلاث زاهد وراغب وصابر.

أما الزاهد فلا يفرح بالدنيا إذا أتته ولا يحزن عليها إذا فاتته وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لعلمه بسوء العاقبة وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.

ثم قال يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟

قال ينظر إلى ولي الله فيتولاه وإلى عدو الله فيتبرأ منه وإن كان حميما قريبا.

قال صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم غاب فلم ير فقال هذا أخي الخضر عليه‌السلام تمام الخبر

وعن الأصبغ بن نباتة قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه‌السلام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس سلوني فإن بين جوانحي علما جما فقام إليه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين ما الذاريات ( ذَرْواً )؟

قال الرياح.

قال فما الحاملات ( وِقْراً )؟ قال السحاب.

قال فما الجاريات ( يُسْراً )؟ قال السفن.

قال فما المقسمات ( أَمْراً )؟ قال الملائكة.

قال يا أمير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا.

قال ثكلتك أمك يا ابن الكواء كتاب الله يصدق بعضه بعضا ولا ينقض بعضه بعضا فسل عما بدا لك.

قال يا أمير المؤمنين سمعته يقول ـ رب ( الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) وقال في آية أخرى ( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) وقال في آية أخرى ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ).

قال ثكلتك أمك يا ابن الكواء هذا المشرق وهذا المغرب وأما قوله ( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) فإن مشرق الشتاء على حدة ومشرق الصيف على حدة أما تعرف بذلك من قرب الشمس وبعدها؟ وأما قوله رب ( الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) فإن لها ثلاثمائة وستين برجا تطلع كل يوم من برج وتغيب في آخر فلا تعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم.

قال يا أمير المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك؟

قال ثكلتك أمك يا ابن الكواء سل متعلما ولا تسأل متعنتا من موضع قدمي إلى عرش ربي أن يقول قائل مخلصا لا إله إلا الله.

٢٥٩

قال يا أمير المؤمنين فما ثواب من قال لا إله إلا الله؟

قال من قال لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض فإن قال ثانية لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة الله فإذا قال ثالثة لا إله إلا الله مخلصا تنته [ لم تنهنه ] دون العرش فيقول الجليل اسكني فو عزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ثم تلا هذه الآية : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) يعني إذا كان عمله صالحا ارتفع قوله وكلامه.

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوس قزح.

قال ثكلتك أمك لا تقل قوس قزح فإن قزحا اسم الشيطان ولكن قل قوس الله إذا بدت يبدو الخصب والريف.

قال أخبرني يا أمير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء؟

قال هي شرج في السماء وأمان لأهل الأرض من الغرق ومنه غرق الله قوم نوح ( بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ).

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر؟

قال عليه‌السلام الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أما سمعت الله تعالى يقول : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (١)؟

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن أي أصحاب رسول الله تسألني؟

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

قال يا أمير المؤمنين فأخبرني عن سلمان الفارسي قال بخ بخ سلمان منا أهل البيت ومن لكم بمثل لقمان الحكيم علم علم الأول والآخر.

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني قال ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما.

قال يا أمير المؤمنين فأخبرني عن عمار بن ياسر قال ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار أن تمس شيئا منها.

قال يا أمير المؤمنين فأخبرني عن نفسك قال كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت.

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عز وجل : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ) الآية.

__________________

(١) الإسراء ١٢.

٢٦٠