تراثنا ـ العدد [ 141 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 141 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الرابع [١٤٤]

السنـة السادسة والثلاثون

محتـويات العـدد

* كلمة العدد :

* مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

................................................................. هيئة التحرير ٧

* التخصيص بالنعت في كتاب (كامل الزيارات) لابن قولويه القمّي.

................ د. هاشم جعفر حسين الموسوي ، الأستاذ أسعد عقيل شهاب المُحنّا ٨

* من خزائن الكتب الأحسائية خزانة آل زين الدين الأحسائي (١).

...................................................... الشيخ محمّد علي الحرز ٣١

* أدلّة جليّة في تصحيح نسبة (الفرائد البهيّة).

.................................... د. محمّد نوري الموسوي، د. نجلاء حميد مجيد ٩٢

* من معالم المنهج اللغوي في التفسير عند الشريف المرتضى قدس‌سره.

................................................. السيّد عبد الهادي الشريفي ١٢٥

٢

محرّم ـ ربيع الأوّل

١٤٤١ هـ

* (الفَوائِدُ الحِسانُ الغَرائِبُ) روايةُ (ابنِ الجندي) (٣٠٥ ـ ٣٩٦هـ) (٣).

................................................... الشيخ أمين حسين پوري ١٨١

* المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي (الحدائق والجواهر أنموذجاً) (٣).

...................................................... الشيخ مهدي البرهاني ٢٠٨

* من ذخائر التراث :

* خروج المقيم إلى ما دون المسافة للسيّد محمّد جواد العاملي (١١٥٠ ـ ١٢٢٦ هـ).

......................................... تحقيق : الشيخ محمّد محسن الجعفري ٢٤١

* من أنباء التراث.

.............................................................. هيئة التحرير ٣٠٣

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (خروج المقيم إلى ما دون المسافة للسيّد محمّد جواد العاملي (١١٥٠ ـ ١٢٢٦ هـ)) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

كلمة العـدد :

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً تأسّست مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث، ومنذ ذلك الحين تساهم في رفد التراث من خلال عطائها الفكري لخدمة الموروث العلمي لمدرسة آل البيت عليهم‌السلام ، فقد انفردت بمنهجها الجمعي المتميّز في تحقيق هذا التراث ؛ حيث أُنشئت في المؤسّسة لجان تخصّصية في مختلف العلوم الإسلامية لتتبنّى كلّ لجنة عملها في المجال الذي تختصّ به ولتدلوا بدلوها في إنجاز تحقيق الكتاب، حيث كان هذا أسلوباً مبتكراً في تحقيق أمّهات الكتب العلمية والمجاميع الحديثية إحياءً لهذه الآثار وتوثيقاً للمعلومة العلمية والنصوص التراثية، وقد أناخت أقلام النخبة من المحقّقين في هذه المؤسّسة لتتصدّى إلى تحقيق عيون التراث في مدرسة آل البيت عليهم‌السلام ، فعكفت هذه الأقلام على تحقيق مجموعة كبيرة من هذا التراث بعد أن عمدت إلى تحقيق الأهمّ منه وما لم يرَ النور، فكان نتاجها مجموعة من الأعمال التي تشهد لها الساحة العلمية بحِرَفيّة التحقيق في المجال العلمي، ولا زالت المؤسّسة ترعى شؤون التراث منذ تلك الحقبة إلى يومنا هذا، فكانت ولا زالت تحمل على عاتقها تلك المسؤولية لتحقيق تلك الأهداف.

٧

التخصيص بالنعت في كتاب

(كامل الزيارات)

لابن قولويه القمّي

د. هاشم جعفر حسين الموسوي

الأستاذ أسعد عقيل شهاب المُحنّا

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة :

هذا البحث يدرس الصفة كوسيلة من وسائل التخصيص ، ومفاد التخصيص إنّما هو عناية المتكلّم بمعنى يُرتّب عليه أجزاء الكلام على نمط معيّن وأدوات لغوية معلومة ، لينبّه أذهان المتلقّين على أنّ هذا المعنى له حظوة عنده.

ولمّا كان التخصيص بالنعت موضوع الدراسة في هذا البحث ؛ كان بدهياً أن تكون النكرات الموصوفة ميدان البحث الدلالي ؛ فيه ، وهو يحاول تلمّس أثر الصفة في تقييد عموم النكرة ودرجة ذلك التقييد التي يحدّدها السياق.

وكتاب كامل الزيارات لابن قولويه القمّي (ت : ٣٦٧ هـ) أرض خصبة لدراسة كهذه ؛ لأنّه من أقدم مصادر الحديث عند الإمامية وأوثقها سنداً ومضموناً.

٨

وكون كلام أهل بيت العصمة مادّة للدّراسة ؛ دافع كبير للباحث على التعمّق في التحليل ؛ لأنّه كلام معصوم ، مقصودة كلّ كلمة فيه. وقد دنت للباحث من هذا البحث قطوف منها : اكتساب الصفة المصدر التخصيص من موصوفها ؛ لتكون العلاقة بين الموصوف وصفته المصدر تبادل اختصاص.

توطئة :

النعت : «لفظ يتبع الاسم الموصوف ، تحليةً له ، وتخصيصاً ممّن له مثل اسمه ، بذكر معنىً في الموصوف ، أو في شيء من سببه» (١).

وهو حدّ دقيق العبارة كما نرى ، لا يبعد عنه ما نبّه عليه قول ابن يعيش في النعت إنّه : «لفظ يتبع الاسم الموصوف في إعرابه ؛ تحليةً وتخصيصاً له بذكر معنىً في الموصوف أو في شيء من سببه ، وذلك المعنى عرض للذّات لازم له» (٢). ولنا مع هذين الحدّين ثلاث وقفات :

الأولى : بيان علاقة الموصوف بصفته ، وهي علاقة الجوهر بعرضه اللازم له ، كما مرّ في قول ابن يعيش قبل قليل ، وهذه الملازمة تعلّل تبعية الصفة موصوفها في الإعراب ، ففي مثل قولهم : مررت برجل ظريف ، تابع النعت منعوته في الجرّ ؛ «لأنّهما كالاسم الواحد. وإنّما صارا كالاسم الواحد ؛ من قبل أنّك لم ترد الواحد من الرجال الذين كلّ واحد منهم رجل ، ولكنّك أردت الواحد من الرجال

__________________

(١) اللمع في العربية : ٨٢.

(٢) شرح المفصّل ٢ / ٢٣٢.

٩

الذين كلّ واحد منهم رجل ظريف» (١). وهذا بيان منطقي للملازمة وجهتها نضح به إناء سيبويه ، له أثره في التحليل واستنباط الدلالة كما سيأتي إن شاء اللّه.

والصفة لا تكون أخصّ من الموصوف (٢) ، فـ : (الجالس) أعمّ من (عليّ) في قولنا : سلّمت على عليّ الجالس ، وإنّما لم تخرج الصفة موصوفها إلى العموم على الرغم من كونها أعمّ منه ؛ لأنّ «هذا كان يكون واجباً لو ذُكر الوصف وحده» (٣). ذلك أنّ الوصف لو ذُكر وحده ، لكان أعمّ من الموصوف وحده ومن الموصوف وصفته مجتمعين (٤).

الثانية : بيان دلالة النعت وجهة الاحتياج إليه ، فظاهر هذين الحدّين أنّ أهمّ دلالة في النعت التخصيص ، ومعناه هنا التفريق بين المشتركات ؛ كما يظهر من صريح قول ابن جنّي في حدّه المذكور أوّلا : (وتخصيصاً ممّن له مثل اسمه). بل إنّ ابن السرّاج جعل هذه الدلالة حدّاً لنعت فقال : «والصفة : كلّ ما فرّق بين موصوفين مشتركين في اللّفظ» (٥).

والأصل في الصفة أن توصف بها النكرة لا المعرفة ؛ «لأنّ المعرفة كان حقّها أن تستغني بنفسها ، وإنّما عرض لها ضرب من التنكير فاحتيج إلى الصفة» (٦) ،

__________________

(١) المصدر نفسه ٣ / ٣٥٠.

(٢) ينظر : الأصول في النحو ٢ / ٣٣ ؛ الكناش ١ / ٢٢٧.

(٣) الأصول في النحو ٢ / ٣٣.

(٤) ينظر : الأصول في النحو ٢ / ٣٣.

(٥) المصدر نفسه ٢ / ٢٣.

(٦) المصدر نفسه ٢ / ٢٣.

١٠

لذلك قالوا إنّ غرض النعت «إزالة اشتراك عارض في المعرفة» (١) ، وهو المعبّر عنه بالتوضيح (٢).

على حين أنّ النكرة هي المستحقّة للصفات ؛ للتقرّب من المعارف ؛ وتقع بها حينئذ الفائدة ، فالصفة تقرّب النكرة من المعرفة ؛ بإفادتها إيّاها معنى التخصيص (٣) ، المفيد تقليل العموم وتقصير مداه (٤).

الثالثة : بيان نوعي النعت من حيث طبيعة العلاقة مع المنعوت ، فما كان متعلّقاً «بذكر معنىً في الموصوف» (٥) نفسه ؛ فهو النعت الحقيقي (٦). أمّا إذا تعلّق «في شيء من سببه» (٧) ؛ سمّي نعتاً سببيّاً (٨).

والكلام هنا على أربعة مطالب :

المطلب الأوّل : النعت بالمصدر :

ورد النعت مشتقّاً في كامل الزيارات ـ والكلام على نعت النكرة خاصّةً ـ

__________________

(١) شرح المفصّل ٢ / ٢٣٢.

(٢) ينظر : المصدر نفسه ٢ / ٢٣٣.

(٣) ينظر : المصدر نفسه ٢ / ٢٣٢ ؛ الكناش ١ / ٢٢٤.

(٤) يُنظر : شرح المفصّل ٢ / ٢٣٣.

(٥) اللمع في العربية : ٨٢.

(٦) ينظر : اللمحة في شرح الملحة ٢ / ٧٢٧ ؛ شرح المكودي على الألفية : ٢١٢.

(٧) اللمع في العربية : ٨٢.

(٨) ينظر : توجيه اللمع : ٢٥٩.

١١

في مواضع عدّة ، ولم يأتِ مصدراً جامداً إلاّ نعتاً واحداً تكرّر ملازماً منعوته في سياق بيان أجر بعض الأعمال :

فها هي الصفة (عدل) تلازم موصوفها (إمام) ثلاث مرّات في حديث واحد يسأل أحدهم فيه الإمام الصادق عن شخوصه إلى حضرة سيّد الشهداء يوم عرفة ؛ لتعذّر وقوفه بعرفات يومها ، فيستحسن (صلوات اللّه عليه) عمله ويقول : «أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه‌السلام ، عارفاً بحقّه في غير يوم عيد ؛ كتب اللّه له عشرين حجّةً وعشرين عمرةً مبرورات متقبّلات ، وعشرين غزوةً مع نبي مرسل أو إمام عدل ، ومَن أتاه في يوم عيد ؛ كتب اللّه له مائة حجّة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبيٍّ مرسل أو إمام عدل ، ومَن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقّه ؛ كتب اللّه له ألف حجّة وألف عمرة متقبّلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل» (١).

والكلام في تحليل هذين المتلازمين مترابط ، يتطلّب تفقيراً لأجزائه كما يأتي :

١ ـ إنّ ثَمّة دلالةً تحملها ندرة الوصف بالمصدر في كامل الزيارات ، لا تتجلّى إلاّ بعد ملاحظة أقوال النحويّين في دلالة هذا الوصف.

٢ ـ إنّ للنحويّين كلاماً مهمّاً في دلالة الوصف بالمصدر ، خلاصته المبالغة وكون الوصف عين موصوفه (٢) ، من ذلك ما اختاره الرضي بعد نقله القول بحذف

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٦٩.

(٢) وكلِمات النحوِيّين هذِهِ نقلها الدكتور فاضل السامرّائِي ، ينظر : معاني النحو ٣ / ١٩٠ ـ ١٩١.

١٢

المضاف : «والأولى أن يقال : أطلق اسم الحدث على الفاعل والمفعول مبالغةً ، كأنّهما من كثرة الفعل تجسّماً منه» (١) ، وكأنّ الموصوف تشبّع بصفته ؛ حتّى صار «الموصوف ذلك المعنى ؛ لكثرة حصوله منه» (٢).

٣ ـ لا يتّضح معنى ما ذكره أهل النحو من تجسّد الصفة في موصوفها إذا كانت مصدراً ، إلاّ بالرجوع إلى ما ذكره ابن جنّي ؛ حين بيّن أنّه : «إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنّه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل ... وهذا معنىً لا تجده ولا تتمكّن منه مع الصفة الصريحة» (٣).

فالصفة تقدّم أنّها عَرَض في موصوفها ملازم له ؛ وإذا كان الوصف بالمصدر دالاًّ على شدّة ملازمة الصّفة موصوفها وتلبّس الأخير بها ؛ فليس ثَمّة فرق واسع بين الوصف بالمصدر والصفة الصريحة ؛ لما تقدّم من نزول الصفة والموصوف منزلة الشيء الواحد ، أمّا مع القول إنّ الوصف بالمصدر يكون حيث كان الموصوف مخلوقاً على ذاك الوصف مجبولا عليه ؛ فيتّضح حينئذ مدى الفرق بين الوصفين وسبب قلّة الوصف بالمصدر ، ولا سيّما في كامل الزيارات ؛ حيث كلام أهل البيت الذين لم يصفوا بالمصدر إلاّ حيث كان الموصوف مجبولا على صفته حقيقةً ، لا مبالغةً ولا تشبيهاً.

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية ٢ / ٢٩٤.

(٢) شرح المفصّل ٢ / ٢٣٧.

(٣) الخصائص ٣ / ٢٦٢.

١٣

٤ ـ وبذلك تتمحّض دلالة الوصف بالمصدر للاختصاص (١).

٥ ـ وبملاحظة ما تقدّم كلّه ، ولا سيّما ما مرّ في البندين السّابقين ؛ يتبيّن أنّ المفهوم من عبارة (إمام عدل) هو الإمام المعصوم ، وهي نتيجة تتّكئ على مقدّمات :

الأولى : سبق أنّ الصفة وموصوفها يُنَزّلان منزلة الشيء الواحد ؛ لأنّ الصفة عَرَض في الموصوف ملازم له ، فكيف إذا كان الوصف بالمصدر الذي تقدّم أنّه يكون حيث كان الموصوف مخلوقاً على صفته مجبولا عليها ؛ فـ : (إمام عدل) وصف يفهم منه الأئمّة الذين كلّ واحد منهم مخلوق على العدل مجبول عليه ، لا كلّ واحد من الأئمّة حلّ العدل فيهم بعد ترويض للنفس وإكراه لها عليه ؛ لأنّ الإنسان ميّال إلى الشرّ والظلم بطبعه ؛ وهو ما يفرضه عليه حبّ الذات ؛ فلا يكون محبّاً للخير والعدل إلاّ بعد ترويض النّفس وتقنين حبّه لذاته ؛ وهو ما يعني أنّه لا يكون مجبولا على الخير والعدل إلاّ من عصمه اللّه سبحانه.

الثانية : ما تقدّم يكشف بأتمّ الوضوح أنّ وصف النكرة بالمصدر أكثر تقريباً لها من المعرفة من وصفها بالصفة الصريحة ؛ لتمحّض الدلالة حينئذ على الاختصاص ؛ وقد تبيّن أنّ الوصف هنا خصّ موصوفه بدائرة معروفة هي دائرة العصمة المجبولة على الخير والعدل.

وواضح أنّ الوصف بالمصدر في هذا الحديث قد بلغ بموصوفه مرتبة

__________________

(١) ينظر : الكناش ١ / ٢٢٨.

١٤

التعريف ، ولم يبقَ ثَمّة فرق بين ورود هذا التعبير المعرفة نكرةً ووروده معرّف اللّفظ والمعنى ، إلاّ أنّ وروده معرّف اللّفظ والمعنى ؛ يحدّد شخص الإمام العدل ، أمّا فائدة وروده نكرةً ؛ فتعريف العنوان وشمول جميع أفراده المعيّنين المعروفين.

الثالثة : أنّ معنى العدل كوصف للإمام ، لا يتّضح حتّى يتّضح معنى ضدّه الظلم المنفي عن المتلبّس به أن يجعل إماماً ؛ وهو ما ورد تصريحاً في جواب اللّه تعالى نبيّه إبراهيم ، إذ قال له : (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِيْنَ) (١) ، وورد في التفسير أنّ الظلم في هذه الآية «يعمّ من ظلم نفسه بمخالفته للحقّ» (٢) ، وبذلك يشمل هذا الظلم : «مطلق من صدر عنه ظلم ما ، من شرك أو معصية ، وإن كان منه في برهة من عمره ، ثمّ تاب وصلح» (٣).

وعليه ؛ يتجاوز مفهوم العدل هنا عدم ظلم الرعية ، إلى معنىً أسبق تحقّقاً في النفس التي تنعم بعدالة صاحبها بتجنيبه إيّاها الشرك والمعصية ؛ وهو ما يعطي الغزوة وغيرها من العبادات معه بعداً روحيّاً يزيد من أجرها ؛ لما يمنحه عدم اقتراف الظلم من يقين يوقفه على ملكوت الأشياء (٤).

وإذا كان هذا الوصف قد أخرج موصوفه من عموم التنكير وبلغ به مرتبة التعريف ، فكذلك الموصوف ؛ له من قريب فضل اختصاص على صفته المصدر ؛

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) آلاء الرحمن في تفسير القرآن ١ / ١٢٤.

(٣) الميزان ١ / ١٧٤.

(٤) ينظر : المصدر نفسه ١ / ٢٧٣.

١٥

إذ بوجود الموصوف (إمام) ؛ تبيّن المحلّ الذي تكون صفة العدالة جوهراً فيه من ثلاثة وجوه متداخلة :

أوّلها : أنّه اختصّها بأن جُبل عليها وكانت سبباً في وجوده ، كما كان الكذب سبباً في وجود الدم على قميص نبي اللّه يوسف ، فجاء النعت مصدراً في قوله تعالى : (وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيْصِهِ بِدَم كَذِبْ) (١).

وثانيها : عدم افتراقهما بحال.

وثالثها : أنّ صفة العدالة بمفهومها القرآني المتقدّم اختصّت باختيارها شرطاً في موصوفها ؛ وبزوالها يرتفع الموصوف عن مسمّاه ، وبذلك يتبيّن أنّ العلاقة بين النعت المصدر ومنعوته تبادل اختصاص.

المطلب الثاني : النعت السببي :

لا يسمّى النعت سببيّاً إلاّ بدلالته على معنىً في شيء من سبب الموصوف يتعلّق به كما تقدّم ؛ وهذا يعني أنّ هذا القسم من النعت عامل ، معموله ذلك الشيء المتعلّق بالموصوف ، كما في قولنا : (حظيت بأستاذ غزير علمه) ، وإنّما تابعت هذه الصفة موصوفها في الإعراب «حتّى صارت كأنّها له ؛ لأنّك قد تضعها في موضع اسمه ، فيكون منصوباً ومجروراً ومرفوعاً ، والنعت لغيره» (٢) ، كما في : (مررت بزيد الكريم أبوه) ، إذ يمكن إحلال الصفة محلّ موصوفها فنقول : (مررت

__________________

(١) يوسف : ١٨.

(٢) كتاب سيبويه ٢ / ٢٢.

١٦

بالكريم أبوه) ، والحال أنّ من وقع عليه المرور غير صاحب الصفة ، وإذا أمكن أن تحلّ هذه الصفة محلّ موصوفها ، فحلولها محلّ صفته أخفّ وأيسر (١).

غير أنّه يمكن بتأمّل أمثلة النعت السببي تقسيمه إلى نوعين :

أحدهما : نوع يتعلّق بعين غير الموصوف مرتبطة به ، كما في قوله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها) (٢) ، فـ : (أهلها) متعلّق بالقرية ، لكنّه عين غير القرية خارجية علقته بها علقة السكن ، وهذا النوع لم يرد في كامل الزيارات ؛ فلا نطيل وقوفاً عنده.

والنوع الآخر : نوع يتعلّق بشيء في الموصوف غير خارج عنه ، كما في قوله تعالى : (قَالَ إِنَّهُ يَقُوْلُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءٌ فَاقِعٌ لّوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِيْنَ) (٣) ، فـ : (لونها) ليس عيناً غير الموصوف ، بل هو عَرَض فيه لا يفترق عنه.

والدلالة على التخصيص في هذا القسم الثاني تختلف عنها في الأوّل شيء اختلاف ، يتبيّن بتحليل مثاله الوارد في كامل الزيارات : إذ روي عن أحد أصحاب الإمام أبي عبد اللّه الصادق (صلوات اللّه عليه) أنّه قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك ، ما لمن زار قبر الحسين عليه‌السلام وصلّى عنده ركعتين؟ قال : كتبت له حجّة وعمرة. فقلت له : جعلت فداك ، وكذلك كلّ من أتى قبر إمام مفترض طاعته؟ قال : وكذلك كلّ من أتى قبر إمام مفترض

__________________

(١) يُنظر : المصدرُ نفسُه ٢ / ٢٢.

(٢) النساء : ٧٥.

(٣) البقرة : ٦٩.

١٧

طاعته» (١).

ومعلوم أنّ الصفة هنا تعلّقت بشيء هو من لوازم الموصوف ؛ فالطاعة صفة في الإمام مفترضة على الناس ؛ وهذا يعني أنّ الموصوف بالنعت السببي معموله في الدلالة الظاهرة ، وموصوفه في الدلالة العميقة ؛ وبذلك تتعمّق دلالته على التخصيص ، وكما يأتي :

١ ـ مرّ في كلام سيبويه أنّ الصفة وموصوفها يكونان كأنّهما اسم واحد ، وكذلك الشأن مع النعت السببي ؛ فـ : (إمام مفترض طاعته) خصّص الكلام بدائرة الأئمّة الذين كلّ إمام منهم افترضت طاعته ، وليس كلّ من تسمّى إماماً.

٢ ـ إنّ ما ذكر الآن يشير إلى تقريب النعت منعوته من التعريف ، بل إنّ الاستعانة بالسياق الخارجي تكشف عن بلوغ النعت بمنعوته مرتبةً أعلى من التخصيص ؛ بإيصاله منعوته إلى مستوىً من المعرفة ؛ ما دام الأئمّة المفترضة طاعتهم معيّنين معروفين.

٣ ـ إنّ دلالة هذا الوصف العميقة التي تجلّت في توجّه الصفة إلى موصوفها ؛ لكاشفة عن أنّ حذف الموصوف وإحلال الصفة محلّه غير مناسب هنا ؛ لما يتمخّض عنه من تعميم غير مراد في هذا الحديث.

وعدم المناسبة هذه تكون أكثر ظهوراً إذا بحثنا عن الدلالة المحورية في هذا التعبير : أهي في (مفترض طاعته)؟ ـ وغير خاف ما يضفيه هذا الوصف من

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٦٠.

١٨

تخصيص على موصوفه ـ أم هي في (إمام) الموصوف الذي ما علم تخصيص الكلام بالأئمّة لولاه؟

المطلب الثالث : النعت بالجملة :

من أحكام النعت بالجملة أن ترد الجملة بعد النكرة ، لأنّها تؤوّل بنكرة (١). ولكي يتاح لها الإعراب صفةً ؛ لا بدّ لها أن تشتمل على ضمير يعود على المنعوت ، ظاهراً أو مقدّراً أوّلا ، وأن تكون خبرية ثانياً (٢). ولم يكن قليلا حضور الجملة صفةً في كامل الزيارات ، ولا سيّما الجملة الفعلية.

(أ) النعت بالجملة الاسمية :

حين يكون مبتدأ الجملة اسماً تسمّى اسمية ، وإذا كانت الجملة اسمية ؛ كان لدلالتها أن تقتصر في الأصل على ثبوت المسند للمسند إليه فحسب ، ولا تتعدّى ذلك إلى الدلالة على الحدوث أو الاستمرار (٣).

وفي كامل الزيارات مقطع دعائي في زيارة من زيارات سيّد الشهداء طويلة ، أتى الوصف بالجملة الاسمية فيه دالاًّ على ثبوت المسند للمسند إليه بعيداً عن الدلالة على الحدوث ، جاء فيه : «وقد أمهلت الذين اجترؤوا عليك وعلى

__________________

(١) ينظر : شرح الكافية الشافية ٣ / ١١٥٩ ؛ اللمحة في شرح الملحة ٢ / ٧٣٠ ؛ معاني النحو ٣ / ١٩٢.

(٢) ينظر : شرح التصريح ٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٣) ينظر : علم المعاني : ٤٨.

١٩

رسولك وحبيبك ، فأسكنتهم أرضك ، وغذوتهم بنعمتك ، إلى أجل هم بالغوه ، ووقت هم صائرون إليه ، ليستكملوا العمل الذي قدّرت ، والأجل الذي أجّلت ، لتخلّدهم في محطّ ووثاق ونار جهنّم وحميم وغسّاق» (١).

وهذا المقطع ورد في سياق ذكر ـ عظيم ـ ما أقدم عليه قتلة سبط رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ؛ والمفجوع الموجوع بما حلّ بإمامه ؛ يناسب حاله أن يذكر أنّ اللّه يمهل ولا يهمل ، ولاسيّما مع قتلة لم يرعوا لنبيّهم حرمةً تذكر.

ومثل هذا السياق يناسبه أن يتضمّن وصفاً يدلّ على ثبوت العذاب لمن أقدم على مثل تلك الجريمة ، ويتّضح ذلك في :

١ ـ تعبير (إِلَى أَجَل هُمْ بَالِغُوْهُ) :

فهنا موصوف نكرة خصّص بجملة اسمية وقعت صفةً له ؛ ليفيد دلالة مركبة من معنيين :

أحدهما : ثبوت المسند (بالغوه) للمسند إليه (هم) ثبوتاً حتميّاً ، وإن لم يعلموا أوانه.

والآخر : أنّ ثَمّة أجلا مخصوصاً بهم ؛ دلّ عليه وقوع (أجل) موصوفاً نكرةً يخصّصه الوصف ويقرّبه من المعرفة ، ولا يكتفي بتوضيحه ، كما في الموصوف المعرفة ، ولا ريب في أنّ مجيء صفته جملةً اسمية دالّة على الثبوت ؛ يعيّن ذلك الأجل ويخصّصه.

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٤٠ ـ ٢٤١.

٢٠