نهاية الأفكار - ج ٤ - ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٤ - ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير ابحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

١

٢

( خاتمة )

يذكر فيها أمور ( الأول ) انه قد اشتهر في كلماتهم اعتبار القطع ببقاء الموضوع الذي هو معروض المستصحب في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا له سابقا في جريان الاستصحاب حتى أنه صار مثل هذه الجهة في الوضوح عندهم كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ، غير أنهم اختلفوا في أن المدار في البقاء بالنظر العقلي أو الدليلي أو النظر العرفي بحسب مرتكزاتهم ( وعمدة ) المستند فيما أفادوه ظهور اخبار الباب في كون قوام حقيقته باتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة موضوعا ومحمولا ، بل هذه الجهة من الاتحاد من مقتضيات طبع الاستصحاب ولو كان اعتباره من باب إفادته الظن أو من باب بناء العقلاء ، فعلى جميع المسالك لا بد في الاستصحاب من الاتحاد المزبور بين القضيتين ، والا فمع اختلافهما موضوعا أو محمولا فلا استصحاب ( ولأجل ) ذلك التزموا بلزوم احراز الموضوع في الزمان اللاحق في جريان الاستصحاب ( ولكن ) لا يخفى عليك ان غاية ما يقتضيه البرهان المزبور انما هو اعتبار الجزم بتعلق الشك في القضية المشكوكة بعين ما تعلق به اليقين السابق في القضية المتيقنة ، وفي هذا المقدار لا يحتاج إلى إلى احراز وجود الموضوع خارجا والجزم به في جريان الاستصحاب ، بل يكفي في هذا الاتحاد احتمال بقاء الموضوع أيضا.

فإنه مع هذا الاحتمال يصدق الشك في بقاء ما تيقن بثبوته سابقا بماله من الخصوصية فيكون الشك متعلقا بعين ما تعلق به اليقين السابق حتى في المحمولات الثانوية والأوصاف الخارجية كعدالة زيد وقيام عمرو أو سواد جسم ونحو ذلك ( فإذا علم ) بعدالة زيد مثلا وشك في بقائها يجري فيها الاستصحاب ولو مع الشك في بقاء زيد في الخارج ( فان ) العبرة في اتحاد القضيتين انما هو تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق ،

٣

وهذا المعنى كما يصدق في الشك في العارض والمحمول من جهة الشك في طرو المانع على نفس العارض في ظرف اليقين بوجود معروضه ، كذلك يصدق عند الشك فيه من جهة الشك في بقاء معروضه ، إذ القضية المتيقنة هي عدالة زيد وهي بعينها مما تعلق به الشك اللاحق ( وحيث ) انه لا دليل على اعتبارا زيد من الاتحاد بين القضيتين موضوعا ومحمولا ، فلا يحتاج في التعبد الاستصحابي إلى احراز بقاء الموضوع خارجا ، بل يكفيه مجرد الشك في بقاء المحمول والعارض ولو مع الشك في بقاء موضوعه ومعروضه ( من غير فرق ) بين ان يكون المستصحب هو الوجود المحمولي أو الوجود الرابط ، فإنه على كل تقدير يكفي في التعبد الاستصحابي مجرد اتحاد المتيقن والمشكوك ولا يحتاج إلى احراز بقاء الموضوع ( نعم ) قد يحتاج إلى احراز وجود الموضوع أحيانا فيما إذا كان الأثر مما يحتاج في ترتبه إلى تطبيق الموضوع المتعبد به خارجا ، كاكرامه واطعامه والاقتداء به ، لا مثل التقليد ونحوه ( ولكن ) ذلك لخصوصية في كبرى الأثر تقتضي تطبيق موضوعه خارجا ، والا فطبع الاستصحاب لا يقتضي أكثر من اتحاد المتيقن والمشكوك ، ولذا لو لم يكن الأثر مما يحتاج في ترتبه إلى احراز بقاء موضوع المستصحب خارجا كجواز التقليد عند عدالة المجتهد أو إطعام الفقير عند بقاء عدالة زيد ، يكتفى في استصحاب عدالته بصرف وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ( نعم ) على القول باختصاص اخبار الباب صرفا أو انصرافا بصورة اليقين باستعداد المستصحب للبقاء والشك في الرافع لا بد في جريان الاستصحاب في الاعراض والمحمولات الثانوية من احراز بقاء الموضوع في الخارج ( لأنه ) مع الشك في بقائه يشك في استعداد العرض المتقوم به للبقاء ، لامتناع بقاء العرض بلا موضوع أو انتقاله من محله المتقوم به إلى محل آخر ، ومع الشك في استعداده للبقاء لا يجري فيه الاستصحاب ( والى ذلك ) نظر الشيخ قدس‌سره في استدلاله على مدعاه بقوله لأنه لو لم يعلم بتحققه لاحقا فإذا أريد ابقاء المستصحب العارض له المتقوم به ( فاما ) ان يبقى في غير محل وموضوع وهو مجال ، واما ان يبقى في موضوع غير

٤

موضوع السابق وهو أيضا محال ( الخ ) ( فان ) تشبثه بالبرهان المزبور انما هو من جهة ملازمة الشك في بقاء الموضوع للشك في استعداد العرض القائم به للبقاء لامتناع بقائه بلا موضوع ( فما افاده ) قدس‌سره على مسلكه من تخصيص الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع في غاية المتانة ( ولا يتوجه ) عليه اشكال الكفاية بان الكلام في البقاء التعبدي لا في الحقيقي والبرهان المزبور انما يتم في الثاني دون الأول ( لان ) مرجع البقاء التعبدي إلى لزوم ترتيب اثر البقاء في الظاهر ، ولا استحالة فيه مع الشك في الموضوع ( كيف ) ولا يحتمل من مثل الشيخ الذي هو خريط هذه الصناعة الغفلة عن الفرق بين البقاء الحقيقي والتعبدي كي يورد عليه الاشكال المزبور ( ومن العجب ) ان بعض الاعلام مع سلوكه مسلك الشيخ قدس‌سره في تخصيص لا تنقض بصورة الشك في الرافع بعد احراز استعداد المستصحب للبقاء اعرض عن الكبرى العقلية المزبورة واتكل في اعتبار بقاء الموضوع بكبرى اتحاد القضيتين حتى أورد على الشيخ بأن التشبث بالكبرى العقلية لاعتبار بقاء الموضوع تبعيد للمسافة من غير وجه يقتضيه ، لامكان اثبات المدعى بنفس الاتحاد كبرى القضيتين بلا احتياج إلى ضم الكبرى العقلية ( إذ قد عرفت ) انه على هذا المسلك لا محيص من تبعيد هذه المسافة وبدونه لا يمكن اثبات المدعى بنفس كبرى اتحاد القضيتين ( وبذلك ) نقول ان هذه الجهة من الثمرات المترتبة على المسلكين في الاستصحاب ( فإنه ) على المختار من تعميم لا تنقض لصورة الشك في المقتضى والرافع لا يحتاج إلى احراز وجود الموضوع لا حقا حتى في استصحاب المحمولات الثانوية ، إلا في الموارد المحتاجة إلى تطبيق الموضوع خارجا في مقام ترتيب الأثر العلمي ( وهذا ) لا من جهة اقتضاء التعبد الاستصحابي ذلك ، بل من جهة خصوصية في كبرى الأثر في ترتبه على مفاد كان الناقصة من نحو اتصاف الموجود بوصف كذا كالعالمية والعادلية ، نظير وجوب إكرامه وإطعامه وقبول شهادته ، خصوصا على القول بأن مفاد لا تنقض عبارة عن جعل المماثل وإن العمل المترتب عليه من شؤون إطاعة الامر الظاهري المستفاد من جعل المماثل ، فان الاحراز المزبور

٥

حينئذ شرط لتطبيق كبرى حرمة النقض في مقام الامتثال ، لا انه شرط لأصل الكبرى ( واما ) على القول بالتخصيص بالشك في الرافع بعد احراز استعداد البقاء ، فلابد في أصل التعبد الاستصحابي من الجزم ببقاء الموضوع ، والا فمع الشك فيه لا استصحاب ، لملازمة الشك في وجود الموضوع لاحقا للشك في استعداد العرض القائم به للبقاء ( من دون ) فرق في ذلك بين ان يكون الأثر لنفس العارض فقط ، أو لمجموع العارض والمعروض ( ولا بين ) ان يكون المعروض بنفسه مجرى للأصل ، وبين عدم كونه مجر له ( ولا بين ) كون الشك في العارض والمحمول مسببا عن الشك في بقاء معروضه وموضوعه بترتب شرعي أم عقلي وبين كونه مسببا عن غير الشك في بقاء موضوعه ، كالشك في عدالة زيد لاحتمال فسقه مع الشك في حياته أيضا ( فإنه ) على كل تقدير لا يجري الاستصحاب فيه ولو كان موضوعه بنفسه مجرى للأصل ( إذ على هذا المسلك ) لا بد في جريان الأصل في نفس العارض والمحمول من احراز استعداد المستصحب للبقاء ، ومع الشك في الموضوع يشك في استداد العارض والمحمول للبقاء ( ولا يجديه ) مجرد كون موضوعه بنفسه محطا للأصل ، لعدم وفاء الأصل الجاري فيه لا ثبات استعداد المستصحب للبقاء الا على القول بالمثبت ( نعم ) لو كان الشك فيه مسببا شرعيا عن الشك في بقاء موضوعه ، كالشك في مطهرية الماء لأجل الشك في بقائه على كريته أو اطلاقه يجري الأصل في موضوعه ويترتب عليه آثار المحمول المترتب عليه ، بلا مجال لجريانه في محموله ، وذلك لا من جهة حكومة الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي ، بل من جهة عدم كونه بنفسه مجرى للأصل ولو مع قطع النظر عن حكومة الأصل الموضوعي ، بلحاظ عدم احراز استعداده للبقاء مع الشك في موضوعه ( وهكذا ) الكلام فيما إذا كان الشك فيه مسببا عن سبب غير الشك في بقاء موضوعه كالشك في عدالة زيد لاحتمال فسقه مع الشك في حياته أيضا.

( ولكن الذي ) يظهر من الشيخ قده وبعض آخر جريان الاستصحاب في هذا الفرض في الموضوع والمحمول ، في فرض كون الأثر لمجموعهما ( حيث أفاد ) بأنه يكفي في استصحاب العدالة حينئذ الشك في بقائها على تقدير الحياة ،

٦

نظرا إلى أن موضوع العدالة انما هو زيد على تقدير الحياة ، لا ان الموضوع هو زيد مطلقا حيا كان أو ميتا ، وليس المستصحب عدالة زيد مطلقا بل عدالته في فرض كونه حيا ، وفي هذا الفرض يحرز استعدادها للبقاء ، إذ لا يكون الشك فيها إلا من جهة احتمال فسقه ، فلا قصور حينئذ في استصحابها على هذا الفرض ، ( وبجريان ) الاستصحاب في الموضوع يحرز ظرفه فيلتئم الموضوع المركب حينئذ من ضم أحد الأصلين إلى الآخر ويترتب عليه الأثر ، كما يلتئم من ضم الوجدان إلى الأصل فيما كان بعضه محرزا بالوجدان وبعضه بالأصل ( فهنا ) مستصحبان أحدهما حياة زيد والآخر عدالته على تقدير الحياة وبضم أحد الأصلين إلى الآخر يلتئم موضوع الأثر ( ولكن ) لا يخفى ما فيه إذ نقول ان الاستعداد المحرز في المقام بعد أن كان تعليقيا لا تنجيزيا ، يلزمه تعليقية أصل استصحابه والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، ( وهذا المقدار ) غير مجد في مقام العمل وتنجيز الأثر الا بعد وصول هذا التعليق إلى مرحلته الفعلية والتنجيز ، ولا يصل إلى هذه المرحلة الا بعد احراز المستصحب للبقاء تنجيزيا ، ومع الشك في الحياة لا يحرز ذلك لا وجدانا كما هو ظاهر ، ولا تعبدا لعدم وفاء الأصل الجاري في الموضوع لا ثبات استعداد محموله للبقاء الا على المثبت ، ( ومعه ) كيف يجري الأصل في المحمول كي بضم جريانه في الموضوع يلتئم الموضوع المركب فيترتب عليه الأثر ( نعم ) ذلك يتم على المختار من تعميم لا تنقض لصورة الشك في الرافع والمقتضى وعدم الاحتياج إلى احراز الاستعداد ( إذ عليه ) يكفيه مجرد اتحاد القضيتين بمعنى تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق موضوعا ومحمولا الصادق ولو مع الشك في بقاء معروض المستصحب خارجا ، فمع احراز هذه الجهة لا بأس بجريان الاستصحاب في العارض والمعروض ، حيث يلتئم بهما الموضوع المركب ، فيترتب على استصحابهما اثر المجموع ( وذلك ) أيضا إذا لم يحتج في مقام ترتيب الأثر إلى تطبيق موضوع المتعبد به وجدانا ، والا فلا يجري الاستصحاب على المختار أيضا ، لعدم ترتب الأثر العمل المقوم ، لجريانه ، الا إذا فرض كفاية احرازه تعبدا في مقام ترتب الأثر العملي عليه ، فيجري الاستصحاب حينئذ في كل من الموضوع

٧

والمحمول ( وبذلك ) ظهر الحال فيما لو كان الشك في العارض والمحمول مسببا شرعيا عن الشك في الموضوع ، فإنه يجري الأصل في الموضوع ويترتب عليه الأثر ، بلا جريانه في طرف المحمول ولو على المختار من تعميم لا تنقض بصورة الشك في المقتضى ، وذلك لا من جهة حكومة الأصل الموضوعي عليه ، بل من جهة عدم ترتب اثر عملي عليه حينئذ الا بعد التطبيق الملازم لسقوطه ، لأنه قبل تطبيق الموضوع واجراء الاستصحاب فيه لا يترتب على استصحاب المحمول اثر عملي لما هو الفرض من احتياج تربته إلى تطبيق موضوع المتعبد به ولو تعبدا ، وبعد تطبيقه باجراء الاستصحاب فيه يسقط استصحاب المحمول ، لأنه باستصحاب الموضوع يترتب عليه الأثر المزبور بلا احتياج إلى جريانه في نفس المحمول ( هذا كله ) إذا كان الشك في المحمول المترتب مسببا عن الشك في بقاء الموضوع ذاتا أو في بقاء قيده الذي له دخل فيه مع العلم بحقيقته بحدوده وقيوده ( واما لو كان ) الشك في المحمول مسببا عن الشك في حقيقة الموضوع ، لتردده بين الزائل والباقي ، في فرض العلم بانتفاء ما يحتمل دخله في حقيقة الموضوع ، كالماء المتغير الذي زال تغيره من قبل نفسه ، إذ يشك حينئذ في بقاء المحمول الذي هو النجاسة من جهة الشك في موضوعها في أنه الماء المتغير بوصف تغيره ، أو ذات الماء المحفوظ مع التغير وعدمه ( فلا مجال ) فيه لاستصحاب الموضوع ( إذ هو ) من جهة تردده بين العنوانين المعلوم انتفاء أحدهما وبقاء الآخر مما يختل فيه أحد ركني الاستصحاب وهو الشك على كل تقدير ( نعم ) ما هو المشكوك حينئذ انما هو العنوان العرضي كعنوان موضوع الحكم ، ومثله لا يكون موضوعا لاثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب ( وبهذه الجهة ) منعنا عن جريان الاستصحاب في الفرد المردد ، وفي جميع الشبهات المفهومية الحكمية ، نظرا إلى انتفاء الشك فيما كان موضوعا للأثر الشرعي لدورانه بين ما هو المعلوم وجوده وتحققه وبين ما هو المعلوم عدم وجوده ، وانتفاء الأثر فيما كان مشكوكا ( فلا بد ) في أمثال هذه الموارد من الرجوع إلى الأصل الحكمي ( فيتأتى ) فيه التفصيل المتقدم بين المسلكين في لزوم احراز بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب على مسلك تخصيص

٨

الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع بعد احراز استعداد المستصحب للبقاء ، وعدم لزوم احراز بقائه على المسلك الآخر الا في موارد احتياج الأثر العملي في تربته إلى تطبيق موضع المتعبد به في الخارج فتدبر.

( بقى الكلام )

في تحديد الموضوع والوحدة والاتحاد في الاستصحاب في أنه بالنظر الدقى العقلي ، أو النظر العرف الدليلي أو بالنظر العرف المسامحي حسب ما هو المرتكزة في أذهانهم من مناسبة الحكم وموضوعه ، ولو على خلاف نظرهم الدليلي ( فان للعرف ) نظرين ، ( أحدهما ) من حيث كونه من أهل المحاورة ومن أهل فهم الكلام وبهذا النظر يحدد الموضوع الدليلي في فهم المرادات ولو بواسطة القرائن الحافة بالكلام ( فيفرق ) بين قوله الماء المتغير ينجس ، وبين قوله الماء إذا تغير ينجس ، من حيث فهمه الموضوع في الأول هو الماء المتغير بما هو متغير ، وفى الثاني ذات الماء وكون التغير جهة تعليلية لثبوت النجاسة للماء ( وثانيهما ) بما هو المرتكز في ذهنه من المناسبة بين الحكم وموضوعه ولو على خلاف ما هو المتفاهم من الكلام ، فيرى ان موضوع النجاسة حتى في مثل قوله الماء المتغير ينجس ذات الماء وان التغير واسطة في ثبوت النجاسة ومن الجهات التعليلة ، لما هو المرتكز في ذهنه من أن النجاسة من عوارض الماء لا من عوارض الماء والتغير ، وان كان بحسب نظره الدليلي خلاف ذلك فيفهم ان موضوع النجاسة في المثال هو الماء بوصف تغيره ( غاية الامر ) لا بد من تحديد هذا الارتكاز بحد لا يكون من القرائن الحافة بالكلام بحيث يمنع عن انعقاد الظهور ، ولا من القرائن المنفصلة الموجبة لرفع اليد عن الظهور ( بل على وجه ) يرى الخصوصية المأخوذة في الموضوع من الجهات التعليلية لا بنحو تكون علة منحصرة.

٩

( وبذلك ) يندفع ما قد يتوهم من الاشكال في المقام بأنه بعد الجزم ، بمرجعية العرف في تحديد مفاهيم الألفاظ وتشخيص مداليلها بلا مدخلية للعقل في ذلك ، وعدم العبرة بالمسامحات العرفية في باب التطبيقات ولزوم كون التعويل فيها على النظر العقلي الدقى ( لا وجه ) للمقابلة بين العقل والعرف والدليل ( فإنه ) ان أريد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في معرفة معنى موضوع الدليل وتشخيص مفهومه ، فهو صحيح الا انه لا يختص بباب الاستصحاب لعموم مرجعية نظر العرف في تشخيص مفاهيم الألفاظ وتحديد مداليلها في القضايا الشرعية وغيرها ، فلا معنى لجعل الموضوع العرفي مقابلا لموضوع الدليلي في خصوص باب الاستصحاب ، لرجوع موضوع الدليلي حينئذ إلى الموضوع العرفي ( وان أريد ) من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه فيما يتسامح فيه العرف ويراه من مصاديق موضوع الدليل في مقام التطبيق مع عدم كونه بالنظر الدقى من مصاديقه ، نظير اطلاقه مفهوم الكر والفرسخ وألحقه على ما ينقص ويزيد بقليل على المقدار أو الوزن المحدود ( فقد عرفت ) انه لا عبرة بالمسامحات العرفية في باب التطبيقات بعد تشخيص المفاهيم ( وعليه ) فلا وقع لجعل الموضوع العرفي مقابلا للموضوع الدليلي في باب الاستصحاب.

( وجه الاندفاع ) ما عرفت من أن للعرف نظرين ، تارة من حيث كونه من أهل المحاورة وفهم مداليل الألفاظ ، وأخرى من حيث ما ارتكز في ذهنه ولو من جهة مناسبات الحكم وموضوعه بنحو يرى الخصوصية المأخوذة في الموضوع من الجهات التعليلية لثبوت الحكم ، أو من القيود غير المقومة لحقيقية الموضوع ، مع حكمه بان ما هو ظاهر الدليل مراد الشارع من خطابه ( فالمقابلة ) بين العرف والدليل انما هو بلحاظ النظر الثاني الناشئ من المناسبات المغروسة في أذهان العرف بنحو يرى الموضوع شيئا صالحا للبقاء ( إذ حينئذ ) احتمال مطابقة الشرع مع العرف في واقع الحكم ولبه ، منشأ للشك في بقائه ( فيقع ) الكلام في أن عموم لا تنقض في توجيه التعبد بالبقاء سيق بأي لحاظ ( فان سيق ) بالأنظار الدقيقة

١٠

العقلية ، فيشكل امر الاستصحاب في كل مورد احتمل رجوع القيد إلى الموضوع ( لان ) مع هذا الشك لا يجزم باتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة ( وان سيق ) بالنظر الدليلي ، فلا بد من لحاظ لسان الدليل بكونه على نحو يكون القيد مأخوذا في الموضوع كقوله الماء المتغير ينجس أو مأخوذا شرطا للحكم كقوله الماء ينجس إذا تغير باجراء الاستصحاب في الثاني دون الأول ( وان سيق ) بالأنظار العرفية ، فلا بد من ملاحظة نظرهم من أنه في أي مورد يفي بالاتحاد فيجري الاستصحاب وان لم يساعده العقل والدليل ، وفي أي مورد لا يفي بالاتحاد فلا يجري الاستصحاب وان ساعده العقل والدليل.

( وبعد ما اتضح ذلك ) نقول في تنقيح المرام أولا بعد عدم وقوع عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب الشرعي ، واحتياج الاستصحاب إلى اعمال نحو من المسامحة في ارجاع القضية المشكوكة إلى المتيقنة في اخبار الباب ، بلحاظ ان ارجاعها إليها دقة يوجب عدم اجتماع اليقين والشك في زمان واحد ، فيلزم استفادة قاعدة اليقين من اخبار الباب لا الاستصحاب ، وهو مع كونه خلاف جرى عنوان اليقين والشك بلحاظ حال النسبة المقتضى لوجود الوصفين حالها ، ينافي التطبيقات الواردة فيها من الإمام (ع) على مورد الاستصحاب ( ان استفادة ) البقاء والاتحاد ، تارة يكون من جهة انتزاعهما من ارجاع الشك إلى اليقين بتوسيط لحاظ اليقين بالشيء في متعلق الشك ، في مثل قوله لا تنقض اليقين بالشك ، حيث إن اللحاظ المزبور في ارجاع الشك إلى اليقين يقتضي نحوا من الاتحاد بين القضيتين الموجب لانتزاع عنوان البقاء منه ( وأخرى ) من جهة اطلاق النقض في المقام الصادق حقيقة على مجرد اتحادهما بأحد الأنظار وان لم يكن واقعيا دقيا ( فعلى الأول ) يكون مرجع الخلاف في المقام إلى أن المسامحة المزبورة هل بمقدار الغاء وحدة الزمان فيهما مع حفظ سائر الجهات دقة عقلية ، كي يلزم احتياج الاستصحاب في جريانه في المتيقن إلى صدق البقاء دقة عقلية ، كما في فرض أخذ عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب ( أو أن المسامحة ) ملحوظة من سائر الجهات أيضا ( فعلى المسلك الأول )

١١

لابد من جعل مركز البحث في المقام في اختلاف الأنظار ، فيما قام به عنوان الاتحاد والبقاء والابقاء التعبدي الذي هو نفس كبرى المستصحب وما هو موضوع الحكم في القضية المتيقنة ، لا في عنوان البقاء والاتحاد ، إذ هما كعنوان الماء والكلا من المفاهيم المحرزة من العرف في مقام شرح ألفاظها ، مما لا اختلاف فيه بين العقل والشرع والعرف ، ولابد في تطبيق عنوانهما على المورد من كونه دقيا عقليا لا مسامحيا ، نظير الأوزان والمقادير ( وحينئذ ) فبعد اختلاف الأنظار في موضوع الحكم باعتبار انه قد يكون عند العقل شيئا لا يصدق عليه البقاء حتى بنظر العرف لو التفت إليه ، وعند العرف شيئا يصدق عليه البقاء حقيقة حتى بنظر العقل ( وعدم ) امكان سوق لا تنقض في لحاظ الاتحاد بين القضيتين بجميع الأنظار ، لاستلزامه اجتماع أكثر من لحاظ واحد في اللحاظ المقوم لارجاع الشك إلى ما تعلق به اليقين ، كما عرفت نظيره في وجه المنع في الجمع بين القاعدة والاستصحاب ( يرجع البحث ) المزبور إلى أن سوق التعبد بالبقاء في الكبريات الواقعية بلحاظ اي موضوع ، من العقلي أو الدليلي ، أو العرفي بلحاظ ما يفهم من نظائره بمقتضى الارتكاز من مناسبات الحكم وموضوعه ( وبعد الجزم ) بعدم كون المدار في اخذ الموضوع واتحاد القضيتين في باب الاستصحاب على الدقة العقلية باجماع منهم ، يدور الامر بين ان تكون الكبريات الواقعية عند توجيه التعبد بالبقاء إليها ملحوظة على نحو يراها العرف من ظاهر الدليل ، كي يفرق بين ان يكون القيد المشكوك دخله مأخوذا في الدليل بنحو التوصيف ، كقوله الماء المتغير ينجس ، أو بنحو التعليل ، كقوله الماء ينجس إذا تغير باجراء الاستصحاب في الثاني دون الأول ( أو ملحوظة ) بانظار العرف المسامحية ، كي لا يفرق بين اللسانين ، ويدور جريان الاستصحاب مدار فهم كون القيد المشكوك دخله في الموضوع من القيود غير المقومة لحقيقة الموضوع أو من القيود المقومة ( فيلتزم ) بجريان الاستصحاب في الأول ولو كان اخذه في الدليل بنحو التوصيف ، وعدم جريانه في الثاني ولو كان اخذه في الدليل بلسان التعليل ( وبذلك ) ظهر انه ليس المقصود من المسامحة في المقام المسامحة

١٢

في تطبيق كبرى المستصحب على المورد ، كي يورد عليه بان تطبيق الكبريات الواقعية على مصاديقها لا يكون الا عقليا ( وانما المقصود ) هو المسامحة فيها في مقام توجيه التعبد في بالبقاء إليها ، لا في نفسها مع قطع النظر عن توجيه التعبد بالبقاء نحوها ، بل ولا في البقاء والابقاء المأخوذ في كبرى الاستصحاب ( واما على المسلك الثاني ) وهو كون المسامحة في ارجاع الشك إلى اليقين من سائر الجهات أيضا على نحو يقتضي نحوا من الاتحاد بين القضيتين ( فلازمه ) كون النظر إلى الكبريات الواقعية دقيقيا عقليا حتى في مقام توجيه التعبد بالبقاء إليها فضلا عن مرحلة تطبيقاتها ( وعليه ) لا بد من جعل مركز الخلاف في الأنظار في نفس البقاء والابقاء التعبدي الذي هو مأخوذ في نفس الاستصحاب وفي كبرى لا تنفض اليقين ، لا في كبرى المستصحب ( فإنه ) يختلف فيه اللحاظ من حيث كونه ، تارة متعلقا بالشيء بتمام خصوصياته المحفوظة فيه دقة ، وأخرى لا بهذه الخصوصية بل بالنظر المسامحي الموجب لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي ، مع كون الملحوظ أيضا تارة ذات الشيء ، وأخرى بما هو مدلول الدليل ، اما بدوا أو مستقرا ولو بواسطة القرائن المتصلة أو المنفصلة ( وبكل نظر ) ينتزع نحوا من البقاء ( وعلى ذلك ) فليس اختلاف العقل والعرف في صدق البقاء من جهة الاختلاف في حقيقة البقاء ، بل ولا من جهة الاختلاف في حقيقة الموضوع المأخوذ في كبرى المستصحب ( وانما كان ) ذلك في ارجاع الشك إلى اليقين في كبرى لا تنقض اليقين بالشك في أنه بلحاظ ونظر دقي ، أو بلحاظ ونظر مسامحي موجب لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي ولو مع فهم العرف حقيقة موضوع كبرى الحكم في الدليل على نحو ما يراه العقل موضوعا بنحو لا يصدق البقاء عليه حقيقة حتى بنظر العرف ( ومن هنا ) يظهر انه لا يحتاج على هذا المسلك إلى تنقيح موضوع كبرى الحكم الواقعي ، كي يفرق بين الاحكام المستكشفة من الاحكام العقلية والنقلية ثم التشبث في النقلية بفهم العرف موضوعا آخرا ولو على خلاف ما يفهم من ظاهر الدليل بمناسبات ارتكازية ( بل الموضوع ) أيما كان يكتفي بالمسامحة في النظر في ارجاع القضية

١٣

المشكوكة إلى المتيقنة في تطبيق عموم لا تنقض على المورد دقة ( بخلاف المسلك السابق ) فإنه يحتاج إلى تنقيح موضوع كبرى الدليل ولو بالتشبث بفهم العرف بمناسبات ارتكازية.

( وحيث اتضح ذلك ) نقول بعد فرض عدم اخذ عنوان البقاء والاتحاد في حيز الخطاب الشرعي ، وفرض انتزاعهما من ارجاع الشك إلى اليقين بلحاظ اليقين بالشيء في متعلق الشك الموجب لنحو من الاتحاد بين القضيتين بنحو ينتزع منه عنوان الابقاء والبقاء أيضا ( انه يكفي ) نفس موارد نصوص الباب والتطبيقات الواردة فيها على الاستصحاب في ترجيح المسلك الثاني من اثبات كون النظر في ارجاع الشك إلى اليقين تسامحيا لا دقيا حقيقيا ( إذ مع ) لا بدية اعمال المسامحة في النظر في ارجاع القضية المتيقنة إلى المشكوكة في انطباق أخبار الباب على الاستصحاب ( يكتفى ) بهذا المقدار من الاتحاد المسامحي في تطبيق عمومات الباب دقة على المورد ( ولا يحتاج ) إلى الاتحاد الحقيقي ، كي يحتاج إلى استفادة كون الموضوع في كبرى المستصحب شيئا قابلا للبقاء الحقيقي ، ليصدق عليه الاتحاد الحقيقي ولو بالتشبث بفهم العرف بمقتضى الارتكاز والمناسبات ( فان ذلك ) كله انما يناسب المسلك الأول ( والا فعلى ) هذا المسلك يكفي مجرد صدق البقاء والاتحاد المسامحي بين القضيتين في جريان الاستصحاب وتطبيق عمومات الباب دقة على المورد ( ومرجع ) هذه المسامحة كما عرفت إلى المسامحة في أصل كبرى لا تنقض اليقين بالشك في ارجاع الشك التي اليقين ، لا في تطبيق هذه الكبرى على المورد ، ليكون على خلاف قاعدة تطبيق الكبريات الواقعية على مصاديقها دقة عقلية ، بل التطبيق فيها أيضا يكون على الدقة العقلية ( وعلى ذلك ) لا فرق في جريان الاستصحاب بين أنحاء الستة الدليل ( بل مهما ) كان القيد المشكوك دخله من القيود غير المقومة يجرى الاستصحاب ( لان ) المناط فيه حينئذ على مجرد اتحاد القضيتين ولو مسامحيا ( هذا كله ) بناء على استفادة ( اتحاد القضيتين من عموم لا تنقض بلحاظ تكفله لارجاع الشك إلى متعلق اليقين ) ( واما بناء ) على عدم تكفل

١٤

العموم المزور لمثل هذا الارجاع ، وقلنا ان الاتحاد بين القضيتين مستفاد من اطلاق النقض ( فان قلنا ) انه يصدق النقض حقيقة على مجرد وحدة القضيتين بأحد الأنظار وان لم يكن حقيقيا ، فلا شبهة في شموله لجميع الأنظار ، إذ مفاد العموم المزبور حينئذ حرمة كل ما يكون نقضا لليقين بالشك سواء كان منشئه الوحدة العقلية أو الدليلية أو العرفية ، ولازمه كفاية الوحدة بأحد الأنظار في صدق النقض ( وأما إن قلنا ) إن صدق النقض الحقيقي يدور مدار وحدة القضيتين دقة عقلية ، فلا يشمل النقض العرفي المسامحي الذي هو في الحقيقة من افراده الادعائية ( لوضوح ) أنه لا جامع بين النقض الحقيقي والادعائي ، كي يشمله عموم حرمة النقض ، فيحتاج حينئذ إلى قيام دليل في البين يقتضي الحاق النقض الادعائي بالنقض الحقيقي ، والا فلا يشمل إلا ما كان نقضا حقيقيا ( اللهم إلا ) أن يقال أن مقتضى الاطلاق اللفظي في النقض وإن كان هو الاختصاص بالنقض الحقيقي ( ولكن ) مقتضى الاطلاق المقامي شموله لما كان نقضا في الأنظار العرفية ( وحينئذ ) فبعد سوق مثل هذه القضية على الأنظار العرفية يستفاد بمقتضى الاطلاق المقامي كون المدار على ما يكون نقضا بالنظر العرفي ولو لم يكن نقضا بمعناه الحقيقي ، ولا يعتنى بما يقتضيه الاطلاق اللفظي من الاختصاص بالنقض الحقيقي المستتبع للوحدة الحقيقة بين القضيتين ( لان ) تمامية هذا الاطلاق فرع عدم تمامية الاطلاق المقامي الذي من مقدماته غفلة العرف غالبا عن كثير من المصاديق الحقيقية ، وإلا فبعد تمامية الاطلاق المقامي من الخطاب المتوجه إلى العرف يستكشف عن أن المدار التام على ما هو نقض بنظر العرف لا على النقض الحقيقي ( بل وبناء ) عليه يمكن دعوى عدم شمول مثل هذا الخطاب المتوجه إلى العرف للنقض الدقي الذي لا يفهمه العرف كما هو ظاهر ( بل ولعل ) مثل هذه الجهة هو المنشأ أيضا في مصيرهم إلى كون المدار في بقاء الموضوع واتحاد القضيتين على الأنظار العرفية ، بلا اعتناء منهم على صدق النقض بمعناه الحقيقي والله العالم بالحال.

١٥

( الامر الثاني )

يعتبر في الاستصحاب ان يكون ما أحرز ثبوته مشكوك البقاء والارتفاع والا فلو أحرز بقائه أو ارتفاعه فلا استصحاب ووجهه ظاهر ( وهذا ) في الاحراز الوجداني واضح ( وانما الكلام ) في الاحراز التعبدي الحاصل مما أقامه الشارع مقام الاحراز الوجداني ، كالطرق والامارات المعتبرة ( ومنشأ ) الاشكال بقاء الشك الوجداني في البقاء والارتفاع على حاله وعدم زواله بقيام الطرق والامارات على البقاء أو الارتفاع ( ولكن ) مع ذلك لا اشكال بينهم في الاخذ بالطرق والامارات وعدم الاعتناء معها بالاستصحاب ( وان كان ) قد يظهر من بعضهم في بعض المسائل الفقهية اعمال المعارضة بينهما أو الاشكال في تقديم الامارة عليه ( ويمكن ) أن يكون ذلك منهم للبناء على كون الاستصحاب من الأمارات الظنية كما يشهد به استدلالهم للاستصحاب بكونه مفيدا للظن بالبقاء وحكم العقل بالأخذ بالراجح ( وإلا ) فبناء على اخذه من الاخبار وكونه من الأصول العملية كما عليه المحققون فلا اشكال في تقديم الامارة ولو على البقاء وعدم جريان الاستصحاب معها ( نعم ) انما الخلاف بينهم في وجه تقديم الامارة من كونه بمناط الورود أو الحكومة أو التخصيص.

( ولتحقيق ) الكلام في المقام لا بأس بالإشارة الاجمالية إلى معنى الورود والحكومة وبيان الفارق بينهما وبين التخصص والتخصيص ( فنقول ) : اما الورود فهو عبارة عن كون أحد الدليلين بجريانه رافعا لموضوع دليل المورود وجدانا وحقيقة بحيث لولا جريانه لكان المورود جاريا ، كما في الطرق والامارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العقلية ، كالبرائة والاحتياط والتخيير ( حيث ) ان الامارة بقيامها في مورد على الوجوب أو الحرمة مثلا تكون بيانا على الواقع ، فيرتفع

١٦

اللابيان الذي هو موضوع البراءة العقلية ، كما أنه يتحقق المؤمن عند قيامها على الإباحة فيرتفع احتمال الضرر والعقوبة الذي هو موضوع حكم العقل بالاحتياط ، ويرتفع به أيضا التحير الذي هو موضوع حكمه بالتخيير ( نظير التخصص ) غير أن الميز بينهما هو ان في التخصص يكون خروج المورد عن تحت دليل الآخر ذاتيا ، كما في خروج زيد الجاهل عن عموم أكرم العلماء ، بخلافه في الورود ، فان خروج المورد عن تحت دليل المورود عرضي ناشئ عن تصرف من الشارع بالتعبد بدليل الوارد ، بحيث لولا عناية التعبد بدليله لكان دليل المورود جاريا وشاملا للمورد ( ولذلك ) نفرق في الأصول العقلية تخصصا وورودا بين الأدلة القطعية والتعبدية بخروج المورد عن مجرى الأصول في الأول من باب التخصص وفي الثاني من باب الورود ( وأما الحكومة ) فهي عبارة عن كون أحد الدليلين متعرضا لحال مفاد دليل آخر ، اما بعناية التصرف في عقد وضعه توسعة أو تضييقا بادخال ما يكون خارجا عنه أو اخراج ما يكون داخلا فيه ، كقوله زيد عالم أو ليس بعالم عقيب قوله أكرم العالم ( وأما ) في عقد حمله بكونه ناظرا ولو بدوا إلى تعيين مفاده ، كقوله لا ضرر ولا ضرار ولاحرج في الدين بعد تشريع الاحكام ، أو قبله ( وبذلك ) يفترق الحاكم عن المخصص ، فان الحكومة بحسب النتيجة وان كانت تشارك التخصيص من حيث كون خروج المورد عن تحت دليل الآخر حكميا لا حقيقيا ، ( الا ان الفرق ) بينهما هو ان في التخصيص يكون خروج المورد عن تحت العام بلا تصرف من المخصص في عقد وضع العام أو عقد حمله كما في قوله لا تكرم زيدا بعد قوله أكرم العلماء ، وفى الحكومة يكون ذلك بعناية تصرف من الحاكم في عقد وضع المحكوم ادخالا أو اخراجا ، أو في عقد حمله ( وربما ) يكون بينهما الفرق من جهات أخرى يأتي تفصيله في مبحث التعادل والتراجيح.

( وبعد ما عرفت ذلك ) نقول ان التنزيل المستفاد من أدلة الامارات ، اما ان يكون ناظرا إلى حيث تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع ، واما أن يكون ناظرا إلى المؤدى باثبات كونه هو الواقع ، بلا تكفله لحيث تتميم كشف الامارة

١٧

( فعلى الأول ) كما هو التحقيق يكون تقديم الامارة على الأصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة لا غيرها ( إذ هي ) بدليل تتميم كشفها تكون رافعة للشك الذي أخذ موضوعا في الأصول ، ومثبتة للمعرفة المأخوذة غاية في مثل دليل الحلية ودليل حرمة النقض ، وبهذا الاعتبار تكون ناظرة إلى نفى الحكم المترتب على عدم انكشاف الواقع واستتاره ( ومعه ) لا يكون رفع اليد عن اليقين السابق في الاستصحاب من نقض اليقين بالشك ، بل كان من نقض اليقين باليقين ( من غير فرق ) في ذلك بين ان نقول برجوع التنزيل في مفاد لا تنقض إلى المتيقن ولو بتوسط اليقين ، أو إلى نفس اليقين ، فإنه على كل تقدير يكون تقديم الامارة عليه بمناط الحكومة لا بمناط الورود ( إذ لا وجه ) حينئذ لدعوى ورودها عليه بعد بقاء الشك الوجداني على حاله الا بأحد الأمور ( اما دعوى ) كون المراد من اليقين الناقض مطلق اليقين الصالح للناقضية عملا كي يشمل اليقين الوجداني والتعبدي ( أو دعوى ) ان المراد منه خصوص اليقين الوجداني ولكن متعلقه أعم من الحكم الواقعي والظاهري ( واما دعوى ) كون المراد منه مطلق الحجة سواء كانت عقلية كالعلم أو شرعية كالأمارات ، وهكذا في العلم المأخوذ غاية في سائر الأصول ( فإنه ) على كل واحد من هذه الوجوه تكون الامارة واردة على الأصول لكونها موجبة لخروج المورد حقيقة عن موضوع دليل الأصول ( ولكن ) الجميع كما ترى تخالف جدا ظواهر أدلة الأصول ( لوضوح ) ظهورها في أن الغاية فيها هي خصوص اليقين الوجداني المتعلق بخصوص الحكم الواقعي ، كظهورها في اختصاص الشك المأخوذ في موضوعها بالشك بالحكم الواقعي ، لا الشك بمطلق الحكم ( ومع هذا ) الظهور ، لا مجال لتوهم ورود الامارة عليها ، بل لا محيص من أن يكون تقديمها عليها بمناط الحكومة بالحكومة الظاهرية ، لا الواقعية إذ عليه يكون كل من المعرفة والمتعلق في الأصول على ظاهره في الاختصاص بالمعرفة الوجدانية المتعلقة بخصوص الحكم الواقعي ( واما على الثاني ) الراجع إلى كون التنزيل فيها راجعا إلى المؤدي بالبناء على كونه هو الواقع بلا نظر إلى تتميم كشفها واثبات الاحراز

١٨

التعبدي للواقع ( فلا مجال ) لتقريب حكومة الامارات على الأصول ( لوضوح ) عدم اقتضاء الامارة حينئذ لا ثبات الاحراز التعبدي للواقع ونفى الحكم المترتب على عدم انكشاف الواقع ( فان ) غاية ما يقتضيه دليل الامارة حينئذ انما هو مجرد تنزيل المؤدي منزلة الواقع والامر بالمعاملة معه معاملة الواقع ، ومثله غير مثبت للعلم بالواقع ولو تعبدا كي به يتحقق مناظ حكومتها على أدلة الأصول ( وبذلك ) نقول ان افاده المحقق الخراساني قده من منع الحكومة على هذا المسلك الذي هو مختاره في غاية المتانة ، وان كان ما افاده حينئذ من تقريب الورود في غير محله كما بيناه ( وحينئذ ) فبعد انهدام أساس حكومة الامارات وورودها على أدلة الأصول ، يتحقق التنافي لا محالة على هذا المسلك بين مفاد الامارات وبين مفاد الأصول ( حيث إنه ) مع بقاء الشك الوجداني بالواقع على حاله وعدم ارتفاعه بقيام الامارة لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا ، يجري فيه الاستصحاب لا محالة ، ومعه لا بد وأن يكون تقديم الامارة عليه بمناط التخصيص ، لا بمناط الحكومة أو الورود ( بل لازم ) هذا المسلك أيضا عدم قيام الامارة مع مقام القطع المأخوذ جزء الموضوع أو تمامه على وجه الطريقية ( لان ) ذلك من لوازم رجوع التنزيل فيها إلى تتميم الكشف واثبات الاحراز التعبدي للواقع ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد أصل هذا المسلك ( فان التحقيق ) كما حققناه في محله وهو المسلك الأول ، وعليه يكون تقديمها على الأصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة ، كما أنه عليه يصح قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي جزءا أو تماما ( ثم إن ) ما ذكرناه من حكومة الامارات على الأصول انما هو بالنسبة إلى الأصول الشرعية ، والا فبالنسبة إلى الأصول العقلية ، كالبرائة والاحتياط والتخيير فتقديمها عليها لا يكون الا بمناط الورود كما أشرنا إليه ووجهه واضح.

١٩

( الامر الثالث )

قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا الفرق بين الامارة والأصل ، وان الميزان في كون الشيء أصلا انما هو بعدم كون دليل اعتباره ناظرا إلى تتميم كشفه وان كان فيه جهة كشف عن الواقع ، كما أن الميزان في كون الشيء امارة انما هو بكونه كاشفا عن الواقع ولو بمرتبة ما مع كون دليل اعتباره ناطرا إلى تتميم كشفه ( فكل ) ما اعتبره الشارع بلحاظ كشفه عن الواقع يكون امارة ( وكل ) ما لم يعتبره الشارع من هذه الجهة ، اما بان لا يكون له كشف عن الواقع أصلا ، أو كان له ذلك ولكن لم يكن اعتباره من هذه الجهة يكون أصلا ، وان كان في نفسه مقدما على بعض الأصول كالاستصحاب مثلا ( وعلى ذلك ) قد يتردد بعض الأمور ، بين كونه أصلا ، أو امارة ، بلحاظ خفاء وجه اعتباره في أنه من حيث كشفه ، أو من حيث نفسه تعبدا ، كما في اليد ، وأصالة الصحة ، وقاعدتي الفراغ والتجاوز ونحوها ( ومن هنا ) وقع فيها البحث والخلاف في أنها من الامارات أو من الأصول والقواعد التعبدية ( وكذا ) في وجه تقديمها على الاستصحاب في أنه بمناط الحكومة أو التخصيص ، كوقوع الخلاف بينهم في وجه تقديم الاستصحاب على سائر الأصول ، وفي حكم معارضته مع القرعة ونحوها ( وتنقيح الكلام ) في هذه الجهات يحتاج إلى التكلم في مقامات ( الأول ) في نسبة الاستصحاب مع ما يشك كونه من الامارات أو الأصول ، كاليد وأصالة الصحة ونحوها ( الثاني ) في معارضة الاستصحاب مع القرعة ونحوها ( الثالث ) في عدم معارضة سائر الأصول مع الاستصحاب ( الرابع ) في حكم تعارض الاستصحابين.

( اما المقام الأول ) فيقع الكلام فيه في مسائل ( المسألة الأولى ) في اليد فنقول لا اشكال في اعتبارها في الجملة ، وتقدمها على الاستصحاب والحكم لصاحبها

٢٠