الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: ٥٣٤
الغريم في الحقيقة ، فله التماسُ ذلك من نفسه وفِعْلُه ، كما لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو لمحجورٍ عليهم بالسفه وكان وليُّهم الحاكمَ ، تولاّه القاضي لمصلحتهم من غير التماسٍ.
فروع :
أ ـ لو كان الدَّيْن للغُيّاب ، لم يحجر عليه الحاكم ؛ لأنّ الحاكم لا يستوفي ما للغُيّاب في الذمم ، بل يحفظ أعيان أموالهم.
ب ـ لو التمس بعضُ الغرماء الحجرَ دون بعضٍ ، فإن كانت ديون الملتمسين قدراً يجوز الحجر بها ، حُجر عليه لذلك القدر ، وأُجيبوا إلى ذلك ، ثمّ لا يختصّ الحجر بهم ، بل يعمّ أثره الجميع.
وإن لم تكن ديونهم زائدةً على أمواله ، فالأقرب : جواز الحجر ، ولا ينتظر التماس الباقين ؛ لئلاّ يضيع على الملتمس ماله [ بتكاسل ] (١) غيره.
ويُحتمل العدمُ ، وهو أظهر الوجهين عند الشافعيّة (٢).
ج ـ لو لم يلتمس أحد من الغرماء الحجرَ فالتمسه المفلس ، فالأقرب عندي : جواز الحجر عليه ؛ لأنّ في الحجر مصلحةً للمفلس ، كما فيه مصلحة للغرماء ، وكما أجبنا الغرماء إلى تحصيل ملتمسهم حفظاً لحقوقهم ، كذا يجب أن يجاب المفلس تحصيلاً لحقّه ، وهو حفظ أموال الغرماء ليسلم من المطالبة والإثم ، وإذا تحقّق ثبوت غرضٍ للمفلس صحيحٍ في الحجر عليه ، أُجيب إليه ، وقد روي أنّ حَجْر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على معاذ كان بالتماسٍ
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بتكامل ». وذاك تصحيف.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : (٦).
من معاذ دون طلب الغرماء (١) ، وهو أحد وجهي الشافعي. والثاني : لا يُجاب المفلس إليه ؛ لأنّ الحُرّيّة والرشد ينافيان الحجر ، وإنّما يصار إلى الحجر إذا حقّت طلبة الغرماء (٢).
__________________
(١) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : (٦).
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٤.
الفصل الثالث : في أحكام الحجر
إذا حجر الحاكم على المديون ، ثبتت أحكام أربعة : منعه من التصرّف في ماله ، وبيع ماله للقسمة على الديون ، واختصاص صاحب العين بها ، وحبسه إلى ثبوت إعساره. فهنا مباحث أربعة :
البحث الأوّل : في منعه من التصرّف.
مسألة ٢٦٨ : يستحبّ للحاكم الإعلامُ بالحجر ، والنداء على المفلس ، ويُشهد الحاكم عليه بأنّه قد حجر عليه والإعلان بذلك بحيث لا يستضرّ معاملوه. فإذا حجر عليه ، منعه من التصرّف المبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوضٍ أو غيره ، سواء ساوى العوض أو قصر.
والتصرّف قسمان : إمّا أن يصادف المال أو لا ، والأوّل إمّا إنشاء أو إقرار.
والأوّل ضربان : ما يصادف المال إمّا بتحصيل ما ليس بحاصل ، كالاصطياد والاحتطاب وقبول الوصيّة ، وهذا لا يُمنع منه إجماعاً ؛ لأنّ الغرض من الحجر منعه ممّا يتضرّر به الغرماء. وإمّا تفويت ما هو حاصل ، فإن تعلّق بما بعد الموت ـ كالتدبير والوصيّة ـ صحّ ، فإن حصَّل زيادةً على الديون ، نفذت الوصيّة ، وإلاّ بطلت. وإن كان غير متعلّقٍ بالموت ، فإمّا أن يكون مورده عينَ مالٍ أو ما في الذمّة. وإمّا أن لا يكون تصرّفه مصادفاً للمال ، فلا بُدَّ من البحث عن هذه الأقسام بعون الله تعالى.
مسألة ٢٦٩ : كلّ تصرّفٍ للمفلس غير مصادفٍ للمال فإنّه لا يُمنع منه ؛ لكماليّته ، وعدم المانع من التصرّف فيما تصرّف فيه حيث لم يكُ مالاً ، وذلك كالنكاح ، ولا يُمنع منه. وأمّا مئونة النكاح فسيأتي إن شاء الله تعالى.
وكذا الطلاق لا يُمنع منه ؛ لأنّ تصرّفه هذا لم يصادف مالاً ، بل هو إسقاط ما يجب عليه من المال ، فكان أولى بالجواز ، وإذا صحّ منه الطلاق مجّاناً ، كان صحّة الخلع ـ الذي هو في الحقيقة طلاقٌ بعوضٍ ـ أولى بالجواز.
وكذا يصحّ منه استيفاء القصاص ؛ لأنّه ليس تصرّفاً في المال ، ولا يجب عليه قبول الدية وإن بذل الجاني ؛ لأنّ القصاص شُرّع للتشفّي ودفع الفساد ، والدية إنّما تثبت صلحاً ، وليس واجباً عليه تحصيل المال بإسقاط حقّه.
وكذا له العفو عن القصاص مجّاناً بغير عوضٍ. أمّا لو وجبت له الدية بالأصالة ـ كما في جناية الخطأ ـ فإنّه ليس له إسقاطها ؛ لأنّه بمنزلة الإبراء من الدَّيْن.
وكذا له استلحاق النسب ؛ إذ ليس ذلك تصرّفاً في المال وإن وجبت المئونة ضمناً. وكذا له نفيه باللعان.
وكذا لا يُمنع من تحصيل المال بغير عوضٍ ، كالاحتطاب وشبهه ، وقد سلف (١).
مسألة ٢٧٠ : لو صادف تصرّفه عينَ مالٍ بالإتلاف إمّا بمعاوضةٍ كالبيع والإجارة ، أو بغير معاوضةٍ كالهبة والعتق والكتابة ، أو بالمنع من الانتفاع
__________________
(١) في ص ٢٣ ، ضمن المسألة ٢٦٨.
كالرهن ، قال الشيخ رحمهالله : يبطل تصرّفه (١). وهو أصحّ قولي الشافعي ـ وبه قال مالك والمزني ـ لأنّه محجور عليه بحكم الحاكم ، فوجب أن لا يصحّ تصرّفه ، كما لو كان سفيهاً. ولأنّ أمواله قد تعلّق بها حقّ الغرماء ، فأشبهت تعلّق [ حقّ ] (٢) المرتهن. ولأنّ هذه التصرّفات غير نافذة في الحال إجماعاً ، فلا تكون نافذةً فيما بَعْدُ ؛ لعدم الموجب.
والقول الثاني للشافعي : إنّ هذه التصرّفات لا تقع باطلةً في نفسها ، بل تكون موقوفةً ، فإن فضل ما تصرّف به عن الدَّيْن إمّا لارتفاع سعر أو لإبراء بعض المستحقّين ، نفذ ، وإلاّ بانَ أنّه كان لغواً ؛ لأنّه محجور عليه بحقّ الغرماء ، فلا يقع تصرّفه باطلاً في أصله ، كالمريض (٣).
وهذا القول لا بأس به عندي ، والأوّل أقوى.
والفرق بينه وبين المريض ظاهر ؛ فإنّ المريض غير محجور عليه ، ولهذا لو صرف المال في ملاذّه ومأكله ومشروبه ، لم يُمنع منه ، بخلاف صورة النزاع.
مسألة ٢٧١ : إن قلنا ببطلان التصرّفات ، فلا بحث. وإن قلنا : إنّها تقع موقوفةً ، فإن فضل ما تصرّف فيه وانفكّ الحجر ، ففي نفوذه للشافعي قولان (٤).
وإذا لم يف بديونه ، نقضنا الأخفّ فالأخفّ من التصرّفات ، ونبدأ
__________________
(١) الخلاف ٣ : ٢٦٩ ، المسألة ١١.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».
(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، المغني ٤ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠١.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩.
بالهبة فننقضها ؛ لأنّها تمليك من غير بدلٍ ، فإن لم يف ، نقضنا البيع ، بخلاف الوقف والعتق ؛ لأنّ البيع يلحقه الفسخ ، فإن لم يف ، رددنا العتق والوقف.
قال بعضهم : هذه التصرّفات على الترتيب ، فالعتق أولى بالنفوذ ؛ لقبوله الوقف وتعلّقه بالإقرار ، وتليه الكتابة ؛ لما فيها من المعاوضة ، ثمّ البيع والهبة ؛ لأنّهما لا يقبلان التعليق (١).
واختلفوا في محلّ القولين :
فقال بعضهم : إنّهما مقصوران على ما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ، ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه ، فإن فعل ذلك ، لم ينفذ تصرّفه قولاً واحداً.
وقال آخَرون : إنّهما مطّردان في الحالين ، وهو الأشهر عندهم.
فعلى هذا هل تجب الزكاة عليه؟ فعلى الأوّل لا تجب ، وعلى الثاني تجب ما دام ملكه باقياً (٢).
وقول الشافعي : « لا زكاة عليه » محمول عند هؤلاء على ما إذا باع المفلس ماله من الغرماء (٣).
مسألة ٢٧٢ : إذا قلنا بأنّه تنفذ تصرّفاته بعد الحجر ، وجب تأخير ما تصرّف فيه ، وقضي الدَّيْن من غيره فربما يفضل ، فإن لم يفضل ، نقضنا من تصرّفاته الأضعف فالأضعف على ما تقدّم ، ويؤخّر العتق كما قلناه.
فإن لم يوجد راغب في أموال المفلس إلاّ في العبد المعتق ، والتمس الغرماء من الحاكم بيعه ليقبضوا حقّهم معجّلاً ، فالأقرب : إجابتهم إلى ذلك ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩.
(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٧.
وإلاّ لزم أحد الضررين : إمّا تضرّر الغرماء بالصبر ، وليس واجباً ، وإمّا تضرّر المفلس والغرماء معاً لو بِيعت أمواله بالرخص.
وقال بعض الشافعيّة : يحتمل أن ينقض من تصرّفاته الأخير فالأخير ، كما في تبرّعات المريض إذا زادت على الثلث (١).
وهو حسن لا بأس به عندي.
فلو وقعت دفعةً ، احتُمل القرعة.
ولو أجاز الغرماء بعض التصرّفات ، نفذ قطعاً ، سواء كان سابقاً أو لاحقاً ، وسواء كان عتقاً أو غيره.
هذا إذا باع من غير الغرماء ، ولو باع منهم ، فسيأتي.
مسألة ٢٧٣ : تصرّفاته الواردة على ما في الذمّة صحيحة ، كما لو اشترى بثمن في الذمّة ، أو باع طعاماً سلفاً ، صحّ ، ويثبت في ذمّته ، وهو أظهر مذهبي الشافعي.
والثاني : أنّه لا يصحّ شراؤه ، كالسفيه (٢).
والأوّل أقوى ؛ لوجود المقتضي ، وهو صدور العقد من أهله في محلّه ، سالماً عن معارضة منع حقّ الغرماء ؛ لأنّه لم يرد إلاّ على أعيان أمواله. وكذا لو اقترض.
وليس للبائع فسخ البيع ، سواء كان عالماً بالحجر أو جاهلاً به ؛ لأنّ التفريط من جهته حيث أهمل الاحتياط في السؤال عن حالة مُعامله.
إذا ثبت هذا ، فإنّ هذه المتجدّدات وشبهها من الاحتطاب وغيره تدخل تحت الحجر.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩ ـ ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٧.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨.
مسألة ٢٧٤ : لو باعه عبداً بثمن في ذمّته بشرط الإعتاق ، فإن أبطلنا جميع التصرّفات ـ سواء وردت على عين المال أو في الذمّة ـ فالأقوى : بطلان البيع ؛ لأنّه تصرّف في المال وإن كان في الذمّة.
وإن قلنا بالصحّة فيما يكون مورده الذمّة على ما اخترناه ، صحّ البيع والعتق معاً ، ويكون العتق موقوفاً ، فإن قصر المال ، احتمل صرفه في الدَّيْن ، لا رجوعه إلى البائع.
والأقوى عندي صحّة عتقه في الحال.
ولو وهب بشرط الثواب ثمّ أفلس ، لم يكن له إسقاط الثواب.
مسألة ٢٧٥ : لو أقرّ بدَيْنٍ ، فإمّا أن يكون قد أقرّ بدَيْنٍ لزمه وأضافه إلى ما قبل الحجر إمّا من معاملةٍ أو قرضٍ أو إتلاف ، أو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر.
فالأوّل يلزمه ما أقرّ به ؛ لأنّ الحجر ثبت عليه لحقّ غيره ، فلا يمنع صحّة إقراره.
وهل يشارك المُقرّ له الغرماء بمجرّد إضافة إقراره إلى سببٍ سابق؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه عاقل ، فينفذ إقراره ؛ لعموم قوله عليهالسلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) وعموم الخبر (٢) في قسمة ماله بين غرمائه ، وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال ابن المنذر (٣).
قال الشافعي : وبه أقول (٤).
__________________
(١) لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة.
(٢) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٤).
(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨ ، المغني ٤ : ٥٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠١.
(٤) الأُم ٣ : ٢١٠ ، مختصر المزني : ١٠٤.
وقال : لو كان المفلس قصّاراً أو صائغاً وأفلس وحُجر عليه وعنده ثياب الناس وحُليّهم ، أيقال : لا يُقبل قوله في ردّ أموال الناس؟ (١).
ولأنّ هذا دَيْنٌ ثابت عليه مضاف ـ بقوله ـ إلى ما قبل الحجر ، فوجب أن يشارك صاحبه الغرماء ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وبالقياس على ما إذا أقرّ المريض بدَيْنٍ يزاحم المُقرّ له غرماء الصحّة.
والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل في حقّ الغرماء ـ وبه قال مالك وأحمد ومحمّد بن الحسن ـ لأنّ حقّ الغرماء تعلّق بما لَه من المال ، وفي القبول إضرار بهم بمزاحمته إيّاهم. ولأنّه متّهم في هذا الإقرار ، فلا يسقط به حقّ الغرماء المتعلّق بماله ، كما لو أقرّ بما رهنه ، فحينئذٍ لا يشارك المُقرّ له الغرماء ، بل يأخذ ما فضل عنهم (٢).
وتُمنع التهمة ؛ لأنّ ضرر الإقرار في حقّه أكثر منه في حقّ الغرماء ، فلا تهمة فيه ، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يُقرّ بدَيْنٍ عليه وليس عليه دَيْنٌ.
مسألة ٢٧٦ : لو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر وأسنده إلى ما بعد الحجر ، فإن كان قد لزمه باختيار صاحبه ـ كالبيع والقرض وغيرهما من المعاملات المتجدّدة بعد الحجر ـ فإنّه يكون في ذمّته ، ولا يشارك المُقرّ له الغرماء ؛ لأنّ صاحب المال رضي بذلك إن علم أنّه مفلس ، وإن لم يعلم ، فقد فرّط في ذلك.
وإن كان قد لزمه عن غير رضا صاحبه ـ كما لو أتلف عليه مالاً أو جنى عليه جناية ـ فالأقرب : أنّه يُقبل في حقّ الغرماء ، كما لو أسند الدَّيْن
__________________
(١) الأُم ٣ : ٢١٠.
(٢) نفس المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٨.
إلى [ سببٍ ] (١) سابقٍ على الحجر ؛ لأنّ حقّه ثبت بغير اختياره ، وهو أصحّ طريقي الشافعيّة (٢).
لا يقال : لِمَ لا قُدّم حقّه على حقّ الغرماء كما قُدّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن؟
لأنّا نقول : الفرق أنّ الجناية لا محلّ لها سوى الرهن ، والدَّيْن متعلّق بالرهن والذمّة ، فقد اختصّ بالعين ، وفي مسألتنا الدَّيْنان متعلّقان بالذمّة فاستويا. ولأنّ الجناية قد حصلت من الرهن الذي علّقه به صاحبه ، فقُدّمت الجناية كما تُقدَّم على حقّ صاحبه ، وهنا الجناية كانت من المفلس دون المال ، فافترقا.
ونظيره في حقّ المفلس أن يجني عبده ، فيقدّم على حقّ الغرماء.
والطريق الثاني : أنّه كما لو قال : عن معاملةٍ (٣).
ولو أقرّ بدَيْن ولم يُسنده إلى ما قبل الحجر ولا إلى ما بعده ، حُمل على الثاني ، وجُعل بمنزلة ما لو أسنده إلى ما بعد الحجر ؛ لأصالة التأخّر ، وعدم التعلّق.
مسألة ٢٧٧ : لو أقرّ المفلس بعين من الأعيان ـ التي في يده ـ لرجلٍ وقال : غصبته منه أو استعرته أو أخذته سَوْماً أو وديعةً ، فالأقرب : النفوذ ، ومضيّ الإقرار في حق الغرماء ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ سابقٍ.
وللشافعي قولان ، كالقولين في الإقرار بالدَّيْن السابق على الحجر (٤).
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٨.
(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.
لكنّ الإقرار بالدَّيْن السابق على الحجر أثره أن يزاحم المُقرّ له الغرماء ، وهنا يُسلّم المُقرّ به على القول بالقبول ، وعلى القول بعدمه إن فضل ، سلّم العين إلى المُقرّ له ، وإلاّ غرم قيمتها بعد اليسار.
فإن كذّبه المُقرّ له ، بطل إقراره ، وقُسّمت العين بين الغرماء.
وكذا لو أقرّ بدَيْنٍ فكذّبه المُقرّ له ، لم يُسمع إقراره. ومع عدم قبول إقراره بالعين إن فضلت ، دُفعت العين إلى المُقرّ له قطعاً ، بخلاف البيع ؛ فإنّ فيه إشكالاً.
وكذا الإشكال لو ادّعى أجنبيّ شراء عين في يده من (١) قبل الحجر فصدّقه.
واعلم أنّ الفرق بين الإنشاءات حيث رددناها في الحال قطعاً وقلنا : الأصحّ أنّه لا يُحكم بنفوذها عند انفكاك الحجر أيضاً ، وبين الأقارير حيث قبلناها في حقّ المفلس جزماً وفي حقّ الغرماء على الأصحّ : أنّ مقصود الحجر منعُه من التصرّف ، فيناسبه إلغاء ما ينشئه ، والإقرار إخبار عمّا مضى ، والحجر لا يسلب العبارة عنه.
مسألة ٢٧٨ : لو أقرّ بما يوجب القصاص عليه أو الحدّ ، قُبِل ، وأُجري عليه حكم إقراره ، سواء أدّى إلى التلف أو لا ؛ لانتفاء التهمة. ولأنّه عاقل أقرّ بما يؤثّر في حقّه حكماً ، ولا مانع له ؛ إذ المانع التصرّف في الماليّة وليس ثابتاً ، فثبت موجَب إقراره.
ولو كان الإقرار بسرقةٍ توجب القطع ، قُبِل في القطع ، وأمّا في المسروق فكما لو أقرّ بمالٍ ، والقبول هنا أولى ؛ لبُعْد الإقرار عن التهمة.
__________________
(١) في « ث » : « منه » بدل « من ».
ولو أقرّ بما يوجب القصاص فعفا المستحقّ على مالٍ ، فهو كإقرارٍ بدَيْن جناية.
وقال بعض الشافعيّة : يُقطع هنا بالقبول ؛ لانتفاء التهمة (١).
مسألة ٢٧٩ : لو ادّعى رجل على المفلس مالاً لزمه قبل الحجر فأنكر المفلس ، فإن أقام المدّعي بيّنةً ، ثبت حقّه ، وساوى الغرماء. وإن لم تكن له بيّنة ، كان على المفلس اليمين ، فإن حلف ، برأ ، وسقطت الدعوى. وإن نكل ، رُدّت اليمين على المدّعي ، فإذا حلف ، ثبت الدَّيْن.
وهل يشارك المدّعي الغرماء؟ إن قلنا : إنّ النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، زاحَم المدّعي الغرماء ، كما لو ثبت دَيْنه بالبيّنة. وإن قلنا : إنّه كالإقرار ، فكالقولين.
مسألة ٢٨٠ : لا خلاف في أنّ الحجر يتعلّق بالمال الموجود للمفلس حالة الحجر ، وأمّا المتجدّد بعده باصطيادٍ أو اتّهاب أو قبول وصيّة ، الأقرب : أنّ الحجر يتعدّى إليه أيضاً ؛ لأنّ مقصود الحجر إيصال حقوق المستحقّين إليهم ، وهذا لا يختصّ بالموجود عند الحجر ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
والثاني : أنّ الحجر لا يتعدّى إلى المتجدّد ؛ لأنّ الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرّف فيما عنده ، فلا يتعدّى إلى غيره ، كما أنّ حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدّى إلى غيرها (٢).
إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى شيئاً وقلنا بصحّة شرائه ، ففيه مثل هذا
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.
(٢) الوسيط ٤ : ١٠ ، الوجيز ١ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.
الخلاف.
وهل للبائع الخيارُ والتعلّق بعين متاعه؟ الأقرب : العدم ـ وهو أحد وجوه الشافعي (١) ـ لأنّه إن (٢) كان عالماً ، كان بمنزلة مَن اشترى معيباً يعلم بعيبه. وإن كان جاهلاً ، فقد قصّر بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه ؛ فإنّ الحاكم يشهر أمر المحجور عليه بالنداء والإشهاد والإعلان.
والثاني : أنّ البائع إن كان عالماً ، فلا خيار له. وإن كان جاهلاً ، فله الخيار ، والرجوع إلى عين ماله.
والثالث : أنّ للبائع الخيارَ في الرجوع إلى عين ماله وإن كان عالماً ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن (٣).
وكذا المُقرض.
ويقرب من هذا ما إذا باع من عبدٍ بغير إذن مولاه وقلنا بصحّة البيع ، فإنّ الثمن يتعلّق بذمّته يتبع به بعد العتق ، فإن كان عالماً ، ففي ثبوت الخيار وجهان (٤).
وإن كان جاهلاً ، يثبت.
مسألة ٢٨١ : إذا لم يثبت للبائع الرجوعُ في المبيع على المفلس المحجور ، فهل يزاحم الغرماء بالثمن؟ الأقرب : المنع ؛ لأنّه دَيْنٌ حادث بعد الحجر برضا صاحبه ، وكلّ ما هذا شأنه من الديون لا يزاحم مستحقّها الغرماء ، بل إن فضل منهم شيء ، أخذه ، وإلاّ صبر إلى أن يجد مالاً ، وهو أصحّ قولي الشافعي.
__________________
(١ و ٣) الوسيط ٤ : ١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢ ـ ١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وإن ». والصحيح ما أثبتناه.
(٤) الوجهان أيضاً للشافعيّة ، راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣.
والثاني : أنّه يزاحم ؛ لأنّه وإن كان دَيْناً جديداً فإنّه في مقابلة ملكٍ جديد ، فلمّا زاد المال جاز أن يزيد الدَّيْن ، بخلاف الصداق الذي [ لزمه ] (١) بنكاح بعد الفلس ودَيْن ضمنه بعد الفلس ، فإنّه لا مقابل له هناك (٢).
مسألة ٢٨٢ : أقسام ديون المفلس ، الثابتة بعد الحجر ثلاثة :
أ : ما لزم باختيار مستحقّه ، فإن كان في مقابلته شيء ـ كثمن المبيع ـ فقد ذكرنا الخلاف في أنّه هل له المطالبة به أم لا؟ وإن لم يكن في مقابلته شيء ، فلا خلاف في أنّ مستحقّه لا يُضارِب الغرماء ، بل يصبر إلى فكاك الحجر.
ب : ما لزم بغير اختيار المستحقّ ، كأرش الجناية وغرامة الإتلاف ، وفيه وجهان :
[ أحدهما : ] أنّه لا يضارب به ؛ لتعلّق حقوق الأوّلين بأعيان أمواله ، فصار كما لو جنى الراهن ولا مال له غير المرهون ، لا يزاحم المجنيّ عليه المرتهن.
والثاني : أنّه يضارب ؛ لأنّه لم يوجد منه تقصير ، فيبعد تكليفه الانتظار (٣).
ج : ما يتجدّد بسبب مئونات المال ، كأُجرة الوزّان والناقد والكيّال والحمّال والمنادي والدلاّل وأُجرة البيت الذي يُحفظ فيه المتاع ، فهذه المُؤن كلّها مقدَّمة على ديون الغرماء ؛ لأنّها لمصلحة الحجر وإيصال أرباب
__________________
(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣.
(٣) الوجهان أيضاً للشافعيّة ، راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٦٩.
الحقوق حقوقهم ، ولو لم تُقدَّم لم يرغب أحد في تلك الأعمال ، وحصل الضرر بالمفلس والغرماء.
وهذا كلّه إذا لم يوجد متطوّعٌ بذلك ، ولا في بيت المال سعة له ، فإن وُجد متطوّعٌ أو كان في بيت المال سعة ، لم يُصرف مال المفلس إليها.
مسألة ٢٨٣ : شرطنا في التصرّف ـ الذي يُمنع المفلس منه ـ كونه مبتدأً ، كالابتداء بالبيع والصدقة والوقف والكتابة والهبة ، أمّا ما ليس بمبتدإ فإنّه لا يُمنع منه ، فلو اشترى قبل الحجر شيئاً ثمّ اطّلع على عيبه بعد الحجر ، فله الردّ بالعيب إن كانت الغبطة في الردّ ؛ لأنّه ليس ابتداء تصرّفٍ ، بل هو من أحكام البيع السابق ولواحقه ، والحجر لا يمنع من الأحكام السابقة عليه ، وليس ذلك كما لو باع مع الغبطة ؛ لأنّ ذلك تصرّف مبتدأ ، والفسخ ليس تصرّفاً مبتدأً ، فافترقا.
فإن منع من الردّ بالعيب السابق تصرّفٌ أو عيبٌ حادث ، لزم الأرش ، ولم يملك المفلس إسقاطه ؛ لأنّه تصرّف في مالٍ وجب له بالإتلاف إلى غير عوضٍ ، وهو ممنوع من الإتلاف بالعوض فبغيره أولى.
ولو كانت الغبطة في ترك الردّ بأن كان قيمته مع العيب أكثر من ثمن المثل ، لم يكن له الردُّ ؛ لما فيه من تفويت المال بغير عوضٍ.
وكذا المريض لو اشترى حال صحّته شيئاً ثمّ وجد عيبه في مرضه فأمسكه والغبطة في الردّ ، كان المقدار الذي ينقصه العيب معتبراً من الثلث.
وكذا وليّ الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيباً وكانت الغبطة في إبقائه ، لم يكن له الردّ.
ويثبت في هذه المواضع كلّها الأرش ؛ لأنّا لا نشترط في وجوب الأرش امتناع الردّ.
وقال الشافعي : لا يثبت الأرش في هذه الصور ؛ بناءً على أصله من أنّ الأرش لا يثبت مع إمكان الردّ ، والردّ هنا ممكن غير ممتنعٍ في نفسه ، بل إنّما امتنع لأنّ المصلحة اقتضت الامتناع منه (١).
مسألة ٢٨٤ : لو تبايعا بخيار ففلّسا أو أحدهما ، لم يبطل خيار المفلس ، وكان له إجازة البيع وردّه ، سواء رضي الغرماء أو سخطوا.
ولا يُعتبر هنا الغبطة ؛ لأنّ ذلك ليس تصرّفاً مبتدأً ، وإنّما مُنع المفلس من التصرّفات المستحدثة.
وفارق الفسخ والإجازة بالخيار الردَّ بالعيب ؛ لأنّ العقد في زمن الخيار متزلزل لا ثبات له ، فلا يتعلّق حقّ الغرماء بالمال ، ويضعف تعلّقه به ، بخلاف ما إذا خرج معيباً ، وإذا ضعف التعلّق جاز أن لا يُعتبر شرط الغبطة ، وهو أظهر وجوه الشافعي.
والثاني : أنّ تجويز الفسخ والإجازة متقيّد بالغبطة ، كالردّ بالعيب.
وهو مخرَّج من عقد المريض في صحّته بشرط الخيار ثمّ يفسخ أو يُجيز حالة المرض على خلاف الغبطة ، فإنّه تصرّف من الثلث.
والفرق : أنّ حجر المريض أقوى ، فإنّ إمضاء الورثة تصرّفَ المريض قبل الموت لا يفيد شيئاً ، وإمضاء الغرماء وإذنهم فيما يفعله المفلس يفيدهم الصحّة والاعتبار.
والثالث : أنّ كلّ واحدٍ من الفسخ والإمضاء إن وقع على وفق الغبطة ، فهو صحيح ، وإلاّ فالنظر إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار وإلى أنّ الذي أفلس أيّهما هو؟
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٠.
فإن كان المشتري وقلنا : الملك للبائع ، فللمشتري الإجازة والفسخ. أمّا الإجازة : فلأنّها جلب ملك. وأمّا الفسخ : فلا يمنع دخول شيء في ملكه ، إلاّ أنّه أزال ملكاً. وإن قلنا : الملك للمشتري ، فله الإجازة ؛ لأنّه يستديم الشيء في ملكه ، فإن فسخ ، لم يجز ؛ لما فيه من إزالة الملك.
وإن أفلس البائع ، فإن قلنا : الملك له ، فله الفسخ ؛ لأنّه يستديم الملك ، وليس له الإجازة ؛ لأنّه يُزيله. وإن قلنا : الملك للمشتري ، فللبائع الفسخ والإجازة ، كما قلنا في طرف المشتري (١).
وما ذكرناه أولى.
ولو قيل في الردّ بالعيب : إنّه لا يتقيّد بالغبطة كما في الخيار ، كان وجهاً.
مسألة ٢٨٥ : لو جُني على المفلس أو على مملوكه أو على مورّثه جناية ، فإن كانت خطأً ، وجب المال ، وتعلّق به حقوق الغرماء ، ولا يصحّ منه العفو عنه. وإن كانت عمداً توجب القصاص ، تخيّر بين القصاص والعفو.
وليس للغرماء مطالبته بالعفو على مالٍ ؛ لأنّه اكتساب للمال وتملّك ، وهو غير لازمٍ ، كما لا يلزمه الكسب وقبول الهبة.
فإن استوفى القصاص ، فلا كلام. وإن عفا على مالٍ ورضي الجاني ، ثبت المال ، وتعلّق به حقوق الغرماء.
وإن عفا مطلقاً ، سقط حقّه من القصاص ، ولم يثبت له مالٌ ـ وهو أحد قولي الشافعي (٢) ـ لأنّ موجَب جناية العمد القصاصُ خاصّةً.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤ ـ ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٠.
(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٤.
وله قولٌ آخَر : إنّ موجَبها أحد الأمرين : إمّا القصاص ، أو الدية (١).
فإن عفا عن القصاص ، تثبت له الدية ، وتعلّق بها حقوق الغرماء.
وإن عفا على غير مالٍ ، فإن قلنا : الواجب القصاصُ خاصّةً ، لم يثبت له شيء. وإن قلنا : الواجب أحد الأمرين ، ثبتت الدية ، ولم يصح إسقاطه لها ؛ لحقّ الغرماء ؛ لأنّ عفوه عن القصاص يوجب الدية ، فلا يصحّ منه إسقاطها.
مسألة ٢٨٦ : للمفلس المحجور عليه الدعوى ؛ لأنّه ليس تصرّفاً في مالٍ ، بل استيجاب مالٍ ، ولا نعلم فيه خلافاً.
فإذا ادّعى على غيره بمالٍ ، فإن اعترف المدّعى عليه ، أو قامت له البيّنة ، ثبت له المال ، وتعلّق به حقّ الغرماء. وإن أنكر ولا بيّنة فإن حلف ، برئ ، وسقطت الدعوى.
ولو أقام المفلس شاهداً واحداً بدعواه ، فإن حلف مع شاهده ، جاز ، واستحقّ المال ، وتعلّق به حقّ الغرماء. وإن امتنع ، لم نجبره على اليمين ؛ لأنّا لا نعلم صدق الشاهد ، ولو علمناه ، يثبت الحقّ بشهادته من غير يمين ، فلا نجبره على الحلف على ما لا نعلم صدقه. ولأنّه تكسّب ، وليس واجباً عليه.
ولم يحلف الغرماء مع الشاهد عندنا ـ وهو الجديد للشافعي ، وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّه لا يجوز للإنسان أن يحلف ليُثبت بيمينه ملكاً لغيره حتى يتعلّق حقّه به ، كما لا يجوز للزوجة أن تحلف لإثبات مالٍ لزوجها وإن كان إذا ثبت ، تعلّقت نفقتها به.
__________________
(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥.
(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥١.
وقال في القديم : إنّ الغرماء يحلفون ؛ لأنّ حقوقهم تتعلّق بما يثبت للمفلس كما يحلف الورثة مع شاهدهم بمالٍ (١) لمورّثهم وللوكيل في العقد إذا حالفه مَن العقد معه ، تحالفا وإن ثبت العقد لغيره (٢).
والفرق ظاهر ؛ فإنّ الورثة يُثبتون بأيمانهم الملكَ لأنفسهم ، والوكيل في العقدِ اليمينُ متعلّقةٌ به ؛ لأنّه هو العاقد ، فيُثبت بيمينه فعلَ نفسه ، ولهذا لا يحلف موكّله على ذلك.
وكذا مَنْ مات وعليه دَيْنٌ فادّعى وارثه دَيْناً له على رجل وأقام عليه شاهداً وحلف معه ، يثبت الحقّ ، وجُعل المال في سائر تركاته. وإن امتنع من اليمين أو لم يكن له شاهد ونكل المدّعى عليه عن اليمين ولم يحلف الوارث اليمينَ المردودة ، فهل يحلف الغرماء؟
أمّا عندنا فلا ؛ لما تقدّم. وأمّا عند الشافعي فقولان له :
الجديد كقولنا ؛ لأنّ حقّه فيما يثبت للميّت ، أمّا إثباته للميّت فليس إليه ، ولهذا لو وصّى لإنسانٍ بشيء فمات قبل القبول ولم يقبله وارثه ، لم يكن للغريم القبولُ.
وقال في القديم : يحلف الغريم ؛ لأنّه ذو حقّ في التركة ، فأشبه الوارث (٣).
إذا عرفت هذا ، فالقولان أيضاً في اليمين الثابتة بالنكول ، وهو ما إذا
__________________
(١) كذا ، والظاهر : « على مال » بدل « بمال ».
(٢) نفس المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٨.
(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥ ـ ١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧١.
لم يكن للمفلس بيّنة وردَّ المدّعى عليه اليمينَ فلم يحلف المفلس ، ففي إحلاف الغرماء للشافعي قولان (١).
وعندنا ليس لهم الحلف.
واعلم أنّ بعض الشافعيّة ذكر طريقين في إحلاف غرماء المفلس مع شاهده :
أحدهما : طرد القولين.
والثاني : القطع بالمنع هنا ، والخلاف في الميّت.
والفرق : أنّ الحقّ للمفلس ، فامتناعه عن اليمين يورث ريبةً ظاهرة ، وفي الصورة الأُولى صاحب الحقّ غير باقٍ ، وإنّما يحلف الوارث بناءً على معرفته بحال مُورّثه وهو [ قد ] (٢) يخفى عنه ولا يخفى عن الغرماء ، ولأنّ غرماء الميّت آيسون عن حلفه ، فمُكّنوا من اليمين لئلاّ يضيع الحقّ ، وغرماء المفلس غير آيسين عن حلفه (٣).
قال الجويني : الطريقة الثانية أصحّ. وحكى عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوى من الغرماء (٤).
وقطع أكثرهم بمنع الدعوى ابتداءً ، وتخصيص الخلاف باليمين بعد دعوى الوارث والمفلس (٥).
ولا فرق بين أن تكون الدعوى بعينٍ أو بدَيْنٍ.
__________________
(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٩.
(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦.
(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧١.