أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

ومثله أيضا ، حديث العبّاس بن مرداس (١) السّلميّ : أنّه كان عند صنم لبنى سليم يقال (٢) له (٣) «ضمار» (٤). فسمع (٥) صوتا من جوف الصّنم فى بعض اللّيالى يقول :

قل للقبائل من سليم كلّها

هلك الضّمار وعاش أهل المسجد

أودى ضمار وكان يعبد مرّة

قبل الكتاب إلى النّبيّ محمّد

فى ابيات كثيرة ؛ فخرج فزعا وتلقاه رجل على نعامة وهو يقول : بشرّ الجنّ وأبلاسها ، ألا (٦) قد كفيت (٧) السّماء أحراسها (٨) ووضعت الحرب أحلاسها وتجرّعت أنفاسها للنور الّذي نزل يوم الاثنين وليلة الثلثاء على صاحب الناقة العضباء (٩) فى وادى (١٠) العنقاء. فرجع العباس بن مرداس الى ضمار فاحرقه (١١) ، ثم توجه الى النبي (ص) وآمن به وقال فى ذلك شعرا :

لعمرك انّى يوم أجعل ، جاهلا (١٢)

ضمار الربّ العالمين مشاركا (١٣)

فآمنت بالله الّذي انا عبده

وخالفت من أمسى (١٤) يريد المهالكا

وهذه قصيدة طويلة. فهذه من جهة الكهّان وسدنة الأصنام ؛ ومثلها اخبار (١٥) كثيرة تركنا ذكرها وهذا وجه من الدّلالات.

(٢) ووجه آخر من أعلامه ، كلام أصناف الحيوان من البهائم والسّباع وغير ذلك ونطقهم بنبوّته (ص). من ذلك : حديث أهبان بن أوس الاسلمى (١٦) مكلّم الذئب ، كان فى غنم له فرأى ذئبا قد شدّ على طلى ظبى (١٧) فصاده (١٨) ، فحمل (١٩)

__________________

(١) ـ مرداس : مرادC (٢) ـ يقال : ـ A (٣) له : لهاABC (٤) ضمار : صنماABC (٥) فسمع : سمع C (٦) ـ الا : ـ B ، ان C (٧) كفيت : كنت C (٨) احراسها : اخراسهاB (٩) ـ العضباء : العضاءA ، الغصبان B ، الصهباءC (١٠) وادى : اوادى A دورى C (١١) فاحرقه : فاحرقهاABC (١٢) ـ جاهل جاهلاABC (١٣) مشاركا : مشركاB (١٤) ـ امسى : امتى B (١٥) ـ اخبار : اخياره B (١٦) ـ الاسلمى : السلمى A (١٧) ـ ظبى : طبن C (١٨) فصاده : فصاره B فصاعده C (١٩) فحمل : محمدB

٢٠١

عليه أهبان فانتزعه (١) منه فأقعى الذّئب بعيدا منه على ذنبه ، ثم قال : ما لى ولك تسلب منّى رزقا رزقنيه الله ليس من مالك؟ فتحيّر أهبان لذلك وقال (٢) : يا عجبى ذئب يتكلّم! فقال الذئب (٣) : أعجب من كلامى رسول الله (٤) بين هذه النّخلات يحدّث النّاس بأخبار ما سبق وأنباء ما يكون ، يدعو إلى (٥) عبادة الرّحمن وتأبون إلّا عبادة الأوثان. فأتى أهبان رسول الله (ص) وآمن به ؛ وله حديث. وولده يسمّون (٦) الى يومنا هذا بنو مكلّم الذئب. وله فى ذلك شعر (٧) يقول فيه :

رعيت الضأن أحميها بكلبى

من اللّص الخفىّ وكلّ ذيب

فلمّا أن سمعت الذّئب نادى (٨)

يبشّرنى بأحمد من قريب

سعيت إليه قد شمّرت ثوبى

عن السّاقين فى الوفد (٩) الرّكيب

فالفيت (١٠) النبىّ يقول قولا

صدوقا ليس بالهزل الكذوب

وهى قصيدة. ومنه أنّ بعيرا للوليد بن مغيرة المخزومىّ (١١) تكلّم فى اليوم الّذي (١٢) ولد فيه رسول الله (ص) وقال : هذا أحمد قد (١٣) ولد ، أفلح منكم من تبعه وخسر من ولىّ عنه. فأقبل الوليد وهو يقول : يا آل قريش أدركوا ، فانّ بعيرى (١٤) قد سحر (١٥). فاجتمعت (١٦) قريش والبعير يقول ذلك ، والوليد يقول : سحر بعيرى وربّ الكعبة. فقال فى ذلك بعض قريش :

ألا يا لقوم (١٧) هل رأيتم بهيمة

تكلّم فى النادى (١٨) بأنباء ما مضى

__________________

(١) ـ فانتزعه : قال تنزعه B (٢) ـ وقال : فقال B (٣) الذئب : الّذي A (٤) ـ الله : من الله AC ـ (٥) ـ الى : + الله B (٦) ـ يسمون : يسمعون B (٧) ـ شعر : ـ B (٨) ـ من اللص ... نادى : ـ B (٩) ـ الوفد : الوافل B (١٠) ـ فالفيت : فاليت B (١١) ـ المخزومى : الخزومى A (١٢) ـ الّذي : ـ B (١٣) قد : ـ A (١٤) ـ بعيرى : + ورب الكعبة فقال A (١٥) سحر : سخرB (١٦) فاجتمعت : فاجمعت B (١٧) ـ يا لقوم : بالقوم AB (١٨) النادى : النارى B ، البارى C

٢٠٢

وتخبر عن علم بما هو كائن

فهذا بعير للوليد قد انبرى (١)

ينادى بأعلى الصّوت والنّاس حوله

ألا ضلّت (٢) الأصنام واللّات والعزى

وهذا أوان الهاشميّ محمّد

يدين بدين الله والحقّ قد بدى (٣)

ومنها حديث هشام بن سعيد : كان خرج إلى الشام ، فاقتنص (٤) فى طريقه (٥) ظبية فى اليوم الّذي ولد (٦) فيه رسول الله (ص) فلما صارت فى يديه (٧) وقبض عليها (٨) ، تكلّمت وقالت : ولد أحمد بن عبد الله سيد المرسلين ففزع هشام وارتعشت يداه (٩) وذهبت الظّبية. فلما قدم الشام دخل على قيصر وأخبره (١٠) بذلك (١١) ؛ فبعث إلى الرّهبان وجمعهم وأخبرهم بذلك ، فقالوا : رأينا الصّوامع فى هذه اللّيلة (١٢) قد أضاءت نورا (١٣) ومالت حتى ظننّا أنّها سقطت ، ورأينا قناديل الكنائس كلّها منكوسة (١٤). فحفظوا ذلك اليوم ، فاذا هو اليوم الّذي ولد فيه رسول الله (ص).

ومثل هذا من كلام (١٥) البهائم والطير وغير ذلك أخبار كثيرة تركنا التّطويل بها مثل البعير الّذي جاء إلى رسول الله (ص) فاستناخ (١٦) ورغا ، فدعا رسول الله (ص) أصحابه (١٧) وعرّفهم ما شكاه (١٨) منهم.

ومثله حديث العجل الّذي لبنى غفار ، أرادوا أن يذبحوه فنطق وقال :

__________________

(١) ـ انبرى : انتهى C (٢) ـ ضلت : ضللت B (٣) ـ قدبدى : قدرى B (٤) ـ فاقتص فاقتض B (٥) طريقه : الطريق به B (٦) ولد : ـ A (٧) ـ فى يديه : بيديه C (٨) عليها : ـ B (٩) ـ يداه : يديه B (١٠) اخبره : اخبرهم B (١١) بذلك ... اخبرهم : ـ B (١٢) ـ فى هذه الليلة : ـ C (١٣) نورا : + فى هذه الليلةC (١٤) ـ منكوسة : منكوس B (١٥) ـ كلام ـ الكلام AB (١٦) ـ فاستناخ : فاناخ B (١٧) اصحابه : واصحابه B (١٨) شكاه : شكاA

٢٠٣

يا بنى غفار أمن نجيح ينجح (١) ، صائح بمكة يصيح أن لا إله الا الله. فوفد بنو غفار (٢) على رسول الله (ص) وآمنوا به.

ومثله حديث الجمل الّذي نحر بمكّة فتكلّم بعد ما نحر ؛ فأقبل الجزار الى نادى قريش فقال : هلموا (٣) فاسمعوا العجب! نحرت جزورا لى وهو يتكلّم! فأقبلوا إليه فاذا هو يقول : ولد احمد ، نحرت قريش كما نحرت. فانصرفوا فاذا عبد المطّلب يحمل محمدا الى هبل وقد ذكرنا حديثه.

ومثله حديث أتان حليمة ظئر (٤) رسول الله (ص) كانت تسبق الرّكب وكانت قبل ذلك لا تنبعث هزلا وضرا. وقالوا (٥) لها إن لأتانك شأنا. فنطقت وقالت : أعظم شأن (٦) ، حملت سيد الاولين والآخرين.

ومثله حديث الطّير الّذي أخذت فراخه فجاء يرفرف على رسول الله (ص) فقال : إن هذا الطّير يزعم أنّ فراخه أخذت فاطلبوها! فوجدت عند رجل فسيّبوها. ومثلها أخبار كثيرة ، ولكل (٧) خبر من هذه وغيرها حديث طويل ، تركنا تطويل الخطاب (٨) بها ؛ وهذا وجه من اعلامه.

(٣) ووجه آخر من اعلامه وهى امور كانت منه (ص) : من ذلك أنّه لمّا خرج مهاجرا (٩) إلى المدينة مستخفيا من قريش ومضى إلى الغار جعلت قريش لمن يدلّ عليه مائة ناقة فخرج سراقة بن جعشم (١٠) المدلجى على فرس

__________________

(١) ـ أمن نجيح ينجح : امر بخيتخ يحح ABC (٢) ـ بنو غفار : بنى غفارB (٣) ـ هلموا : هملواB (٤) ـ ظئر : طيرB (٥) ـ وقالوا : فقالواC (٦) ـ شان : شأناB (٧) ـ لكل : كل C (٨) ـ الخطاب : الخطب BC ـ (٩) ـ مهاجرا : منها اجرB (١٠) ـ جعشم : جشعم C

٢٠٤

له فى طلبه ، رغبة فيما بذلته (١) قريش. فلحق رسول الله (ص) فى طريقه فلما رآه (ص) قال : اللهم امنعه عنّا (٢) ، فعثر به (٣) فرسه وساخت قوائمه فى الارض فناداه سراقة وقال (٤) : يا محمّد دعنى وخلّ عنّى (٥) فو الله لا يأتيك عنّى (٦) ما تكرهه! فقال (٧) (ص) (اللهم إن كان صادقا فأنجه) فخرجت قوائم فرسه وانصرف إلى مكّة وأخبرهم بشأنه فخاف أبو جهل أن يكون قد أسلم سراقة ، فقال

بنى مدلج إنّى إخال (٨) سفيهكم

سراقة مستغو لامر محمد

وهى قصيدة مشهورة لابى جهل ، فاجابه سراقة (٩) :

أبا حكم واللّات لو كنت شاهدا

لامر جوادى إذ تسوخ (١٠) قوائمه

شهدت ولم تشكك بأنّ محمدا

نبى ببرهان فمن ذا يكاتمه (١١)

وهى قصيدة له. وقيل فى ذلك شعر (١٢) كثير من ذلك قول ابى بكر :

إن تخسف الارض بالأحوى وفارسه

فانظر الى أربع فى الارض غوار

فهيل لمّا رأى ارساغ (١٣) معرفة (١٤)

قد سخن فى الارض لم تحفر بمحفار

ومن ذلك حديث الشجرة التى دعاها (١٥) فاقبلت إليه تخدّ الارض ؛ و

__________________

(١) ـ بذلته : بذله B (٢) ـ عنا : عنى C (٣) فعثر به : فضربه A (٤) ـ وقال : ـ BC (٥) عنى : عينى B (٦) عنى : ـ A (٧) ـ فقال : + ابو جهل A ، + شعرB (٨) ـ اخال : اخاف AC ـ (٩) ـ سراقة : + شعرBC ـ (١٠) ـ تسوخ : تسوح B (١١) ـ يكاتمه : بكالمةB (١٢) ـ شعر : ـ A (١٣) ـ ارساغ : ارساع B ، ازج C (١٤) معرفة : مقرفه A (١٥) ـ دعاها : دعاB

٢٠٥

حديثها : أنّ ركانة (١) بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب (٢) بن عبد مناف ، وكان من أشدّ الناس بطشا وأقواهم قوة ، قد اعترفت له بذلك قريش كلّها ، تلقّاه رسول الله (ص) فى بعض شعاب مكّة ، فقال له : «ألست تزعم أنّك أشدّ العرب بطشا وأقواهم قوّة ، قد اعترف (٣) (٤) لك بذلك؟»

قال : نعم!

قال : «أرأيتك إن صارعتك فصرعتك (٥) ، تؤمن (٦) بى ، وأنّ ما أتيت به حقّ؟»

قال : نعم!

فصارعه فصرعه رسول الله (ص) (٧) وأضجعه حتى لا يملك من نفسه شيئا ، فعاد أيضا فصرعه وفعل (٨) به مثل ذلك ، حتى فعل به ذلك ثلاث مرّات ، فقال : إنّ هذا والله لعجب يا محمّد أن تصرعنى وأنا أشدّ قريش بطشا!

فقال له رسول الله (ص) : «إن شئت أريتك (٩) ما هو أعجب من هذا إن اتّبعت أمرى!»

قال : وما هو؟

قال : «أدعو هذه الشّجرة فتأتينى»

قال : فافعل! فدعاها ، فأقبلت تخدّ (١٠) الأرض حتى وقعت بين يديه ، ثم قال لها : «ارجعى إلى مكانك!» فرجعت إلى مكانها (١١). فجاء ركانة (١٢) إلى نادى قريش وقال : يا آل (١٣) قريش! ساحروا (١٤) بصاحبكم أهل الأرض! فما فى الأرض (١٥)

__________________

(١) ـ ركانة : دكانةA ، لكانه B (٢) ابن عبد المطلب : ـ A (٣) ـ اعترفت : اعترف ABC (٤) اعترف : اعترفت C (٥) ـ فصرعتك : +B ـ (٦) تومن : فتومن BC (٧) ـ رسول الله (ص): ـ A (٨) ـ وفعل : + وفعل A (٩) ـ أريتك : ان رايتك B ، أر أيتك C (١٠) ـ تخذ : تخلدB (١١) ـ مكانها : مكان BC ـ (١٢) ركانة : ركانهاB (١٣) يا آل : يال B (١٤) ساحروا : ساخرواB (١٥) فما فى الارض B

٢٠٦

أسحر منه! ثم أخبرهم بالذى رأى منه وانتشر ذلك (١) فى قريش ولم يزالوا يتحدّثون به ، وأخذه الخلف عن كفّار قريش.

فهذا وجه من أعلامه ، ومن هذا النوع أحباره كثيرة ، مثل خروجه على قريش لمّا اجتمعوا فى دار النّدوة وتشاوروا (٢) فى أمره فاتّفقوا على أن يجتمع عليه من كل (٣) قبيلة قوم فيقتلوه ويطل (٤) دمه ، فلا يقدر بنو هاشم على قريش كلّها (٥) فى الطّلب بدمه ؛ فاجتمعوا على باب داره ليدخلوا عليه ، فخرج عليهم ووضع التّراب (٦) على رءوسهم ومضى وهم (٧) لا يرونه.

ومن ذلك حين رماهم يوم بدر بكفّ من حصى (٨) وقال : شاهت الوجوه ، فهزمهم الله ، فأنزل الله عزوجل فى ذلك : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، وممّا يشاكل هذه ، أعلام كثيرة

(٤) ووجه آخر منها : أمور غائبة عنه كان يخبر بها (٩) فيظهر (١٠) صدقه فيها ، من ذلك حديث النّجاشى حين مات بأرض الحبشة ، وقد كان أجاب الى الاسلام ، فقال (ص) لأصحابه (١١) : «إنّ أخاكم النّجاشىّ قد مات بأرض الحبشة فاخرجوا نصلّى عليه». فخرج بأصحابه إلى البقيع ، فصفّهم خلفه وصلّى عليه. فحفظوا ذلك اليوم ، ثم ورد الخبر أنّه مات فى ذلك اليوم.

ومثله خبر كسرى لمّا كتب إلى (١٢) باذان وهو عامله على اليمن أن ابعث (١٣) إلى هذا الرّجل الّذي خرج بالحجاز رجلين من عندك (١٤) يأتيانى به ، فبعث باذان قهرمانة ورجلا آخر معه فى ذلك ؛ فلمّا قدما عليه (ص) قال لهما : (إنّ

__________________

(١) ـ ذلك : وذلك B (٢) ـ تشاوروا : شاورواC (٣) ـ كل : كله B (٤) يطل : بطل B (٥) كلها : كانهاA ، ـ B (٦) ـ التراب : ـ A (٧) هم : هوA (٨) ـ حصى : حصاةC (٩) ـ يخبر بها : يخبرهاBC ـ (١٠) فيظهر : يتطهرB (١١) ـ لاصحابه : ـ C (١٢) ـ الى : الاC (١٣) ان ابعث : انا بعث B (١٤) ـ عندك : عنده C

٢٠٧

الله قد أوحى إلى أنّ شيرويه (١) وثب (٢) على أبيه كسرى فقتله فى شهر كذا (٣) من ليلة كذا). فانصرفا إلى باذان فأخبراه بذلك. فقال باذان ننتظر به ، فان صح ما قال فهو نبىّ ، وإن يك (٤) غير ذلك رأينا رأينا فيه. فلم يلبث باذان أن ورد عليه كتاب شيرويه بقتله أباه (٥). فأسلم باذان وأسلم من كان معه من أصحابه.

ومثله حديث خالد بن الوليد لمّا وجهه النّبيّ (ص) إلى أكيدر دومة الجندل ، وكان ملكا عليها وكان نصرانيّا ؛ فقال لخالد : «انك تجده يصيد (٦) البقر ، ويظفرك الله به.» فمضى خالد ، فلما قرب من قصره وهو مع حرمه فى قصره ، وجاءت بقر وحكّت بقرونها باب قصره ، فخرج مع نفر من أصحابه يتبع البقر ليصيدها ؛ فاوقع به خالد وأخذه وقتل أخاه (٧) حسّان. فقال فى ذلك بجير (٨) بن بجرة (٩) الطّائى :

تبارك سائق البقرات إنى

رأيت الله يهدى كل هاد

وهى قصيدة.

ومثله حديث صرد بن عبد الله الأزدى بعثه رسول الله (ص) وأمره أن يجاهد بمن معه من قبائل اليمن. فمضى ونزل بجرش (١٠) وهى (١١) يومئذ مدينة (١٢) مغلقة. فخرجوا إليه (١٣) والتقوا بجبل يقال له (١٤) كشر (١٥). وكان قد أحضر عند رسول الله (ص) رجلان من جرش (١٦) وفدا (١٧) لهم فبينا هما عنده (١٨) عشيّة بعد العصر ، قال (١٩) (ص) : أىّ (٢٠) بلادكم شكر؟» فقالا يا رسول الله! ببلادنا (٢١) جبل يقال له كشر.

__________________

(١) ـ شيرويه : شيريةB (٢) وثب وتب B (٣) كذا : + من كذاA ، هذاB (٤) ـ يك : يكن A (٥) ـ اباء : اياه AB (٦) ـ يصيد : بصيدB (٧) ـ اخاه : اخاA (٨) ـ بجير : بحيرABC (٩) بجرة : جرةA (١٠) ـ بجرش : بجبرش B (١١) هى : هوC (١٢) مدينة : ـ C (١٣) إليه : به C (١٤) ـ له : لهاB (١٥) كشر : كثرA (١٦) ـ جرش : جوش B (١٧) وفدا : وقال B (١٨) عنده : عنه B (١٩) قال : فقال B (٢٠) ـ اى : الى B (٢١) ببلادنا : بلادناC

٢٠٨

فقال : «ليس بكشر (١) ولكنه شكر ، وإن البدن تنحر فيه الآن (٢)». فقال أبو بكر للرجلين (٣) : ويحكما! إنّ رسول الله (ص) ينعى (٤) إليكما قومكما ، فاسألاه أن يدعو الله ليرفع (٥) عن قومكما. فسألاه ، فقال : «اللهم ارفع (٦) عنهم». فرجعا إلى قومهما (٧) وقد أصيبوا فى ذلك اليوم وفى تلك السّاعة.

(٥) ووجه آخر وهو قريب من هذا الباب ، حديث العباس بن عبد المطلب حين أسر ، فقال النبي (ص) له (٨) : افد نفسك وابنى أخيك (٩) عقيلا ونوفل بن الحارث (١٠) بن عبد المطّلب وحليفك (١١) عتبة بن عمرو بن جحدم (١٢) فانك ذو مال (١٣)». فقال : يا رسول الله (١٤) ، ليس لى مال. قال : «فأين المال الّذي دفعته (١٥) الى أمّ الفضل وقلت لها إن أصبت (١٦) فى سفرى هذا فللفضل كذا ولعبد (١٧) الله كذا ولقثم (١٨) كذا ولعبيد الله (١٩) كذا؟» وذكر له (٢٠) مقدار ما سماه لكلّ واحد منهم. فقال له العباس : وربّ الكعبة ما علم هذا أحد غيرى وغيرها ، وإنّى (٢١) لأعلم أنك رسول الله. ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه.

ومثل ذلك حديث ناقته التى ضلّت فخرج قوم فى طلبها (٢٢) ، وكان زيد بن اللّصيت (٢٣) منافقا (٢٤) ، وكان فى رحل (٢٥) عمارة بن حزم وكان عمارة عقبيّا (٢٦) بدريّا ، وكان عمارة جالسا عند رسول الله (ص) ، فقال (ص) : إنّ رجلا

__________________

(١) ـ بكشر : بكثرB (٢) الآن : الا ان B (٣) ـ للرجلين : ـ A (٤) ينعى : ينغى A ، يبغى B (٥) ـ ليرفع : يرفع B ، لترفع C (٦) ارفع : ـ A (٧) ـ قومهما. قوقمهاA (٨) ـ له : ـ B (٩) اخويك : اخيك B (١٠) الحارث : الحرث ABC (١١) ـ حليفك : خليفك A (١٢) جحده : محدم B (١٣) مال : مالك A (١٤) ـ الله : ـ B (١٥) دفعته : رفعنه B (١٦) ـ اصبت : احبت A (١٧) لعبد ، للعبدC (١٨) لقثم لهاشم B ، لقسعم A ، لسقم C (١٩) لعبيد الله : ـ C (٢٠) ـ له : ـ AC ـ (٢١) ـ انى : اى A (٢٢) ـ طلبها : طبقهاA (٢٣) اللصيت : اللصت AC ، اللتصتعيناB (٢٤) منافقا : فقال B (٢٥) رحل : رجل B (٢٦) عقبيا : عقيبا

٢٠٩

من المنافقين قد قال (١) إنّ محمّدا يزعم أنّه نبيّ وأنّه يخبر بأخبار السّماء ، وهو لا يدرى ناقته أنّى ... (فقال (ص)) : (والله ما اعلم إلّا (٢) ما علمنى الله ، وقد دلّنى عليها ، هى فى وادى كذا من شعب كذا ، قد حبستها شجرة بزمامها) فانطلقوا فوجدوها هناك. فرجع (٣) عمارة إلى أهله فحدّثهم بذلك ، فقال (٤) أهله : زيد بن اللصيت هو والله قال (٥) هذا القول. فأقبل عمارة يجا فى عنقه وقال : والله إنّ فى رحلى (٦) منافقا (٧) داهية ، والله لا يصحبنى أبدا. فأخرجه من رحله.

(٦) ومن هذا الوجه أخبار كثيرة ، منها أمور كان (٨) يخبر أن تكون بعده فكانت كما قال. من ذلك : قوله (ص) فى كسرى وقيصر لما بعث حذّافة بن قيس السّهمى بكتابه الى كسرى فلمّا وصل إليه وقرأ كتابه ، شقّه وقال : يكتب (٩) إلى بمثل هذا وهو لى عبد؟ وأمر أن يعطى حذّافة بن قيس (١٠) كفّا من تراب. فقال رسول الله (ص) : «مزّق (١١) ملكه وملّكنى من أرضه!» فكان كما قال. وكتب إلى قيصر مع دحية (١٢) بن خليفة الكلبى ، فأخذ كتابه ووضعه بين فخذه وخاصرته ، فقال رسول الله (ص) ، «ثبّت ملكه!» فكان كما قال.

ومنها قوله لعلىّ ـ كرّم الله وجهه ـ : «إنّك تقاتل (١٣) النّاكثين والمارقين والقاسطين» فقاتل بعده هذه الفرق (١٤) الثّلاثة. وقوله فى غزوة العشيرة ، حين نظر إليه وهو نائم مع عمّار ، وقد أصابه من دقعاء (١٥) التراب ، فوقف

__________________

(١) ـ قال : ـ A (٢) ـ الا : لاB ، لو لاC (٣) ـ فرجع : فرح B (٤) ـ اهله ... فقال : ـ B (٥) ـ والله قال : + والله قال B (٦) ـ رحلى : رجلى A (٧) منافقا : منافق ABC (٨) ـ كان : كانت AC ـ (٩) ـ يكتب : تكتب C (١٠) حذافة بن قيس : حذافه قيس B (١١) ـ مزق : مرق A (١٢) ـ دحية : ذبيبةA ، ديبه B ، دنيةC (١٣) ـ تقاتل : تقال B (١٤) ـ الفرق : الفرقةB (١٥) ـ دقعاء : دفع B

٢١٠

عليهما وايقظهما برجله وجعل (٢) ينفض التّراب (١) عن رأس عليّ كرّم الله وجهه ؛ ويقول له : «يا أبا تراب! ألا أخبرك (٣) بأشقى النّاس؟».

قال : بلى يا رسول الله!

قال : «رجلان ، أحيمر ثمود (٤) عاقر النّاقة ، والآخر الّذي يضربك على هذه ـ ووضع يده على هامته ـ حتى (٥) تبتلّ منها هذه ، واخذ بلحيته.» فكان على كرّم الله وجهه (٦) يقول فى أوقات ملاله (٧) أشياء كان يراها من أصحابه ، فيضيق (٨) صدره ، منها : ما يمنع أشقاها أن يخضب (٩) هذه من هذه. ومرض مرضا شديدا ، فقال له أهله : إنّا نخاف عليك. فقال : أنا والله ما أخاف على نفسى من مرضى هذا ؛ فقد أعلمنى رسول الله (ص) أنّه يقتلنى أشقى هذه الأمّة.

ومثل هذا حديث عمّار عند حفر الخندق ونظره إليه وقد أثقلوه بحمل (١٠) التّراب. فقال : يا رسول الله (١١) يقتلوننى (١٢) يحملون (١٣) عليّ ما لا أطيق. فنفض التّراب عن رأسه ووفرته بيده وقال (١٤) (١٥) : «ويح ابن سميّة! ليسوا بالذين (١٦) يقتلونك ، إنّما تقتلك الفئة الباغية» فاستشهد بصفين وهو مع على كرّم الله وجهه (١٧). وقالوا لعمرو ألست (١٨) حدّثتنا أن رسول الله (ص) قال لعمار (١٩) : تقتلك الفئة الباغية (٢٠)؟ فلام معاوية عمروا على ذلك. فقال عمرو : حدّثت (٢١) النّاس بهذا

__________________

(١) فوقف ... التراب : ـ B (٢) ـ جعل : جعله A (٣) ـ اخبرك : اخبركم B (٤) ـ احيمر ثمود : ثمودA ، ثمود احيم B (٥) ـ حتى : ـ C (٦) ـ كرم الله وجهه : ـ A (٧) ملاله : بلاله من B (٨) ـ فيضيق : فيضيف A (٩) ان يخضب : يجضب B (١٠) ـ بحمل : يحمل B (١١) الله : ـ B (١٢) يقتلوننى : يقتلونى ABC (١٣) يحملون : يحلون A (١٤) ـ بيده وقال : ـ A (١٥) قال : قاB (١٦) بالذين : بالذى B (١٧) ـ كرم الله وجهه : ـ A (١٨) ـ اليست : اليست C (١٩) لعمار : لعمان B (٢٠) ـ الباغية : والباغيةC (٢١) حدثت : حديث C

٢١١

قبل أن يكون صفين ، وأنا لا أعلم بأنّ صفين يكون.

ومن ذلك حديث أبى ذر فانّه لمّا خرج إلى تبوك تخلّف عنه قوم. فقيل له تخلّف فلان وفلان. فقال : دعوهم فان يكن فيهم خير يلحقهم (١) الله بكم. وأبطأ (٢) بأبى ذر (٣) بعيره ، فتخلّف ؛ ثم أخذ متاعه على ظهره ولحقه. فقيل : يا رسول الله (٤) قد أقبل رجل. فقال : «اللهم اجعله أباذر» فلما دنا ، قال : «يرحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويدفن وحده». فتوفّى بالرّبذة ولم يكن معه غير امرأته وغلامه ، فوضعوه (٥) على الطّريق ؛ فأقبل رهط من العراق مارا (٦) وفيهم ابن مسعود. فقال الغلام : هذا أبو ذر أعينونا (٧) على دفنه. فجعل ابن (٨) مسعود يبكى ويقول : صدق رسول الله (ص) حيث قال : تمشى (٩) وحدك وتموت وحدك وتدفن وحدك. ومن قوله (ص) لفاطمة (ع) : «انت أول أهلى لحوقا بى (١٠)» فكان كما قال.

(٧) فهذا وجه آخر من أعلامه. ومثلها أخبار كثيرة تشاكلها منها : أخبار جاءت فى وقت الطّعام والشّراب الّذي كثّره الله وبارك فيه ، حتى أكل منه وشرب قوم كثير ، فشبعوا ورووا. من ذلك : حديث عليّ كرّم الله وجهه ، قال : لما أنزلت «وأنذر (١١) عشيرتك الأقربين» قال لى رسول الله (ص) : «اصنع لى صاعا (١٢) من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسّا (١٣) من لبن.» ففعلت. فاجتمع بنو عبد المطلب وهم يومئذ أربعون يزيدون (١٤) رجلا أو ينقصون (١٥). ثم دعا بالطّعام فتناول جذبة (١٦) من اللّحم فشقّها ثم ألقاها فى

__________________

(١) ـ يلحقهم : يحقهم B (٢) ابطأ : ابطى C (٣) بابى ذر : ابى ذرC (٤) بابى ذر ... يا رسول الله : ـ A (٥) ـ فوضعوه : ـ B (٦) ـ مارا : ـ A ـ A ، اماراC (٧) اعينونا : اعينونى A (٨) ابن : بن B (٩) ـ تمشى : يمشى B (١٠) ـ لحوقابى : الحق B (١١) ـ وانذر : فانذرC (١٢) ـ صاعا : صناعاB (١٣) عسا : لناB (١٤) ـ يزيدون : يزيدA (١٥) ـ او ينقصون : وينقصون BC ـ (١٦) جذبة : حذبةA ، خذيةB

٢١٢

نواحى الصّحفة ، قال : «خذوا بسم الله!» فأكلوا حتى ما (١) لهم بشيء من حاجة ، ثم قال : «اسق القوم» فجئتهم بالعسّ (٢) فشربوا حتى رووا منه. وأيم الله إنّ الرّجل منهم ليأكل ما قدمت ويشرب مثل ذلك العسّ. فلمّا أراد (ص) أن يتكلّم بدره (٣) أبو لهب فقال (٤) : سحرنا محمد! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم. ثم قال : «من الغد يا عليّ ، إنّ هذا سبقنى إلى القول (٥) فتفرّق القوم ، فاتّخذ لنا من الطّعام مثل ما صنعته.» ففعلت ثم اجتمعوا ، ففعل مثل ما فعل بالأمس ؛ فأكلوا (٦) وشربوا حتى شبعوا ورووا ثم تكلّم (ص) ، فقال : «انّ الله أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين» الحديث المشهور.

ومثل ذلك (٧) حديث جابر بن عبد الله الجعفى أيّام الخندق ، قال : ذبحت شاة غير جدّ (٨) سمينة (٩) وأمرت (١٠) بها فطبخت وصنع خبز من شعير ، وقلت لرسول الله (ص) : أحبّ أن تنصرف معى إلى منزلى. قال : نعم ، وأمر صارخا فنادى فى الخندق : انصرفوا مع رسول الله (ص) إلى منزل جابر. فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فأقبل (ص) وأقبل النّاس ، وقعد (ص) يأكل ويوردها النّاس كلما (١١) فرغ قوم جاء قوم ، حتى صدر عنها أهل الخندق وقد (١٢) شبعوا وهم ثلاثة الف (١٣) رجل.

ومثل ذلك حديث ابنة (١٤) أخت عبد الله بن رواحة ، كانت قد حملت تمرا الى خالها وهو (١٥) يعمل فى الخندق ، فقال لها رسول الله (ص) : «هاتيه يا بنيّة» فاخذه وهو ملء (١٦) كفيه ، فدعا بثوب وبسطه (١٧) ثم دحى بالتّمر عليه ، فسدد

__________________

(١) ـ ما : ـ B (٢) ـ العس : العسرB (٣) ـ بدره : بدأه A (٤) فقال : + لهذا ماBC ـ (٥) ـ القول : القوم B (٦) ـ فاكلوا : فكلواB (٧) ـ ذلك : ـ A (٨) ـ جد : حدA ، عذB (٩) سمينة : سميةB (١٠) وامرت : فامرت A (١١) ـ كلما : كلهاB (١٢) وقد : قدAB (١٣) ـ آلاف : الف ABC (١٤) ـ ابنه : ابتت A ، ـ B (١٥) ـ هو : هى C (١٦) ـ ملء : ملئ A ، ملاءBC ـ (١٧) بسطه : بسطB

٢١٣

فوق الثوب ، ثم أمر أن يصرخ فى أهل الخندق وهم ثلاثة ألف ، يجيء (١) نفر وينصرف آخرون ، حتى صدروا عنه وبقيت على الثوب بقية. فهذا فى باب الطعام ، ومثله أخبار غيرها.

وشبه هذا فعل (٢) المسيح (ع) كما هو مكتوب فى الإنجيل ، ان المسيح لما سمع بقتل يوحنا الصابغ (٣) ، انتقل الى القفر (٤) ومعه جمع من المدائن ، فرحمهم وأبرأ مرضاهم. فلمّا كان العشاء قال له (٥) تلاميذه : المكان قفر وقد حان أن يسرح النّاس فيذهبوا ويشتروا طعامهم. فقال : أطعموهم أنتم ما تاكلون. قالوا : ليس معنا الا خمسة ارغفة وسمكتين! قال : ائتونى بها وأمر الناس ان يتّكئوا (٦) رفاقا وأخذ الخبز والسمكتين (٧) ، فبارك (٨) عليه وكسره وفرقه ، فاكل جميعهم وشبعوا واخذوا فضلة الكسر (٩) اثنتى عشرة (١٠) قفّة (١١) وكان الذين اكلوا خمسة ألف (١٢) رجل سوى النّساء (١٣) والصّبيان. فهذا شبيه بما فعل النّبي (ص) فى هذا الباب.

وأما (١٤) فى باب الماء ، فانّه لما خرج فى غزوة الحديبية نزل (١٥) ثنيّة المرار (١٦) ، فقيل يا رسول الله : ما بالوادى ماء. فنزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه البراء بن عازب ، فنزل فى قليب من تلك القلب ، فغرزه فى جوف القليب ، فجاش القليب بالرّواء (١٧) حتى ضرب النّاس عليه العطن ونزل فى القليب ناجية بن جندب يميح (١٨) على الناس وهو يقول :

__________________

(١) ـ يجيئى : مجيءB (٢) ـ فعل : الفعل B (٣) ـ الصابغ : الضانع B (٤) القفر : الفقرB (٥) ـ له : ـ B (٦) ـ يتكئوا : رلواA ، يبكواBC ـ (٧) السمكتين : السمكين C (٨) فبارك : فبرك C (٩) ـ الكسر : الكسرةB (١٠) اثنى عشرة : اثنى عشرABC (١١) قفة : محضاABC (١٢) ـ آلاف : الف ABC (١٣) النساء : النسوان C (١٤) ـ واما : فاماB (١٥) نزل : ـ A (١٦) المرار : المران ABC (١٧) بالرواء : بالرواض A (١٨) ـ يميح : يمتح AB

٢١٤

قد علمت جارية يمانية (١)

أنّى أنا المائح (٢) واسمى ناجية

ببلغة ذات رشاش واهية

ومثل ذلك لمّا كان بتبوك ، أصاب المسلمين العطش حتى كادوا أن يهلكوا ، فأمر (ص) أن يطلبوا الماء فى الرّحال فاتى بإداوة (٣) وأمر فصبّبت فى إناء ووضع يده فيها. قال أنس بن مالك (٤) : فرأينا الماء تخلّل من بين أصابعه كأنّها عيون ؛ ففاضت ، فروى ، حتى روى (٥) منها العسكر مع إبلهم وخيلهم.

ولمّا انصرف من تبوك وبلغ وادى المشقّق (٦) قال (ص) «من سبقنا الى الماء فلا يستقينّ (٧)» فلما أتاه وقف عليه فلم ير شيئا فقال : «من سبق إلى الماء؟» فقالوا فلان وفلان. فقال : «أولم أنههم أن يستقوا (٨)؟» فلعنهم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، ثم مسحه بيده ، فانخرق الماء حتى سمعوا له حسّا شديدا ، فشرب النّاس واستقوا حاجتهم ، فقال (ص) «لتسمعن بهذا (٩) الوادى وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه.» فخصب ذلك الوادى بعد ذلك (١٠) كما قال.

ومثل هذا فعل موسى (ع) كما هو مكتوب فى التّوراة أنّ بنى إسرائيل لمّا نزلوا بريّة سيناء ولم يقدروا (١١) على ماء يشربون وضج الشعب إلى موسى وهارون ؛ فكلّم الربّ موسى ، فقال له ، خذ قضيبا واجمع الجماعة أنت وهارون وتكلّم على الصخرة باسمى يجرى (١٢) ماؤها ؛ فأخرج لهم الماء من

__________________

(١) ـ يمانية : ثمانيةB (٢) المائح : الماتح B (٣) ـ بأداوة : باداةA (٤) انس بن مالك : انس مالك B (٥) ـ حتى روى : ـ C (٦) ـ المشفق : المشفق AC ـ (٧) ـ يستقين : يستقنى A ، يستقى B (٨) ـ يستقوا : يسبقواA (٩) ـ بهذا : هذاC (١٠) ـ بعد ذلك : ـ C (١١) ـ لم يقدروا : لم يقدرون C (١٢) ـ يجرى : مجرى B

٢١٥

الصّخرة فشرب منه الجماعة كلها ومواشيها (١). فهذا فى التوراة وتصديقه فى القرآن ؛ قال الله عزوجل : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ). فهذا شبيه بما فعله محمد (ص) فى هذا الباب.

(٨) ووجه آخر من أعلامه وهو دعاؤه على قوم (٢) فاستجاب الله له فيهم. من ذلك دعاؤه عليه‌السلام على مضرحين آذوه وكذّبوه ، فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر ، ابعث عليهم سنين كسنين يوسف ؛ فاحتبس عنهم القطر وقحطوا حتى جفّ الشّجر والنّبات وهلك الخفّ (٣) والظلف (٤) وأكلوا العهن (٥) واشتووا القدّ.

ومن ذلك دعاؤه على عامر بن الطّفيل (٦) وأربد بن قيس ، كانا وفدا إليه عن بنى عامر فطلبا منه شرائط ولم (٧) يجبهما الى ذلك. فقال عامر بن الطفيل : والله لأملأنّها عليك خيلا ورجلا ، فدعا عليهما حين وليّا عنه وقال : «اللهم اكفنى عامرا وأهد (٨) بنى عامر (٩).» فلمّا كان ببعض الطّريق أرسل الله على عامر بن الطّفيل الطّاعون فمات فى بيت امرأة من بنى سلول (١٠) وهو يقول : أغدّة كغدّة البعير وموت فى بيت سلولية؟! وأرسل الله على أربد (١١) بن قيس صاعقة فأحرقته وفيه يقول لبيد بن ربيعة وكان أخاه لأمّه.

أخشى على أربد الحتوف ولا

أرهب (١٢) نوء (١٣) السّماك والأسد

فجّعنى (١٤) الرّعد والصّواعق بال

فارس يوم الكريهة النّجد

__________________

(١) ـ مواشيها : مواشيهم BC ـ (٢) ـ قوم : قومه C (٣) ـ الخف : الخلف B (٤) الظلف : انطلق A (٥) العهن : العلبزA ، العلهن B ، العلهزC (٦) ـ الطفيل : طفيل A (٧) ـ لم : لماA (٨) ـ اهد : اهلاB (٩) بنى عامر : بنى عامراA (١٠) ـ سلول : شلول C (١١) ـ اربد : زيدC (١٢) ـ ارهب : ارهبه C (١٣) نوء : بنوءB ، بنورC (١٤) ـ فجعنى : ففجعنى C

٢١٦

فهلكا فى طريقهما وجاءت بنو عامر فأسلمت.

ومن ذلك أنّه بعث نفرا من أصحابه إلى إضم وفيهم محلّم بن جثّامة ، فمرّ عليهم فى طريقهم عامر بن الأضبط (٤) الأشجعى فسلم (١) عليهم ، فأمسكوا عن أذاه (٢) ، فقام إليه محلّم بن جثّامة (٣) ، فقتله لأمر كان بينهما وأخذ بعيره ومتاعه فلما انصرفوا أخبروا به رسول الله (ص) فرفع يديه وقال : «اللهم لا تغفر لمحلّم بن جثّامة!» فما لبث إلّا قليلا حتى مات فدفنوه ، فلفظته الأرض ، ثم أعادوه ، فلفظته الأرض ، حتى فعلوا ذلك ثلاث مرّات ثم واروه (٥) بالحجارة. فقال (ص) : «إنّ الأرض لتنطوى على من (٦) هو شرّ (٧) منه ولكن الله عزوجل أراد أن يعظكم به.»

ومن ذلك دعاؤه على المستهزئين ، وهم نفر من قريش كانوا يؤذونه ويستهزءون به وبالقرآن ، وهم لهب بن أبى لهب والأسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة والأسود بن المطلب والعاص بن وائل (٨) السّهمى والحارث (٩) بن الطّلاطلة ، كانوا يجتمعون (١٠) فيستهزءون (١١). فأوحى الله إليه أن سلنى (١٢) فيهم ؛ فوقف حتى مرّ عليه لهب بن أبى لهب ، فقال : «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك» ؛ فأكله الأسد. ومرّ عليه الوليد بن المغيرة (١٣) ، وفى رجله جرح ، فأومى (ص) إلى رجله ، فانتقض جرحه حتى قتله. ومرّ عليه الأسود بن عبد يغوث فأومى إلى بطنه ودعا عليه ، فسقى ومات. ومرّ عليه الأسود بن المطّلب فرماه بورقة فى وجهه وقال : «اللهم اعم بصره وأثكله ولده» ففعل الله ذلك به. ومر عليه العاص بن وائل السّهمى فأشار إلى رجله (١٤) ودعا عليه ، فدخلت الشّوكة

__________________

(١) ـ فسلم : فمرA (٢) أذاه : اذاهاB (٣) ـ جثامه : حتامه ABC (٤) الاضبط : الاضبع C (٥) ـ واروه بالحجارة : ـ C (٦) بالحجارة ... على من : ـ B (٧) شر : اشرC (٨) ـ وائل : الوائل A (٩) الحارث : الحرث BC ـ (١٠) يجتمعون : مجتمعون B (١١) فيستهزءون : ـ B (١٢) ـ سلنى : تسألنى : A ، سلمنى B (١٣) ـ المغيرة : مغيرة.AB (١٤) ـ رجله : رجليه B

٢١٧

فى أخمصها فقتلته. ومرّ عليه الحارث (١) بن الطّلاطلة ، فأومى إليه ودعا عليه ، فجعل يتقيّأ قيحا حتّى هلك ؛ فأنزل الله عزوجل : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).

(٩) ووجه آخر (٢) من أعلامه أمور (٣) نطق بها القرآن قبل أن حدثت ، ثم حدثت (٤) وصحّت وظهر صدق ما أنزل الله على لسانه (ص). فمنها ما صحّت فى حياته ومنها ما صحّت بعد وفاته ، من ذلك فتح مكّة ، وصلح حديبيّة ؛ وقد كان الله عزوجل بشّر بأن يفتح عليه مكّة حتى (٥) يدخل هو وأصحابه والمسلمون مكّة آمنين محلّقين رءوسهم ومقصّرين حاجين (٦) ومعتمرين لا يخافون ، فقال جلّ ذكره : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً). فسهّل الله له (٧) صلح الحديبية ، وفتح له بعد ذلك مكة وأنجز وعده فلمّا فتحها دخل الكعبة وأخذ بعضادتى الباب وأمر بالصّور الّتي كانت فى الكعبة فطلست وبالأصنام فكسرت. وقال : «الحمد لله وحده (٨) ، أنجز (٩) وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده».

فان قال قائل (١٠) : فلم استثنى فى هذه الآية حين قال : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) فان الاستثناء فى أشياء يقع فيها الشّك ؛ فقد احتجّ الملحدون بذلك ، قلنا : لم يشك (١١) فى أنّ الله ينجز له ما وعده ولم يكن استثناؤه لذلك ولكنّه عزوجل كان أدّبه أن لا يقول لشيء إنّه يفعله (١٢) حتّى يستثنى فيه.

__________________

(١) ـ الحارث : الحرث BC ـ (٢) ـ آخر : ـ B (٣) امور : امرB (٤) ثم حدثت : ـ B (٥) ـ حتى : حين C (٦) ـ حاجين : حاجبين A (٧) ـ له : لم B (٨) ـ وحده : ـ C (٩) انجز : وانجزB (١٠) ـ قائل : قال A (١١) ـ لم يشك : لمن يشك C (١٢) ـ يفعله : يقوله B

٢١٨

وذلك إن المشركين كانوا سألوه عن قصّة أصحاب الكهف فقال : أخبركم به غدا ، ولم يستثن ، فانقطع (١) عنه الوحى أربعين يوما حتى قال المشركون : قد قلاه صاحبه وودّعه (٢) ، يعنون به (٣) جبرئيل عليه‌السلام. فأنزل الله عزوجل بعد ذلك : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) (٤) وَما قَلى» ، وأنزل عليه سورة الكهف وقصّ عليه نبأ الفتية ، ثم قال له بعد تمام القصة : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فأدّبه بذلك فكان لا يقول بعد ذلك لشيء أن يكون الّا ويستثنى فيه. ونزلت سورة الكهف قبل الهجرة بمكة ونزلت سورة الفتح بعد الهجرة بالمدينة ؛ فلذلك (٥) استثنى. وكان نزل أيضا فى فتح مكة : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) فوعده عزوجل أن يردّه إلى مكّة عودا بعد بدء (٦) ويفتحها عليه ؛ ونزل به القرآن ، فأنجز الله وعده. فهذا ما كان فى حياته.

ومن ذلك أنّ فارس غلبت الرّوم على مملكة الجزيرة فسرّت قريش بذلك مخالفة (٧) لرسول الله (ص) وحزن عليه‌السلام وأصحابه لميلهم الى الرّوم ، لأنّ هرقل قبل (٨) كتاب رسول الله وكسرى مزّقه ، فأنزل الله عزوجل : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) الى قوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّـهِ) فجاءت الروم وغلبت فارس بعد سبع سنين ، وحقق الله قوله ، وسر المؤمنون (١٠) بذلك. فهذا ما نزل فى القرآن قبل أن كان ثم صح بعد ذلك وهذا فى حياته (ص).

ومن ذلك قوله (١١) عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا)

__________________

(١) ـ فانقطع : فانقع : B (٢) ـ ودعه : درعه B (٣) به : ـ B (٤) ـ ربك : ـ A (٥) ـ فلذلك : فان لك B (٦) ـ بدء : بداءAB (٧) ـ مخالفة : فخالفه B (٨) ـ قبل : ـ B (٩) ـ بنصر الله : ـ C (١٠) المؤمنون : المؤمنين C (١١) ـ قوله : قول الله C

٢١٩

الصّالحات ليستخلفنّهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا» فحقّق الله قوله فاستخلفهم فى حياته وأهلك أعداءهم ومكّن لهم فى دارهم فى حياته (ص) حتى عبدوا الله (١) وأقاموا شرائع الاسلام وأباد أهل الشّرك ؛ هذا قبل أن مكّن أهل الاسلام فى الأرض وفتح عليهم هذه (٢) الفتوح.

ومن ذلك ما وعده الله أن ينصره على قريش ببدر ، وأنزل عليه فى قوله عزوجل : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وذلك أنّ أبا جهل قال : نحن أكثر منه جمعا وعدّة وعتادا وأقوى قوّة ؛ لأنّهم كانوا يزيدون على ألف فى خيل وسلاح وشوكة شديدة ، وكان أصحاب رسول الله (ص) ثلاثمائة وثلاثة (٣) عشر رجلا (٤) ليس معهم إلّا فرس المقداد (٥) بن الأسود وفرس الزّبير بن العوّام ، كانوا يركبون المطايا ، وكانوا خرجوا يطلبون عير (٦) قريش (٧) وفيها الأموال ؛ فاجتمعت قريش تنصر بعضها بعضا وكان أصحاب رسول الله (ص) يودّون أن يظفروا بالعير ويأخذوا (٨) الأموال فلمّا فاتتهم العير وجاءت قريش بشوكتها هالهم ذلك فنزل جبرئيل (ع) بهذه الآية وأنزل أيضا : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) فقال رسول الله (ص) لأصحابه إنّ الله قد بشّرنى أن ينصرنى عليهم ووعدنى (٩) إحدى الطّائفتين ، إمّا العير وإمّا الظّفر بقريش ، وقد فاتت العير ، وجاءكم جبرئيل (ع) بالنّصر وقد عرّفنى مصارع القوم. ووقف

__________________

(١) ـ ومكن ... الله : ـ B (٢) ـ هذه : هذاBC ـ (٣) ـ ثلاثة : ثلاث B (٤) رجلا : رجل AB (٥) المقداد : مقدادAB (٦) ـ عير : غيرB (٧) قريش : ـ B (٨) ـ يأخذوا : يأخذون B (٩) ـ ووعدنى : وعدنى B

٢٢٠