نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٥ - ٦

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٥ - ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستصحاب

(۱) قوله قدس سره : وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم ... الخ .

توضيح المقام إن إبقاء ما كان تارة ينسب إلى المكلف، فيراد منه الابناء العملي، كالتصديق العملي في باب الخبر، وأخرى - ينوبب إلى الشارع - مثلاً - بأحد لحاظين : إما يجعل الحكم المماثل في الزمان الثاني بعنوان أنه الحكم الموجود - في الزمان - فهو إحداث لباً وابقاء عنواناً .

وإما بالالزام بالابقاء العملي، فيكون إبقاء عملياً من الشارع تسبيباً، ولا يخفى عليك أن المراد من الحكم بالبقاء إذا كان هو الالزام به - كما صرح به شيخنا العلامة (قدس سره في تعليقته على الرسائل - وكما استظهره بعض الأجلة " من كلام شيخه العلامة الأنصاري قدس سرهما .

فالمناسب : التعبير بالحكم بالابقاء، فان الابقاء والبقاء، وإن كانا متحدين بالذات إلا أن الذي هو عنوان فعل المكلف - الذي هو مورد الالزام - أو فعل توليدي منه

(۱) الكفاية ج ۲ : ۲۷۳ .

(۲) الحاشية على كتاب فرائد الأصول للمحقق الخراساني «قده» : ص ۱۷۲.

(۳) الظاهر أنه المحقق الاشتياني (قده» في كتابه بحر الفوائد ويستفاد ذلك من مطاوي كلامه في تعريف الاستصحاب.

١

هو الابقاء بلحاظ حيثية صدوره من المكلف، لا البقاء الذي هو من حيثيات الحكم وشؤونه .

وسيجيء ان شاء الله تعالى بيان احتمال آخر في الحكم بالبقاء بحيث لا يناسب إلا عنوان البقاء دون الابقاء.

ثم إن المراد من إبقاء ما كان - سواء كان ما هو منسوب إلى المكلف أو إلى غيره فيه المحذور من وجهين :

أحدهما - عدم الجهة الجامعة للاستصحاب، بحسب المباني الثلاثة : من الاخبار وبناء العقلاء، وحكم العقل، وذلك لأن المراد:

إن كان إبقاء المكلف عملاً - فهو، وإن صح جعله مورداً لالزام الشارع، أولبناء العقلاء فرجع البحث إلى أن الابقاء العملي هل مما ألزم به الشارع أو مما بنى عليه العقلاء أم لا ؟

إلا أنه ليس بهذا المعنى مورداً لحكم العقل، لأن الاذعان العقلي الظني إنما هو ببقاء الحكم، لا بابقاء الحكم عملاً من المكلف، وليس للعقل إلزام انشائي وشبهه حتى يصح إرادة موردية الابقاء العملي للحكم العقلي.

وإن كان المراد الابقاء الغير المنسوب إلى المكلف، فمن الواضح أنه لاجهة جامعة بين الالزام الشرعي الذي هو مصداق الابقاء أو متعلق بالابقاء، والبناء العقلائي، والادراك العقلي.

ومع فرض الجامع بين الالزام الشرعي والاذعان العقلي ـ نظراً إلى التعبير عن الاذعان العقلي بالحكم العقلي - فلا جامع بينهما وبين البناء العملي من العقلاء، إذ لا إلزام من العقلاء ولا إذعان منهم .

وتصحيحه بارادة الالزام الشرعي ابتداء أو امضاء، لما بنى عليه العقلاء ـ كما عليه شيخنا الاستاذ قدس سره في تعليقته ٢ - لا يجدي ؛ إذ البحث في الاستصحاب من باب بناء العقلاء راجع إلى البحث عن ثبوت البناء وعدمه، لا عن حجيته شرعاً بعد ثبوته .

فان بناء العقلاء إذا ثبت بشرائطه كان ممضى شرعاً كسائر الموارد .

مضافاً إلى ما ذكرنا في غير مقام : أنه لا إلزام من العقلاء باتباع الظاهر، أو الجري على

(۱) في ما افاده «قده» في هذه التعليقة عند قوله : ويمكن أن يراد من الحكم ... الخ.

(۲) ص ۱۷۱ ذیل قول الشيخ قده وعند الاصوليين عرف بتعاريف . 

٢

وفق اليقين السابق - مثلا - حتى يكون معنى إمضائه جعل الحكم المماثل على طبقه.

بل مجرد بنائهم على مؤاخذة من يخالف الظاهر، أو لا يجري على وفق اليقين السابق فمعنى إمضائه أن الشارع كذلك ، فيصح المؤاخذة عنده كما تصح عند العقلاء.

ثانيها - عدم صحة توصيفه بالدليلية والحجية، على جميع المباني " :

أما إذا أريد منه الابقاء العملي المنسوب إلى المكلف، فواضح؛ لأنه ليس دليلاً على

وأما إذا أريد منه الالزام الشرعي، فانه مداول الدليل، لا أنه دليل على نفسه، ولا أنه حجة على نفسه ، كسائر الأحكام التكليفية.

وأما تصحيحه - بارادة ثبوته وعدمه، من حجيته وعدمها، كالنزاع في حجية المفاهيم فانه راجع إلى البحث عن ثبوتها وعدمه، لا إلى حجيتها في فرض ثبوتها فمخدوش بأن النزاع في ثبوت كل شيء وعدمه لا يصح التعبير عنه بحجيته وعدمها .

والمفاهيم حيث أنها في فرض ثبوتها من مصاديق الحجة، صح التعبير عن ثبوت الحجة وعدمه بالحجية وعدمها ، بخلاف ثبوت الحكم التكليفي الشرعي ، فانه أجنبي عن الحجية بالمرة.

بيانه: إن جعل الحكم المماثل " في مورد الخبر ليس حجة على نفسه، ولا على غيره بل مصحح لحجية الخبر. فان جعل الحكم المماثل لمؤدى الخبر ـ بعنوان أنه الواصل بالخبر يصحح انتزاع الموصلية من الخبر عنواناً، فهو عنواناً واسطة في إثبات الحكم الواقعي، فان المفروض أنه أوصل مؤدى الخبر بجعل الحكم المماثل الواصل بنفسه، وكذلك الأمر في الحجية بمعنى المنجزية.

فان الحكم الظاهري كالحكم الواقعي ، لا ينجز نفسه، ولا غيره، بل الخبر منجز المؤداه شرعاً، فلابد هنا أيضاً من فرض أمر آخر غير الالزام الشرعي، حتى يكون هو الموصل عنواناً، أو المنجز حقيقة .

وأما الاستصحاب من باب بناء العقلاء فليس عمل العقلاء على وفق اليقين السابق حجة على عملهم، ولا على غيرهم، كما أن اتباعهم للمظاهر ليس حجة على إتباعهم للظاهر، ولا على اتباع غيرهم للظاهر، بل الظاهر - حيث انه مصحح

(١) أي على جميع المباني في الاستصحاب، وكذا في معنى الحجية.

(۲) كما في حاشية الفرائد الممحقق الخراساني «قده»: ص ۱۷۲.

(۳) من أراد التوضيح، فليراجع مبحث حجية الظن : ج ٣: التعليقة ٥٦. 

٣

الاستصحاب عندهم الممؤاخذة على مخالفة ما يكون الظاهر كاشفاً نوعياً عنه - يوصف بالحجية، فلابد هنا من فرض صحة مؤاخذتهم على ترك الجري على طبق الحالة السابقة :

إما لليقين السابق واقتضاء وثاقة اليقين لعدم رفع اليد عنه عندهم .

أو المظن بالبناء واقتضائه عندهم المجري على وفقه .

فالمصحح المؤاخذة ليس نفس إبقائهم عملاً ، أو إبقاء المكلف، بل أحد الأمرين المزبورين، أو غيرهما مما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى " .

فعلم مما ذكرنا أن بناء هم عملاً، وإن كان ابقاء عملياً منهم، وهو المناسب للاستصحاب ومشتقاته المنسوبة إلى العامل، إلا أن الموصوف بالحجية غيره .

و معنى حجية بنا العقلاء - شرعاً - أن ما بنى العقلاء على المؤاخذة بسببه - على فعل أو ترك - يصح المؤاخذة به عند الشارع .

فلم يبق من الاستصحاب بالمباني الثلاثة، إلا الإذعان العملي الظني ببقاء الحكم، فانه صالح لأن يكون منجزاً للحكم، إلا أن الاستصحاب بهذا المعنى لا يناسب مشتقاته المنسوبة إلى المكلف .

ويمكن أن يراد من الحكم في قوله (قده) وفي كلام الشيخ الأعظم (قده) في الرسائل: ( إن الاستصحاب هو الحكم ببقاء الحكم الخ...) ما هو المرسوم في التعبيرات من الحكم بقيام زيد، وهو كونه الرابط، فيرجع إلى أن الاستصحاب كون الحكم باقياً في نظر الشارع أو عند العقلاء، أو في نظر العقل ظناً لظنه ببقائه وهو المستند للحكم بالابقاء من الشارع، وللابقاء العملي من العقلاء، فيندفع محذور الجامع ومحذور الدليلية .

ولا يأبى كلامه (قده) عن ذلك حيث قال : ( اما من جهة بناء العقلاء على ذلك ؟

أي على كونه ، لا على الالزام به .

وفيه: إن كونه باقياً في نظر الشارع ليس إلا منتزعاً من الالزام بابقائه، فهو باق بحسب حكمه، لا بلحاظ أمر آخر، كما أن كونه باقياً - في نظر العقلاء ليس إلا كونه

(١) يأتي في التعليقة : ٦ .

(۲) الكفاية ج ۲ : ۲۷۳

(۳) الرسائل : ۳۱۸ « في تعريف الاستصحاب» .

(١) أي عدم الجامعية للإستصحاب بحسب المباني الثلاثة.

(٥) أي عدم صحة التوصيف بالدليلية.

(٦) الكفاية ج ٢ : ٢٧٣ . 

٤

التحقيق حول تعريف المشهور

باقياً بحسب عملهم لأبقائهم له عملاً ، وليس له بقاء عندهم مع قطع النظر عن ابقائهم له عملاً .

ومنه يظهر أن تفسير الحكم بالبقاء - باعتبار بقائه عملاً شرعاً، أو من باب بناء العقلاء، واعتبار بقائه ظناً من باب العقل وإن صح جامعاً بالقاء قيد العمل في الأولين، وقيد الظن في الأخيرا إلا أن اعتبار البقاء عملاً ليس إلا الابقاء العملي، وهو غير صالح للتوصيف بالدليلية والحجية .

والتحقيق: إن الاستصحاب - كما يناسب المشتقات منه هو الابقاء العملي. والموصوف بالحجية بناء على الأخبار هو اليقين السابق :

إما بعنوان إبقاء الكاشف إن كان المراد من الحجية الوساطة في الاثبات، فان إبقاء الكاشف التام المتعلق بالواقع إيصال للواقع بقاء عنواناً بايصال الحكم المماثل لباً.

وإما بعنوان إبقاء المنجز السابق إن كان المراد من الحجية تنجيز الواقع، فاليقين السابق يكون منجزاً المحكم حدوثاً عقلاً، وبقاء جعلاً.

وبناء على بناء العقلاء، فالموصوف بالحجية أحد أمور ثلاثة :

إما اليقين السابق لوثاقته، واقتضائه عدم رفع اليد عنه إلا بيقين مثله، فهو الباعث للعقلاء على إبقائهم عملاً .

و إما الظن اللاحق بالبقاء.

وإما مجرد الكون السابق؛ إهتماماً بالمقتضيات وتحفظاً على الأغراض الواقعية. فالوجود السابق لهذه الخصوصية حجة على الوجود الظاهري في اللاحق، لا من حيث وثاقة اليقين، ولا من حيث رعاية الظن بالبقاء، وإليه يرجع التعبد العقلائي - كما سيأتي إن شاء الله تعالى " .

وبناء على حكم العقل، فالموصوف بالحجية هو الظن بالبقاء، ويندفع محذور الجامع، ومحذور التوصيف بالحجية.

هو الابقاء العملي، والنزاع في أن المستند للإبقاء العملي، هل هو أمر مأخوذ من الشارع ؟ أو من العقلاء ؟ أو من العقل ؟ لا أن نفس الاستصحاب مأخوذ من أحدهم لأن لا يكون له جامع .

(١) المراد من الأولين بقاؤه عملاً شرعاً، أو من باب بناء العقلاء، ومن الاخير بقاؤه ظناً من باب العقل .

(۲) بأتي في التعليقة : ٥. 

٥

الاستصحاب

وأما الثاني فبأن حجية اليقين السابق على الحكم في اللاحق، حيث أنها مستكشفة من ثبوت الابقاء العملي تشريعاً - حيث أن الشارع أمر بابقاء اليقين، الذي عرفت أن مرجعه إلى إبقاء الكاشف أو المنجز فالتعبير عن حجية المنكشف بحجية الكاشف صحیح، معمول به عندهم .

وكذا بناء العقلاء - عملاً على الابقاء، فانه كاشف عن بنائهم على حجية اليقين السابق، أو الظن اللاحق، أو الكون السابق .

ثم إن المراد من إبقاء ما كان: إن كان الابقاء المنسوب إلى الشارع، فلا دلالة في العبارة على جعل الحكم الظاهري الاستصحابي، فانه لو أبقى الشارع حكمه الموجود سابقاً في الزمان اللاحق - بعلته المقتضية لحكم مستمر، أو بعلة أخرى مقتضية لاستمراره - الصدق عليه إبقاء ما كان، مع أنه حكم واقعي لا ظاهري، وإبقاؤه لعلة كونه في السابق ، وإن اقتضى كون الحكم في الزمان الثاني ظاهرياً، لأن الحكم الواقعي لا يكون وجوده في زمان واسطة في الثبوت لوجوده في زمان آخر، ولا واسطة في الاثبات، إلا أن تعلق الابناء بما كان لا يدل على علية كونه ، بل ولا إشعار فيه " أيضاً؛ لأن الابقاء لابد وأن يتعلق بما

كان، وليس أخذه كأخذ الوصف لغواً، لو لم يكن لأجل إفادة فائدة من علية، أو غيرها .

وإن كان المراد الابقاء العملي من المكلف، فهو يدل على جعل الحكم الظاهري ؛ اذ لو كان الحكم الواقعي مستمراً حقيقة لم يكن العمل به إبقاء عملياً المحكم السابق، بل عمل بالحكم الموجود حقيقة في الزمان اللاحق، إلا أنه لا يدل على اعتبار اليقين في موضوع الاستصحاب، كما لا يدل على كون الحكم الاستصحابي الظاهري من الأصول العملية : العدم أخذ الشك فيه.

أما الأول : فلان اليقين بثبوت الحكم سابقاً، وان كان منجزا لحكمه، لكنه غير محقق لموضوعه، فدلالته على اعتبار اليقين - في تنجز الحكم الاستصحابي - غير دلالته على اعتباره في تحقق موضوعه. فمن الممكن أن ما ثبت يجب ابقائه واقعاً، غاية الأمر أنه ينجز هذا إلا بعد الالتفات إلى موضوعه وحكمه.

وأما الثاني: فلان لازم الابقاء العملي وإن كان عدم اليقين بالحكم في الزمان

(١) «الكون» هنا تامة

(۲) كما عليه الشيخ «قده» في «الرسائل» ص ۳۱۸ ، فانه قائل بالاشعار وتبعه المحقق العراقي «ره» في نهاية الافكار» ص ٣. 

٦

سائر تعاريف الأصحاب للإستصحاب .

الثاني، إلا أن هذا لازم أعم للحكم الظاهري على طبق الامارة، أو على وفق الأصل، وإنما الفارق بأخذ الشك في موضوعه وعدمه.

فعلم أن التعريف بالابقاء لا يخلو عن المحذور على أي حال .

وأما سائر تعاريف الأصحاب للاستصحاب فغير خالية عن المحذور أيضاً،

فمنها ما عن الفاضل التوني (ره): من أنه التمسك بثبوت ما ثبت في وقت، أو حال على بقائه ... الخ .

وظاهره جعل الثبوت في السابق حجة، ودليلاً على ثبوته في اللاحق، لا الابقاء تعويلاً على ثبوته، فلا يوافق التعريف المعروف من القوم، كما لا يناسب مشتقات الاستصحاب، كما أفاده شيخنا الاستاذ فانه إنما يناسب ذلك إذا قيل : إنه التمسك بما ثبت، فانه بمعنى إبقائه، وعدم الانفكاك عنه عملاً، لا التمسك بثبوته ، فانه بمعنى الاعتماد على ثبوته في ابقائه عملاً .

وغاية ما يمكن أن يوجه به التعريف المزبور، إنه من باب التعريف بالعلة المسمى بمبدأ البرهان في قبال التحديد بالمعلول - المسمى بنتيجة البرهان والتحديد بهما معاً المسمى بالحد التام الكامل - كتعريف الغضب بارادة الانتقام على الأول، وبغليان دم القلب على الثاني، وبغليان دم القلب لارادة الانتقام على الثالث.

ومنه يعلم أن تعريف الاستصحاب : ( بإثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلاً على

ثبوته في الزمان الأول)، من القسم الثالث، وهو الحد التام.

وتعريفه ( بأبقاء ما كان فقط من قبيل الثاني .

وتعريفه ( بكون الشيء متيقن الحصول في الزمان الأول) من قبل الأول، لا أنه بيان المورد الاستصحاب، بل هو أولى - في دخوله في مبدأ البرهان - من تعريف الفاضل التوني (ره ).

لأنه في الحقيقة ليس تعريفاً للاستصحاب بعلته - وهو ثبوته في الزمان الأول - بل ته ريف له بالاستدلال بعلته الراجع الى معلولية الابقاء لثبوته .

(۱) الرسائل: ۳۱۹ ( عند تعريف الاستصحاب».

(۲) قال «قده» في تعليقته على الرسائل : ۱۷۲ فان الاستصحاب، سواء جعل نفس الظن بالبقاء ... كان به التمسك الانفسه، وإن كان لفظه بمشتقاته إنما يناسب ذلك . 

٧

الاستصحاب

ومنها ما عن العضدي كما في الرسائل : إن معنى استصحاب الحال، أن الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه، وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء .

ولا يخفى عليك أن الاستصحاب عنده، حيث أنه الظن ببقاء الحكم مثلاً والتفاوت بينه وبين كون الحكم مظنون البقاء اعتبارياً - فالقياس المزبور استدلال على الاستصحاب بلحاظ نتيجة البرهان، لا أن الصغرى أو الكبرى استصحاب عنده حتى يردد الأمر بينهما، فيقال " - على الأول - بتوافقه مع تعريف المحقق القمي «ره»: يكون النيء متيقن الحصول مشكوك البقاء»، وعلى الثاني بمطابقته مع تعريف المشهور بارادة الحكم بالبقاء ظناً من الابقاء - الذي عرف به الاستصحاب في كلمات المشهور من الأصحاب .

ولا يمكن جعل الصغرى حداً من باب مبدأ البرهان»، وجعل الكبرى من باب نتيجة البرهان ، لأن مبدأ البرهان هو ا لابد الأوسط، وهو ثبوته الخاص، لا الصغرى .

ونتيجة البرهان محمول الكبرى، وهو الأكبر، لا الكبرى.

فان الكبرى متضمنة للملازمة بين الثبوت وكونه مظنوناً من حيث البقاء، لا أنها عين كونه مظنون البقاء، فلا الصغرى توافق كلام المحقق القمي «ره»، ولا الكبرى تطابق تعريف المشهور.

وأما ما عن شيخنا الاستاد (قده)) : من أن الكبرى هو الاذعان بانه مظنون البقاء. والاستصحاب هو نفس الظن بالبقاء - وهو غير الايراد بان الاستصحاب ليس كون الحكم مظنون البقاء، بل نفس الظن ببقاء الحكم، لكي يندفع بأن التفاوت بين الظن والمظنون اعتباري ..

فقیه مسامحة من وجهين :

أحدهما - إن الكبرى هي الملازمة بين الثبوت وكون الحكم مظنون البقاء، لاكون الحكم مظنون البقاء، فانه الأكبر باعتبار، ونتيجة القياس باعتبار آخر .

(۱) الرسائل : ۳۱۸

(۲) القائل هو الشيخ «ره» في رسائله في تعريف الاستصحاب: ص ۳۱۸، وما ذكره المحقق القمي (ره) ففي المجلد الثاني من القوانين في تعريف الاستصحاب.

(۳) راجع تعليقته «ره»). على فرائد الاصول : ص ۱۷۲.

(٤) فان المستفاد من الكبرى عند المحقق الخراساني (ره) هو الاذعان بان الحكم مظنون البقاء، وعند غيره هو كون الحكم مظنون البقاء، وإن اتفقا في أن الاستصحاب هو نفس الظن بالبقاء. 

٨

التعريف اللفظي

ثانيهما إن نتيجة البرهان، وإن كانت مما يذعن بها العقل، إلا أن الحكم والادعان خارج عن مفاد القضية - موضوعاً ومحمولاً - وعن مفاد القياس صغرى وكبرى ونتيجة ..

ثم إن الشيخ الأعظم (قده) في رسائله رتب القياس على نحو آخر بناء على كون الاستصحاب من الادلة العقلية، فقال «قده»: إن الحكم الشرعي الفلاني ثبت سابقاً، ولم يعلم ارتفاعه، وكلما كان كذلك فهو باق، فالصغرى شرعية، والكبرى عقلية ظنية ... الخ .

وفيه أولاً - إن الأصغر شرعي ، لا الصغرى ..

وثانياً - إن المهم - عند القائلين بأنه من الادلة العقلية إثبات الظن ببقائه، لا إثبات بقاءه، حتى يجعل الظن جهة في الكبرى، فيراد أنه باق ظناً .

بل لا بد من جعل الكبرى، كما جعلها العضدي : «من أنه كلما كان كذلك ، فهو مظنون البقاء، فالكبرى عقلية قطعية ؛ المقطع بالملازمة بين الثبوت والظن بالبقاء. كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

(۲) قوله قدس سره بل من قبيل شرح الاسم ... الخ .

تكرر منه (قده)) في الكتاب " وغيره مساوقة التعريف اللفظي الشرح الاسم ومطلب ( ما ) الشارحة ، ومقابلته مع الحد والرسم.

وقد تقدم منا في حاشية مبحث مقدمة الواجب من مباحث الجزء الأول من الكتاب : إن مطلب (ما) الشارحة يقابل التعريف اللفظي ، وأن الحد والرسم، تارة إسمي ، وأخرى حقيقى .

وأنه لا فرق بين مطلب (ما) الشارحة ومطلب (ما) الحقيقية، إلا بكون السؤال في الثاني بعد معرفة وجود المسؤل عن ماهيته، دون الأول، وأن الحدود الاسمية بعد معرفة أعيانها تنقلب حدوداً حقيقية، وأن التعريف اللفظي شأن اللغوي ، لا الحكيم، فراجع .

(١) الرسائل : الأمر الثاني بعد تعريف الاستصحاب: ص ۳۱۹.

(۲) الكفاية ٢ ص ٢٧٤

(۳) الكفاية :١ ص ١٥١ في الواجب المشروط و ص ۳۳۱ في العام والخاص وفي تعليقته المباركة على الرسائل : ص ۱۷۲.

( ١ ) ج ١ : التعليقة ٢٤١ . 

٩

۳) قوله قدس سره: إن البحث عن حجيته مسألة أصولية

قد تقدم الكلام - في نظائر المقام في أوائل البحث عن حجية الخبر، وفي أول البحث عن البراءة " وقلنا: إن مفاد دليل الاعتبار سواء كان جعل الحكم المماثل أو التنجيز والاعذار يأبى عن دخول نتيجة البحث في مسائل علم الاصول، سواء كان فن الاصول ما يبحث فيه عن حال الأدلة، أو كان ما يبحث فيه عن القواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية، أو كان ذلك مع البحث عن ما ينتهي إليه أمر الفقيه في مقام العمل، بعد الفحص واليأس عن الدليل.

إذ على الأول يكون الحكم المماثل أو تنجيز الواقع مدلول السنة باعتبار، وسنة باعتبار آخر.

وعلى أي حال لا بحث عن حال السنة ولواحقها، بل عن أصل ثبوتها أو ثبوت مدلولها .

وعلى الثاني ليس نتيجة البحث مما يقع في طريق استنباط الحكم، بل إما بنفسه حكم مستنبط أولا بنفسه مستنبط ، ولا ينتهي الى حكم مستنبط .

وعلى الثالث وإن كان بالاضافة إلى ما نحن فيه وسائر الأصول العملية مجدياً، حيث أن نتائجها مما ينتهي اليه أمر الفقيه، بعد الفحص واليأس عن الدليل، إلا أنه لا يجدي في الامارات الغير العلمية - دلالة وسنداً حيث أنها هي الحجة على حكم العمل، لا أنها المرجع بعد الفحص واليأس عن الحجة على حكم العمل .

مع ما يرد عليه : من لزوم فرض غرض جامع بين الغرضين ، لئلا يكون من الأصول علمين " وليس مثله في البين .

(١) الكفاية ٢ : ٢٧٤ .

(۲) ج ٣ : التعليقة ٩١ .

(۳) ج ٤ : التعليقة ١ .

(٤) أي باعتبار كون الخبر سنة أو كونه هو الحاكي عنها.

(٥) بناء على ان معنى الحجية جعل الحكم المماثل.

(٦) بناء على ان معنى الحجية هي التنجيز والاعذار.

(۷) وهو ما ذهب اليه صاحب الكفاية (قده» الكفاية : ج ٠٩:١

(۸) حيث انه «ره» جعل المناط في وحدة العلم وتعدده، وحدة الغرض وتعدده.

١٠

هل الاستصحاب مسألة اصولية

وقد بينا هناك ، أن اختصاصها بالمجتهد ليس من حيث كونها من المقدمات المؤدية إلى استنباط الحكم، لتكون كاشفاً عن كون المسألة أصولية، بل من حيث ان خيرة تطبيقها على مصاديقها واحراز تحققها - الموقوف على الفحص - مختصة بالمجتهد، ومثله موجود في سائر القواعد الكلية الفقهية أيضاً.

وذكرنا هناك أن التقصي عن الاشكال - بالالتزام بتعميم الاستنباط من أحد وجهين أو منهما معاً :

إما بدعوى أن إيجاب تصديق العادل، وايجاب إبقاء اليقين إيجاب كنائي عن جعل الحكم المماثل لما أخبر بوجوبه العادل، ولما أيقن بوجوبه المكلف. وهذا المقدار من التوسيط الناشيء عن التلازم بين الكنائي والحقيقي كاف في مرحلة الاستنباط فالبحث في الاصول عن هذا الملزوم الكنائي، وفي الفقه عن ذلك اللازم الحقيقي.

وإما بدعوى أن الاستنباط والاجتهاد بمعنى تحصيل الحجة على حكم العمل بمعنى يؤدي إلى العلم بحكم العمل حتى يقال : لا علم بالحكم، بل مجرد ما ينجزه شرعاً .

فشأن المسائل الاصولية : البحث عن الحجية ولو بمعنى المنجزية.

وشأن المسائل الفقهية: إثبات الحجة على التكاليف المتعلقة بأفعال المكلفين.

وتوقف تحصيل الحجة على الفراغ عن الحجية في فن الأصول واضح .

ونزيدك هنا : إن تعميم الاستنباط بالتقريب الأول، وإن كان مفيداً في مقام التوسيط، لكنه غير مفيد في مقام إثبات الحجية، إذ مجرد جعل الحكم المماثل لباً، أو جعل الحكم كنائياً لا ربط له بالحجية.

بل الحجية إما بمعنى الوساطة في الاثبات أو الوساطة في التنجز.

وعليه فجعل الحكم المماثل لما أخبر بوجوبه العادل - بعنوان أنه هو الحكم الواصل بالخبر جعل موصلية الخبر و وساطته لا ثبات الواقع عنواناً.

فالواصل بالذات، وإن كان هو الحكم المماثل بنفس دليل الاعتبار، إلا أنه حيث بلسان أنه الواقع الواصل بالخبر، فالحكم الواقعي بالعرض يكون واصلاً، وإن لم يكن عنوان كنائي أيضاً.

فالمبحوث عنه في الأصول : وساطة الخبر لإثبات الواقع عنواناً، أو لتنجزه حقيقة ،

(۱) ج ۱ : ذیل تعریف علم الأصول التعليمة ((۱۳) وج ١ : اول البراءة : التعليقة.

(۲) كما ذهب اليه الشيخ الاعظم (قده) في رسائله : ص ۳۲۰ : في الأمر الثالث بعد تعريف الاستصحاب. 

١١

١٢

الاستصحاب

والمبحوث عنه في الفقه : نفس حكم العمل الذي يكون بلحاظ الواقع واصلاً عنواناً. وبلحاظ اللب والحقيقة يكون واصلاً، لوصول الحكم المماثل الحقيقي، أو المبحوث عنه هو حكم العمل، من حيث كونه قامت عليه حجة منجزة له .

فالحجية إذا كانت بمعنى الوساطة - في إثبات صح ابقاء «الاستنباط» على ما مر من كونه مؤدياً إلى العلم بالحكم ، لأنه على هذا التقدير يؤدي إلى العلم بالحكم الواقعي عنواناً، وإلى العلم بالحكم الفعلي حقيقة.

وإذا كانت بمعنى المنجزية لزم التعميم بالتقريب الثاني.

(٤) قوله قدس سره وليس مفادها حكم العمل بلا واسطة ... الخ .

هذا بناء على ما ذكرنا - من أن الحجية هي الوساطة في إثبات الحكم الواقعي عنواناً، أو الوساطة في إثبات تنجزه حقيقة - واضح ، لأنها على أي حال غير وجوب التي أخبر به العادل، أو أيقن به المكلف .

إلا أنه انما يجدي من يجعل اليقين السابق حجة على الحكم في اللاحق، إما بعنوان البقاء الكاشف التام، أو بعنوان بقاء المنجز.

وأما من " يجعل الاستصحاب إلزام الشارع بالابقاء، ويرى أن النزاع - في الحجية وعدمها - نزاع في ثبوت الإلزام المزبور وعدمه كالنزاع في حجية المفاهيم - فلا يمكنه دعوى عدم تعلقه بالعمل بلا واسطة؛ لأن كلية عنوان نقض اليقين، أو إبقاء اليتمين بالاضافة الى مصاديق النقض والابقاء، وكلية الالزام المتعلق بهما - فعلاً وتركاً بالاضافة الى وجوب الصلاة، وحرمة الفعل الكذائي، لا يحقق التوسيط ، بل هو تطبيق محض .

فلابد حينئذ في توجيهه من التشبث بالتوسيط الكنائي، الذي قدمناه ".

إلا أن الصحيح ما ذكرناه لعدم المصحح لانتزاع الحجية، إلا ما ذكرنا من جعل ايجاب الابقاء بعنوان إبقاء الكاشف، أو إبقاء المنجز؛ ليفيد الوساطة في إثبات الحكم عنواناً أو الوساطة في تنجزه - حقيقة .

(٥) قوله قده : كيف وربما لا يكون مجرى الاستصحاب الا حكماً اصولياً .

(١) الكفاية ٢ : ٢٧٤ .

(۲) كما عليه النحقق الخراساني (قده في تعليقته على الرسائل : ۱۷۲

(۳) و (٤) تقدم في التعليقة : ٣ .

(٥) الكفاية ٢ : ٢٧٤ . 

١٣

١٤

هل الاستصحاب مسألة اصولية .

هذا لاينا في كون الحجية حكماً عملياً .

غاية الأمر ان المستصحب - في مثل وجوب الصلاة حكم عملي متعلق بعنوان خاص، وفي مثل الحجية حكم عملي متعلق بعنوان عام .

والحكم المماثل المجعول في الأول وجوب الصلاة، وفي الثاني وجوب تصديق العادل أو وجوب ابقاء اليقين عملاً .

وتسمية بعض الاحكام العملية بالحكم الاصولي، لا تخرج الحكم عن كونه حكما عملياً شرعياً، بعد وضوح ان حقيقة الحكم لا تخلو من تعلقها : إما بفعل الجارحة، أو بفعل الجانحة، والأول حكم عملي فرعي ، والثاني حكم جناني أصلي .

و يختص الثاني بباب العقائد، كاختصاص الأول بباب العمليات سواء كان فعل الصلاة أو تصديق العادل عملاً - وهو إما عنوان الفعل الصلاة، أو عنوان توليدي وإنما سمى بعض الأحكام بالأصولية، لمجرد كون المحكوم بهذا الحكم هو المجتهد عنواناً ، لا لباً إذ ربما لا يكون له مساس به، كما نبهنا عليه في أول مبحث البراءة

وسيأتي إن شاء الله تعالى في مباحث الاجتهاد والتقليد .

(٦) قوله قدس سره : وأما لو كان عبارة عن بناء العقلاء ... الخ .

قد عرفت سابقاً أن بناء العقلاء عملاً، وإن كان ابقاء عملياً منهم - ويناسب مشتقات الاستصحاب إلا أن الموصوف بالحجية ما هو الباعث على بنائهم،

وهو إما اليقين السابق، أو الكون السابق ، أو الظن اللاحق.

فبناؤهم على المؤاخذة على ترك المتيقن - بسبب أحد الامور المزبورة هو المصحح لانتزاع الحجية. وإمضاء بناء العقلاء بمعنى اعتبار الحجبة شرعاً لما بنى العقلاء على المؤاخذة بسببه ، وأن ما هو المنجز عندهم منجز عند الشارع .

(۱) ج ٤ : التعليقة (( ١ ) .

(٢) ج ٦ : التعليقة (( ٦٤ ) .

و ملخص القول في الموردين بما يفيدنا في المقام ان المقلد حيث انه لا يمكنه الاستنباط من الادلة - في المسألة الأصولية - ولا التطبيق على مصاديقه - في المسألة الفرعية - فالمجتهد ينوب عنه فيما لم يكن للحكم مساس عملاً به . بل كان مختصاً بالمقلد - كما حكام الحيص - فالمجتهد هو الموضوع - عنواناً - والمقلد هو الموضوع - واقعاً - فجي الخير الى المجتهد منزل منزلة محجبة إلى المقلد.

(۳) الكتابة ٢ : ٢٧٧

(٤) تقدم في التعليقة : ١ . 

١٥

الاستصحاب

فيجري البحث في كونه من المسائل الأصولية على أي حال؛ إذ بناء على أن علم

الأصول ما يبحث عن أحوال الادلة الأربعة » ليس الموصوف بالحجية أحد الأدلة.

وبناء على أن علم الاصول ما يبحث فيه عن أحوال مطلق الحجة فالبحث هنا عن ثبوتها لا عن لواحقها .

وبناء على أنه ما يبحث فيه عن القواعد الممهدة لاستنباط الحكم» ليست الحجية بمعنى المنجزية مما ينتهي إلى حكم شرعي أصلاً.

فلا بد من دفع الاشكال بما ذكرناه - بناء على اعتباره من باب الاخبار فهو في الاشكال ودفعه كالسابق .

(۷) قوله قدس سره : أو الظن به الناشيء عن ملاحظة ثبوته ... الخ .

الكلام تارة في ثبوت هذا الظن وعدمه. واخرى في حجيته . وثالثة فيهما معاً.

وعلى أي حال، فجعله من المسائل الاصولية لا يخلو عن الاشكال؛ إذ نفس هذا الظن، وان كان مصداق الدليل العقلي، المعدود من الأدلة الأربعة، إلا أن الكلام لابد في ثبوت شيء له ، لا في ثبوت نفسه .

وقد مر في البحث عن مقدمة الواجب : أن جعل العقل من الأدلة - ليكون النزاع في ثبوت الاذعان له غير صحيح؛ لأن المهم ليس ثبوت الاذعان المعقل، حتى يبحث عنه، بل المهم ثبوت ما أذعن به من غير فرق بين الحكم العقلي النظري، أو العملي .

كما أن البحث - عن دليليته وحجيته بحث عن وصفه المقوم له، فيرجع البحث إلى إثبات الموضوع بما هو موضوع . مضافاً إلى أن الحجية إما حكم مستنبط ، أو ما لا ينتهي الى حكم مستنبط .

ويمكن أن يقال - في دفع الاشكال عن الشق الثاني بأن حجيته شرعاً غير مقومة الدليليته عقلاً، كما يندفع ما بعده بما مر من قبل، فراجع ..

وعن شيخنا العلامة - رفع الله مقامه في تعليقته الأنيقة، نقل إشكال في جعل  (۱) تقدم في التعليقة : ١.

(۲) الكفاية ٢ : ٢٧٧ .

(۳) ج ١ : التعليقة : ٢٢٤

(٤) تقدم في التعليقة : ٣

(۵) ص ۱۷۳ 

١٦

الظن بالبقاء» من الأدلة العقلية.

بيانه : إن القضية العقلية تمتاز عن القضية الشرعية بمحمولها، من حيث كونه امراً واقعياً غير شرعي ، وإلا فالمحمول الشرعي لا يخرج «القضية المتكفلة له عن كونها قضية شرعية بالظن به .

و دفعه بأن الحكم العقلي - هنا هو الظن بالملازمة بين الحدوث والبقاء، دون الظن بالحكم بقاء، والملازمة أمر واقعي، أدركه العقل، وإن كان طرفا هذه الملازمة شرعيتين، كالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، فهي من الأحكام العقلية الغير المستقلة كسائر الملازمات الغير المستقلة مما لابد في التوصل بها إلى الحكم الشرعي من ضم خطاب شرعي .

أقول : الملازمة بين الحدوث والبقاء بذاتها مقطوع الانتفاء؛ إذ لا تلازم إلا بعلية أحدهما للآخر، أو بمعلوليتهما الثالث. وليس وجود الشيء في زمان علة لوجوده في زمان آخر، وليس البقاء إلا استمرار الوجود الواحد لعلة مقتضية للوجود الخاص المستمر، لا أنهما موجود ان معلولان لعلة واحدة.

بل الملازمة : إما بين الحدوث وغلبة البقاء، أو بين الغلبة والظن بالبقاء، أو بين الحدوث والظن بالبقاء إما بالعرض، لمكان الغلبة المفيدة للظن به، أو بالذات، لترجح جانب البقاء بسبب ارتكاز الثبوت، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى .

ومن الواضح أن الملازمة بين الثبوت وغلبة البقاء - لمكان استقراء الموجودات قطعية، وكذا الملازمة بين الغلبة والظن بالبقاء، فلم يبق ما يكون مظنوناً، إلا نفس بقاء الحكم.

فما هو أمر واقعي وهي الملازمة بأحد الوجوه المزبورة قطعي وما هو شرعي وهو الحكم بقاء ظني .

فالتحقيق في دفع الاشكال : إن القضية العقلية هي كون الحكم مظنون البقاء، لانفس الظن بالبقاء، وهي نتيجة القياس المزبور سابقاً من أن الحكم مما ثبت، ولم يعلم ارتفاعه، وكل ما كان كذلك ، فهو مظنون البقاء .

وكون الحكم مظنون البقاء هو مورد الاذعان العقلي، لانفس البقاء، ولأجل

(١) عند التعرض للدليل العقلي للاستصحاب : يأتي في التعليقة : ١٢ . 

١٧

التفاوت بينهما - بنحو من الاعتبار عبر عن كون الحكم مظنون البقاء بنفس الظن بالبقاء ، وعليه فالقضية عقلية قطعية .

وتسميتها بالعقلي الغير المستقل ؛ لتوقف الملازمة العقلية على خطاب شرعي هنا، وفي باب مقدمة الواجب - وشبهها - مجرد إصطلاح، وإلا فالضميمة التي يحتاج إليها في إثبات الحكم الشرعي هي حجية الظن لا ثبوت الحكم سابقاً، فانه محقق للموضوع ، لا واسطة لا ثبات الحكم .

وكون الدليل العقلي - مما يتوصل به إلى الحكم الشرعي ، أعم مما يتوقف على ضميمة أخرى، كما فيما نحن فيه، أو مما لا يتوقف على ضميمة كما في مقدمة الواجب. فتد برجيداً .

(۸) قوله قدس سره الا من جهة الشك في بقاء موضوعه ... الخ .

فان قلت: هذا في الحكم العقلي، والحكم الشرعي المستند إليه صحيح، حيث أن الاغراض عناوين للموضوعات في الأحكام العقلية، وكذا في الأحكام الشرعية، التي كانت بعين الملاك العقلي. وأما الحكم الشرعي الغير المستند إليه فلا .

أما اولاً - فلما سيجيء " إن شاء الله تعالى أنه لا موجب لكون الغرض عنواناً الموضوعه .

وأما ثانياً فلان الغرض، وإن كان عنواناً لموضوعه، إلا أنه ربما يكون الفعل تام المصلحة، لكن البعث إليه له مانع ، فعلى فرض عنوانية المصلحة للموضوع يمكن تخلف الحكم عنه، لمانع عن توجيه البعث نحوه، فلا ملازمة بين الشك في بقاء الحكم، والشك في بقاء الموضوع بحده.

قلت: موضوع المصلحة، وان كان تاماً، إلا أن الموضوع للحكم مع فرض المانع عن تعلق الحكم به غير ثابت؛ إذ لا ينتزع الموضوعية عنه إلا بملاحظة تعلق الحكم به، فالشك في الحكم - بعد فرض عنوانية المصلحة الموضوعه - يلازم الشك في بقاء موضوعه بما هو موضوع له حقيقة .

وسيجيء إن شاء الله تعالى تتمة الكلام ".

(۹) قوله قدس سره: وأما الثاني فلان الحكم الشرعي المستكشف به الخ

(۱) الكفاية ٣: ۲۷۷

(۲) و (۳) يأتي في التعليقة : ٩.

(١) الكفاية ٢ : ۲۷۸ 

١٨

إستصحاب الحكم الشرعي المستكشف بالحكم العقلي

تحقيق الحال: إن الحكم العقلي على قسمين: حكم عقلي عملي، وحكم عقلي نظري .

وقد تكرر منا : إن الحكم العقلي العملي - في قبال العقلي النظري مأخوذ من المقدمات المحمودة، والقضايا المشهورة المعدودة من الصناعات الخمس في علم الميزان. وقد أقمنا البرهان على أنه غير داخل في القضايا البرهانية " في أوائل مبحث القطع مجملاً ، وفي مبحث دليل الانسداد مفصلاً .

وقد ذكرنا مراراً: أن العناوين المحكومة بالحسن والقبح بمعنى كون الفعل ممدوحاً، أو مذموماً : تارة ذاتية، وأخرى عرضية منتهية إلى الذاتية .

والمراد بالأولى: ما كان بنفسه ، مع قطع النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر محكوماً بالمدح، كعنوان العدل، أو بالذم كعنوان الظلم .

والمراد بالثانية : ما كان من حيث اندراجه تحت العنوان المحكوم بذاته ممدوحاً أو مذموماً، وهي على قسمين :

تارة تكون مندرجة تحت العناوين الذاتية لو خليت ونفسها - كالصدق والكذب وإن أمكن مع الحفاظ عنوانه أن يكون محكوماً بحكم آخر بعروض عنوان الظلم إذا كان الصدق مهلكاً للمؤمن ، أو بعروض عنوان الاحسان إذا كان الكذب منجياً له . وأخرى لا تكون مندرجة تحت العناوين الذاتية لوخليت وطبعها كسائر العناوين العرضية المحضة - من المشي إلى السوق ونحوها .

فالمراد من الحكم العقلي هو الحكم العقلائي بمدح فاعل بعض الأفعال، وذم فاعل بعضها الآخر؛ لما فيه من المصلحة الموجبة لا نحفاظ النظام، أو المفسدة العامة الموجبة لاختلال النظام وفساد النوع، وهي الموجبة لبناء العقلاء على المدح والذم، فانه أول  (۱) راجع ج ٣: التعليقة : ١٤٤ .

(٢) أي البديهيات الست وهي : الأوليات والمشاهدات والتجربيات والمتواترات والحدسيات والفطريات.

(۳) ج ۳: التعليقة : ١٠ .

(٤) ج ٣ : التعليقة ١٤٤ .

(٥) ليس المراد من الذاتي - هنا ما هو المصطلح عليه في الكليات الخمس، لأن استحقاق المدح والذم ليس جنساً ولا فصلاً للعدل والظلم، وكذلك ليس المراد منه ما هو المصطلح عليه في البرهان - كالامكان بالقياس الى الانسان بل المراد منه هو العرض الذاتي، بمعنى ان العدل والظلم بعنوانها محكومات بالحسن والقبح، من دون الاندراج تحت أي عنوان. 

١٩

موجبات حفظ النظام وموانع اختلاله .

بنى الملازمة: إن الشارع من العقلاء، بل رئيسهم، وواهب العقل لهم، وهو منزه عن الاقتراحات الغير العقلائية، والاغراض النفسانية.

فهو ايضاً بما هو عاقل - يحكم بالمدح والذم ، ومدحه ثوابه، وذمه عقابه، كما عرفت تفصيل القول فيه في مبحث دليل الانسداد " .

وحيث أن المدح والذم من صفات الأفعال الاختيارية، لاستحالة تعلقها بغير الاختياري، فلابد من أن يصدر العنوان الممدوح ، أو المذموم - بما هو - عن قصد وعمد، لاذات المعنون فقط .

فلو صدر منه ضرب اليتيم بالاختيار، وترتب عليه الأدب - من دون أن يصدر منه بعنوان التأديب - لم يصدر منه التأديب الممدوح .

ومن الواضح أن صدوره بعنوانه بالاختيار ليس إلا بكون الفعل بما له من العنوان الممدوح الملتفت إليه الذي لا وعاء له إلا وجدان فاعله - صادراً منه بالارادة المتعلقة به بعنوانه .

ومنه علم أن عنوان المضر - مثلاً - ليس بوجوده الواقعي محكوماً بالقبح، حتى يشك في صدقه على موضوع مفروض صدقه عليه سابقاً، بل بوجوده في وجدان العقل ، وهو مقطوع الارتفاع مع عدم إحراز صدقه .

إذا عرفت ذلك فأعلم : إن تلك العناوين التي لاحسن لها، ولا قبح لها، إلا إذا صدرت بعنوانها بالاختيار تارة - تكون عنواناً لفعل الشخص . وأخرى - تكون عنواناً الفعل الغير.

فان كانت من عناوين فعل المكلف، فكما لا معنى للشك في نفس الحكم، كذلك لاشك في موضوعه الكلي، وكذا في انطباقه على الموضوع الخارجي ..

وإن كانت من عناوين فعل الغير أمكن الشك في تطبيق الموضوع الكلي، دون نفسه؛ لأن صدوره بعنوانه بالاختيار متقوم باحرازه في وجدان فاعله، دون غيره، فاحتمال بقاء الموضوع تطبيقاً لاحتمال صدوره بعنوانه بالاختيار منه معقول، ولا مجال لاستصحاب حكمه.

نعم استصحاب موضوعه للتعبد بأثره الشرعي - لا للتعبد بحكمه العقلي، فانه غير

(۱) ج ۳ ( في مبحث الملازمة بين حكمي العقل والشرع» التعليقة ١٤٤ ..

٢٠