أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٣
وإن كان ممّا يتضرّر به ، فالكلام في وجوب أدائه وعدمه ما مرّ في بحث الاستطاعة ، ولكنّه ليس مصدودا مع إمكان الأداء ، كما مرّ بيانه في المسألة السابعة.
ولو أمكن المحاربة والمقاتلة مع العدو ، فمع عدم ظنّ الغلبة يكون مصدودا ، ويثبت له حكم الصدّ ، ومع ظنّ الغلبة لا يصدق الصدّ ، فلا تثبت أحكامه.
وأمّا وجوب القتال أو جوازه أو عدم جوازه حينئذ ، فهو أمر آخر غير مسألة الصدّ ، ولتحقيقه مقام آخر.
المقام الثاني
في المحصور
وقد عرفت أنّه من يمنعه المرض عن الوصول إلى مكّة أو الموقفين أو نحو ذلك ، على التفصيل المتقدّم في الصدّ.
وفيه أيضا مسائل :
المسألة الاولى : لا خلاف هنا في وجوب الهدي ، وتوقّف التحلّل على الهدي ، ونقل الإجماع عليه مستفيض (١).
وتدلّ ـ مع الإجماع ـ على الأول مضمرة زرعة : عن رجل أحصر في الحجّ ، قال : « فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه ، ومحلّه منى يوم النحر إذا كان في الحجّ ، وإن كان في عمرة نحر بمكّة ، وإنّما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفي ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إن شاء الله » (٢).
وعلى الثاني مفهوم الشرط في موثّقة زرارة ، بل منطوق ذيلها : « والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما ، فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه » ، قلت : أرأيت إن ردّوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ وأتى النساء؟ قال : « فليعد وليس عليه شيء ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث » (٣).
__________________
(١) انظر المنتهى ٢ : ٨٥٠ ، المدارك ٨ : ٣٠١ ، المفاتيح ١ : ٣٨٦.
(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٧٠ ، الوسائل ١٣ : ١٨٢ أبواب الإحصار والصدّ ب ٢ ح ٢.
(٣) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٩ ، الوسائل ١٣ : ١٨٠ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٥.
ومفهوم الشرط في صحيحة ابن عمّار الآتية.
وتؤيّدهما الأخبار الأخر ، الآتي بعض منها أيضا ، المتضمّنة للجمل الخبريّة.
المسألة الثانية : اختلفوا ـ بعد وفاقهم على اشتراط الهدي وتوقّف التحلّل عليه ـ في وجوب بعثه ، وجواز ذبحه في موضع الحصر.
فذهب الأكثر ـ كما صرّح به جماعة (١) ـ إلى وجوب بعثه إلى منى وذبحه فيها إن كان حاجّا ، وإلى مكّة إن كان معتمرا ، ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه ، وعن ظاهر الغنية : الإجماع عليه (٢).
واستدلّ له بظاهر قوله سبحانه ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٣).
والمضمرة والموثّقة المتقدّمتين في المسألة السابقة.
وصحيحة ابن عمّار : عن رجل أحصر فبعث بالهدي ، قال : « يواعد أصحابه ميعادا ، إن كان في الحجّ فمحلّ الهدي يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك ، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكّة والساعة التي يعدهم فيها ، فإن كان تلك الساعة قصّر وأحلّ » الحديث (٤).
المؤيّدة جميعا بأخبار أخر أيضا (٥).
__________________
(١) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة : ٧ : ٤١٢ ، صاحب المدارك ٨ : ٣٠١ ، السبزواري في الكفاية : ٧٣ ، الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٨٦.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.
(٣) البقرة : ١٩٦.
(٤) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ ـ ١٤٦٥ ، الوسائل ١٣ : ١٨١ أبواب الإحصار والصدّ ب ٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٥) الوسائل ١٣ : ١٨١ أبواب الإحصار والصدّ ب ٢.
وعن المقنع : أنّه ذهب إلى ذبحه في مكان الحصر (١).
ويدلّ عليه ذيل صحيحة ابن عمّار السابقة ، وفيها : « فإنّ الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما خرج معتمرا ، فمرض في الطريق ، وبلغ عليّا عليهالسلام ذلك وهو في المدينة ، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا (٢) وهو مريض بها ، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي ، فدعا عليّ عليهالسلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى المدينة ، فلمّا برئ من وجعه اعتمر » ، قلت : أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّت له النساء؟ قال : « لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة » ، قلت : فما بال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت ، قال : « ليسا سواء ، كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مصدودا ، والحسين عليهالسلام محصورا ».
وصحيحة رفاعة : « خرج الحسين عليهالسلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا ، فبرسم (٣) فحلق شعر رأسه ونحر مكانه ، ثمَّ أقبل » الحديث (٤).
ومرسلة الفقيه : « المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه » (٥).
__________________
(١) المقنع : ٧٦.
(٢) السقيا : موضع يقرب من المدينة ، وقيل : هي على يومين منها ـ مجمع البحرين ١ : ٢٢١. وفي معجم البلدان ٣ : ٢٢٨ : السقيا من أسافل أودية تهامة ، لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة فنزل السقيا وقد عطش فأصابه بها مطر فسمّاها السقيا.
(٣) البرسام : داء معروف ، وفي بعض كتب الطب : أنّه ورم حارّ يعرض للحجاب الذي بين الكبد والمعى ثمَّ يتّصل بالدماغ ـ المصباح المنير : ٤١ ـ ٤٢.
(٤) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٥ ، الوسائل ١٣ : ١٨٦ أبواب الإحصار والصدّ ب ٦ ح ٢.
(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ١٣ : ١٨٧ أبواب الإحصار والصدّ ب ٦ ح ٣.
وصحيحة ابن عمّار : في المحصور ولم يسق الهدي ، قال : « ينسك ويرجع ، فإن لم يجد ثمن هدي صام » (١).
وعن الإسكافي : التخيير بين البعث والذبح حيث أحصر ، مع أولويّة الأول (٢). وقوّاه في المدارك (٣) ، واستقربه في الذخيرة (٤) ، جمعا بين الأخبار.
وعن ظاهر المفيد والديلمي : التفصيل ، فيبعث في الحجّ الواجب ، ويذبح في محلّ الحصر في التطوّع (٥) ، ولعلّه لورود بعض أخبار الذبح في محلّ الحصر في المتطوّع.
وعن الجعفي : فيذبح مكانه مطلقا ما لم يكن ساق الهدي (٦) ، وله صحيحة ابن عمّار الأخيرة.
وربّما قيل باختصاص جواز الذبح مكانه إذا أضرّ به التأخير.
وتدلّ عليه رواية زرارة : « إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدّق ، والصوم ثلاثة أيام ، والصدقة على ستّة مساكين ، نصف صاع لكلّ مسكين » (٧).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ١٨٧ أبواب الإحصار والصدّ ب ٧ ح ٢.
(٢) نقله عنه في المختلف : ٣١٧.
(٣) المدارك ٨ : ٣٠٤.
(٤) الذخيرة : ٧٠٢.
(٥) المفيد في المقنعة : ٤٤٦ ، الديلمي في المراسم : ١١٨.
(٦) حكاه عنه في الدروس ١ : ٤٧٧.
(٧) الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٥٨ ، الوسائل ١٣ : ١٨٥ أبواب الإحصار والصدّ ب ٥ ح ٢ ، بتفاوت.
وقريبة منها رواية أخرى له (١).
أقول : دلالة أدلّة القول الأول على مطلوبهم واضحة ، ولا دلالة لإضافة الهدي إلى الضمير في الروايتين الأوليين على الهدي المساق أصلا ، فلا تختصّان بما إذا ساق الهدي ، كما هو المحكي عن الجعفي.
وحمل الآية على أنّ المراد : حتى تنحروا هديكم ، خلاف الظاهر ، بل خلاف تصريح الأخبار ببيان محلّ الهدي.
وأمّا أدلّة القول الثاني : فالروايتان الأوليان واردتان في التطوّع ، وعدم إمكان البعث أيضا محتمل.
والثالثة لا تدلّ على التعيين ، غايتها الجواز.
والرابعة مخصوصة بمن لم يسق الهدي ، مضافا إلى أنّ قوله : « ينسك » ليس صريحا في الذبح مكانه ، لجواز إرادة البعث منه.
فهذا القول ساقط جدّا ، وكذا الرابع والخامس.
أمّا الأول (٢) ، فلعدم شاهد على ذلك الجمع ، سوى خبري خروج الحسين عليهالسلام ، وليست فيهما دلالة على أنّه لكون الحجّ تطوّعا ، بل يمكن أن يكون لجواز الأمرين مطلقا ، أو التضرّر بالتأخير ـ كما هو ظاهر شكايته من رأسه المقدّس ـ أو عدم إمكان البعث.
وأمّا الثاني (٣) ، فلما مرّ من إجمال معنى قوله : « ينسك » ، مع أنّ عدم السياق ورد في السؤال ، فلعلّ الحكم لجواز الأمرين.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٦٩ ، الوسائل ١٣ : ١٨٥ أبواب الإحصار والصدّ ب ٥ ح ١.
(٢) أي الرابع.
(٣) أي الخامس.
وأمّا السادس ، فلا ينافي القول الأول ، لجواز وجوب البعث ، وجواز التعجيل في الإحلال مع الذبح في المكان ، أو الصوم ، أو التصدّق ، زائدا على البعث.
فلم يبق إلاّ القول المشهور ومذهب الإسكافي.
وبعد ما عرفت من إجمال فعل عليّ عليهالسلام ، وعدم معلوميّة أنّه هل هو للجواز أو التطوّع أو التضرّر أو عدم التمكّن ، لا يصلح دليلا لقول ، كما أنّ إجمال قوله : « ينسك » في صحيحة ابن عمّار كذلك.
فلم يبق للإسكافي إلاّ مرسلة الفقيه ، وهي ـ مع احتمالها لصورة الضرورة كما قيل (١) ـ مخالفة لشهرة القدماء وعمل المعظم ، وبها تخرج عن الحجّية ، فضلا عن مقاومة الأخبار المعتبرة ، ومع ذلك لإرادة المحصور بغير المرض محتملة ، كما هو مقتضى إطباق أهل اللغة من تخصيصهم المحصر بالمريض وتعميمهم المحصور بغيره.
ومن ذلك ظهرت قوّة القول الأول ، وأنّه المنصور المعوّل.
المسألة الثالثة : المحصور الباعث للهدي يواعد مع المبعوث معه يوما للنحر أو الذبح ، كما أمر به في موثّقتي زرعة وزرارة ، وصحيحة ابن عمّار (٢) ، فإذا بلغ ذلك الوقت قصّر وأحلّ من كلّ شيء أحرم منه ، إلاّ النساء خاصّة ، فإنّه لا يحلّ منهنّ حتى يحجّ في القابل ، إلاّ إذا كان الإحرام تطوّعا ، فإنّه يحلّ منهنّ إذا استناب أحدا فطاف عنه طواف النساء.
أمّا الحلّ من كلّ شيء غير النساء وعدم الحلّ من النساء بذلك ، فبالإجماع منّا ، له ، وللنصوص ، كصحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، وموثّقة
__________________
(١) انظر الرياض ١ : ٤٣٨.
(٢) المتقدّمة جميعا في ص ١٤٢ و ١٤٣.
زرارة (١) والرضويّ : « لا يقرب النساء حتى يحجّ من قابل » (٢).
وأمّا صحيحة البزنطي : عن محرم انكسرت ساقه ، أيّ شيء يكون حاله وأيّ شيء عليه؟ قال : « هو حلال من كلّ شيء » ، فقلت : من النساء والثياب والطيب؟ فقال : « نعم ، من جميع ما يحرم على المحرم » الحديث (٣).
فهي شاذّة ، وللإجماع مخالفة ، ومع ذلك هو مذهب بعض العامّة (٤) ، فيحتمل التقيّة.
وأمّا توقّف حلّهنّ له في الحجّ الواجب بالحجّ من قابل وحلّهنّ به ، فلصحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، والرضويّ المنجبر بعمل الطائفة.
وأمّا حلّهنّ في المندوب بالطواف عنه طواف النساء استنابة ، فاستدلّ له بالإجماع المنقول في المنتهى (٥).
وبأنّ الحجّ المندوب لا يجب العود فيه لاستدراكه ، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم منفي ، فاكتفي في الحلّ بالاستنابة.
والأول : ليس بحجّة.
والثاني : مردود بأنّ عدم وجوب العود لا ينافي إمكان العود ، فيعود
__________________
(١) المتقدّمة في ص ١٤٢.
(٢) فقه الرضا عليهالسلام : ٢٢٩ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٤ ـ ١٦٢٢ ، الوسائل ١٣ : ١٨٨ أبواب الإحصار والصدّ ب ٨ ح ١.
(٤) انظر المبسوط لشمس الدين السرخسي ٤ : ١٠٧ ، المغني لابن قدامة ٣ : ٣٧٢.
(٥) المنتهى ٢ : ٨٥٠.
ويطوف ، وليس العود ضررا ، وإلاّ فهو في الواجب أيضا حاصل.
مع أنّ الأخبار للواجب والمندوب شاملة ، بل صحيحة ابن عمّار في المندوب ظاهرة ، لأنّ الظاهر كون إحرام الحسين عليهالسلام تطوّعا ، ولذا استشكله بعض المتأخّرين (١) ، وهو في محلّه.
بل ظاهر جمع اتّحاد المندوب والواجب في الحكم ، وهو المحكيّ عن الخلاف والغنية والتحرير ، حيث قالوا : لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهنّ من قابل أو يطاف عنه (٢) ، من غير تفصيل بين الواجب وغيره.
كذا في الجامع ، إلاّ أنّه لم يقيّد بالقابل ، وقيّد الطواف بالنساء (٣).
وفي السرائر ، إلاّ أنّه قال : لا يحللن حتى يحجّ عنه في القابل ، أو يأمر من يطوف عنه النساء (٤).
وفي الكافي ، إلاّ أنّه قال : لا يحللن له حتى يحجّ ، أو يحجّ عنه (٥).
إلاّ أنّه يمكن أن يستدلّ للمشهور من التفرقة بالمرسل المرويّ في المقنعة : « المحصور بالمرض ، إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه ، ثمَّ يحلّ ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل ، هذا إذا كان حجّة الإسلام ، فأمّا حجّ التطوّع فإنّه ينحر هديه وقد أحلّ ممّا أحرم عنه ، فإن شاء حجّ من قابل ، وإن شاء لا يجب عليه الحجّ » (٦).
__________________
(١) كما في المدارك ٨ : ٣٠٥ ، كفاية الأحكام : ٧٣.
(٢) الخلاف ٢ : ٤٢٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، نقله عن التحرير في كشف اللثام ١ : ٣٩٠.
(٣) الجامع للشرائع : ٢٢٣.
(٤) السرائر ١ : ٦٣٨.
(٥) الكافي في الفقه : ٢١٨.
(٦) المقنعة : ٤٤٦ وفيه : « وإن لم يشأ لم يجب عليه الحجّ » ، الوسائل ١٣ : ١٨٠ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٦.
ولكن الفرق المذكور فيه غير التفرقة المشهورة ، لحكمه بالحلّ من دون الاستنابة.
ونقل عن المفيد وغيره (١) ، ولكن ضعف الخبر يمنع من العمل به.
فإذن الأظهر : اتّحاد الندب والواجب في الحكم.
ثمَّ المخالف في المقام من خالف في عمرة التمتّع ، فحكم بحلّ النساء للمحصور فيها من غير احتياج إلى طواف ، كما عن الدروس ، مستدلاّ بأنّه لا طواف للنساء فيها (٢) ، وبإطلاق صحيحة البزنطي المتقدّمة ، خرج منها الحجّ بأقسامه والعمرة المفردة بالإجماع والأخبار ، فيبقى الباقي.
وفيه ـ مضافا إلى كونه خروج الأكثر الذي لا يجوز في التخصيصات والتقييدات ـ : أنّ هذا التقييد إن كان للجمع فهو ـ مع كونه جمعا بلا شاهد ، وهو غير جائز ـ لا ينحصر وجهه في ذلك ، فيمكن الجمع بنحو آخر.
وإن كان لوجود مقيّد ، فلم نعثر عليه ، بل الأخبار متساوية بالنسبة إليها وإلى الحجّ والمفردة.
ودعوى ظهور صحيحة ابن عمّار في غير عمرة التمتّع لا وجه لها ، مع أنّ هذه الصحيحة بالنسبة إلى وقت الحلّ عامّة ، فيمكن تخصيصها بما بعد الحجّ من قابل ، بل يمكن تخصيصها بغير النساء أيضا ، حيث إنّ الجواب عامّ وإن صرّح بهنّ في السؤال.
وأمّا التعليل الأول ، ففيه : أنّه إنّما يتمّ لو علّق حلّهنّ على طواف النساء وهو غير معلوم ، إذ ليس في الروايات تعرّض لذكر طواف النساء.
__________________
(١) نقله عن المفيد والديلمي في كشف اللثام ١ : ٣٩٠ ، وهو في المقنعة : ٤٤٦ ، والمراسم : ١١٨.
(٢) الدروس ١ : ٤٧٦.
ومن خالف في وجوب الحجّ من قابل بنفسه ، فأجاز الاستنابة فيه أيضا ، وهو الخلاف (١) ومن بعده (٢). إلاّ أن يحمل كلامهم على التسويغ دون التخيير ، وإلاّ فلا دليل لهم يكافئ ما مرّ من الأخبار.
فرع : هل توقّف حلّ النساء على حجّه من قابل مطلق ، حتى في صورة العجز عنه ، ولا تكفي الاستنابة عنه ، كما هو محكيّ عن ظاهر النهاية والمبسوط والمهذّب والوسيلة والمراسم والإصباح والفاضلين في جملة من كتبهما (٣)؟
أم يختصّ بصورة الإمكان ، وبدونه تحلّ بالإتيان نيابة عنه؟ كما عن القواعد (٤)؟
وظاهر الخلاف والغنية والتحرير والكافي والجامع والسرائر : الحلّ بالإتيان نيابة عنه مطلقا ، من غير تقييد بصورة العجز (٥).
دليل الأول : الأصل ، والأخبار المتقدّمة.
ودليل الثاني : لزوم الحرج لولاه ، بضميمة عدم قائل بالإحلال بدون الحجّ ، أو الطواف بنفسه أو نيابة في لزوم الاستنابة ، مضافا إلى الاقتصار على المتيقّن فيما يخالف الأصل.
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٤٢٨.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.
(٣) النهاية : ٢٨١ ، المبسوط ١ : ٣٣٥ ، المهذب ١ : ٢٧٠ ، الوسيلة : ١٩٣ ، المراسم : ١١٨ ، المحقق في الشرائع ١ : ٣٨٢ ، النافع : ١٠٠ ، العلامة في التذكرة ١ : ٣٩٧ ، الإرشاد ١ : ٣٣٩ ، التبصرة : ٧٨.
(٤) القواعد ١ : ٩٣.
(٥) الخلاف ٢ : ٤٢٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، التحرير ١ : ١٢٣ ، الكافي : ٢١٨ ، الجامع : ٢٢٣ ، السرائر ١ : ٦٣٨.
ولم أعثر للثالث على دليل ، فهو ساقط.
فبقي الترجيح بين الأولين ، ولعلّه للثاني ، لما ذكر ، مضافا إلى معارضة الأصل ـ الذي هو دليل الأول ـ مع مثله ، كما أشير إليه ، وضعف الرضوي (١) ، وظهور التمكّن للحسين عليهالسلام.
المسألة الرابعة : إذا بعث هديه أو ثمنه وأحلّ ثمَّ بان أنّه لم يذبح له هدي ، لم يبطل تحلّله ، بل كان باقيا على الحلّ ، ولكن يبعث ليذبح له في القابل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.
لموثّقتي زرعة وزرارة المتقدّمتين (٢).
وصحيحة ابن عمّار : « فإن ردّوا الدراهم ولم يجدوا هديا ينحرونه ، وقد أحلّ ، لم يكن عليه شيء ، ولكن يبعث في القابل ويمسك أيضا » (٣).
وهل يجب عليه الإمساك ثانيا إلى يوم الوعد الثاني كما هو المشهور ، كما في المسالك والروضة (٤) وغيرهما (٥)؟
أو لا ، كما هو المحكيّ عن السرائر وظاهر الشرائع والنافع والمختلف والفاضل المقداد (٦) ، وغيرهم من المتأخّرين (٧)؟
الأقوى هو : الأول ، للأمر بالإمساك في موثّقة زرارة ، وهو للوجوب.
استدلّ للثاني بالأصل ، لأنّه ليس بمحرم ولا في الحرم ، والأمر في
__________________
(١) راجع ص : ١٤٨.
(٢) في ص : ١٤٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٢١ ـ ١٤٦٥ ، الوسائل ١٣ : ١٨١ أبواب الإحصار والصدّ ب ٢ ح ١.
(٤) المسالك ١ : ١٣١ ، الروضة ٢ : ٣٧٠.
(٥) كما في الدروس ١ : ٤٧٨ ، الحدائق ١٦ : ٥٠ ، الرياض ١ : ٤٤٢.
(٦) السرائر ١ : ٦٣٩ ، الشرائع ١ : ٢٨٢ ، النافع : ١٠٠ ، المختلف : ٣١٧ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٥٢٩.
(٧) كالشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٣٦٩.
الموثّق محمول على الاستحباب.
وفيه : أنّه حمل بلا حامل ، والأصل بما مرّ مدفوع.
بل قد يقال : إنّ الأصل بالعكس ، لأنّ مقتضى الآية اشتراط التحلّل ببلوغ الهدي محلّه في نفس الأمر ، فلو تحلّل ولم يبلغ كان باطلا.
ولا يستفاد من الأخبار سوى أنّه لو تحلّل يوم الوعد ولم يبلغ لم يكن عليه ضرر ـ أي إثم أو كفّارة ـ وهو لا يستلزم حصول التحلّل في أصل الشرع ولو مع الانكشاف.
وعلى هذا ، فيكون محرما في الواقع وإن اعتقد ـ لجهله ـ كونه محلاّ ، فقوله ـ : لأنّه ليس بمحرم ـ ممنوع ، إذ لا دليل عليه من نصّ أو إجماع.
وفيه أولا : أنّ مقتضى الآية النهي عن الحلق حتى يبلغ الهدي ، ولا بدّ أن يراد من البلوغ وعده ، للإجماع والنصّ على انتفاء النهي يوم الوعد بلغ أو لم يبلغ ، ولو أريد نفس الأمر لزم كون النهي باقيا مع عدم البلوغ فيأثم ، وهو عين الضرر وخلاف الإجماع.
والحاصل : أنّه إنّما يتمّ لو كان المعنى في الآية هو الحكم الوضعي ، ولكنّه حكم تكليفي منتف في يوم الوعد قطعا ، ذبح أم لم يذبح.
وثانيا : أنّ المصرّح به في أخبار كثيرة : أنّه حلّ حيث حبسه ، كما في رواية حمران : عن الذي يقول : حلّني حيث حبستني ، فقال : « هو حلّ حيث حبسه ، قال أو لم يقل » (١).
وفي صحيحة زرارة : « هو حلّ إذا حبس ، اشتراط أو لم يشترط » (٢).
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٠٦ ـ ١٥١٦ ، الوسائل ١٣ : ١٨٩ أبواب الإحصار والصدّ ب ٨ ح ٣.
(٢) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٢٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٧ أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ١ ، بتفاوت يسير.
خرج ما قبل البعث والميعاد بالدليل ، فيبقى الباقي ، ومقتضاه حصول الحلّ النفس الأمري ، لكون الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمريّة.
وثالثا : أنّه لو تمَّ ما ذكره لزم وجوب الإمساك بعد الانكشاف بلا فصل ، مع أنّ مقتضى موثّقة زرارة كون وقت الإمساك حين البعث الثاني ، كما هو مذهب الأصحاب أيضا.
ومن ذلك ظهر أنّ مبدأ ذلك الإمساك هو حين البعث الثاني ، ومنتهاه حين الوعد الثاني.
ولو ظهر عدم الذبح ثانيا أيضا فهل يبعث ثالثا ، أم لا؟ فيه وجهان.
المسألة الخامسة : لو أحصر أو صدّ فبعث بهديه ثمَّ زال العارض من المرض أو العدو ، التحق بأصحابه إن لم يفت وقته ، بأن يدرك أحد الموقفين على وجه يصحّ حجّه ، بلا خلاف ، لزوال العذر.
ولصحيحة زرارة : « إذا أحصر بعث بهديه ، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفّة فليمض إن ظنّ أنّه يدرك الناس ، فإن قدم مكّة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ، وينحر هديه ولا شيء عليه ، وإن قدم مكّة وقد نحر هديه فإنّ عليه الحجّ من قابل أو العمرة » ، قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟ قال : « يحجّ عنه إذا كانت حجّة الإسلام ، ويعتمر ، إنّما هو شيء عليه » (١).
قيل : ومثل ذلك اخرى واردة في المصدود (٢).
وإن فاته الحجّ تحلّل بعمرة مفردة ، ويقضي الحجّ إن كان واجبا وإلاّ
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٧٠ ـ ٤ ، وفي التهذيب ٥ : ٤٢٢ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ١٣ : ١٨٣ أبواب الإحصار والصدّ ب ٣ ح ١ : فإنّ عليه الحجّ من قابل والعمرة.
(٢) الرياض ١ : ٤٤٣.
ندبا ، بلا خلاف إن تبيّن عدم وقوع الذبح عنه ، وعلى الأشهر إن تبيّن وقوعه ، لعموم أدلّة وجوب التحلّل بالعمرة على من فاته الحجّ.
واحتمل الشهيدان (١) وبعض آخر (٢) عدم الاحتياج إلى عمرة التحلّل حينئذ لحصوله بالذبح ، لأدلّة حصوله ببلوغ الهدي محلّه (٣).
والخدش فيها ـ بعدم ظهور شمولها للمفروض ، لانصراف إطلاقها بحكم التبادر إلى غيره ـ مردود بالمنع أولا ، وجريان مثله في أدلّة وجوب التحلّل بالعمرة ثانيا.
كما أنّ الاستدلال لوجوب العمرة بالصحيحة المتقدّمة ـ على بعض نسخها العاطف للعمرة على الحجّ بلفظة : واو ـ مردود بعدم دلالته على أنّ المراد تلك العمرة ، مع أنّ بعد اختلاف النسخ وأكثريّة العطف بـ : أو ، لا تصلح للاستدلال ، والله العالم.
__________________
(١) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٤٧٩ الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٢.
(٢) كصاحب المدارك ٨ : ٣٠٧.
(٣) البقرة : ١٩٦ ، وانظر الوسائل ١٣ : ١٨١ أبواب الإحصار والصدّ ب ٢.
المقصد السادس
في الكفّارات
وفيه أبحاث :
البحث الأول
في كفّارة الصيد وما يحذو حذوه
وفيه مقامات :
المقام الأول
في كفارة الطيور وفرخها وبيضها
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا قتل المحرم نعامة فكفّارته بدنة ، وهي الأنثى من الإبل على الأحوط.
فإن لم يجدها فضّ على البدنة بعد تقويمها قيمة عادلة على الطعام مطلقا على الأقوى ، وفاقا لجماعة (١) ، لإطلاق الأخبار.
وعلى البرّ خاصّة ـ كما هو مختار آخرين (٢) ـ على الأحوط ، لما قيل (٣) من أنّه المتبادر من الطعام ، فيطعمه ستّين مسكينا إجماعا نصّا وفتوى.
لكلّ مسكين مدّ على الأقوى ، وفاقا للصدوق ، والعماني (٤) ،
__________________
(١) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٧ ، صاحب الجامع : ١٨٩.
(٢) كما في الكافي : ٢٠٥ ، الشرائع ١ : ٢٨٤ ، الروضة ٢ : ٣٣٤ ، المدارك ٨ : ٣٢٣.
(٣) المدارك ٨ : ٣٢٣.
(٤) الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٣٣ ، حكاه عن العماني في المختلف : ١٠٢.
وغيرهما (١) ، لصحيحة ابن عمّار (٢) ، ورواية أبي بصير (٣).
وذهب جماعة (٤) ـ بل هو على الأشهر كما (٥) قيل ـ [ إلى أنّ ] (٦) لكلّ مسكين نصف صاع ، مدّان.
لصحيحة الحذّاء (٧).
المجاب عنها : بقصورها عن إفادة الوجوب أولا.
وعمومها المطلق بالنسبة إلى النعامة ثانيا.
ومخالفتها للأصل ـ الذي هو المرجع عند التعارض وعدم المرجح ـ ثالثا.
ولبعض آخر (٨) ، فأطلق الإطعام ، لإطلاق بعض الأخبار ، اللازم تقييده بما مرّ.
ثمَّ إنّه يكتفي بذلك القدر ، ولا يلزمه إنفاق ما زاد عن قيمتها عن ستّين مدّا ، بل الزائد له ، ولا يلزمه أيضا ما نقصت القيمة عن الوفاء بالستّين ، بلا خلاف عن غير من أطلق الإطعام ، بل عن الخلاف الإجماع
__________________
(١) كالعلاّمة في المختلف : ٢٧١.
(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٣ أبواب كفّارات الصيد ب ٢ ح ١٣.
(٣) الكافي ٤ : ٣٨٥ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ ـ ١١١٢ ، الوسائل ١٣ : ٩ أبواب كفّارات الصيد ب ٢ ح ٣.
(٤) كالمحقق في الشرائع ١ : ٢٨٤.
(٥) انظر الرياض ١ : ٤٤٨.
(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(٧) الكافي ٤ : ٣٨٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفّارات الصيد ب ٢ ح ١.
(٨) كما في المقنع : ٧٨.