أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]
المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠
[ذكر من اسمه](١) ورقة
٧٩٧١ ـ ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة
ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشيّ الأسديّ (٢)
كان ممن رغب عن عبادة الأوثان وسأل العلماء من أهل الأديان عن الدين الحنيف.
قدم البلقاء مع زيد بن عمرو (٣) بن نفيل ، وقيل إنه أسلم ، وروى حديثا رواه عنه ابن عبّاس.
أنبأنا أبو سعد المطرّز ، وأبو علي الحسن بن أحمد ، قالا : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد (٤) ، نا المقدام بن داود ، نا أسد بن موسى ، نا روح بن مسافر ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، عن ورقة قال : قلت : يا محمّد كيف يأتيك الذي يأتيك ـ يعني ـ جبريل؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يأتيني من السماء جناحاه من لؤلؤ وباطن قدميه أخضر» [١٢٩٠٦].
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد ، أنا شجاع بن علي ، أنا أبو عبد الله بن منده ، أنا أحمد بن محمّد بن زياد ، نا عبّاس بن محمّد الدوري ، نا عثمان بن سعيد الأحول ، نا روح ابن مسافر قال : وأخبرنا محمّد بن أحمد بن عبد الجبّار المصري ، نا الربيع بن سليمان ، عن
__________________
(١) زيادة منا.
(٢) ترجمته في الإصابة ٣ / ٦٣٣ وأسد الغابة ٤ / ٦٧١.
(٣) تحرفت بالأصل إلى : عمر ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ / ١٥٣ رقم ٤١١.
أسد بن موسى ، عن روح بن مسافر ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، عن ورقة بن نوفل قال : قلت : يا محمّد ، أخبرني عن هذا الذي يأتيك ـ يعني ـ جبريل؟ فقال : «يأتيني ، جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر» [١٢٩٠٧].
قال ابن منده : ورقة بن نوفل القرشيّ اختلف في إسلامه ، روى عنه عبد الله بن عبّاس ، ولا أعرف من قال : إن ورقة أسلم ، والنبي صلىاللهعليهوسلم لم يقطع بإسلامه ، وعبد الله بن عبّاس لم يسمع منه ، والله أعلم ، والصحيح أن ورقة توفي أول ما تبدّى جبريل للنبي صلىاللهعليهوسلم.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكّار قال (١) :
ومن ولد نوفل بن أسد يعني ابن عبد العزّى بن قصي : ورقة ، وصفوان ، أمهما هند بنت أبي كبير (٢) بن عبد بن قصي ، فأما ورقة فلم يعقب ، وكان قد كره عبادة الأوثان ، وطلب الدين في الآفاق ، وقرأ الكتب ، وكانت خديجة بنت خويلد تسأله عن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول لها : ما أراه إلّا نبي هذه الأمة الذي بشّر به موسى وعيسى ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تسبّوا ورقة فإنّي أريته (٣) في ثياب بيض» [١٢٩٠٨] وهو الذي يقول (٤) :
رحلت قتيلة (٥) عيرها قبل الضحى |
|
وأخال أن شحطت بجارتك النّوى |
أوكلما رحلت قتيلة غدوة |
|
وغدت مفارقة لأرضهم بكى |
ولقد ركبت على السفين ملجّجا (٦) |
|
أذر الصديق وأنتحي دار العدى |
ولقد دخلت البيت يخشى أهله |
|
بعد الهدوء وبعد ما سقط الندى |
فوجدت فيه طفلة (٧) قد زيّنت |
|
بالحلي تحسبه بها جمر الغضا |
فنعمت بالا إذ أتيت فراشها |
|
وسقطت منها (٨) حيث جئت على هوى |
__________________
(١) نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٢٠٧.
(٢) بدون إعجام بالأصل ، أعجمت عن «ز» ، وم ونسب قريش.
(٣) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي نسب قريش : رأيته.
(٤) الأبيات في الأغاني ٣ / ١١٨.
(٥) الأصل وم : قبيلة ، والمثبت عن «ز» ، والأغاني.
(٦) ملججا : خائضا اللجة وهي معظم الماء.
(٧) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي الأغاني : «حرة» والطفلة : بفتح الطاء المرأة الناعمة الرخصة.
(٨) الأصل : من ، والمثبت عن «ز» ، وم ، والأغاني.
فتلك لذّات الشباب قضيتها |
|
عنّي فسائل بعضهم ما ذا قضى |
قدح الزناد (١) فليس يوري قدحه |
|
لا حاجة قضّى ولا مالا نما (٢) |
فارفع (٣) ضعيفك لا يحل (٤) بك ضعفه |
|
يوما وتدركه العواقب قد نما |
يجزيك أو يثني عليك وإنّ من |
|
أثنى عليك بما فعلت كمن جزى |
قال الزبير : وقد روي البيتان الآخران : لليهودي.
أنبأنا أبو سعد المطرّز ، وأبو علي الحدّاد ، قالا : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ورقة بن نوفل الديلي ، وقيل الأنصاري.
[قال ابن عساكر :](٥) كذا قال ، وأخطأ في ذلك ؛ ورقة أسدي صحيح النسب ، ليس بديلي ولا أنصاري.
قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن علي بن هبة الله ، قال (٦) : أما ورقة بالراء فهو ورقة بن نوفل.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ، قالا : أخبرنا أبو جعفر ، أنا أبو طاهر ، أنا أحمد نا (٧) الزبير ، حدّثني عبد الله بن معاذ ، عن معمر ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة.
أن خديجة بنت خويلد انطلقت بالنبي صلىاللهعليهوسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها ، وكان امرأ تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، فكتب بالعربية [من](٨) الإنجيل ، ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، قال ورقة : يا ابن أخي ، ما ذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبر ما رأى ، فقال ورقة بن نوفل : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا (٩) أكون حيّا حين يخرجك قومك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أو
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي م والأغاني : «فرج الرباب» وفي م : الذباب.
(٢) في الأغاني : ماء بغى.
(٣) هذا البيت والذي يليه في الشعر والشعراء منسوبين إلى زهير بن جناب ، وفي الأغاني ٣ / ١١٧ ونسبهما إلى غريض اليهودي ، وفيها أنهما نسبا إلى ورقة بن نوفل ، وفي نسب قريش نسبا لورقة بن نوفل.
(٤) كذا بالأصل ، وفي م : يخل ، وفي «ز» : «يخل» وعلى هامشها : «يحز» وفي الأغاني والشعر والشعراء : يحر.
(٥) زيادة منا للإيضاح.
(٦) الاكمال لابن ماكولا ٧ / ٣٠١.
(٧) الأصل وم : بن ، والمثبت عن «ز».
(٨) سقطت من الأصل ، وم ، وزيدت عن «ز».
(٩) جذعا : الجذع الشاب الحدث.
مخرجي هم؟» [١٢٩٠٩] قال ورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلّا عودي ، وإن لم يدركني يومك أنصرك نصرا موفورا ، ثم لن ينشب ورقة أن توفي (١).
قال : وحدّثنا الزبير ، حدّثني عمّي مصعب بن عبد الله ، حدّثني الضحّاك بن عثمان عن (٢) عبد الرّحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه.
أن خديجة بنت خويلد كانت تأتي ورقة بما يخبرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه يأتيه فيقول ورقة : والله لئن كان ما يقول حقا إنه ليأتيه الناموس الأكبر ، ناموس عيسى الذي ما يخبّره (٣) أهل الكتاب إلّا بثمن ولئن نطق وأنا حي لأبلين الله فيه بلاء حسنا.
أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك الكرماني ، أخبرنا أبو الفضل محمّد ابن أحمد بن أبي جعفر الطّبسي (٤) ، أنا القاضي أبو بكر المروزي الصدفي ، أنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن حكيم العامري ، حدّثنا أبو الموجّه محمّد بن عمرو بن الموجّه ، أنا سعيد العامري ، نا حمّاد بن سلمة ، أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه.
أن زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ذهبا نحو الشام يلتمسان الدين ، فأتيا على راهب ، فسألاه فقال : إن الذي تطلبان لم يجيء بعد ، وهذا زمانه ، وإنّ نبي هذا الدين يخرج من قبل تيماء (٥) ، فرجعا ، فقال ورقة : أما أنا فأقيم على نصرانيتي حتى يبعث هذا النبي ، وقال زيد بن عمرو : وأما أنا فأعبد رب هذا البيت حتى يبعث النبي ، وكان زيد يأتي على بلال وهو يعذّب في الله فيقول : يا بلال أحد أحد ، والذي نفسي بيده لئن قتلت لأتخذنّك حنانا (٦) ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يبعث زيد أمّة وحده» ، وكان زيد يأتي على الصبيّة وقد وئدت ، فيستخرجها فيسترضع لها حتى تشبّ ، وقد ذكرت في ترجمة زيد بن عمرو أنه بلغ البلقاء ، لا شك أن ورقة كان معه.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنا أبو بكر البيهقي (٧) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ،
__________________
(١) الحديث في الأغاني ٣ / ١٢٠.
(٢) تحرفت بالأصل وم إلى : بن ، والمثبت عن «ز».
(٣) في الأغاني : يجيزه.
(٤) الأصل وم : الطيبي ، والمثبت عن «ز».
(٥) تيماء : بليد في أطراف الشام بين وادي القرى والشام ، على طريق حاج الشام ودمشق (معجم البلدان).
(٦) الحنان : الرحمة والعطف ، أراد لأجعلن قبره موضع حنان أي مكانا أتبرك به ، وأتمسح به تبركا.
(٧) رواه البيهقي في دلائل النبوة ٢ / ١٥٨ ـ ١٥٩ وعن البيهقي في البداية والنهاية ٣ / ٩.
نا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، نا أحمد بن عبد الجبّار ، نا يونس بن بكير ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل.
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لخديجة : «إنّي إذا خلوت وحدي سمعت نداء ، فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا» فقالت : معاذ الله ، ما كان الله ليفعل بك ، فو الله إنك لتؤدي الأمانة ، وتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، فلمّا دخل أبو بكر وليس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم ذكرت خديجة حديثه له ، وقالت : يا عتيق ، اذهب مع محمّد إلى ورقة ، فلمّا دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ أبو بكر بيده فقال : انطلق بنا إلى ورقة فقال : «ومن أخبرك؟» فقال : خديجة ، فانطلقا (١) إليه ، فقصّا عليه ، فقال : إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي : «يا محمّد ، يا محمّد ، فأنطلق هاربا في الأرض» ، فقال : لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ، ثم ائتني فأخبرني فلمّا خلا ناداه : يا محمّد قل : بسم الله الرّحمن الرحيم ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، حتى بلغ : (وَلَا الضَّالِّينَ)(٢) ، قل لا إله إلّا الله ، فأتى ورقة ، فذكر ذلك له فقال ورقة : أبشر ، ثم أبشر ، فأنا أشهد أنك الذي بشّر به ابن مريم ، وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنّك نبي مرسل ، وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ، ولئن أدركني ذلك لأجاهدنّ معك ، فلمّا توفي ورقة قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد رأيت القس في الجنّة عليه ثياب الحرير ، لأنه آمن بي وصدّقني» ـ يعني ـ ورقة [١٢٩١٠].
قال البيهقي : هذا منقطع ، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت عليه : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٣) ، و (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)(٤) ، والله أعلم.
أخبرنا أبو الحسين علي بن المسلم ـ لفظا ـ وأبو القاسم بن عبدان ـ قراءة ـ قالا : أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا علي بن يعقوب بن إبراهيم ، أنا أحمد بن إبراهيم بن نصر ، حدّثنا محمّد بن عائذ ، أنا محمّد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء أخبره عن أبيه عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال :
ثم استعلن له جبريل وهو بأعلى مكة من قبل حراء ، فوضع يده على رأسه وفؤاده وبين كتفيه وقال : لا تخف ، جبريل جبريل ، فأجلسه معه على مجلس كريم ، جميل معجب ، وكان
__________________
(١) بالأصل وم : فانطلقنا ، والمثبت عن «ز» ، والدلائل.
(٢) سورة الفاتحة ، إلى الآية : ٧.
(٣) سورة العلق ، الآية الأولى.
(٤) سورة المدثر ، الآية الأولى.
النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك (١) فيه من الياقوت واللؤلؤ» فبشّره برسالة الله ربّه حتى اطمأن النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : اقرأ ، قال : «كيف أقرأ؟» قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)(٢) فقبل الرسول رسالات ربه ، وسأله أن يخفيها (٣) واتبع النبي صلىاللهعليهوسلم الذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم ، فلمّا قضى إليه الذي أمر به ، انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم منقلبا إلى أهله ، لا يأتي على حجر ولا شجر إلّا سلّمت عليه : سلام عليك يا رسول الله ، فرجع إلى بيته وهو موقن (٤) ، قد فاز فوزا عظيما ، فلمّا دخل على امرأته خديجة قال : «يا خديجة ، أرأيت ما كنت أريه في المنام وأحدّثك به ، فإنه قد استعلن لي ، وإنه جبريل ، أرسله ربه» وأخبرها بالذي قال له ، وبالذي رأى وسمع (٥) ، فقالت : أبشر ، فو الله لا يفعل الله بك إلّا خيرا أبدا أقبل (٦) الذي أتاك من الله ، فإنه حق ، وأبشر فإنك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم انطلقت مكانها حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة يقال له : عداس ، نصراني من أهل نينوى (٧) ، فقالت : يا عداس ، أذكرك الله إلّا حدثتني هل عندك من جبريل علم ، فلمّا سمعها الرجل ذكرت جبريل قال : قدّوس قدّوس ربنا ، وما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل أوثان ، فقالت : أحب أن تحدّثني بعلمك عنه ، قال عداس : فإنه أمين الله بينه وبين النبيين ، وهو صاحب موسى وعيسى ، فرجعت خديجة فأتت عمها ورقة بن نوفل ، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عمرو بن نفيل ، وكان زيد قد حرّم كل شيء حرمه الله من الدم والذبيحة على النّصب ، وأبواب الظلم في الجاهلية ، فعمد هو وورقة بن نوفل يلتمسان العلم والدين حتى وقعا (٨) بالشام ، فلما عرضت عليهما الأديان كرهاها وسألا رهبان نصارى وكلّ قائم أتيا عليه ، فأما ورقة فتنصّر ، وأما زيد فكره النصرانية ، قال له قائم من الرهبان : إنّك تلتمس دينا ليس يوجد في الأرض غير موجود ، قال القائم : دين الله دين إبراهيم خليل الله ، قال : وما كان دينه؟ قال : كان حنيفا ، فلمّا نعت له دين إبراهيم قال زيد :
__________________
(١) الدرنوك : ضرب من الثياب أو البسط له خمل قصير كخمل المناديل.
(٢) سورة العلق ، الآيات ١ ـ ٣.
(٣) الأصل وم و «ز» : يخفها ، والمثبت عن المختصر.
(٤) الأصل وم و «ز» : «موفق» والمثبت عن المختصر.
(٥) في «ز» : وأخبرها بالذي رأى وسمع.
(٦) الأصل : قبل ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٧) نينوى هي قرية يونس بن متى بالموصل (راجع معجم البلدان).
(٨) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ١٤٤ وقفا بالشام.
يا ورقة أنا على دين إبراهيم ، وأنا ساجد نحو هذه البنية التي بني إبراهيم ، فسجد نحو الكعبة في الجاهلية ، ثم توفي زيد وبقي ورقة بن نوفل بعد ، فقال ورقة في الشعر وهو يبكي على زيد وهو خليل الله (١) :
أنعمت يا زيد بن عمرو وإنما (٢) |
|
تجنّبت تنورا من النار حاميا |
دعاؤك ربا ليس ربّ كمثله |
|
وتركك (٣) دار الحياة كما هيا |
فعمدت خديجة إلى ورقة حين رجعت من عند عداس ، فأخبرته ببعث (٤) رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبقول عداس (٥) ، فقال لها ورقة : والله يا ابنة أخي ، والله ما أدري لعل صاحبك هو الرسول الذي ينتظر أهل الكتاب الذي يجدونه مكتوبا عندهم ، وأقسم بالله لئن كان هو ثم أظهر دعاؤه وأنا حي لأبلين الله من نفسي في طاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحسن مؤازرته ، فمات ورقة على نصرانيته.
أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (٦) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمّد بن يعقوب.
ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا رضوان بن أحمد بن جالينوس.
قالا : حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار (٧) ، نا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق بن يسار قال (٨) : وقد كانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد وكان ابن عمّها ، وكان نصرانيا قد تبع الكتب ، وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان رأي ـ وفي رواية رضوان : يرى ـ منه إذ كان الملكان يظلانه ، فقال ورقة : لئن كان هذا حقا يا خديجة ، إنّ محمّدا لنبي هذه الأمة ، قد عرفت أنه لكائن ـ وفي رواية ابن يعقوب : كائن ـ لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال ، فجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول : حتى
__________________
(١) البيتان ـ من أربعة ـ في دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ١٤٤.
(٢) في دلائل النبوة : رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما.
(٣) في دلائل النبوة : بدينك ربا .... وتركك جنان الجبال كما هيا.
(٤) كذا بالأصل ، وفي «ز» ، وم : بنعت.
(٥) الأصل وم و «ز» : «وتقول يا عداس»! والمثبت عن المختصر.
(٦) رواه البيهقي في دلائل النبوة ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨.
(٧) بالأصل : أحمد بن جالينوس عبد الجبار.
(٨) الخبر في سيرة ابن هشام ١ / ٢٠٣.
متى؟ وكان فيما يذكرون يقول أشعار يستبطئ فيها ـ وفي رواية رضوان : بها ـ خبر خديجة ، ويستريث ما ذكرت ، فقال ورقة بن نوفل (١) :
أتبكر أم أنت العشية رائح |
|
وفي الصدر من إضمارك الحزن فادح |
لفرقة قوم لا أحبّ فراقهم |
|
كأنك عنهم بعد يومين نازح |
وأخبار صدق خبرت عن محمّد |
|
يخبّرها عبد إذا غاب ناصح |
وقال رضوان عنه (٢) :
فتاك الذي وجّهت يا خير حرّة |
|
بغور وبالنجدين حيت الصحاصح (٣) |
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت |
|
وهنّ من الأحمال قعص (٤) دوالح |
يخبرنا عن كل حبر بعلمه |
|
وللحق أبواب لهن مفاتح |
كأن ابن عبد الله أحمد مرسل |
|
إلى كل من ضمت الأباطح |
وظني به أن سوف يبعث صادقا |
|
كما أرسل العبدان : هود وصالح |
وموسى وإبراهيم حتى يرى له |
|
بهاء ومنشور من الذكر واضح |
ويتبعه حيّا لؤي وجماعة |
|
شبابهم والأشيبون الجحاجح (٥) |
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره |
|
فإني به مستبشر الود فارح |
وإلّا فإني يا خديجة فاعلمي |
|
عن أرضك في الأرض العريضة سائح |
قال : وقال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي : فيما ذكرت من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يزعمون (٦).
إن يك حقّا يا خديجة فاعلمي |
|
حديثك إيانا فأحمد مرسل |
وجبريل يأتيه وميكال معهما |
|
من الله وحي يشرح الصدر منزل |
يفوز به من فاز فيها بتوبة |
|
ويشقى بها العاتي الغوي المضلل |
__________________
(١) الأبيات في دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨ والروض الأنف للسهيلي ١ / ١٢٧ وبعضها في البداية والنهاية ٣ / ١٠.
(٢) يعني بدل : عبد.
(٣) الصحاصح جمع صحصح ، الأرض الجرداء المستوية ذات حصى صغار.
(٤) قعص : القعص ، الموت ؛ يقال : مات قعصا : أصابته رمية أو ضربة فمات مكانه.
(٥) الجحاجح جمع جحجح وهو السيد.
(٦) الأبيات في دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٢٥٠ والبداية والنهاية ٣ / ١٦.
فريقان منهم فرقة في جنانه |
|
وأخرى بأحواز الجحيم تعلل |
إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت |
|
مقامع في هاماتها ثم تشعل |
وفي رواية رضوان : في هاماتهم ثم مرعل.
فسبحان من تهوى الرياح بأمره |
|
ومن هو في الأيام ما شاء يفعل |
ومن عرشه فوق السماوات كلها |
|
واقضاؤه في خلقه لا تبدل |
وقال ورقة بن نوفل في ذلك (١) :
يا للرجال لصرف الدهر والقدر |
|
وما لشيء قضاه الله من غير |
وفي حديث رضوان : وصرف الدهر (٢)
حتى خديجة تدعوني لأخبرها |
|
وما لها بحق (٣) الغيب من خبر (٤) |
فخبرتني بأمر قد سمعت به |
|
فيما مضى من قديم الدهر والعصر |
بأن أحمد يأتيه فيخبره |
|
جبريل أنك مبعوث إلى البشر |
فقلت علّ الذين ترجين ينجزه |
|
له الإله فرجي الخير وانتظري |
وأرسليه إلينا كي نسائله |
|
عن أمره ما يرى في النوم والسهر |
فقال حين أتانا منطقا عجبا |
|
يقف منه أعالي الجلد والشعر |
إني رأيت أمين الله واجهني |
|
في صورة أكملت من أعظم الصور |
وقال رضوان : في أهيب الصور (٥)
ثم استمر فكاد الخوف يذعرني |
|
مما يسلّم ما حولي من الشجر |
فقلت ظني وما أدري أيصدقني |
|
أن سوف يبعث يتلو منزل السور |
وسوف أبليك (٦) إن أعلنت دعوته (٧) |
|
من الجهاد بلا منّ ولا كدر |
أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمّد بن بيان ، ثم أخبرنا أبو البركات بن المبارك ،
__________________
(١) الأبيات في دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١ والبداية والنهاية ٣ / ١٧.
(٢) في دلائل البيهقي والبداية والنهاية : وصرف الدهر.
(٣) كذا بالأصل ، وفي «ز» ، وم والدلائل : بخفي.
(٤) في البداية والنهاية :
حتى خديجة تدعوني لأخبرها |
|
أمرا أراه سيأتي الناس من آخر |
(٥) وفي دلائل النبوة للبيهقي : أهيب الصور.
(٦) في دلائل النبوة : أنبيك.
(٧) دلائل النبوة والبداية والنهاية : دعوتهم.
أخبرنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، قالا : أخبرنا أبو القاسم بن بشران ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن الحسن ، أنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا المنجاب ، أنا إبراهيم بن يوسف ، نا زياد ، عن محمّد بن إسحاق (١) ، حدّثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال :
سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي : حدّثنا يا عبيد ، كيف كان بدو (٢) ما ابتدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من النبوة حين جاءه جبريل؟ قال عبيد ـ وأنا حاضر لحديث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس ـ قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجاور (٣) في حراء من كل سنة [شهرا](٤) ، وكان ذلك مما تحنّث به قريش في الجاهلية ، والتحنث التبرز ، قال : فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جواره من شهره ذلك ، كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره ، الكعبة ، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا ، أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي بعثه فيها ، وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ، ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورحم العباد بها (٥) ، جاءه جبريل بأمر الله ، قال (٦) رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجاءني وأنا نائم بنمط (٧) من ديباج فيه كتاب فقال : اقرأ ، فقلت : ما أقرأ ، [قال : فغتني به فظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، قال اقرأ ، قال قلت : ما أقرأ ، قال : فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، قال : قلت : ما ذا أقرأ؟ قال : فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما ذا أقرأ؟](٨) ما أقول ذلك إلّا افتداء منه أن يعود بمثل ما صنع فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)(٩) ، فقرأتها كلها ثم انتهى ، فانصرف
__________________
(١) الخبر في سيرة ابن هشام ١ / ٢٥١ وما بعدها. والبداية والنهاية ٣ / ١٨.
(٢) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن «ز» ، وم ، وفي السيرة : بدء.
(٣) يجاور : يعتكف.
(٤) زيادة عن ابن هشام والبداية والنهاية.
(٥) الأصل وم و «ز» : به ، والمثبت عن ابن هشام.
(٦) الأصل : «فان» والمثبت عن «ز» ، وم ، وابن هشام.
(٧) النمط : وعاء كالسفط ، وضرب من البسط.
(٨) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم و «ز» ، واستدرك للإيضاح عن سيرة ابن هشام.
(٩) سورة العلق ، الآيات ١ ـ ٥.
عني ، وهببت من نومي كأنّما كتبت في قلبي كتابا ، قال (١) : ولم يكن من خلق الله شيء أبغض إلي من شاعر أو مجنون ، كنت لا أطيق أن أنظر إليهما ، قال : قلت إنّ الأبعد ـ يعني نفسه ـ لشاعر أو مجنون ، لا تحدّثن قريش عنّي بهذا أبدا إلّا عمدت إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي فلأقتلنها فلأستريحن ، قال : فخرجت أريد ذلك حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء وهو يقول : يا محمّد أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل صافّ قدميه إلى أفق السماء يقول : يا محمّد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ، قال : فوقفت أنظر حتى شغلني ذلك عمّا أردت ، فما أتقدم ما أتأخّر وجعلت أصرف وجهي في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية إلّا وجدته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا مكة ، ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ، ثم انصرف عني ، وانصرفت راجعا حتى أتيت خديجة ، فجلست إلى فخذها مضيفا (٢) إليها ، فقالت : يا أبا القاسم ، أين كنت؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إليّ ، قال : قلت لها : إنّ الأبعد لشاعر أو مجنون ، قال : فقالت : أعيذك بالله يا أبا القاسم ، ما كان الله ليصنع ذلك بك مع ما أعلم منك من صدق حديثك ، وعظم أمانتك ، وحسن خلقك ، وصلة رحمك ، وما ذاك يا ابن عم؟ لعلك رأيت شيئا؟ قال : قلت لها : نعم ، قال : ثم حدّثتها بالذي رأيت فقالت : أبشر يا ابن عم واثبت ، فو الذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
قال : ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد ، وهو ابن عمّها ، وكان ورقة قد تنصّر وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة ، وأهل الإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي رأى وسمع ، فقال ورقة : قدّوس قدّوس ، والذي نفس ورقة بيده لئن صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له : فليثبت ، قال : فرجعت خديجة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته بما قال ورقة ، فسهل ذلك عنه بعض ما هو فيه من الهم بما جاءه ، فلمّا قضى جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع ، وبدأ بالكعبة ، فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال له : يا ابن أخي ، أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له ورقة : والذي نفسي بيده
__________________
(١) من هنا إلى قوله : فلأستريحن ، سقط من سيرة ابن هشام.
(٢) مضيفا إليها يعني ملتصقا بها ، يقال : أضفت إليه إذا ملت نحوه ولصقت به.
إنّك لنبي هذه الأمة ، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذّبنّه ولتؤذينّه ولتخرجنّه ولتقاتلنّه ، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه فقبّل يافوخه ، ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد زاده ذلك من قول ورقة بن نوفل ثباتا وخفّف عنه بعض ما كان فيه من الغمّ.
قال ابن إسحاق : وقال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصي فيما كانت ذكرت له خديجة من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يزعمون :
إن يك حقّا يا خديجة فاعلمي |
|
حديثك إيانا فأحمد مرسل |
وجبريل يأتيه وميكال معهما |
|
من الله وحي يشرح الصدر منزل |
يفوز به من فاز فيها بتوبة |
|
ويشقى به العاتي الغوي المضلل |
فريقان منهم فرقة في جنانه |
|
وأخرى بأحواز الجحيم تغلغل |
إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت |
|
مقامع في هاماتهم ثم مرعل |
فسبحان من تجري الرياح بأمره |
|
ومن هو في الأيام (١) ما شاء يفعل |
ومن عرشه فوق السموات كلها |
|
واقضاؤه في خلقه لا تبدل |
وقال ورقة أيضا :
يا للرجال لصرف الدهر والقدر |
|
وما لشيء قضاه الله من غير |
حتى خديجة تدعوني لأخبرها |
|
وما لنا بحق (٢) الغيب من خبر |
فكان ما سألت عنه لأخبرها |
|
أمرا أراه سيأتي الناس عن أخر |
فخبّرتني عن أمر سمعت به |
|
فيما مضى من قديم الناس والعصر |
بأن أحمد يأتيه فيخبره |
|
جبريل أنّك مبعوث إلى البشر |
فقلت إنّ الذي ترجين ينجزه |
|
لك الإله فرجي الخير وانتظري |
وأرسليه إلينا كي نسائله |
|
عن أمره ما يرى في النوم والسهر |
فقال حين أتانا منطقا عجبا |
|
يقفّ منه أعالي الجلد والشعر |
إني رأيت أمين الله واجهني |
|
في صورة أكملت في أهيب الصور |
ثم استمر فكاد الخوف يذعرني |
|
مما يسلّم من حولي من الشجر |
__________________
(١) الأصل : أيام ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٢) كذا بالأصل ، وفي «ز» ، وم : بخفي.
فقلت ظني وما أدري أيصدقني |
|
أن سوف يبعث يتلو منزل السور |
وسوف يأتيك إن أعلنت دعوتهم |
|
من الجهاد بلا منّ ولا كدر |
قال المنجاب : وهذه الثلاثة الأشعار أيضا لورقة ، وجدتها في كتاب زياد ليست في كتاب إبراهيم :
أتبكر أم أنت العشية رائح |
|
وفي الصدر من إضمارك الحزن فادح |
لفرقة قوم لا نحب فراقهم |
|
كأنك عندهم بعد يومين نازح |
وأخبار صدق خبرت عن محمد |
|
يخبرها عنه إذا مات ناصح |
فتاك الذي وجهت يا خير حرة |
|
بغور وبالنجدين حيث الصحاصح |
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت |
|
وهن من الأحمال قعص دوالح |
فخبرنا عن كل حبر يعلمه |
|
وللحق أبواب لهن مفاتح |
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل |
|
إلى كل من ضمت عليه الأباطح |
وظني به أن سوف يبعث صادقا |
|
كما أرسل العبدان هود وصالح |
وموسى وإبراهيم حتى يرى له |
|
بهاء ومنشور من الذكر واضح |
ويتبعه حيّا لؤي جماعة |
|
شبابهم والأشيبون الجحاجح |
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره |
|
فإني به مستبشر الود فادح |
وإلّا فإني يا خديجة فاعلمي |
|
عن أرضك في الأرض العريضة سابح |
فمتبع دين الذي أسس الهوى |
|
وكل له فضل على الدين راجح |
وأسس بنيانا بمكة ثابتا |
|
تلألأ فيه بالظلام المصابح |
منيفا على تشييد كل مشيد |
|
على بابه ذي العروتين الصفائح |
مثابا لأفناء القبائل كلها |
|
تحب إليه اليعملات الطلائح |
حراجيج حرب قد كللن من السرى |
|
تعلّق في أرساغهن السوابح |
وقال ورقة أيضا :
أمن طارق زارنا بعسف |
|
دموعك سافحها يذرف |
أم الهم ضاقك بعد الهجوع |
|
فجنبني لصائفه أحنف |
يجايفني عن [فراش](١) وتبر |
|
وغيري بمضجعه ألطف (٢) |
__________________
(١) استدركت عن «ز» ، لتقويم الوزن.
(٢) كذا البيت بالأصل و «ز».
وقال ورقة بن نوفل أيضا (٢) :
__________________ (١) غير مقروءة بالأصل وم «ز» وصورتها : «مسا». (٢) الشعر في سيرة ابن هشام ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ والبداية والنهاية ٣ / ١٥. (٣) في البداية والنهاية : لأمر. (٤) رسمها بالأصل وم و «ز» : «المكننن» والمثبت عن السيرة والبداية والنهاية وقوله : المكتين لعله أراد أسفل مكة وأعلاها ، فثناها ، وهي واحدة : مكة. (٥) في سيرة ابن هشام : فينا. (٦) البداية والنهاية : تعوجا. |
فيلقى من يحاربه خسارا |
|
ويلقى من يسالمه فلوجا |
فيا ليتني إن كان ذاكم |
|
شهدت فكنت أولهم ولوجا |
ولوجا في الذي كرهت قريش |
|
ولو عجّت بمكتها عجيجا |
أرجى بالذي كرهوا جميعا |
|
إلى ذي العرش إن سفلوا (١) عروجا |
وإن يبقوا ويبق تكن أمور |
|
يضج الكافرون لها ضجيجا |
وإن أهلك فكل فتى سيلقى |
|
من الأقدار متلفة خلوجا (٢) |
وهل أمر السفاهة غير كفر |
|
كمن يختار من سمك البروجا |
أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد ، أنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن الحسن الخلّال ، نا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان ، نا إبراهيم بن عبد الله الزبيبي ـ بعسكر مكرم (٣) ـ قرئ عليه الإسناد وبعض المتن وأنا أسمع ، وأجاز لنا باقي الحديث ، نا محمّد بن عبد الأعلى الصنعاني ، حدّثنا المعتمر بن سليمان ، حدّثني أبي قال (٤) :
بلغنا عن حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الله بعث محمّدا رسولا على رأس خمس (٥) سنين من بناء الكعبة ، فكان أول شيء اختصه الله به من النبوة والكرامة رؤيا كان يراها ، فقصّ ذلك على زوجته خديجة بنت خويلد وهي من بني عبد العزّى فقالت له : أبشر ، فو الله لا يفعل الله بك إلّا خيرا ، فكان نبي الله صلىاللهعليهوسلم قد ترك كثيرا مما كانت عليه قريش تفعل بآلهتهم وتنزّه عنه (٦) ، فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حراء يتمشّى إذ نزل عليه جبريل ، فدنا منه ، فخافه نبي الله مخافة شديدة ، فأخذ جبريل فوضع يده على صدره وبين [كتفيه ، فقال : اللهم احطط وزره ، واشرح صدره ، وطهر قلبه ، يا محمد أبشر فإنك نبي هذه](٧) الأمة : اقرأ ، قال له نبي الله صلىاللهعليهوسلم وهو خائف يرعد : ما قرأت كتابا قط ولا أحسنه ، وما أكتب وما أقرأ ، فأخذه جبريل ، فغتّه غتّا (٨) شديدا ، ثم تركه فقال : اقرأ ، فقال نبي الله صلىاللهعليهوسلم : ما أرى شيئا أقرأه ، وما أقرأ وما أكتب ،
__________________
(١) في «ز» : سبلوا.
(٢) في السيرة : حروجا.
(٣) عسكر مكرم : بلد مشهور من نواحي خوزستان (معجم البلدان).
(٤) رواه بطوله ابن كثير في البداية والنهاية ٣ / ٢٠ وما بعدها نقلا عن ابن عساكر.
(٥) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي البداية والنهاية : خمسين سنة.
(٦) بالأصل : «وتنزهه عنهم» والمثبت عن «ز» ، وم.
(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم ، واستدرك للإيضاح عن «ز».
(٨) بالأصل : «فغثه غثا» والمثبت عن «ز» ، وم.