أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

في حديث فدك أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين قال لا قال فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة قال إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدعيه قال عليه‌السلام فإذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين على ما ادعوا عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادعيت عليهم الحديث ومنها موثقة يونس بن يعقوب في المرأة يموت قبل الرّجل والرّجل قبل المرأة قال عليه‌السلام ما كان من متاع النّساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرّجل فهو بينهما ومن استولى على شيء منه فهو له ولا ريب أنّ الاستيلاء على شيء إنّما يتحقق بإثبات اليد عليه فلا فرق بين متاع البيت وغيره مع عدم الفاصل بينهما ومنها رواية مسعدة بن صدقة وفيها كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل ثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة بناء على كون قوله هو لك صفة للشيء وقوله حلال خبر المبتداء وأمّا لو جعل ضمير هو للفصل والجار مع مجروره متعلقا بقوله حلال وهو خبر المبتداء فلا تكون الرّواية حينئذ دالة على اعتبار اليد أصلا وهو واضح إلى غير ذلك من الأخبار الثّاني أنّه لا إشكال في جريان القاعدة في الأموال وأمّا الأعراض كالمرأة إذا تنازع في زوجيتها رجلان مع كونها تحت يد أحدهما فقد انعقد الإجماع على اعتبار اليد فيها وأمّا الأنساب فلم أر مصرحا باعتبار اليد فيها سوى العلاّمة في قضاء القواعد على إشكال قال ولو تداعيا صبيّا وهو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد على إشكال نعم نقل ولده فخر الدّين في شرح كلام والده قولا بذلك قال اليد إمّا أن يكون عن التقاط أو لا والأوّل لا يقدم والثّاني إمّا أن يتقدّم استلحاق صاحب اليد فيقدم أو لا يتقدم فهل يقدم قيل نعم لأنّها أمارة دالة عليه ولأنه مدعى عليه وغيره مدع وقيل لا لأنّ اليد لا تأثير لها في النّسب في ترجيحه وإلاّ صحّ الثّاني انتهى ولعل مراد والده العلاّمة أيضا التّرجيح باليد لا استقلاله بإثبات النّسب لأنّ الإقرار بالبنوة لما كان معتبرا شرعا في ترتيب آثار الأبوة فيرجح إقرار ذي اليد بيده وهذا أيضا ظاهر كلام ولده كما لا يخفى وكيف كان فلا دليل على اليد في إثبات النّسب لأنّ الأخبار منساقة لبيان إفادة الملك في الأموال خاصّة فلا يشمل غيرها فلو فرض فيها إطلاق لا يشمل غيرها بقرينة السّياق نعم لإثبات الملك بها مراتب أحدها أن يراد بها إثبات الملكيّة في مقابل عدم القابليّة لها كما لو دار الأمر في صبيّ بين كونه حرّا أو عبدا فأريد نفي حرّيته بثبوت يد أحد عليه وثانيها أن يراد بها إثبات الملكية الفعلية بعد إحراز القابلية كما لو حاز أحد من المباحات شيئا وشك في قصده للتملك بناء على اشتراطه في تحقّق الملكيّة فأريد بها إثبات الملكيّة الفعلية لمالك معيّن بعد إحراز الفعلية أيضا كما إذا احتمل مال في يد أحد كونه سرقة أو مغصوبا وهذا هو المتيقن من إفادة اليد للملكية لكن كلمات الأصحاب كالأخبار عامة كيف لا وحكاية الشكّ في حرية الصّبي إجماعيّة بمعنى حكمهم بكونه عبدا بمجرّد اليد وعموم من استولى على شيء في الأخبار شامل للجميع فلا إشكال بحمد الله تعالى الثالث أنّه لا إشكال في إفادة اليد للملكية في الأعيان وفي إفادتها لها في المنافع وعدمها قولان اختار ثانيهما النّراقي والحق هو الأوّل لصدق اليد في المنافع أيضا مع إثبات اليد على العين فبإثبات اليد على الدابّة أو الدّار مثلا يصدق عرفا إثباتها على منافعها أيضا وإن كانت المنافع متجددة كلا أو بعضا بعد ذلك ولذا أجمعوا على وجوب دفع وجه الإجارة بمجرّد تسليم العين من الموجر وإن كان استيفاء منافعها متأخّرا عنه وكذا على ضمان المشتري لمنافع المبيع بالبيع الفاسد بمجرّد إثبات اليد منه عليه وإن لم يستوف المنافع بأن فاتت وهو في يده فالمناقشة تارة بأنّ المنافع غير موجودة حتّى يمكن إثبات اليد عليها وأخرى بأنّها متجدّدة آنا فآنا فمع تسليم صدق إثبات اليد عليها إنّما يصدق بالنسبة إلى المنافع المستوفاة الماضية دون المستقبلة كما صدر عن بعض المتأخرين ممّا لا يصغى إليه وقد أغرب النّراقي حيث نفي وجود مصرّح بالمسألة نفيا وإثباتا مع ما عرفت من الإجماع في بعض مواردها الرّابع أنّ مقتضى عموم من استولى على شيء في الأخبار المتقدّمة جريان قاعدة اليد في الحقوق المالية أيضا وإفادتها لاختصاص ذي اليد بها كالوقف والتحجير ونحوهما فلو كان شيء في يد أحد مدّعيا تولية عليه بإذن الواقف أو حاكم الشرع كما في الأوقاف العامة فبمجرّد ثبوت يده عليه يحكم باختصاصه به فيقدم قوله على قول من نازعه في ذلك عند عدم البينة للمنازع مضافا إلى الإجماع المدّعى فيه وكذا في ثبوت حق التحجير ونحوه الخامس أنّ اليد هل تفيد استقلال ذي اليد بكون جميع ما في يده ملكا له أو أن استقلال يده يفيد ذلك وثمرة الخلاف تظهر فيما لو تشاركت اليدان في شيء فعلى الأوّل تعارضت اليدان لإفادة كلّ واحدة منهما لاستقلال صاحبها بتمام ما في يده وعلى الثّاني يحكم بالتشريك لفرض عدم استقلال كلّ منهما بما في يده ولو كانت العين مغصوبة في يدهما فعلى الأوّل تخير المالك في تضمين كلّ منهما وكليهما بالمناصفة في المنافع الفائتة لإفادة اليد لاستقلال كلّ منهما كما حكي عن صاحب الجواهر وعلى الثّاني يضمنان له بالمناصفة والحقّ هو الأوّل لكن لا مطلقا بل مع انفراد ذي اليد بما فيها فهي إنّما تفيد الاستقلال مع انفراد ذيها بما فيها لا مطلقا فإفادتها لذلك مقيدة بما ذكرناه نظير تقيد إفادة الأمر للوجوب العيني مثلا بعدم القرينة على إرادة الوجوب الكفائي السّادس أنّه لا إشكال في إفادة اليد للملك بالنسبة إلى من عدا ذي اليد بمعنى جواز ترتيب الغير لآثار الملك على ما في يد غيره من جواز شرائه منه وتصرّفه فيه بإذنه ونحوهما وأمّا إفادتها لذلك بالنسبة إلى ذي اليد إذا شك في كون ما في يده ملكا له فربّما يستدلّ عليها بوجوه أحدها رواية مسعدة المتقدمة لعموم قوله عليه‌السلام فيها كلّ شيء لك حلال بل هي بقرينة ما ذكر فيها من الأمثلة صريحة في ذلك وثانيها عموم قوله عليه‌السلام في موثقة يونس المتقدّمة من استولى على شيء منه فهو له وثالثها صحيحة جميل بن صالح وفيها رجل وجد في بيته دينارا قال يدخل منزله غيره قلت نعم كثيرا قال هذه لقطة قلت فرجل وجد في صندوقه دينارا قال فيدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا قلت لا قال فهو له هذا ويرد على الأوّل أوّلا منع دلالة رواية مسعدة على اعتبار اليد كما أشرنا إليه آنفا وثانيا أن ما ذكر فيها من الأمثلة لا دلالة

٥٤١

فيها على عروض الشكّ لذي اليد من حيث كون ما في يده ملكا له بل ظاهرها حصول الشكّ له في تملك المالك الأوّل الّذي انتقل ما في يده منه إليه بل من جملة الأمثلة المذكورة ما لا دخل لليد فيها كالمرأة تحتك لعلّها أختك أو رضيعتك لأنّ الحكم بالزّوجيّة فيه لأجل أصالة عدم كونها أختا أو رضيعة لا لليد بل الظاهر بقرينة قوله والأشياء كلّها على هذا بيان جواز العمل بالأصول والقواعد في الأشياء بحسب الموارد ما لم يثبت خلافها كما يشهد به اختلاف الأمثلة في ذلك ولعلّ الحكم بكون الثّوب للبائع الّذي اشتراه منه لأجل كونه متاعا من سوق المسلمين وفي مثال المرأة للاستصحاب وفي غيرهما لليد ونحوها وبالجملة أنّه لم يظهر ورود الرّواية لبيان قاعدة اليد ومع التسليم لم يظهر كون ذي اليد في الأمثلة المذكورة شاكا في تملك نفسه ابتداء إن لم نقل بظهورها في خلافه على ما عرفت وعلى الثّاني أنّ الظاهر أنّ المراد منه بيان أنّه إذ استولى الرّجل في حياته على شيء وكذا المرأة في حياتها على شيء أو هما في حياتهما على شيء فإذا شكّ الوارث بعد موت أحدهما أو كليهما في تملك المستولي لما في يده يحكم بتملك المستولي منفردا في الأوّلين وبالاشتراك في الثالث ولا دلالة فيه لعروض الشكّ للمستولي في تملك نفسه كما هو المدّعى ويرشد إليه رجوع ضمير منه إلى متاع البيت الّذي تستولي عليه المرأة أو الرّجل أو هما معا وعلى الثّالث أنّه على تقدير تسليم دلالة ذيل الرّواية على المدّعى فلا ريب أنّ صدرها مناف له لأنّ مقتضى صدرها عدم اعتبار اليد فيما شكّ ذو اليد في كون ما في يده ملكا له أو لغيره حيث حكم بكون ما وجده في بيته لقطة لا ملكا لصاحب البيت مع دخول غيره في منزله ولا ريب أنّ دخول غيره في منزله ولو كثيرا لا يصدم في كونه ذا يد على ما في بيته مع أنه قد حكم في ذيلها أيضا بكون ما في الصّندوق لصاحبه مع الشرط لا مطلقا ويمكن حمل ذيلها على بيان كون اليد في خصوص الصّندوق في البيت ونحوه ممّا لا يصل إليه أيدي الأغيار من الأسباب الشرعيّة المفيدة للملك كالبيع لا أمارة كاشفة عنه حتّى أنّه قد أفرط صاحب الرّياض فحكم بكون الموجود في الصندوق ملكا لصاحبه ولو مع العلم بخلافه وبكونه ملكا لغيره قال فقد يكون شيئا بعثه الله تعالى ورزقه إيّاه انتهى ولكنّ الالتزام به مشكل وعلى كلّ تقدير تخرج الرّواية من محلّ النّزاع ويمكن حمله على إرادة كون اليد أمارة الملك في مثل الصّندوق في البيت الّذي لا يصل إليه أيدي الأغيار غالبا أو فيه وفي نحوه ممّا يكون بمنزلته في عدم وصول الغير إليه غالبا وبالجملة فقد ظهر ممّا قدمناه عدم الدّليل على كون اليد أمارة للملك بالنّسبة إلى نفس ذي اليد وعدم الدّليل كاف في عدم اعتبارها بالنسبة إليه ويدل عليه أن موثقة عمار عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين دينارا مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع قال يسأل أهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت فإن لم يعرفوها قال يتصدّق لأن أمره بالسّؤال يدل على عدم جواز الرّفع من دونه فلو كانت اليد معتبرة لم يكن وجه لوجوب السّؤال ولا ريب في كون يد أهل البيت يدا على ما فيه ظاهرا وباطنا السّابع أنّه لا فرق في إفادة اليد للملك بين اليد الصّحيحة والباطلة لعموم الأدلة السّابقة فيحكم بكون الجلّ والسّرج واللّجام لغاصب الدّابة دون مالكها ولذا يحكم بكون لباس العبد المغصوب ونحوه للغاصب دون مالكه لأنّ إثبات اليد على الأصل إثبات لها على توابعه فيقدم قول الغاصب فيما ذكر عند المنازعة مع المالك بلا إشكال مع عدم تصديق العبد لمولاه ومعه أيضا على إشكال كما حكي عن العلامة ممّا عرفت من كون اليد على الأصل يدا على توابعه ومن عدم كون العبد كالدّابة لكون تصديقه لمولاه مزيلا لظهور اليد في تملكه لتوابعه فيشكل تقديم قول الغاصب حينئذ والله العالم الثّامن أنّ اليد أمارة الملك ابتداء لا استدامة بمعنى أنّه إذا كان شيء في يد زيد ولم نعلم بكونه ملكا له أو مغصوبا عنده يحكم بكونه ملكا له وأمّا إذا علمنا بكون يده يد عدوان ثمّ شككنا بعد مدّة في عروض التملّك له بسبب من الأسباب فلا يحكم عليه بذلك وكذا إذا علمنا أولا بكون يده يد أمانة أو وكالة أو نحوهما ثمّ إذا شكّ في حصول الملك له بأحد أسبابه فلا ظهور لمثل هذه اليد في حصوله إما لعدم شمول الأخبار المتقدّمة لها وإمّا لأن اليد السّابقة يخرجها من الظهور في الملك التّاسع أنّه يترتب على اعتبار اليد سوى إفادة الملك سواء كانت صحيحة أم باطلة أمران أحدهما جواز إقرار ذي اليد بما فيها لكلّ من أراد فإذا تنازع شخصان في عين مغصوبة في يد ثالث فيقدم قول من صدقه الغاصب والآخر اعتبار قول ذي اليد في باب الطّهارة والنّجاسة وإن كانت يده يد عدوان فيتبع إخباره بالنجاسة وإن علمنا بطهارته سابقا وكذا بالعكس والحكم في المقامين ثابت بالإجماع العاشر أن اليد لغة عضو مخصوص وقد عدل عن معناها اللّغوي في أغلب استعمالاتها الشرعيّة والعرفية فيقال رأيت الدّابة في يد فلان أو الدّار كانت في يد فلان أو نحو ذلك لعدم إرادة العضو المخصوص في هذه الاستعمالات يقينا وهل هذه الجملات حقائق عرفية كما يظهر من النراقي نظير ما ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله في مثل قولهم ضربت زيدا وقد ضرب بعض أعضائه وكتبت بيدي وقد كتب بأصابعه وسرت اليوم وقد سار معظمه أو لفظ اليد فيها مجاز مرسل باستعمالها في معنى التّصرف والسّلطنة لحصولهما بها غالبا من باب استعمال الملزوم في لازمه العرفي أو التجوّز إنّما هو في النسبة دون طرفيها فإضافة المال إلى اليد ونسبته إليها في قولك رأيت الدّابة في يد زيد من قبيل إضافة الشيء إلى ملزوم المضاف إليه الحقيقي لأن المضاف إليه الحقيقي هو التصرّف والسّلطنة لكن أضيف المال إلى ملزومه الّذي هو اليد بمعنى العضو الخاص توسعا ومجازا في النسبة وجوه أوجهها أوسطها الحادي عشر أنّه قد حكى بعض مشايخنا عن صاحب الجواهر سماعا منه في مجلس بحثه كون قاعدة اليد من جزئيات قاعدة حمل فعل المسلم على الصّحة وحينئذ يستغنى بأدلتها عن تجشم الاستدلال عليها بما تقدّم نعم تبقى ما تقدم من أدلّتها معاضدة لها ولكنّه خلاف ظاهر الفقهاء ولذا تمسّكوا بها في موارد لا مسرح لقاعدة الحمل على الصّحة فيها مثل حكم المشهور في اللقيط الميت ولو كان صبيّا بكون ما عليه من الثياب وما في حواليه من ثوب أو عصا أو نحوهما ملكا له لقاعدة اليد فالأظهر كونها بنفسها أمارة للملك منشؤها الغلبة إذ الغالب فيما في أيدي النّاس كونه ملكا لهم وقد أمضاها الشارع ويؤيّده قوله عليه‌السلام في رواية حفص لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق لأنّ منشأ اختلال سوقهم لو لا اعتبارها ما أشرنا إليه من كون الغالب فيما في أيديهم ملكا لهم المقام الثّاني في بيان حكم تعارضها مع الاستصحاب والحقّ تقدّمها عليه ويدلّ عليه بعد الإجماع أمران أحدهما

٥٤٢

أن الأقرب كون اعتبار الاستصحاب من باب التعبد في مورد الشكّ واعتبارها من باب الظنّ النّوعي لما عرفت أنّ منشأها الغلبة وقد أمضاها الشّارع فتكون حاكمة عليه نظير حكومة الأدلّة الاجتهاديّة على الأصول وثانيهما أنّه لو لا ما ذكرنا لزم إلغاؤها لوجود الاستصحاب على خلافها في موردها غالبا إذ الأصل عدم انتقال ما في يده إليه وإنّما قلنا غالبا إذ قد يتعارض الاستصحاب في موردها مع مثله فتبقى القاعدة سليمة من المعارض كما إذا علم إجمالا بحيازة أحد شخصين شيئا من المباحات وكان في يد أحدهما فبعد تعارض أصالة عدم حصول الملك لذي اليد بأصالة عدم حصوله لصاحبه تبقى القاعدة سليمة من المعارض ويبعد حمل الأخبار المتكاثرة المتقدّمة على بيان حكم مثل هذه الصّورة النّادرة فإن قلت إنّ غاية ما ذكرت من قضية لغوية القاعدة لو لا تقدّمها على الاستصحاب هو تقدمها على الاستصحاب العدم خاصّة وقد يعارضها الاستصحاب الوجودي الموافق لاستصحاب العدم كما إذا علمنا بكون شيء ملكا لزيد ثم رأيناه في يد عمرو ولم نعلم بكون يده صحيحة أو باطلة لأنّ استصحاب بقاء ملك زيد الموافق لاستصحاب عدم انتقاله إلى عمرو يعارض القاعدة قلت دليل اللغويّة لا يفرّق فيه بين الاستصحاب الوجودي والعدمي إذ مرجعه إلى دعوى أنّ اعتبار اليد وترتيب آثار الملك عليها على خلاف الأصل فلو لا تقدمها عليه لزم كونها لغوا سواء كان هذا الأصل هو الاستصحاب الوجودي أو العدمي مع أن تقدمها على العدمي في المثال يستلزم تقدمها على الوجودي أيضا لفرض توافق مودّاهما مضافا إلى ما في الدّليل الأوّل من الكفاية لحكومة الأمارات الاجتهاديّة على الأصول مطلقا سواء كانت وجودية أم عدمية فإن قلت إن كانت القاعدة من الأمارات الاجتهادية فما وجه تقديم البينة عليها قلت أولا أنّك قد عرفت أنّ اعتبار اليد من باب الغلبة وإمضاء الشارع لها والغلبة إنّما تفيد الظنّ بإلحاق المشكوك فيه بالغالب كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في بعض كلماته حيث لا أمارة على خلافها فإفادتها للظنّ مقيّدة بذلك وثانيا أنّ اليد وإن قلنا باعتبارها من باب الظنّ النّوعي إلاّ أنّها معتبرة في مورد الشكّ نظير الاستصحاب على القول باعتباره كذلك والبينة وإن كانت معتبرة في مقام الجهل بالواقع أيضا إلاّ أنّ الجهل ليس مأخوذا في موضوعها بل هي معتبرة في مقام الجهل من حيث تنزيل مودّاها منزلة الواقع لا من حيث ترتيب آثار الواقع على الموضوع المجهول الّذي قامت عليه البيّنة من حيث كونه مجهولا فالجهل مأخوذ في موضوع اليد من حيث كونه جزءا منه وإن آل أمرها إلى الظنّ بالواقع وفي البينة من باب المقارنة الاتفاقيّة فالبينة من حيث هي ناظرة إلى الواقع وكاشفة عنه واليد كاشفة عن الواقع في مورد الجهل فتكون حاكمة عليها نظير حكومتها على الاستصحاب على القول باعتباره من باب الظنّ النّوعي فإن قلت فما وجه تقديم جماعة كالشيخ والفاضلين اليد القديمة على الحادثة كما لو ادعى زيد ما في يد عمرو وعلمنا بكونه لزيد سابقا وليس ذلك إلا لتقديم الاستصحاب على اليد الحادثة قلت أولا نمنع ذلك لما عرفت من إفادة اليد للملك وحكومتها على الاستصحاب ولا يضرّ في ذلك مخالفة جماعة بعد ما ساعدنا الدّليل نعم لو علمنا باليد القديمة بإقرار ذي اليد الحادثة بذلك تقدم فيه اليد القديمة وذلك لأنّ العلم باليد القديمة تارة يحصل بإقراره وأخرى بقيام البيّنة عليه وثالثة بكون الحاكم عالما بالواقعة ففي الأوّل يقدم قول ذي اليد القديمة لأنّ ذي اليد الحادثة بإقراره بكون ما في يده ملكا لذي اليد القديمة في السّابق يصير مدعيا لانتقال ما في يده منه إليه بسبب شرعي فهو بذلك يصير مدّعيا وذو اليد القديمة منكرا فتقديم قوله حينئذ لقاعدة البينة على المدّعي واليمين على من أنكر لا لتقديم الاستصحاب على اليد وفي الأخيرين تقديم قول ذي اليد الحادثة لأنّ قيام البيّنة على ما ذكر أو علم الحاكم به لا يستلزم دعوى ذي اليد الحادثة لانتقال ما في يده منه إليه حتّى يصير بذلك مدعيا وهو منكرا فتبقى اليد على حالها من إفادة الملك فيقدم قوله حينئذ لذلك وثانيا أن المقصود في المقام بيان حكم تعارضهما في غير باب القضاء وقطع الخصومات فإذا كان شيء في يد زيد وعلمنا بكونه في يد عمرو في السّابق من دون منازع لزيد في ذلك يحكم بكونه له بلا خلاف وخلاف الجماعة فيه مع وجود المنازع لا ينافي نفي الخلاف عمّا ذكرناه ومن هنا يظهر أن خلافهم في المقام لا يصدم فيما ادعيناه من الإجماع في أوّل المسألة فإن قلت إنّهم قد أجمعوا على جواز كون الاستصحاب مستندا لشهادة البيّنة بخلاف اليد فإذا علمنا بكون شيء ملكا لزيد في السّابق جاز لنا أن نشهد بكونه له الآن بخلاف ما لو علمنا بكونه في يده في السّابق من دون علم بكونه ملكا له فلا يجوز لنا حينئذ أن نشهد به له كما سنشير إليه فلو كان الاستصحاب ضعيفا بالنسبة إليها على ما ذكرت من تقدمها عليه عند المعارضة فكيف صحّ كون الضعيف مستندا للشهادة دون القوي وأيضا قد حكموا بتقديم البيّنة على اليد سواء شهدت بالملك السّابق أو بالملك الفعلي استنادا إلى الاستصحاب سواء علم الحاكم بذلك أم لا قلت إن الوجه في تجويزهم لكون الاستصحاب مستندا للشّهادة هو لزوم إبطال الحقوق لولاه إذ لا سبيل إلى الشّهادة الفعلية غالبا إلاّ الاستصحاب فإذا علم بدين لزيد على عمرو أو بأمانة له عنده أو بكون هذا الملك له دونه إلى غير ذلك يحتمل الإبراء في الأوّل والأداء من دون اطلاع الشّاهد في الثّاني والنقل بأحد الأسباب النّاقلة في الثالث فلا سبيل إلى الشّهادة الفعلية إلاّ الاستصحاب ولا دليل على كون اليد السّابقة مستندا للشهادة الفعلية ولا غرو في تجويز كون الضعيف مستندا لها لوجود حكمة داعية إليه دون القوي بل يصير الضّعيف بذلك قويا والقوي ضعيفا وأمّا ما ذكرته من تقديم البينة المستندة إلى الاستصحاب على نفس اليد الموجودة ففيه أولا أن ذلك قد ثبت بالإجماع تعبدا وثانيا أنّ هذا ليس من باب تقديم إحدى الأمارتين على الأخرى عند التعارض حتّى يستلزم كون الاستصحاب أقوى من اليد بل ذلك لأجل عدم الاعتبار باليد هنا أصلا وتوضيحه أن الأيدي على أقسام منها يد الإنكار بمعنى أن يكون شيء في يد زيد مثلا وادّعاه عمرو وأنكر زيد عليه ذلك ولم تعلم اليد السّابقة على يد زيد أو علمت وكان ذو اليد السّابقة غير عمرو وهو ساكت عن الدّعوى ولا إشكال بل لا خلاف في الحكم به لزيد بمقتضى يده ما لم يقم عمرو بينة على دعواه ومنها يد من لا منازع له فيما في يده وإن علمت اليد السّابقة وهذه أيضا كالسّابقة في نفي الإشكال والخلاف في الحكم بما في يده له بل لا دخل في ذلك لليد لأن الحكم به له لأجل أنّ الدّعوى الّتي لا معارض لها مسموعة اتّفاقا وهذا باب واسع في الفقه يأتي في باب الوكالة والأنكحة وغيرهما فإذا ادعى أحد كونه وكيلا في البيع أو الشّراء أو المرأة خلوها من الزّوج وهكذا تسمع دعواه

٥٤٣

اتفاقا ومنها اليد المسبوقة بالعلم بكون ما في يده للمدّعي كما إذا كان شيء في يد زيد وعلمنا بكونه في السّابق لعمرو وادعاه عمرو وأنكره عليه زيد بأن ادعى كونه له فعلا دون عمرو من دون تعرض لكونه في السّابق لعمرو حتّى يكون بذلك مدعيا للانتقال منه إليه وعمرو منكرا للانتقال كي ينتزع المال من يده ويدفع إلى عمرو ويلزم بإقامة البيّنة على دعواه نظرا إلى أنّ مقتضى الأصل عدم الانتقال كما عرفت من عدم الاعتداد باليد في مثله ومحلّ الكلام في المقام هذا القسم الأخير وتقديم البيّنة المستندة إلى الاستصحاب على اليد الموجودة إنّما هو لعدم الدّليل على اعتبار مثل اليد المذكورة لا لتقديم الاستصحاب عليها وذلك لأنّك قد عرفت أنّ اعتبار اليد في إفادة الملك إنّما هو من باب الغلبة وإمضاء الشّارع لها تنزيلا للأخبار عليه لا على بيان اعتبار اليد تعبّدا ولا غلبة مع دعوى المالك السّابق في كونه لذي اليد الموجودة فينتفي مناط اعتبارها وإن أبيت عن تحقق الغلبة أو ادعيت أن الغلبة حكمة في الحكم لا علّة له فلا يجب اطرادها أو منعت هذا أيضا وادعيت كون اعتبارها من باب التعبّد المحض جمودا على ظاهر الأخبار نمنع شمول الرّوايات حينئذ للمقام لأنّ العمدة منها رواية حفص بن غياث المتقدّمة وتقريب دلالتها أنّ الإمام عليه‌السلام قد جوّز أن يشهد الرّجل بكون ما في يد آخر ملكا له بمجرّد رؤيته في يده مع احتمال كونه لغيره قال قلت فلعلّه لغيره قال ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه الحديث وهو بإطلاقه يشمل اليد الموجودة ولو مع دعوى المالك لبقاء ملكه فيصح لنا الحكم بكون ما في يده له ولو مع دعوى ذي اليد السّابقة وفيه أوّلا أنّ ظاهر الرّواية أو المتيقّن منها حكم الإمام عليه‌السلام بكون اليد أمارة للملك مع احتمال كونه لغير ذي اليد فيما لم يتعين الغير فلا يشمل صورة تعيّنه خصوصا مع كونه مدعيا له ولعلّ لعدم التعين مدخلا في الحكم وثانيا مع التّسليم نمنع صحّة الرّواية لأنّ في سندها محمّد بن قاسم الأصبهاني وسليمان بن داود المنقري وحفص بن غياث أمّا الأوّل فعن النّجاشي أنّه قال فيه إنّه غير مرضيّ وأمّا الثّاني فعن النّجاشي أنّه ليس بمتحقق لنا وعن ابن غضائري أنّه ضعيف جدّا لا يلتفت إليه يصنع كثيرا في المهمّات وأمّا الثالث ففي الخلاصة حفص بن غياث القاضي ولي القضاء لهارون وروى عن الصّادق عليه‌السلام وكان عاميّا وثالثا مع التّسليم بناء على ما هو الحقّ من أنّ المعتمد كون الرّواية موثوقا بها وإن لم تصح على اصطلاح المتأخرين ويكفي في وثاقتها وجودها في أحد الكتب الأربعة وهي مرويّة في الكافي والفقيه والتّهذيب أنّ قوله أرأيت إذا رأيت في يد رجل شيئا إلى آخره يحتمل وجوها أحدها أن يكون ذلك تقريرا من الإمام عليه‌السلام للسّائل على جواز الشّهادة بكون ما في يدي ذي اليد ملكا له من دون أن يكون ذلك في مقام التّنازع والخصومة والدّعوة إلى أداء الشهادة وفيه أنّه مخالف للأصول والقواعد لعدم الاعتداد بالشهادة في غير باب التنازع فتكون الرّواية حينئذ مطروحة من هذه الجهة وثانيها أن يكون تقريرا منه على جواز الشهادة وفي مقام التّسهيل وتسجيل الأمر بأن أشهد ذو اليد بما في يده لإثبات يده عند الحاكم ليحكم الحاكم بكونه ملكا له تسهيلا للأمر عند ظهور مدّع له لعدم جواز نقض حكم الحاكم وإن أقام المدّعي بعده بينة على دعواه وفيه مع كونه خلاف ظاهر الرّواية ومع عدم نهوض دليل على عدم جواز النقض للحكم الصّادر في غير مقام الدّعوى أنّ المشهور عدم صحّة مثل هذا الحكم وإن حكيت صحّته عن العلاّمة وبعض من تأخّر عنه فتكون الرّواية حينئذ مطروحة أيضا عند المشهور وثالثها أن يكون المقصود بيان جواز الشّهادة بالملك لبينة الداخل بمجرّد اليد في صورة تعارض البينتين فلا يكون للرواية حينئذ مدخل فيما نحن فيه من تقديم البينة المستندة إلى الاستصحاب على اليد الموجودة ورابعها أن يكون المقصود بيان جواز الشّهادة بالملك لذي اليد السّابقة بمجرّد اليد مع إنكار اللاحقة وفيه أنّ الرّواية حينئذ أيضا لا تدلّ على اعتبار اليد اللاحقة وخامسها أن يكون المقصود جواز إقامة الشهادة لذي اليد الموجودة بما في يده له مع العلم بكونه ملكا لمدعيه في السّابق وفيه أنّ الرّواية حينئذ تكون مخالفة للإجماع إذ مع اعتبار اليد يكون ذو اليد منكرا فلا تسمع منه إقامة البينة وبالجملة أنّه ليست في الرّواية على جميع الوجوه المذكورة دلالة على المدّعى ورابعا أنّ قوله عليه‌السلام ولو لا هذا لما قام للمسلمين سوق في موضع التعليل للحكم السّابق ويستفاد منه كلية كبرى مطوية وهي أنّ كلّما كان موجبا لاختلال أمور المسلمين لو لا اعتباره فهو حجّة فيدلّ التعليل بعمومه المستفاد منه على اعتبار الاستصحاب الّذي هو مستند الشهادة في مقابل اليد الموجودة في محلّ الفرض بمعنى عدم الاعتداد باليد الموجودة في مقابله لما عرفت من لزوم بطلان حقوق النّاس غالبا على تقدير عدم اعتباره وأمّا موثقة يونس فغاية ما يمكن أن يستدلّ بها على المقام من فقراتها هو عموم قوله عليه‌السلام من استولى على شيء منه فهو له وفيه أنّ ضمير منه عائد إلى متاع البيت وحاصله أن من استولى من الرّجل أو المرأة على شيء من أمتعة البيت فهو له ولا عموم فيه لصورة المنازعة على الوجه المفروض في المقام وأمّا قضية فدك فموردها وإن ناسب المقام لأنّ أبا بكر حيث طلب البيّنة من علي عليه‌السلام على تمليك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للفدك فاطمة عليها‌السلام مع كونها ذات يد زعما منه كون فدك صدقة للمسلمين لرواية رواها عن عائشة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نحن معاشر الأنبياء لا نورث فأنكر عليه‌السلام عليه ذلك بكونها ذات يد لا يطالب منها البيّنة وأظهر عليه‌السلام عليه أنّ الطريقة الموظفة من الشّارع أن يطالب البيّنة من المدّعي دون المنكر لأنّ إنكاره عليه‌السلام يدلّ على كون اليد مقدمة على الاستصحاب لمخالفة دعوى فاطمة لتمليك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للأصل إلا أنّك خبير بأن عليّا عليه‌السلام لم يكن في مقام إثبات الحقّ على الوجه الموظف شرعا لقطع المنازعة للمدّعي والمنكر بل كان غرضه التوصّل إلى حقّه بأيّ وجه اتّفق وإن كان على خلاف الطريقة المقرّرة من الشّارع لقطع الخصومة حيث كان أبو بكر وأصحابه في مقام التعصّب واللّجاج وكان قصدهم انتزاع يده من فدك عنادا ولم يكونوا عارفين بأسلوب الشّرع في قطع الخصومة فهو عليه‌السلام قد ألزم عليهم الحجّة تسجيلا للحقّ عليهم وإن لم يكن على الطّريق المقرّر لرفع الخصومة ولذا أنكر على أبي بكر مطالبته منه البينة مع إقراره بتملكه للفدك في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تسألني البيّنة على ما في يدي وقد تملّكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده الحديث إذ مقتضى قانون الشّرع أن يطالب البيّنة من علي عليه‌السلام لصيرورته مدعيا بعد إقراره بالتملك لأصالة عدمه فليس الوجه فيه إلاّ ما ذكرناه من كون المقصود هو التوصّل إلى الحقّ بأي وجه اتفق وأمّا رواية

٥٤٤

مسعدة فقد تقدّم الإشكال في عدّها في عداد أدلة القاعدة وقد ظهر من جميع ما قدمناه عدم قيام دليل على اعتبار اليد في مقابل البيّنة المستندة إلى الاستصحاب ولكن الإنصاف أن الالتزام به بعيد لأنّ مقتضاه أن يكون المنكر مطالبا بالبيّنة لأنّه إذا ادعى عمرو شيئا في يد زيد وكان ذلك ملكا لعمرو في السّابق فمطالبة الحاكم البيّنة من عمرو إن كان لعدم اعتبار يد زيد من حيث هي في هذا المورد لا لكونه منكرا ووظيفته اليمين دون البيّنة لزم مطالبة المنكر بالبيّنة لموافقة قول عمرو للاستصحاب بالفرض فيكون هو منكرا وزيد مدعيا وهو خلاف طريقة الفقهاء حيث يطالبون البيّنة من المدّعي واليمين من المنكر وتحقيق المقام أن يقال إنا قد أثبتنا بالإجماع والأخبار اعتبار اليد وإفادتها للملك مطلقا وكذا حكومتها على الاستصحاب كذلك ولكن قد خرج من ذلك بالإجماع ما لو ادعى أحد شيئا في يد حر مع العلم بسبق ملك المدّعي فإن مقتضى القاعدة حينئذ وإن كان عدم جواز شهادة البيّنة بالملك الفعلي للمدّعي استنادا إلى الاستصحاب لما عرفت من حكومة اليد عليه وكذا مقتضاها جواز ترتيب آثار الملك على ما في اليد من الحاكم والشّاهد وغيرهما قبل إقامة المدّعي بيّنة على دعواه إلا أنّ جواز الشهادة وعدم جواز ترتيب آثار الملك بعد إبراز المدعي لدعواه ولو قبل إقامة البيّنة خارجان من مقتضى القاعدة بالإجماع ولكن لا بدّ أن يقتصر فيه على مورد الإجماع وهو ما ذكرناه ولذا لا يجوز للشاهد والحاكم وغيرهما قبل إبراز المدعي لدعواه أن يتصرف في المال بدون إذن ذي اليد وإن أذن له المدعي ولا أن يكون وكيلا في بيعه أو شرائه أو نحو ذلك ويجوز ذلك بإذنه وأمّا بعد إبرازها فلا بد أن يبني على مقتضى الاستصحاب من علم بملك المدعي سابقا ولكن للتأمّل في هذا الإجماع مجال لمنع أبي الصّلاح من جواز الشهادة استنادا إلى الاستصحاب وفصل العلامة بين إفادة الاستصحاب للظنّ وعدمها فيجوز على الأوّل دون الثّاني وفصّل الشيخ الحرّ بوجه آخر ففي المختلف قال أبو الصّلاح وإذا كان الشّاهد عالما بتملك غيره دارا أو أرضا أو غير ذلك ثمّ رأى غيره متصرّفا فيها من غير منازعة من الأوّل ولا علم بإذن ولا مقتضى إباحة التّصرف من إجارة أو غير ذلك لم يجز له أن يشهد بتملكها لواحد منهما حتّى يعلم ما يقتضي ذلك في المستقبل وليس بجيد لأنّ العلم السّابق يستصحب حكمه إلى أن يعلم المزيل والتّصرف مع السّكوت لا يدلّ على الخروج عن الملكيّة بخلاف ما لو شاهد غيره متصرّفا في ملك بغير منازع ولم يعرف سبق ملك لأحد فيه فإن جماعة من أصحابنا جوّزوا أن يشهد بالملك المطلق وأمّا مع سبق يد الغير فلا وقال وإذا غاب العبد أو الأمة عن مالك لم يجز له أن يشهد ما كان يعلمه من الملك لهما إلاّ أن يعلم أنّ غيبته لإباق أو إذن المالك وليس بجيد كالأوّل نعم إن اعترضه شكّ في بقاء الملك لم يجز له أن يشهد بأنّ الآن ملكه بل أنّه كان ملكه في الماضي وكأنّ مقصوده ذلك وحينئذ يصحّ ما قاله رحمه‌الله انتهى وقال في الوسائل بعد ذكر رواية حفص ولا ينافي هذا ما سيأتي في الشهادات من جواز الشهادة بالاستصحاب لأنّ المفروض هنا عدم دعوى المتصرّف الملكية على أنّه لا منافاة في جواز الشهادة وعدم قبولها لمعارضة ما هو أقوى ولا في جوازها وعدم وجوب القضاء عليها انتهى وحاصل ما ذكره في الجمع بين الأخبار وجوه ثلاثة أحدها أنّ ما دلّ على جواز الشهادة استنادا إلى الاستصحاب مفروض إما فيما لم يكن هناك يد أصلا كما إذا كان المال في يد ثالث ينكر كونه ملكا للمتنازعين ولا ينسب الملك إلى نفسه ولا إلى غيره بأن يدعي الجهل ونفي كونه لهما أو فيما لم يدع ذو اليد ملكية ما في يده بل كان ساكتا عنه مع نفيه لتملك المدعي وما دل على إفادة اليد للملك مفروض فيما كان ذو اليد مدّعيا للملكيّة فتختلف الأخبار حينئذ بحسب المورد وثانيها أن يحمل ما دلّ على جواز الشهادة على إطلاقه إلاّ أنّه لا يجوز للحاكم قبولها لمعارضتها مع اليد الّتي هي أقوى منها وثالثها أن يجوز للحاكم قبولها إلاّ أنّه لا يجب على الحاكم القضاء بها وهذه الوجوه كقول العلاّمة وأبي الصّلاح وإن كانت ضعيفة جدا إلاّ أنّها توهن دعوى الإجماع المذكور ويمكن التفصيل بوجه آخر بأن يحمل ما دل على اعتبار اليد على غير صورة المنازعة مطلقا ويخصّ ما دلّ على جواز الشهادة بالاستصحاب بصورة وقوع المنازعة بمعنى جواز بناء الشّاهد في شهادته على الاستصحاب بعد وقوع المنازعة لا قبله والمسألة بعد لم تصف عن شوب إشكال لما عرفت من إمكان منع الإجماع نعم المتيقن كون ما ذكرنا مشهورا لا مجمعا عليه تتميم يشتمل على أمرين أحدهما أنّهم قد ذكروا أنّ الاستفاضة تثبت بها أمور منها الملك المطلق فإذا عارضها اليد كما إذا شاع واستفاض كون ما في يد زيد ملكا لعمرو فهل تقدم اليد أو الاستفاضة فيه احتمالان مقتضى القاعدة هو الأوّل لكن لا من حيث قوّة دلالتها وأظهريتها وإلا فالاستفاضة قد تفيد ظنّا أقوى منها بل من حيث أنّ الدّليل على اعتبار الاستفاضة هو الإجماع على اعتبارها في الأمور المذكورة وهو ممنوع في المقام لأنّ المتيقن منه مورد عدم معارضتها باليد والمراد بالأمور الباقية هو النسب والموت والوقف والنّكاح والعتق وولاية القاضي وثانيهما أنّ بمجرّد اليد هل تجوز الشهادة بالملك المطلق أم لا بد من العلم به والأقوى هو الأوّل وفاقا لجماعة خلافا للمشهور على ما حكي عنهم وتدلّ عليه رواية حفص بن غياث المتقدّمة وضعفها منجبر بعمل جماعة ووجودها في الكافي والفقيه والتهذيب ثم اعلم أنّ المصنف رحمه‌الله قد أشار إلى بيان تعارض الاستصحاب مع جملة من القواعد ومن جملة القواعد الّتي أهمل المصنف رحمه‌الله بيان حكمها هي قاعدتا الطّهارة والحلية والحقّ حكومة الاستصحاب عليها لأنّ الشارع إنّما حكم بطهارة ما لم تعلم نجاسته وبحليته ما لم تعلم حرمته واستصحاب النجاسة والحرمة علم شرعي فيكون رافعا لموضوعهما سيّما إذا قلنا بأن مرجع الطهارة والحلية إلى أصالة البراءة عن وجوب الاجتناب كما يقتضيه الاستدلال بالأخبار الواردة فيها في مسألة البراءة لورود الاستصحاب عليها إن قلنا باعتبارها من باب العقل وحكومته عليها إن قلنا باعتباره من باب الأخبار كما سيجيء إن شاء الله تعالى (قوله) وأمّا حكم المشهور إلخ دفع لتوهّم تقديم المشهور هنا الاستصحاب على اليد وحاصل الدّفع أن التقديم هنا للإقرار لا الاستصحاب (قوله) وإن جعلناه إلخ أي الاستصحاب (قوله) في أنّ أصالة الصّحة في العمل إلخ اعلم أنا إن قلنا باختصاص مورد قاعدة حمل فعل المسلم على الصّحة بفعل غير الحامل فالنّسبة بينها وبين قاعدة الشكّ بعد الفراغ هو التباين وإن قلنا بكونه أعمّ منه ومن فعل الحامل بناء على ما يظهر من بعضهم من شمول الأولى لفعله كما سيجيء في محلّه فالنّسبة بينهما بحسب المورد بالنسبة إلى فعل

٥٤٥

الحامل عموم من وجه لاختصاص الأولى بما كان الشكّ فيه في وجه الفعل وصفته أعني صحّته بعد إحراز وقوعه وعمومها لما كان الشكّ فيه قبل تجاوز المحلّ وبعده واختصاص الثانية بما كان الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ وعمومها لما كان الشكّ فيه في الصّفة أو الموصوف ففي مادة الاجتماع يحكم بالصّحّة من وجهين وتظهر الثمرة في مورد الاجتماع في المعاملات بناء على اختصاص الثّانية بالعبادات مطلقا أو في الجملة على الخلاف كما سيجيء فيحكم بالصّحة حينئذ لأجل القاعدة الأولى دون الثانية وقيل لا بدّ حينئذ من تخصيصها بصورة تجاوز المحلّ تخصيصا لها بمفهوم عمومات قاعدة الفراغ مثل قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء فإنّ عموم القاعدة الأولى يعم صورة تجاوز المحلّ وعدمه فيخصّص بمفهوم إذا خرجت وفيه إشكال بل منع لما تقرّر في محلّه من عدم جواز العمل بمفهوم الدّليل مع عدم العمل بمنطوقه والمقام من قبيل ذلك لفرض عدم العمل بقاعدة الفراغ في المعاملات (قوله) كما يشعر إلخ لأنّه بمنزلة العلّة وحاصلها أنّ الغالب في مورد القاعدة هو التفات الفاعل إلى فعله وصفته من الصّحة والفساد والعاقل الملتفت لا يتعمّد إلى ترك الفعل أو إلى إيقاعه على وجه الفساد مع كونه مطلوبا منه على وجه الصّحة(قوله) في مورد الاستصحاب إلخ لأنّ الشك في مورد القاعدة إما في صفة الفعل أو وقوعه والأصل عدم كلّ منهما فلو لم تكن القاعدة مقدّمة على الاستصحاب للغا اعتبارها ولعري عن الفائدة ويرشد إليه تقديمها عليه في مورد الأخبار الواردة في المقام (قوله) موقوف على ذكر الأخبار إلخ استدلّ عليه أيضا مضافا إلى الأخبار بوجوه أخر منها الإجماع في الجملة ومنها بناء العقلاء على الصّحة بعد تجاوز المحلّ ومنها ظهور حال العاقل المريد لإيقاع الفعل على وجه الصحّة كما أشار إليه فخر الدّين في الإيضاح في مسألة من شك في بعض أفعال الغسل قال إنّ الأصل في فعل العاقل المكلّف الّذي يقصد براءة ذمّته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفية والكميّة الصّحة انتهى ومنها الغلبة لأنّ الغالب في الأفعال الصحّة فتأمل جيدا(قوله) روى زرارة في الصّحيح إلخ قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة قال يمضي قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي قلت شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شكّ في الرّكوع وقد سجد قال يمضي على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ومثلها ما رواه الحلبي عن الصّادق عليه‌السلام وهي مرويّة في الفقيه إلاّ أنّ فيها وكلّ شيء شك فيه وقد دخل في حالة أخرى فليمض ولا يلتفت إلى الشكّ الحديث (قوله) وروى إسماعيل إلخ رواه عنه الشيخ في الحسن بمحمّد بن عيسى الأشعري (قوله) وفي الموثقة إلخ قيل رواه الشيخ في الصّحيح عن ابن بكير الثقة الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (قوله) وربّما يستفاد العموم إلخ إما من الأوليين فبتنقيح المناط وإلقاء خصوصية المحلّ واستفادة ورودهما لبيان إعطاء القاعدة وفيه نظر وإمّا من الثالثة فبتضمنها لما هو بمنزلة العلّة المنصوصة(قوله) ولعل المتتبع يعثر إلخ منها ما رواه في الفقيه عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال إن شك الرّجل بعد ما صلّى فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا وكان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ لم يعد الصّلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك وهي وإن كانت أخص من المدّعى لأجل اختصاص موردها بصورة اليقين بالإتمام حين العمل إلاّ أنّه يمكن إتمامها بعدم القول بالفصل وفيه نظر لأنّها بظاهرها إنّما تدل على اعتبار الشكّ السّاري لا قاعدة الفراغ وقد تقدّم الفرق بينهما في كلام المصنف رحمه‌الله ومنها ما في ذيل صحيحة زرارة فإذا قمت عن الوضوء وفرغت عنه وقد صرت في حال أخرى في الصّلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله لا شيء عليك ومنها ما رواه محمّد بن مسلم في الصّحيح عن الصّادق عليه‌السلام رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصّلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد(قوله) أمكن إرادة المعنى الظاهر إلخ لأنّه إذا أريد بالتجاوز في قوله عليه‌السلام كل شيء شك فيه وقد جاوزه هو التجاوز عن محلّ الشيء المشكوك فيه فهو لا ينافى كون المراد بالشكّ فيه الشكّ في وجوده دون صفته (قوله) لأنّ إرادة الأعمّ إلخ توضيحه أنّ الشكّ في الشيء تارة يطلق ويراد به كون الشيء مشكوكا فيه فيكون لفظ في حينئذ صلة لا ظرفا ويكون مؤداه الشكّ في وجوده وأخرى يراد به الشكّ الواقع في الشيء الموجود بأن كان لفظ في الشيء ظرفا مستقرّا متعلقا بأفعال العموم والمراد بوقوع الشكّ في الشيء الموجود وكونه ظرفا له تعلق الشكّ بما يعتبر فيه شطرا أو شرطا لأنّه مع الشكّ في بعض ما يعتبر في الشيء الموجود ينزل منزلة وقوعه فيه فيعبّر عنه بالشكّ في الشيء على أن يكون الظرف صفة الشكّ من باب المسامحة وهذان المعنيان لا تصحّ إرادتهما من كلام واحد إلاّ على القول بجواز استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد وهو ضعيف كما قرّر في محلّه وقد أورد عليه بعض مشايخنا بأن حمله على إرادة المعنى الأوّل لا ينافي شمول الأخبار لصورتي الشكّ في وجود شيء والشكّ في صفته أعني الصّحة فيما نحن فيه بناء على كون الشكّ في وجوده أعمّ من الشكّ في وجوده الواقعي والشّرعي لأن ما ليس بصحيح شرعا ليس بموجود كذلك فعلى التقديرين يصدق كون الشكّ في وجوده ويمكن دفعه بأنّ المنساق من الشكّ في الشيء هو الشكّ في وجوده الواقعي وحمله على المعنى الأعمّ يحتاج إلى قرينة فتأمل (قوله) من جهة قوله فامضه إلخ لأنّ وجوب البناء على وقوع الفعل على ما هو عليه في الواقع من الاشتمال على أجزائه وشرائطه ظاهر في اختصاص الحكم بصورة الشكّ في صحّة الفعل بعد إحراز وقوعه لا في نفس الوقوع (قوله) بل لا يصحّ ذلك إلخ لصراحتها في اعتبار كون الشكّ في بعض ما يعتبر في الوضوء شطرا أو شرطا فتكون صريحة في الشكّ في الصحّة ولكن قد يقال بأن ظاهرها فرض الشكّ في وجود ما يعتبر في الوضوء لا في صحّة الوضوء باعتبار بعض ما يعتبر فيه والفرق بينهما واضح وإن كان الأوّل مستلزما للثاني وحينئذ يتعين حملها على إرادة المعنى الأوّل اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ المراد بقوله إذا شككت في شيء من الوضوء هو الشكّ في صحّة الوضوء والتصريح بكون الشكّ في وجود بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا إنّما هو من جهة أنّ الشكّ لا بدّ أن يكون ناشئا من الشكّ في وجود بعض ما يعتبر فيه ويؤيّده رجوع الضمير في غيره إلى الوضوء دون المشكوك فيه كما سيجيء فإنّ اعتبار الدّخول في غير الوضوء يؤيّد كون المقصود بالشكّ المقصود بيان حكمه

٥٤٦

هو الشّكّ في صحّة الوضوء لا الشكّ في خصوص ما يعتبر فيه (قوله) إمكان تطبيق إلخ بأن يراد بقوله امضه كما هو هو البناء على وقوعه على نحو ما ينبغي أن يقع عليه لا البناء على كون الواقع واقعا على ما ينبغي أن يقع عليه (قوله) إنّ المراد بمحلّ الفعل إلخ هذا مبني على كفاية مجرّد التجاوز عن محلّ الفعل المشكوك في وجوده أو صحّته في عدم الاعتداد بالشّكّ وأمّا على القول باعتبار الدّخول في الغير فلا بدّ أن يكون هذا الغير مترتبا على المشكوك فيه بأن كانت مرتبته بعد مرتبته لأنّه مقتضى اعتبار التجاوز عنه والدّخول في غيره والترتب بالمعنى المذكور إمّا أن يكون شرعيّا كأفعال الصّلاة والطّهارات والحجّ ونحوها وإمّا أن يكون عاديا كاعتياد الاستبراء قبل الاستنجاء وإمّا أن يكون عقليّا كترتب الحرف السّاكن على المتحرك بأن شكّ حين التكلّم بالسّاكن في أنّه انتقل إليه من الحرف المتحرك قبله أو من متحرك آخر بدله فإذا شكّ في حال التكلّم بكاف كلمة أكبر في أنّه انتقل إليه من الهمزة المتحرّكة أو من متحرّك آخر بنى على الأوّل هذا والمتيقن من كلمات الأصحاب في جريان القاعدة هو ما كان الترتب فيه شرعيّا أو عقليّا ولكن إطلاق الأخبار يشمل الجميع ثمّ إنّ الترتب إمّا أن يكون وضعيّا بمعنى توقف صحّة الفعل الثّاني على الإتيان بالأوّل كما في أفعال الطّهارات والصّلاة وإمّا أن يكون تكليفيّا بأن يجب الإتيان بأحدهما قبل الآخر وإن صحّ مع التأخّر أيضا فثمرة التّأخير مجرّد حصول العصيان به في الإلزاميّات كأفعال منى في الحجّ لأنّ رمي الجمرة مثلا واجب قبل الحلق إلا أنّ العمل مع التأخير يقع صحيحا أيضا وكذا سجدتا السّهو بالنسبة إلى الفراغ من الصّلاة إذا وقع فيها ما يوجبهما ومثلهما الأذان والإقامة من المندوبات فإن مرتبتها متأخرة عن مرتبته في التكليف النّدبي وقد تضمن حكم الشكّ في الأذان بعد الدّخول في الإقامة صحيحتا زرارة والحلبي المتقدّمتان سابقا وإمّا أن يكون في الكمال بأن يتوقف كمال أحدهما على تقدم الآخر عليه كتوقف كمال قراءة القرآن على تقدم الطهارة والاستقبال وتوقف كمال الصّلاة على تقدّم الإقامة عليها وقد تضمنت الصّحيحتان حكم الشكّ في الإقامة فمع الشكّ في وقوع ما ينبغي تقدّمه يبنى على وقوعه والمتيقن من كلمات الأصحاب في جريان القاعدة هو الأوّل وإن كانت الأخبار تعم الجميع وهو أيضا ظاهر جماعة من المتأخرين ممّن التزم بعموم الأخبار ثمّ إنّ اعتبار الترتب فيما حصل الترتب فيه بين الفعلين بحسب الوضع أو العادة أو الكمال واضح وأمّا في غيره مثل ما لو شكّ في بعض حالاته في الإتيان بالصّلاة أو إحدى الطهارات أو غيرهما أو في إيقاعها على الوجه المأمور به فلا بدّ حينئذ من اعتبار الدّخول في الفعل الّذي اعتبر الشّارع عدمه في المشكوك فيه كالأكل والشّرب والمشي والنّوم ونحوها بالنسبة إلى الصّلاة فإن مرتبة هذه الأمور متأخرة عنها لأنّ المراد بالترتب كما عرفت مجرّد كون الفعل الّذي حصل الشكّ بعد الدخول فيه مما من شأنه أن يوقع بعد المشكوك فيه على بعض الوجوه فإذا اعتاد الإتيان بالصّلاة في أوّل وقتها فإذا شكّ في الإتيان بها بعد مضي الوقت المعتاد مع الاشتغال بما ينافيها لا يعتد بهذا الشكّ ويحكم بوقوعها(قوله) بحكم العقل إلخ يعني أن الابتداء بالسّاكن لما كان محالا عقلا فلازم هذا الحكم العقلي أن يكون محلّ الرّاء من كلمة أكبر قبل الفصل اليسير وأنت خبير بأنّ الرّاء في كلمة أكبر ليس بساكن لكونه متحرّكا بالضمّ إلاّ أن يريد به حال الوقف وكيف كان فالأولى التمثيل بكاف كلمة أكبر(قوله) إلاّ الأخير إلخ أي المحلّ العادي (قوله) ربّما يحتمل انصراف إلخ يمكن منع الانصراف لعدم المنشإ له لأنّ منشأه إمّا كثرة الاستعمال أو كثرة الوجود أو كمال بعض الأفراد وشيء منها غير متحقّق في المقام لأنّ صدق التجاوز والخروج والمضي بالتجاوز عن المحلّ الشّرعي والعقلي والعادي على حدّ سواء مضافا إلى منع كون الأخيرين منشأ للانصراف كما قرّر في محلّه (قوله) يوجب مخالفة إطلاقات إلخ فيه نظر لأنّه إن أراد بالإطلاقات إطلاق الأمر بالصلاة ونحوه فلا ريب في عدم تحقق الإطلاق مع الشكّ في الامتثال وكذلك إن أراد بها إطلاقات الإطاعة لعدم صحّة التمسّك بها مع الشّبهة في المصداق الخارجي فالمتعين حينئذ في الموارد المذكورة هو التمسّك بقاعدة الاشتغال (قوله) أيضا مشكل إلخ وجه الإشكال ما أشار إليه من أنّ العمل بعموم ما يستفاد من الرّواية يستلزم الالتزام بفروع يبعد التزام الفقيه به والأمر بالتّأمّل إشارة إلى الإشكال في مخالفة الرّواية وطرحها بمجرّد الاستبعاد المزبور(قوله) إن كان محقّقا للتجاوز إلخ توضيحه أن تحقق التجاوز عن المحلّ تارة يستند إلى الدّخول في الغير كما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام بعد الدّخول في الاستعاذة للقراءة من دون فصل طويل بحيث لو لم تسرع فيها كان محلّ التكبير باقيا وأخرى لا يستند إليه بأن يتحقق التجاوز قبل الدّخول في الغير ولو لأجل الفصل المعتد به بينهما وعلى الأوّل لا إشكال في عدم الاعتناء بالشكّ لكونه متيقنا من الأخبار الواردة في المقام وعلى الثّاني فيه إشكال وظاهر الصّحيحين اعتبار الدّخول في الغير وظاهر الموثق عدم اعتباره وممّا ذكرناه يندفع ما يتوهم من العبارة من كون ظاهرها كون الدّخول في الغير أعمّ من التجاوز عن المحلّ وليس كذلك لكون الأمر بالعكس ووجه الاندفاع واضح ممّا ذكرناه (قوله) ويمكن حمل التقييد إلخ لا يخفى أنّه يمكن ترجيح الأخبار المطلقة بحمل الغير في الأخبار المقيّدة على مطلقه بأن يدعى أنّ تقييدها به إنّما هو من جهة كون التجاوز عن المحلّ ملازما للدّخول في الغير لعدم خلو الشخص من جميع الأفعال بناء على تجدد الأكوان والتنافي بين الأخبار إنّما يتم إن كان المراد بالغير في الأخبار المقيدة خاصا لا مطلقا ولكن يدفعه أن ظاهر اعتبار الدّخول في الغير في الأخبار المقيدة في الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ كون المناط في الحكم هو الدّخول في الغير لا مطلق التجاوز عن الشيء وإناطة الحكم بالأول يرشد إلى كون المراد بالغير خاصا لا مطلقا ولكن يمكن أن يقال إن ذلك من النّكات البيانية الّتي تلاحظ في البلاغة لا في استنباط الأحكام الشّرعيّة من خطاباتها كيف ولو اعتبرت هذه النكات لزم القول باعتبار مفهوم الوصف أيضا لعدم قصوره في الإشعار بالعلية عمّا ذكر بل اعتبار هذه النّكات في كلام البلغاء أيضا ليس على وجه يكون مستندا للأحكام الشّرعية ولذا لا يعتبر مفهوم الوصف وإن كان واردا في الكلام المجيد أيضا فلا غرو حينئذ فيما عرفت من دعوى احتمال كون التقييد بالدّخول في الغير لأجل كون التجاوز عن المشكوك فيه ملازما له لا لأجل كونه مناطا في الحكم سيّما في الكلام الّذي لم يرد لإظهار البلاغة وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ التنافي بين الأخبار المطلقة والمقيّدة إنّما هو على تقدير كون المراد بالغير خاصا لا مطلقا بأن لم يكن التجاوز عن المحلّ ملازما للدّخول في الغير وعلى تقديره لا بدّ من الجمع بينهما بأحد الوجهين اللّذين ذكرهما المصنف رحمه‌الله قدس‌سره (قوله) ويؤيّد الأوّل ظاهر التعليل إلخ لا يخفى أن مؤيّد كلّ منهما مبعد للآخر وبالعكس ووجه التّأييد بظاهر

٥٤٧

العلّة هو وجود العلّة مع التجاوز عن المحلّ مطلقا سواء دخل في الغير أم لا مضافا إلى أنّ الخبر المعلّل أقوى دلالة فيرجح على الخالي من التعليل في مقام التعارض ولذا عمل بما دلّ على عدم تنجس البئر بالملاقاة مطلقا وإن كان ماؤها قليلا معلّلا بأن لها مادة وإن كان الغالب فيها الكرية وإلى إمكان أن يكون قوله هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ واردا في مقام إمضاء طريقة العقلاء لا تأسيسا لحكم شرعيّ بأن كان المراد الإشارة إلى أنّ العاقل المريد للفعل لا يجز حينئذ من محلّه غالبا إلاّ بعد الإتيان به على وجهه كما أشار إليه فخر الدّين في الإيضاح كما تقدّم عند بيان الأدلّة على تأسيس القاعدة(قوله) على ما سيجيء إلخ في الموضع الرّابع (قوله) بملاحظة مقام التحديد إلخ يعني من الإمام عليه‌السلام لفرض عدم سبق سؤال في صحيحة إسماعيل بخلاف صحيحة زرارة ولذا ترك الاستدلال بالثانية(قوله) بمفهوم الرّواية إلخ أي بمفهوم القيد المذكور في الرّواية المذكورة من قوله بعد ما قام بعد قوله إن شك في السّجود فإنّ الغير الذي يعتبر الدّخول فيه يشمل بعمومه النهوض من السّجود إلى القيام ومفهوم القيد مخرج له من العموم هذا توضيح ما توهمه بعض المتأخرين (قوله) فالأولى أن يجعل هذا كاشفا إلخ اعلم أنّ ما يناسب المقام هو الكلام في مقامين أحدهما تعيين المراد بالغير الذي اعتبر الدّخول فيه في الأخبار في عدم الاعتناء بالشكّ وكذا بمحلّ المشكوك فيه الّذي ينبئ عنه التعبير بالخروج والمضي والتجاوز فيها وثانيهما بيان حكم مقدمات الأفعال من حيث اندراجها تحت عموم القاعدة وعدمه أمّا المقام الأوّل فاعلم أنه نسب إلى العلامة في بعض أقواله والشيخ في النهاية أنّ المراد بالغير الذي يعتبر الدّخول فيه هو الجزء الركني فمحل الشكّ في تكبيرة الإحرام باق إلى حدّ الرّكوع وفيه إلى السّجود وفيه إلى حدّ الرّكوع في الرّكعة الثانية فإذا شكّ في التكبير في حال القراءة أو فيها قبل الرّكوع أو فيه قبل السّجود أو فيه قبل الرّكوع في الرّكعة الثّانية يبني على عدم وقوع المشكوك فيه أو صحّته فيأتي به على وجه الصّحة بخلاف ما إذا شكّ في الأوّل في حال الرّكوع وفي الثّاني في حال السّجود وفي الثّالث في حال الركوع في الثانية فيبني حينئذ على الوقوع إن كان الشكّ فيه وعلى الصّحة إن كان الشكّ فيها وحينئذ يتحد محل الشكّ مع محلّ السّهو حيث يجب على السّاهي أيضا الإتيان بما سها عنه قبل الدّخول في الأركان لا بعده والمشهور أنّ المراد بالغير هو الأفعال المستقلة في مقابل المشكوك فيه المعنونة في الفقه كالقراءة والرّكوع والسّجود والتشهد والقيام دون مقدّماتها كرفع الرأس من السّجود والنّهوض للقيام والانحناء للرّكوع ونحوها فإذا شكّ في التّكبير بعد الدّخول في القراءة يبني على وقوعه لا قبلها والمحقّق الأردبيلي بعد أن نقل عن الشّهيد الثّاني عدم الالتفات إلى الشّكّ بعد الدّخول في الأفعال المذكورة إلاّ فيما إذا شكّ في الحمد بعد الدّخول في السّورة فيعيد وفاقا للشيخ استنادا إلى اتحاد محلّ القراءتين وطرحا للرّواية المعارضة بالضعف قال ما حاصله أنّ مقتضى عموم الأخبار مثل قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء هو عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدّخول في الغير مطلقا حتّى إذا شكّ في الحمد بعد الدّخول في السّورة بل في الآية بعد الدّخول في الأخرى بل في كلمة بعد الشّروع في الأخرى فلا يجب العود لتحقّق مطلق الانتقال إلى الغير وقال في جملة كلام له في المقام وبالجملة كلامهم أيضا لا يخلو عن اضطراب فإنّه يفهم تارة اعتبار جزء عمدة مثل الرّكن وتارة الاكتفاء بجزء في الجملة فكأنّهم نظروا إلى عرف الفقهاء وما يعدّونه جزءا فالقراءة مثلا شيء واحد فتأمل فإنّه أيضا مجمل وأنّه لا يتم في كلّ الرّوايات والمسائل ولا عرف في ذلك ويمكن الصّدق بأنّ هذا محلّ السّورة والفاتحة بل محلّ الآية وغير ذلك ويدلّ على اعتبار ذلك صحيحة معاوية المتقدّمة فتأمل فإن العمل به غير بعيد للأخبار السّابقة الظاهرة انتهى وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ المسألة ثلاثية الأقوال وأوّل من أخذ في الاعتراض على المشهور هو المحقّق المذكور ولله دره إذ كم من مزايا في الزوايا مستورة عن المحققين محجوبة عن المضطلعين نبّههم عليها بكشف حجابها وأرشدهم إليها برفع نقابها فطلعت عن أفق الخمول في زيّ القبول فشكر الله سعيه ثمّ إنّه لا إشكال في مساعدة عموم الأخبار لما ذكره المحقّق المذكور فالعمدة في المقام بيان ما يصلح أن يكون مستندا للمشهور لما عرفت من عدم مساعدة عموم الأخبار لما ذكروه وهو يتوقف على بيان المراد بالشكّ في الشيء والتجاوز والمضي والخروج منه على ما تضمّنه الأخبار وقد أعطى المصنّف قدس‌سره تحقيق الكلام في ذلك في الموضع الأوّل والثّاني حقه بما لا مزيد عليه فلا جدوى لإطالة الكلام فيه وقد ذكر في الموضع الثّاني أنّ محلّ المشكوك في وجوده مرتبته المقررة له شرعا أو عقلا أو عادة وموضعه الّذي لو أتي به فيه لم يلزم منه اختلال في النّظم والترتيب المقرّر وهذا المحلّ والموضع عند الشيخ والعلامة في بعض أقواله ما بين الأركان في الصّلاة وهو محلّ النّسيان لأنّه إذا نسي بعض الأجزاء وتذكره بعد الدّخول في ركن آخر فإذا بنى على تدارك المنسي فلا يخلو إمّا أن يتداركه مع تدارك الرّكن الّذي تذكره فيه بعده وإمّا أن يتداركه من دون تدارك الرّكن بعده فعلى الأوّل تلزم زيادة الرّكن وعلى الثّاني يلزم الإخلال بالنظم المعتبر شرعا فلا بد حينئذ إمّا أن لا يلتفت إلى المنسي كما إذا كان المنسي غير ركن وإمّا أن يبني على بطلان الصّلاة كما إذا كان المنسي ركنا وعلى قياسه الكلام فيما نحن فيه فمحلّ المشكوك فيه أيضا ما بين الأركان فإن شكّ في جزء قبل الدّخول في ركن يلتفت إلى شكّه وإن شكّ فيه بعده لا يلتفت إليه ويبني على وقوعه إن كان الشكّ فيه وعلى صحته إن كان الشكّ فيها ولكنّك خبير بأنّ هذا الوجه مخالف لصريح الأخبار لأن مقتضاه كما عرفت وجوب الالتفات إلى الشكّ والعمل بمقتضى أصالة العدم فيما حصل الشكّ قبل الدّخول في ركن آخر وقد صرحت الأخبار بعدم الالتفات إلى الشكّ في الأذان بعد الدّخول في الإقامة وإلى الشكّ في السّجود بعد القيام وإن لم يركع وهو أيضا مخالف لما رواه الشيخ في الإستبصار عن عبد الرّحمن قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أهوى إلى السّجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع وبعد بطلان هذا القول فلا بدّ أن يكون المراد بمحلّ المشكوك فيه المرتبة المقرّرة للأجزاء والموضع الّذي يجب الإتيان بها فيه مع الالتفات وبالغير الّذي يعتبر الدّخول فيه هو الجزء الّذي يجب الإتيان به بعد محلّ المشكوك فيه وهذه الأجزاء ملحوظة على وجه الإطلاق عند المحقق الأردبيلي وبعناوينها المخصوصة المعنونة في الفقه على نحو ما تقدّم عند المشهور واحتج لمذهب المشهور بوجوه أحدها الأصل لأنّ مقتضاه البناء على عدم الإتيان بالمشكوك فيه ووجوب الإتيان به مطلقا وقد خرجنا من مقتضاه بأخبار الباب ولكن المتيقن منها هو عدم الاعتناء

٥٤٨

بالشكّ فيما حصل الشكّ بعد الدّخول في الأفعال الّتي لها عنوان خاص على نحو ما تقدّم وفيه ما عرفت من عموم الأخبار لكل جزء وفعل وإن كان بعض آية بل كلمة واحدة فهو إنّما يوافق مذهب الأردبيلي قدس‌سره لا مذهبهم وثانيها أخبار الباب ودلالتها من وجوه أحدها سؤال الرّاوي وتقرير الإمام عليه‌السلام كما في صحيحتي زرارة والحلبي حيث سألا عن الشكّ في الأذان بعد الدّخول في الإقامة وفي التكبير بعد الدّخول في القراءة وفي القراءة بعد الدّخول في الرّكوع وفيه بعد الدّخول في السّجود وفيه بعد القيام وهذه الأفعال كلّها ممّا له عنوان خاصّ في كلمات الأصحاب وحكم الإمام عليه‌السلام بالمضي بعد السّؤال عن كلّ واحد منها يدل على كون المراد بالعموم الّذي أسّسه الإمام عليه‌السلام بعد هذه الأسئلة هو العموم بالنّسبة إلى مثل هذه الأفعال لا مطلقا وثانيها تخصيص الإمام عليه‌السلام هذه الأفعال بالذّكر من دون سبق سؤال من الرّاوي في حسنة إسماعيل بن جابر فإنّه توطئة لبيان ضابط موارد القاعدة على نحو ما ذكره المصنف رحمه‌الله وثالثها التقييد بالخروج والدّخول والعطف يتم على بعض النّسخ في صحيحتي زرارة والحلبي إذ لو كان المراد بالدّخول في الغير هو الدّخول في مطلقه كما هو مقتضى مذهب الأردبيلي رحمه‌الله لزم إلغاء أكثر هذه القيود لفرض كون الخروج من محلّ فعل ملازما للدّخول في غيره لعدم خلو المكلّف من فعل في حال من حالاته بناء على تجدد الأكوان فيلغو قيد الدّخول والعطف بثم المفيد للتراخي والجواب أمّا عن الأوّل فبعدم الاعتداد بالتحديد الوارد في كلام الرّاوي ولذا قد ذكروا أنّ خصوصيّة السّؤال لا تخصّص عموم الجواب نعم يتم ذلك لو كان واردا في كلام الإمام عليه‌السلام والفرض خلافه وأمّا عن الثّاني فبأن غايته الدّلالة على خروج مقدّمات الأفعال من العموم على نحو ما ذكره المصنف رحمه‌الله وهو أخصّ من المدعى لأنّ المفروض على مذهب المشهور عدم جريان القاعدة فيما لو شكّ في بعض آية بعد الدّخول في بعض آخر وهو لا يثبته نعم يبقى الإشكال في عدم تعرض الإمام في حسنة إسماعيل لصورة الشكّ في الرّكوع بعد أن قام عنه فإن القيام من أفعال الصّلاة أيضا بل قيل بكونه ركنا فإنّه يوهن كون المراد منها بيان خروج المقدّمات من العموم كما أنّه يوهن كون المراد تحديد مورد القاعدة على ما يوافق المشهور وإلاّ كان عليه التعرّض للصّورة المفروضة لما عرفت من كون القيام من الأفعال أيضا وانتظر لتمام الكلام في ذلك في المقام الثّاني وأمّا عن الثّالث فبأنّه إنّما يتجه لو كان المراد بالغير مطلقه وليس كذلك بل المراد به ما يترتّب على المشكوك فيه بالمعنى الّذي قدّمناه عند شرح قوله إنّ المراد بمحل الفعل المشكوك في وجوده إلى آخره لصحّة التقييد بالدّخول والعطف بثم على هذا التقدير وتوضيحه أنّ المراد بالغير يحتمل أن يكون مطلقه ويحتمل أن يكون ما كان مرتبا على المشكوك فيه بالمعنى الّذي أوضحناه هناك ويحتمل أن يكون ما كان من الأفعال المستقلة المعنونة في كلمات الأصحاب كما ذكره المشهور ولغوية قيدي الدّخول والعطف بثم إنّما يتم على الأوّل لكون كل واحد من الخروج والمضي والتجاوز ملازما حينئذ للدّخول في الغير كما أوضحناه عند شرح قوله ويمكن حمل التقييد في الصّحيحين إلى آخره ولكن لا يتعين به الثّالث لصحّة التقييد والعطف على الثّاني أيضا لحصول التّراخي غالبا حقيقة أو رتبة بين المشكوك فيه وما يترتب عليه على هذا التقدير أيضا نعم قد اتفق في باب الصّلاة كون الخروج من محلّ المشكوك فيه ملازما بحسب العادة للدّخول في غيره ومجرّد ذلك لا يوجب لغويّة أكثر القيود المذكورة بعد تعميم مورد القاعدة لغيرها نعم يتم ذلك لو اختصت بها وليس فليس وثالثها حصول التعارض بين مناطق أخبار الباب وو مفاهمها لو قلنا بعموم الغير الّذي يعتبر الدّخول فيه لكلّ فعل لأنّ مقتضى منطوق قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء هو عدم الاعتناء بالشكّ فيما لو حصل الشكّ بعد الدّخول في الغير ومفهومه الاعتناء به لو حصل قبله فإذا حصل الشكّ في آية من الفاتحة بعد الدّخول في أخرى أو في كلمة منها بعد الشّروع في أخرى فكما يتحقق الشكّ في وقوع الآية أو الكلمة السّابقة بعد الدّخول في غيرهما كذلك يحصل الشكّ في الفاتحة من حيث المجموع قبل الخروج منها لكون الشكّ في وقوع الجزء مستلزما للشكّ في صحّة الكلّ فمقتضى المنطوق هو البناء على وقوع الآية أو الكلمة المشكوك فيها ومقتضى المفهوم هو الالتفات إلى الشكّ الثّاني والإتيان بالمشكوك فيه لفرض عدم الانتقال عن الفاتحة ومع التعارض تعود الأخبار مجملة فيجب الرّجوع إلى مقتضى الأصل في غير مورد اليقين بجريان القاعدة ومقتضى الاستصحاب هو البناء على عدم الوقوع إلاّ فيما وقع الشكّ بعد الدّخول في الأفعال المستقلة المعنونة في كلمات الأصحاب لأنّ هذا هو المتيقن ممّا خرج من مقتضى الأصل والجواب أمّا أولا فبأنّ المنطوق أقوى دلالة فيقدم على المفهوم في مورد التّعارض وأمّا ثانيا فبأنّ الشكّ في صحّة مجموع الفاتحة مسبّب عن الشكّ في وقوع الآية أو الكلمة المشكوك فيها فبعد البناء على وقوعها يرتفع الشكّ في صحّة الفاتحة فيقدم جريانها في الجزء على جريانها في الكلّ لتقدّم الأصل في الشكّ السّببي عليه في الشكّ المسبّب وأمّا ثالثا فبلزوم التعارض على مذهب المشهور أيضا فيما لو شكّ في الرّكوع بعد الدّخول في السّجود مثلا لكون ذلك أيضا سببا للشكّ في صحّة الصّلاة من حيث المجموع ورابعها موثقة ابن أبي يعفور فإنّ ضمير في غيره فيها كما قرّره المصنف رحمه‌الله في الموضع الرّابع راجع إلى الوضوء دون المشكوك فيه من أجزاء الوضوء لئلاّ يلزم مخالفة الإجماع ومحصل قوله عليه‌السلام إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء أنّ الشكّ في شيء من أجزاء الوضوء إنّما لا يعتنى به إذا حصل الشكّ بعد الدّخول في فعل آخر غير الوضوء ومقتضى مفهومه الالتفات إليه إذا حصل الشكّ قبله سواء كان حصوله في أثناء الوضوء أو بعده قبل الدّخول في غير الوضوء وإذا لوحظ كون ذكر الوضوء من باب التوطئة وتحديد موارد القاعدة الّتي أشار إليها بعده بقوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه يستفاد منه أنّ كلّ مركّب ذي أجزاء إذا حصل الشكّ في بعض ما يعتبر فيه من أجزائه أو شرائطه إنّما لا يعتنى بهذا الشكّ إذا حصل بعد الدّخول في غيره وهو منطبق على مذهب المشهور في الأفعال المستقلّة المعنونة في كلمات الأصحاب لكون كلّ واحد منها مركّبا ذا أجزاء والجواب أنّ مقتضى الموثقة على التقرير المذكور لا ينطبق على شيء من مذهب المشهور وغيره بل ينطبق تارة على مذهب الأردبيلي وأخرى على مذهب المشهور وثالثة لا ينطبق على شيء منهما لأنّ الصّلاة بتمام أجزائها شيء واحد مركّب فإذا شكّ في بعض أجزائها قبل الفراغ منها فمقتضى التقريب المذكور في دلالة الموثقة هو الالتفات إلى هذا الشكّ حتّى لو شكّ في تكبيرة الإحرام في حال التّسليم لفرض حصوله قبل الفراغ من الصّلاة

٥٤٩

الّتي هي مركّب واحد وهو لا ينطبق على شيء من المذاهب حتى على مذهب الشّيخ والعلاّمة وإذا شكّ في آية بعد الدّخول في أخرى لا يجب الالتفات إلى هذا الشكّ لأنّ كلّ آية مركب ذو أجزاء وكذا الكلام في الكلمة الواحدة لأنّها أيضا مركبة من أحرف وهو ينطبق على مذهب الأردبيلي رحمه‌الله دون المشهور وإذا شك في الرّكوع بعد الدّخول في السّجود فهو ينطبق على المذاهب وبالجملة أنّه لا يمكن العمل بالموثقة على إطلاقها ولا تنزيلها على مذهب المشهور لعدم الدّليل عليه فتعود مجملة نعم يمكن توجيهها بما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في الموضع الرّابع فلا تغفل ومن التأمّل في جميع ما قدّمناه تظهر قوة قول المولى المقدّس الأردبيلي قدس‌سره فتدبّر وأمّا المقام الثّاني فاعلم أن ظاهر المصنف رحمه‌الله بل صريحه الميل إلى خروج مقدّمات أفعال الصّلاة من عموم القاعدة بمعنى عدم شمول القاعدة لها فيكون خروجها منها من باب التخصّص دون التّخصيص وربّما يظهر من بعض مشايخنا عموم القاعدة لها لأنّه إذا شكّ في السّجود في حال النّهوض صدق عليه أنّه شكّ في السّجود بعد الخروج منه والدّخول في غيره فبنى فيه على خروج ما أخرجه الدّليل وما ذكره المصنف رحمه‌الله لا يخلو من إشكال لأنّ حاصل ما ذكره أن حكم الإمام عليه‌السلام بالمضي عند الشكّ في الرّكوع بعد الدّخول في السّجود وفي السّجود بعد القيام إنما هو للتحديد وبيان ضابط ما يعتبر فيه الدّخول في الغير في مورد القاعدة الّتي أشار إليه بقوله كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ومقتضاه اختصاص القاعدة بغير مقدّمات أفعال الصّلاة وأنت خبير بأنّ العمدة في ذلك حسنة إسماعيل بن جابر لأنّ التحديد المستفاد من صحيحة زرارة إنّما هو مستفاد من كلام الرّاوي ولا اعتداد به كما أشرنا إليه وأمّا الحسنة فربّما يشكل الأمر فيها بأنّها لو وردت لبيان ضابط موارد القاعدة بمعنى خروج مقدّمات أفعال الصّلاة منها أشكل الأمر حينئذ في قوله إن شكّ في الرّكوع بعد ما سجد فليمض لأنّ الشكّ في الرّكوع تارة يحصل في حال القيام بأن يشك في حاله في أنّه ركع أم لا وأخرى في حال القيام بعد الرّكوع بأن يشكّ في حاله في صحّة ركوعه لأجل الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا بأن يشك في حصول الانحناء إلى الحدّ الشّرعي وعدمه أو نحو ذلك وثالثة في حال الهويّ إلى السّجود إمّا بأن يشكّ في انحنائه من القيام من دون ركوع وقيام بعده أصلا أو في صحة ركوعه مع العلم بحصول القيام بعده ورابعة في حال السّجود والصّورة الأخيرة مورد لمنطوق الرّواية وما عداها داخلة في مفهومها فلو كانت واردة لتحديد موارد القاعدة من حيث إخراج مقدّمات أفعال الصّلاة منها أشكل الأمر بالصّورة الثّانية وكذا الثالثة في الجملة لكون القيام بعد الرّكوع من أفعال الصّلاة بل قيل بكونه ركنا فإن قلت إنّ الشكّ في الشيء ظاهر في الشكّ في وجوده لا في صحّته كما قرّره المصنف رحمه‌الله في الموضع الأوّل فلا تشمل الرّواية بحسب مفهومها للصّورة الثّانية ولا للشقّ الثّاني من الصّورة الثالثة قلت مع التسليم إنّ الشك في صحّة شيء لا بدّ أن ينشأ من الشكّ في وجود ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا فالرّواية شاملة للشكّ في الصّحة بهذا الاعتبار كما هو صريح المصنف رحمه‌الله في الموضع الخامس ثمّ إنّ هذا الإشكال لا يختص بما اختاره المصنف رحمه‌الله من خروج مقدّمات أفعال الصّلاة من مورد القاعدة بل هو وارد على دعوى كون قوله عليه‌السلام إن شكّ في الرّكوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السّجود بعد ما قام فليمض واردا في مقام تحديد موارد القاعدة وضابطها سواء قلنا بأنّ الخارج هو مقدّمات أفعال الصّلاة أم قلنا بغير ذلك لكون الشكّ في صحّة الرّكوع في حال القيام بعده داخلا في مفهوم الرّواية ومقتضاه الالتفات إلى الشكّ حينئذ وهو مخالف للقاعدة سواء قلنا بخروج المقدّمات منها أم لا وسواء قلنا بمذهب الأردبيلي أم بمذهب المشهور ثمّ إنّ ثمرة القول بخروج مقدّمات أفعال الصّلاة من عموم القاعدة من باب التخصّص أو التخصيص إنّما تظهر في الحكم بخروج الجميع على الأوّل والاقتصار على ما أخرجه الدّليل على الثّاني وتفصيل الكلام على القول بكون مقدمات أفعال الصّلاة من باب التّخصيص الّذي مقتضاه عدم الالتفات إلى الشكّ فيما لو حصل الشكّ في بعض أفعالها بعد الدّخول في بعض مقدّمات أفعالها إلاّ ما دل الدّليل على وجوب الالتفات فيه أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على وجوب العود والعمل باستصحاب العدم إذا حصل الشكّ في السّجود في حال رفع الرّأس عنه أو النهوض للقيام مضافا إلى حسنة إسماعيل المتقدمة الدّالة على ذلك بمفهوم القيد في قوله عليه‌السلام وإن شكّ في السّجود بعد ما قام فليمض فإنا وإن لم نقل بمفهوم اللّقب من حيث هو إلاّ أنّه لا إشكال فيه فيما ورد منه في مقام التحديد بالتقريب الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله لا يقال تمكّن استفادة الحكم من مفهوم الشّرط أيضا لأنا نقول لا مفهوم للشّرط هنا لأنّه من قبيل قولك إن رزقت ولدا فاختنه وإن درست فاحفظه وإن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أو نحو ذلك ممّا ورد الشّرط فيه لبيان حال الموضوع لا لبيان انتفاء الحكم عند انتفاء شرطه كما قرّر في محلّه وإلى ما رواه الشيخ في الإستبصار عن عبد الرّحمن قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل رفع رأسه عن السّجود فشكّ قبل أن يستوي جالسا فلم يدر سجد أم لم يسجد قال يسجد قلت فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر سجد أم لم يسجد قال يسجد وهي صريحة في وجوب العود في حالتي رفع الرأس والنّهوض ولكن هذا مع عدم تخلل التّشهد بين السّجود المشكوك فيه والنّهوض كما في الرّكعة الأولى والثّالثة وأمّا إن شكّ في السّجود في حال النّهوض عن التشهد فالظّاهر بقاؤه تحت عموم القاعدة وعدم شمول الرّوايتين لهذه الصّورة لأن المنساق منهما ورودهما لبيان حكم مجرّد الشكّ المتعلّق بالسّجود في حال الشّروع في النّهوض أو الدّخول في القيام من دون التفات إلى تخلل التشهد بينهما والمتيقن منهما صورة عدم التخلل وهذا المعنى في الرّواية الثانية أظهر من الأولى من جهة سبق السّؤال فيها فإذا سألك العامي عن حكم من شكّ في السّجود في حال النّهوض قبل أن يستوي قائما هل يخطر ببالك صورة تخلّل التشهد بينهما أم بحسب بيان حكم صورة عدم التخلل لا يقال إطلاق الجواب كاف في المقام لأنا نقول لا إطلاق لقوله يسجد بحسب المفهوم وإنّما هو بحسب الأحوال والإطلاق بحسب الأحوال إنّما ينفع بالنسبة إلى الحالات الملازمة لذيها دائمة أو غالبة ولا شكّ أنّ الشكّ في السّجود في حال النّهوض غير ملازم لتخلل التشهد دائما ولا غالبا كما لا يخفى هذا كلّه مضافا إلى أنّه لو شكّ في السّجود بعد الشّروع في التشهّد لا يلتفت إليه لعموم القاعدة فإذا فرغ من التشهّد وشرع في النّهوض فبطريق أولى بل لو شكّ فيه بعد الدّخول في جلسة الاستراحة لم يلتفت إليه وإن كانت الجلسة مستحبّة وذلك

٥٥٠

بأن يجلس بعد السّجود معتقدا بكون جلوسه للاستراحة ثم شكّ في الإتيان بالسّجدة الثانية فلا يرد حينئذ أنّ هذه الجلسة لا تتعين كونها للاستراحة إلا بعد العلم بالإتيان بالسّجدة الثانية وإلا يحتمل كونها الطّمأنينة الواجبة بين السّجدتين فتأمل هذا وأمّا لو شكّ في التشهد في حال النّهوض فالظاهر بقاؤه أيضا تحت عموم القاعدة لعدم المخصّص له هنا أيضا وأمّا إذا شكّ في الرّكوع في حال الهوي للسّجود فالمشهور بين أساطين العلماء وجوب العود والإتيان بالرّكوع نظير الشكّ في السّجود في حال النّهوض للقيام استنادا أولا إلى حسنة إسماعيل المتقدّمة وثانيا إلى أنّ الحكم إذا ثبت في صورة الشكّ في السّجود في حال النّهوض للقيام بالرّوايتين المتقدمتين يثبت فيما نحن فيه أيضا بالإجماع لعدم الفاصل بينهما وفصّل بعضهم بين الصّورتين فحكم بعدم الالتفات إلى الشكّ هنا لعموم أخبار القاعدة وأجاب عن حسنة إسماعيل بمنع ورودها في مقام التحديد لعدم ظهورها فيه فتأمل وعدم المفهوم للشّرط أيضا كما تقدّم وعن رواية الإستبصار بمعارضتها بما رواه الشيخ فيه أيضا عن عبد الرّحمن قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أهوى إلى السّجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع والرّوايتان رواهما الشيخ عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام وبعد تعارضهما فإمّا ترجّح هذه لموافقتها للقاعدة إن قلنا بكون الأصل مرجحا أو يحكم بتساقطهما فيرجع إلى القاعدة إن قلنا بكونه مرجعا أقول وتحقيق المقام أن يقال إنّه إن ثبت الإجماع المذكور كما هو ظاهر صاحب الرّياض يتعين الحكم بوجوب العود والالتفات إلى الشكّ لأنّ تعارض الرّوايتين من قبيل تعارض الأظهر والظّاهر لأنّ رواية النّهوض للقيام أظهر بل نصّ في حصول الشكّ قبل القيام لقوله عليه‌السلام فشكّ قبل أن يستوي قائما بخلاف رواية الهويّ للسّجود فإنّ قوله رجل أهوى إلى السّجود فلم يدر أركع أم لم يركع محتملة لإرادة حصول الشكّ بعد الدّخول في السّجود وإن كانت ظاهرة في القبلية الّتي منعها صاحب الرّياض مدعيا ظهورها في الأوّل نظرا إلى اعتبار معنى الغاية في الرّواية المستفادة من كلمة إلى وكون أهوى بمعنى سقط لكنه فاسد إذ الظّاهر أن كلمة إلى فيها بمعنى الجانب وأهوى بمعنى أمال ويتعدى بالباء ويقال أهوى بيده إلى الشيء أي مدّها ليتناوله كما في المصباح ومعنى الرّواية أهوى بنفسه أي أمالها إلى جانب السّجود فلم يدر أركع أم لم يركع فالظاهر حينئذ وقوع الشكّ قبل السّجود سيّما بملاحظة العطف بالفاء المعقبة وأمّا كون أهوى بمعنى سقط فهو غير صحيح إذ هو بمعنى أمال وما هو بمعنى سقط هو هوى من دون ألف زائدة والموجود في الرّواية هو المزيد دون المجرّد وبالجملة فالظّاهر أنّ الرّواية ظاهرة في حصول الشكّ قبل السّجود ومع تعارض الأظهر والظاهر لا بد أن يرتكب التأويل في الظّاهر دون الأظهر فتحمل رواية الهوي إلى السّجود على صورة حصول الشكّ بعد الدّخول في السّجود حتّى يندفع التعارض المتراءى بينهما بواسطة الإجماع على عدم الفصل ومن هنا يظهر ضعف استدلال البعض بترجيح أحد المتعارضين أو الرّجوع إلى القاعدة بعد تساقطهما على ما تقدم وإن لم يثبت الإجماع المذكور يتعين الحكم بالمضي وعدم العود إلى الرّكوع لعدم تعارض الرّوايتين بأنفسهما لاختلاف موردهما بالفرض فيجب العمل بكل منهما في مورده لكون تعارضهما مسببا عن الإجماع المذكور وقد فرضنا عدمه فيكون الشكّ في الرّكوع في حال الهوي باقيا تحت عموم القاعدة سيّما إذا كان الهوي عن قيام يعني القيام الذي بعد الرّكوع لأنّه لو شكّ في الرّكوع بعد الدّخول في هذا القيام يجب البناء على وقوعه حتّى على مذهب المشهور لكون هذا القيام من الأفعال الواجبة المعنونة في كلمات الأصحاب بل قيل بركنيته فمع التجاوز عنه فأولى بعدم الالتفات إلى الشكّ في الرّكوع ويدلّ على عدم وجوب العود بعد الدّخول في القيام مضافا إلى عموم القاعدة خصوص ما رواه الشّيخ عن الفضيل قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أستتم قائما فلا أدري أركعت أم لا قال بلى ركعت فامض في صلاتك فإنّما ذلك من الشيطان ولا ينافيه ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رجل شكّ وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع قال يركع ويسجد وفي معناها غيرها لإجمال القيام في هذا الرّوايات لتردّده بين القيام المتّصل بالرّكوع والقيام الذي بعده فلا يتحقق حينئذ الدّخول في غيره فتنطبق هذه الأخبار على مفهوم عمومات القاعدة من قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء وهكذا بخلاف رواية أستتمّ قائما لظهورها في حصول الشكّ بعد رفع الرّأس عن الرّكوع فإن قلت كيف يتصوّر الشكّ في الرّكوع بعد القيام عنه لأنّ العلم بكونه قياما عن ركوع فرع العلم بتحقق الرّكوع فالقيام الّذي يشكّ في حاله مردّد بين القيام الّذي قبل الرّكوع وبعده ومن هنا يظهر ضعف فرض حصول الشكّ في الرّكوع في حال الهوي عن قيام مع فرض حصول العلم بكون هذا القيام هو الّذي بعد الرّكوع إذا شكّ في الرّكوع يوجب الشكّ في كونه القيام الّذي قبل الرّكوع أو بعده فلا وجه للتّأييد بهذه الصّورة لصورة الشكّ في حال الهويّ على ما ادعيت فلا بدّ حينئذ أن تحمل رواية أستتم قائما كما ارتكبه بعضهم على صورة اختلاف محلّ الرّكوع المشكوك فيه والقيام الّذي حصل الشكّ بعد الدّخول فيه بأن حصل الشكّ في ركوع الرّكعة الأولى بعد أن يستتم قائما في الرّكعة الثانية وهكذا لأنا نقول يمكن فرضه بحصول الشكّ في صحّة الرّكوع بسبب الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا مع العلم بوقوع أصله بأن شكّ في حال القيام أو الهوي في بلوغ انحنائه إلى الحدّ الّذي يعتبر في الرّكوع شرعا أعني بلوغ كفيه إلى ركبتيه أو نحو ذلك أو وجد نفسه قائما معتقدا بكونه عن ركوع ثم شكّ في هذه الحالة أو في حال الهويّ عنها في الرّكوع فلا وجه لتأويل الرّواية من دون صارف عن ظاهرها فتأمل ثمّ إنّ ما ذكرناه من وجوب العود إلى الرّكوع إذا شكّ في حال الهويّ إلى السّجود على تقدير ثبوت الإجماع المذكور إنّما هو في صورة حصول الشكّ في الرّكوع في حال الهوي إلى السّجود مع عدم العلم بحصول القيام الّذي بعد الرّكوع لأنّ هذا هو المتيقّن من الإجماع المذكور على تقدير ثبوته لعدم تعرضهم للتفصيل في الشكّ في الرّكوع في حال الهوي بين العلم بكونه عن القيام الّذي بعد الرّكوع وبين عدم العلم به ولا لاتحاد حكمهما ومع العلم بكونه عن القيام الّذي بعده فالمتّجه عدم وجوب العود للعمومات مضافا إلى شمول رواية عبد الرّحمن المتقدّمة له في رجل أهوى إلى السّجود فلم يدر أركع أم لم يركع ولا معارض لها هنا لعدم تحقّق عدم القول بالفصل هنا مضافا إلى الأولوية المتقدّمة فتلحض من

٥٥١

جميع ما قدّمناه أنّ الخارج من عموم القاعدة هي صورة حصول الشكّ في السّجود في حال النهوض للقيام من دون تخلل التشهد بينهما وظهر أيضا ضعف قول المشهور بخروج مقدّمات أفعال الصّلاة مطلقا من العموم إلاّ أن يكون نظرهم إلى الوجه الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله وبقي هنا شيء لا بدّ من التنبه عليه وهو أنّ القول بخروج مقدّمات الصّلاة من العموم ممّا يوهن القول بعموم القاعدة حتّى بالنسبة إلى المعاملات كما تقدّم لأنّه مع خروج مقدماتها منه مع ارتباطها بها وتخللها بينها وورود أغلب أخبار الباب في الصّلاة وبعضها في الطّهارات كيف يتعدى إلى الحجّ والزّكاة والخمس فضلا عن أبواب المعاملات والسّياسات لأنّ هذه المقدّمات لأجل ما ذكرناه أقرب اعتبارا إلى الاندراج تحت العموم من سائر الأفعال الأجنبيّة عن موارد العمومات وإن شئت قلت إنّ خروجها مستلزم لخروج غيرها بالأولويّة مع أنّ الأمر في خروج هذه المقدّمات من العموم على مذهب المشهور من اختصاصه بأفعال الصّلاة وعلى القول المختار وفاقا لبعض محققي المتأخرين من عموم القاعدة لكلّ باب دائر بين التخصيص والتخصّص والثّاني أولى لبقاء العموم حينئذ على حاله لأنّه على تقدير اختصاص مورد القاعدة بأفعال الصّلاة يكون المراد بالشيء أو الغير في أخبار القاعدة الأفعال المعهودة للصّلاة فيكون خروج المقدمات بحسب الموضوع وعلى التعميم بحسب الحكم ومقتضى أولويّة التخصّص على التخصيص عدم شمول القاعدة لما عدا باب الصّلاة أو هو مع أبواب الطهارات على ما سيجيء في كلام المصنف رحمه‌الله ولكنّ الجواب عن الأوّل مع ما عرفت من الإشكال في إخراج المقدمات مطلقا أو عدم الدّليل عليه بمنع الأولويّة المذكورة وما ذكر من الأولويّة الاعتباريّة غير مفيد في الأحكام المبتنية على التعبّد وعن الثّاني بأن أولوية التخصص على التّخصيص فرع ارتكاب التخصيص في لفظ الشيء والغير في الأخبار لأن حملهما على إرادة الأفعال المخصوصة أعني أفعال الصّلاة لا يتم إلاّ بذلك ولا أولويّة للتّخصص على هذا الوجه على التّخصيص وإن شئت قلت إنّ الشّكّ في كون خروج المقدّمات من باب التخصّص أو التخصيص مسبّب عن الشكّ في كون المراد بالشيء والغير في الأخبار أفعالا مخصوصة أو مطلقها فمع زوال الشكّ السّببي بعموم اللّفظ أو إطلاقه يرتفع الشكّ المسبّب كما قرّر في مسألة المزيل والمزال وإلاّ أشكل الأمر في جميع العمومات المخصّصة إذ مع حمل العموم على إرادة الأفراد المعهودة أعني ما عدا المخرج يلزم كونه من باب التخصّص ومع حمله على العموم يلزم كونه من باب التخصيص وطريق الإشكال في الجميع متحدة ولا إشكال بحمد الله تعالى (قوله) والأقوى اعتبار الدّخول في الغير إلخ ترجيحا للجمع الثّاني من حمل الأخبار المطلقة على الغالب ويدل عليه وجوه أحدها أنّ الأمر هنا دائر بين حمل المطلق على المقيّد وبين حمل التقييد على الغالب ولا ريب أنّ التصرّف في المطلق أولى نعم ربّما ينافره تعليل بعض الأخبار المطلقة بقوله هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ وثانيها أنّ الأخبار المطلقة وإن قويت دلالتها لأجل تضمّن بعضها التعليل المذكور إلاّ أن الأخبار المقيدة لأجل ورود القيود المأخوذة فيها في مقام التّحديد والتوطئة لبيان القاعدة أقوى منها دلالة كما هو واضح عند المتأمّل وثالثها قوّة الأخبار المقيّدة من حيث السّند لصحة جملة منها بخلاف مقابلتها(قوله) إلاّ أنّه يظهر من رواية ابن أبي يعفور إلخ لأنّ تعليل حكم الشكّ في بعض أجزاء الوضوء بقوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه يدلّ على كون حكمه منطبقا على قاعدة الفراغ وأنّ الشكّ في بعض أجزاء العمل كالوضوء ونحوه إنّما يلتفت إليه مع التّشاغل به وعدم الفراغ منه إذ لو كان حكم الوضوء خارجا من القاعدة لزم تعليل حكم فرد خارج من العام بنفس هذا العام ولا محصّل له أصلا(قوله) والقرينة على هذا الاعتبار إلخ يعني أن القرينة على اعتبار الشارع للوضوء شيئا واحدا فيما صدر عنه من الأخبار الكثيرة وقام على طبقها الإجماع هو جعل قاعدة الفراغ ضابطة لحكم الشكّ في بعض أجزائه قبل الفراغ منه وبعده لأنّه إذا كان حكم الشكّ في بعض أجزاء الوضوء هو الالتفات إلى الشكّ إذا حصل قبل الفراغ منه لا يتم جعل ضابطه مع ذلك قاعدة الفراغ إلاّ مع فرض الوضوء بتمام أجزائه شيئا واحدا (قوله) ذكر بعض الأساطين أنّ الشكّ إلخ توضيح المقام يحتاج إلى بسط في الكلام ليتضح به ما أجمله المصنّف من النقض والإبرام فنقول لا إشكال في شمول عمومات القاعدة للأفعال وفي شمولها للشّروط مطلقا سواء كانت من شرائط الصّلاة أم غيرها أقوال أشار إليها المصنف رحمه‌الله في طيّ كلماته أحدها نعم إن حصل الشكّ بعد الفراغ من العمل فيستأنفه مع إحراز الشّرط المشكوك فيه إن حصل في أثنائه والظّاهر كما هو المصرّح به في كلام بعضهم أنّه المشهور بين الأصحاب وثانيها المنع مطلقا سواء حصل الشكّ في أثناء العمل أو بعد الفراغ منه وهذا يظهر من صاحب المدارك والفاضل الهندي وفي كشف اللّثام بعد أن نقل عن العلاّمة في التحرير والتذكرة والمنتهى أنّه إن شكّ في أثناء الطّواف استأنفه مع الطهارة لأنّه شكّ في العبادة قبل تمامها لأنّ الشكّ في شرطها شكّ فيها وإن شكّ بعد الفراغ لا يلتفت إليه قال والوجه أنّه إن شكّ في الطّهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شكّ قبله أو بعده أو فيه وإن شكّ في نقضها بعد يقينها فهو متطهّر يصحّ طوافه مطلقا وإن تيقن الحدث والطهارة وشكّ في المتأخّر ففيه ما مرّ في كتاب الطهارة ولا يفرق الحال في شيء من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده وليس ذلك من الشّكّ في شيء من الأفعال انتهى ومثله في المدارك إلاّ أنّه لم يذكر صورة اليقين بالطهارة والحدث والشكّ في المتأخّر منهما ومراده بما مرّ في كتاب الطّهارة هو الحكم بكونه محدثا في الصّورة المفروضة وكيف كان فكلاهما صريحان في اعتبار الاستصحاب وإلغاء قاعدة الفراغ وثالثها القول بالموجب مطلقا حتّى إنّه لو شكّ في بعض الشّروط بعد أن تهيأ للدّخول في العمل لا يلتفت إليه فضلا عن الدّخول فيه أو الفراغ منه وهو محكي عن صاحب كشف الغطاء قال إنّ الشّكّ في الشّروط بالنسبة إلى الفراغ عن المشروط بل الدّخول فيه بل الكون على هيئة الدّاخل حكم الأجزاء في عدم الالتفات فلا اعتبار بالشكّ في الوقت والقبلة واللّباس والطهارة بأقسامها والاستقرار ونحوها بعد الدّخول في الغاية ولا فرق بين الوضوء وغيره انتهى ورابعها التفصيل بين الشّروط بأن الشرط المشكوك فيه إن أمكن إحرازه وتحصيله حين الشكّ في أثناء العمل كالسّتر والاستقبال والنيّة بالنّسبة إلى الصّلاة لا يلتفت إليه ويبني على وقوعه بالنّسبة إلى الأجزاء السّابقة ويجب إحرازه بالنّسبة إلى اللاحقة إن لم يكن حاصلا حين الشكّ وإن لم يمكن إحرازه حين الشكّ في الأثناء كالوضوء فإن محلّ إحرازه قبل الدّخول في الغاية من الصّلاة ونحوها يبني على وقوعه مطلقا حتّى بالنّسبة إلى الأجزاء اللاّحقة أيضا فيمضي على ما

٥٥٢

شكّ فيه ولا يجب إحرازه في الأثناء اختاره صاحب الجواهر ويمكن التّفصيل بوجه آخر بأن لا يعتبر الشكّ في الشّرط بالنسبة إلى مشروطه الّذي تهيأ للدّخول فيه أو شكّ في أثنائه بخلاف غيره من الغايات الأخر الّتي يريد الإتيان بها بعده فيجب الالتفات إليه والبناء على عدم وقوعه بالنسبة إليها فإذا شكّ في الطّهارة في حال تهيّئه للظّهر أو في أثنائها بنى على وقوعه فيمضي في الظّهر ويتطهّر للعصر أو غيرها من الغايات الأخر وصاحب كشف الغطاء مع اكتفائه بالتّهيؤ كما عرفت اكتفي بهذا الشّرط الثّابت بالقاعدة بالنّسبة إلى الغايات الأخر كما نقله عنه المصنف رحمه‌الله فيكون ما احتملناه تفصيلا بالنّسبة إلى هذا التّعميم والتحقيق ما اختاره المصنف من التفصيل بين الفراغ من المشروط فيلغو الشكّ بالنّسبة إلى شرطه وبين مشروط آخر بعده فيعتبر بالنّسبة إليه وتحقيقه يتوقّف على بيان محلّ الشّروط ومرتبتها حتّى يتفرع عليه معرفة تجاوز محلّها وعدمه لابتناء صدق الرّوايات على صدق تجاوز المحلّ للمشكوك فيه وعدمه فنقول إنّ جميع الأفعال لا تخلو إما أن يكون بعضها مقدّما على بعض آخر مع الاتّصال أو الانفصال وإمّا أن يكون أحدهما مقارنا للآخر بمعنى وجودهما في زمان واحد كالأكل ماشيا والشّرب قاعدا والشّروط بالنسبة إلى مشروطها من قبيل الثّاني لأنّ ما هو شرط من الطّهارة والاستقبال والسّتر والسّاتر وإباحة المكان ونحوها بالنّسبة إلى الصّلاة إنّما هو الحاصل منها في زمان العمل لا قبله وأمّا الوضوء فلا ريب في عدم كونه شرطا للصّلاة بل هو سبب لما هو شرط لها وهي الطهارة وأمّا الطهارة وكذا الاستقبال ونحوه الحاصل قبلها فليست شرطا لها لأنّ ما هو شرط منها ما هو حاصل حين الاشتغال بالصّلاة لأنّ الشّرط هو الخارج الّذي له مدخل في وجود المشروط ولا مدخل لما تقدّم منها على الصّلاة في وجودها ولذا لو فرض حصول الاستقبال أو السّتر أو إباحة الساتر أو المكان برضا مالكهما مقارنا لابتداء تكبيرة الإحرام صحّت صلاته بلا إشكال ووجوب إحراز ما ذكر قبل التلبس بالصّلاة إنّما هو من باب المقدّمة لعدم حصولها غالبا حينه فما اشتهر في الكتب من أنّ الشّرط ما تقدّم على المشروط وجودا ليس بجيّد اللهمّ إلاّ أن يحمل على المسامحة وإرادة تحصيله من باب المقدّمة وإن كان اتصافه بوصف الشرطية حين التلبّس فظهر ممّا ذكرنا أنّ محلّ الشّرط ومرتبته هو حين التلبّس بالمشروط فإذا فرغ المكلّف من المشروط فقد خرج من محلّه وتجاوزه ولا ريب أن ما ذكرناه من الشّروط شرائط لجميع أجزاء الصّلاة لاعتبار وجودها عند التلبس بكل جزء جزء منها فإذا شكّ بعد الشّروع في السّورة في وقوع الفاتحة في حال الطّهارة والاستقبال ونحوهما يصدق عليه التجاوز عن محلّ الشّرط والدّخول في غيره بالنّسبة إلى الفاتحة فيجب تحصيل الشّرط المشكوك فيه بالنّسبة إلى الأجزاء الباقية إن أمكن وكذا الكلام في الآية بل الكلمة فإذا شكّ في استجماع آية أو كلمة للشّرائط بعد الدّخول في أخرى صدق التجاوز عن محلّ شرائطهما ومن هنا يمكن التفرقة بين محلّ أفعال الصّلاة ومحلّ شرائطها على مذهب المشهور من كون محلّ كل فعل هو ما قبل الدّخول في آخر من الأفعال الّتي لها عنوان مستقل في كلماتهم كالتكبير والقراءة والرّكوع والسّجود والقيام والتّشهد ونحوها كما تقدّم سابقا فإذا شكّ في الإتيان بآية بعد الدّخول في أخرى يجب الالتفات إلى شكّه لعدم تجاوز محلّ المشكوك فيه وإذا شكّ في الاستقبال في آية بعد الدّخول في أخرى لا يلتفت إلى شكّه لما عرفت من تجاوز محلّ الشّرط حينئذ وهذا لازم مذهبهم وإن لم يلتزموا به ثمّ إنّ المراد بالشّروط الّتي هي مجرى القاعدة هي الشّروط الواقعيّة دون العلميّة لأنّه إذا قلنا بكون الطّهارة عن الخبث شرطا علميّا للصّلاة فمع الشّكّ في طهارة بدنه أو ثوبه يحكم بصحّة صلاته في الواقع فلا يصلح مثل هذا الشّرط أن يكون موردا للقاعدة وهو واضح وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه يدلّ على الشق الأوّل من المدعى وهو عدم الالتفات إلى الشكّ في الشّرط بعد الفراغ من مشروطه بالنّسبة إلى أجزاء الصّلاة وغيرها ما أشار المصنف رحمه‌الله من العمومات الواردة في الباب ولكن ليعلم أنّ العمدة منها موثقة ابن أبي يعفور إنّما الشكّ في شيء لم تجزه وتقريب الاستدلال بها على وجهين أحدهما أن يفرض الشّكّ والفراغ بالنسبة إلى نفس المشكوك فيه بأن يقال فيما حصل الشكّ في بعض الشّروط عند قراءة آية بعد الدّخول في أخرى إن محلّ الشّرط المشكوك فيه كان حين قراءة الآية السّابقة وقد تجاوزه ودخل في غيره وثانيهما أن يفرض الشكّ والفراغ بالنسبة إلى الجزء المشكوك في شرطه بأن يقال إنّ الشكّ قد وقع في الآية السّابقة بحسب وجودها الشّرعي بعد تجاوز محلّها والدخول في غيرها فلا يلتفت إليه لأنّ ما هو فاسد كالعدم في نظر الشّارع هذا بناء على شمول أخبار الباب لكلّ من الشكّ في الوجود والصّحة ومن هنا يظهر وجه الاستدلال بصحيحة زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء وإنّما قلنا إنّ العمدة في المقام هي الموثقة لأنّ الظّاهر إطباق القائلين بجريان القاعدة في الشّروط على عدم اعتبار الدّخول في فعل آخر عند الشكّ في بعض شروط فعل سابق عليه وكفاية مجرّد الفراغ من الفعل المشكوك في شرطه في الحكم بعدم الالتفات إليه وحينئذ يشكل الاستدلال بالصّحيحة المعتبرة للدّخول في الغير على الوجهين في تقريب الاستدلال بها بخلاف الموثقة لأنّ ظاهرها بحسب مفهوم العلّة كفاية مجرّد الفراغ وتجاوز محلّ المشكوك فيه في عدم الالتفات إلى الشكّ ولا ينافيه صدرها المعتبرة للدّخول في الغير يعني غير الوضوء عند الشكّ في شيء من الوضوء إذ يكفي في الدّخول في غير الوضوء مجرّد الفراغ منه كما نبّه عليه المصنف ره في الموضع الثّالث مضافا إلى الأخبار الخاصّة الدّالة على كفاية مجرّد الانصراف عن الوضوء في عدم الالتفات إلى الشكّ الواقع فيه وبالجملة أنّ الصّحيحة لأجل مخالفتها لما هو ظاهرهم الإطباق عليه يشكل التمسّك بها في المقام اللهمّ إلاّ أن يوجّه بأنّ الشّروط وإن قارنت مشروطها وجودا إلاّ أنّها مقدّمة عليه طبعا فيكتفي في صدق الدّخول في غيره الشّروع في مشروطه لتأخره عن شرطه طبعا وإن قارنه وجودا نعم لما كان الشّرط مستمرّا مع مشروطه وجودا فما لم يحصل الفراغ من مشروطه لم يصدق التجاوز عن محلّه فيعتبر الفراغ عن المشروط أيضا ليصدق كلّ من التجاوز والدّخول في الغير المتأخر عن المشكوك فيه ولو طبعا هذا كلّه إلى إمكان منع شمول الصّحيحة للشكّ في الشّروط إما لأن خصوصيّة المورد أعني الشكّ في الأذان والتكبير والقراءة والرّكوع قرينة على كون المراد بالشكّ في قوله عليه‌السلام إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء هو الشكّ في وجود الشيء لا في صحّته بعد إحراز وجوده ولكن يدفعه ما تقرّر في محلّه من أنّ خصوصيّة السّبب لا تخصّص عموم

٥٥٣

الجواب وإمّا لأنّ الظّاهر من الشكّ في الشيء لغة وعرفا كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في الموضع الأوّل والسّادس هو الشكّ في وجود الشيء لا في صحّته ومرجع الشكّ في وجود الشّرط إلى الشكّ في صحّة المشروط ومن هنا يظهر إمكان المناقشة في سائر أخبار الباب أيضا فينحصر الدّليل في موثقة ابن أبي يعفور مع إمكان المناقشة فيها بأنّ غايتها الإطلاق من حيث اعتبار الدّخول في الغير وعدمه وهو مقيد بما دل على اعتبار الدّخول في الغير في عدم الالتفات إلى الشكّ كما أوضحناه عند شرح ما يتعلق بكلامه في الموضع الثالث فراجع فلا بدّ حينئذ إمّا من التزام اعتبار الدّخول في الغير في الشّروط أيضا وإمّا من التزام قاعدتين في المقام إحداهما جارية في الشكّ في الوجود والأخرى في الشكّ في الصحّة مع اعتبار الدّخول في الغير في الأولى دون الثّانية والحاصل أنّ الجمع بين مطلقات الأخبار ومقيداتها كما يمكن بتقييد مطلقاتها كذلك يمكن بحمل مقيّداتها على صورة الشكّ في الوجود ومطلقاتها على صورة الشكّ في الصّحة ولكن يدفع الأوّل مخالفته لما عرفته من إطباقهم على عدم اعتبار الدّخول في الغير في الشّروط والثّاني أنّه مخالف لظاهر الأخبار لأنّ ظاهرها إعطاء قاعدة واحدة مطردة في مواردها مضافا إلى ظهور ما عدا موثقة ابن أبي يعفور سواء كانت مطلقة أم مقيّدة في الشكّ في الوجود كما تقدّم والأولى أن يقال إنّ قوله عليه‌السلام إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه في الموثقة المذكورة أعمّ من الشكّ في الوجود والصّحة وغاية ما ثبت من تقييدها من حيث ظهور المقيد من الأخبار في الشكّ في الوجود كما تقدّم هو تقييدها بالدّخول في الغير بالنسبة إلى الشكّ في الوجود دون الصّحة إذ لا بدّ في التقييد من الاقتصار على ما اقتضاه دليله ومن هنا يظهر عدم المنافاة بين اعتبار الدّخول في الغير عند الشكّ في الوجود وعدم اعتباره والاكتفاء بمجرّد الفراغ عند الشكّ في الصّحة ويدلّ على الشقّ الثّاني من المدّعى وهو أنّ عدم الالتفات إلى الشكّ في الشرط بالنسبة إلى مشروطه لا يستلزم عدم الالتفات إلى مشروط آخر يريد الإتيان به بعده ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله أيضا من عدم تحقق التجاوز عن محلّ الشّرط المشكوك فيه بالنسبة إلى المشروط الآخر فلا بدّ من إحرازه بالنسبة إليه وذلك لأنّ هذه القاعدة ليست من الأدلّة الاجتهاديّة حتّى يثبت بها لوازمها مطلقا شرعية كانت أو عقلية أو عادية لأنّ عدم الالتفات إلى الشكّ بعد تجاوز محلّ المشكوك فيه إنّما ثبت تعبدا من باب الأخبار وثبوت التعبّد بعدم الالتفات إلى الشكّ في تحقّق بعض شرائط المأتي به لأجل تجاوز محلّه لا يستلزم التعبّد بذلك بالنّسبة إلى مشروط آخر يريد الإتيان به بعده وهو واضح نعم لو ثبت اعتبار القاعدة من باب الظنّ النّوعي بأن استند فيه إلى ظهور حال المكلّف المريد للفعل الصّحيح أو الغلبة أو بناء العقلاء لاتجه ما ذكر لكونها حينئذ من الأمارات الاجتهاديّة إلاّ أنّه خلاف التحقيق إذ العمدة في المقام هي الأخبار العامة فلا بد حينئذ من التفصيل بين الشّروط فإن كان الشّرط المشكوك فيه ممّا أمكن تحصيله في أثناء العمل بنى على وقوعه بالنسبة إلى الأجزاء السّابقة وأحرزه بتحصيله في الأثناء بالنسبة إلى اللاّحقة إن لم يكن حاصلا حين الشكّ وإن لم يمكن تحصيله في الأثناء لاستلزامه للفعل الكثير في أثناء الصّلاة أو الانصراف عن القبلة أو للإجماع على اعتبار استمرار الشّرط من ابتداء العمل إلى انتهائه كالطّهارة من الحدث بالنسبة إلى الصّلاة لإجماعهم على اعتبار وقوعها بطهارة واحدة في صحّتها أو نحو ذلك استأنف العمل فلا بدّ من مراعاة هذا التفصيل في الشّروط وأمّا أدلة باقي الأقوال فإنّهم وإن لم يذكروا على جملة منها دليلا إلاّ أنّه يمكن أن يحتج للأوّل وهو الّذي اختاره العلاّمة في كتبه الثلاثة على ما تقدّم عند نقل القول الثّاني بوجهين وليعلم أوّلا أنّه لم تظهر مخالفته لما اخترناه على سبيل الجزم لأن تفصيله بين الشكّ في الشّرط في أثناء العمل والشكّ فيه بعد الفراغ منه بالقول بالالتفات إلى الشكّ في الأوّل دون الثّاني إنّما استفدناه من تفصيله في كتبه الثلاثة بين الشكّ في الطهارة عن الحدث في أثناء الطّواف وبين الشكّ فيها بعد الفراغ منه فإن كان هذا التّفصيل بالنّسبة إلى خصوص الطّهارة من حيث عدم إمكان تداركها في الأثناء انطبق على ما اخترناه وإن كان ذكر الطّهارة من باب المثال والمقصود هو التفصيل بين وقوع الشكّ في الأثناء وبعد الفراغ بالنسبة إلى مطلق الشروط غاير ما اخترناه أحدهما أن يحمل الشيء في الصّحيحة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء على إرادة العناوين الكليّة كالصّلاة والصّوم والإحرام والطواف والسّعي ونحوها والخروج منها إنّما يتحقّق بالفراغ منها فإذا شكّ في الأثناء في بعض شرائطها التفت إليه بخلاف ما لو حصل بعد الفراغ منه فلا يلتفت إليه وثانيهما أنّ القاعدة لو عمت الشكّ في الشرائط في أثناء العمل لزم التعارض بين منطوق الرّوايات ومفهومها لأنّه إذا شكّ بعد الفراغ من الفاتحة في حصولها حال الاستقبال أو الطّهارة أو نحوهما فكما يحصل الشكّ في صحّة الفاتحة كذلك يحصل الشكّ في صحّة الصّلاة وكما أنّ الصّحيحة تدلّ منطوقا على عدم الاعتناء بالشكّ الأوّل كذلك تدلّ مفهوما على الاعتناء بالشكّ الثّاني والجواب عن الأوّل بأنّ الشّيء عامّ فلا دليل على تخصيصه بما ذكر فهو يشمل الخروج من القراءة بل الفاتحة بل الآية منها بل الكلمة منها وعن الثّاني بأنّ الشكّ في المجموع مسبّب عن الشّكّ في الجزء فإذا زال الشكّ عن الجزء بحكم القاعدة زال عن الكلّ أيضا كما قرّر في مسألة المزيل والمزال بل ليس هنا إلاّ شكّ واحد لأنّ الشكّ في الكلّ عين الشكّ في الجزء وليس مغايرا له بل هما متحدان بالذّات متغايران بالإضافة والاعتبار نظير حركة جالس السّفينة بحركتها الّتي تنسب إليها بالأصالة وإليه بالاعتبار فيكون الشكّ في الجزء هو مورد القاعدة خاصّة ولا يكون من مسألة المزيل والمزال في شيء وللقول الثّاني بدعوى ظهور أخبار الباب ما عدا موثقة ابن أبي يعفور في الشّكّ في وجود الشيء لا في صحّته كما أوضحه المصنف رحمه‌الله في الموضع الأوّل والسّادس وأمّا الموثقة فلا يقول صاحب المدارك باعتبارها ولعلّ الفاضل الهندي أيضا يوافقه في ذلك مع أنّ دلالتها لا يخلو من إجمال لأنّ ظاهرها وهو عدم الالتفات إلى الشكّ فيما لو شكّ في بعض أجزاء الوضوء بعد الدّخول في جزء آخر منه غير مراد بالإجماع فلا بدّ أن يرجع ضمير غيره في قوله إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء إلى الوضوء دون الشيء وحينئذ يقع الإشكال فيما علّله بقوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه لأنّ مقتضاه أنّ الشكّ الّذي يجب الالتفات إليه هو ما وقع في أثناء العمل وهو غير معقول اللهمّ إلاّ أن يفرض المشكوك في أثنائه مركّبا ذي أجزاء وقع الشكّ في أثنائه باعتبار الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا فيكون محصّل

٥٥٤

العلّة بضميمة موردها أنّ الشكّ الذي يجب الالتفات إليه هو الشكّ الذي وقع في أثناء المركّب باعتبار الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا وأنّ الشكّ الّذي لا يلتفت إليه هو الشكّ الّذي وقع في بعض ما يعتبر في المركب بعد الفراغ منه وهذا وإن صحّ في الوضوء إلاّ أنّه لا ينطبق على شيء من المذاهب في مثل الصّلاة إذ لا ريب في عدم الاعتداد بالشكّ في القراءة إذا حصل عند التسليم سواء قلنا بمذهب الشّيخ والعلاّمة أو المشهور أو الأردبيلي قدّس الله أسرارهم والالتزام بظاهر العلّة والبناء على خروج ما أخرجه الدّليل بأن يقال إن كلّ مركب وقع الإجماع على عدم الالتفات فيه إلى الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا قبل الفراغ منه فهو وإلاّ فمقتضاها الالتفات إلى مثل هذا الشكّ يحتاج إلى جرأة عظيمة على مخالفة العلماء إن لم ينعقد الإجماع على خلافه والجواب أمّا عن عدم حجّية الأخبار الموثقة فبأنه خلاف التحقيق كما قرّر في محلّه وأمّا عن إجمال صدرها فبأن الإجماع المذكور قرينة على إرجاع ضمير غيره إلى الوضوء وأمّا عن إجمال العلّة وعدم وجود القول بمقتضاها فبمنع إجمالها لأنّ المتبادر من الشكّ في الشيء حين الكون فيه هو الشكّ فيه قبل تجاوز محلّه وهو منطبق على الشكّ في الجزء والشّرط ونفس المركب والمشروط على الوجه الّذي تقدّم تحقيقه في بيان ما اخترناه ويؤيّده سائر أخبار الباب لأنّ قوله عليه‌السلام في صحيحتي زرارة والحلبي إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ظاهر في الخروج من محلّ الشّيء لأنّ الخروج من الشيء ظاهر في القطع بوجوده والشكّ في بعض أوصافه وهو محمول على إرادة الخروج من محلّه لينطبق على موردهما من الشكّ في أصل وجود الشيء وللقول الثالث بحمل العمومات على إمضاء طريقة العقلاء وما هو الظّاهر من حال العاقل المريد للفعل المكلّف به من إبراء ذمّته عمّا تعلّق بها لأنّ العاقل لا يقدم على الفعل فيما يريد إبراء ذمّته به إلاّ بعد إحراز جميع ما يعتبر فيه وكذلك طريقة العقلاء مستقرّة على عدم الالتفات إلى الشكّ بعد التهيؤ فضلا عن الدّخول في المشروط والفراغ منه والجواب منع ظهور ذلك من الأخبار لبعده عن مساقها وبناؤهم أيضا لم يثبت بحيث ينهض دليلا بنفسه وأمّا ما احتملناه في تضاعيف الأقوال من التفصيل فيمكن الاحتجاج له بأنّ المتيقّن من بناء العقلاء هو البناء على المضي في المشروط الذي شكّ في شرطه في حال التهيؤ له أو بعد الدّخول فيه دون سائر الغايات الأخر الّتي يريد الإتيان بها بعده والجواب عنه يظهر بعد ضعف القول السّابق الذي هو مبناه وللقول الرّابع بأنّ محلّ الشّروط الّتي لا يمكن تحصيلها في أثناء مشروطها هو ما قبل المشروط لعدم قابليّة أثنائه لذلك فبمجرّد الدّخول في المشروط يتحقق التجاوز عن محلّ هذه الشّروط فلا يلتفت إلى الشّكّ فيها بعد الدّخول فيه بمقتضى العمومات بخلاف الشّروط الّتي يمكن تحصيلها في الأثناء لأنّها حيث كانت شروطا لجميع أجزاء الصّلاة مثلا فمحلّها بالنّسبة إلى كلّ جزء هو محلّ الإتيان بهذا الجزء فإذا شكّ في تحقّق شرط الجزء السّابق بعد الدّخول في آخر فقد تحقّق التجاوز عن محلّ الشّرط بالنسبة إلى الجزء السّابق ولم يتحقّق التجاوز عن محلّه بالنسبة إلى الجزء الذي دخل فيه وكذا غيره من الأجزاء اللاّحقة فيجب إحرازه بالنسبة إليها إن لم يستلزم فساد الصّلاة من جهة أخرى كإزالة النجاسة المستلزمة للفعل الكثير في أثنائها في بعض الصّور بخلاف الطهارة عن الحدث فإن عدم جواز تجديدها في أثنائها ليس لذلك بل للإجماع على عدم صحّة الصّلاة إلاّ بطهارة واحدة وإن فرض عدم استلزام تجديدها في الأثناء للفعل الكثير والجواب أنّ ما ذكره فيما يمكن تحصيله في أثناء العمل من الشّروط موافق للتحقيق وأمّا بالنّسبة إلى ما لا يمكن تحصيله في الأثناء فيرد عليه ما قدّمناه عند بيان ما اخترناه من كون محلّ الشّروط مطلقا مقارنا لمحلّ مشروطها لمقارنتها له في الوجود فراجع فإذا شكّ في وقوع الفاتحة مع الطهارة بعد الدّخول في السّورة فالتّجاوز عن محلّ الطّهارة وإن تحقّق بالنّسبة إلى الفاتحة إلاّ أنه باق بالنسبة إلى الأجزاء اللاّحقة وعدم جواز تجديدها بالنّسبة إليها وإن فرض عدم استلزامه للفعل الكثير إنّما هو للإجماع على وقوع جميع أجزاء الصّلاة بطهارة واحدة وإلاّ كان مقتضى القاعدة هو الحكم بالصّحة مع تجديدها في الأثناء إن لم يلزم البطلان من جهة أخرى كسائر الشّروط الّتي لم يمنع الإجماع من تجديدها في الأثناء على ما أسلفناه والله العالم بحقيقة الحال (قوله) واستقرب في مقام إلخ يعني بعض الأساطين (قوله) بنى بعضهم ذلك إلخ أي الشكّ في الشّرط بالنّسبة إلى الغايات الأخر(قوله) هو البناء على الحصول مطلقا إلخ فيعم جميع الغايات المدخول فيها وغيره (قوله) بعنوان أنّه شرط للعصر إلخ فإنّ محلّ الظّهر باعتبار أنّها شرط للعصر إنّما هو قبلها وأمّا باعتبار أنّها واجب في نفسها فمحلّها باق ما لم يخرج الوقت ولذا يجب الإتيان بها بعد العصر لو نسيها قبلها(قوله) وتجاوز محلّه إلخ مبتدأ وخبره قوله باعتبار(قوله) قبل الصّلاة إلخ فبالدّخول فيها يتحقق التجاوز عن محلّه (قوله) إذا ذكرها يعني حالة شكّه (قوله) بناء على أنّ مورد السّؤال إلخ بأن كان مورد السّؤال من قبيل الشكّ السّاري لا الشكّ المعتبر في مورد الاستصحاب أعني الشكّ في البقاء إذ لو كان من قبيل الثّاني لم يكن له دخل فيما نحن فيه مضافا إلى مخالفته للإجماع في الجملة(قوله) ومحلّ الكلام ما لا يرجع إلخ حاصله أنّ محلّ الكلام في الموضع الخامس هو الشكّ في الشّروط الّتي لها وجود مستقل مع قطع النّظر عن وجود مشروطها كالطّهارة والاستقبال والسّتر ونحوها حتّى تكون بنفسها موردا للشكّ في الوجود لتجري فيها القاعدة بنفسها وإن قلنا بعدم شمولها للشكّ في الصّحة وفي هذا الموضع ما لم يكن كذلك بل يعدّ المشكوك فيه من كيفيات المشروط وموجودا بوجوده كأداء الحروف من المخارج وعلى الاعتبار المقرّر في النّحو وعلى الترتيب المقرّر في اللّغة وكالموالاة بين حروف الكلمة أو كلمات الآية أو نحو ذلك ولكنّك خبير بأنّ لكلّ ممّا ذكر أيضا وجودا مغايرا للمشروط اللهمّ إلاّ أن يقال ذلك بحسب الدّقة وإلاّ فما ذكر لا يعدّ مغايرا للمشروط بحسب الوجود في نظر أهل العرف وهو المعتبر في صدق الأدلّة اللّفظيّة ثمّ إنّه على تقدير جريان القاعدة في الشكّ في الصّحة فالكلام في اعتبار الدّخول في الغير وعدمه في عدم الالتفات إلى الشكّ والالتفات إليه نظير ما تقدّم في سائر الشّروط عند بيان ما اخترناه فراجع إلى ما ذكرناه عند شرح كلامه في الموضع السّادس وكذا الكلام في محلّ هذه الشّروط نظير ما تقدّم هناك (قوله) على تخصيص الحكم بمورده يعني بمورد التعليل وهو ما يتحقّق فيه الأذكرية والسّؤال في الرّواية وإن كان عاما إلاّ أنّ خصوصيّة العلّة من حيث أظهريّتها مقدّمة على عموم السّؤال كما أنّ السّؤال

٥٥٥

لو كان خاصا والعلّة عامّة يؤخذ بعموم العلّة وقد أشار إليه المصنف رحمه‌الله عند الاستدلال بآية النّبإ على حجّية خبر الواحد فراجع (قوله) والتعليل المذكور بضميمة إلخ توضيحه أنّ قوله هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ وارد في مقام بيان ظاهر حال المسلم المريد لإبراء ذمّته عما اشتغلت به وظاهر حاله عدم تركه ما يوجب فساد عمله عمدا كذا عدم تركه ما يوجب ذلك سهوا لأنّ الأوّل خلاف إرادة الإبراء والثّاني خلاف الذّكر وتخصيص الأذكرية في العلّة بالذّكر إنّما هو لأجل وضوح عدم إقدام المريد للإبراء إلى الترك العمدي واحتمال النسيان أيضا مندفع بأكثريّة الذّكر وغلبته حين العمل وحاصل التعليل حينئذ أنّ المريد للفعل لا يقدم إلى تركه عمدا لأنّه خلاف الإرادة ولا سهوا لأنّه أكثر تذكرا للفعل حين العمل من غير هذه الحالة لندرة النسيان حين العمل ومن هنا يظهر الوجه في ضمّ المصنف رحمه‌الله للكبرى إلى التّعليل في نفي الاحتمالين وعدم استناده في ذلك إلى مجرّد العلّة وحاصله أنّ العلّة بملاحظة موردها تنفي الاحتمالين ثمّ اعلم أنّ للقاعدة فروعا مهمّة أخر قد أهملها المصنف رحمه‌الله في المقام ولا بأس بالإشارة إليها على ما تقتضيه الحال ويسعه المجال الأوّل أنّ المراد بالشكّ في مورد أخبار الباب هو المعنى المراد به في باب الاستصحاب أعني الأعمّ من متساوي الطرفين ومن الظنّ غير المعتبر لكون الشكّ لغة أعمّ منهما بل يظهر من الفيومي اتفاق أهل اللّغة عليه قال قال أئمّة اللّغة الشكّ خلاف اليقين فقولهم خلاف اليقين هو التردّد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجّح أحدهما على الآخر انتهى فلو شك في وقوع الفعل أو صحّته بنى عليهما وإن كان عدمها مظنونا نعم قد استثنيت من ذلك الشكوك الواقعة في أثناء الصّلاة فلو شكّ في القراءة أو الرّكوع أو غيرهما بعد الفراغ منها أو بعد الدّخول في غيرها مع الظنّ بعدم الإتيان بها بنى على عدم وقوعها وإن اقتضت القاعدة خلافه والدّليل عليه هو النصّ لأنّه وإن ورد في عدد الرّكعات إلاّ أنّه يثبت حكم الأفعال به أيضا بالأولوية كما تمسّك به في المدارك لأنّ الرّكعة عبارة عن الأفعال المجتمعة فإذا اعتبر الظنّ في المجموع ففي الأجزاء بطريق أولى ووجه تقدم الظنّ على القاعدة حكومة أدلّته على أدلّتها (الثّاني) أنّ أخبار الباب قد وردت في الصّلاة والطّهارات وظاهر المعتنين بالفقه كالشّيخ والفاضلين والشّهيد وغيرهم عدم تعدّيهم عن مواردها ولعلّهم فهموا منها اختصاص القاعدة بها ولذا لم يتمسّكوا بها في غيرها من أبواب العبادات والمعاملات والسّياسات مع كثرة مواردها فيها نعم تمسّك بها فيها غير واحد من أواخر المتأخرين أوّلهم فيما أعلم فقيه عصره صاحب كشف الغطاء وإطلاق الأخبار جوابا وتعليلا يساعدهم واختصاص مواردها بالصّلاة والطهارات لا يضر في المقام لما تقرّر في محلّه من أنّ خصوصيّة السّبب لا تخصّص عموم الجواب سيّما مع تعاضده بعموم العلّة في بعضها نعم قوله عليه‌السلام كلّما مضى من صلاتك وطهورك فتذكّرته تذكرا فامضه كما هو لا دلالة فيه على العموم بالنّسبة إلى غير ما ذكر فيها لكنّه لا ينافي عموم غيرها لعدم إفادته حصر الحكم فيما ذكر فيه فالتّعميم لا يخلو من قوّة الثّالث أنّه إذا شكّ في بعض أفعال الصّلاة أو غيرها بعد الدّخول في فعل آخر محكوم شرعا بهدمه كما إذا شكّ في السّجود بعد القيام في الرّكعة الثّانية مع نسيان التشهّد فإنّه محكوم بهدم القيام والجلوس للتشهد ففي عدم الالتفات إلى الشكّ في السّجود بأن كان مكلّفا بالجلوس للتشهد من دون سجود أو وجوب الالتفات إليه بأن كان مكلّفا بالجلوس لكلّ من السّجود والتشهّد وجهان من كون الفعل المحكوم بهدمه شرعا بمنزلة عدمه فلا يصدق معه الدّخول في الغير ولو شرعا ومن صدق الدّخول في الغير حقيقة وأنّ الأمر بهدمه لأجل التشهّد لا يستلزم ذلك بالنسبة إلى السّجود أيضا ويحتمل التفصيل في المقام بأنّ الشكّ في السّجود بعد الدّخول في القيام إن كان قبل تذكر نسيان التشهّد يجلس للتشهّد من دون سجود لأنّه بمجرّد الشكّ قبل التّذكر كان محكوما بالمضي في صلاته وعدم العود للسّجود فإذا تذكّر نسيان التشهّد بعده وكان محكوما بالجلوس له فهو لا يستلزم زوال الأمر الأوّل لعدم كشفه عن خلافه بحسب الواقع نعم لو كان تذكره لنسيان التشهّد مستلزما لعلمه بترك السّجود كان المتجه حينئذ وجوب العود لكلّ منهما إن ليس فليس مضافا إلى إمكان استصحاب الأمر الأوّل لأنّ موضوعه الشكّ في السّجود وهو باق بعد فتأمل وإن كان بعد تذكره يجلس لكلّ منهما لأنّه بمجرّد تذكره كان محكوما بهدم القيام فهو بمنزلة الشكّ قبل القيام لعدم الاعتداد شرعا بالقيام الّذي حصل الشّكّ في حالته لسبق الأمر بهدمه بالفرض بخلاف الصّورة الأولى وأوجه الوجوه أوّلها للشكّ في انصراف أخبار الباب إلى مثل المقام ومجرّد الشكّ في شمولها له كاف في وجوب العود للسّجود لاستصحاب عدمه إذ المانع من العمل به ليس إلاّ عموم القاعدة وقد فرضنا عدم شموله للمقام الرّابع أنّ الأمر بالمضي وعدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدّخول في فعل آخر هل هو للعزيمة أو الرّخصة والأوّل هو المشهور والثّاني مما احتمله الشّهيد في الذّكرى والأوّل هو الأقوى لا لظهور الأوامر فيه كي يمنع لأجل وقوعها في مقام الحظر لأنّ مقتضى استصحاب العدم عدم جواز المضي بل لأنّ الأمر الواقع في مقام الحظر أو توهّمه وإن لم يفد سوى ارتفاع المنع الثابت أو المتوهّم إلاّ أن ذلك لا يفيد الرّخصة بمعنى جواز الفعل والتّرك مطلقا بل يكون حكم مورد الأمر تابعا لموارده فإن كان المحلّ قابلا للإباحة فهو وإلاّ فالعود في مثل المقام أعني أفعال الصّلاة ونحوها من العبادات والإتيان بالمشكوك فيه يحتاج إلى العلم بوجود الأمر به لأنّ الفرض كونه عبادة متوقفة على قصد القربة وهو غير حاصل من دون العلم بالأمر فيكون الإتيان به تشريعا محرما والمشهور إن أرادوا بكون الأمر للعزيمة هذا المعنى فنعم الوفاق وإن أرادوا به ظهور الأوامر فيها فقد عرفت ضعفه ثم إنّ هذا إنّما هو فيما كان العود مخالفا للاحتياط وإلاّ فلا إشكال في جواز العود والإتيان بالمشكوك فيه بقصد القربة المطلقة وذلك لأنّ الشكّ إن كان في بعض أفعال الصّلاة بعد الدّخول في آخر كالقراءة والرّكوع والسّجود والقيام ونحوها ممّا لا يلتفت إلى الشكّ في بعضها بعد الدّخول في آخر عند المشهور على ما تقدّم سابقا فالعود مخالف للاحتياط لاحتمال تكرّر الفعل المشكوك فيه حينئذ عن عمد وهو مبطل للصّلاة وإن كان في بعض الأذكار الواجبة في الأفعال بعد الدّخول في ذكر آخر كالشكّ في آية بعد الدّخول في أخرى أو في إحدى تسبيحات الرّكوع أو السّجود أو إحدى الرّكعتين الأخيرتين بعد الدّخول في تسبيح آخر وكذا في أجزاء التشهّد والتّسليم فالعود حينئذ والإتيان بالمشكوك فيه بقصد القربة المطلقة موافق للاحتياط لجمعه بين قول المشهور والقول

٥٥٦

بعموم القاعدة لجميع أفعال الصّلاة وأذكارها لأنّ العود على القول الثّاني وإن كان ممنوعا لأجل استلزامه التشريع المحرم كما تقدّم إلا أنّه إنّما يتأتى في صورة الإتيان بالمشكوك فيه بقصد الجزئيّة والأمر بالخصوص كما هو مقتضى استصحاب العدم به وهو لا ينافي جواز الإتيان به بقصد القربة المطلقة لأنّه على تقدير الإخلال به في نفس الأمر محرز للواقع وعلى تقدير عدمه من قبيل الذكر غير المخلّ بصحة الصّلاة فهو ينوي به القربة المطلقة وإن كان في الواقع مردّدا بين كونه جزءا أو ذكرا فالقول بوجوب المضي بالمعنى المتقدّم لا ينافي مثل هذا الاحتياط نعم لو كان العود مخلاّ بالموالاة أمكن المنع منه على القول بالعموم أيضا من هذه الجهة كما لو قرأ بعد الفاتحة من السّور الطّوال وشكّ في آخرها في أوّل آية منها بحيث لو أعاد أخلّ بالموالاة المعتبرة بين السّورة والرّكوع وكيف كان فحيثما أمكن الاحتياط في أثناء الصّلاة وتركه وبنى على وقوع المشكوك فيه فهل يجوز له إعادتها بعد إتمامها احتياطا لاحتمال ترك المشكوك فيه أو لا يشرع له هذا الاحتياط الظّاهر هو الأوّل لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ومجرّد إمكانه في الأثناء وتركه اختيارا لا يمنع ذلك وهو واضح وأولى منه بذلك ما لا يمكن فيه الاحتياط في الأثناء على ما عرفت هذا كلّه فيما تبيّن كون الأمر بالمضي للعزيمة أو الرّخصة وكذا تبيّن محلّ المشكوك فيه بأنّه ما قيل الدّخول في فعل آخر مطلقا كما هو المختار أو فعل آخر من الأفعال المعنونة في كلمات العلماء كما هو المشهور على ما تقدّم وعدم تبيّن محل الشكّ مبني على القول بعدم اعتبار الاستصحاب أو بناء على عدم جريانه في المقام لأجل العلم الإجمالي على ما سيجيء وإلاّ فمقتضى استصحاب العدم وجوب العود والإتيان بالمشكوك فيه ما لم يدخل في فعل آخر من الأفعال المعنونة في كلمات الأصحاب لأنّ هذا هو المتيقن حينئذ من عدم جريان الاستصحاب لأجل القاعدة فإذا لم يتبيّن شيء من الأمرين فإذا حصل الشكّ في فعل بعد الدّخول في آخر مع احتمال بقاء محلّ المشكوك فيه كما إذا شكّ في آية بعد الدّخول في أخرى لاحتمال بقاء محلّها إلى الرّكوع كما هو المشهور فالأوفق بالاحتياط لمثل هذا المكلّف المتردّد إبطال عمله واستئنافه من رأس وحكي عن جماعة كالوحيد البهبهاني وصاحب الرّياض والجواهر تكرار العمل بالبناء علي وقوع المشكوك فيه والمضي على عمله بقصد القربة المطلقة ثمّ إعادته ثانيا مع المشكوك فيه كذلك وما ذكرناه أحوط لاستلزام ما ذكروه لإلغاء قصد الوجه المعتبر عند المشهور بخلافه على ما ذكرناه من الإبطال والاستئناف فتدبّر (الخامس) أنّه لا إشكال في جريان القاعدة فيما لو حصل الشكّ في فعل بعد الدّخول في فعل آخر وأمّا لو حصل قبله فذهل فدخل في غيره ثم التفت إلى شكّه ففي الالتفات إلى شكه وعدمه وجهان من صدق قوله عليه‌السلام في الصّحيحة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء لعدم اعتباره لحصول الشكّ بعد الدّخول في غيره ومن اعتبار ذلك في أكثر روايات الباب حتّى الصّحيحة بحسب مفهومها لدلالتها بحسبه على وجوب العود مع حصول الشكّ قبل الدّخول في غيره ولا أقلّ من الشكّ في شمول الأخبار للمقام فيستصحب عدم المشكوك فيه حينئذ إذ لا مانع منه سوى شمول القاعدة للمقام وقد فرضنا عدمه وهذا هو الأقوى نعم لو شكّ بعد الدّخول في غيره في محلّ الفرض في الإتيان بالمشكوك فيه حين الشكّ فيه بأن شكّ في فعل قبل الدّخول في غيره ثم ذهل فدخل في غيره والتفت إلى شكّه ولكن شكّ حينئذ في العمل بمقتضى شكّه قبل الدّخول في الغير فالظّاهر جريان القاعدة فيه لأنّ الشكّ في الإتيان بالمشكوك فيه قبل الدّخول في الغير شكّ طار مغاير للشكّ قبل الدّخول في الغير لأنّ الشكّ الأوّل متعلّق بالعمل بمقتضى الثّاني فلا يعتد به للقاعدة السّادس أنّه إذا شكّ في بعض أجزاء الصّلاة أو غيرها بعد الدّخول في غيره فهو على وجوه أحدها أن يكون ملتفتا وبانيا من أوّل الأمر على الإتيان بالمأمور به بجميع أجزائه وشرائطه وخاليا من جميع موانعه فذهل بعد الدّخول فيه فشكّ في الإتيان ببعض ما يعتبر فيه بعد الفراغ من محلّه أو بعد الدّخول في غيره ولا إشكال في شمول أدلّة القاعدة لهذه الصّورة من الأخبار وما اشتملت عليه من التّعليل من قوله عليه‌السلام هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك وقوله عليه‌السلام وأنّه حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك وكذا الأدلّة الاعتباريّة من بناء العقلاء وظهور حال العاقل المريد لإبراء ذمّته عمّا اشتغلت به والغلبة كما أشرنا إليه سابقا ولا فرق فيه بين كون المحتمل ترك ما يعتبر في العمل عن عمد أو عن سهو وثانيها أن لا يكون من ابتداء العمل بانيا على ذلك لا بمعنى البناء على عدم الإتيان بما يعتبر في العمل بل بمعنى الدّخول في الفعل من دون التفات إلى ذلك وهذا يتم في غير العبادات المفتقرة إلى قصد القربة إذ يعتبر فيها القصد إلى العمل بجميع أجزائه فيكون الشكّ في بعض أجزائها من قبيل الصّورة الأولى نعم يتم ذلك فيها بالنّسبة إلى شرائطها وموانعها لعدم اعتبار القصد إليها فيها من أوّل الأمر وكيف كان فظاهر الأصحاب جريان القاعدة في هذه الصّورة أيضا لعدم مصرح بالفرق بين الصّورتين ولذا صرّح جماعة بصحّة الأعمال السّابقة مطلقا كالعبادات الّتي يحتمل وقوعها بدون تقليد أو مع فقد شرط آخر أو وجود مانع أو الإخلال ببعض أجزائها ويدل عليه إطلاق صحيحتي زرارة والحلبي نعم ربما يشكل بالتعليل بالأذكرية والأقربيّة إلى الحقّ حين العمل منه حين يشكّ لعدم تحقّق الأفضلية مع عدم البناء من أوّل الأمر على الإتيان بالعمل بجميع ما يعتبر فيه بالمعنى الذي عرفته ولعلّهم لم يطلعوا علي الأخبار المعلّلة أو رموها بالضّعف على زعمهم أو حملوها على بيان الحكمة دون العلّة حتّى يلزم اطرادها وأنت خبير بأنّ إعراضهم عن هذه الأخبار كاف في الإعراض عنها إذ لم يراع أحد منهم تحقق الأذكرية والأقربيّة إلى الحقّ في جريان القاعدة ولو بحسب النّوع لعدم تحقّق ذلك في هذه الصّورة ولو نوعا فلا يبعد حملها على بيان الحكمة هذا كلّه فيما حصل الشكّ في بعض الأجزاء أو الشروط وإن حصل الشّكّ في المانع بعد الفراغ من العمل فهو على قسمين أحدهما أن يكون الشكّ في مانعيّة الموجود كالخاتم في الإصبع إذا حصل الشكّ في وصول الماء إلى ما تحته بعد الفراغ من الغسل وهو أيضا على قسمين أحدهما أن يحتمل بعد الفراغ إدخاله الماء تحت الخاتم حين العمل وظاهرهم إجراء القاعدة في هذه الصّورة ولذا صرّح جماعة بصحّة الأعمال السّابقة مع احتمال خلل فيها على ما تقدّم ويدل عليه أيضا صحيحتا زرارة والحلبي ويشكل بالتعليلان المتقدّمان بناء على اختصاصهما بصورة تذكر المكلّف للبناء على إيقاع العمل من أوّل الأمر بجميع ما يعتبر فيه على نحو ما عرفت وثانيهما أن يعلم من نفسه بعدم إدخاله الماء تحت الخاتم لكن احتمل وصول الماء تحت الخاتم بنفسه وقد توقف بعضهم في هذه الصّورة استنادا إلى ظهور الأخبار في صورة صدور فعل عنه بناء على ظهور الخروج من الشيء والتجاوز عنه في وقوع

٥٥٧

أصل الشيء والشكّ في صحّته وفساده وتؤيّده منافرته لظاهر التعليلين ويدفعه أنّ الظاهر أن المراد بالخروج والتجاوز عن الشيء هو الخروج والتّجاوز عن محلّه كما تقدّم سابقا فيشمل الشكّ في وجود الشيء أيضا ويحتمل ورود التعليلين لبيان الحكمة دون العلّة كما تقدّم الثّاني أن يكون الشكّ في وجود المانع كما إذا شكّ بعد الفراغ من الغسل في وجود حاجب في بدنه مانع من وصول الماء إلى البشرة وظاهر الأصحاب هو الحكم بصحّة الغسل حينئذ لكن لا لقاعدة الفراغ بل لاستصحاب عدمه ويشكل بأنّ أصالة عدم الحائل لا تثبت انغسال البشرة حتّى يحكم بصحّة الغسل وقد يمنع جريان القاعدة في المقام أيضا نظرا إلى أنّ المتبادر من أخبار الباب هو المضي في العمل وعدم الاعتناء بالشكّ فيما وقع الشكّ في إيقاع أصل الفعل أو في إيقاعه على وجه الصحّة والشكّ في صحّة الغسل هنا ليس من أحد القبيلين لأنّ الشكّ في صحّته هنا مسبّب عن وجود الحائل وعدمه لا عن أصل إيقاع الفعل أو عن كيفية إيقاعه وأنت خبير بأنّه يمكن منع الظّهور بل ربّما يدعى اعتبار الاستصحاب المذكور أيضا وإن كان مثبتا نظرا إلى أنّ الأصول المثبتة إنّما يمنع من العمل بها من باب الأخبار والأصول العدمية معتبرة من باب بناء العقلاء فتأمل فإنّ المقام لا يخلو من إشكال السّابع أنه إذا اعتقد بشيء من الأحكام أو الموضوعات ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده السّابق ففي جريان القاعدة في تصحيح هذا الاعتقاد وجوه أحدها المنع مطلقا بناء على منع شمول أخبار الباب للاعتقادات لانصرافها إلى غيرها وثانيها القول بالموجب كذلك جمودا على ظاهر الأخبار لعمومها لكلّ شيء وثالثها التفصيل بين العلم بفساد منشإ الاعتقاد السّابق ومدركه كما إذا اعتقد بالحكم من الاستقراء لأنّ فساد المدرك لا يستلزم فساد المدرك فلا يعتبر وبين نسيان مدركه فيعتبر لعموم الأخبار وأوجه الوجوه أوّلها لأنّ حمل شيء على الصحّة فرع قابليته لذلك وصلاحيته له والاعتقاد الجزمي لا يتّصف بشيء من الصحّة والفساد لأنّه طريق عقليّ من أيّ سبب حصل نعم المتّصف بهما المعتقد لا صفة الاعتقاد ولا تنافيه رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة في تضاعيف أخبار الباب عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال إن شكّ الرّجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصّلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك لأنّ المحمول على الصحّة فيها ليس هو الاعتقاد السّابق بل المعتقد ونحن لا نتحاشى عنه وثمرة حمل الاعتقاد على الصّحة تظهر في الآثار المستقبلة فإذا شكّ المجتهد في صحّة اعتقاده السّابق فمعنى حمل معتقده على الصّحة عدم وجوب إعادة أعماله الّتي بنى على اعتقاده السّابق لكن يجب تحصيل اعتقاد جديد لأعماله الآتية ومعنى حمل اعتقاده على الصّحة عدم وجوب إعادة المعتقد ثانيا ولا تحصيل اعتقاد آخر بعده فيكون الحمل على الصّحة من جملة أدلّة عدم وجوب تجديد النّظر للمجتهد هذا كلّه إذا اعتبر الاعتقاد من باب الطريقية إلى الواقع وأمّا إذا اعتبر من باب الموضوعيّة فالظاهر جريان القاعدة فيه لقابلية الاعتقاد حينئذ للاتّصاف بالصّحة والفساد كجواز الشهادة للعالم بناء على أخذ الاعتقاد جزء موضوع منه كما تقدّم في صدر الكتاب (الثّامن) أنّه علي القول المشهور من اختصاص مورد القاعدة بأفعال الصّلاة أعني الأفعال المعنونة منها في كلمات الأصحاب لا إشكال في جريانها في أفعال المختار وأمّا المضطرّ كصلاة المريض جالسا أو مستلقيا أو مضطجعا ففي جريان القاعدة في أفعاله كالجلوس بدل القيام والإيماء والغمض بالعين بدل الرّكوع والسّجود مع تعذرهما محلّ إشكال لعدم عنوانه في كلمات الأصحاب على ما ادعاه صاحب الجواهر وتحقيق المقام أنّ الأفعال المذكورة إن ثبتت بدليّتها عن أفعال المختار شرعا فلا إشكال في جريان القاعدة فيها لعموم البدليّة فإن جعل الإيماء بدلا عن الرّكوع والسّجود يقتضي تنزيله منزلتهما في جميع أحكامهما حتّى أحكام الشكّ فإذا شكّ في الإيماء للرّكوع بعد الشّروع في الإيماء للسّجود لا يلتفت إلى شكّه وبنى على وقوع المشكوك فيه وإن لم تثبت البدليّة فالأظهر عدم جريان القاعدة فيها لأنّ الفرض اختصاص القاعدة بأفعال صلاة المختار لأنّها المتيقّنة من أخبار الباب وغاية الأمر أن يتعدّى إلى ما هو بمنزلتها شرعا دون غيرها وتحقيق موارد ثبوت البدليّة موكول إلى نظر الفقيه ومجمله ثبوت البدليّة في الإيماء للرّكوع والسّجود وأمّا الجلوس ففيه أقوال المنع مطلقا وهو الأظهر والقول بالموجب كذلك والتفصيل بدعوى ثبوت بدليته عن القيام في حال القراءة دون غيرها فعلى الأوّل يكون القيام ساقطا عن المضطرّ ويكون الجلوس من المقدّمات الشّرعيّة للقراءة وكذا الكلام في الاضطجاع والاستلقاء فإذا شكّ في الإيماء للسّجود بعد الجلوس قبل الشّروع في القراءة يعود على الأوّل دون الأخيرين لعدم تحقّق الدّخول في فعل آخر عليه دونهما وإذا شكّ فيه بعد الشّروع في القراءة لا يلتفت إلى شكه على الأخيرين وأما على الأوّل فالظّاهر وجوب العود لأنّه وإن دخل في القراءة إلاّ أنّ القراءة ليست معنونة في الفقه بنفسها بل بوصف كونها حال القيام لا مطلقا والمعتبر على مذهب المشهور في عدم الالتفات إلى الشكّ في فعل من أفعال الصّلاة هو الدّخول في فعل آخر من الأفعال المخصوصة المعنونة في كلمات الأصحاب والجلوس على القول ببدليته عن القيام واجب حيث يجب فيه القيام ومستحب حيث يستحب كما في حال القنوت وفي حكم صلاة المضطرّ في جريان القاعدة فيها وعدمه النّوافل حيث يجوز فعلها ماشيا وعلى الدابة والإيماء لركوعها وسجودها هذا كلّه على مذهب المشهور وأمّا على المختار من عموم القاعدة فلا فرق بين صلاة المختار والمضطر وغيرهما لأنّ المدار حينئذ على حصول الشكّ في فعل بعد الدّخول في فعل آخر مطلقا من دون فرق بين العبادات والمعاملات على أصنافهما التّاسع أنّ الشكّ المأخوذ في موضوع القاعدة تارة يكون سازجا وأخرى مشوبا بالعلم الإجمالي ولا إشكال في جريانها على الأوّل وأمّا الثّاني مثل ما لو توضأ وضوءين أصليّ وتجديدي وقلنا بعدم رفع التجديدي للحدث وصلى بعدهما صلاة واحدة أو أكثر ثم تيقن بطلان أحد الوضوءين وإنّما قلنا بكون أحدهما تجديديّا لأنّه مع كونهما أصليين حصل العلم بصحّة الصّلاة للقطع بوقوعه بعد وضوء صحيح رافع للحدث وإنّما قلنا بعدم رفع التجديدي لأنّه إن قلنا برفعه كان كالأصلي ومن هنا يظهر أنّه لو كانا تجديديين وقلنا برفع التجديدي كانا كالأصليين وإن قلنا بعدم رفعه حصل العلم حينئذ ببطلان الصّلاة الواقعة بعدهما ففرض احتمال الصّلاة للصّحة والفساد فيما وقعت بعد وضوءين علم ببطلان أحدهما لأجل

٥٥٨

الإخلال ببعض ما يعتبر فيه منحصر فيما ذكرناه فقد حكي عن العلاّمة في المنتهى عدم الالتفات إلى هذا الشكّ لاندارجه تحت عموم القاعدة ونقله الشّهيد في محكي البيان عن السّيّد جمال الدّين بن طاوس واستوجهه وقال في المدارك ويمكن الفرق بين الصّورتين بأنّ اليقين هنا حاصل بالتّرك وإنّما حصل الشكّ في موضعه بخلاف الشكّ بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه والمتبادر من الأخبار المتضمّنة لعدم الالتفات إلى الشكّ في الوضوء بعد الفراغ الوضوء الذي حصل الشكّ فيه بعد الفراغ انتهى وظاهره كون العلم الإجمالي مانعا من جريان القاعدة مطلقا والذي يساعده التحقيق أنّ العلم الإجمالي إن كان مستلزما لخطاب شرعي يلزم من إلغائه مخالفته نظير الشبهة المحصورة إذا كان طرفاها محلّ ابتلاء للمكلّف لا تجري فيه القاعدة وإن لم يستلزمها لا يعتبر فيه العلم الإجمالي ويراعى فيه مقتضى القاعدة نظير الشبهة المحصورة أيضا إذا كان كل من طرفيها أو أحدهما خارجا من محلّ الابتلاء فالعلم الإجمالي على إطلاقه غير مانع من جريان القاعدة كما لا يمنع جريان الاستصحاب كذلك وتوضيح المقام أنّ الطّهارتين اللّتين علم ببطلان إحداهما إجمالا إن ترتب على بطلانهما حكم شرعي فالعلم ببطلان إحداهما يستلزم ترتب هذا الخطاب عليه فلا تجوز مخالفة مثل هذا العلم الإجمالي كما قرّر في محلّه كما إذا صلّى بعد كل من الطّهارتين الرّافعتين صلاة واحدة وعلم ببطلان إحداهما فإنّ العلم الإجمالي ببطلان إحداهما مستلزم للعلم كذلك ببطلان إحدى الصّلاتين لا محالة وحينئذ يجب قضاؤهما من باب المقدّمة على وجه يحصل الترتيب بينهما على القول باعتباره على ما هو الحقّ من وجوب الموافقة القطعيّة وعدم كفاية الموافقة الاحتماليّة على ما حققناه في الشّبهة المحصورة والقائل بجريان القاعدة في المقام إن أراد إجراءها بالنّسبة إلى كلّ من طرفي العلم الإجمالي فهو مستلزم لمخالفة خطاب وجوب قضاء الفوائت قطعا وإن أراد إجراءها بالنسبة إلى أحدهما فهو مستلزم لمخالفته الاحتمالية نظير ما قررناه في الشبهة المحصورة وغيرها من موارد العلم الإجمالي الذي تستلزم مخالفته مخالفة خطاب شرعيّ وإن لم يترتب على بطلانهما أو بطلان إحداهما حكم شرعي مثل الصّلاة الواقعة بعد وضوءين تجديديين أو أحدهما أصلي والآخر تجديدي وقلنا بعدم رفع التجديدي كما في محلّ الفرض فلا مجرى للقاعدة على الأوّل بخلاف الثّاني أمّا عدم ترتب حكم على بطلان الأوّلين فلفرض عدم استناد صحّة الصلاة على الوضوء التجديدي مع القطع بصحّته فضلا عن القطع ببطلانه تفصيلا أو إجمالا فلا يترتب خطاب وجوب الإعادة والقضاء على بطلانهما وأمّا عدم ترتبه على العلم الإجمالي ببطلان أحدهما فلاحتمال كون الباطل هو التجديدي فلا يحصل العلم بتوجّه خطاب بوجوب الإعادة والقضاء بسبب هذا العلم الإجمالي وأمّا عدم جريان القاعدة على الأوّل فلفرض العلم التفصيلي ببطلان الصّلاة فيه وأمّا جريانها على الثّاني فإنّه لا محظور فيه بعد فرض عدم استلزام مخالفة العلم الإجمالي حينئذ لمخالفة خطاب منجز نظير ما حقّقناه في الشبهة المحصورة إذا كان أحد طرفي الشبهة خارجا من محلّ ابتلاء المكلّف هذا كلّه إن قلنا باعتبار القاعدة من باب الأصول وإن قلنا باعتبارها من باب الظنّ ولو نوعا فالقول بالمنع أوجه لعدم تحقق الكشف والظّنّ ولو نوعا مع العلم الإجمالي بخلافها وإن أراد صاحب المدارك بالمنع المطلق ذلك فلا اعتراض عليه وإن أراد غير ذلك بأن منع جريان القاعدة مطلقا مع قوله باعتبارها من باب التعبّد فقد عرفت ما فيه وما ادعاه من انصراف الأخبار إنما يتم على الأوّل لا على هذا القول إذ عليه لا فرق بين الشكّ البسيط والمشوب بالعلم الإجمالي في عموم القاعدة العاشر أنّك قد عرفت سابقا أنّ عدم الالتفات إلى الشكّ بحكم القاعدة إنّما هو فيما تحقّق التجاوز عن محلّ المشكوك فيه وعرفت أيضا محلّه على المختار من عموم القاعدة ومذهب المشهور وهذا مع تعين محلّ المشكوك فيه واضح وإن لم يتعيّن ذلك بأن كان المكلّف متجاوزا عن محلّ المشكوك فيه على تقدير دون آخر كما إذا علم بترك أحد جزءين إجمالا وكان متجاوزا عن محلّ أحدهما دون الآخر فهو على وجهين أحدهما أن يتحقق التجاوز عن محلّ الشكّ للمحتمل الذي فرض تحقق التجاوز عن محلّه كما إذا علم في حال النهوض للقيام بترك التّشهّد أو السّجود لأنّ المتروك إن كان هو السّجود فقد تجاوز عن محلّه ودخل في غيره وهو التّشهّد وإن كان هو التشهّد فقد بقي محلّه بعد لفرض عدم وصوله إلى حدّ القيام وثانيهما أن يتحقق التجاوز عن محل النّسيان للمحتمل المذكور وهو الدّخول في ركن آخر كما إذا علم حال النّهوض للقيام بترك التشهّد أو الفاتحة إذ لو كان المتروك هي الفاتحة فقد تجاوز عن محلّ نسيانها وهو الدّخول في الرّكوع أمّا الأوّل ففي جريان القاعدة فيه وجهان من بقاء محلّ التشهّد فيجب الجلوس له فإذا جلس يتحقق بقاء محلّ السّجود أيضا فيجب العود إليه أيضا مضافا إلى منع العلم الإجمالي من جريان القاعدة كما تقدّم ومن صدق التّجاوز عن محلّ أحد الجزءين وهو السّجود دون الآخر وهو التّشهّد فيجب عدم الالتفات إلى الشكّ بالنّسبة إلى الأوّل دون الثّاني والعلم الإجمالي غير مانع من جريان القاعدة في المقام لتعين أحد طرفيه إذ الجلوس للتشهّد واجب على كلّ حال لفرض بقاء محلّه لأنّه إن كان هو المتروك فواضح وإن كان هو السّجود دونه فلا يترتّب على وجوده أثر لأنّه إنّما يعتبر مع سبقه بالسّجود إذا لو التفت بعد التشهّد إلى نسيان السّجود وجب تداركه معه ما لم يدخل في ركن آخر وقد تقدّم في مسألة الشبهة المحصورة عدم وجوب الاجتناب عن أحد طرفيها مع تعيّن الاجتناب عن الطرف الآخر بالخصوص فكما أن العلم الإجمالي هناك غير مانع من استصحاب الطهارة كذلك هو غير مانع من إجراء القاعدة هنا بالنّسبة إلى ما تحقّق التجاوز عنه وأمّا دعوى كون الجلوس للتشهّد محقّقا لبقاء محلّ السّجود ففيها أن الإذن في العود إلى التشهّد لا يستلزم الإذن في العود إلى السجود أيضا وإن استلزم بقاء محلّه بقاء محلّه لجواز التفكيك بين اللّوازم في موارد الأصول بناء على ما هو الحقّ من كون اعتبار القاعدة من باب التعبّد دون الظنّ ولو نوعا فيجب حينئذ تدارك التشهّد لبقاء محلّه دون السّجود سيّما على القول بكون الأمر بالمضي وعدم الالتفات إلى الشكّ من باب العزيمة دون الرّخصة ومن هنا قد قوى هذا الوجه بعض مشايخنا ولكنّك خبير بأنّه وإن فرض صدق التجاوز عن محلّ السّجود إلاّ أنّه لم يتحقق الدّخول في الغير كما هو المعتبر في عدم الالتفات إلى الشكّ لأنّه فرع العلم بالإتيان بالتشهّد وهو خلاف الفرض وكيف كان فعلى ما قوّاه لا فرق بين أن يكون أحد الجزءين ركنا وعدمه نعم لو كان كلّ منهما ركنا فلا يمكن فرضه في هذا القسم بل هو داخل في القسم الثّاني إذ مع فرض كون المتروك هو الجزء الأوّل الرّكني يحصل التجاوز عن محلّ نسيانه بالدّخول في الجزء الآخر الرّكني وإن فرض بقاء محلّ شكّ هذا الجزء الرّكني

٥٥٩

كما لا يخفى وأمّا الثّاني فالظاهر جريان القاعدة بالنسبة إلى الجزء الّذي حصل التّجاوز عن محلّ نسيانه لصدق التجاوز عن محلّه ولا يلزم هنا ما يلزم في القسم الأوّل من استلزام العود إلى الجزء الذي فرض بقاء محلّ شكه لتحقّق بقاء محلّ الجزء الآخر والعلم الإجمالي بترك أحد الجزءين غير مانع من جريان القاعدة لعدم ترتب خطاب شرعيّ عليه لأنّه لو فرض العلم بكون المتروك هو الجزء الّذي فرض التجاوز عن محلّ نسيانه لا يجب تداركه فمع كون المتروك هو ذلك لا يحصل العلم بتوجّه خطاب وجوب تدارك ما علم تركه إجمالا فلا مانع من مخالفته بإجراء القاعدة نعم لو كان الجزء الّذي تحقق التّجاوز عن محلّ نسيانه جزءا ركنيّا فمن العلم إجمالا بكون المتروك هو هذا الجزء الرّكني المرتّب عليه بطلان الصّلاة أو الجزء الّذي بقي محلّ شكّه المرتّب عليه وجوب تداركه يحصل العلم بتوجّه خطاب إجمالي إليه وهو الخطاب المردّد بين وجوب إعادة الصّلاة وبين وجوب تدارك ما بقي محلّ شكّه فلا تجوز مخالفة هذا العلم الإجمالي كما لا تجوز مخالفته لو ترتب عليه خطاب تفصيلي كما في الشبهة المحصورة اللهمّ إلاّ أن يمنع اعتباره هنا أيضا على نحو ما عرفته في الوجه الثّاني من القسم الأوّل من تعين أحد طرفي العلم الإجمالي ومن هنا يظهر الكلام فيما لو كان الجزءان معا ركنيين كما لو شكّ في حال النّهوض للقيام للرّكعة الثّانية مثلا في ترك السّجدتين أو الرّكوع والله أعلم الحادي عشر أنّه لو دار الأمر في مورد القاعدة بين الأقلّ والأكثر بأن شكّ بعد الدّخول في السّورة في ترك الفاتحة كلا أو بعضا بأن تردّد المتروك بين النّصف الأخير منها وبين تمامها ففي جريان القاعدة هنا وجهان من انحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي فلا يلتفت إلى شكّه لتحقّق التّجاوز عن محلّ المشكوك فيه بالدّخول في السّورة فيكتفي بتدارك ما علم تركه تفصيلا وهو النّصف الأخير من الفاتحة ومن أنّه يجب العود إلى تدارك النّصف الأخير منها لفرض العلم بتركه تفصيلا ومع العود إليه لا يصدق التجاوز عن محلّه المشكوك فيه وهو النّصف الأوّل فيجب العود إليه أيضا وهذا لا يخلو من قوّة فتأمل الثّاني عشر أنّه إذا نزل فعل مركّب من أجزاء عديدة منزلة فعل واحد بحيث لا تجري القاعدة عند الشكّ في بعض أجزائه قبل الدّخول في فعل آخر كالوضوء على ما أوضحه المصنف رحمه‌الله فإذا شكّ في بعض شروطه كما إذا شكّ بعد الدّخول في غسل اليد اليمنى في كون غسل الوجه بالماء المباح أو المغصوب ففي جريان القاعدة فيه وجهان من كون الشّروط تابعة للأجزاء لأنّها الأصل في التركيب وظاهر تنزيل الأجزاء منزلة فعل واحد هو تنزيلها بمنزلته مع جميع توابعها ولواحقها فتكون الشّروط حينئذ في حكم الأجزاء فلا تجري فيها القاعدة إلاّ إذا حصل الشكّ فيها بعد الدّخول في فعل آخر غير الوضوء كالأجزاء ومن أنّ المتيقّن من تنزيل المركّب منزلة فعل واحد تنزيله بحسب أجزائه فتبقى الشّروط تحت عموم القاعدة سيّما إذا كان خروج أجزاء الوضوء من عموم القاعدة من باب التخصيص دون التخصّص بتنزيلها منزلة فعل واحد على ما عرفت إذ مع خروج الأجزاء عن حكم القاعدة لا دليل على خروج شرائطها أيضا والله أعلم (قوله) على بيان مدركها من الأدلّة الأربعة إلخ ربّما يستدل على القاعدة بالأصل وهو يقرّر بوجهين أحدهما ما ذكر الشيخ الأجلّ فقيه عصره الشيخ جعفر قدس‌سره قال في مقدمات كشف الغطاء إنّ الأصل فيما خلق الله تعالى من الأعيان من عرض وجوهر حيوان وغير حيوان صحّته وكذا ما أوجده الإنسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما خلقت له وعلى وفق الطبيعة الّتي اتحدت به من مسلم مؤمن أو مخالف أو كافر كتابي أو غير كتابي فيبنى إخباره ودعاويه على الصّدق وأفعاله وعقوده وإيقاعاته على الصّحة حتّى يقوم شاهد على الخلاف إلاّ أن يكون في مقابله خصم ولا سيّما ما يتعلق بالمقاصد ونحوها ولا تتعلق به مشاهدة المشاهد فإنّه يصدق عليه ويجري الحكم على نحو الدّعوى فيه فمن ادعى القصد بإشارته دون العبث أو قصدا خاصا لعبادة خاصّة أو معاملة كذلك أو ادّعى العجز عن النّطق بألفاظ العبادات أو المعاملات أو عن الإتيان بها على وفق العربيّة فيما يشترط فيه كالطّلاق أو العجز عن القيام أو تحصيل الماء في صلاة النّيابة بطريق المعاوضة أو عن وطي المرأة بعد أربعة أشهر أو قصد النيابة أو الأصالة أو الإحياء أو الحيازة إلى غير ذلك فليس عليه سوى اليمين وتفصيل الحال أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات ونباتات أو حيوانات أو عقود أو إيقاعات أو غيرها من إنشاءات أو إخبارات أن يكون على نحو ما غلبت عليه حقيقتها من التّمام في الذات وعدم النقص في الصّفات على طور ما وضعت له مبانيها وعلى وجه يترتب آثارها فيها على معانيها من صدق الأقوال وترتّب الآثار على الأفعال ثم فرق بين حال المسلم والكافر بوجوه أربعة يطول الكلام بنقلها ولم أجد أحدا قبله عمم القاعدة على نحو ما عممها ولازمه دعوى أصالة الحجّية في خبر الفاسق وأن نافي حجيّته يحتاج إلى إقامة البرهان عليه وأنت خبير بأنّه لم يساعده دليل ولا اقتضاه برهان من عقل أو نقل لأنّ غاية ما يمكن أن يقال في الأعيان أنها بحسب جبلتها ومقتضى نوعها أن تكون صحيحة ما لم يعرض لها ما يخرجها من مقتضى طبيعتها ووضع نوعها فإنّ الزّيادة والنقصان وسائر العوارض الخارجة من مقتضى الطّبيعة النوعية العارضة للإنسان والحيوان وسائر الأعيان من النباتات والجمادات إنّما هي من قبيل العوارض المانعة من عمل الطبائع مقتضاها فإذا شكّ خروج شيء من مقتضى نوعها فأصالة عدم عروض ما يخرجه من مقتضى الطّبيعة النّوعيّة تقتضي الحكم بصحّته ولذا ترى الفقهاء يكتفون بأصالة الصّحة عن الاختبار في الأشياء الّتي يفتقر في بيعها إلى اختبارها ممّا يشكل اختيارها حين البيع كالبيضة وما يشابهها من الفواكه ونحوها وغاية الأمر أنّه بعد ظهور الفساد بالكليّة بعد العقد يحكم بفساده وفي الجملة بأن لم يخرج بفساده من المالية يحكم بخيار الفسخ للمشتري ولكن ما لم يظهر فساده يحكم بصحّته وصحّة العقد في الظاهر بمقتضى الأصل المذكور ولكنك خبير بأن ذلك وإن تم في الأعيان إلاّ أنّه لا يتأتى في الأفعال والأقوال لأنّ طبيعة القول والفعل ليست ممّا يقتضي صدورهما عن الفاعل بحيث يترتب عليهما آثارهما من الصّدق في الأقوال والآثار الشّرعية في الأفعال فإنا لم نجد فرقا بين صحيح العقد وفاسده من حيث اقتضاء طبيعة الألفاظ صدورها على وجه الصّحة بحيث يترتب عليها الآثار الشرعيّة وكذا بين فعل الصّلاة وأكل الرّبا من حيث كون مقتضى طبيعة الفعل كونه صادرا على وجه الصّحة إذ لا وضع ولا توظيف في الأقوال والأفعال بحسب طبيعتهما النّوعيّة حتّى يقتضي صدورهما على هذا الوضع والتوظيف كما هو ظاهر كلامه بل الشّارع إنّما لاحظهما ورتب عليهما أحكاما شرعيّة على حسب ما لاحظ فيهما من المصالح والمفاسد لا أنّ طبيعتهما

٥٦٠