الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢
.................................................................................................
______________________________________________________
قال : وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا ما الذي أفزعك يا سيدنا ، فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع (١) عيسى بن مريم ، فأخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث فافترقوا ، ثم اجتمعوا إليه فقالوا ما وجدنا شيئا فقال : إبليس لعنه الله أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثم صار مثل الصرد ، وهو العصفور فدخل من قبل حرى (٢) فقال له جبرئيل : وراك لعنك الله فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له : ولد محمد صلىاللهعليهوآله فقال له : هل لي فيه نصيب ، قال : لا ، قال ففي أمته قال : نعم قال : رضيت (٣).
وروى أيضا في أماليه عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن زياد بن المنذر ، عن ليث بن سعد قال : قلت لكعب وهو عند معاوية : كيف تجدون صفة مولد النبي وهل تجدون لعترته فضلا فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه فأجرى الله على لسانه فقال : هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك ، فقال كعب : إني قد قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها أنزلت من السماء ، وقرأت صحف دانيال كلها ، ووجدت في كلها ذكر مولده ومولد عترته ، وإن اسمه لمعروف ، وأنه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى عليهالسلام وأحمد صلىاللهعليهوآله ، وما ضرب على آدمية حجب الجنة غير مريم ، وأم أحمد عليهالسلام ، وما
__________________
(١) في المصدر : منذ ولد عيسى بن مريم.
(٢) في المصدر : من قبل حراء.
(٣) أمالي الصدوق : المجلس الثامن والأربعون ج ١.
.................................................................................................
______________________________________________________
وكلت الملائكة بأنثى حملت غير مريم أم المسيح ، وآمنة أم أحمد.
وكان من علامة حمله أنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به عليهالسلام نادى مناد في السماوات السبع أبشروا فقد حمل الليلة بأحمد ، وفي الأرضين كذلك ، حتى في البحور وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ، ولا طائر يطير إلا علم بمولده ، ولقد بني في الجنة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب فقيل هذه قصور الولادة ، ونجدت الجنان وقيل لها اهتزي وتزيني فإن نبي أوليائك قد ولد فضحكت الجنة يومئذ ، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ، وبلغني أن حوتا من حيتان البحور يقال له : طموسا وهو سيد الحيتان له سبعمائة ألف ذنب ، يمشي على ظهره سبعمائة ألف ثورا الواحد منها أكبر من الدنيا لكل ثور سبعمائة ألف قرن ، من زمرد أخضر لا يشعر بهن ، اضطرب فرحا بمولده ، ولو لا أن الله تعالى ثبته لجعل عاليها سافلها ، ولقد بلغني أن يومئذ ما بقي جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة ويقول : لا إله إلا الله ، ولقد خضعت الجبال كلها لأبي قبيس كرامة لمحمد صلىاللهعليهوآله (١) ، ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنانها وثمارها فرحا بمولده صلىاللهعليهوآله ، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا من أنواع الأنوار ، لا يشبه كل واحد صاحبه وقد بشر آدم عليهالسلام بمولده فزيد في حسنه سبعين ضعفا وكان قد وجد مرارة الموت وكان قد مسه ذلك فسري عنه ذلك ، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب في الجنة واهتز فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد صلىاللهعليهوآله.
ولقد زم (٢) إبليس وكبل وألقى في الحصن أربعين يوما ، وغرق عرشه أربعين
__________________
(١) في المصدر : كرامة لمولده عليهالسلام.
(٢) زم الأنوف ـ أن يخرق الأنف ويعمل فيه زمام كزمام الناقة ليقاد به. رجل زام أي فزع « النهاية ٢ / ٣١٤ ».
.................................................................................................
______________________________________________________
يوما ، ولقد تنكبت (١) الأصنام كلها ، وصاحت وولولت ، ولقد سمعوا صوتا من الكعبة يا آل قريش قد جاءكم البشير قد جاءكم النذير ، معه عز الأبد والربح الأكبر وهو خاتم الأنبياء.
ونجد في الكتب أن عترته خير الناس بعده ، وأنه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي فقال معاوية : يا أبا إسحاق ومن عترته؟ قال كعب : ولد فاطمة فعبس وجهه وعض على شفتيه وأخذ يعبث بلحيته ، فقال كعب : وإنا نجد صفة الفرخين المستشهدين ، وهما فرخا فاطمة يقتلهما شر البرية قال : فمن يقتلهما؟ قال : رجل من قريش ، فقام معاوية وقال : قوموا ، إن شئتم فقمنا (٢).
وروى ابن شهرآشوب في المناقب عن أبان بن عثمان رفعه بإسناده ، قال : قالت آمنة « رضي الله عنها » : لما قربت ولادة رسول الله رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي ، فذهب الرعب عني وأتيت بشربة بيضاء ، وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا تحدثني وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض ، وقائل يقول خذوه من أعز الناس ورأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ، ورأيت مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء في ظهر الكعبة فخرج رسول الله رافعا إصبعه إلى السماء ، ورأيت سحابة بيضاء ينزل من السماء حتى غشيته فسمعت نداء طوفوا بمحمد صلىاللهعليهوآله شرق الأرض وغربها ، والبحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ، ثم انجلت عنه الغمامة ، فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن ، وتحته حريرة خضراء ، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب
__________________
(١) في المصدر : تنكست.
(٢) أمالي الصدوق : المجلس الثامن والثمانون ح ١.
.................................................................................................
______________________________________________________
وقائل يقول قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة ، ثم أقبلت سحابة أخرى فغيبته عن وجهي أطول من المرة الأولى ، وسمعت نداء طوفوا بمحمد الشرق والغرب ، وأعرضوه على روحاني الجن والإنس والطير والسباع وأعطوه صفا آدم ورقة نوح ، وخلة إبراهيم ، ولسان إسماعيل ، وكمال يوسف ، وبشرى يعقوب ، وصوت داود وزهد يحيى ، وكرم عيسى ، ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء ، قد طويت طيا شديدا ، وقد قبض عليها ، وقائل يقول : قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شيء إلا دخل في قبضته ، ثم إن ثلاثة نفر كان الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة ، ونافحة مسك ، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء ، لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء وقائل يقول : هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها ، وقائل يقول : اقبض الكعبة ، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها ، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه ، فغسله بذلك الماء من الإبريق سبع مرات ثم ضرب الخاتم على كتفيه ، وتفل في فيه فاستنطقه ، فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال : في أمان الله وحفظه وكلاءته ، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما ويقينا وعقلا وشجاعة أنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك ، وويل لمن تخلف عنك ، ثم أدخله بين أجنحتهم ساعة ، وكان الفاعل به هذا رضوان ، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول أبشر يا عز بعز الدنيا والآخرة ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار نورا ، ورأيت حولي من القطا أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها (١).
وقد أوردنا سائر الأخبار الواردة في ذلك في كتابنا الكبير (٢).
__________________
(١) المناقب : ج ١ ص ٢٨.
(٢) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٢٧٥.
٤٦٠ ـ حميد بن زياد ، عن محمد بن أيوب ، عن محمد بن زياد ، عن أسباط بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلىاللهعليهوآله حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت فقالت إحداهما للأخرى هل ترين ما أرى فقالت وما ترين قالت هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما ما لكما من أي شيء تعجبان فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت فقال لها أبو طالب ألا أبشرك فقالت بلى فقال أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود
______________________________________________________
الحديث الستون والأربعمائة : مجهول.
قوله عليهالسلام : « طلقت » بكسر اللام ـ أي أخذها الطلق وهو وجع الولادة وكذا المخاض ـ بفتح الميم ـ بمعناه.
قوله عليهالسلام : « أما إنك ستلدين غلاما » روى الصدوق بإسناده ، عن عبد الله ابن مسكان قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام إن فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب تبشره بمولد النبي صلىاللهعليهوآله فقال لها أبو طالب : اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلا النبوة وقال : السبت ثلاثون سنة ، وكان بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام ثلاثون سنة (١).
أقول : هذان الخبران يدلان على أن أبا طالب كان مؤمنا قبل البعثة ، وانعقد على إسلامه إجماع الشيعة ، وتواترت الأخبار الدالة عليه من طرق الخاصة والعامة وقد ألف كثير من أعاظم محدثينا كتابا مفردا في ذلك ، منهم السيد الجليل فخار ابن معد الموسوي رضياللهعنه (٢).
وروى الصدوق ، عن أحمد بن محمد بن العطار ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن
__________________
(١) معاني الأخبار : ص ٤٠٣ ب نوادر المعاني ح ٦٨ ، .
(٢) سمّي كتابه بـ « الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ».
.................................................................................................
______________________________________________________
عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن جعفر ، عن محمد بن عمر الجرجاني ، قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام : « أول جماعة كانت أن رسول الله كان يصلي وأمير ـ المؤمنين علي بن أبي طالب معه إذ مر أبو طالب به وجعفر معه قال : يا بني صل جناح ابن عمك ، فلما أحسه رسول الله تقدمهما ، وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول :
إن عليا وجعفرا ثقتي |
|
عند ملم الزمان والكرب |
والله لا أخذل النبي ولا |
|
يخذله من بني ذو حسب |
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما |
|
أخي لأمي من بينهم وأبي |
قال : فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم (١).
وروي عن أبيه ، قال : قال أبو طالب لرسول الله : يا ابن أخ الله أرسلك؟ قال : نعم ، قال : فأرني آية قال ادع لي تلك الشجرة فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنك صادق يا علي صل على جناح ابن عمك (٢).
وروي عن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، عن أحمد بن زياد الهمداني ، عن المنذر بن محمد ، عن جعفر بن سليمان ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام ، أنه قال : مثل أبي طالب مثل أهل الكهف حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرتين (٣).
وروي عن محمد بن الحسن بن صيقل ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن
__________________
(١) أمالي الصدوق : المجلس السادس والسبعون ح ٤.
(٢) معاني الأخبار : ص ٤٠٣ باب نوادر المعاني ح ٦٨.
(٣) نفس المصدر : ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
.................................................................................................
______________________________________________________
مروان بن مسلم ، عن ثابت بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس أنه سأله رجل فقال له : يا بن عم رسول الله أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلما فقال : وكيف لم يكن مسلما وهو القائل.
وقد علموا أن ابننا لا يكذب |
|
لدينا ولا ينبأ بقول الأباطل |
إن أبا طالب كان مثله مثل أصحاب الكهف ، حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين.
وروى شيخ الطائفة في أماليه عن الحسين بن عبيد الله ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همام ، عن علي بن الحسين الهمداني ، عن محمد بن خالد البرقي عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام أن أمير المؤمنين كان ذات يوم جالسا في الرحبة والناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أنت بالمكان الذي أنزلك الله به ، وأبوك معذب في النار فقال له علي عليهالسلام : مه فض الله فاك ، والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعة الله فيهم ، أبي يعذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟ ثم قال : والذي بعث محمدا بالحق نبيا إن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار نور محمد ونوري ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور تسعة من ولد الحسين ، فإن نوره من نورنا الذي خلقه الله قبل أن يخلق آدم بألفي عام (١).
والأخبار في ذلك من طرقنا كثيرة ، أوردناها في كتاب بحار الأنوار (٢).
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : اختلف الناس في إسلام أبي
__________________
(١) أمالي شيخ الطوسي : ج ٢ ص ٣١٢ ـ ٣١٣.
(٢) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٦٨ ـ ١٨٢.
.................................................................................................
______________________________________________________
طالب فقالت الإمامية وأكثر الزيدية ما مات إلا مسلما ، وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي ، وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما ، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم مات على دين قومه ، ويروون في ذلك حديثا مشهورا أن رسول الله قال له عند موته قل يا عم كلمة أشهد لك بها غدا عند الله ، فقال : لو لا أن تقول العرب أن أبا طالب خرج عند الموت لأقررت بها عينك.
وروي أنه قال : أنا على دين الأشياخ ، وقيل : إنه قال : أنا على دين عبد المطلب ، وقيل : غير ذلك.
وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى : « ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ » (١) الآية أنزل في أبي طالب لأن رسول الله استغفر له بعد موته ورووا أن قوله تعالى : « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » (٢) نزلت في أبي طالب ، ورووا إن عليا جاء إلى رسول الله بعد موت أبي طالب فقال له إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه.
واحتجوا بأنه لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر ، وأن عليا وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا.
ورووا عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : « إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وأنه في ضحضاح من نار ».
__________________
(١) سورة البراءة : ١١٣.
(٢) سورة القصص : ٥٦.
.................................................................................................
______________________________________________________
ورووا عنه أيضا « أنه قيل له : لو استغفرت لأبيك وأمك ، فقال : لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب ، فإنه صنع إلى ما لم يصنعا ، وأن عبد الله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم.
فأما الذين زعموا أنه كان مسلما فقد رووا خلاف ذلك ، فأسندوا خبرا إلى أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قال لي جبرئيل : إن الله مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب ، وحجر كفاك أبي طالب ، وبيت آواك عبد المطلب ، وأخ كان لك في الجاهلية ـ قيل : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله وما كان فعله قال : كان سخيا يطعم الطعام ، ويجوز بالنوال ـ وثدي أرضعك حليمة بنت أبي ذؤيب.
قالوا : وقد نقل الناس كافة عن رسول الله أنه قال : « نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية » فوجب بهذا أن يكون آباؤه كلهم منزهين عن الشرك ، لأنهم لو كانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهرين.
قالوا : وأما ما ذكر في القرآن من إبراهيم وأبيه آزر وكونه ضالا مشركا فلا يقدح في مذهبنا ، لأن آزر كان عم إبراهيم ، فأما أبوه فتارخ بن ناحور وو سمي العم أبا كما قال : « أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ » (١) ثم عد فيهم إسماعيل وليس من آبائه ، ولكنه عمه.
ثم قال : واحتجوا في إسلام الآباء بما روي عن جعفر بن محمد أنه قال : يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.
وروي أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله بالمدينة : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) سورة البقرة : ١٣٣.
.................................................................................................
______________________________________________________
ما ترجو لأبي طالب؟ فقال : أرجو له كل خير من الله.
وروي أن رجلا من رجال الشيعة وهو أبان بن أبي محمود كتب إلى علي ابن موسى الرضا جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب عليهالسلام فكتب إليه « وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ... » الآية ـ وبعدها ـ إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.
وقد روي عن محمد بن علي الباقر عليهالسلام« أنه سئل عما يقوله الناس إن أبا طالب في ضحضاح من نار؟ فقال : لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ، ثم قال ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عليا عليهالسلام كان يأمر أن يحج عن عبد الله وآمنة وأبي طالب في حياته ، ثم أوصى بوصيته بالحج عنهم.
وقد روي أن أبا بكر جاء بأبي قحافة إلى النبي صلىاللهعليهوآله عام الفتح يقوده وهو شيخ كبير أعمى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ، فقال : أردت يا رسول الله أن يأجره الله ، أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام أبي التمس بذلك قرة عين عينك ، فقال صدقت.
وروي أن علي بن الحسين عليهالسلام سئل ، عن هذا؟ فقال : « وا عجبا إن الله نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر ، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات ».
ويروي قوم من الزيدية أن أبا طالب أسند المحدثون عنه حديثا ينتهي إلى أبي رافع مولى رسول الله ، قال : سمعت أبا طالب يقول بمكة : « حدثني محمد ابن أخي أن ربه بعثه بصلة الرحم ، وأن يعبده وحده لا يعبد معه غيره ، ومحمد عندي الصادق الأمين » وقال قوم : إن قول النبي صلىاللهعليهوآله : « أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، إنما عنى به أبا طالب ».
.................................................................................................
______________________________________________________
وقالت الإمامية : إن ما يرويه العامة ـ من أن عليا وجعفرا لم يأخذا من تركة أبي طالب شيئا ـ حديث موضوع ، ومذهب أهل البيت بخلاف ذلك ، فإن المسلم عندهم يرث الكافر ، ولا يرث الكافر المسلم ، ولو كان أعلى درجة منه في النسب ، قالوا : وقوله صلىاللهعليهوآله : « لا توارث بين أهل ملتين » نقول بموجبه لأن التوارث تفاعل ، ولا تفاعل عندنا في ميراثهما ، واللفظ يستدعي الطرفين كالتضارب ولا يكون إلا من اثنين ، قالوا : وحب رسول الله لأبي طالب معلوم مشهور ، ولو كان كافرا ما جاز له حبه ، لقوله تعالى « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ » الآية (١).
قالوا : وقد اشتهر واستفاض الحديث ، وهو قوله صلىاللهعليهوآله لعقيل : « أنا أحبك حبين حبا لك وحبا لحب أبي طالب عليهالسلام لك ، فإنه كان يحبك ».
قالوا : وخطبة النكاح مشهورة خطبها أبو طالب عند نكاح محمد صلىاللهعليهوآله خديجة وهي قوله : « الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما ، وبيتا محجوبا ، وروي محجوبا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي من لا يوازن به ، فتى من قريش إلا رجح عليه برا وفضلا وحرما وعقلا ورأيا ونبلا ، وإن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل ، وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من الصداق فعلي. وله والله بعد بناء شائع ، وخطب جليل » قالوا : أفتراه يعلم بناءه الشائع ، وخطبه الجليل ، ثم يعانده ويكذبه ، وهو من أولي الألباب هذا غير سائغ في المعقول.
قالوا : وقد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال
__________________
(١) سورة المجادلة : ٢٢.
.................................................................................................
______________________________________________________
إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان ، وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرتين وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرتين » وفي الحديث الصحيح المشهور إن جبرئيل قال له ليلة مات أبو طالب : اخرج منها فقد مات ناصرك.
« وأما حديث الضحضاح من النار فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعلي عليهالسلام مشهور معلوم وقصة وفسقه غير خاف.
قالوا : وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة أن أبا طالب ما مات حتى قال : « لا إله إلا الله محمد رسول الله » والخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاما خفيا فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع رأسه إلى رسول الله فقال : يا بن أخي والله لقد قالها عمك ، ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته.
وروي عن علي عليهالسلام أنه قال : ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله من نفسه الرضا.
قالوا : وأشعار أبي طالب تدل على أنه كان مسلما ، ولا فرق بين الكلام المنظوم والمنثور ، إذا نظمتا إقرارا بالإسلام ، ألا ترى أن يهوديا لو توسط جماعة من المسلمين وأنشد شعرا قد ارتجله ، ونظمه يتضمن الإقرار بنبوة محمد صلىاللهعليهوآله لكنا نحكم بإسلامه ، كما لو قال أشهد أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله فمن تلك الأشعار قوله :
يرجون منا خطة دون نيلها |
|
ضراب وطعن بالوشيج المقوم |
يرجون أن نسخى بقتل محمد |
|
ولم تختضب سم العوالي من الدم |
كذبتم وبيت الله حتى تقلقوا |
|
جماجم يلقى بالحطيم وزمزم |
.................................................................................................
______________________________________________________
ويقطع أرحام وتنسى حليلة حليلا |
|
ويغشى محرم بعد محرم |
على ما مضى من مقتكم وعقوقكم |
|
وغشيانكم في أمركم كل مأثم |
وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدي |
|
وامرأتي من عند ذي العرش قيم |
فلا تحسبونا مسلمية فمثله |
|
إذا كان في قوم فليس بمسلم |
ومن شعر أبي طالب في أمر الصحيفة التي كتبها قريش في قطيعة بني هاشم :
ألا أبلغا عني على ذات بينها |
|
لؤيا وخصا من لؤي بني كعب |
ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا رسولا |
|
كموسى خط في أول الكتب |
وأن عليه في العباد محبة |
|
ولا حيف فيمن خصه الله بالحب |
وإن الذي رقشتم في كتابكم |
|
يكون لكم يوما كراخية السقب |
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبا |
|
ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب |
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا |
|
أواصرنا بعد المودة والغرب |
وتستجلبوا حربا عوانا وربما |
|
أمر عن من ذاقه حلب الحرب |
فلسنا وبيت الله نسلم أحمد |
|
الغراء من غض الزمان ولا كرب |
ولما يبن منا ومنكم سوالف |
|
وأيد أترت المهندة الشهب |
بمعترك ضنك ترى قصد القتابة |
|
والضياع العرج تعكف كالشرب |
كان مجال الخيل في حجراته |
|
وغمغمة الأبطال معركة الحرب |
أليس أبونا هاشم شد أزره |
|
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب |
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا |
|
ولا نشتكي مما ينوب من النكب |
ولكننا أهل الحفائظ والنهي |
|
إذا طار أرواح الكمأة من الرعب |
ومن ذلك قوله :
فلا تسفهوا أحلامكم في محمد |
|
ولا تتبعوا أمر الغواة الأشائم |
.................................................................................................
______________________________________________________
تمنيتم أن تقتلوه وإنما |
|
أمانيكم هذى كأحلام نائم |
وإنكم والله لا تقتلونه |
|
ولما تروا قطف اللحى والجماجم |
زعمتم بأنا مسلمون محمدا |
|
ولما نقاذف دونه ونزاحم |
من القوم مفضال أبي على العدي |
|
تمكن في الفرعين من آل هاشم |
أمين حبيب في العباد مسوم |
|
بخاتم رب قاهر في الخواتم |
يرى الناس برهانا عليه وهيبة |
|
وما جاهل في قومه مثل عالم |
نبي أتاه الوحي من عند ربه |
|
ومن قال لا يقرع بها سن نادم |
ومن ذلك قوله :
وقد غضب لعثمان بن مظعون الجمحي حين عذبته قريش ونالت منه.
أمن تذكر دهر غير مأمون |
|
أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون |
أم من تذكر أقوام ذوي سفه |
|
يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين |
ألا ترون أذل الله جمعكم |
|
إنا غضبنا لعثمان بن مظعون |
ونمنع الضيم من يبغي مضامتنا |
|
بكل مطرد في الكف مسنون |
ومرهفات كان الملح خالطها |
|
يشفي بها الداء من هام المجانين |
حتى تقر رجال لا حلوم لها |
|
بعد الصعوبة بالاسماح واللين |
أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب |
|
على نبي كموسى أو كذي النون |
قالوا : وقد جاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو ساجد ، وبيده حجر يريد أن يرضخ به رأسه فلصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب في ذلك من جملة أبيات :
أفيقوا بني عمنا وانتهوا |
|
عن الغي من بعض ذا المنطق |
وإلا فإني إذا خائف |
|
بوائق في داركم تلتقي |
.................................................................................................
______________________________________________________
كما ذاق من كان من قبلكم |
|
ثمود وعاد ومن ذا بقي |
ومنها :
وأعجب من ذاك في أمركم |
|
عجائب في الحجر الملصق |
بكف الذي قام من حينه |
|
إلى الصابر الصادق المتقي |
فأثبته الله في كفه |
|
على رغمه الخائن الأحمق |
قالوا : وقد اشتهر عن عبد الله المأمون أنه كان يقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :
نصرت الرسول رسول المليك |
|
ببيض تلألأ كلمع البروق |
أذب وأحمي رسول الإله |
|
حماية حام عليه شفيق |
وما إن أدب لأعدائه |
|
دبيب البكار حذار الفنيق (١) |
ولكن أزير لهم ساميا |
|
كما زار ليث بغيل مضيق |
قالوا : وجاء في السيرة وذكره أكثر المؤرخين أن عمرو بن العاص لما خرج إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي ، قال :
تقول ابنتي أين الرحيل؟ |
|
وما البين مني بمستنكر |
فقلت دعيني فإني امرؤ |
|
أريد النجاشي في جعفر |
لأكويه عنده كية |
|
أقيم بها نخوة الأصعر |
ولن أنثني عن بني هاشم |
|
بما أسطعت في الغيب والمحضر |
وعن عائب اللات في قوله |
|
ولو لا رضا اللات لم تمطر |
وإني لأشني قريش له |
|
وإن كان كالذهب الأحمر |
قالوا فكان عمرو يسمى الشانئ ابن الشانئ لأن أباه كان إذا مر عليه رسول
__________________
(١) الفنيق : الفحل المكرم على أهله.
.................................................................................................
______________________________________________________
الله صلىاللهعليهوآله بمكة يقول له : والله إني لأشنؤك وفيه أنزل « إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ » (١).
قالوا : فكتب أبو طالب إلى النجاشي شعرا يحرضه فيه على إكرام جعفر وأصحابه والإعراض عما يقوله عمرو فيه وفيهم من جملته :
ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر |
|
وعمرو وأعداء النبي الأقارب |
وهل نال إحسان النجاشي جعفرا |
|
وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغب |
في أبيات كثيرة.
قالوا : وروي عن علي عليهالسلام أنه قال : قال لي أبي : يا بني ألزم ابن عمك ، فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل ثم قال لي :
إن الوثيقة في لزوم محمد |
|
فاشدد بصحبته على أيديكا |
ومن شعره المناسب لهذا المعنى قوله :
إن عليا وجعفرا ثقتي |
|
عند ملم الزمان والنوب |
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما |
|
أخي لأمي من بينهم وأبي |
والله لا أخذل النبي ولا |
|
يخذله من بني ذو حسب |
قالوا : وقد جاءت الرواية أن أبا طالب لما مات جاء علي عليهالسلام إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فإذنه بموته ، فتوجع عظيما وحزن شديدا ، ثم قال له : امض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ، ففعل ، فاعترضه رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو محمول على رؤوس الرجال فقال له : وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، ونصرت وآزرت كبيرا ، ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه ، وقال أما والله لاستغفرن لك ، ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان.
قالوا : والمسلم لا يجوز أن يتولى غسل الكافر ، ولا يجوز للنبي إن يرق
__________________
(١) سورة الكوثر : ٣.
.................................................................................................
______________________________________________________
لكافر ، ولا أن يدعو له بخير ، ولا أن يعده بالاستغفار والشفاعة ، وإنما تولى علي عليهالسلام غسله لأن طالبا وعقيلا لم يكونا أسلما بعد ، وكان جعفر بالحبشة ، ولم تكن صلاة الجنائز شرعت بعد ، ولا صلى رسول الله صلىاللهعليهوآله على خديجة ، وإنما كان تشييع ورقة ودعاء.
قالوا : ومن شعر أبي طالب يخاطب أخاه حمزة وكان يكنى أبا يعلى.
فصبرا أبا يعلى على دين أحمد |
|
وكن مظهرا للدين وفقت صابرا |
وحط من أتى بالحق من عند ربه |
|
بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا |
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن |
|
فكن لرسول الله في الله ناصرا |
وباد قريشا بالذي قد أتيته |
|
جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا |
قالوا : ومن شعره المشهور.
أنت النبي محمد |
|
قرم أعز مسود |
لمسودين أكارم |
|
طابوا وطاب المولد |
نعم الأرومة أصلها |
|
عمر والخضم الأوحد (١) |
هشم الربيكة (٢) في الجفان |
|
وعيش مكة أنكد |
فجرت بذلك سنة |
|
فيها الخبيزة (٣) تثرد |
ولنا السقاية للحجيج |
|
بها يماث العنجد (٤) |
والمأزمان وما حوت |
|
عرفاتها والمسجد |
أنى تضام ولم أمت |
|
وأنا الشجاع العربد (٥) |
__________________
(١) الخضم : الكثير العطاء.
(٢) الربيكة : طعام يعمل من تمر وأقط وسمن.
(٣) الخبيزة : الخبز.
(٤) العُنجُد : ـ بالضمّ ـ الزبيب.
(٥) العِربِد : الحيّة ، وهو كناية عن الشَجاعة.
.................................................................................................
______________________________________________________
وبطاح مكة لا يرى |
|
فيها نجيع أسود |
وبنو أبيك كأنهم |
|
أسد العرين توقد |
ولقد عهدتك صادقا |
|
في القول لا تتزيد |
ما زلت تنطق بالصواب |
|
وأنت طفل أمرد |
قالوا : ومن شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدا صلىاللهعليهوآله ، ويسكن جأشه ويأمره بإظهار الدعوة.
لا يمنعنك من حق تقوم به |
|
أيد تصول ولا سلق بأصوات |
فإن كفك كفى إن بليت بهم |
|
ودون نفسك نفسي في الملمات |
ومن ذلك قوله : « ويقال إنها لطالب بن أبي طالب )
إذا قيل من خير هذا الورى |
|
قبيلا وأكرمهم أسره |
أناف لعبد مناف أب |
|
وفضله هاشم العزة |
لقد حل مجد بني هاشم |
|
مكان النعائم والنثرة |
وخير بني هاشم أحمد |
|
رسول الإله على فترة |
ومن ذلك قوله :
لقد أكرم الله النبي محمدا |
|
فأكرم خلق الله في الناس أحمد |
و شق له من اسمه ليجله |
|
فذو العرش محمود وهذا محمد |
وقوله أيضا : ( وقد يروى لعلي عليهالسلام )
يا شاهد الله علي فاشهد |
|
أني على دين النبي أحمد |
من ضل في الدين فإني مهتد |
قالوا : فكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك ، وهو تصديق محمد صلىاللهعليهوآله ومجموعها
.................................................................................................
______________________________________________________
متواتر ، كما أن كل واحدة من قتلات علي عليهالسلام الفرسان منقولة آحادا ، ومجموعها متواتر ، يفيدنا العلم الضروري بشجاعته ، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم ، وحلم الأحنف ومعاوية ، وذكاء إياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك.
قالوا : واتركوا هذا كله جانبا ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة ـ قفا نبك ـ وإن جاز الشك فيها أو في شيء من أبياتها جاز الشك في ـ قفا نبك ـ وفي بعض أبياتها ونحن نذكر منها هنا قطعة ، وهي قوله :
أعوذ برب البيت من كل طاعن |
|
علينا بسوء أو ملح بباطل |
ومن فاجر يغتابنا بمغيبة |
|
ومن ملحق في الدين ما لم نحاول |
كذبتم وبيت الله يبزى (١) محمد |
|
ولما نطاعن دونه ونناضل |
وننصره حتى نصرع دونه |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
وحتى نرى ذا الردع يركب ردعه |
|
من الطعن فعل الأنكب المتحامل |
و ينهض قوم في الحديد إليكم |
|
نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل (٢) |
وإنا وبيت الله من جد جدنا |
|
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل (٣) |
بكل فتى مثل الشهاب سميدع |
|
أخي ثقة عند الحفيظة باسل |
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا |
|
يحوط الذمار غير نكس مؤاكل |
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه |
|
ثمال (٤) اليتامى عصمة للأرامل |
يلوذ به الهلاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في نعمة وفواضل |
__________________
(١) يبزي : أي يغلب.
(٢) الروايا : جمع راوية ، وهو البعير يستقى عليه. وذات الصلاصل : المزادة التي ينقل فيها الماء. والصلاصل جمع صلصلة وهي بقيّة الماء في الإداوة.
(٣) الأَماثل : الأشراف.
(٤) ثمال اليتامى : عمادهم.
.................................................................................................
______________________________________________________
وميزان صدق لا يخيس شعيرة |
|
ووزان صدق وزنه غير عائل (١) |
ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب |
|
لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل |
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد |
|
وأحببته حب الحبيب المواصل |
وجدت بنفسي دونه فحميته |
|
ودافعت عنه بالذرى والكواهل |
فلا زال للدنيا جمالا لأهلها |
|
وشينا لمن عادى وزين المحافل |
وأيده رب العباد بنصره |
|
وأظهر دينا حقه غير باطل |
وورد في السيرة والمغازي أن عتبة بن ربيعة أو شيبة لما قطع رجل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر أشبل (٢) عليه علي وحمزة فاستنقذاه منه ، وخبطا عتبة بسيفيهما حتى قتلاه ، واحتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش ، فألقياه بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وإن مخ ساقه ليسيل ، فقال : يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنه قد صدق في قوله :
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا |
|
ولما نطاعن دونه ونناضل |
وننصره حتى نصرع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
فقالوا : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله : استغفر له ولأبي طالب يومئذ ، وبلغ عبيدة مع النبي صلىاللهعليهوآله إلى الصفراء ومات فدفن بها.
قالوا : وقد روي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله في عام جدب فقال : أتيناك يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يبق لنا صبي يرتضع ولا شارف (٣) يجتر ، ثم أنشده :
أتيناك والعذراء تدمى لبانها |
|
وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل |
وألقى بكفيه الفتى لاستكانة |
|
من الجوع حتى ما يمر ولا يحلي |
__________________
(١) يقال : عال الميزان يعول. إذا مال.
(٢) أشبل : عطف.
(٣) الشارف : الناقة.