الهداية في شرح الكفاية

مطبعة الآداب

الهداية في شرح الكفاية

المؤلف:

مطبعة الآداب


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة الآداب
المطبعة: مطبعة الآداب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٨

١

هذا

كتاب الهداية

فى شرح الكفاية

بخط حضرت حجة الاسلام آية الله فى الانام المرزا محمد تقى الشيرازي دام ظله العالى وخاتمه الشريف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين وبعد فلا يخفى ان جناب عمدة العلماء الاعلام المحقق المدقق انسان العين الشيخ عبد الحسين دام بقاه آل المرحوم المبرور العلامة الاواه الشيخ اسد الله طاب ثراه قد ابدع فى هذا الكتاب واعجب واعرب عن خفايا الاصول فاغرب ولقد حوى من التحقيقات الرائقة اصفاها ومن التدقيقات الفائقة اعلاها ومن التنبيهات الجليلة الجلية ما عم نفعها ومن التلويحات الدقيقة الخفية ما عظم وقعها ولقد كشف فيه الغطاء عن كنوز الفرائد واللثام عن رموز الفوائد فهو جدير ان يتلقاه طالبوا التحقيق بالقبول ويمعنوا النظر فى لطائف نكاته ودقايق فذلكاته فشكر الله تعالى مساعيه ووفقه لمراضيه وجعل يومه وما بعده خيرا من ماضيه انه هو الكريم الوهاب الاحقر محمد تقى الشيرازى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد سيد النبيين وآله الطيبين الطاهرين قال ايده الله تعالى (اما المقدمة ففى بيان امور) ثلاثة عشر بل

٢

اربعة عشر عددا ميمونا كما سيأتى إن شاء الله تعالى (الاول) من تلك الامور لا يخفى (ان موضوع كل علم) بل كل شيء هو المناط والضابط فى تمايز العلوم والاشياء بعضها عن بعض وان اتحدت فى سائر الجهات الأخر لان التمايز بحسب العلتين المادية والصورية فى مختلف الحقيقة وفى الصورية خاصة فى متفقها هو المطرد الذى لا يتخلف ابدا بخلاف التمايز بحسب العلتين الفاعلية والغائية فانه غير مطرد اذ قد يتحد الفاعل او الغاية او هما معا مع تعدد الموضوعات فلا يصح جعله ضابطا ومناطا للتمايز بل لو اطردا جميعا كما هو كذلك فى العلوم بحسب الغاية كان جعل الاول ضابطا اولى لان التعليل بالذاتى مقدم على التعليل بغيره إلّا ان يحصل للثانى مرجحات كثيرة فيكون هو الاولى كما ستعرف واذا اتحد الموضوع لعلمين او اكثر ذاتا واختلف قيدا ولو بحسب عنوانه كان بحكم المتغاير ذاتا فالامر والنهى مثلا بما هما امر ونهى موضوع للاصول وبما هما كلم موضوع لعلم النحو وبما هما فصيحان او مطابقان لمقتضى الحال اولا موضوع لعلم المعانى والبيان وهكذا فعلم ان موضوع العلم هو الذى به يقع التمايز (وهو الذى يبحث فيه) اى فى ذلك العلم (عن عوارضه) اى عوارض الموضوع (الذاتية) وفسرت بما يعرض للشيء اولا وبالذات (اى بلا واسطة فى العروض) فيدخل ما عرض بواسطة فى الثبوت ومنه ما عرض للشيء بواسطة امر مساو كالضحك للانسان واستعمال اللفظ فى المعنى المجازى بواسطة العلاقة واما القرينة على التجوز فهى واسطة الاثبات وهل المراد بالموضوع الذى يبحث فى كل علم عن عوارضه الذاتية هو ما ذكره القوم من انه الادلة الأربعة فى الاصول وفعل المكلف فى الفقه وهكذا وتكون القضايا الباحثة عن العوارض هى مسائل العلم فيلزم على ذلك اشكالات صناعية منها خروج جملة من القضايا المذكورة فى ذلك العلم عن مسائله بل الاكثر فى خصوص المقام ويحتاج حينئذ الى التكلف والتعسف فى الجواب عنهما بما لا يسمن ولا يغنى او ان المراد به (هو نفس موضوعات المسائل عينا وما يتحد معها) بحسب المصداق (خارجا وان كان يغايرها) فى

٣

الذهن (مفهوما تغاير الكلى ومصاديقه والطبيعى وافراده) من غير فرق بين القولين فى وجود الطبيعى وتكون (المسائل) حينئذ (عبارة عن جملة من قضايا متشتتة) بتشتت غاياتها المقصودة بها (جمعها) فى علم واحد (اشتراكها فى الدخل فى الغرض الذى لاجله دون هذا العلم) كمسألة اجتماع الامر والنهى فانها من مسائل الاصول والكلام على وجه بحسب اختلاف الجهة الملحوظة فيها ومسئلة تخلف القطع المتعلق بوجوب شيء او حرمته فانها من مسائل العلوم الثلاثة ايضا فان البحث فيها من حيث صيرورة الفعل بسبب تعلق القطع بوجوبه او حرمته محبوبا او مبغوضا اصولية وواجبا او حراما فقهية ومستحقا على موافقته ومخالفته الثواب والعقاب كلامية فتترتب على هذه المسألة الواحدة غايات العلوم الثلاثة الذى جرى عليه اصطلاح القوم هو الاول إلّا ان المصنف ايده الله اصطلح به فى المعنى الثانى ولا مشاحة فى الاصطلاح ويرجح الاول انضباط امر الموضوع به ومعرفة عنوانه ويوهنه لزوم ما تقدم ويرجح الثانى عدم لزوم شيء مما تقدم وموافقته فى المقام لما هو الظاهر من تعريف الاصول من عموم الموضوع لسائر موضوعات المسائل لا خصوص الادلة الاربعة ويوهنه عدم انضباط امر الموضوع به للجهل بعنوانه والتزام جعل مناط التمايز بين العلوم هو اختلاف غاياتها وكلاهما ليس بشىء بالنظر الى ما كان موهنا للاول وكيف كان فما اصطلح عليه القوم امثل وما جرى عليه الاستاذ دام ظله ادق واكمل وحيث عرفت امكان اشتراك المسائل فى الغرض الملحوظ بالمعنى المذكور (فلاجل ذا قد يتداخل بعض العلوم فى بعض المسائل مما كان له دخل فى مهمين) او اكثر (لاجل كل منهما) بل منها (دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين) بل العلوم كما عرفت فى المسألتين المتقدمتين (لا يقال على هذا) الذى ذكرت من كون الموضوع نفس موضوعات المسائل وما يتحد معها ومن امكان الاشتراك فى الدخل فى الفرض (يمكن تداخل علمين فى تمام مسائلهما) ويتصور ذلك (فيما) اى فى مقام كان (هناك مهمان) وغرضان (متلازمان فى الترتب على جملة من القضايا) بحيث لا يكاد يمكن انفكاكهما فيدون كل علم على حده مع وحدة جميع مسائلهما

٤

موضوعا ومحمولا لكفاية اختلافهما فى الفرض المترتب فى تحقق التمايز بين العلمين (فانه يقال) فى الجواب (مضافا الى بعد ذلك او امتناعه عادة) ان اختلاف الغرضين المهمين الذى به يكون تمايز العلمين محتاج الى الكاشف والكاشف انما هو اختلاف المسائل اذ ظاهر الاتحاد اتحاد الغرض (فلا يكاد يصح) لاجل (ذلك) وضعا ولا يحسن طبعا (تدوين علمين وتسميتهما باسمين) بل الذى يحسن (تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لكلا المهمين واخرى لاحدهما) ما لم يكن هناك قدر جامع بين المهمين ومع وجوده فلا محيص عن تدوينه واحد الاتحاد الغرض (وهذا بخلاف) ما لو كان (التداخل فى بعض المسائل) ومثله ما لو نصب المدون قرينة عامة معينة للغرض المهم عند الشروع فى التدوين كاشفة عن اختلافه مع الغرض الآخر المترتب على العلم الآخر المتحد مع هذا العلم بحسب المسائل اذ مع نصب هكذا قرينة لا نتحاشى من الالتزام بحسنه (فان حسن تدوين علمين) حينئذ وتسميتهما باسمين مع نصب القرينة المذكورة وان كانا متحدين فى جميع المسائل كحسنه فيما (لو كانا مشتركين فى مسئلة أو أزيد) مندرجة (فى جملة مسائلهما المختلفة) وقد دونا (لاجل) غرضين (مهمين مما لا يخفى وقد انقدح) وظهر (بما ذكرنا) قوة ما افاده المصنف ايده الله تعالى (من ان تمايز العلوم انما هو باختلاف الاغراض الداعية الى التدوين) وان اتحدت فيها الموضوعات والمحمولات لاطراد ما به الامتياز فيها وسلامته عن الاشكالات (لا الموضوعات ولا المحمولات) وان اختلفت لما تقدم مما يتوجه عليه فلا ينفع فيه ما قدمنا من ان التعليل بالذاتى مقدم على التعليل بغيره إلّا ان ما افاده فى توهين ذلك بقوله (وإلّا كان كل باب بل كل مسئلة من كل علم علما على حده كما هو واضح لمن له ادنى تأمل) لا اراه موهنا اذ لا مانع من الالتزام بذلك ولذا تراهم فى كل باب من ابواب العلم بل فى كل مسئلة من مسائله المهمة يقدمون مقدمات قبل البحث فيها لتعيين موضوعها كما يقدمون ذلك قبل الشروع فى مقاصد العلم إلّا انه قد جرى ديدن القوم واستقر رأيهم

٥

على عدم اعطاء العلوم الجزئية اسماء خاصة اذا كان هناك قدر جامع يجمعها بل يجعلون اسما واحدا بازاء ذلك القدر الجامع والوجه اوضح من ان يخفى هذا مع ان من جعل مناط تمايز العلوم تمايز موضوعاتها لم يدع ان كل متمايز الموضوع علم مستقل ليرد عليه ذلك وانما يدعى ان كل علم مستقل متمايز الموضوع وهذا واضح نعم انما يوهنه لزوم الاشكالات الأخر ومعها (فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع او المحمول موجبا للتعدد) مع وحدة الغرض المهم (كما لا يكون وحدتهما) اى الموضوع والمحمول (سببا لان يكون من الواحد) مع تعدده (ثم انه) لا يخفى عليك انه (ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلى المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص) بل لا يوجد له ذلك على النحو المذكور فى علم من العلوم ومع ذلك (فلا) ضير فيه (ويصح) ان يشار اليه (ويعبر عنه بكل ما دل عليه) ولو بان يقال فى المقام هو ما يقع فى طريق استنباط الاحكام الشرعية وانما لم يحتج الى عنوان خاص (بداهة عدم دخل ذلك فى موضوعيته اصلا وقد انقدح بذلك) كله (ان موضوع علم الاصول هو الكلى المنطبق على مسائله المتشتتة لا خصوص الادلة الاربعة) كما ذكره القوم (لا بما هى ادلة بل ولا بما هى هى) مع قطع النظر عن وصفها العنوانى لأنه يلزم على التقدير الاول خروج البحث عن حجية السنة بناء على انها الخبر الحاكى عن قول المعصوم من مسائل العلم لانها باحثه عن عوارض الموضوع بعد الفراغ عن تحققه لوجوب كونه بينا فى نفسه او مبينا فى علم أعلى فلا يكون البحث عن ثبوته وتحققه من المسائل وخروج جملة من المسائل الأخر ايضا عن ذلك كمسائل الاجتهاد والتقليد والأولوية والاستقراء وغير ذلك وخروج الثانى خاصة على التقدير الثانى (ضرورة ان البحث فى غير واحد من مسائله المهمة كما عرفت ليس من عوارضها وهو واضح) بناء على ما تقدم من ان المراد بالسنّة نفس الخبر (اما لو كان المراد بالسنة منها) اى من الادلة (نفس قول المعصوم او فعله او تقريره كما هو المصطلح فيها) لزم ايضا عند المصنف ايده الله تعالى خروج كثير من

٦

المسائل مضافا الى ما ذكر على كلا التقديرين (لوضوح عدم البحث فى كثير من مباحثها المهمة كعمدة مباحث التعادل والتراجيح بل ومسئلة حجية الخبر الواحد) عن عوارض السنة بل (لا عنها ولا عن عوارض سائر الادلة) الأخر واما توجيه دخولها فى المسائل وكون البحث فيها عن العوارض (برجوع البحث فيهما) اى فى مباحث التعادل والتراجيح ومسئلة حجية الخبر (الى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد كما افيد) فى كلام شيخنا العلامة المرتضى عند الكلام على حجية خبر الواحد والى ان الاخذ (باى الخبرين) واجب فى (باب التعارض فانه) على هذا التقرير (ايضا فى الحقيقة) بحث عن حجية الخبر المثبت للسنة كما اجاب به جماعة من المحققين فهو عند المصنف ايده الله تعالى (غير مفيد فان البحث) عن ثبوت السنة بخبر الواحد بحث عن (ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة) وهو محض التحقق والثبوت وهذا مع خروجه عن المسائل من جهة لزوم كون موضوع العلم بينا او مبينا كما عرفت لا يجدى نفعا فى الجهة التى هى محل الكلام لانه (ليس بحثا عن عوارضه) اى الموضوع (فانها) اى الباحثية عن عوارض الموضوع (مفاد كان الناقصة) وهو نسبة المحمول الى الموضوع بعد الفراغ عن وجوده وتحققه كما فى سائر المسائل الباحثة عن العوارض (لا يقال هذا فى الثبوت الواقعى) مسلم إلّا انه غير مطرد قطعا (واما) فى (الثبوت التعبدى كما هو) المقصود (والمهم فى هذه المباحث فهو) ممنوع لانه (فى الحقيقة) ونفس الامر بحث عن العوارض ولا محيص من ان (يكون مفاد كان الناقصة فانه يقال فى الجواب نعم سلمنا) ان ليس المراد الا الثبوت التعبدى وهو من العوارض قطعا (لكنه مما لا يعرض السنة) التى هى الموضوع بل يعرض الخبر الحاكى لها (فان الثبوت التعبدى يرجع الى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنّة المحكية به وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى وبالجملة الثبوت الواقعى ليس من العوارض والتعبدى وان كان منها إلّا انه ليس للسنة بل للخبر فتامل جيدا) وفى حاشية المصنف دام ظله على حجية الخبر فى رسالة حجية الظن

٧

لشيخنا العلامة ما حاصله انه ان اريد الثبوت الواقعى فهو ليس من العوارض وان اريد التعبدى فهو من عوارض مشكوك السنة لا نفس السنة انتهى وما فى الكتاب اجود ويمكن ان يكون المراد فى كلا المقامين واحدا فتدبر وكيف كان ففيه ان الواقعيات التى نصبت الطرق اليها فى حال الشك لم يقيد موضوعها بالشك وانما المقيد هو موضوع الاصول العملية ومعنى حجية الطرق وان كان هو وجوب العمل على طبقها إلّا ان معنى ذلك هو وجوب البناء تعبدا على انها المحكى بها ليس إلّا الواقع الذى يئول الى وجوب ترتيب جميع آثار الواقع على المحكى بها لثبوت موضوعها بنفسه تعبدا وكما ان السنة الثابتة بالقطع انما تثبت بنفسها لا بما هى مقطوعة كذلك السنة الثابتة بطريق الظن القائم مقام القطع تثبت بنفسها تعبدا لا بما هى مشكوكة واذا كانت صفة الاثبات لها من عوارض الحاكى فلا يعقل ان لا تكون صفة الثبوت من عوارض المحكى كما لا يعقل ان يكونا معا من عوارض الحاكى والقوم لما بنوا على ان الموضوع هو الدليل بما هو دليل وحسبوا ان السنة هى نفس الخبر اشكل عليهم الامر فى المسائل الباحثة عن حجية الخبر لما تقدم وهذا هو السر فى اختصاص الاشكال منهم فى المقام ولولاه لكان ما ذكروه هنا جاريا فى الاجماع والقرآن المنقولين بخبر لواحد حرفا بحرف مع انك لا تكاد ترى واحدا منهم توهم ذلك فى ذلك المقام فما افاده شيخنا العلامة المرتضى قده فى غاية القوة ثم (لا يذهب) عليك ان التوجيه الثانى فى مسئلة التعادل والتراجيح مبنى صحة وفسادا على التوجيه الاول اذ لا مناقشه من حيث رجوع البحث فيه الى ما ذكر سواء فسد المبنى أو صح إلّا انه مع الفساد لا يجدى نفعا هذا فيما لو كان المراد نفس قول المعصوم (واما اذا كان المراد بالسنّة ما يعم الخبر) المتضمن (حكايتها) فلا يجدى فى رفع المحذور اما اولا فلما عرفت فى اول البحث واما ثانيا (فلان البحث فى تلك المباحث وان كان عن احوال السنة بهذا المعنى إلّا ان البحث فى غير واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها) كما هو الظاهر من عناوين المسائل فانهم لم يجعلوا العنوان فيها لامر الكتابى

٨

مثلا أو أحد الادلة الأخر بل جعلوه مطلق الامر (وان كان من المعلوم) ان ما هو العمدة (والمهم) لهم (معرفة خصوصها كما لا يخفى ويؤيد ذلك) اى كون مسائل الاصول ليست خاصه بما يبحث عن عوارض الادلة بذاتها ولا بعنوانها (تعريف الاصول بانه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الشرعية) فان ظاهره دخول كل مسئلة تقع فى طريق الاستنباط ويتمهد بها قاعدة لذلك فظهر واتضح لك من جميع ما تقدم ان ما ذكرناه من كون الموضوع هو نفس موضوعات المسائل وما يتحد معها هو الحق وان غير ذلك خارج عن منهج السداد وهذا التعريف بناء على ما هو ظاهر القوم من خروج جملة من المسائل عن علم الاصول وانها ذكرت فيه استطرادا حسن (وان كان الاحسن والاولى تعريفه بانه صناعة يعرف بها القواعد التى يمكن ان تقع فى طريق استنباط الاحكام او التى ينتهى اليها فى مقام العمل) والاولى زيادة اولا وبالذات بعد قوله يعرف بها ليخرج بها سائر العلوم التى يتوقف عليها معرفة هذه القواعد كالنحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان وغيرها وإلّا دخلت قطعا وكان التعريف غير مانع وزيد القيد الاخير ليدخل فيه ما لا يقع فى طريق استنباط حكم شرعى إلّا انه ينتهى اليه فى مقام العمل وهو من مسائل الاصول كمسألة حجيه خبر الواحد على مذهب المصنف دام ظله من ان المجعول فيه هو الحجية لا غير وكالظن على احد الوجهين وكمسائل الاصول العملية فى الشبهات الحكمية (بناء على ان مسئلة حجية الظن على تقرير الحكومة ومسائل الاصول العملية فى الشبهات الحكمية) من علم (الاصول كما هو كذلك عند التحقيق ضرورة انه لا وجه لالتزام الاستطراد فى مثل هذه المهمات) واما مسائل الاصول العملية فى الشبهات الموضوعية فهى خارجة قطعا ولا وجه لذكرها الا الاستطراد واقتضاء المناسبة ذلك كما لا يخفى (الامر الثانى) من الامور المذكورة فى تعريف (الوضع وهو) على الصحيح تعيين اللفظ للمعنى وتخصيصه به فان كان المعين والمخصص فاعلا بالإرادة والقصد فهو التعيينى وان كان غير ذلك ككثرة الاستعمال مثلا فهو التعينى والسر فى ذلك مع ان التعيينى حاصل فى القسمين

٩

ان اللفظ اذا عين لشيء تعين لا محالة فيحصل فيه جهتان فان كان المعين فاعلا بالارادة نسب الوضع الى الجهة الاولى لدلالتها بمادتها وهيئتها على حال الفاعل وان كان غير فاعل بالارادة نسب الى الجهة الثانية للدلالة بظاهره على انه غير مقصود هذا واما ما افاده المصنف دام ظله فى تعريفه من انه (نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه اخرى) قال (وبهذا المعنى صح تقسيمه الى التعيينى والتعينى كما لا يخفى) ففيه ان الاختصاص والارتباط من آثار الوضع لا الوضع ألا ترى انهما لا يترادفان ولا يتصادفان على معنى واحد بخلاف الوضع والتعيين فيحسن ان تقول ان اختصاص اللفظ بالمعنى وتخصصه به ناشئ من وضعه له ولا يصح ان تقول ان تعيين اللفظ للمعنى ناشئ من وضعه له لان معناه ان التعييني نشأ من التعيين نعم هذا يصلح تعريفا للوضع بمعنى الموضوعية لا بمعناه المصدرى وكأن الذى دعاه الى هذا التمحل تصحيح تقسيمه الى القسمين وقد عرفت ان التقسيم على الوجه الذى ذكرناه فى غاية الصحة (ثم ان) للوضع اقساما تتفاوت معنى وعنوانا بتفاوت اللحاظ المعتبر فيه (لان الملحوظ حال الوضع اما ان يكون معنى عاما) بنفسه وعنوانه كالانسانية والحيوانية وغيرهما او باوصافه وآثاره لعدم امكان الوصول الى تصور نفس عنوانه كالمبرئ للذمة والناهى عن الفحشاء على القول بوضع لفظ الصلاة مثلا للصحيح فيوضع اللفظ له تارة ان وقف اللحاظ عنده ولوحظ مرئيا بنفسه ولافراده ومصاديقه اخرى ان نفذ اللحاظ منه وتعداه وقد لوحظ مرآة لغيره ويتصور وضع اللفظ عند تصور المعنى العام على انحاء واقسام (احدها) ان يضع اللفظ بازاء ذلك المعنى العام المتصور المتوزع حصصا بحسب انبساطه حال وجود انه الخاصة مع قطع النظر عن كونه متوزعا او غير متوزع فيكون استعماله فى نفس المعنى العام لوضعه له بلا واسطة وفى كل حصة من حصصه الموجودة بالوجود الخاص لوضعه لها بواسطة وضعه للمعنى العام (ثانيها) ان يضع اللفظ بازاء كل حصة من تلك الحصص حال تشخصها بوجودها الخاص لا بقيد التشخص فيكون استعماله فيها بوضعه

١٠

لها بلا واسطة واستعماله فى المعنى العام بواسطة عكس الاول فيكون المعنى العام فى هذه الصورة مرآتا الى تلك الحصص ذات الوجودات الخاصة والفرق بين هذا وما قبله ليس إلّا بالاعتبار وإلّا فهما واحد كما لا يخفى (ثالثها) ان يضع اللفظ بازاء كل حصة من تلك الحصص المتشخصة بقيد تشخصها كوضع العلم لمعناه ويكون ذلك المعنى العام الكلى مرآتا بها يبصر تلك الوجودات الخاصة فيكون الفرق بين هذا القسم وبين الثانى اخذ قيد التشخص وعدم اخذه فى الموضوع له وبينه وبين المشترك اللفظى بحسب مصطلح القوم وحدة الوضع وتعدده لا غير فتكون اقسام الوضع من هذه الجهة مختلفة الحال قسم هو المشترك المعنوى وهو الاول وقسم هو المشترك اللفظى وهو الجامع لخصوصيتى اللفظ والمعنى مع تعدد الوضع على حسب تعدد المعانى وقسمان مستقلان برأسهما برزخ بين هذين القسمين إلّا ان واحدا منهما بالقسم الاول انسب واليه اقرب وهو الوضع بحسب الوجودات الخاصة للحصص لا بقيد التشخص والآخر بالثانى اشبه وترتيب آثاره عليه اوجه وهو الوضع كذلك لكنه بقيد التشخص وبحسب اختلاف الحال تختلف الآثار حقيقة ومجازا واحتياجا الى القرينة المعينة او الصارفة او كليهما واستغناء وغير ذلك هذا كله فيما اذا كان المعنى الملحوظ عاما (واما) حيث (يكون معنى خاصا) فهو (لا يكاد يصح الا وضع اللفظ له دون العام فيكون الاقسام) على ما ذكرنا اربعة وعلى ما ذكره المصنف ايده الله تعالى (ثلاثة وذلك) لصحة تصور العام ووضع اللفظ بازاء افراده دون العكس (لان العام يصلح لان يكون آلة) ومرآة (للحاظ افراده ومصاديقه بما هو كذلك) لان الوضع انما يتوقف على معرفة المعنى بوجهها ويتصور العام تحصل هذه المعرفة (فانه من وجوهها) اى الافراد (ومعرفة وجه الشىء معرفته بوجه) وهو المطلوب وهذا (بخلاف الخاص فانه) لا يترتب على تصوره بعنوانه تلك المعرفة ضرورة انه (بما هو خاص لا يكون وجها للعام ولا لسائر الافراد فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له ولا) معرفة (لها اصلا) ولو معرفة

١١

(بوجه) وبيان ذلك على التحقيق هو انه من المعلوم ان استعمال اللفظ فى كل معنى من المعانى محتاج الى الوضع فاذا تعددت المعانى وتعدد الاستعمال فاما ان يتعدد الوضع او يتحد والاول كما فى المشترك واما الثانى فان عم جميع المعانى على نحو العموم الشمولى فى العام اللفظى فهو الوضع العام والموضع له الخاص والسبب فى امكان تعميم الوضع فى هذه الصورة لجميع المعانى مع كثرتها وعدم احصائها وتوقف الوضع على معرفة المعنى هو تمكن الواضع من معرفتها بوجهها وهو العام المتصور حين الوضع وان عملها على نحو العموم البدلى فى اسماء الاجناس بالنسبة الى افرادها فهو الوضع العام والموضوع له العام لعمومه لجميع المعانى بصدق معناه على كل واحد على البدل فهذا معنى وصف الوضع بالعموم واما اذا اتحد الوضع ووصف بكونه خاصا لخصوصية المعنى المتصور ووحدته وعدم لحاظ غيره من المعانى لا بعضا ولا كلا لا شمولا ولا بدلا فكيف يعقل ان يكون الموضوع له مع هذه الملاحظة عاما وكيف يعقل ان يكون الواحد بما هو واحد اثنين او اكثر وكيف يمكن ان يكون مسمى عمرو موضوعا له لفظ زيد بوضعه الشخصى العلمى بسبب تصوره عند تصور مسمى زيد لو اتفق وبالجملة وصف الشيء بوصفين متضادين فى آن واحد غير معقول والى ما ذكرنا اشار المصنف دام ظله حيث قال فى رفع توهم صلوح الخاص لان يكون مرآة للعام (نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما وهذا بخلاف ما فى الوضع العام والموضوع له الخاص فان الموضوع له وهى الافراد لا يكون متصورا الا بوجهه وعنوانه وهو العام وفرق واضح بين تصور الشيء بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بسبب تصور امر آخر ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه بينهما كان موجبا لتوهم امكان ثبوت قسم رابع وهو ان يكون الوضع خاصا مع كون الموضوع له عاما مع انه واضح لمن كان له ادنى تأمل) وظاهر العبارة ربما يوهم فيه ان ما ذكره فارقا بين المقامين مؤيد لا مفسد ضرورة انه اذا كان عموم الوضع وخصوصه لعموم

١٢

التصور المعتبر فيه وخصوصه وكان تصور الشيء بوجه ما ولو بسبب تصور شيء آخر كافيا فى وضع اللفظ فلان يكون تصوره بنفسه كافيا احق واولى لان المعرفة المتوقف عليها الوضع حينئذ اتم واكمل إلّا ان لباب مطلبه وحقيقة مقصوده ما ذكرنا لان العمدة فى خصوصية الوضع وعمومه صحة كون الخاص بما هو خاص وجها للعام بما هو عام وهو غير معقول وانما المعقول حضور العام بنفسه فى الذهن عند حضور الخاص وهو لا يجدى نفعا ومنه توهم المتوهم تربيع القسمة (ثم انه) لا يخفى ان جميع ما ذكر فى تقسيم الوضع والموضوع له انما هو بحسب الوجود الذهنى واما بحسب الوجود الخارجى فاعلم انه (لا ريب فى ثبوت الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام) مختصا ومشتركا (وكذا الوضع العام والموضوع له العام كوضع اسماء الاجناس واما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم انه) موجود فى الخارج وزعم جماعة من المحققين (انه وضع الحروف وما الحق بها من الاسماء) كاسماء الاشارة والموصولات والضمائر وربما قيل به او بما اشبهه فى وضع الفاظ العبادات كلفظ الصلاة وسيأتى إن شاء الله تعالى (كما توهم ايضا ان المستعمل فيه خاص مع كون الموضوع له كالوضع عاما) وفى المسألة وجوه احدها وثانيها ما تقدم ثالثها ان يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا بمعنى آخر وهو ان الواضع تصور اولا معنى الابتداء ومفهومه للعام ثم وضع اللفظ بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال المتعلق وانما كان الموضوع له حينئذ خاصا لان الماهية اذا اخذت مع تشخص لاحق لها كانت جزئية كذا قال فى الفصول والفرق بين هذا وبين الوجه الاول ان الموضوع له فى الاول جزئى حقيقى وفى هذا الوجه جزئى اضافى والمقصود من قيد التشخص اللاحق للماهية هو ما تكون الماهية به اقل افرادا منها مع عدم القيد وان كانت بالنسبة الى ما تحتها كلية ايضا رابعها ان حالها حال الاسماء فمعنى من والابتداء والى والانتهاء واحد فيكون كل من الوضع والموضوع له عاما خامسها ان هذه الحروف بمنزلة العلائم فمعنى قولنا من للابتداء انها علامة وآلة على حصول

١٣

هذا المعنى فى المتعلق ودلالة المتعلق عليه فتكون كقرائن المجاز فى عدم دلالتها بنفسها على شيء لا فى نفسها ولا فى غيرها وانما تدل على ان المراد من اللفظ معناه المجازى سادسها ان هذه الحروف وضعت للدلالة على معانى متعلقاتها المحذوفة لا الموجودة لتعديتها وتعليقها بما بعدها فمعنى سرت من البصرة الى الكوفة سرت وابتدأت بالسير من البصرة وانتهيت الى الكوفة ولو كان معناهما هو الابتداء والانتهاء اللذان هما حالة بين السير والبصرة والكوفة للزم حصول التكرار من التصريح بالفعلين المذكورين وكانت العبارة مستهجنة مع انها من الحسن بمكان فمن تدل على الابتداء الذى يدل عليه لفظ ابتدأت وما اشبهه والى تدل على الانتهاء الذى يدل عليه لفظ انتهيت وما اشبهه وهكذا فصح انها تدل على معنى فى غيرها وانما وضعت كذلك طلبا للاختصار فى العبارة (سابعها) ان تكون موضوعة لمفاهيمها المقيدة بالامور المذكورة فى القول الثالث على ان يكون كل من القيد والتقييد خارجا عن المعنى معتبرا فيه ذكر ذلك بعض المحققين توجيها لقول من قال بوضعها للمفاهيم الكلية بما هى كلية بعد ان اختار غيره والى ذلك ذهب الاستاذ المصنف دام ظله واتقنه واحكمه بما لا مزيد عليه ولم يسبق اليه وبما ذكره اتضح بطلان سائر المذاهب فيها فقال (والتحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق ان حال المستعمل فيه والموضوع له فيها) اى فى الحروف (حالهما فى الاسماء) فى كونه مفهوما كليا وانما قلنا (ذلك لان الخصوصية المتوهمة فى) الموضوع له والمستعمل فيه التى دعت القائل الى القول بكونه خاصا (ان كانت هى الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا) فالوجدان قاض بفساده ومخالفته للواقع (اذ من الواضح ان كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها) اى فى الحروف (الا كليا كما) فى قولك سر من البصرة الى الكوفة فانه يصدق على كل مكان يمكن الابتداء به والانتهاء اليه ولذا يحصل الامتثال من اى موضع سرى والى اى موضع انتهى (ولذا) اى ولعدم التمكن من انكار تحقق هذا الاستعمال بل ولعدم التمكن من دعوى المجازية فيه (التجاء بعض الفحول الى جعله جزئيا اضافيا)

١٤

مدعيا ان معنى قولنا الموضوع له او المستعمل فيه خاص انما هو بالنسبة الى كلى فوقه وهو مفهوم الابتداء العام الغير المتخصص بمكان لا بالنسبة الى ما تحته وهو كما ترى اما اولا فلانه خروج عن الفرض ظاهرا واعتراف بالمطلوب فى الجملة واما ثانيا فلان تلك الخصوصية التى توهموا تقييد الموضوع له او المستعمل فيه بها ان كانت صالحة للتقييد كان المعنى لا محالة جزئيا خارجيا حقيقيا وان لم تصلح لذلك كان المعنى هو المفهوم العام الكلى فالقول بوضعها للكلى من جهة الجزئى من اخرى تحكم بحت لا نرتضيه اذ لا دليل يقتضيه (وان كانت) تلك الخصوصية المتوهمة (هى الموجبة لكونه اى المعنى جزئيا ذهنيا) فهو مسلم (حيث انه لا يكاد يكون المعنى حرفيا) ويخرج عن كونه اسميا (إلّا اذا لوحظ حاله) وعرضا (لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به) كمفهوم البصرة والكوفة فى المثال المتقدم (ويكون حاله كحال العرض) فى عدم استقلاله بنفسه وعدم وجوده الا بوجود غيره (فكما لا يكون) الغرض (فى الخارج الا فى الموضوع كذلك هو) اى المعنى الحرفى (لا يكون فى الذهن الا فى مفهوم آخر) كما مثلنا (ولذا قيل فى تعريفه) اى الحرف (بانه ما دل على معنى فى غيره فالمعنى) الحرفى على هذا (وان كان لا محاله يصير جزئيا بهذا اللحاظ الآلي) لانه يكون معنى آليا لوحظ ربطا بين المتعلقات فماهية الابتداء ومفهومه قد تشخصا بحسب الوجود الذهنى بهذا اللحاظ فلا يعقل مع هذا التشخص صدقه على فرد آخر كما لا يعقل صدق الماهية لتشخصه فى الخارج على غير مورد المتشخص وإلّا لم يكن مشخصا هف فلو قال القائل سر من البصرة وكرره الف مرة كان كل فرد فى الاستعمال اللاحق غيره فى الاستعمال السابق بحسب الوجود الذهنى لعدم امكان صدق المفهوم المقيد باللحاظ فى الاستعمال الاول على غيره فيحتاج فى الثانى الى لحاظ آخر مشخص وهلم جرا فاللحاظ الاول لا يكون اولا إلّا (بحيث يباينه) اللحاظ الثانى (اذا لوحظ ثانيا كما لوحظ اولا) بان كرر العبارة الاولى بعينها (ولو كان) المستعمل (اللاحظ واحدا) لوجود المناط فلا

١٥

يفرق الحال بين تعدده ووحدته إلّا ان هذا اللحاظ المشخص للماهية ذهنا الموجب لكون المعنى فى ظرف الذهن جزءا حقيقيا لا يعقل تشخص المفهوم به فى الخارج (ولا يكاد يكون ماخوذا فى مفهوم المستعمل فيه) لان اخذه فى المفهوم كذلك فرع امكان تحققه من حيث هو بحسب الوجود الخارجى وهو غير معقول لان المعنى المستعمل فيه لا بد وان يكون ملحوظا للمستعمل حال الاستعمال وقد فرضناه بحسب الوجود الذهنى مقيدا بهذا اللحاظ فان كان بحسب الوجود الخارجى مقيدا ايضا فاما ان يكون اللحاظ الاستعمالى عين اللحاظ الماخوذ قيدا فى المستعمل فيه او غيره وعلى الاول فيلزم الدور وهو واضح وعلى الثانى يلزم عدم كون المستعمل فيه مقيدا باللحاظ قبل الاستعمال لا ذهنا ولا خارجا لان المفروض كما عرفت ان هذا القيد فى المستعمل فيه بحسب الوجود الذهنى لم ينشأ ويوجد الا بهذا اللحاظ الاستعمالى وقد قرضنا ان هذا بعينه هو الماخوذ قيدا فى الوجود الخارجى ففرض كونه غيره يلزمه ما ذكرناه او تعدد القيد المشخص بحسب الوجودين فى آن واحد فى عرض واحد وهو غير معقول والى ما ذكرنا اشار المصنف بقوله (وإلّا فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ بداهة ان تصور المستعمل فيه مما لا بد منه فى استعمال الالفاظ وهو كما ترى) هذا كله (مع انه) مع عدم تعقل تشخص المفهوم به وعدم تعقل وجوده فى الخارج (يلزم بالضرورة ان لا يصدق على الخارجيات) لان الابتداء الآلي الربطي بما هو كذلك كالانسان الكلى فيمتنع صدقه بما هو كذلك على الموجودات الخارجية (لامتناع صدق الكلى العقلى عليها حيث لا موطن له الا الذهن) فاذا امتنع صدقه (امتنع امتثال) الامر به فى (مثل سر من البصرة) الى الكوفة لعدم وجود السير والبصرة والكوفة المقيدة فى الخارج (إلّا بالتجريد والغاء الخصوصية) وهو كما ترى هذا كله (مع انه) لو سلمنا فلنا ان نجيب بالنقض ونقول (ليس لحاظ المعنى حالة لغيره فى الحروف الا كلحاظه فى نفسه فى الاسماء وكما لا يكون هذا اللحاظ) اى لحاظ كونه فى نفسه (معتبرا فى المستعمل فيه فيها) اى فى الاسماء

١٦

(كذلك ذلك اللحاظ فى الحروف كما لا يخفى وبالجملة ليس المعنى فى كلمة من ولفظ الابتداء الا الابتداء فكما لا يعتبر فى معناه لحاظه فى نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر فى معناها لحاظه فى غيره وآلة وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيته فليكن كذلك فيها) فان قلت فكما ان لحاظه فى نفسه ومستقلا لا يوجب جزئيته ذهنا فليكن لحاظ المعنى الحرفى حالة للغير وآلة ربطية كذلك فى عدم تشخص الماهية به فى الوجود الذهنى فما وجه الفرق بين اللحاظين قلت لا ريب فى انه اذا اخذ لحاظ المعنى الاسمى فى نفسه على حد اخذ لحاظ المعنى الحرفى فى غيره كان جزئيا ذهنيا كالمعنى الحرفى لا محاله وكيف يعقل ان لا يكون كذلك بهذا اللحاظ الذى لا يمكن تعدده فى آن واحد ولكنا نقول ان قولنا فى نفسه ليس قيدا وجوديا ككونه فى غيره بل هو امر عدمى ومعناه لا فى غيره كما ان قولنا فى المطلق والمقيد ان رقبة من حيث هى مطلق ومن حيث الايمان المعتبر فيها مقيد لا يوجب كون الحيثية الاولى قيدا بل المقصود انها كذلك من حيث عدم المقيد يعنى ان رقبة حال عدم القيد مطلق ولذا تفسر الحيثية بقولنا لا بشرط ولو كان ذلك قد اخذ على سبيل القيدية لوقع التعارض بين المطلق والمقيد بالضرورة لعدم اتصاف كل واحد بقيدين متضادين فكذلك المطلق والمقيد الذهنيين فليس قولنا فى نفسه ومستقلا كقولنا فى غيره وآلة بل الاول كالاول والثانى كالثانى فظهر لك عدم ورود هذا النقض من المصنف دام ظله على احد بحسب الذهن ولا بحسب الخارج كما لا يخفى (فان قلت على هذا) البيان والتحقيق الذى ذكرت من عدم اخذ اللحاظ فى المعنى الحرفى قيدا للمفهوم ومشخصا له فى الوجود الخارجى (لم يبق فرق بين الاسم والحرف فى المعنى ولزم كون كلمة من ولفظ الابتداء مترادفين) واذا كانا مترادفين (صح استعمال كل منهما فى موضع الآخر وهكذا سائر الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح قلت الفرق بينهما) فى كمال الظهور لكنه لا فى الجهات المتقدمة (انما هو في) اختلاف الغرض والغاية من وضعيهما الموجب (اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفى نفسه) لا على

١٧

جهة القيدية كما عرفت ووضع (الحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره كما مرت الاشارة اليه غير مرة فالاختلاف بين الاسم والحرف فى الوضع) المتمايز المختلف بحسب تمايز الغاية واختلافها لا محاله (يكون موجبا لعدم جواز استعمال احدهما فى موضع الآخر) لعدم امكان تصادقهما مع هذه الحال (وان اتفقا فيما له الوضع) اى المعنى الموضوع له ولا اظنك تتوهم امكان اخذ هذه الغاية فى الموضوع له قيدا والحال انك قد عرفت مما حققناه (بما لا مزيد عليه ان نحو ارادة المعنى لا يكاد يمكن ان يكون من خصوصياته ومقوماته) هذا غاية ما امكن فى تاييد هذا المذهب وتشييده والتحقيق هو انه من المعلوم ان كل معنى من المعانى مما تمس الحاجة الى افهامه وانفهامه لا بد له من لفظ موضوع يقع به التخاطب فى المحاورات فلا بد لنا من سبر المعانى اولا ومعرفة كليها من جزئيها وعامتها من خاصها وجوهرها من عرضها واصليها من تبعها ثم تلحظ الالفاظ الموضوعة بازائها فيقرن اللفظ بذلك الوصف الثابت لذلك المعنى فنقول انا قد استقصينا تلك المعانى وسرناها فوجدنا بعضها جواهر مستقلة بنفسها وبعضها اعراضا مستقلة بالمفهوم غير مستقلة بالوجود وبعضها كليات وبعضها جزئيات ووجدناها كلها متأصله بالمفهوم وما عدا الاعراض منها متاصله فى الوجود ووجدنا هناك معنى غير متاصل بالمفهوم ولا بالوجود فلا يعقل الا فى غيره ولا يوجد إلّا بغيره وذلك هو المعانى الحرفية وبيانه انك اذا تصورت السير وتصورت البصرة رايت ان لكل واحد من لفظيهما معنى مستقلا مفهوما ووجودا ثم اذا تصورت ان السير له مبدأ وله نهاية وان ذلك المبدأ وتلك النهاية بوصفيهما العنوانى لهما محل يتلبسان به وان هذه الحالة اعنى حالة التلبس التى لا تتحقق إلّا بتحقق امور أربعة السر والمحل والسائر والمحل الذى يقابل محل اول السر ومبدئه وهو محل التلبس بآخر السير الذى هو النهاية وجدت هذه الحالة معنى من المعانى التى تشتد الحاجة الى التعبير عنها والتخاطب به ثم اذا سبرت الالفاظ لم تجد لفظا موضوعا له الا من والى فعند ذلك تعقل ان معنى من فى سرت من

١٨

البصرة هو كون البصرة محل اول السير ومبدئه ومعنى الى فى الى الكوفة كون الكوفة محل آخر السير ونهايته فلا تفهم من قولهم من للابتداء والى للانتهاء الا هذا المعنى فاذا احطت خبرا بذلك علمت بالضرورة ان هذا المعنى لا يستقل بنفسه مفهوما ولا وجودا لتوقفه فى كليهما على الامور الاربعة فيكون معنى تبعيا صرفا لا تاصل له اصلا فتعلم حينئذ بالبداهة ان مدلول هذين الحرفين لا يتصف بنفسه بكليّةٍ ولا جزئيه وانما يتصف بهما تبعا لطرفيه فان كانا كليين كان كذلك كالمثل المذكور وان كانا جزئيين كما فى قولك سيرى هذا من هذا المكان الى هذا المكان كان جزئيا ومما يزيد الامر وضوحا حتى يكاد يلحقه بالبديهيات النظر الى ما لو تشخص احد الطرفين دون الآخر كان تقول سيرى هذا من البصرة او سيرى من هذا المحل المعين فان المعنى الحرفى من جهة كونه حالة للخاص جزئى ومن جهة كونه حاله للعام كلى ففى المثال الاول ان لوحظ بالنسبة الى مبدإ السير واوله لم يشمل غير مبدإ هذا السير المشخص وبالنسبة الى محل تلبس المبدا يشمل كل موضع من البصرة يمكن ان يكون محلا ومنه يظهر حال العكس فلو كان متأصلا لم يتصف بوصفين متضادين فى آن واحد ولا يشتبه عليك الحال فتقول حاله حال الجزئى الاضافى فى اجتماع الوصفين لان المقام مقام اجتماع الجزئية الحقيقية مع الكلية وهو غير معقول فيما له التأصل فى الوجود فعلم ان الوضع فيها عام بمعنى انه تصور الواضع مبدئية كل مكان لكل شيء من كل مبتدى لكل نهاية ووضع اللفظ بازاء المعنى المتلبس بتلك المتعلقات على اختلافها اذ لا يعقل وجود قدر جامع بجمعها حقيقة بعد ان كان فى آن واحد من جهة كلى ومن جهة جزئى حقيقى فيكون حالها نضير الصلاة بناء على الوضع للصحيح فى عدم امكان تصور مركب جامع اذ كل ما يتصور قابل لان يكون صحيحا من جهة فاسدا من اخرى فيكون هذا نحو وضع خاص على حده لا يتصف الموضوع له فيه بعموم ولا خصوص وادل دليل على امكانه وقوعه هذا كله ولكن مراجعة التأمل وتدقيق النظر حكما بان ما افاده المولى الاستاد الاعظم شرف الله تعالى قدره هو الحق الذى لا محيص عنه والمذهب الذى من سلك غيره ضل

١٩

وعمدة منشإ الاشتباه هو النظر الى كونه موصوفا بالوصفين المتضادين فى ان واحد وسر توهم التضاد نخيل ان الحرف فيما اذا كان احد الطرفين عاما كالبصرة والآخر خاصا كالسير المعين قد استعمل فى الحالة المتعلقة بالسير بخصوصها وليس الامر كذلك بل هو لم يستعمل الا فى المفهوم الكلى المنطبق من جهة على نوع او صنف مثلا ومن جهة على فرد فهو نضير ما لو قلت زيد والانسان جسم او حيوان فاطلقت المفهوم فى ان واحد واردت النوع والفرد فلم يوضع الحرف الا للعام ولم يستعمل الا فى العام غاية الامر انه تارة يكون فى متعلقيه كليا وتارة فردا واخرى فردا من جهة ونوعا من اخرى فاعط التامل حقه فانه دقيق (ثم ان) المصنف دام ظله لما ذكر وجه الفرق بين الاسم والحرف حركته المناسبة على ان يوصل بذلك ذكر الخبر والانشاء لاتحادهما عنده فى جهة الفرق فقال (لا يبعد ان يكون الاختلاف فى الخبر والانشاء ايضا كذلك) اى كالاسم والحرف فى اختلافهما لاختلاف غاية الوضع (فيهما فيكون الخبر موضوعا ليستعمل فى حكاية ثبوت معناه فى موطنه) ذهنا او خارجا فزيد قائم وضع لان يحكى به المخبر ثبوت القيام له فى الخارج والانسان كلى وضع لان يحكى به ثبوت الكلية له فى الذهن وهذه النسبة هى معنى الخبر (والانشاء) وضع ليستعمل فى قصد تحققه وثبوته فاضرب زيدا موضوع ليستعمل ويقصد باستعماله ايجاد طلب الضرب وثبوته بنفس هذا الانشاء (وان اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل) بحسب الخارج فكما ان النسبة الموضوع لها الخبر قد تطابق الخارج وقد تخالفه كذلك الموضوع له الانشاء بحسب المطابقة والمخالفة للواقع من حيث الوجود الخارجى ففى الانشاء يكون للطلب وجود انشائى وهو يحصل بانشاء الصيغة وهذا لا تخلف له ابدا لان ايجاده عين انشائه ووجود خارجى يتبع الواقع وهو بحسب الوجود الاول جزئى وبحسب الثانى كلى بخلاف الخبر فانه ليس له إلّا الوجود الخارجى (فتامل) فان لقائل ان يقول ان الخبر كالانشاء وان للمحكى به وهو نسبة المحمول الى الموضوع ايضا وجودين وجود حكايتى وهو حاصل بمجرد الحكاية ووجود خارجى وهو يتبع الواقع

٢٠