أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٠٧
البحث الخامس
فيما إذا أجاب المنكر بالإبراء أو الإقباض
وينقلب حينئذ مدّعيا والمدّعي منكرا.
ولا فرق في هذه الدعوى بين أن كان المدّعي أقام البيّنة أوّلا أو لا ، وليس فيه تكذيب لبيّنته. ثمَّ جواب المدّعى عليه الثانوي أيضا إمّا إقرار ، أو إنكار ، أو سكوت ، وحكم الكلّ كما مرّ.
نعم ، لو أجاب بـ : لا أدري ، يكون الأصل حينئذ معه ، ويعمل بمقتضى الأصل.
البحث السادس
فيما إذا كان المدّعى عليه غائبا
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا ادّعى المدّعي دعوى مسموعة ، فإمّا يكون المدّعى عليه حاضرا في المجلس ، أو غائبا عنه.
فعلى الأول ، قال في الدروس باشتراط القضاء عليه بعلمه (١) ، فلو لم يعلم ـ لعدم فهم ، أو اختلاف لغة ، أو عدم التفات ـ لم يقض عليه ، أي قبل السؤال.
وهو كان حسنا ـ للأصل ـ لو لا إطلاقات الأمر بالحكم والقضاء المتقدّمة.
كصحيحة سليمان : « احكم بينهم بكتابي » (٢).
ومرسلة يونس : « استخراج الحقوق بأربعة وجوه » (٣).
ومرسلة أبان : « اقض بينهم بالبيّنات » (٤) ، وغير ذلك.
وتوهّم تبادر كونه بعد السؤال عن الخصم ، أو بعد علمه ، فيقتصر في غيره على موضع النصّ ، وهو الغائب.
__________________
(١) الدروس ٢ : ٩١.
(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٢٨ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ١.
(٣) الكافي ٧ : ٤١٦ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.
(٤) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٢٨ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ٢ وفيه : اقض عليهم بالبيّنات.
مردود بمنع التبادر ، وجريان السيرة على ذلك ـ لو سلّم ـ فإنّما هو على الإعلام دون اشتراطه.
إلاّ أنّه يرد على الأول : أنّ القضاء بكتاب الله لا يدلّ على القضاء قبل السؤال ، إذ لعلّ حكم الكتاب هو السؤال عن المدّعى عليه.
وعلى الثاني : أنّه لا شكّ أنّ استخراج الحقّ يحصل بالإقرار أيضا ، فإمّا يجعل الحصر إضافيّا ، أو تخصّص الحقوق بما جحدت بعد السؤال وبالغائب ، وليس أحد المجازين أولى من الآخر.
وعلى الثالث : يتضمّن قولهم : « وأضفهم إلى اسمي يحلفون به » وذلك يدلّ على وقوع الجحود أيضا.
أمّا ما في صحيحة سليمان من قوله : « هذا » أي الإضافة إلى الاسم « لمن لم تقم له بيّنة » فلا يدلّ مفهومه إلاّ على أنّ مع قيام البيّنة لا يحلف ، وأمّا الحكم بها بدون وقوع النزاع والجحد أو بعد الجحود خاصّة فلا.
وعلى هذا ، فالأظهر عدم القضاء بالبيّنة فيما نحن فيه قبل السؤال ، بل تدلّ عليه صريحا رواية محمّد بن مسلم : « إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر » (١) فلو جعل الحاضر الغير العالم كالغائب لم يكن بعيدا.
وعلى الثاني : فإمّا أن يكون غائبا عن بلد الحكم أيضا ، أوعن المجلس دون البلد.
فعلى الأول : يجوز الحكم عليه بعد قيام البيّنة أو علم الحاكم ، بل يجب حيثما يجب الحكم ، سواء كان بعيدا أو قريبا ، بلا خلاف أجده ، بل
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٧ ـ ٢٣ ، التهذيب ٦ : ٢٢٧ ـ ٥٤٩ ، الوسائل ٢٧ : ٢١٦ أبواب آداب القاضي ب ٤ ح ٢.
مطلقا كما قيل (١) ، بل باتّفاق أصحابنا كما في المسالك (٢) ، بل بالإجماع كما صرّح به والدي العلاّمة رحمهالله في المعتمد ، بل بالإجماع المحقّق ، له.
ولمرسلة جميل : « الغائب يقضى [ عليه ] إذا قامت عليه البيّنة ، ويباع ماله ، ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم » قال : « ولا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلاّ بكفلاء إذا لم يكن مليّا » (٣) ، ونحوها روايته عن محمّد (٤).
وضعفهما غير ضائر ، سيّما مع الانجبار ، وصحّة الأولى على الأصح عن ابن أبي عمير.
ويدلّ عليه أيضا عموم صحيحة زرارة المتقدّمة (٥) في حكم المقرّ المماطل.
وأمّا الاستدلال بعمومات لزوم الحكم مطلقا ( أو بالبيّنة ) (٦) فهو كان حسنا لو لا رواية محمّد المخصّصة هنا بصورة السماع من الخصم.
وأمّا المرويّ في قرب الإسناد : « لا يقضى على غائب » (٧) فحمله
__________________
(١) انظر الرياض ٢ : ٤١٤.
(٢) المسالك ٢ : ٣٧٠.
(٣) التهذيب ٦ : ٢٩٦ ـ ٨٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٦ ح ١ ، بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : عنه ، وما أثبتناه من المصدرين. وليس فيهما : إذا لم يكن مليّا.
(٤) الكافي ٥ : ١٠٢ ـ ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٦ ح ١.
(٥) التهذيب ٦ : ٢٩٩ ـ ٨٣٦ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٨ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١١ ح ٢.
(٦) ليست في « ق ».
(٧) قرب الإسناد : ١٤١ ـ ٥٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٦ ح ٤.
بعضهم على التقيّة ، وآخر على الغائب عن المجلس دون البلد ، وفي الوسائل على عدم الجزم بالحكم ، لجواز قبول حجّة الغائب (١). والأولى ردّه بالمخالفة للإجماع هنا ، مع أنّه لا يفيد أزيد من المرجوحية.
وعلى الثاني : فإمّا يتعذّر حضوره ، أو لا يتعذّر ، وعلى الثاني : إمّا علم امتناعه من الحضور ، أو لم يعلم.
فإن تعذّر فيجوز الحكم عليه أيضا بلا خلاف كما قيل (٢) ، بل عليه الوفاق في المسالك (٣) ، والإجماع في المعتمد وغيره (٤) ، فإن ثبت الإجماع وإلاّ فللكلام فيه مجال واسع ، إذ لا يكون عليه دليل سوى عمومات الحكم ، وقد عرفت تخصيصها ، وعمومات الحكم على الغائب ، وستعرف ما فيها.
وإن لم يتعذّر ، فإن امتنع فكذلك أيضا ، ومن معاصرينا من جعل ذلك أيضا محلّ الخلاف الآتي (٥) ، وهو غير صحيح ، لتصريح الشيخ في المبسوط بجواز الحكم في صورة الامتناع (٦).
وإن لم يعلم امتناعه ففيه خلاف ، فقال الشيخ في المبسوط : إنّ الصحيح أنّه لا يقضى عليه (٧). واختاره والدي العلاّمة رحمهالله في المعتمد ، ومال إليه المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، بل وكذلك في الصورتين
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٢٩٦.
(٢) انظر الرياض ٢ : ٤١٤.
(٣) المسالك ٢ : ٣٧٠.
(٤) الخلاف ٢ : ٦٠١.
(٥) غنائم الأيام : ٦٨٨.
(٦) المبسوط ٨ : ١٦٢.
(٧) المبسوط ٨ : ١٦٢.
الأوليين أيضا إن لم يثبت الإجماع على الجواز فيهما.
وذهب الفاضلان والشهيدان وفخر المحقّقين (١) وغيرهم من المتأخّرين ومتأخّريهم (٢) ـ بحيث يكاد أن يكون ذلك إجماعا منهم ـ إلى الجواز ، ونسبه في المسالك (٣) وغيره (٤) إلى المشهور.
نعم ، يستشمّ من الدروس التوقّف (٥) ، حيث ذكر المسألة ولم يبيّن الترجيح ، وهو الظاهر من القواعد أيضا ، حيث قال : وإن كان حاضرا على رأي (٦).
وكيف كان ، فدليل المشهور ما مرّ من العموم والخصوص.
واستدلّ أيضا بالخبر المستفيض عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما قيل (٧) ـ الوارد في حكاية زوجة أبي سفيان (٨).
وفيه : أنّ الظاهر منه أنّه من باب الاستفتاء والإفتاء دون الحكم ، لقولها : أيجوز أن آخذ من ماله؟ ولعدم تحقّق طلب بيّنة عنها ، ولا يمين ، ولا غيرهما من لوازم القضاء.
__________________
(١) المحقّق في الشرائع ٤ : ٨٦ ، المختصر : ٢٨٥ ، الفاضل في التحرير ٢ : ١٨٧ ، والتبصرة : ١٨٩ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٣ : ١٠٣ ، والمسالك ٢ : ٣٧٠ ، فخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٣٥٩.
(٢) كالسبزواري في الكفاية : ٢٦٩. والكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٥٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٤٧.
(٣) المسالك ٢ : ٣٧٠.
(٤) كالكفاية : ٢٦٩.
(٥) الدروس ٢ : ٩١.
(٦) القواعد ٢ : ٢١٦.
(٧) انظر المسالك ٢ : ٣٧٠.
(٨) صحيح مسلم ٣ : ١٣٣٨.
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « خذي ما يكفيك » وإن كان ظاهرا في الحكم إلاّ أنّه يحمل على إرادة جواز الأخذ ، بقرينة ما ذكر.
هذا ، مع أنّه لا دليل على حضور أبي سفيان في البلد ، أو عدم امتناعه ، أو تعذّره من الحضور.
ولا إطلاق فيه ، لكونه قضية في واقعة ، فلا يتمّ الاستدلال به ولا بالعموم ، لما مرّ من المخصّص ، بل ولا خصوص مجوّزات الحكم على الغائب ، لما يأتي.
احتجّ الشيخ بأنّ القضاء على الغائب ضرورة يقتصر فيها على موضع الحاجة (١).
والأردبيلي : بأنّه إدخال الضرر على الغائب ، إذ قد يتعذّر عليه إقامة الحجّة بعد الحكم ، وعلى تقديرها قد يتعذّر عليه استيفاء الحقّ من الخصم ، أو الكفيل ، لموت أو فقر.
ومرجع الأول إلى الأصل ، والثاني إلى قاعدة نفي الضرر.
والأول : يندفع بالدليل.
والثاني : يخرج عنه أيضا به ، مع أنّ ترك القضاء أيضا قد يكون ضررا على المدّعي. وأيضا لو كان إيجاب الحكم لتعذّر إقامة الحجّة لا وجه له ولو سلّم فهو نادر ، والضرر الحاصل من تعذّر الاستيفاء ـ لو كان ـ إنّما هو من جهة دفع المال دون القضاء.
وقد يستقرب العدم بضعف الخبرين (٢) سندا ودلالة.
أمّا الأول فظاهر.
__________________
(١) المبسوط ٨ : ١٦٢.
(٢) أي مرسلة جميل ورواية محمد المتقدّمتان في ص : ٣٠٤.
وأمّا الثاني فلعدم ظهور الخبرين في الحاضر في البلد الغير المتعذّر حضوره ، ولعلّه لأجل ظهور قوله : « قدم » في المسافر ، وكذا الحاجة إلى دفع المال وأخذ الكفيل ، مع أنّ الغائب يحتاج إلى متعلّق مقدّر ، فهوأمّا البلد أو المجلس ، فيحصل فيه الإجمال الموجب للاقتصار على المتيقّن. ولو منع احتياجه إلى المتعلّق وجعل لفظه مستعملا في الشخص الغير الحاضر لصار أشكل ، لمنع صدقه عرفا على من في البلد.
والجواب : أمّا عن ضعف السند فقد مرّ.
وأمّا عن ضعف الدلالة : فيمنع ظهور لفظ : « قدم » في المسافر لغة ، بل يصدق على قدوم المجلس أيضا ، ودفع المال وأخذ الكفيل يمكن تحقّقه كثيرا في الحاضر في البلد أيضا ، والغائب مطلق كالأكل ، فلا يحتاج إلى متعلّق خاصّ ، فيتحقّق كلما تحقّقت الغيبوبة. إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّه ليس المراد مطلق الغيبوبة كالأكل ، إذ كلّ شخص غائب عن غير موضع واحد ، فالمراد : الغائب عن موضع خاصّ ، ولا دليل على أنّه مجلس الحكم ، فيدخله الإجمال المسقط للاستدلال. ولا يبقى دليل على جواز الحكم على مثل ذلك الغائب ، وقد عرفت حال عمومات الحكم.
فإذن قول الشيخ هو الأظهر وعليه العمل ، ( وجانب العدم أحوط ) (١).
المسألة الثانية : يكفي في جواز القضاء عليه إقامة البيّنة عليه ، ولا يحتاج إلى يمين. وذهب جماعة (٢) ـ منهم الوالد العلاّمة ـ إلى إحلاف المدّعي ، بل ادّعى عليه الشهرة ، وقد مرّ دليلهم بجوابه في بحث الدعوى على الميّت.
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « ح » : وإن كان مراعاة جانب العدم أحوط.
(٢) كالسبزواري في الكفاية : ٢٦٩.
المسألة الثالثة : إذا حكم على الغائب فهل يدفع إلى المدّعي المدّعى به ، أم لا؟
المعروف من مذهب الأصحاب : نعم ، ويدلّ عليه الخبران (١).
وهل هو على الوجوب بعد طلب المدّعي ، أم الجواز؟
الخبران لا يثبتان أزيد من الجواز ، فهو الوجه.
وأمّا عمومات النهي عن المنكر ونحوها فلا تفيد هنا ، إذ مع بقاء الغريم على الحجّة وعدم الإحاطة بما يحتجّ به لا يعلم منكر ، ولا حقّ ثابت بلا كلام حتى يجب استيفاؤه.
وهل يتوقّف جواز الدفع على أخذ الكفيل ، كما ذهب إليه الشيخ في النهاية والقاضي والحلّي على ما حكي عنهم ، والمحقّق في كتابيه (٢) ، وجمع من المتأخّرين (٣) ، منهم الوالد العلاّمة؟
أم لا ، كما حكي عن ابن حمزة (٤)؟ بل هو مذهب كلّ من أوجب اليمين هنا ، فاكتفوا بالتحليف عن التكفيل.
الحقّ هو : الأول ، للخبرين المتقدّمين ، ولكنّ التكفيل فيهما مقيّد بعدم كون المدّعي مليّا ، فمع ملاءته لا تكفيل ، وهو كذلك ، لذلك.
وظاهر أنّ علّة التكفيل والتقييد إنّما هي دفع الضرر عن الغريم لو ثبت استحقاقه الاسترداد ، وعلى هذا فيجب أن يكون الكفيل من يسهل الاستيفاء عنه ، وكذلك الملاءة ، فلو كان مليّا ولكن كان المال المحكوم به له خطيرا
__________________
(١) أي مرسلة جميل ورواية محمّد ، المتقدّمتان في ص ٣٠٤.
(٢) النهاية : ٣٥٢ ، وحكاه عن القاضي في الرياض ٢ : ٤١٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٤ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ٨٥ ، والنافع : ٢٨٥.
(٣) كابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٢٧ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢١٦.
(٤) الوسيلة : ٢١٤.
زائدا عن قدر ملاءته لا يكتفى بها.
وبالجملة : مقتضى العلّة المستفادة : تحصيل الوثوق بسهولة الاستيفاء ودفع الضرر عن الغريم لو تمّت حجّته.
المسألة الرابعة : جواز الحكم على الغائب يختصّ عندنا ـ كما قيل (١) ـ بحقوق الناس مطلقا ، مالا كانت أو عقدا أو غيرهما ، دون حقوق الله المحضة ، فلا يجوز الحكم فيها على الغائب ، وقيل : الظاهر أنّه إجماعيّ (٢) ، وصرّح والدي في المعتمد بالإجماع عليه.
ويدلّ عليه ـ بعد ظاهر الإجماع ـ الأصل ، وقوله : « ادرءوا الحدود بالشبهات » (٣) فإنّ احتمال إقامة الغائب الحجّة شبهة وأيّ شبهة؟!
وشمول العمومات لحقوق الله غير معلوم ، سيّما ما تضمّن منه مثل قوله : « احكم بين الناس » و : « بينهم » و : « اقض لهم » (٤).
وأمّا الخبران وإن كانا شاملين لها إلاّ أنّهما يعارضان رواية قرب الإسناد (٥) المنجبرة في المورد ، فإمّا ترجّح ـ لمرجوحيّة الخبرين بمخالفة العمل فيه أو يتساقطان ، فيرجع إلى الأصل ، مع أنّ نفس مخالفتهما للعمل في المورد يسقط حجّيتهما فيه.
وإذا كانت الدعوى فيما يتضمّن الحقّين ـ كالسرقة ـ فالمشهور فيه أيضا أنّه يحكم على السارق بغرامة المال بعد الثبوت ، بخلاف القطع ،
__________________
(١) انظر الرياض ٢ : ٤١٥.
(٢) غنائم الأيام : ٦٨٨.
(٣) الفقيه ٤ : ٥٣ ـ ١٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة ب ٢٤ ح ٤.
(٤) انظر الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١.
(٥) المتقدّمة في ص : ٣٠٤.
فيصبر حتّى يحضر فيثبت عليه ، ولا منافاة بين الحكمين ، وهو كذلك ، ويظهر وجهه ممّا مرّ.
وتردّد المحقّق في الشرائع (١) ، ووجه العدم هو كونهما معلولين لعلّة واحدة ، فلا ينفكّان.
ويدفعه : أنّ كون السرقة علّة تامّة للقطع ممنوع ، بل هو مع حضور المدّعى عليه.
وقد يعتذر بأنّ علل الشرع معرّفات ، ولا مانع عن تخلّفها عن المعلول ، كما لو أقرّ بالسرقة مرّة فتثبت الغرامة دون القطع ، وكذا لو أقرّ المحجور عليه بالمال فيثبت الحكم في القطع دون المال.
وفيه : أنّ المعرّف معناه : أن يعرّف العالم بالأحكام المستأهل لمعرفتها ثبوت الحكم بسبب وجوده ، فلا يتخلّف عنه. والله العالم.
المسألة الخامسة : قد دلّ الخبران وصرّح الأصحاب : بأنّ الغائب المحكوم عليه على حجّته ، فإذا حضر فادّعى فسق الشهود ، أو الردّ ، أو الإبراء ، أو تحقّق رضاع محرّم في دعوى النكاح ، أو عدم أهليّة الحاكم ، أو وجود بيّنة معارضة لبيّنة ، أو غير ذلك من الحجج ، يحكم له بمقتضاه.
وهل يشترط أن تكون إقامة الحجّة عند الحاكم الأول ، أو يجوز له إقامتها عند حاكم آخر؟
الظاهر هو : الثاني ، للأصل ، إلاّ في جرح الشهود وتعارض البيّنات ، لأنّهما من تتمّة الحكم الأول ، ولم يثبت جواز إتمام حكم واحد من حاكمين ، ولا حجّية الجرح الثابت عند أحدهما ، ولا الشهادة المؤدّاة عنده
__________________
(١) الشرائع ٤ : ٨٦.
على الآخر.
والحاصل : جواز الإقامة عند الغير إذا كانت الحجّة دعوى أخرى طارئة على الاولى ، وعدمه إذا كانت نقضا في الدعوى الاولى.
نعم ، الظاهر أنّه يجوز لهما بعد حضور الخصم إعادة الترافع عند الغير ، فتقام الحجّة عنده بعد إقامة المدّعي حجّته ، لأنّ القضاء الأول غير تامّ بعد ، فيجوز تركه والرجوع إلى الغير ، ولذا يؤخذ الكفيل.
وعلى هذا ، فلو مات الحاكم الأول أو سافر سفرا يتعسّر الوصول إليه قبل إقامة الغريم حجّته بجرح الشهود أو معارضة البيّنة يعيدان المرافعة عند حاكم آخر ، فتأمّل. والله العالم.
الفصل الرابع
فيما إذا كان المدّعى عليه أو المدّعي
أو كلاهما غير صاحب الحقّ
وفيه بحثان :
البحث الأول
فيما إذا كان المدّعى عليه المخاصم
مع المدّعي غير الغريم الذي تعلّق الحقّ به لو كان
وهوأمّا يكون وارثا للغريم ، أو مملوكا ، أو وكيلا له ، أو وليّا بالأبوّة ، أو الوصاية ، أو الحكومة ، أو القيمومة. فهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان المدّعى عليه وارثا للغريم ، فيشترط في سماع دعواه أمران :
أحدهما : ثبوت موت المورّث.
والثاني : تخلّف مال عنه تحت يده.
فإن اعترف المدّعي بانتفاء الأمرين لم تسمع الدعوى ، لكونها لاغية.
وإن اعترف الوارث بهما سمعت الدعوى قطعا.
وإن اختلفا فيهما أو في أحدهما فتحصل حينئذ ثلاث دعاو أو دعويان : دعوى الأمرين ، أو أحدهما ، ودعوى المال. ويبدأ بأيّ من الثلاثة أراد ، لعدم دليل على تقديم أحدها.
وقد يتراءى هاهنا إشكال ، وهو أنّ هذه الثلاثة ليست بدعوى واحدة ،
لجواز تغاير أحكامها ، فتثبت إحداها بالبيّنة ، والأخرى بالشاهد واليمين ، والثالثة باليمين المردودة وبالشاهدين واليمين ، أو تثبت اثنين منها ويتصالحان في الأخيرة ، فهي دعاو متعدّدة ، وصحّة كلّ منها ـ أي صحّة سماعها ـ متوقّف على ثبوت الأخرى الموقوف على صحّتها ، وكونها مسموعة أيضا يتوقّف على صحّة الأخرى.
ودفعه : أنّ سماع كلّ منها موقوف على احتمال تحقّق المدّعى به فيها وفي الأخريين ، وهو متحقّق غير متوقّف على شيء ، وفائدة كلّ منها التسلّط على أخذ المال بعد تمام الدعاوي الثلاث ، أو رفع تسلّطه على الوارث. وبذلك تفترق الدعوى على الوارث عن الدعوى على المورّث بأنّ الأخيرة دعوى واحدة غير متوقّف مقتضاها على شيء آخر ، بخلاف الدعوى على الوارث. وقد تفترق أيضا بأنّ اليمين في الدعوى مع المورّث على البتّ في نفي المدّعى به ، وهنا على نفي العلم.
وفيه : أنّ المورّث أيضا إن قال : لا أدري ، وادّعى المدّعي علمه يحلفه على نفي العلم ، كما أنّ الوارث أيضا إن ادّعى نفي المدّعى به. وهو أمر ممكن ، كما إذا ادّعى ثمن الضيعة الفلانيّة على المورّث ، وعلم الوارث أداءه في حضوره ، أو قال : إنّي أقرضت مورّثك المبلغ الفلاني في اليوم الفلاني في المكان الفلاني ، وعلم هو انتفاءه ، يحلف على البتّ في نفي المدّعى به ، كما صرّح به بعض فضلائنا المعاصرين أيضا (١).
ولا دليل على أنّ يمين الوارث منحصر في يمين نفي العلم ، فتأمّل.
__________________
(١) المحقّق القمي في رسالة القضاء ( غنائم الأيام ) : ٦٩٢.
فرعان :
أ : لو حلف الوارث على نفي العلم ، فهل تسقط دعوى المدّعي في أصل الحق وإن حصلت له بيّنة بعد وأراد إقامتها ، أم لا؟
قال بعض المعاصرين : فيه نظر ، والحقّ : أنّ الأدلّة المتقدّمة لا دلالة فيها على ما نحن فيه ، ولا يبعد سماع البيّنة حينئذ (١). انتهى.
أقول : ما نفى البعد عنه قريب جدّا ، بل هو كذلك ، لأنّ المستفاد من الأدلّة الدالّة على سقوط الحقّ باليمين ليس إلاّ سقوط ما حلف على نفيه ، وهو العلم فيما نحن فيه ، بل صرّح بذلك في صحيحة ابن أبي يعفور ، وفيها : « وكانت اليمين قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه » (٢).
نعم ، لو أراد إقامة البيّنة بعده على إثبات علمه بإثبات إقراره ونحوه لا تسمع.
ب : لو ردّ الوارث المدّعى عليه العلم باليمين ، فهل يتعيّن عليه الحلف على علمه ، أو يكفي الحلف على ثبوت الحقّ ، فقد يسهل على المدّعي الحلف عليه دون الحلف على علم الوارث؟
قال بعض المعاصرين : الظاهر أنّ الخيرة بيد الحالف لا المحلف ، فيجوز له الحلف على ثبوت الحقّ (٣).
__________________
(١) غنائم الأيام : ٦٩٢.
(٢) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣٧ ـ ١٢٥ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٩ ح ١.
(٣) غنائم الأيام : ٦٩٢.
أقول : فيه نظر ، بل الحقّ تعيّن الحلف على العلم ، لأنّ الحلف أمر توقيفي ، ولم يثبت جواز حلف المدّعي إلاّ مع الردّ ، والردّ لا يكون إلاّ على إثبات ما توجّه على المنكر ، فكما لا يجوز للمدّعي إحلاف الوارث النافي للعلم إلاّ بنفي العلم ، فبعد ردّه لا يجوز له الحلف إلاّ بإثبات العلم ، لأنّ مخيّرة ليس ما ردّه.
ومنه يظهر أنّه ليست الخيرة بيد المحلف أيضا ، بل تتعيّن شرعا.
وأمّا ما مرّ في بحث الحلف من جواز حلف المنكر على نفي الأعمّ مع دعوى الأخصّ ، فلكون الأخصّ مندرجا تحت الأعمّ ومستلزما له ، وليس كذلك المورد ، فإنّ ثبوت الحقّ واقعا لا يستلزم علم الوارث.
المسألة الثانية : إذا كان المدّعى عليه مملوكا ، فهل الغريم هو أو مولاه؟
اختلف كلام الأصحاب فيه ، فقال المحقّق في الشرائع : الغريم مولاه ، سواء كانت الدعوى في المال أو الجناية (١). بمعنى : أنّه إذا أقرّ المملوك لم يسمع ، بل يترتّب الأثر على إقرار مولاه ، فيؤخذ بإقراره المال المدّعى على المملوك أصالة أو بواسطة الجناية خطأ. ولو أنكر المملوك لا يترتّب عليه أثره من اليمين وردّها والقضاء مع النكول أو مع ردّ اليمين ، وأنّ ذلك كلّه إلى المولى.
وكذا القصاص ، فإنّه لا يقتصّ منه بإقراره ، بل يقتصّ منه بإقرار مولاه بالموجب. وكذا لو ثبت المدّعى بالبيّنة. ويتوجّه اليمين على المولى.
وبالجملة : المدّعى عليه في الدعوى على المملوك هو المولى
__________________
(١) الشرائع ٤ : ٩٠.
لا المملوك مطلقا ، وإليه ذهب الفاضل في التحرير والإرشاد والقواعد (١).
إلاّ أنّ في الأخير قرّب توجّه اليمين في موردها على العبد ، ومع نكوله عنها تثبت الدعوى في ذمّته ، يتبع بها إذا أعتق.
وفي باب الإقرار منه حكم بعدم قبول إقرار العبد على نفسه مطلقا ، لكن يتبع بالمال بعد العتق ، وحكم بعدم قبول إقرار المولى عليه مطلقا ، لكن في الإقرار عليه بالجناية يجب المال ويتعلّق برقبته (٢).
وعن الشيخ في المبسوط : إنّ الغريم في الجناية الموجبة للقصاص العبد مطلقا ، وفي موجب المال المولى كذلك (٣).
وقال في المسالك : إنّ الأقوى أنّ الغريم كلّ واحد من العبد والمولى ، فإن وقع النزاع مع العبد لم ينفذ إقراره معجّلا مطلقا ، وثبت بعد العتق مطلقا ، فيتبع بالمال وتستوفى منه الجناية.
وإن أنكر وحلف انتفت عنه الدعوى مطلقا ، وإن ردّها أو نكل اتبع بموجبها بعد العتق كما لو أقرّ.
وإن وقع النزاع بينه وبين المولى ـ سواء كان قد وقع بينه وبين العبد أم لا ـ فإن أقرّ بالمال لزم مقتضاه معجّلا في ذمّته ، أو متعلّقا برقبة العبد على حسب موجب الدعوى.
وإن أقرّ بالجناية لم يسمع على العبد بالنسبة إلى القصاص ، ولكن يتعلّق برقبة المجنيّ عليه بقدرها ، فيملكه المقرّ له إن لم يفدها المولى (٤).
__________________
(١) التحرير ٢ : ١٩٠ ، القواعد ٢ : ٢١١.
(٢) القواعد ١ : ٢٧٨.
(٣) المبسوط ٨ : ٢١٥.
(٤) المسالك ٢ : ٣٧٤.
واستشكل في الكفاية ـ بعد نقل قوله ـ في قوله : بعدم نفوذ إقراره معجّلا مطلقا ، على القول بأنّ العبد يملك شيئا ، أو على بعض الوجوه. وكذا في قوله : إن ردّها أو نكل اتبع بموجبها بعد العتق ، على القول المذكور. وكذا في قوله : وإن وقع النزاع بينه وبين المولى ، فإن أقرّ بالمال لزم مقتضاه معجّلا في ذمّته ، أو متعلّقا برقبة العبد (١). انتهى.
وقال المحقّق الأردبيلي ـ بعد نقل القول الأول ـ : وفيه تأمّل ظاهر ، إذ قد يمنع لزوم المال على السيّد بمجرّد إقرار أنّ مملوكه أتلف مال الغير أو أخذه ، وأيضا قد يترتّب على إقراره أثر ، بأن يتبع بعد العتق.
نعم ، لو كان المدّعى مالا موجودا في يد المولى صحّ ذلك.
وكذا في القصاص ، فإنّه قد يترتّب على إقراره أثر ، بمعنى : أنّه إذا أقرّ بالموجب وأنكر السيّد يجب عليه القصاص بعد العتق.
وأيضا إثبات القصاص عليه بالفعل مع إنكاره وعدم البيّنة بمجرّد إقرار السيّد مشكل جدّا ، فإنّ للعبد أيضا حقّا ، كيف وهو المتألّم؟! نعم ، يمكن أن يتملّك المجنيّ عليه منه حينئذ بقدر الجناية.
وأيضا كيف يتوجّه اليمين إلى السيّد مع إنكاره وإقرار العبد ، ويحلف على نفي فعل الغير مع إقرار الغير به؟!
نعم ، يمكن الإحلاف على نفي العلم ، وكأنّه المراد. انتهى.
أقول : إنّ ما استشكله في الكفاية على قول صاحب المسالك ـ على القول بتملّك العبد ـ فهو في موقعه جدّا ، وكذا كثير ممّا أورده الأردبيلي على القول الأول.
__________________
(١) الكفاية : ٢٧١.
وكذا يشكل ما ذكروه من أخذ العبد بالإقرار حين الرقّية بعد العتق.
وتحقيق الكلام : إنّ الدعوى على العبد ـ سواء كان هو المخاطب بالدعوى أو المولى ـ إمّا ماليّة ، أو بدنيّة ، أو غيرهما.
فإن كانت ماليّة ، فإمّا يتبعها إقرار أو لا ، فإن تبعها الإقرار فإمّا يكون هو إقرار المولى ، أو العبد ، أو هما.
فإن أقرّ المولى خاصّة ، فتتفرّع المسألة على أنّ الحقوق الماليّة المتعلّقة بالعبد هل تتعلّق بالمولى مطلقا ، أو على القول بعدم تملّك العبد شيئا؟
فإن ثبت ذلك ينفذ الإقرار في حقّ المولى ، لأنّه إقرار على نفسه ، وإلاّ فلا يثبت شيء على المولى ولا على العبد مطلقا.
وإن أقرّ العبد خاصّة فلا ينفذ إقراره في حقّ المولى مطلقا ، للأصل. ولا في حقّ نفسه ، على القول بعدم تملّكه وتعلّق ما يتعلّق بسببه بالمولى ، لا في حال الرقّية ولا بعد العتق ، أمّا حال الرقّية فظاهر ، وأمّا بعدها فلأنّ على ذلك ليس إقرارا على نفسه حتى تكون الرقّية مانعة عن نفوذه فيؤثّر بعد رفع المانع ، بل إقرار في حقّ الغير ، ولذا لو أقرّ المولى حينئذ ثبت الحقّ عليه ، ولا معنى لثبوت حقّ واحد على شخصين ، وأيضا تعلّقه على العبد بعد العتق فرع كونه إقرارا على نفسه ، وكونه كذلك فرع تعلّقه عليه بعد العتق ، وهذا دور.
وأمّا على القول بتملّكه وتعلّق الحقوق بنفسه فينفذ إقراره في حقّه.
فإن أقرّا معا فالنافذ إقرار المولى على نفسه إن قلنا بعدم تملّك العبد وتعلّق الحقوق بالمولى ، ويلغى إقرار العبد ، وإقرار العبد على القول الآخر ويلغى إقرار المولى.
وإن لم يتبع الدعوى إقرار أصلا ، فإمّا تكون للمدّعي بيّنة أو لا.
فإن كانت له بيّنة يثبت الحكم المشهود به على المولى إن قلنا بتعلّق الحقوق الماليّة بسبب العبد على المولى وعدم تملّك العبد ، وعلى العبد إن قلنا بتملّكه وتعلّق الحقوق بنفسه ، وعليه بعد العتق إن لم يثبت تعلّقها بالمولى وقلنا بعدم تملّكه.
وإن لم تكن له بيّنة فالحلف على من ينفذ إقراره كما مرّ ، والنكول كالإقرار.
وإن كانت الدعوى بدنيّة ـ حبسا ، أو ضربا ، أو جرحا ، أو قتلا ـ فتثبت بالبيّنة ، وبإقرارهما معا ، وبإقرار أحدهما ونكول الآخر ، أو ردّه الحلف وحلف المدّعي ، ولا يثبت بإقرار أحدهما خاصّة شيء ، ولا بنكوله ولا بيمينه المردودة شيء أصلا ، حتى على العبد بعد عتقه ، لأنّ حال الرقّية ليس إقرارها على نفسه محضا.
وإن كانت الدعوى غير الماليّة والبدنيّة ـ كالطلاق ـ فهو كسائر من يدّعى عليه إن لم يكن له تعلّق بالمولى. والله العالم.
المسألة الثالثة : لو كان المدّعى عليه وكيلا لصاحب الحقّ ـ ومنه الأمين في المعاملات ـ أو وليّا له بأحد وجوه الولاية ، فلو أثبت المدّعي حقّه بالبيّنة أو الشاهد واليمين يحكم له ، وإلاّ فلا يفيد إقرار المدّعى عليه ، لأنّه في حقّ الغير ، ولا يحلف ، إذ لا حلف للغير ، ولأنّ الحلف إنّما يكون فيما يثبت الحقّ بترك الحلف بالإقرار أو النكول ، وليس كذلك في حقّ الغير.
وليس له ردّ الحلف إلاّ في الوكيل إذا كان وكيلا في ذلك أيضا عموما أو خصوصا ، لما مرّ في بحث يمين المنكر في المسألة السادسة ، ولأنّه