.................................................................................................
______________________________________________________
التمسك بالعام في غير مورد دلالة الخاص عليه كالساعة الثانية من النهار ، بداهة : أن الجلوس فيها فرد آخر للعام يشك في خروجه ، فيتمسك بالعام لكونه شكا في التخصيص الزائد ؛ إذ المفروض : أن للعام عموما أزمانيا كعمومه الأفرادي.
٨ ـ حكم ما إذا كان الزمان ظرفا للعام وقيدا للخاص :
وهو القسم الثالث الذي أشار إليه بقوله : «وإن كان مفاد العام على النحو الأول» وحاصله : أنه لا يرجع فيه إلى العموم كما لا يجري فيه الاستصحاب ، فلا بد في تعيين الوظيفة من الرجوع إلى حجة أخرى.
أما عدم مرجعية العام فيه : فلفرض ظرفية الزمان لاستمرار حكم وحداني لكل واحد من أفراده ، وقد انقطع هذا الحكم بورود المخصص الذي كان الزمان قيدا له.
وأما عدم جريان استصحاب حكم الخاص فيه : فلتعدد الموضوع حيث إن زمان الخاص فرد مغاير لما بعده من الزمان ، فاستصحاب حكم الموضوع الواقع في زمان خاص إلى الموضوع الواقع بعد زمان الخاص تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر مغاير للموضوع الأول ، ومع تعدد الموضوع يكون قياسا لا استصحابا.
وقد أشار إلى القسم الرابع بقوله : «وإن كان مفادهما على العكس» وهو ما إذا كان الزمان قيدا للعام وظرفا للخاص ، والمرجع حينئذ في غير مورد دلالة الخاص هو العام ؛ إذ المفروض : أن ما بعد زمان الخاص فرد أيضا من أفراد العام ويشك في تخصيصه زائدا على التخصيص المعلوم ، وقد قرر في محله : مرجعية العام في الشك في التخصيص الزائد كمرجعيته في الشك في أصل التخصيص ، ومع دلالة العام على حكم غير مورد دلالة الخاص لا مجال لاستصحاب حكم الخاص أصلا ؛ لعدم جريان الأصل مع الدليل.
٩ ـ نظريات المصنف «قدسسره» :
١ ـ استصحاب حكم المخصص فيما إذا كان الزمان ظرفا لكل من العام والخاص.
٢ ـ الرجوع إلى العام في غير مورد دلالة الخاص إن كان الزمان قيدا لكل من العام والخاص.
٣ ـ الرجوع إلى حجة أخرى دون العام ، واستصحاب حكم المخصص فيما إذا كان الزمان ظرفا للعام وقيدا للخاص.
٤ ـ المرجع في غير مورد دلالة الخاص هو العام فيما إذا كان الزمان قيدا للعام وظرفا للخاص.
الرابع عشر (١) : الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين ، فمع (٢) الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب. ويدل عليه (٣) ـ مضافا إلى أنه كذلك لغة (٤) كما في الصحاح (٥) ، ...
______________________________________________________
في كون المراد بالشك في الاستصحاب هو خلاف اليقين
(١) الغرض من عقد هذا التنبيه الرابع عشر : هو بيان ما هو المراد من الشك المأخوذ في الاستصحاب ، وهو أحد ركني الاستصحاب ، هل المراد هو الشك بمعنى : تساوي الطرفين ، أو بمعنى اللغوي أعني : عدم اليقين الشامل للظن غير المعتبر؟ فيكون المراد باليقين حينئذ هو الأعم من اليقين الوجداني كالعلم ، واليقين التعبدي كالظن المعتبر.
وما يظهر من المصنف «قدسسره» هو المعنى الثاني ، أعني : المراد من الشك هو خلاف اليقين حيث قال : «الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين» ، فيشمل للشك بمعنى : تساوي الاحتمالين وراجحهما ومرجوحهما ، أعني : الشك والظن والوهم.
ووجه الظهور : هو جعل الناقض لليقين السابق في أخبار الباب منحصرا في اليقين بالخلاف ، فما لم يحصل هذا الناقض يبني على اليقين السابق وإن حصل الظن على خلافه ، وإلّا مع قيام الحجة على اعتباره.
(٢) هذه نتيجة أعمية الشك ؛ إذ مع كونه بمعنى بتساوى الاحتمالين ـ كما هو المصطلح من الشك عند أهل الميزان ـ لا يندرج شيء من الظن بالخلاف والوفاق في الشك بمعناه الاصطلاحي.
(٣) أي : ويدل على كون الشك خلاف اليقين أمور هذا أولها ، وبيانه : أن غير واحد من اللغويين صرح بأن الشك هو خلاف اليقين ؛ بل يمكن استظهار اتفاقهم على ذلك من كلمات بعضهم ، ففي مجمع البحرين : «الشك : الارتياب ، وهو خلاف اليقين ، ويستعمل فعله لازما ومتعديا كما نقل عن أئمة اللغة ، فقولهم : خلاف اليقين يشتمل التردد بين الشيئين ، سواء استوى طرفاه أم رجح أحدهما على الآخر». مجمع البحرين ، ٢ ، ٥٣٦.
(٤) قد عرفت عبارة مجمع البحرين وظهورها في اتفاق أهل اللغة عليه ، وقوله : «كذلك» أي : خلاف اليقين.
(٥) قال فيه : «الشك خلاف اليقين» (١) ومثله ما في القاموس (٢).
__________________
(١) مجمع البحرين ٢ : ٥٣٦ ـ شك.
(٢) القاموس المحيط ٣ : ٣٠٩ ـ الشك.
وتعارف (١) استعماله فيه في الأخبار في غير باب (٢) ـ قوله (٣) «عليهالسلام» في
______________________________________________________
(١) عطف على «أنه» يعني : ومضافا إلى تعارف استعماله ، وهذا إشارة إلى الأمر الثاني ، ومحصله : استعمال لفظ الشك في روايات الشك في عدد الركعات وأخبار قاعدة التجاوز ؛ بل وبعض الأصول العملية ، حيث إن المراد بالشك فيها خلاف اليقين. فراجع محله في الفقه.
(٢) يعني : في أبواب متعددة كباب الشك في الركعات ، وقاعدتي التجاوز والفراغ وغيرها. وضمير «استعماله» راجع إلى الشك ، وضمير «فيه» راجع إلى «خلاف اليقين».
(٣) فاعل «ويدل» ، وهذا إشارة إلى الأمر الثالث ، ومحصله : أنه يدل على إرادة «خلاف اليقين» من «الشك» ما ورد في نفس أخبار الاستصحاب من موارد نبّه عليها الشيخ أيضا.
منها : قوله «عليهالسلام» في صحيحة زرارة الأولى المتقدمة : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ، حيث إنه يحدد ناقض اليقين باليقين ، وقد ثبت في محله : «أن التحديد يفيد الحصر ، فإن تحديد الكرّ بألف ومائتي رطل عراقي مثلا ينفي الزيادة على هذا المقدار والنقيصة عنه ، ففي المقام ينفي حصر الناقض باليقين كل ما هو خلاف اليقين من الشك المصطلح والظن والوهم ، غاية الأمر : أن الظن المعتبر كالعلم في الاعتبار.
وبالجملة : يدل هذا الحصر بقرينة التحديد أن المراد بالشك في باب الاستصحاب خلاف اليقين ، ثم يراد باليقين بسبب دليل حجية الأمارات غير العلمية الحجة ، فكأنه قيل : «لا تنقض اليقين إلّا بالحجة على خلافه».
ومنها : قوله «عليهالسلام» في الصحيحة المتقدمة أيضا : «لا حتى يستيقن أنه قد نام».
توضيحه : أن إطلاق جواب الإمام «عليهالسلام» بعدم وجوب الوضوء على من تيقن الطهارة وعرضته الخفقة والخفقتان ؛ بحيث لم يلتفت إلى تحريك شيء في جنبه ، مع ترك استفصاله «عليهالسلام» بين إفادة الخفقة ـ التي هي من أمارات النوم عادة ـ للظن بالنوم وعدمها ، مع إفادتها له أحيانا «يدل» على أن الحكم المذكور أعني : عدم وجوب الوضوء ثابت ما لم يحصل العلم بالخلاف ، ولو حصل الظن بالخلاف فلا بد أن يراد بالشك حينئذ خلاف اليقين ، فيدل على اعتبار الاستصحاب مطلقا حتى مع الظن بالخلاف.
ومنها : قوله «عليهالسلام» : «ولا تنقض اليقين بالشك» ، بتقريب : أنه «عليهالسلام» ـ بعد الحكم بعدم وجوب إعادة الوضوء إلّا بعد اليقين بالنوم ـ نهى عن نقض اليقين بالشك وهذا النهي بقرينة ذلك الحكم المغيّى باليقين بالخلاف أي : النوم يراد بالشك في
أخبار الباب : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ، حيث (١) إن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وأنه (٢) ليس إلّا اليقين. وقوله (٣) أيضا : «لا حتى يستيقن أنه قد نام» بعد السؤال عنه «عليهالسلام» عما إذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ، حيث (٤) دل بإطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الأمارة (٥) الظن وما إذا لم تفده ، بداهة (٦) أنها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا على (٧) عموم النفي لصورة الإفادة.
وقوله (٨) «عليهالسلام» ...
______________________________________________________
جملة النهي خلاف اليقين الذي هو مطلق يشمل الشك والظن والوهم ، هذا ما يتعلق بظاهر عبارة المتن.
(١) هذا تقريب دلالة «ولكن تنقضه بيقين آخر» على إرادة خلاف اليقين من الشك في أخبار الاستصحاب ، وقد عرفت تقريبه ، فلا حاجة لى الإعادة والتكرار.
وضميرا «ظاهره ، أنه» راجعان إلى «قوله» ، وضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول.
(٢) عطف على «أنه». وضميره راجع إلى الموصول يعني : وأن ما ينقض به اليقين ليس إلّا اليقين ، وإذا انحصر الناقض باليقين فلا محالة يراد بالشك خلاف اليقين.
(٣) عطف على «قوله» ، وهذا أيضا من الصحيحة الأولى لزرارة.
(٤) هذا تقريب الاستدلال بالجملة المذكورة ، وقد مر توضيحه. وضميرا «بإطلاقه ، والمستتر» في «دل» راجعان إلى «قوله» و «بعد السؤال» ظرف ل «قوله».
(٥) وهي الخفقة والخفقتان ، حيث إنهما أمارتان تفيدان الظن بالنوم تارة ، ولا تفيدانه أخرى.
(٦) غرضه : إثبات صحة الإطلاق الناشئ عن ترك الاستفصال.
توضيحه : أن الأمارة المزبورة لما كانت مفيدة للظن بالنوم ـ ولو نادرا ـ كان لاستفصال الإمام «عليهالسلام» عن إفادتها للظن وعدمها مجال ، فترك الاستفصال حينئذ يفيد الإطلاق ، وعدم إعادة الوضوء مطلقا ، سواء أفادت هذه الأمارة الظن بالنوم أم لم تفده ، وضمير «أنها» راجع إلى الأمارة.
(٧) متعلق بقوله : «دل» ، والمراد ب «عموم النفي» نفي وجوب الوضوء في كلتا صورتي الظن بالخلاف ـ أي : بحصول النوم ـ وعدمه. وضميرا «له» في كلا الموضعين راجعان إلى الظن.
(٨) عطف على قوله : «قوله» يعني : ويدل عليه قوله «عليهالسلام» بعده : «ولا ينقض
بعده (١) : «ولا ينقض اليقين بالشك» أن (٢) الحكم في المغيّى (٣) مطلقا (٤) هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى.
وقد استدل عليه (٥) أيضا بوجهين آخرين : الأول : الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف (٦) على تقدير اعتباره من باب الأخبار.
وفيه (٧) : أنه لا وجه لدعواه ، ولو سلم اتفاق الأصحاب على ...
______________________________________________________
اليقين بالشك» ، وهو إشارة إلى المورد الثالث المتقدم وهو «ومنها : قوله «عليهالسلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك».
(١) أي : بعد قوله «عليهالسلام» : «لا حتى يستيقن أنه قد نام».
وقد عرفت : أن جملة «ولا ينقض اليقين بالشك» بنفسها لا تصلح لإثبات إرادة خلاف اليقين من الشك ، بل لا بد من ضم جملة «حتى يستيقن أنه قد نام» إليها ، ولا حاجة إلى مثل هذا الاستدلال التكلفي مع إمكان إثبات المطلوب بغيره بلا تكلف ، كقوله «عليهالسلام» : «ولكن ينقضه بيقين آخر» كما صنعه الشيخ.
(٢) الصواب دخول «على» على «أن» وهو متعلق ب «يدل» ، يعني : ويدل قوله «عليهالسلام» ... الخ.
(٣) وهو قوله «عليهالسلام» : «لا حتى يستيقن أنه قد نام».
(٤) يعني : وإن كان الظن على خلافه ، فلا بد من البناء على الوضوء المعلوم سابقا حتى مع الظن بخلافه.
(٥) أي : واستدل على كون الشك في باب الاستصحاب خلاف اليقين بوجهين آخرين ـ غير الوجوه الثلاثة المتقدمة ـ أولهما الإجماع والمستدل بهما هو الشيخ في الرسائل ، راجع : «دروس في الرسائل ، ج ٥ ، ص ١٩٢» ، حيث قال «ويدل عليه وجوه : الأول : الإجماع القطعي» (١) ، يعني : مقتضى الإجماع القطعي هو حجية الاستصحاب مع الظن بالخلاف بناء على اعتباره من باب الأخبار والتعبد ، لا من باب الظن.
(٦) أي : بخلاف الحالة السابقة ، لكن الإجماع على الاعتبار إنما هو «على تقدير اعتباره» أي : اعتبار الاستصحاب «من باب الأخبار». أما لو اعتبرناه من باب إفادته الظن لم يكن حجة إذا كان الظن النوعي على خلافه.
(٧) هذا جواب الاستدلال بالإجماع ، وهو ينحل إلى وجهين :
أحدهما : عدم ثبوت الاتفاق على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف ، إما لما
__________________
(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٨٥.
الاعتبار (١) ؛ لاحتمال (٢) أن يكون ذلك (٣) من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه.
الثاني (٤) : أن الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره ...
______________________________________________________
قيل : من كون المسألة مستحدثة ، وأنه لم يكن لها في كلمات المتقدمين على الشيخ المفيد «قدسسره» عين ولا أثر. وإما لاختلاف من تعرض لها في حجيته مطلقا ، أو في خصوص الشك الذي تساوى طرفاه. هذا ما أشار إليه بقوله : «لا وجه لدعواه» أي : دعوى الإجماع.
ثانيهما : أنه بعد فرض ثبوت الاتفاق المزبور يحتمل استنادهم في ذلك إلى ظهور الأخبار المشار إليها فيه ، ومع هذا الاحتمال يخرج عن الإجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم «عليهالسلام» إلى الإجماع المدركي ، الذي لا يصلح للركون إليه كما لا يخفى. وقد أشار إليه بقوله : «لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه». وضمير «أنه» للشأن ، وضمير «اعتباره» راجع إلى الاستصحاب.
(١) أي : اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف.
(٢) تعليل لقوله : «لا وجه لدعواه» وحاصله : أنه مع احتمال استناد المجمعين إلى الروايات لا يصلح هذا الإجماع للحجية لاحتمال مدركيته.
(٣) أي : اتفاق الأصحاب. وضمير «عليه» راجع إلى الاعتبار مع الظن بالخلاف.
(٤) هذا هو الوجه الثاني الذي استدل به الشيخ «قدسسره».
وبيانه : أن الظن على خلاف اليقين السابق إن كان عدم اعتباره لقيام الدليل الخاص عليه كالظن القياسي ، فمعنى عدم حجيته : عدم الاعتناء به وفرض وجوده كعدمه ، ولازم هذا الفرض : جريان الاستصحاب في صورة قيامه على خلاف اليقين السابق كصورة عدم قيامه على خلاف ذلك اليقين ؛ لأن من آثار تنزيل وجوده منزلة عدمه جريان الاستصحاب مع وجوده كجريانه مع عدمه.
وإن كان عدم اعتباره لعدم الدليل على حجيته كالشهرة الفتوائية ونحوها من الظنون غير المنهي عنها بدليل خاص ، فعدم جواز رفع اليد به عن اليقين إنما هو لأجل صدق نقض اليقين بالشك على هذا الرفع ، ومن البديهي : عدم جوازه ، وذلك لأن الحكم الواقعي وإن لم يكن مشكوكا في الزمان اللاحق بل مظنون العدم لقيام الظن على خلافه ؛ إلّا إن الحكم الفعلي المعلوم في السابق يكون مشكوك البقاء في اللاحق ؛ لأن جواز المضي على طبق الظن بارتفاعه مشكوك أيضا ، فيصير الحكم الفعلي مشكوكا فيه فعلا بعد ما كان متيقنا سابقا ، وهذا بنفسه موضوع أدلة الاستصحاب من نقض اليقين السابق بالشك اللاحق.
بالدليل (١) فمعناه : أن وجوده كعدمه عند الشارع ، وأن (٢) كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده وإن كان (٣) مما شك في اعتباره ، فمرجع (٤) رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيدا (٥).
وفيه (٦) : أن قضية عدم اعتباره ـ لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره ـ لا يكاد
______________________________________________________
(١) أي : الدليل الخاص كالظن القياسي حيث إنه نهى عنه بنص خاص.
(٢) عطف تفسيري لقوله : «أن وجوده» وأن محصله : أن معنى وجوده كعدمه هو ترتيب أثر عدمه على وجوده ، فكما لو لم يقم الظن القياسي على خلاف الحالة السابقة كان الاستصحاب جاريا ، فكذلك لو قام على خلافها.
وضمير «فمعناه» راجع إلى «عدم اعتباره» ، وضمائر «وجوده ، كعدمه ، عدمه وجوده» راجعة إلى «الظن».
(٣) عطف على «إن علم» ، والأولى أن يقال : «وإن شك في اعتباره» ؛ لكنه عين عبارة الشيخ «قدسسره».
وكيف كان ؛ فهو إشارة إلى صورة كون عدم حجية الظن لأجل عدم الدليل على اعتباره. وقد مرّ توضيح ذلك.
(٤) جواب «وإن كان». وقوله «بسببه» متعلق ب «مرجع».
(٥) لعله إشارة إلى منع صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن اليقين السابق بالظن المشكوك اعتباره ؛ إذ لا بد في صدقه من اتحاد متعلق اليقين والشك حتى يكون الشك في بقاء نفس ما كان على يقين منه ، ومن المعلوم : أن الشك هنا لم يتعلق بالمتيقن السابق ؛ بل تعلق بأمر آخر وهو حجية الظن ، فرفع اليد عن اليقين حينئذ نقض لليقين بالظن لا بالشك.
والحاصل : أن المشكوك هو الحجية ، وهي غير المتيقن السابق ، فلم يتحد متعلقا اليقين والشك.
(٦) هذا ردّ من المصنف على الوجه الثاني من الوجهين الآخرين. وتوضيح هذا الرّد يتوقف على مقدمة وهي : أن عدم اعتبار الظن قد يكون بمعنى ترتيب آثار الشك عليه. وقد يكون بمعنى عدم ترتيب آثار الظن.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن مقتضى عدم اعتبار الظن هو عدم ترتيب آثار الظن عليه لا ترتيب آثار الشك عليه ، فلا يجري الاستصحاب عند قيام الظن غير المعتبر على
يكون إلا عدم إثبات مظنونه به تعبدا ، ليترتب عليه آثاره شرعا ، لا ترتيب (١) آثار الشك مع عدمه ؛ بل لا بد حينئذ (٢) في تعيين أن الوظيفة أيّ أصل من الأصول العملية
______________________________________________________
خلاف الحالة السابقة ؛ وذلك لعدم الشك ، ولم يترتب عليه أثر الظن أيضا لأنه ليس بحجة على الفرض ، ولازم ذلك هو : الرجوع إلى سائر الأصول العملية.
وبعبارة أخرى : أن مقتضى عدم اعتبار ظن ليس عقدا إيجابيا وهو ترتيب آثار الشك المتساوي طرفاه على وجود الظن غير المعتبر حتى يجري فيه الاستصحاب الذي هو من آثار هذا الشك ؛ بل مقتضاه عقد سلبي ، وهو عدم ثبوت المظنون بهذا الظن ؛ ليترتب عليه آثاره الشرعية ، فلو كان متيقنا لطهارة ثوبه مثلا ، ثم شهد عدل واحد بنجاسته ، وقلنا بعدم اعتبار شهادة عدل واحد في الموضوعات ، فإن معنى عدم اعتبار شهادته : عدم ثبوت نجاسة الثوب ؛ بها لا ثبوت آثار الشك بها التي منها الاستصحاب ؛ إذ العقد السلبي لا يستلزم العقد الإيجابي ، وتنزيل الظن غير المعتبر منزلة الشك في الآثار الشرعية.
والخلاصة : فعدم اعتبار الظن ليس معناه ثبوت آثار الشك له ؛ بل معناه عدم ثبوت مضمونه شرعا.
وعليه : فهذا الوجه الثاني لا يصلح لإثبات اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف ؛ بل لا بد من الرجوع إلى الوجوه الأخر في إثباته.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح جواب المصنف في الجواب عن هذا الوجه الثاني من الوجهين الآخرين.
وضميرا «عليه ، وآثار» راجعان إلى المظنون بالظن غير المعتبر ، وضميرا «مظنونه ، به» راجعان إلى الظن غير المعتبر.
(١) عطف على «عدم» ، فإن نفي النفي إثبات ، يعني : أن مقتضى عدم اعتبار الظن عدم إثبات مظنونه به ؛ لا ترتيب آثار الشك عليه ، فقوله : «لا ترتيب» إشارة إلى العقد الإيجابي ، كما أن قوله : «إلّا عدم إثبات مظنونه» إشارة إلى العقد السلبي ، وضمير «عدمه» راجع إلى «الشك».
والمراد بهذا الشك هو : المتساوي طرفاه بناء على كونه هو الظاهر من أخبار الاستصحاب ، والظن غير الشك ، فلا بد في حكم الظن غير المعتبر القائم على خلاف الحالة السابقة من الرجوع إلى غير الاستصحاب ، ففي مسألة الوضوء مع أمارة النوم يرجع إلى قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم إحراز الطهارة للصلاة مثلا.
(٢) أي : حين عدم اقتضاء الظن غير المعتبر العقد الإيجابي ، أو حين ظن بخلاف الحالة السابقة.
من الدليل (١) ، فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه (٢) على اعتبار الاستصحاب (٣) فلا بد (٤) من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة ولا ارتياب ، ولعله أشير إليه (٥) بالأمر بالتأمل (٦) ، فتأمل جيدا.
______________________________________________________
(١) متعلق ب «لا بد» يعني : بعد نفي العقد الإيجابي ـ وهو ترتيب آثار الشك على الظن غير المعتبر ـ لا بد في تعيين الوظيفة مع الظن غير المعتبر ، من الرجوع إلى غير الاستصحاب.
(٢) أي : مع الظن غير المعتبر ، يعني : بناء على دلالة الأخبار على اعتبار الاستصحاب في خصوص الشك المصطلح ـ وهو ما تساوى طرفاه ، وعدم دلالتها على اعتباره مع الظن بالخلاف ـ لا بد في تشخيص الوظيفة من الرجوع إلى غير أخبار الاستصحاب ؛ لعدم الموضوع لها مع الظن بالخلاف ؛ إلّا إذا قام دليل آخر على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف كالشك.
(٣) لما فرض من دلالتها على اعتبار الاستصحاب في خصوص الشك المتساوي طرفاه.
(٤) جواب «فلو» ؛ إذ بعد اختصاص اعتبار الاستصحاب بالشك المصطلح فلا محيص عن الرجوع إلى غيره من سائر الأصول العملية في صورة الظن بالخلاف ، ففي الظن بالفراغ يرجع إلى قاعدة الاشتغال ، وفي الظن بالتكليف يرجع إلى أصالة البراءة.
(٥) أي : أشير إلى الإشكال المزبور وهو عدم اقتضاء الظن غير المعتبر للعقد الإيجابي ، أعني : ترتيب آثار الشك عليه. وضمير «لعله» للشأن.
(٦) حيث قال الشيخ «قدسسره» : «وإن كان ـ يعني الظن غير المعتبر ـ مما شك في اعتباره ، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك. فتأمل جيدا» (١).
فالمتحصل : أنه إن دل دليل الاستصحاب على أن الظن بالخلاف كالشك فلا بأس من القول به ؛ وإلّا كان المرجع فيما ظن بالخلاف ـ الأصول العملية ـ ولا ينفع دليل الشيخ في إلحاقه بالشك.
خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدسسره»
يتلخص البحث في أمور :
١ ـ الغرض من عقد هذا التنبيه الرابع عشر : هو بيان المراد من الشك الذي هو أحد ركني الاستصحاب ، هل هو بمعنى تساوي الطرفين أم بمعنى خلاف اليقين؟
__________________
(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٨٥.
.................................................................................................
______________________________________________________
وظاهر المصنف هو : المعنى الثاني. ووجه الظهور هو : جعل الناقض لليقين السابق في أخبار الباب منحصرا في اليقين بالخلاف.
٢ ـ والدليل : على كون المراد من الشك خلاف اليقين أمور :
الأول : قول أهل اللغة ، ففي مجمع البحرين : «الشك والارتياب هو خلاف اليقين» ، وكذا في الصحاح ونحوهما.
الثاني : هو استعمال الشك في روايات الشك في عدد الركعات وأخبار قاعدة التجاوز بمعنى خلاف اليقين.
الثالث : ما ورد في نفس أخبار الاستصحاب كقوله «عليهالسلام» : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ، حيث إنه يحدد ناقض اليقين باليقين ، فيفيد التحديد في المقام حصر ناقض اليقين باليقين ، فينفي كل ما خلاف اليقين من الشك المصطلح والظن والوهم.
والخلاصة : يدل هذا الحصر بقرينة التحديد أن المراد بالشك في باب الاستصحاب خلاف اليقين.
وكقوله «عليهالسلام» : «لا حتى يستيقن أنه قد نام» ، بتقريب : أن إطلاق جواب الإمام «عليهالسلام» بعدم وجوب الوضوء على من تيقن بالطهارة يدل على أن الحكم المذكور ، أعني : عدم وجوب الوضوء ثابت ما لم يحصل العلم بالخلاف.
٣ ـ استدل بالإجماع القطعي على كون المراد بالشك هو خلاف اليقين ، إذ قام الإجماع على حجية الاستصحاب مع الظن بالخلاف بناء على اعتباره من باب الأخبار والتعبد ؛ لا من باب الظن.
والجواب : أوّلا : عدم ثبوت الإجماع على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف ؛ لكون المسألة مستحدثة.
وثانيا : على فرض ثبوت الإجماع يحتمل استنادهم في ذلك إلى دلالة الأخبار فيخرج الإجماع عن الإجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم «عليهالسلام» إلى الإجماع المدركي الذي لا يصلح للركون إليه.
٤ ـ استدل أيضا : بأن الظن على خلاف اليقين السابق لا يخلو عدم اعتباره عن أحد احتمالين :
الأول : أن يكون هناك دليل خاص على عدم اعتباره كالقياس ، فمعنى عدم حجيته : فرض وجوده كعدمه ، ولازم ذلك جريان الاستصحاب مع وجوده كما يجري مع عدمه.
تتمة (١):
______________________________________________________
الثاني : أن يكون عدم اعتباره لعدم الدليل على حجيته كالشهرة الفتوائية ، فعدم جواز رفع اليد عن اليقين إنما هو لأجل صدق نقض اليقين بالشك على هذا الرفع.
ومن البديهي : عدم جوازه ، وعلى كلا التقديرين يجري الاستصحاب مع الظن بالخلاف.
٥ ـ والجواب : أن عدم اعتبار الظن قد يكون بمعنى ترتيب آثار الشك عليه. وقد يكون بمعنى عدم ترتيب آثار الظن عليه.
ثم مقتضى عدم اعتبار الظن في المقام هو : عدم ترتيب آثار الظن عليه ؛ لا ترتيب آثار الشك عليه ، فلا يجري الاستصحاب عند قيام الظن غير المعتبر على خلاف الحالة السابقة ، وذلك لعدم الشك ، ولم يترتب عليه أثر الظن أيضا ؛ لعدم كونه حجة على الفرض ، فيرجع إلى سائر الأصول العملية.
والخلاصة : فعدم اعتبار الظن ليس معناه ثبوت آثار الشك له ؛ بل معناه عدم ثبوت مضمونه شرعا ، وعليه : فهذا الاستدلال ساقط لا يصلح لإثبات اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف.
٦ ـ رأي المصنف «قدسسره» :
هو : أن المراد بالشك في باب الاستصحاب هو خلاف اليقين.
في اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب
(١) الغرض من بيان هذه التتمة : هو التعرض لشرطين من شرائط الاستصحاب وهما : بقاء الموضوع وعدم أمارة معتبرة في مورده ؛ إذ معها لا تصل النوبة إلى الاستصحاب لحكومتها عليه ، فهنا مقامان : مقام بقاء الموضوع ، ومقام عدم أمارة معتبرة في مورد الاستصحاب لا على خلافه ، ولا على وفاقه وقبل البحث تفصيلا عن اشتراط بقاء الموضوع في المقام الأول لا بد من بيان أمور :
الأول : بيان ما هو المراد من موضوع الاستصحاب.
الثاني : بيان ما هو المراد من بقاء الموضوع في باب الاستصحاب.
الثالث : بيان لزوم الدليل على بقاء الموضوع.
وأما الأمر الأول : فصاحب الكفاية لم يتعرض إلى ما هو المراد من الموضوع ؛ ولكن الشيخ الأنصاري «قدسسره» قال في الرسائل : «والمراد به معروض المستصحب». راجع «دروس في الرسائل ، ج ٥ ، ص ٢٠١». فالمراد من الموضوع هو : معروض المستصحب ،
لا يذهب عليك أنه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع ، وعدم أمارة معبّرة هناك ولو على وفاقه (١) ، فهاهنا مقامان :
______________________________________________________
سواء كان المستصحب حكما كوجوب نفقة الزوجة أو غيره كحياته مثلا.
وأما الأمر الثاني : فيقال : إن المراد من بقاء الموضوع بقاؤه بجميع ما له دخل في عروض المستصحب لذلك المعروض.
وبعبارة أخرى : أن المراد من بقاء الموضوع في الاستصحاب هو كون الموضوع في القضية المشكوكة عين الموضوع في القضية المتيقنة ؛ كي يكون الشك في الزمان اللاحق متعلقا بعين ما كان متيقنا في الزمان السابق ، حتى يصدق نقض اليقين بالشك فيما لم يمض على طبق اليقين السابق ؛ لأن المستفاد من أدلة الاستصحاب هو : وجوب المضي على طبق اليقين السابق ، وعدم جواز نقضه بالشك ، ولا يصدق المضي والنقض إلّا مع اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا وإنما التفاوت بينهما هو : كون ثبوت المحمول قطعيا في القضية المتيقنة ، ومحتملا في القضية المشكوكة.
فاعتبار بقاء الموضوع الراجع إلى اشتراط اتحاد القضيتين في الموضوع والمحمول مستفاد من أدلة الاستصحاب.
ولهذا يقول صاحب الكفاية : «إنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع ، بمعنى : اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا ؛ كاتحادهما حكما» أي : محمولا.
فالمتحصل : أن المقصود من بقاء الموضوع هو اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا. كقولك : «زيد عادل» ، فلو لم يكن الموضوع ـ وهو عدالة زيد ـ باقيا لم يجر الاستصحاب ؛ لأن عدالة بكر لم تكن متيقنة.
والخلاصة : أن اعتبار بقاء الموضوع بهذا المعنى يكون أمرا بديهيا لا يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان. انتهى الكلام.
الأمر الثالث : وهو الدليل على اعتبار بقاء الموضوع فقد استدل عليه بوجوه :
منها : ما تقدم من استفادة ذلك من نفس أدلة الاستصحاب.
ومنها : الإجماع كما حكي عن بعض ، والمراد به هو اتفاق العلماء لا الإجماع المصطلح الكاشف عن رأي المعصوم «عليهالسلام» ؛ لأن بيان اعتبار بقاء الموضوع ليس من وظيفة الشارع.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية»
(١) أي : على وفاق الاستصحاب ، كما إذا كان شيء معلوم الطهارة سابقا ، وشك
المقام الأول (١):
أنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع ؛ بمعنى : اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما (٢) ، ...
______________________________________________________
في بقائها ، وقامت بيّنة على طهارته ، فإنه يبني على طهارته للبيّنة لا للاستصحاب ؛ لأن الأصل لا يجري مع الأمارة المعتبرة.
(١) وحاصل الكلام في المقام : أنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب ؛ لأنه إدامة الوجود السابق في ظرف الشك ؛ إما بالتعبد وإما بغيره.
ثم التعبير ببقاء الموضوع مذكور في كثير من الكلمات ، مع إنه لا بد من بقاء المحمول أيضا ، ولعل الاكتفاء بالموضوع لأجل أهميّته ، أو لكون المراد بقاءه بوصف موضوعيته.
(٢) أي : محمولا ، يعني : يعتبر في الاستصحاب كون القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة موضوعا ومحمولا ونسبة كمثال : «زيد عادل» ، من دون اختلاف بين القضيتين إلّا في إدراك ؛ لكونها في إحداهما معلومة ، وفي الأخرى مشكوكة. والخلاصة : فالقضيتان متحدتان في جميع وحدات التناقض إلّا في زمان النسبة باليقين والشك.
وغرضه من التعبير باتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة ؛ بدلا عن التعبير ببقاء الموضوع دفع توهم ، وهو : أن التعبير بالبقاء ظاهر في البقاء الخارجي ، لظهور «البقاء» في استمرار الحادث ، وحينئذ : يختص ذلك بما إذا كان المحمول من الأعراض والمحمولات المترتبة كالقيام والقعود والعدالة والاجتهاد ونحوها ؛ مما يكون موضوعها موجودا خارجيا.
وأما إذا كان المحمول نفس الوجود الذي هو أوّل محمول يحمل على الماهيات ، فاعتبار بقاء الموضوع فيه يغني عن الاستصحاب ؛ إذ مع العلم بوجود زيد في الزمان الثاني لا معنى لاستصحاب وجوده فيه.
وبالجملة : فإشكال التعبير بالبقاء هو اختصاص اعتبار بقاء الموضوع بما إذا كان المحمول من الأعراض والمحمولات الثانوية ، وعدم كونه عاما لجميع الموارد التي منها كون المحمول نفس الوجود كقولنا : «زيد موجود».
وقد أجاب الشيخ «قدسسره» عن هذا الإشكال بما حاصله : من أن المراد ببقاء الموضوع بقاؤه على نحو معروضيته للمستصحب ، ففي استصحاب قيام زيد يكون الموضوع وجوده الخارجي ؛ لأنه كان سابقا معروضا للقيام ، وفي استصحاب وجود زيد يكون الموضوع تقرره الماهوي لا وجوده الخارجي ؛ إذ لا يعقل أن يكون زيد بوجوده
ضرورة (١) : أنه بدونه لا يكون الشك في البقاء بل في ...
______________________________________________________
الخارجي معروضا للوجود ؛ وإلّا يلزم أن يكون معنى القضية «زيد موجود» زيد الموجود موجود ، ومن المعلوم : فساده.
والخلاصة : فاستصحاب كل من المحمول الأولي ـ وهو الوجود ـ والمحمول الثانوي كالقيام والقعود صحيح ، غاية الأمر : أن الموضوع في الأول هو الماهية المجردة عن الوجود الذهني والخارجي ، وهي باقية في زمان الشك في وجود زيد مثلا ، فيصح استصحابه لبقاء معروضه وهو الماهية الممكنة القابلة للوجود ، كما أن الموضوع في المحمول الثانوي كالقيام هو الوجود الخارجي ، فالموضوع في «زيد قائم» مثلا هو «زيد الموجود» ، ففي ظرف الشك في القيام يكون الموضوع أي : معروض المستصحب ـ الذي هو القيام أيضا ـ وجود زيد في الخارج. هذا محصل ما يستفاد من كلمات الشيخ «قدسسره» في بيان المراد ببقاء الموضوع في الاستصحاب ، ودفع الإشكال المذكور بما عرفت.
والمصنف «قدسسره» عبّر عن اعتبار بقاء الموضوع بعبارة لا يرد عليها الإشكال المذكور حتى يحتاج إلى دفعه بما أفاده الشيخ ؛ بل ظاهر تفسير المصنف لكلام الشيخ في حاشية الرسائل إرادة معنى واحد ، سواء عبّر عنه ببقاء الموضوع أم باتحاد القضيتين قال فيها : «فالموضوع هو معروض المستصحب كما أفاده ؛ لكن مع جميع القيود في عروضه عليه عقلا أو شرعا أو عرفا» ، ومن المعلوم : أن وحدة الموضوع بهذا المعنى هي عبارة أخرى عن اتحاد القضيتين.
ولعل التعبير ببقاء الموضوع ناظر إلى أهميته في الكلام ؛ لا لاعتبار الاتحاد بلحاظه بالخصوص ، أو إلى بقائه بوصف موضوعيته ، فإنه بهذا المعنى لا ينفك عن وحدة المحمول والنسبة ، فيحصل الاتحاد في القضيتين ، والأمر سهل بعد وضوح المطلب ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٧٢٦ ـ ٧٢٧».
(١) استدل المصنف على اعتبار وحدة القضيتين بنفس أدلة الاستصحاب الدالة على أن المتيقن سابقا المشكوك لا حقا لا يجوز نقضه ورفع اليد عنه ؛ وذلك بوجهين :
أحدهما : بموضوع تلك الأدلة أعني : الشك في البقاء.
وثانيهما : بمحمولها أعني : النهي عن النقض ، وقوله : «لا يكون الشك في البقاء» إشارة إلى الوجه الأول ، ومحصله : أن الشك في البقاء الذي يتقوّم به الاستصحاب لا يصدق إلّا بوحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا ؛ إذ بدونها لا يكون الشك في البقاء ، فإذا كانت عدالة زيد متيقنة ثم صارت عدالة عمرو مشكوكة لا
الحدوث (١) ، ولا رفع (٢) اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك ، فاعتبار البقاء بهذا المعنى (٣) لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان.
______________________________________________________
يصدق الشك في بقاء عدالة زيد على الشك في بقاء عدالة عمرو ؛ بل هو شك في أمر آخر.
وضمير «أنه» للشأن ، وضمير «بدونه» راجع إلى «اتحاد القضيتين».
(١) فلو علمنا سابقا : بأن الماء في الإناء الأصفر كرّ ، وشككنا فعلا في أن الماء الذي في الإناء الأبيض كرّ أم لا؟ لم يكن شكا في البقاء بالنسبة إلى الأصفر ؛ بل شكا في حدوث الكرية بالنسبة إلى الإناء الأبيض.
(٢) يعني : ولا يكون رفع اليد عن اليقين السابق في مورد الشك نقض اليقين بالشك ؛ إذ لم يكن هناك يقين سابق حتى نكون قد نقضناه بالشك.
(٣) هو ما أفاده بقوله : «بمعنى : اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا ...» الخ.
وهناك أقوال في تفسير بقاء الموضوع في الاستصحاب.
الأول : هو قول الشيخ الأنصاري ، وأن بقاء الموضوع عند الشيخ «قدسسره» عبارة عن كون الموضوع في القضية المشكوكة على النحو الذي كان في القضية المتيقنة من الوجود الخارجي والذهني والتقرري ، حيث قال : «فإذا أريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا بد من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق ، سواء كان تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجا.
فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي ، وللوجود بوصف تقرره ذهنا لا بوجود الخارجي». راجع : «دروس في الرسائل ، ج ٥ ، ص ٢٠٢».
وأما قول صاحب الكفاية في تفسير بقاء الموضوع ـ وهو القول الثاني ـ فعبارة عن اتحاده عرفا في القضية المتيقنة والمشكوكة ، سواء كان وجوده بقاء من سنخ وجوده حدوثا أم لا ، كما إذا شك في عدالة زيد بعد موته ، فإن وجوده حال اليقين بعدالته كان خارجيا ، وفي زمان الشك يكون تقرريا.
والقول الثالث في تفسير بقاء الموضوع ما نسب إلى صاحب الفصول ، «وهو احتمال بقاء الموضوع خارجا».
وهذا مستفاد مما حكي عنه حيث قال : «إن الشك في بقاء الموضوع خارجا يمنع عن استصحاب الحكم المترتب عليه ؛ لكن يرتفع هذا المانع بجريان الاستصحاب أوّلا في نفس الموضوع ، ثم في حكمه ثانيا ، ففي الشك في عدالة زيد مع الشك في حياته
.................................................................................................
______________________________________________________
يجري الاستصحاب أوّلا في حياته وثانيا في عدالته».
وبالجملة : فإحراز الموضوع ولو تعبدا معتبر في استصحاب عارضه ، وهو كاف في جريانه ، فلا وجه لاعتبار العلم ببقاء الموضوع في جريانه.
إذا عرفت هذه الأقوال في تفسير بقاء الموضوع فاعلم : أنه يجري الاستصحاب ـ على تفسير صاحب الكفاية ـ في المحمولات المترتبة ؛ كالعدالة والقعود والقيام وغيرها ، ولو مع عدم العلم ببقاء موضوعاتها خارجا ؛ بل ومع العلم بارتفاعها أيضا ، كما إذا شك في بقاء عدالة زيد مع العلم بموته فضلا عن الشك فيه ، وذلك لأن بقاء الموضوع ـ بمعنى اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة كما عليه المصنف ـ صادق عليه ؛ لأن نفس القضية المعلومة وهي «زيد عادل» صارت مشكوكة ، والعلم بموت زيد فضلا عن الشك فيه لا يوجب خللا في موضوعها ولا في محمولها كما لا يخفى.
ولا يجري الاستصحاب في تلك المحمولات على تفسير الشيخ في بقاء الموضوع ، وهو اعتبار بقاء الموضوع في زمان الشك بنحو كان موجودا حال اليقين به ؛ لأن الموضوع في زمان اليقين كان موجودا خارجيا ، وفي زمان الشك لا يكون كذلك فلا يكون الموضوع على تفسير الشيخ باقيا كي يجري الاستصحاب.
وأما على قول صاحب الفصول ـ وهو القول الثالث ـ فيجري الاستصحاب أوّلا في الموضوع ، ثم في حكمه ، ففي الشك في عدالة زيد مع الشك في حياته يجري الاستصحاب أوّلا : في حياته ، وثانيا : في عدالته ؛ إذ يكفي في الاستصحاب إحراز بقاء الموضوع ولو تعبدا ، فلا وجه لاعتبار العلم ببقاء الموضوع في جريان الاستصحاب.
والدليل الثالث على لزوم بقاء الموضوع في الاستصحاب : ما أشار إليه بقوله : «والاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر» ، والمستدل بهذا الدليل العقلي هو جمع من العلماء كصاحبي الفصول والمناهج وتبعهما الشيخ الأنصاري.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن العرض ـ كما في علم الفلسفة ـ هو الذي يقوم بغيره ، فانتقاله عنه إلى غيره محال ، إذ في حال الانتقال إما لا يكون قائما بالمنتقل عنه ولا بالمنتقل إليه ، أو يكون قائما بالمنتقل إليه ، وكلا الاحتمالين محال وباطل ، لأن الأوّل يسبب قيام العرض بلا موضوع ولا محل وهو محال. والثاني : يوجب انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر ، وهو أيضا محال ؛ إذ حال الانتقال يبقى العرض بلا موضوع ولو آناً ما.
والاستدلال عليه «باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر ؛ لتقوّمه (١) بالموضوع وتشخصه (٢) به» غريب ، بداهة : ...
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الحكم عرض على الموضوع ، فلو أردنا استصحاب الحكم لموضوع آخر ، كان ذلك سببا لانتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر الذي عرفت استحالته.
ولكن الاستدلال لبقاء الموضوع في باب الاستصحاب بهذا الدليل العقلي غريب.
وتوضيح الإشكال على هذا الاستدلال يتوقف على مقدمة وهي : أن البقاء على قسمين ؛ حقيقي وتعبدي ، والفرق بينهما : أن الأول لا ينفك عن معروضه ؛ وإلّا يستلزم أحد المحذورين المذكورين من بقاء العرض بلا موضوع ، أو انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر.
والثاني لا يستلزم شيئا منهما ؛ إذ مفاد الاستصحاب ترتيب آثار وجود المستصحب كالعدالة مثلا في ظرف الشك في بقائها ، وهذا حكم ظاهري مقتضاه ترتيب آثار العدالة شرعا على العدالة المشكوكة ، وليس مقتضى الاستصحاب بقاء العدالة الواقعية حتى يلزم أحد المحذورين المذكورين.
وعليه : فلا مانع من الحكم ببقاء المحمول تعبدا بمعنى : لزوم ترتيب آثار وجوده مع الشك في بقاء موضوعه ؛ كالتعبد بلزوم ترتيب أحكام العدالة والاجتهاد والزوجية وغيرها شرعا مع الشك في موضوعاتها.
(١) تعليل لاستحالة انتقال العرض ، وقد عرفت توضيح ذلك.
(٢) أي : تشخص العرض بالموضوع ، قال المحقق الطوسي «قدسسره» في التجريد : «والموضوع من جملة المشخصات» ، فلو انتقل العرض عن الموضوع زال تشخصه فيزول شخصه كما في الشوارق ، مثلا : امتياز وجود بياض الثلج عن بياض العاج لا يكون إلّا بالمحل والموضوع ؛ لاشتراكهما في ماهية البياض ولوازمها وأجزائها ، وحيث إن الماهية المبهمة لا تتحقق في الخارج ، ولا وجود للعرض بدون معروضه كان تشخص العرض منوطا بتشخص موضوعه ، فلو انعدم المعروض انتفى العرض القائم به أيضا ؛ لانتفاء المحتاج عند انتفاء المحتاج إليه ، وهذا معنى كون الموضوع من جملة المشخصات.
وضمير «لتقوّمه» راجع إلى العرض ، وضمير «تشخصه» راجع إلى العرض أيضا ، وضمير «به» راجع إلى الموضوع.
قوله : «غريب» خبر قوله : «والاستدلال» وإشكال عليه.
أن استحالته (١) حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبّدا والالتزام (٢) بآثاره شرعا.
وأما (٣) بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا ، فلا يعتبر قطعا في جريانه (٤) لتحقق (٥) أركانه بدونه.
نعم (٦) ؛ ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار ، ففي استصحاب عدالة زيد
______________________________________________________
ومحصل الإشكال : إن البقاء على قسمين حقيقي وتعبدي ، والأول لا ينفك عن معروضه ، وإلّا يستلزم أحد المحذورين المذكورين من بقاء العرض بلا محال وانتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر ، والثاني لا يستلزم شيئا من المحذورين ، وقد عرفت توضيح ذلك.
(١) أي : أن استحالة انتقال العرض حقيقة ـ كما هو مقتضى البرهان العقلي المذكور ـ لا تستلزم استحالة انتقال العرض تعبّدا كما هو مقتضى الاستصحاب ؛ لأنه حكم ظاهري كما عرفت آنفا ، وضمير «لاستحالته» راجع على «الانتقال».
(٢) عطف تفسيري لقوله : «تعبدا» ، فإن التعبد هو الالتزام بالآثار شرعا.
فتحصل : أن البرهان العقلي المزبور يثبت استحالة انتقال العرض حقيقة من موضوع إلى آخر ، ولا يثبتها تعبدا حتى يكون دليلا على اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب ؛ بل الدليل على اعتباره هو ما ذكرناه من صدق نقض اليقين مع بقائه وعدم صدقه بدونه.
(٣) عطف على قوله : «بمعنى : اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة ، وإشارة إلى القول الثالث المنسوب إلى صاحب الفصول ، وقد تقدم توضيح ذلك فراجع.
(٤) أي : في جريان الاستصحاب في المستصحب الذي هو عارض الموضوع كالعدالة التي هي من عوارض الحياة.
(٥) تعليل لقوله : فلا يعتبر قطعا ، ومحصله : عدم توقف استصحاب العارض على إحراز الموضوع خارجا بعد عدم كون الشك في العارض ناشئا من الشك في الموضوع ؛ كنشوء الشك في عدالة زيد من صدور فعل منه أوجب الشك في سقوطه عن العدالة ، فإن استصحاب العدالة بعد موت زيد يجري إن كان لها أثر كجواز تقليده ولو بقاء على القول به ، فإن زيدا كان عادلا سابقا ، وصارت عدالته مشكوكة لا حقا ؛ للشك في زوال ملكاته بالموت مثلا ، فأركان الاستصحاب من اليقين والشك متحققة ، ورفع اليد عن عدالته نقض لليقين بالشك.
وضمير «أركانه» راجع إلى الاستصحاب ، وضمير «بدونه» إلى «إحراز».
(٦) استدراك على قوله : «فلا يعتبر قطعا». وتوجيه لكلام الفصول ، ومحصله : أن
لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده (١) ، وإن كان محتاجا إليه (٢) في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الإنفاق عليه. وإنما (٣) الإشكال كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل؟
فلو كان (٤) مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الأحكام ؛
______________________________________________________
إحراز وجود الموضوع لازم في بعض الموارد ، وهو ما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على وجود الموضوع خارجا كعدالة زيد للاقتداء به أو إطعامه ونحو ذلك ، ففي مثل هذه الموارد لا بد من إحراز وجود الموضوع لترتيب هذه الآثار الشرعية ؛ لا لأجل اعتباره في جريان الاستصحاب ؛ بل لأجل اقتضاء تلك الآثار وجود الموضوع خارجا.
(١) يعني : بناء على عدم دخل حياته في جواز تقليده مطلقا كما عن بعض ، أو بقاء كما عن جماعة.
(٢) الضمير راجع إلى «الإحراز» ، يعني : وإن كان إحراز حياة زيد محتاجا إليه في ترتيب جواز الاقتداء به ، وضميرا «إكرامه ، عليه» راجعان إلى «زيد».
والمراد بوجوب الإنفاق : وجوبه على من تجب نفقته عليه كالزوجة والأولاد.
(٣) عطف على قوله : «لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع» ، يعني : بعد أن نفى المصنف الإشكال عن اعتبار بقاء الموضوع ، بمعنى : اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة تصدى لبيان المراد من الاتحاد المزبور ، وأنه هل بنظر العرف أم بحسب الدليل الدال على الحكم أم بنظر العقل. فإن هذه الوجوه الثلاثة متصورة ثبوتا فهنا مقامان :
الأول : مقام الثبوت. والثاني : مقام الإثبات.
أما المقام الأول : فهو ما عرفته من الاحتمالات الثلاثة ، وتعرض المصنف «قدسسره» لما يترتب عليها من اللوازم والثمرات.
وأما المقام الثاني : فسيأتي بعد الفراغ عن المقام الأول.
(٤) هذه إحدى الثمرات ، ومحصلها : أنه لو كان مناط الاتحاد نظر العقل فلازمه : عدم جريان الاستصحاب في الأحكام إن كان الشك في بقاء الحكم ناشئا من زوال حال من حالات الموضوع ؛ لاحتمال دخل الزائل في الموضوع الذي هو بنظر العقل مقتض للحكم ، فزواله يوجب الشك في بقاء الموضوع.
ومن المعلوم : عدم جريان الاستصحاب مع الشك في بقائه ، كعدم جريانه مع القطع بارتفاعه.
وعليه : فيختص الاستصحاب بالموضوعات الخارجية كحياة زيد وغيرها مما يكون الموضوع في القضية المشكوكة عينه في القضية عقلا.
لقيام (١) احتمال تغيّر الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال (٢) بعض خصوصيات موضوعه ؛ لاحتمال (٣) دخله فيه ، ويختص (٤) بالموضوعات ، بداهة (٥):
أنه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة ، بخلاف (٦) ما
______________________________________________________
(١) تعليل لقوله : «لا مجال» ، وحاصله : أنه يحتمل تغيّر الموضوع بزوال بعض خصوصياته ؛ لاحتمال كون القيود المأخوذة في الحكم حدوثا وبقاء راجعة إلى الموضوع. وعليه : فيصير الشك في الواقع ذاتا وصفة سببا للشك في الموضوع ، فلا مجال حينئذ للاستصحاب ؛ لعدم العلم ببقاء الموضوع.
(٢) متعلق ب «شك» ، وغرضه : كون الشك في الحكم ناشئا من زوال بعض خصوصيات موضوعه ؛ كالشك في نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه.
(٣) متعلق ب «تغيّر» ، يعني : منشأ التغيّر هو احتمال دخل بعض الخصوصيات في الموضوع ، وضمير «موضوعه» راجع إلى الحكم.
(٤) عطف على «فلا مجال» ، يعني : ويختص الاستصحاب بالشبهات الموضوعية.
(٥) تعليل لاختصاص الاستصحاب بالموضوعات ، فإن زيدا مثلا الذي هو معروض الحياة المشكوكة المستصحبة عين زيد الذي هو معروض الحياة المعلومة. وقوله «حقيقة» قيد ل «شك في نفس».
ثم إن المقصود باختصاص الاستصحاب بالموضوعات إذا كان المناط النظر بالدقّي العقلي هو جريانه في الموضوعات التي يحكم العقل بوحدتها في القضيتين المتيقنة والمشكوكة ، فلو لم تحرز وحدتها في بعض الموارد كان حالها حال الشبهات الحكمية في عدم الجريان ، ومن المعلوم : أن العرف إذا تردد في حكمه بوحدة القضيتين أحيانا ، فعدم جريان الاستصحاب حينئذ بناء على اعتبار النظر العقلي يكون بالأولوية القطعية.
وعلى هذا : فلا تتوهم منافاة حكم المصنف هنا باختصاص الاستصحاب بالموضوعات ، بناء على التعويل على نظر العقل ؛ لما تقدم منه في صدر الاستصحاب من منعه حتى في بعض الشبهات الموضوعية بقوله : «وهذا مما لا غبار عليه في الموضوعات الخارجية في الجملة» ، مع أن مبنى المنع عن جريانه فيها هو التعويل على النظر العرفي.
وجه بطلان التوهم : أن منعه «قدسسره» عن جريانه ، مع كون المناط نظر العرف يقتضي منعه بناء على إناطته بالنظر العقلي بالأولوية القطعية.
(٦) يعني : بخلاف ما لو كان مناط الاتحاد بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل ، وينبّه بهذا على اختلاف الثمرة.