السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-176-9
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٧
نزل القرآن يلوم الصحابة وهو معهم على إشفاقهم : أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة؟!!.
بئر أريس :
وأخيرا : فلسنا ندري لما ذا اختصت بئر رومة بهذا التعظيم والتبجيل ، دون بئر أريس ، مع أنها أيضا ـ كما يدّعون!! ـ قد اشتراها عثمان ؛ وقد اشتراها أيضا من يهودي ، وكذلك هو قد تصدق بها!! (١) بارك الله في آبار عثمان ، وليمت اليهود بغيظهم ، فإنهم يملكون الآبار ، ويشتريها منهم عثمان ، ويتصدق بها ، وينال الأوسمة ، ويحصل على الفضائل والكرامات!!.
حقيقة القضية :
وبعد كل ما تقدم ، فإن الظاهر : أن الصحيح في القضية هو ما رواه ابن شبة : «عن عدي بن ثابت ، قال : أصاب رجل من مزينة بئرا يقال لها : رومة ؛ فذكرت لعثمان بن عفان ، وهو خليفة ، فابتاعها بثلاثين ألفا من مال المسلمين ، وتصدق بها عليهم» (٢).
وقد ضعف السمهودي الرواية بأن في سندها متروكا ، ورواها الزبير بن بكار في عتيقه ، وردها بقوله : وليس هذا بشيء ، وثبت عندنا أن عثمان اشتراها بماله ، وتصدق بها على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٣).
__________________
(١) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٤٥.
(٢) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٦٧ عن ابن شبة ، وروى ذلك الزبير بن بكار أيضا.
(٣) المصدر السابق.
ونقول نحن : لقد ثبت عدم صحة تلك الروايات التي أشار إليها الزبير بن بكار بأي وجه ، ولا سيما مع تناقضها ، ومع ما تقدم من الإيراد عليها ومن وجوه الإشكال فيها ، مما لا دافع له.
هذا ، عدا عما في أسانيدها من نقاش كبير وكثير ، فوجود المتروك في سند هذه الرواية لا يضر ، ما دامت منسجمة مع الواقع التاريخي ، ومع الظروف التي كانت قائمة آنذاك.
وما دام لا يمكن أن يصح غيرها ، فالظاهر : أنها قد حرفت وحورت ليمكن الاستفادة منها في إثبات فضيلة لعثمان لا يمكن أن تثبت له بدون هذا التحوير والتزوير.
ولكننا لم نفهم قوله : «ابتاعها بثلاثين ألفا من مال المسلمين ، وتصدق بها عليهم» ؛ فإنها إذا كانت من مالهم ، فما معنى الصدقة بها عليهم؟
إلا أن يقال : إن عثمان والهيئة الحاكمة كانوا يرون أنهم يملكون بيوت الأموال حقا ، وقد ذكرنا بعض الشواهد والدلائل على نظرتهم هذه في مورد آخر ، فراجع (١).
تأبير النخل :
ويقولون : إن النبي «صلى الله عليه وآله» لما قدم المدينة مر بقوم يؤبرون النخل ، أي يلقحونه ـ أو سمع ضجتهم ـ فقال : لو لم تفعلوا لصلح ، فتركوا
__________________
(١) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ، بحث (أبو ذر إشتراكي أم شيوعي ، أم مسلم).
تلقيحه ، فخرج شيصا (١) ، فمر بهم (أو قيل له) فقال : ما لنخلكم؟
قالوا : قلت : كذا وكذا.
قال : أنتم أعلم بأمور دنياكم ، أو قال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإني إنما ظننت ظنا ، فلا تؤاخذوني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به ، فإني لن أكذب على الله عز وجل (٢).
ونحن نشك في صحة ذلك ، إذ مضافا إلى الاختلاف الظاهر في نصوص الرواية ، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة ، لا بد أن نسأل :
لما ذا يتدخل النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» فيما لا يعنيه ، وما ليس من اختصاصه؟!
ألا يعلم : أن الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه ، ويرتبون الأثر عليها ، ويلتزمون بها؟!.
ولما ذا يعرض الناس إلى هذا الضرر الجسيم؟!.
ومن هو المسؤول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك؟!.
ثم إنه كيف يقول ذلك لهم ، وهو الذي أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يكتب عنه كل ما يسمع ؛ فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق؟!.
__________________
(١) الشيص هو : رديء التمر ، وهو الذي لا يشتد نواه.
(٢) راجع : صحيح مسلم ج ٧ ص ٩٥ ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٢٥ ، كتاب الرهون باب ١٥ ، ومسند أحمد ج ٦ ص ١٢٣ وج ٣ ص ١٥٢ ، والبرصان والعرجان ص ٢٥٤ ، ومشكل الآثار ج ٢ ص ٢٩٤ ، وكشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ١١٢ ، ومسند أبي يعلى ج ٦ ص ٢٣٨ و ١٩٨ ، وصحيح ابن حبان ط مؤسسة الرسالة ج ١ ص ٢٠١.
وقد قدمنا الرواية مع مصادرها في الجزء الأول فلتراجع هناك.
وأيضا : لقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» يعيش في قلب المنطقة العربية ، وقد جاوز الثلاث وخمسين سنة ؛ فهل يمكن أن نصدق أنه لم يكن يعرف تأبير النخل وفائدته ، وأن النخل لا ينتج بدونه؟
وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئا عن ذلك ، وهو يعيش بينهم ومعهم؟ أو على الأقل بالقرب منهم؟!.
وأخيرا : هل صحيح : أنه ليس على الناس أن يطيعوه في أمور دنياهم؟! وأنه إنما كان يقول برأيه فيها؟!.
وهل صحيح : أن الإسلام يفصل بين الدين والدنيا؟ وأن مصب اهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم؟!
أليس هذا بهتانا على الإسلام وافتراء عليه؟!! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة ، ومع الإسلام بمجموعه؟!.
الباب الثاني
أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة
الفصل الأول : التاريخ الهجري أولا
الفصل الثاني : بناء مسجد المدينة
الفصل الثالث : المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
الفصل الرابع : أسس العلاقات في المجتمع الجديد
بداية :
فور وصوله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة ، باشر بالقيام بأعمال تأسيسية ، ترتبط بمستقبل الدعوة الإسلامية ، وهي كثيرة ومتنوعة ، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي :
١ ـ صلاة الجمعة.
٢ ـ تأسيس مسجد قباء ، وقد تحدثنا عنهما فيما سبق.
٣ ـ بناء المسجد في المدينة ، ولسوف نتحدث عنه في فصل مستقل.
٤ ـ وضع التاريخ الهجري ، وقد خصصنا له فصلا مستقلا أيضا.
٥ ـ المؤاخاة.
٦ ـ تحديد نوع ومستقبل العلاقات بين المسلمين ، وبينهم وبين غيرهم.
٧ ـ موادعة اليهود الذين يعيشون في المنطقة.
وهذه الأشياء الأخيرة أيضا قد تحدثنا عنها في فصل على حدة ونبدأ بالحديث عن التاريخ الهجري ، فنقول :
الفصل الأول :
التاريخ الهجري أولا
التاريخ الهجري :
إن ضبط الأحداث ، والمعاملات ، وغير ذلك من الشؤون لهو من الأمور التي لا بد منها في قيام أية حضارة تريد أن تهيمن على شعب أو أمة ، وتقود مسيرتها نحو الأهداف التي تتوخاها.
فكيف إذا كانت هذه الحضارة تحظى بالرعاية الإلهية ، وبرضى الباري جل وعلا ، وتريد أن تهيمن على مسيرة الإنسانية جمعاء في مختلف الأحوال والشؤون ، وعلى مر الأحقاب والقرون؟.
ومن هنا : فإنه يصبح من البديهي أن يكون من جملة المبادرات الأولى لنبي الإسلام هو وضع التاريخ ، تماما كما كان من أولى اهتماماته بناء المسجد كما سنرى إن شاء الله تعالى ..
ولكن ما يؤسف له هو أن ثمة يدا تحاول ـ أو فقل قد حاولت ـ التعتيم على هذا الحدث الهام ، فكان لا بد من بحث هذا الحدث ، في الناحية التاريخية ، ولسوف يثبت لنا الدليل العلمي بصورة قاطعة أن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» هو الذي وضع هذا التاريخ ، وأرخ به في أكثر من مرة ، وأكثر من مناسبة.
فإلى ما يلي من مطالب لنعرف :
من هو أول من أرخ بالهجرة النبوية؟.
فنقول :
يقول المؤرخون : إن أول من أرخ بالهجرة النبوية ، هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وأكثرهم يذكر : أن اختياره الهجرة مبدأ للتاريخ كان بإشارة علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه (١).
وبعض منهم يقول : إن المشير عليه بذلك ليس عليا فقط ، بل معه بعض الصحابة أيضا (٢).
وثالث يروي : إشارة بعض الصحابة على عمر بذلك ، ولكنه لا يصرح بإسم المشير (٣).
__________________
(١) راجع : تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٧٦ ، والكامل لابن الأثير ط صادر ج ٢ ص ٥٢٦ ، وتاريخ اليعقوبي ط صادر ج ٢ ص ١٤٥ ، والتنبيه والإشراف ص ٢٥٢ ، ومحاضرة الأوائل ص ٢٨ ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٢٣ ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ، وتاريخ الخلفاء ص ١٣٢ و ١٣٦ و ٢٣ وص ١٣٨ عن البخاري في تاريخه ، والبحار ج ٥٨ ص ٣٥٠ ـ ٣٥١ بعد تصحيح أرقام صفحاته وج ٤٠ ص ٢١٨ ، وسفينة البحار ج ٢ ص ٦٤١ ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ١٤٤ ، عن الطبري ومجاهد في تاريخيهما ، والإعلان بالتوبيخ ص ٨٠ و ٨١ وعلي والخلفاء ص ١٣٩ ـ ١٤١ ، إحقاق الحق ج ٨ ص ٢٢٠ عن الوسائل للسيوطي ص ١٢٩ ، ومحاضرة الأوائل ص ٢٨ ، وسيأتي جانب من المصادر لذلك فيما يأتي.
(٢) البداية والنهاية ج ٧ ص ٧٤ والوزراء والكتاب ص ٢٠ ، ومآثر الإنافة ج ٣ ص ٣٣٦.
(٣) صبح الأعشى ج ٦ ص ٢٤١ ومآثر الإنافة ج ٣ ص ٣٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ، والكامل لابن الأثير ج ١ ص ١٠ ط صادر.
وبعض رابع : يسكت عن ذكر الإشارة ، ويكتفي بذكر : أنه أول من أرخ بالهجرة (١).
الحكاية كما يرويها المؤرخون :
ويحكون السبب في وضع التاريخ على أنحاء مختلفة ، ونختار هنا النمق الذي ذكره ابن كثير ، وقد وضعناه بين قوسين ، وأشرنا خلاله إلى مصادر بعض التوضيحات ، فنقول :
قال ابن كثير : «قال الواقدي : وفي ربيع الأول من هذه السنة ـ أعني سنة ست عشرة أو سبع عشرة أو ثماني عشرة (٢) ـ كتب عمر بن الخطاب التاريخ ، وهو أول من كتبه.
قلت : قد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين ، يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان؟ أمن
__________________
(١) الإستيعاب هامش الإصابة ج ٢ ص ٤٦٠ ، والمحاسن والمساوي ج ٢ ص ٦٨ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٨ وج ٢ ص ٢٤١ ، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٤٤٠ ومآثر الإنافة ج ١ ص ٩٢ وتحفة الناظرين للشرقاوي هامش فتوح الشام ج ٢ ص ٦٢ ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٢٧٦ وطبقات ابن سعد ج ٣ قسم ١ ص ٢٠٢ ، وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٤٥ ، والأوائل للعسكري ج ١ ص ٢٢٣ ، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٧ ، ومحاضرات الراغب ج ١ ص ١٠٥ ، والأنس الجليل ج ١ ص ١٨٨ ، والأعلاق النفيسة ص ١٩٩ ، والبحار ج ٥٨ ص ٣٤٩ و ٣٥٠ ، وراجع : الإعلان بالتوبيخ ص ٧٩ ونفس الرحمن ص ٤٤.
(٢) الوزراء والكتاب ص ٢٠ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٠٦ و ٢٠٧.
هذه السنة ، أم التي قبلها ، أم التي بعدها؟.
ثم جمع الناس (أي أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله») فقال : ضعوا للناس شيئا يعرفون به حلول ديونهم ، فيقال : إنهم أراد بعضهم (الهرمزان) (١) : أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم ، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك.
ومنهم من قال (وهم بعض مسلمي اليهود) (٢) : أرخوا بتاريخ الروم ، من زمان إسكندر ، فكرهوا ذلك لطوله أيضا.
وقال قائلون : أرخوا من مولد رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وقال آخرون : من مبعثه ، وأشار علي بن أبي طالب «عليه السلام» وآخرون :
«أن يؤرخ من هجرته إلى المدينة ، لظهوره لكل أحد ، فإنه أظهر من المولد ، والمبعث ، فاستحسن عمر ذلك والصحابة ، فأمر عمر : أن يؤرخ من
__________________
(١) صبح الأعشى ج ٦ ص ٢٤١ عن تاريخ أبي الفداء ، وقد ذكر : أن عمر قد أرسل إليه فاستشاره ، وليراجع أيضا : البحار ج ٥٨ ص ٣٤٩ و ٣٥٠ بعد تصحيح أرقام صفحاته ، وسفينة البحار ج ٢ ص ٦٤١ ، وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٤٥ والأنس الجليل في أخبار القدس والخليل ج ١ ص ١٨٧ والخطط للمقريزي ج ١ ص ٢٨٤ وفيه : أن عمر استدعاه.
(٢) الإعلان بالتوبيخ ص ٨١ ، والبحار ج ٥٨ ص ٣٥٠ وفي نزهة الجليس ج ١ ص ٢٢ عن تاريخ ابن عساكر : أن النصارى كانوا يؤرخون بتاريخ الإسكندر.
أقول : فأين كان التاريخ الميلادي إذا؟ ومتى ظهر؟ الجواب : إنه ظهر في هذه القرون الأخيرة كما سيأتي.
هجرة رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١).
وروي عن سعيد بن المسيب : أنه قال : «جمع عمر الناس فسألهم : من أي يوم يكتب التاريخ؟
فقال علي بن أبي طالب «عليه السلام» : من يوم هاجر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وترك أرض الشرك ، ففعله عمر رضي الله عنه.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الأسناد ، ولم يخرجاه» (٢).
__________________
(١) راجع جميع ما تقدم في البداية والنهاية ج ٧ ص ٧٣ و ٧٤ وليراجع أيضا ج ٣ ص ٣٠٦ ، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٧٥ و ٧٦ ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٢٢ و ٢٣ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٧٤ ، وعلي والخلفاء ص ٢٤٠ عنه ملخصا ، وليراجع أيضا : الإعلان بالتوبيخ ص ٧٩ و ٨٠ و ٨١ ، ومنتخب كنز العمال ، هامش مسند أحمد ج ٤ ص ٦٧ ، والكامل لابن الأثير ج ١ ص ١٠ ط صادر ، وكنز العمال ج ١٠ ص ١٩٥ عن المستدرك ، وعن البخاري في الأدب ، وراجع ص ١٩٣ عن ابن أبي خيثمة ، وذكر في البحار ج ٥٨ ص ٣٤٩ بعد تصحيح أرقام صفحاته ، ونزهة الجليس ج ١ ص ٢١ ، والطبري ط دار المعارف بمصر ج ٢ ص ٣٨٨ ، والوزراء والكتاب ص ٢٠ ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ، وصبح الأعشى ج ٦ ص ٢٤١ عن ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب : أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا من قبلك كتب لا نعرف نعمل فيها قد قرأنا صكا محله شعبان فما ندري أي الشعبانين هو : الماضي؟ أو الآتي؟ فجمع الصحابة الخ ما في المتن. وليراجع أيضا : الأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ٢٢٣ ، والكامل لابن الأثير ج ١ ص ١٠.
(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٤ ، وتلخيص المستدرك للذهبي هامش الصفحة ذاتها وصححه أيضا ، والإعلان بالتوبيخ ص ٨٠ ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ،
وقال اليعقوبي في حوادث سنة ١٦ ه : «وفيها أرخ الكتب ، وأراد أن يكتب التاريخ منذ مولد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ثم قال : من المبعث ، فأشار عليه علي بن أبي طالب «عليه السلام» : أن يكتبه من الهجرة» (١).
إلى غير ذلك من النصوص ، التي تؤكد على أن عمر هو أول من وضع التاريخ الهجري الإسلامي.
الرأي الأمثل :
ولكننا بدورنا نشك كثيرا في صحة هذا القول ، ونعتقد أن التاريخ الهجري قد وضع من زمن النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقد أرخ به النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه أكثر من مرة ، وفي أكثر من مناسبة.
وما حدث في زمن عمر هو فقط : جعل مبدأ السنة شهر محرم بدلا من ربيع الأول كما أشار إليه الصاحب بن عباد (٢).
وقد اختلفوا في ذلك أيضا ، فقال بعضهم : إنهم جعلوا مبدأ السنة
__________________
والطبري ط المعارف ج ٢ ص ٣٩١ ، وج ٣ ص ١٤٤ ، وتاريخ عمر بن الخطاب ص ٧٦ ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٢٣ ، ومنتخب كنز العمال هامش المسند ج ٤ ص ٦٧ ، وعلي والخلفاء ص ٢٣٩ و ٢٤٠ ، وكنز العمال ج ١٠ ص ١٩٣ و ١٩٢ ، وإحقاق الحق ج ٨ ص ٢١٩ عن ابن عساكر ، والمقريزي في كتاب الخطط والآثار ج ١ ص ٢٨٤ ، والشماريخ للسيوطي ص ٤ ط ليدن ، والتاريخ الكبير للبخاري ج ١ ص ٩ ، والكامل ج ١ ص ١٠ ط صادر.
(١) تاريخ اليعقوبي ط صادر ج ٢ ص ١٤٥.
(٢) عنوان المعارف وذكر الخلائف ص ١١.
الهجرية محرم السنة الأولى ، وهو ما ذهب إليه الجمهور ، وبعضهم إلى أنهم جعلوا محرم السنة الثانية مبدأ للسنة الهجرية ، وألغوا ما قبله ، وهو ما حكاه البيهقي ، وبه قال يعقوب بن سفيان الفسوى ، فراجع (١).
من المشير بمحرم؟! :
أما من الذي أشار بمحرم بدلا من ربيع الأول ، فقد اختلفت الروايات في ذلك أيضا فيقال : إن ذلك كان بإشارة عثمان بن عفان (٢).
وقيل : بل ذلك هو رأي عمر نفسه (٣).
وبعضهم قال : إن عبد الرحمن بن عوف قد أشار بشهر رجب ، فأشار علي «عليه السلام» في مقابل ذلك بشهر محرم ، فقبل منه (٤).
ويقول آخرون : إن عمر ابتدأ من المحرم ، بعد إشارة علي «عليه السلام» وعثمان بذلك (٥).
__________________
(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٩٤.
(٢) نزهة الجليس ج ١ ص ٢١ ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ، والإعلان بالتوبيخ ص ٨٠ ، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج ٤ ص ٦٧ ، والشماريخ ص ١٠ ط سنة ١٩٧١ ، وكنز العمال ج ١٧ ص ١٤٥ عن ابن عساكر وج ١٠ ص ١٩٣ عن أبي خيثمة في تاريخه.
(٣) الإعلان بالتوبيخ ص ٧٩ ، وليراجع الوزراء والكتاب ص ٢٠ ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ، ومآثر الانافة ج ٣ ص ٣٣٧.
(٤) الإعلان بالتوبيخ ص ٨١ ط القاهرة. وقال ص ٨٢ : إن الديلمي في الفردوس ، وولده قد رويا ذلك عن علي ، وإحقاق الحق ج ٨ ص ٢٢٠ عن الإعلان.
(٥) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٨ ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٤٨.
وفريق آخر يقول : فاستفدنا من مجموع هذه الآثار : أن الذي أشار بالمحرم عمر ، وعثمان ، وعلي «عليه السلام» (١).
ويفهم من كلام العسكري : أن عمر هو الذي ارتأى جعل محرم أول السنة ، لتكون الأشهر الحرم في سنة واحدة (٢).
ولكننا نستبعد كثيرا : أن يكون علي «عليه السلام» قد أشار بترك ربيع الأول ، والأخذ بشهر محرم ، الذي كان أول السنة عند العرب (٣) بل نكاد نجزم بخلافه ، وأنه «عليه السلام» كان مصرا على شهر ربيع الأول مدة حياته صلوات الله وسلامه عليه.
ولم يكن ذلك رأيه وحده ، بل كان رأي جمع كبير من المسلمين الأبرار ، والصحابة الأخيار ، ونستند في ذلك إلى النقاط التالية ، فإنها تدل بمجموعها على ذلك :
١ ـ قد تقدم أنه «عليه السلام» قد أشار عليهم بأن يكتبوا التاريخ من «يوم هاجر» ، أو من «يوم ترك النبي «صلى الله عليه وآله» أرض الشرك» كما هو صريح رواية ابن المسيب المتقدمة ، وإنما كان ذلك في شهر ربيع الأول كما هو معلوم.
٢ ـ لقد جاء فيما كتبه علي «عليه السلام» على عهد أهل نجران العبارة
__________________
(١) الإعلان بالتوبيخ لمن يذم التاريخ ص ٨٠ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢٣٤ ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) الأوائل ج ١ ص ٢٢٣.
(٣) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٠٧ ، والبحار ج ٥٨.
التالية : «وكتب عبد الله» (١) بن أبي رافع ، لعشر خلون من جمادى الآخرة ، سنة سبع وثلاثين ، منذ ولج رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة» (٢) ، وإنما ولجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» في شهر ربيع الأول كما هو واضح ، هذا بالنسبة لعلي «عليه السلام».
وأما بالنسبة لسائر الصحابة ، فنذكر :
١ ـ أن مالك بن أنس على ما حكاه السهيلي ، وغيره ، يقول : «أول السنة الإسلامية ربيع الأول ، لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله «صلى الله عليه وآله» (٣).
٢ ـ ونقل عن الأصمعي قوله : إنهم «إنما أرخوا من ربيع الأول شهر الهجرة» (٤) وكذا عن الزهري.
٣ ـ وقال الجهشياري : «روي في خبر شاذ : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما ورد المدينة مهاجرا من مكة يوم الإثنين لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة من حين نبئ ، أمر بالتاريخ» (٥).
وسيأتي قوله «صلى الله عليه وآله» : يقتل الحسين على رأس ستين من مهاجري ، وثمة روايات أخرى قريبة من هذا المضمون تدل على أن رأس السنة الهجرية قد كان شهر ربيع الأول ، لأن الحسين إنما قتل سنة إحدى
__________________
(١) الظاهر أنه : عبيد الله.
(٢) الخراج لأبي يوسف ص ٨١ ، وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٨٢ رقم ٥٣ عنه.
(٣) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٠٧ ، وأشار إليه أيضا في ج ٤ ص ٩٤.
(٤) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٠٧ ، وأشار إليه أيضا في ج ٤ ص ٩٤.
(٥) الوزراء والكتاب ص ٢٠.
وستين على تقدير كون أول السنة هو محرم ، وهو في أواخر سنة ستين على تقدير كون أول السنة هو ربيع الأول.
٤ ـ وسيأتي أيضا : أن الصاحب بن عباد وغيره يقولون : إن أول السنة كان ربيع الأول ، ثم رد إلى محرم.
٥ ـ عن سهل بن سعد قال : أخطأ الناس في العدد ، ما عدوا من مبعثه ، ولا من وفاته ، إنما عدوا من مقدمه المدينة (١).
٦ ـ وكان الصحابة ـ وتبعهم المؤرخون كما سيأتي ـ يعدون بالأشهر من مهاجره «صلى الله عليه وآله» الذي هو شهر ربيع الأول ، إلى أواسط السنة الخامسة للهجرة.
فما تقدم يدل على أن عليا «عليه السلام» ليس فقط لم يشر على عمر بشهر محرم ، بل كان من المصرين على أن يبقى أول السنة هو شهر ربيع الأول ، الذي خرج النبي «صلى الله عليه وآله» من مكة ، أو من الغار ، أو ولج المدينة في أول يوم منه ، شأنه صلوات الله وسلامه عليه شأن كثيرين ممن لم يرضوا بمثل هذا التغيير ، لكنهم غلبوا على أمرهم.
ولا يفوتنا أخيرا التنبيه : على أن جعل علي «عليه السلام» اليوم الذي ولج فيه النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة مبدأ للتاريخ ، ربما يؤيد قول من قال : إنه «صلى الله عليه وآله» دخلها في أول يوم من ربيع الأول.
وسيأتي بعض الكلام أيضا في ذلك ، وإن لم يكن هو محط نظرنا في هذا البحث.
__________________
(١) الخطط للمقريزي ج ١ ص ١٨٤.