الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨
لو كانت المنفعة مملوكةً له ، أمّا إذا كانت مملوكةً لغيره فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجودٍ.
ولو ظهر أنّ العبد مستحَقٌّ ، تبيّن بطلان الصلح ؛ لفساد العوض ، ويرجع المدّعي فيما أقرّ له به.
ولو ظهر عيب في العبد تنقص به المنفعة ، فله ردّه وفسخ الصلح.
مسألة ١١٠٩ : إذا ادّعى زرعاً في يد رجلٍ ، فأقرّ له به ، ثمّ صالحه منه على الوجه الذي يجوز بيع الزرع فيه ، صحّ ، وكذا لو صالحه على غير الوجه الذي يصحّ بيعه ؛ لأنّ الصلح عقدٌ مستقلّ بنفسه غير فرعٍ على البيع.
ولو كان الزرع في يد رجلين فأقرّ له أحدهما ثمّ صالحه عليه قبل اشتداد الحَبّ ، صحّ عندنا.
خلافاً للشافعي ؛ لأنّه إن صالحه عليه بشرط التبقية أو من غير شرط القطع لم يجز ، لأنّه لا يجوز بيعه كذلك ـ وقد قلنا : إنّ الصلح عقد قائم برأسه ، فلا يشترط فيه ما يشترط في البيع وغيره ـ ولو شرط القطع لم يجز ؛ لأنّه لا يمكنه قطع زرع الآخَر ، وقسمته لا تصحّ (١).
ولو كان الزرع لواحدٍ فأقرّ به للمدّعي وصالحه عليه ، فإن شرط القطع صحّ الصلح عندنا وعند الشافعي (٢).
وإن شرط التبقية ، صحّ الصلح عندنا ، خلافاً له (٣).
ولو كانت الأرض للمُصالح ، كان له تبقية الزرع في أرضه.
ولو أطلق صحّ عندنا.
وقال الشافعي : إن كان المشتري (٤) لا يملك الأرض لم يصح ، وإن
__________________
(١) الأُم ٣ : ٢٢٧ ، مختصر المزني : ١٠٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٦.
(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٥ ـ ٤١٦ ، البيان ٦ : ٢٥١.
(٤) كذا قوله : « المشتري ». والظاهر : « المُصالح ».
كان يملك الأرض فوجهان ، كما إذا باع الثمرة من صاحب النخل بغير شرط القطع (١).
مسألة ١١١٠ : لو ادّعى رجل على غيره زرعاً في أرضه فأقرّ له بنصفه أو أنكر ـ عندنا ـ ثمّ صالحه عن نصفه على نصف الأرض ، جاز عندنا ؛ عملاً بالأصل.
وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ من شرط بيع الزرع قطعه ، ولا يمكن ذلك في المشاع (٢).
ونحن نمنع من الاشتراط الذي ذكره ، وقد سبق (٣).
ولو صالحه منه على جميع الأرض بشرط القطع على أن يسلّم إليه الأرض فارغةً ، صحّ ؛ لأنّ قطع جميع الزرع ثابت نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الأرض ، فأمكن القطع ، وأشبه مَن اشترى أرضاً وفيها زرع وشَرَط تفريغَ الأرض فإنّه يجوز ، كذا هنا.
وإن كان أقرّ له بجميع الزرع وصالحه من نصفه على نصف الأرض ليكون الأرض والزرع بينهما نصفين ، وشَرَط القطع ، فإن كان الزرع في الأرض بغير حقٍّ جاز الشرط ؛ لأنّ الزرع يجب قطعه بأجمعه ، وإن كان في الأرض بحقٍّ جاز أيضاً ؛ عملاً بالشرط ، وقد قال عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٤) ولأنّهما قد شرطا قطع كلّ الزرع وتسليم الأرض فارغةً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : لا يجوز الشرط ؛ لأنّه لا يمكن قطع الجميع ، بخلاف ما إذا
__________________
(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٦ ، البيان ٦ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، و ٥ : ٢٣٧.
(٢) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢.
(٣) في ص ٣٦ ، ضمن المسألة ١٠٤٤.
(٤) تقدّم تخريجه في ص ٧٦ ، الهامش (٣).
شرط على بائع الزرع قطع الباقي ؛ لأنّ باقي الزرع ليس بمبيعٍ ، فلا يصحّ شرط قطعه في العقد ، ويخالف ما إذا أقرّ بنصف الزرع وصالحه على جميع الأرض ؛ لأنّه شرط تفريغ المبيع (١).
والحقّ : الجواز ؛ لما تقدّم ، ولا يختصّ شرط القطع بالبيع.
مسألة ١١١١ : قد بيّنّا أنّه إذا خرجت أغصان الشجرة إلى ملك الجار ، كان للجار عطفها وإزالتها عن ملكه.
فإن أمكن ذلك بغير إتلافٍ ولا قطعٍ من غير مشقّةٍ تلزمه ولا غرامة ، لم يجز إتلافها ، كما إذا أمكنه إخراج دابّة الغير من ملكه بغير إتلافٍ ، فإن أتلفها والحال هذه ضمنها.
وإن لم يمكن إزالتها إلاّ بالإتلاف ، كان له ذلك ، ولا شيء عليه ؛ لأنّه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه.
فإن صالحه على إقرارها بعوضٍ معلوم ، صحّ.
وللشافعيّة والحنابلة قولان (٢).
ولا فرق بين أن يكون الغصن رطباً أو يابساً ؛ لأنّ الجهالة في المصالَح عنه لا تمنع الصحّة ؛ لكونها لا تمنع التسليم ، بخلاف العوض ، فإنّه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ، ولأنّ الحاجة تدعو إلى الصلح عنه لكون ذلك [ يكثر ] (٣) في الأملاك المتجاورة ، وفي القطع إتلاف وضرر ، والزيادة المتجدّدة يعفى عنها ، كالسمن الحادث في المستأجر للركوب ، والمستأجر للغرفة يتجدّد له الأولاد.
__________________
(١) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.
(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦ ، المغني ٥ : ٢٢ ـ ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤ ـ ٢٥.
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني ٥ : ٢٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٢٥.
وعند أحمد يصحّ الصلح في الرطب وإن زاد أو نقص ؛ لأنّ الجهالة في المُصالَح عنه لا تمنع الصحّة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل ؛ لدعاء الحاجة إليه ، وكونه لا يحتاج إلى تسليمه (١).
ولو صالحه على إقرارها بجزءٍ معلوم من ثمرها أو كلّه ، لم يجز ، وبه قال الشافعي وأكثر العامّة (٢) ـ وعن أحمد روايتان (٣) ـ لأنّ العوض مجهول ، والثمرة مجهولة ، وجزؤها مجهول ، ومن شرط الصلح العلمُ بالعوض ، والمصالَح عليه أيضاً مجهول ؛ لتغيّره بالزيادة والنقصان ، كما تقدّم.
واحتجّ أحمد : بأنّه قد تدعو الحاجة إليه (٤).
وقد عرفت بطلان التعليل بالحاجة.
نعم ، لو أباح كلٌّ منهما لصاحبه حقَّه ، جاز من غير لزومٍ ، بل لكلٍّ منهما الرجوعُ ، فيستبيح صاحب الشجرة إباحة الوضع على الجدار أو الهواء ، ويستبيح صاحب الدار ثمرة الشجرة ، كما لو قال كلٌّ منهما لصاحبه : أُسكن داري وأسكن دارك ، من غير تقدير مدّةٍ ولا ذكر شروط الإجارة.
وكذا حكم العروق إذا سرت إلى أرض الجار ، سواء أثّرت ضرراً ، كما في المصانع وطيّ الآبار وأساسات الحيطان ، أو [ منعت ] (٥) من نبات شجرٍ لصاحب الأرض أو الزرع ، أو لم تؤثّر ضرراً ، فإنّ الحكم في قطعه والصلح عليه كالحكم في الزرع ، إلاّ أنّ العروق لا ثمر لها.
وكذا لو زلق من أخشابه إلى ملك غيره ، فالحكم كما سبق.
مسألة ١١١٢ : قد بيّنّا أنّه يصحّ أن يصالحه عن المؤجَّل ببعضه حالًّا
__________________
(١ و ٣) المغني ٥ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥.
(٢) المغني ٥ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥ ـ ٢٦.
(٤) المغني ٥ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦.
(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منع ». والظاهر ما أثبتناه.
ـ وبه قال ابن عباس والنخعي وابن سيرين والحسن البصري (١) ـ لأنّ التعجيل جائز ، والإسقاط وحده جائز ، فجاز الجمع بينهما ، كما لو فعل ذلك من غير مواطأة عليه.
وكرهه زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد بن المسيّب والقاسم وسالم والشعبي ، ومَنَعه أيضاً مالك وأحمد والشافعي والثوري وابن عيينة وهيثم وأبو حنيفة وإسحاق (٢) ، وقد تقدّم (٣).
مسألة ١١١٣ : قد بيّنّا أنّه يصحّ الصلح عن المجهول دَيْناً كان أو عيناً.
خلافاً للشافعي ؛ حيث قال : لا يصحّ ؛ لأنّه بيع ، فلا يصحّ على المجهول (٤).
ونمنع كونه بيعاً وكونه فرعَ بيعٍ ، وإنّما هو إبراء.
ولو سلّمنا كونه بيعاً ، فإنّه يصحّ في المجهول عند الحاجة ، كأساسات الحيطان وطيّ الآبار.
ولو أتلف رجل صبرةَ طعامٍ لا يعلم قدرها ، فقال صاحب الطعام لمُتلفها : بعتك الطعام الذي في ذمّتك بهذا الدرهم أو بهذا الثوب ، لم يصح
__________________
(١) المغني ٥ : ٢٤ ـ ٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.
(٢) المغني ٥ : ٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥ ، المعونة ٢ : ١١٩٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٧٨ ، الوسيط ٤ : ٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٤٤ ، البيان ٦ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١ ، منهاج الطالبين : ١٢٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٤٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٢١ : ٣١ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٦٨ / ١٠١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٩٧.
(٣) في ص ١٥ ـ ١٦ ، ذيل المسألة ١٠٢٧.
(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، التنبيه : ١٠٣ ـ ١٠٤ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، المغني ٥ : ٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٧ ، وقد تقدّم في ص ١٩ ، ذيل المسألة ١٠٢٩.
عندنا ؛ لأنّ شرط البيع معلوميّة العوضين.
وقال أحمد : يصحّ (١).
وعلى قولنا وقوله لو صالحه به عليه صحّ ؛ لأنّ الجهل لا ينافي الصلح.
وإذا كان العوض في الصلح ممّا لا يحتاج إلى تسليمه ولا سبيل إلى معرفته ، كالمواريث الدارسة ، والحقوق التالفة ، والأراضي والأموال التي لا يعلمها أحد من المتخاصمين ولا يعرف قدر حقّه منها ، فإنّ الصلح فيها جائز عندنا وعند أحمد (٢) مع الجهالة من الجانبين ، وقد سبق (٣).
وأمّا ما يمكنه معرفته ـ كتركةٍ موجودةٍ يعلمها الذي هي في يده ويجهلها الآخَر ـ فإنّه لا يصحّ الصلح عليه مع الجهل.
وكذا كلّ مَنْ له نصيب في ميراثٍ أو غيره يظنّ قلّته إذا صُولح عليه ، لا يصحّ مع علم الخصم الآخَر ؛ لأنّ الصلح إنّما جاز مع جهالتهما ؛ للحاجة إليه ، فإنّ إبراء الذمّة أمر مطلوب ، ولا طريق إليه إلاّ الصلح.
مسألة ١١١٤ : يجوز الصلح عن كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه ، سواء كان ممّا يجوز بيعه أو لا يجوز ، فيصحّ عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع.
ومَنْ صالَح عمّا يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقلّ ، جاز ؛ لأنّ الحسن والحسين عليهماالسلام وسعيد بن العاص بذلوا للّذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها (٤).
__________________
(١) المغني ٥ : ٢٦ ـ ٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.
(٢) المغني ٥ : ٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.
(٣) في ص ١٧ ، المسألة ١٠٢٩.
(٤) المغني ٥ : ٢٧ ، و ٩ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧.
وإن صالح عن قتل الخطأ بأكثر من ديته من جنسها ، جاز عندنا ، خلافاً لأحمد (١).
وكذا لو أتلف عبداً أو غيره فصالَح على أكثر من قيمته أو أقلّ ، سواء كان من جنس القيمة أو من غير جنسها ، جاز عندنا ، وبه قال أبو حنيفة (٢) ، خلافاً للشافعي وأحمد (٣).
مسألة ١١١٥ : قد بيّنّا أنّه إذا ظهر استحقاق أحد العوضين ، بطل الصلح ، فلو صالحه على دارٍ أو عبدٍ بعوضٍ فوجد العوض مستحقّاً أو كان العبد حُرّاً ، فإنّه يرجع في الدار وما صالَح عن العبد إن كان موجوداً ، وإن كان تالفاً رجع بمثله إن كان مثليّاً ، وإلاّ رجع بالقيمة.
ولو اشترى شيئاً فوجده معيباً فصالحه عن عيبه بعبدٍ فبانَ مستحقّاً أو حُرّاً ، رجع بأرش العيب.
ولو ظهر استحقاق المعيب ، رجع بالثمن والعبد معاً.
ولو كان البائع امرأةً فزوّجتْه نفسَها عوضاً عن أرش العيب فزال العيب ، لم يصحّ الصلح عندنا.
ويجوز عند أحمد ، فيرجع بأرشه ، لا بمهر المثل ؛ لأنّها رضيت بذلك مهراً لها (٤).
ولو صالحه عن القصاص بحُرٍّ يعلمان حُرّيّته أو عبدٍ يعلمان أنّه مستحقّ ، أو تصالحا بذلك عن [ غير ] (٥) القصاص ، رجع بالدية والأقربِ بالقصاص أو بما تصالح عنه ؛ لأنّ الصلح هنا باطل يعلمان بطلانه ، فكان
__________________
(١) المغني ٥ : ٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.
(٢) روضة القُضاة ٢ : ٧٧١ / ٥١٩٥ ، المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.
(٣) المغني ٥ : ٢٧ ـ ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٧٧١ / ٥١٩٦ و ٥١٩٧.
(٤) المغني ٥ : ٢٩.
(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني ٥ : ٢٩.
وجوده كالعدم.
ولو صالَح عن القصاص بعبدٍ فخرج مستحقّاً ، رجع بقيمة العبد ، وكذا إن خرج حُرّاً ـ ويحتمل قويّاً الرجوع إلى القصاص فيهما ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد (١).
وقال أبو حنيفة : إن خرج مستحقّاً رجع بقيمته ، وإن خرج حُرّاً رجع بما صالَح عنه ، وهو الدية (٢).
مسألة ١١١٦ : قد بيّنّا أنّه يجوز أن يصالحه على إجراء ماء المطر على سطحه مع العلم بالمشاهدة للسطح أو بالمساحة ؛ لاختلاف الماء بكبر السطح وصغره.
وهل يفتقر إلى ذكر المدّة؟ مَنَع منه الحنابلة ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه (٣).
ويجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقديرٍ كما في النكاح.
ولا يملك صاحب الماء مجراه ؛ لأنّ هذا لا يستوفى به منافع المجرى دائماً ولا في أكثر المدّة ، بخلاف الساقية. وفيه نظر.
ولا يحتاج في إجراء الماء في الساقية إلى ما يُقدّر به ؛ لأنّ تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية ، فإنّه لا يملك أن يجري فيها أكثر من مائها ، والماء الذي يجري على السطح يحتاج إلى معرفة مقدار السطح ؛ لأنّه يجري فيه القليل والكثير.
ولو كان السطح الذي يجري عليه الماء مستأجَراً أو عاريةً مع إنسانٍ ، لم يجز له أن يصالح على إجراء الماء عليه ؛ لأنّه يتضرّر بذلك ولم يؤذن له
__________________
(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧.
(٣) المغني ٥ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١.
فيه ، فلم يكن له أن يتصرّف (١) فيه.
وأمّا الساقية المحصورة فإن مَنَع المالك أو لم يعلم بالعرف إباحته ، فكذلك ، وإلاّ جاز ؛ لأنّ الأرض لا تتضرّر به.
ولو كان ماء السطح يجري على الأرض ، جاز الصلح أيضاً على ذلك ، سواء احتاج إلى حفرٍ أو لا ؛ لأنّه بمنزلة إجراء الماء إلى ساقيةٍ. ويشترط المدّة المعيّنة.
ومَنَع أحمد ـ في إحدى الروايتين ـ منه (٢).
مسألة ١١١٧ : لا يجوز للإنسان أن يجري الماء في أرض غيره ، سواء اضطرّ إلى ذلك أو لا ، إلاّ بإذنه ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٣) ـ لأنّه تصرّف في أرض غيره بغير إذنه فلم يجز ، كما لو لم تَدْعُ إليه ضرورة ، ولأنّ مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره ، كما أنّه لا يباح له الزرع في أرض الغير ولا البناء ولا الانتفاع بسائر وجوه الانتفاعات وإن احتاج إليها.
وفي الرواية الأُخرى عن أحمد : إنّه يجوز له إجراء الماء في أرض الغير عند الحاجة بأن تكون له أرض للزراعة لها ماء لا طريق له إلاّ أرض جاره ، فإنّه يجوز له إجراء الماء فيها وإن كره المالك ؛ لما روي أنّ الضحّاك ابن خليفة ساق خليجاً من العريض ، فأراد أن يجريه في أرض محمّد بن مسلمة فأبى ، فقال له الضحّاك : لِمَ تمنعني وهو منفعة لك تشربه أوّلاً وآخراً ولا يضرّك؟ فأبى محمّد ، فكلّم فيه الضحّاك عمر ، فدعا عمر محمّد بن مسلمة فأمره أن يخلّي سبيله ، فقال محمّد : لا والله ، فقال له عمر : لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشربه أوّلاً وآخراً؟ فقال محمّد : لا والله ، فقال
__________________
(١) في « ث ، خ ، ر » والطبعة الحجريّة : « له التصرّف » بدل « أن يتصرّف ».
(٢) المغني ٥ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢.
(٣) المغني ٥ : ٣٠ ـ ٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢.
عمر : ليمرّن به ولو على بطنك ، فأمره عمر أن يمرّ به ، ففعل. رواه مالك في موطّئه ، وسعيد في سننه (١).
وهو خطأ ؛ لتطابق العقل والنقل على قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه. وقول عمر وفعله ليس حجّةً فيما لا يخالف العقل والنقل ، فكيف فيما يخالفهما.
مسألة ١١١٨ : يصحّ الصلح عن كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه ، عيناً كان كالدار والعبد ، أو دَيْناً ، أو حقّاً كالشفعة والقصاص ، ولا يجوز على ما ليس بمالٍ ممّا لا يصحّ أخذ العوض عنه.
فلو صالحته المرأة على أن تقرّ له بالزوجيّة ، لم يصح ؛ لأنّها لو أرادت بذل نفسها بعوضٍ لم يجز.
ولو دفعت إليه عوضاً عن دعوى الزوجيّة ليكفّ عنها ، فالأقرب : الجواز ـ وللحنابلة وجهان (٢) ـ لأنّ المدّعي يأخذ عوضاً عن حقّه من النكاح فجاز ، كعوض الخلع ، والمرأة تبذله لقطع خصومته وإزالة شرّه فجاز.
فإن صالحته ثمّ ثبتت الزوجيّة بإقرارها أو بالبيّنة ، فإن قلنا : الصلح باطل ، فالنكاح باقٍ بحاله ؛ لأنّه لم يوجد من الزوج سبب الفرقة من طلاقٍ ولا خلع.
وإن قلنا : يصحّ الصلح ، فكذلك أيضاً.
وعند الحنابلة أنّها تبين منه بأخذ العوض ؛ لأنّه أخذه عمّا يستحقّه من نكاحها ، فكان خلعاً ، كما لو أقرّت له بالزوجيّة فخالعها (٣).
وليس بشيءٍ.
__________________
(١) المغني ٥ : ٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢ ، وانظر : الموطّأ ٢ : ٧٤٦ / ٣٣.
(٢) المغني ٥ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٦ ـ ٧.
(٣) المغني ٥ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧.
ولو ادّعت أنّ زوجها طلّقها ثلاثاً فصالحها على مالٍ لترك دعواها ، لم يجز ؛ لأنّه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلّقها بعوضٍ ولا بغيره.
ولو دفعت إليه مالاً ليُقرّ بطلاقها ، لم يجز.
وللحنابلة وجهان ، أحدهما : الجواز ، كما لو بذلت له مالاً ليطلّقها (١).
مسألة ١١١٩ : لو ادّعى على غيره أنّه عبده فأنكره ، فصالحه على مالٍ ليُقرّ له بالعبوديّة ، لم يجز ؛ لأنّه يحلّ حراماً ، فإنّ إرقاق الحُرّ نفسه لا يحلّ بعوضٍ ولا بغيره.
ولو دفع المدّعى عليه مالاً صلحاً عن دعواه جاز ؛ لأنّه يجوز أن يعتق عبده بمالٍ ، ولأنّه يقصد بالدفع إليه دفع اليمين الواجبة عليه والخصومة المتوجّهة إليه.
ولو ادّعى على غيره ألفاً فأنكره فدفع إليه شيئاً ليُقرّ له بالألف ، لم يصح ، فإن أقرّ لزمه ما أقرّ به ، ويردّ ما أخذه ؛ لأنّا نتبيّن بإقراره كذبه في إنكاره ، وأنّ الألف عليه ، فيلزمه أداؤه بغير عوضٍ ، ولا يحلّ له [ أخذ ] العوض عن أداء الواجب عليه ، فإن دفع إليه المنكر مالاً صلحاً عن دعواه جاز.
مسألة ١١٢٠ : لو صالَح شاهداً على أن لا يشهد عليه ، لم يصح ؛ لأنّ المشهود به إن كان حقّاً لآدميٍّ ـ كالدَّيْن ـ أو لله تعالى ـ كالزكاة ـ فإن كان الشاهد يعرف ذلك ، لم يجز له أخذ العوض على تركه ، كما لا يجوز له أخذ العوض على ترك الصلاة ، وإن كان كذباً لم يجز له أخذ العوض على تركه ، كما لا يجوز أخذ العوض على ترك شرب الخمر.
وإن صالحه على أن لا يشهد عليه بالزور ، لم يصح ؛ لأنّ ترك ذلك واجب عليه ، ويحرم عليه فعله ، فلا يجوز أخذ العوض عنه ، كما لا يجوز
__________________
(١) المغني ٥ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧.
أن يصالحه على أن لا يقتله ولا يغصب ماله.
وإن صالحه على أن لا يشهد عليه بما يوجب الحدّ كالزنا والسرقة ، لم يجز أخذ العوض عنه ؛ لأنّ ذلك ليس بحقٍّ له ، فلا يجوز له أخذ عوضه ، كسائر ما ليس بحقٍّ له.
ولو صالَح السارق والزاني والشارب بمالٍ على أن لا يرفعه إلى السلطان ، لم يصح كذلك ، ولم يجز له أخذ العوض.
ولو صالحه عن حدّ القذف ، لم يصح ؛ لأنّه إن كان لله تعالى لم يجز (١) له أن يأخذ عوضه ؛ لكونه ليس بحقٍّ له ، فأشبه حدّ الزنا ، وإن كان حقّاً له لم يصحّ الصلح ؛ لأنّه لا يجوز الاعتياض عنه ؛ لأنّه ليس من الحقوق الماليّة ، ولهذا لا يسقط إلى بدلٍ ، بخلاف القصاص ، ولأنّه شُرّع لتنزيه العِرْض ، فلا يجوز أن يعاوض عن عِرْضه بمالٍ.
والأقرب : عدم سقوط الحدّ بالصلح.
وللحنابلة وجهان مبنيّان على كونه حقّاً لله تعالى فلا يصحّ الصلح عنه ، كحدّ الزنا ، وكونه حقّاً للآدميّ فيسقط ، كالقصاص (٢).
ولو صالَح عن حقّ الشفعة ، جاز عندنا ؛ لأنّه حقٌّ تعلّق بالمال ، فجاز الاعتياض عنه به ، كغيره من الحقوق الماليّة.
ومَنَع منه الحنابلة ؛ لأنّ الشفعة حقٌّ شُرّع على خلاف الأصل لدفع ضرر الشركة ، فإذا رضي بالتزام الضرر سقط الحقّ من غير بدلٍ (٣).
وهو ممنوع.
مسألة ١١٢١ : لا يجوز أن يحفر في الطرق النافذة بئراً لنفسه ، سواء
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : « لم يكن » بدل « لم يجز ».
(٢) المغني ٥ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩.
(٣) المغني ٥ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩.
جعلها لماء المطر أو يستخرج منها ماء ينتفع به ، ولا غير ذلك.
ولو أراد حفرها للمسلمين ونفعهم أو لينتفع بها الطريق بأن يحفرها ليستقي الناس من مائها ويشرب منه المارّة أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق ، فإن تضرّر بها المسلمون أو كان الدرب ضيّقاً أو يحفرها في ممرّ الناس بحيث يخاف سقوط إنسانٍ فيها أو دابّة أو يضيق عليهم ممرّهم ، لم يجز ذلك ؛ لأنّ ضررها أكثر من نفعها.
وإن حفرها في زاويةٍ من طريقٍ واسع وجعل عليها ما يمنع الوقوع فيها ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه نفع لا ضرر فيه ، لكن مع الضمان.
وإن كان الدرب غير نافذٍ ، لم يجز شيء من ذلك مطلقاً إلاّ بإذن أربابه ؛ لأنّه ملكٌ لقومٍ معيّنين ، فلا يجوز فعله إلاّ بإذنهم ، كما لو فعله في بستان غيره.
ولو صالَح أهل الدرب على ذلك جاز ، سواء حفرها لنفسه أو لينزل فيها ماء المطر عن داره أو ليستقي منها ماءً لنفسه ، أو حفرها للسبيل ونفع الطريق.
وكذا إن فَعَل ذلك في ملك إنسانٍ معيّن.
مسألة ١١٢٢ : قد بيّنّا أنّه يجوز إخراج الميازيب في الطرق النافذة إذا لم يمنع منه أحد يتضرّر به ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي (١) ـ لأنّ عمر بن الخطّاب اجتاز على دار العبّاس وقد نصب ميزاباً إلى الطريق ، فقلعه ، فقال العبّاس : تقلعه وقد نصبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيده (٢) ، وما فَعَله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جاز لغيره فعله ؛ عملاً بالتأسّي ما لم يقم دليل على اختصاصه ، ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، ولا يمكنه ردّ مائه إلى داره.
__________________
(١) المغني ٥ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩.
(٢) تقدّم تخريجه في ص ٤٢ ، الهامش (١).
وقال أحمد : لا يجوز ؛ لأنّه تصرّف في هواءٍ مشتركٍ بينه وبين غيره بغير إذنه فلم يجز ، كغير النافذ (١).
وعدم الإذن ممنوع بوضع عامّة الناس في الأمصار بأسرها على استمرار الدهور.
مسألة ١١٢٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز وضع الجذوع على حائط الجار إلاّ بإذنه ، وبيّنّا الخلافَ.
وكذا في جدار المسجد.
وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الجواز ؛ لأنّه إذا جاز في ملك الجار مع أنّ [ حقّه ] (٢) مبنيّ على الشحّ والتضييق ، ففي حقّ الله تعالى المبنيّ على المسامحة والمساهلة أولى (٣).
وكلتا المقدّمتين ممنوعة.
فرعٌ : على قول أحمد إذا كان له وضع خشبٍ على جدار غيره ، لم يملك إعارته ولا إجارته ؛ لأنّه إنّما كان له ذلك لحاجته الماسّة إلى وضع خشبه ، ولا حاجة له إلى وضع خشبة غيره ، فلم يملكه.
وكذلك لا يملك بيع حقّه من وضع خشبه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره ؛ لأنّه أُبيح له لحاجته إليه ، فلا يجوز [ التخطّي ] (٤) كطعام غيره إذا أُبيح له للضرورة لم يملك إباحة غيره (٥).
ولو تنازعا مسنّاةً بين نهر أحدهما وأرض الآخَر أو بين أرضيهما أو
__________________
(١) المغني ٥ : ٣٦ ـ ٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حائطه ». والمثبت كما في المصدر.
(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٨.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « التخطئة ». والظاهر ما أثبتناه.
(٥) المغني ٥ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٩ ـ ٤٠.
نهريهما ، تحالفا ، وكانت بينهما ؛ لأنّها حاجز بين ملكيهما ، كالحائط بين الملكين.
مسألة ١١٢٤ : لو كان السُّفْل لرجلٍ والعلوّ لآخَر ، فانهدم السقف الذي بينهما ، لم يُجبر أحدهما على عمارته لو امتنع ـ وللشافعي قولان ، وعن أحمد روايتان (١) ـ للأصل.
ولو انهدمت حيطان السُّفْل وأراد صاحب العلوّ بناءه ، لم يُمنع من ذلك ؛ توصّلاً إلى تحصيل ملكه.
فإن بناه بآلته ، فهو على ما كان.
وإن بناه بآلةٍ من عنده ، لم يكن له منع صاحب السُّفْل من السكنى ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ ملكه لم يخرج عن السُّفْل ، والسكنى إنّما هي إقامته في فناء الحيطان من غير تصرّفٍ فيها ، فأشبه الاستظلال بها من خارجٍ.
ومَنَع أبو حنيفة من السكنى ؛ لأنّ البيت إنّما يُبنى للسكنى فلم يملكه ، كغيره (٣).
وليس بشيءٍ ؛ إذ لا يمنع من التصرّف في ملكه المختصّ به.
وعن أحمد روايتان (٤).
مسألة ١١٢٥ : لو كان الحائط بينهما نصفين فاتّفقا على بنائه أثلاثاً أو بالعكس ، جاز ، كما لو تبرّع أحدهما ببنائه.
ومَنَع الحنابلة من تساويهما في البناء لو اختلفا في الاستحقاق ؛ لأنّه يصالح على بعض ملكه ببعضٍ فلم يصحّ ، كما لو أقرّ له بدارٍ فصالحه على
__________________
(١) المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧.
(٢ ـ ٤) المغني ٥ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧.
سكناها (١).
والملازمة ممنوعة ، وكذا الحكم في الأصل ممنوع.
ولو اتّفقا على أن يحمله كلّ واحدٍ منهما ما شاء ، لم يجز ؛ لجهالة الحمل ، وإنّه يحمله من الأثقال ما لا طاقة له بحمله.
مسألة ١١٢٦ : لو كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخَر ، لم يُمنع صاحب الأعلى من الصعود على سطحه ، ولا يحلّ له الإشراف على سطح جاره.
وقال أحمد : ليس لصاحب العلوّ الصعودُ على سطحه على وجهٍ يشرف على سطح جاره إلاّ أن يبني سترةً تستره (٢).
ومذهبنا أنّه لا يجب بناء السترة ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه حاجز بين ملكيهما فلا يُجبر عليه ، كالأسفل.
احتجّ أحمد بأنّه يحرم عليه الاطّلاع والإشراف على جاره ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لو أنّ رجلاً اطّلع عليك فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح » (٤) (٥).
ونحن نقول بموجبه ، فإنّ الاطّلاع حرام عندنا ، أمّا العلوّ بالسطح فلا.
مسألة ١١٢٧ : لو تنازع اثنان جملاً ، فإن كان لأحدهما عليه حمْلٌ كان صاحب الحمل أولى ، وبه قال الشافعي وإن لم يحكم بالجدار لصاحب الجذوع التي عليه ، وفرَّق بأنّ الحائط ينتفع به كلّ واحدٍ منهما وإن كان
__________________
(١) المغني ٥ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩.
(٢) بحر المذهب ٨ : ٤١ ، المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢ ـ ٥٣.
(٣) بحر المذهب ٨ : ٤١ ، المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣.
(٤) صحيح البخاري ٩ : ٨ ـ ٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٩٩ / ٤٤.
(٥) المغني ٥ : ٥٢ ـ ٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣.
صاحب الجذوع أكثر منفعةً ، وأمّا الجمل فالانتفاع لصاحب الحمل ، دون الآخَر (١).
وهذا الفرق ليس بشيءٍ ، بل انتفاع صاحب الجذوع بالجدار أدوم.
ولو تنازعا عبداً ولأحدهما عليه ثوبٌ لابسه ، تساويا فيه ، بخلاف الحمل ؛ لأنّ صاحب الثوب لا ينتفع بلُبْس العبد له ، بخلاف الحمل ، ولأنّ الحمل لا يجوز أن يحمله على الجمل إلاّ بحقٍّ ، ويجوز أن يجبر العبد على لُبْس قميص غير مالكه إذا كان عرياناً وبذله ، فافترقا.
مسألة ١١٢٨ : لو كان في يد شخصين درهمان فادّعاهما أحدهما وادّعى الآخَر واحداً منهما ، أُعطي مدّعيهما معاً درهماً ، وكان الدرهم الآخَر بينهما نصفين ؛ لأنّ مدّعي أحدهما غير منازعٍ في الدرهم الآخَر ، فنحكم به لمدّعيهما ، وقد تساويا في دعوى أحدهما يداً ودعوى ، فيُحكم به لهما.
هذا إذا لم توجد بيّنة.
والأقرب : إنّه لا بدّ من اليمين ، فيحلف كلّ واحدٍ منهما على استحقاق نصف الآخَر الذي تصادمت دعواهما فيه ، فمَنْ نكل منهما قُضي به للآخَر.
ولو نكلا معاً أو حلفا معاً ، قُسّم بينهما نصفين ؛ لما رواه عبد الله بن المغيرة عن غير واحدٍ من أصحابنا عن الصادق عليهالسلام : في رجلين كان معهما درهمان ، فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخَر : هُما بيني وبينك ، قال : فقال الصادق عليهالسلام : « أمّا أحد الدرهمين ليس له فيه شيء ، وإنّه لصاحبه ، ويُقسم الدرهم الباقي بينهما نصفين » (٢).
مسألة ١١٢٩ : لو أودع رجل عند آخَر دينارين وأودعه آخَر ديناراً وامتزجا ثمّ ضاع دينار منهما ، فإن كان بغير تفريطٍ منه في الحفظ ولا في
__________________
(١) البيان ١٣ : ١٩٦ ، المغني ١٢ : ٢٢٨ ، وراجع الهامش (٣) من ص ٥٨٣.
(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨١.
المزج بأن أذنا له في المزج أو حصل المزج بغير فعله ولا اختياره ، فلا ضمان عليه ؛ لأصالة البراءة ، ولو فرّط ضمن التالف.
هذا بالنظر إلى المستودع ، وأمّا المال الباقي فإنّه يعطى صاحب الدينارين ديناراً ؛ لأنّ خصمه يسلّم له أنّه لا يستحقّ منه شيئاً ، ويبقى الدينار الآخَر تتصادم دعواهما فيه ، فيُقسم بينهما نصفين ؛ لما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه عليهمالسلام : في رجلٍ استودع رجلاً دينارين واستودعه آخَر ديناراً فضاع دينار منهما ، فقال : « يعطى صاحب الدينارين ديناراً ، ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين » (١).
ولو كان ذلك في متساوي الأجزاء الممتزج مزجاً يرفع الامتياز ، كما لو استودعه أحدهما قفيزين من حنطةٍ أو شعير أو دخن وشبهه ، واستودعه الآخَر قفيزاً مثلهما ثمّ امتزج المالان وتلف قفيز من الممتزج ، فإنّ الأقوى هنا أن يقسم المال التالف بينهما على نسبة المالين ، فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث قفيزٍ ، ولصاحب القفيز ثلثا قفيزٍ.
والفرق ظاهر ؛ لأنّ عين أحد الدينارين غير مستحقٍّ لصاحب الدينار.
مسألة ١١٣٠ : لو اشترى العامل في البضاعة ثوباً بثلاثين درهماً ، واشترى من مال المباضع الآخَر ثوباً بعشرين درهماً ، ثمّ امتزج الثوبان ، فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه ، وإن تعاسرا بِيعا معاً ، وبسط الثمن على القيمتين ، فيأخذ صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، ويأخذ صاحب العشرين خُمْسي الثمن ؛ إذ الظاهر عدم التغابن ، وأنّ كلّ واحدٍ منهما اشترى بقيمته وباع بالنسبة.
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٣.
ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق عليهالسلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يُباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمْسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه » (١).
ولو بِيعا منفردين ، فإن تساويا في الثمن فلكلٍّ مثل صاحبه ؛ ليميّز حقّ كلّ واحدٍ منهما عن حقّ الآخَر ، وإن تفاوتا كان أقلّ الثمنين لصاحب العشرين وأكثرهما لصاحب الثلاثين ؛ قضاءً بالظاهر من عدم الغبن.
مسألة ١١٣١ : لو تنازعا في دابّةٍ فادّعاها كلّ واحدٍ منهما وكان أحدهما راكبَها والآخَر قابض لجامها ولا بيّنة ، قال الشيخ رحمهالله : يُحكم بها لهما ، وتُجعل بينهما نصفين (٢) ، وبه قال أبو إسحاق المروزي (٣) ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهما يداً عليها.
وقال باقي العامّة : يُحكم بها للراكب ؛ لبُعْد تمكين صاحب الدابّة غيرَه من ركوبها ، وإمكان أخذ اللجام من صاحب الدابّة (٤). وهو الأقوى عندي.
ولو تنازعا ثوباً في يدهما ، قضي لهما معاً به بالسويّة وإن كان في يد أحدهما أكثر ؛ لتساويهما في اليد والدعوى ، وكلّ ذلك مع عدم البيّنة
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٤٨٢.
(٢) الخلاف ٣ : ٢٩٦ ، المسألة ٥ من كتاب الصلح.
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٢١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢.
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣١٨ ، الوجيز ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، الوسيط ٤ : ٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٢١١ ، البيان ١٣ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢.
واليمين.
ولو كان باب غرفة البيت مفتوحاً إلى الجار فادّعاها كلٌّ من صاحب الأسفل والجار ، حُكم بالغرفة لصاحب الأسفل ؛ لأنّ مَنْ مَلَك القرار مَلَك الهواء ، وفتح الباب يحتمل الإعارة.
أمّا لو كانت الغرفة تحت تصرّف الجار ، فالأقرب : الحكم له بها ؛ قضاءً باليد الدالّة على الملكيّة.
تذنيب : لو بنى مسجداً في أرضٍ اشتراها من غيره ، فادّعاها ثالثٌ ، فإن صدّقه المشتري أو البائع كان على المصدّق القيمة ، ولو كذّباه فصالحه بعض جيران المسجد صحّ الصلح ؛ لأنّه بذْلُ مالٍ على طريق البرّ.
تذنيبٌ آخَر : لو تداعى ذو البابين في المنقطع الدربيّة ، حُكم بينهما لهما من رأس الدربيّة إلى الأوّل ، وما بين البابين للثاني ، والفاصل إلى صدر الدرب يحتمل قويّاً الشركة ، واختصاصُ الأخير.
تمّ الجزء العاشر (١) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله تعالى ومنّه ، ويتلوه في الجزء الحادي عشر (٢) ـ بتوفيق الله تعالى ـ كتاب الأمانات وتوابعها ، وفيه مقاصد.
فرغتُ من تسويده ثامن عشري صفر ـ خُتم بالخير والظفر ـ من سنة خمس عشرة وسبعمائة بالسلطانيّة.
وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهّر ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّد النبي وآله الطاهرين.
__________________
(١ و ٢) حسب تجزئة المصنّف رحمهالله.