أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٩٢
مطلوب لا يحصل إلاّ بالقصد ، يعتبر التعيين بالقصد.
وما كان غير ذلك لا يعتبر فيه ذلك ، سواء في ذلك الصوم وغيره من العبادات ، من الطهارات والصلوات وغيرهما.
ب : لمّا كان الأصل ـ على الأقوى ـ تداخل الأسباب ، فالأصل في أنواع الصيام التداخل إلاّ ما ثبت فيه العدم ، وممّا ثبت فيه عدم التداخل : صوم شهر رمضان ، والنيابة عن الغير ، والقضاء ، والنذر معيّنا ، ومطلقا ، والكفّارة ، فإنّها لا يتداخل بعضها مع البعض إجماعا.
ويتداخل النذر المطلق والمعيّن (١) مع صوم أيّام البيض ، وهو مع صوم دعاء الاستفتاح (٢) ، وهو مع القضاء (٣) ، ونحو ذلك.
المسألة الثانية : لو نوى في شهر رمضان صوما غيره مع وجوب الصوم عليه ، فإن كان مع الجهل بالشهر فالظاهر عدم الخلاف في الصحّة والإجزاء عن رمضان ، كما يأتي في صوم يوم الشكّ.
وإن كان مع العلم بالشهر فلا يقع الصوم عن المنويّ إجماعا ، لعدم وقوع صوم غيره فيه كما يأتي.
وهل يقع عن رمضان أو يبطل؟ فيه قولان :
الأول : للخلاف والمبسوط وجمل السيّد والغنية والوسيلة والمعتبر والشرائع (٤).
__________________
(١) في « ق » زيادة : إذا لم يقصد في النذر التغاير أو لم تدل عليه قرينة ، وكذا يتداخلان مع كل صوم آخر كذلك.
(٢) كذا ، ولعله تصحيف عن : الاستسقاء.
(٣) في « ق » زيادة : إذا قصد القضاء ولا عكس.
(٤) الخلاف ٢ : ١٦٤ ، المبسوط ١ : ٢٧٦ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٥٧١ ، الوسيلة : ١٤٠ ، المعتبر ٢ : ٦٤٥ ، الشرائع ١ : ١٨٧.
والثاني : للحلّي والشهيد والمفاتيح (١) ، واستجوده في المختلف أولا (٢) وفي المدارك مطلقا (٣) ، ونسب إلى ظاهر عليّ بن بابويه (٤).
وظاهر الفاضل في جملة من كتبه وصاحب الكفاية التردّد (٥).
حجّة الأول : أنّ النيّة المشروط حاصلة ، وهي نيّة القربة ، إذ التعيين غير لازم ، وما زاد لغو لا عبرة به ، فكان الصوم حاصلا بشرطه ، ويجزئ عنه.
وردّ : بأنّ نيّة القربة بلا تعيين إنّما تكفي لو لم ينو ما ينافي هذا الصوم (٦).
وفيه : منع تأثير نيّة المنافي ، مع عدم إمكان وقوعه.
نعم ، يرد عليه : أنّ حصول القربة مطلقا ممنوع ، لأنّ نيّة الغير مع العلم بالشهر إمّا تكون مع السهو عن وجوب صوم الشهر أو الجهل به ، كأن يريد السفر بعد الزوال ، أو دخل الوطن قبله وظنّ عدم صحّة صومه للشهر ، أو مع العلم به وتعمّد الخلاف مع الله سبحانه. وظاهر أنّ قصد القربة غير متصوّر في الأخير.
وحجّة الثاني : التنافي بين نيّة صوم رمضان ونيّة غيره.
وبأنّه منهي عن نيّة غيره ، والنهي مفسد.
__________________
(١) الحلي في السرائر ١ : ٣٧١ ، الشهيد في البيان : ٣٥٨ ، المفاتيح ١ : ٢٤٦.
(٢) المختلف : ٢١٤.
(٣) المدارك ٥ : ٣٢.
(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢١٤.
(٥) الفاضل في التحرير ١ : ٧٦ ، والمنتهى ٢ : ٥٥٨ ، الكفاية : ٤٩.
(٦) كما في المختلف : ٢١٤ ، المسالك ١ : ٧٠.
وبوجوب مطابقة النيّة للمنوي.
وبأنّ لكلّ امرئ ما نوى ، والأعمال بالنيّات ، ولم ينو رمضان ، فليس له.
ويرد على الأول : أنّ التنافي مسلّم ، ولكن لم لا يجوز أن تكفي في صحّة صيام رمضان نيّة الإمساك مع التقرّب ، ولا تعتبر فيها نيّة خصوصيّة كونه صوم رمضان؟! بل الأمر كذلك كما مرّ.
وعلى الثاني : أوّلا : بأن النهي مخصوص بصورة تعمّد الخلاف لا غيره.
وثانيا : بأنّ النهي متعلّق ببعض أجزاء النيّة الخارجة عن حقيقة العبادة ونيّة القربة معا ، فلا يفسد شيء منهما.
وعلى الثالث : بمنع وجوب المطابقة الكليّة ، والجزئيّة حاصلة.
وعلى الرابع : بأنّ لازمه كون الصوم المتقرّب به له ، ولوقوعه في شهر رمضان يكفي عنه ، وأمّا الزائد فلعدم إمكانه لا يكون له.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الحقّ في المسألة : التفصيل بالبطلان مع تعمّد الخلاف ، والصحّة في غيره.
أمّا الأول ، فلانتفاء القربة المعتبرة قطعا.
وأمّا الثاني ، فلوقوع الصوم في شهر رمضان.
أمّا وقوع الصوم ، فلأنّه إمساك مخصوص بنيّة التقرّب ، وقد حصل.
وأمّا كونه في شهر رمضان ، فظاهر ، والأصل عدم اشتراط غيره حتى انتفاء نيّة الغير أيضا ، وأيضا الزائد المنوي لا يتحقّق ، لعدم صلاحيّة الوقت.
وأمّا عدم وقوع الصوم المتقرّب به ، فلا وجه له ، وبعد وقوعه وكونه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.
وإلى هذا التفصيل يلوح كلام ابن شهرآشوب في متشابه القرآن (١).
فإن قيل : ـ على ما هو التحقيق في باب النيّة ـ لا يتحقّق فرض المسألة إلاّ مع الخلاف مع الله سبحانه ، أو الغفلة عن الشهر أو وجوب صومه بالمرّة ، وعلى التقديرين لا تتصوّر الصحّة.
أمّا على الأول ، فظاهر.
وأمّا على الثاني ، فلأنّ الصحّة ليست إلاّ موافقة المأمور به ، وهي هنا غير ممكنة ، لأنّ صوم غير رمضان غير ممكن الوقوع حتى يوافقه الفعل ، وأمّا رمضان فغير مأمور به ، لامتناع تكليف الغافل.
قلنا : يمكن أن يدفع الإشكال بوجوه :
أحدها : أنّ ما لا يمكن وقوعه في شهر رمضان : الصوم المقيّد بكونه غير صوم رمضان لا الصوم المطلق ، والذي أوجب الذهول رفع التكليف عنه أيضا : هو الصوم المقيّد بكونه صوم رمضان لا المطلق ، فيقع مطلقة الحاصل في ضمن نيّة الغير بعد عدم تحقّق الغير صحيحا ، ولوقوعه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.
فإن قيل : المطلق لا يتحقّق إلاّ في ضمن أحد المقيّدين.
قلنا : ليس كذلك ، لأنّ للصوم أفراد : المقيّد بهذا القيد وبذاك والصوم المطلق ، ألا ترى أنّه يمكن قصد الصوم قربة إلى الله ، من غير التفات إلى أنّه من رمضان أو من غيره ، ويكون صحيحا ، لموافقته لمطلقات الأمر بالصوم.
نعم ، مطلق الصوم ـ الذي هو الجنس ـ لا يكون إلاّ مع أحد الثلاثة.
فإن قيل : تحقّق الصوم المطلق بحسب الوعاء الخارجي غير ممكن ،
__________________
(١) متشابه القرآن ٢ : ١٧٩.
لأنّه إمّا في رمضان أو في غيره ، وبحسب القصد موقوف على قصد الإطلاق ، أو عدم قصد الغير ، وهما منتفيان هنا.
قلنا : نمنع التوقّف ، بل يتحقّق بإلغاء قصد الغير وعدم إمكان تحقّقه أيضا ، فيقع الصوم صحيحا وقيده ملغيّا.
وثانيها : أن يقال : إنّ المراد براءة ذمّة المكلّف ، وهي حاصلة ، أمّا عن صوم رمضان فللغفلة الموجبة لانتفاء التكليف ، وأمّا عن قضائه فلأنّه بأمر جديد ، وشمول أوامره لمثل ذلك الشخص غير معلوم.
وثالثها : أنّا لا نسلّم عدم وقوع صوم غير رمضان فيه مطلقا ، وإنّما هو مع العلم بالشهر وبوجوب صومه ، أمّا مع الغفلة عنهما فلا ، كما يأتي ، فيكون المنوي صحيحا وكان مجزئا عن صوم رمضان ، للعلّة المذكورة في رواية الزهري (١) ، ولأنّ المطلوب من الإجزاء عدم العصيان وسقوط القضاء ، وهما متحقّقان ، إذ لا إثم مع الغفلة ، والقضاء بأمر جديد.
فرع : لو نوى غير المنذور في النذر المعيّن ، فإن كان مع الشعور باليوم والنذر فيه ، وكان قصد الغير مخالفة لله أو لجهل بالمسألة غير موجب للعذر ، فيبطل صومه ، لانتفاء القربة.
وإن كان مع الذهول أو الجهل المعذّر ، فالحقّ : صحّة الصوم الذي قصده ، لعدم المانع ، إذ ليس إلاّ النذر ، وهو ـ مع الغفلة المذكورة المانعة عن التكليف به ـ لا يصلح للمانعيّة ، إذ يكون كيوم لا نذر فيه.
ودعوى الإجماع في الدروس ـ على عدم تأدّي المنوي (٢) ـ غير
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٦٤ ـ ٤٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٨.
(٢) الدروس ١ : ٢٦٨.
مسموعة ، ولذا احتمل في المدارك التأدّي ، بل احتمله في رمضان أيضا (١).
وهل يجب قضاء المنذور؟
الحقّ : لا ، أمّا إن كان المنوي ما يتداخل مع المنذور ـ كالصوم المطلق أو الشكر أو أيّام البيض ـ فظاهر ، وأمّا إن كان غيره ـ كالقضاء والنيابة ـ فلأنّ القضاء فرع أمر جديد ، وثبوت أمر بالقضاء ـ مع تحقّق الصوم الصحيح في هذا اليوم ـ غير معلوم ، ويومئ اليه خبر الزهري المتقدّم.
ولو نوى غير الواجب في الواجب المعيّن غير النذر ـ كالإجارة المعيّنة والقضاء المضيّق ـ فيبطل مع الالتفات والعصيان ، ويصحّ المنوي مع الغفلة عن الواجب ، لما مرّ ، ولا يصحّ عن الواجب ، لاشتراط قصده المنفي هنا.
المسألة الثالثة : لو صام يوم الشكّ بنيّة آخر شعبان أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنّه منه ، بلا خلاف مطلقا في الرسّيّات (٢) ، ويقال : بل بين المسلمين ، كما عن ظاهر المعتبر والمختلف (٣) ، وبالإجماع كما في المسالك والمدارك (٤) وغيرهما (٥) ، بل هو إجماع محقّق ، وهو الدليل عليه.
مضافا ـ مع ما مرّ ـ إلى النصوص المستفيضة الدائرة بين ما يصرّح بالإجزاء مع الصوم من شعبان ، كموثّقة سماعة وفيها : « إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنّه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان ، فإن كان
__________________
(١) المدارك ٦ : ٣٦.
(٢) الرسّيات ( رسائل السيد المرتضى ٢ ) : ٣٥٢.
(٣) المعتبر ٢ : ٦٤٩ ، المختلف : ٢١٥.
(٤) المسالك ١ : ٧٠ ، المدارك ٦ : ٣٥.
(٥) كالتنقيح الرائع ١ : ٣٥٤ ، المفاتيح ١ : ٣٥٤.
من شهر رمضان أجزأ عنه ، بتفضّل الله تعالى ، وبما قد وسّع على عباده » (١).
ورواية الزهري الطويلة الواردة في وجوه الصيام ، وفيها : « وصوم يوم الشكّ أمرنا به ونهينا عنه ، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان ، ونهينا عنه أن ينفرد (٢) الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس » فقلت له : جعلت فداك ، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال : « ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأه عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّه » فقلت : وكيف يجزئ صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال : « لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوّعا وهو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمَّ علم بعد ذلك لأجزأ عنه ، لأنّ الغرض إنّما وقع على اليوم بعينه ».
وبين ما هو مطلق يدلّ على المطلوب بالإطلاق ، كصحيحة الأعرج ، (٣) وروايتي النبّال (٤) ، ومحمّد بن حكيم (٥) ، وحسنة ابن وهب :
__________________
(١) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤.
(٢) معنى الانفراد بصيامه : إمّا أن يصوم يوم الشكّ خاصة دون ما قبله من أيام شعبان ، والسر في النهي حينئذ أنّه إن انفرد بصيامه على أنّه من رمضان خالف الشرع ، وإن صامه بنية شعبان أو الترديد وميزه من بين أيام شعبان بصيامه يظهر منه أنّه إنّما فعل ذلك لزعمه أن صيامه لا بدّ منه ، فكأنّه صامه من رمضان وإن أخطر بباله أنه من شعبان ، وذلك يشبه إدخال يوم من رمضان ، وهكذا ذكره في الوافي ( ج ١١ : ١٠٧ ) ، أو المعنى : انفرد بصيامه بنية رمضان من بين الناس وكون الناس يعدونه من شعبان ، هكذا ذكره في الحدائق ( ج ١٣ : ٣٦ ) حاشية منه رحمهالله من « ق ».
(٣) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٠ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٢.
(٤) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ ـ ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ـ ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٣.
(٥) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ـ ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٧٧ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٧.
الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك ، فقال : « هو شيء وفّق له » (١) ، وقريبة منها موثّقة أخرى لسماعة على نسخة الكافي (٢).
والاستدلال بالأخيرتين إنّما هو مبنيّ على جعل قوله : من شهر رمضان ، متعلّقا بقوله : يشكّ ، للأخبار الدالّة على عدم جواز صومه من شهر رمضان.
وأمّا صحيحة محمّد : في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ، فقال عليهالسلام : « عليه قضاؤه وإن كان كذلك » (٣).
وصحيحة هشام بن سالم : في يوم الشك : « من صامه قضاه وان كان كذلك » (٤).
فلا تنافيان ما مرّ ، لأنّ الأولى مخصوصة بالصوم بنيّة رمضان ، والثانية وإن كانت مطلقة إلاّ أنّه يجب تخصيصها بذلك ، لخصوصات الإجزاء مع قصد أنّه من شعبان.
فإن قيل : اختصاص الأولى إنّما هو إذا كان قوله : من رمضان ، متعلقا بـ : يصوم ، وهو غير معلوم ، لاحتمال التعلّق بقوله : يشكّ ، بل هو أولى ، لقربه.
قلنا : ـ مع أنّه مع الإجمال والاحتمال المذكور لا تعلم المنافاة ـ أنّه
__________________
(١) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٥.
(٢) الكافي ٤ : ٨١ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٦.
(٣) التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ١.
(٤) التهذيب ٤ : ١٦٢ ـ ٤٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٥.
على الثاني تصير كالرواية الثانية مطلقة لازمة التخصيص ، كما خصّصها بعض الرواة ، حيث إنّه ذكر بعد الرواية المذكورة : يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوما من شهر رمضان ، لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان ، ومن خالفها فإنّ عليه القضاء (١).
فإن قيل : ما معنى الفرد الخفي هنا ، مع أنّه لو لم يكن من رمضان لا قضاء أبدا؟!
قلنا : لا يلزم أن يكون الفرد الآخر القضاء لو لم يكن من رمضان ، بل المراد : خفاء هذا الحكم لو كان من رمضان بالنسبة إلى الحكم بعدم القضاء ، حيث إنّه يوم صوم وقع فيه الصوم بنيّته ، فكان الأظهر عدم القضاء ، فقال عليهالسلام : « عليه قضاؤه وإن كان يوم رمضان » ، وكان الأظهر مع وقوع الصوم فيه لله بنيّته عدم القضاء.
ومن هذا يظهر وجه الشرطيّة لو كان التشبيه للنيّة وكان معنى قوله : « وإن كان كذلك » : وإن كانت النيّة أنّه من رمضان.
وعلى الصوم بنيّة رمضان تحمل الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ بقول مطلق ، لما ذكر ، أو على التقيّة ، حيث إنّ تحريمه مذهب العامّة كما يأتي.
فروع :
أ : ألحق الشهيدان بشهر رمضان كلّ واجب معيّن فعل بنيّة الندب مع عدم العلم (٢) ، ونفى عنه البأس جملة ممّن تأخّر عنهما ، كالمدارك
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٦٢ بعد حديث ٥٤٧.
(٢) الشهيد في الدروس ١ : ٢٦٨ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٣٩.
والمفاتيح والذخيرة (١).
وتوقف فيه صاحب الحدائق ، استنادا إلى أنّ إلحاقه بالمذكور نوع قياس (٢).
وهو غير جيّد ، إذ الإلحاق ليس للقياس ، بل للعلّة المنصوصة في رواية الزهري ، ولأنّ مع الجهل لا تكليف بالمعيّن ، والقضاء بأمر جديد غير معلوم في مثل المورد الذي وقع فيه الصوم الصحيح.
ولكن هذا الكلام إنّما يتمّ في النذر المعيّن ، أمّا مثل الإجارة المعيّنة والقضاء المضيّق فلا ، إذ لا حاجة فيهما إلى أمر جديد ، بل الأصل بقاء المؤجر له والقضاء في الذمّة.
نعم ، مقتضى التعليل المنصوص الكفاية فيهما أيضا ، ولكن مع ذلك الأحوط عدم الاكتفاء في المؤجر له والقضاء بذلك ، بل هو الأظهر أيضا ، لإمكان الخدش في دلالة الرواية ، لأنّ المراد منها أن الفرض ـ الذي هو الصوم ـ قد وقع على اليوم ولا واجب غيره ، والفرض فيهما ليس هو الصوم بغير قيد ، بل الصوم عن المندوب عنه وللقضاء ، ولم يقع ذلك في اليوم بعينه.
ومثل الصوم بنيّة شعبان : الصوم بنيّة ندب آخر أو الندب مطلقا ، كما صرّح به في الدروس والروضة (٣) وغيرهما (٤) ، لعدم القول بالفصل ، ولصحّة صومه ، وعدم تكليفه بصوم رمضان ، وعدم وجوب القضاء لما ذكرنا مرارا.
ب : لو صام يوم الشكّ بنيّة رمضان لم يجزئ عنه ولا عن شعبان
__________________
(١) المدارك ٦ : ٣٦ ، المفاتيح ١ : ٢٤٦ ، الذخيرة : ٥١٦.
(٢) الحدائق ١٣ : ٤٤.
(٣) الدروس ١ : ٢٦٨ ، الروضة ٢ : ١٣٩.
(٤) كمجمع الفائدة ٥ : ١٦٥.
على الأقوى ، وفاقا للصدوقين والسيّد (١) والشيخ في غير الخلاف (٢) والحلبي والديلمي والقاضي والحلّي وابن حمزة (٣) ، بل للأشهر كما صرّح به جماعة (٤) ، وعزاه في المبسوط إلى الأصحاب (٥) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
للنهي المفسد للعبادة ولو من جهة شرطها ، كما في المستفيضة المتقدّمة بعضها ، ومنها رواية أخرى للزهري : « يوم الشكّ أمرنا بصيامه ونهينا عنه ، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان ، ونهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال » (٦).
ورواية سهل بن سعد ، وفيها : « وليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية » (٧).
ورواية الأعشى : « نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صوم ستّة أيّام : العيدين ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان » (٨).
ورواية عبد الكريم : « لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق
__________________
(١) الصدوق في الفقيه ٢ : ٧٩ ، حكاه عن والده في المختلف : ٢١٤ ، السيّد في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦ ، والانتصار : ٦٢.
(٢) كالنهاية : ١٥١.
(٣) الحلبي في الكافي : ١٨١ ، الديلمي في المراسم : ٩٦ ، القاضي في جواهر الفقه : ٣٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٨٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٠.
(٤) كما في كفاية الأحكام : ٤٩ ، والحدائق ١٣ : ٣٤ ، والرياض ١ : ٣٠٣.
(٥) المبسوط ١ : ٢٧٧.
(٦) التهذيب ٤ : ١٦٤ ـ ٤٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٤ ، بلفظ آخر.
(٧) الفقيه ٢ : ٨٠ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٩.
(٨) التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤١ ، الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٢.
ولا اليوم الذي يشكّ فيه » (١).
وهو وإن كان في أكثرها مطلقا إلاّ أنّه يجب تقييده بما إذا كان بنيّة رمضان ، أو لم يكن بنيّة شعبان ، بشهادة موثّقة سماعة (٢) ، ورواية الزهري المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع على جواز ما لم يكن بنيّة رمضان ، والتعبير في الموثّقة وإن كان بالجملة الخبريّة إلاّ أنّ ما بعد الجملة صريح في أنّها للنهي.
وبما ذكر يجمع بين مطلقات النهي ومطلقات الجواز ، بحمل الاولى على ما كان بنيّة رمضان ، والثانية على غيره.
ولا يرد : أنّ النّهي المطلق مذهب العامّة ، فمع التعارض مع أخبار الجواز المطلق يجب حمل أخباره على التقيّة.
لأنّه إنّما هو إذا لم يكن شاهد من كلام أهل العصمة وفتاوى عظماء الفرقة على جمع آخر ، مع أنّ الموثّقة ورواية الزهري أخصّان مطلقا من كلّ من المطلقين ، فيجب تقييدهما بهما ، كما هي القاعدة المجمع عليها ، وهي على الحمل على التقيّة مقدّمة.
ولا أنّ الروايتين ضعيفتان.
لأنّ ضعف السند ـ بعد اعتبار أصل الرواية ـ غير مضرّ ، مع أنّ إحداهما موثّقة ، وهي في نفسها كالصحيح حجّة ، وكليهما معتضدتان مجبورتان بالشهرة العظيمة المحقّقة والمحكيّة.
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٤١ ـ ١ باختلاف في السند ، الفقيه ٢ : ٧٩ ـ ٣٥١ ، التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥١٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٣.
(٢) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤.
وتدلّ على المطلوب أيضا صحيحتا محمّد وهشام المتقدّمتان (١) ، الدالّتان على وجوب القضاء مطلقا ، الواجب تخصيصهما بما إذا كان بنيّة رمضان أو لم يكن بنيّة شعبان.
لا لأجل رجوع الجار في أولاهما إلى قوله : يصوم.
ولا لتصريح ذيل الثانية بذلك.
ولا لأنّهما إن ابقيتا على إطلاقهما حتى يشمل ما وقع بنيّة شعبان أيضا لكانتا متروك العمل بهما إجماعا ، وحمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكليّة.
حتى يردّ الأول : باحتمال رجوعه إلى قوله : يشكّ.
والثاني : باحتمال كون تفسير الذيل لبعض الرواة دون الإمام عليهالسلام ، ولا حجّيّة فيه.
والثالث : بعدم دليل على أنّ أولويّة حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة ، مع أنّ الحمل على التقيّة أيضا معنى يصلح للاعتماد.
بل لما ذكرناه غير مرّة ، من تعارضهما مع الموثّقة والروايتين ، وكون الثانية أخصّ مطلقا منهما فيجب تخصيصهما بها ، كما أنّه بها يجمع أيضا بين الصحيحتين وبين ما ظاهره نفي القضاء بقول مطلق ، كصحيحة الأعرج وما تعقبها من الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها.
وقد حكي الخلاف في المسألة عن القديمين ، فحكما بالإجزاء هنا أيضا (٢) ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف (٣) ، للمطلقات المذكورة.
__________________
(١) في ص : ١٨٨.
(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٢١٤.
(٣) الخلاف ٢ : ١٨٥.
بل خصوص حسنة ابن وهب ، حيث إنّ فيها : الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان فيكون كذلك ، فقال : « هو شيء وفّق له » (١).
وموثّقة سماعة الأخيرة ، حيث إنّ فيها : فصامه من شهر رمضان ، قال : « هو يوم وفّق له ولا قضاء عليه » (٢).
وللإجماع المحكيّ في الخلاف.
ولأنّه في نفس الأمر من رمضان ، وعدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته ، فيكون قد نوى الواقع ، فوجب أن يجزئه.
وتردّ المطلقات : بوجوب التخصيص بما ذكر.
والحسنة : باحتمال تعلّق قوله : من رمضان ، بالفعل الثاني ، بل في النسخ الصحيحة هكذا : يشكّ فيه أنّه من شهر رمضان ، فيكون صريحا في ذلك ، فيكون كالمطلقات.
والموثّقة ـ مع معارضتها بمثلها المتقدّم وغيره ، ومرجوحيّتها بالإضمار ـ : باختلاف نسخ التهذيب والكافي ، فإنّها في الثاني هكذا : فصامه فكان من شهر رمضان ، فتكون أيضا كالمطلقات ، وأمّا نسخ التهذيب وإن كانت كما ذكر ، ولكن الشيخ رواها عن الكليني. وعلى هذا ، فلا يبقى اعتماد عليها ، مع أنّها على نسخ التهذيب أيضا ليست نصّا على أنّه صامه بنيّة رمضان ، لاحتمال كون الظرف حالا من المفعول ، أي صامه حال كونه من رمضان.
ودعوى الإجماع : بعدم حجّيتها ، سيما مع ظهور مخالفة الأكثر (٣) ، واختلاف نسخ الخلاف ، حيث إنّ بعضها ـ على ما حكي ـ غير مشتمل
__________________
(١) تقدّمت في ص : ١٨٨.
(٢) تقدم مصدرها في ص : ١٨٨.
(٣) راجع أرقام ١ و ٢ و ٣ من الصفحة : ١٩١ ، والمختلف : ٢١٤.
لتلك الدعوى وإن كان ما عندنا مشتملا عليها ، إلاّ أنّ الظاهر منه اختصاص دعواه بصورة حصول الظنّ بأنّه من رمضان ، من قول عدل ونحوه لا مطلقا ، بل يلوح من كلامه التوقّف في صورة عدم الظنّ كما نسبه إليه في التحرير صريحا (١) ، وفي المختلف احتمالا (٢).
والأخير : بإناطة التكاليف بالعلم دون نفس الأمر ، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص.
ثمَّ إنّه لا فرق في عدم الإجزاء بين ما إذا لم تكن هناك أمارة موجبة للظنّ بالهلال ، أو كانت أمارة غير ثابتة الحجّيّة ، كعدل واحد أو حساب النجوم ونحوهما ، للإطلاقات ، وعدم حجّيّة هذا الظنّ.
ج : لو نوى يوم الشكّ واجبا آخر غير رمضان ـ كالقضاء أو النذر أو الكفّارة أو الإجارة ـ فهو جائز كما صرّح به جماعة ، منهم : الفاضل (٣) والشهيدان في الدروس والروضة (٤) ، للأصل ، وكونه زمانا ليس من رمضان شرعا ، فيصلح لإيقاع صيام غيره فيه ، والأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ غير باقية على ظاهرها كما مرّ.
نعم ، في رواية عبد الكريم : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم ، فقال : « لا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيام التشريق ، ولا اليوم الذي يشكّ فيه » (٥) ، ومقتضاها حرمة صوم النذر ، ولا وجه لردّها ،
__________________
(١) التحرير ١ : ٧٦.
(٢) المختلف : ٢١٤.
(٣) في التحرير ١ : ٧٦.
(٤) الدروس ١ : ٢٦٨ ، الروضة ٢ : ١٣٩.
(٥) الكافي ٤ : ١٤١ ـ ٤ باختلاف يسير ، الفقيه ٢ : ٧٩ ـ ٣٥١ ، التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥١٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٣.
فعليه الفتوى ، والتعدّي إلى غيره من الواجبات يحتاج إلى ثبوت الإجماع المركّب ، وهو غير معلوم.
ثمَّ لو ظهر أنّه من رمضان أجزأ عنه ، لا لما ذكره في الدروس من كونه أولى بالإجزاء من نيّة الندب (١) ، لمنع الأولويّة.
بل للعلّة المذكورة في رواية الزهري (٢) ، ولما مرّ من عدم التكليف بصوم رمضان شرعا ، وعدم ثبوت القضاء في مثل المورد.
وهل يجزئ عمّا نواه؟
مقتضى القاعدة : نعم. وقيل : لا ، لأنّ في شهر رمضان لا يقع غير صومه (٣). وهو حسن إن ثبتت الكلّيّة حتى في مقام لم يثبت الشهر حين الصوم ، والاحتياط في الإتيان بالمنوي ثانيا.
د : لو تردّد في نيّة يوم الشكـ بأن نوى أنّه إن كان من شهر رمضان كان صائما منه واجبا ، وإن كان من شعبان كان صائما منه ندبا ، وهو إنّما يتصوّر من الجاهل بالحكم أو الذاهل عنه ، وأمّا العالم الشاعر فلا محالة ينوي كونه من شعبان وإن علم أنّه إن كان من رمضان يجزئه عنه ـ فالحقّ : صحّته وإجزاؤه عن رمضان ، وفاقا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والعماني والمختلف والروضة (٤) ، وحكي عن ظاهر الدروس والبيان (٥) ، وإليه ذهب المحقّق الأردبيلي (٦) ،
__________________
(١) الدروس ١ : ٢٦٨.
(٢) المتقدّمة ص : ١٨٧.
(٣) الروضة ٢ : ١٠٩.
(٤) الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المبسوط ١ : ٢٧٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٠ ، حكاه عن العماني واختاره في المختلف : ٢١٥ ، الروضة ٢ : ١٤٠.
(٥) الدروس ١ : ٢٦٨ ، البيان : ٣٥٩.
(٦) مجمع الفائدة ٥ : ١٦٤.
والمحدّث الكاشاني في الوافي (١) ، وإن كان تردّد في المفاتيح (٢).
أمّا الصحّة ، فلوقوع الإمساك المخصوص مع نيّة القربة ، لعدم منافاة الترديد لها ، وعدم اشتراط نيّة الوجه ، وأصالة عدم تأثير الترديد الزائد في البطلان ، كما لا تؤثّر نيّة الوجه المخالف على الأقوى.
والقول : بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم رمضان بنيّة القربة الصحّة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به ، بل على الوجه المنهي عنه.
مردود بأنّ البطلان ـ مع الإيقاع على خلاف الوجه ـ يحتاج إلى دليل ، فإنّ نيّة خلاف الوجه كيف تؤثّر في البطلان على ما هو الحقّ من عدم كون قصد الوجه مأمورا به؟!
وأمّا كونه منهيّا عنه ، فممنوع جدّا ، إذ المسلّم من المنهيّ عنه والثابت من الأخبار هو كونه من رمضان على طريق الجزم ، وأمّا على الترديد فلا دليل على المنع منه أصلا.
والقول : بأنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من رمضان لا فيما لم يعلم.
مردود بأنّ لزوم نيّة التعيين فيما لم يعلم موقوف على الدليل عليه ، وليس.
وتدلّ على المطلوب أيضا رواية النبّال : عن يوم الشكّ ، فقال : « صمه ، فإن يك من شعبان كان تطوّعا ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له » (٣).
__________________
(١) الوافي ١١ : ١٠٧.
(٢) المفاتيح ١ : ٢٤٦.
(٣) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ ـ ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ـ ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٣.
وجه الدلالة : أنّ مع ذلك القول من الإمام لا يمكن الصوم إلاّ بنيّة أنّه إن كان من شعبان كان تطوّعا ، وإن كان من رمضان وفّق للواجب ، فإنّ القصد غير اختياري.
وما رواه المفيد في المقنعة ، عن أبي الصلت ، عن الرضا عليهالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام يوم الشكّ فرارا بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيّام الآخرة » (١) ، فإنّ صومه فرارا بدينه مشعر بترديده وتجويزه الوجوب.
ويدلّ عليه أيضا ما ورد من إطلاق الرخصة في مطلق الصيام وفي صيام يوم الشكّ ، خرج منه صيامه بنيّة رمضان بأخبار وبقي الباقي ، ومنه ما كان بنيّة الترديد.
والقول ـ بأنّه لم يرد إذن صريحا في نيّة الترديد أيضا ـ مردود بكفاية الإطلاق فيه.
وأمّا الإجزاء عن رمضان ، فلما مرّ من العلّة المنصوصة ، وعدم التكليف بصوم رمضان ، وعدم دليل على القضاء. وقد يستدلّ بوجوه أخر غير تامّة لا فائدة في ذكرها.
خلافا لنهاية الشيخ (٢) ـ بل باقي كتبه كما قيل (٣) ـ والسرائر والمعتبر والشرائع والنافع والقواعد والتذكرة والإرشاد والتلخيص والمدارك (٤) ، بل
__________________
(١) المقنعة : ٢٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٠٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٦.
(٢) النهاية : ١٥١.
(٣) في الذخيرة : ٥١٦.
(٤) السرائر ١ : ٣٨٤ ، المعتبر ٢ : ٦٥٢ ، الشرائع ١ : ١٨٧ ، النافع : ٦٥ ، القواعد ١ : ٦٣ ، التذكرة ١ : ٢٥٧ ، الإرشاد ١ : ٣٠٠ ، المدارك ٦ : ٣٧.
نسب إلى أكثر المتأخّرين (١).
لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ ، فبفعله على خلاف ذلك لا يتحقّق الامتثال.
ولأنّ صومه على غير الندب تشريع محرّم ، فيكون باطلا.
ولاشتراط الجزم في النيّة حيث يمكن ، وهو هنا كذلك. ولعلّ إلى هذا الدليل أشار الصدوق في الفقيه بقوله : لأنّه لا يقبل شيء من الفرائض إلاّ باليقين (٢).
ويرد على الأول : منع شرعيّة وقوعه على وجه الندب خاصّة ، بل يقع على الترديد أيضا ، والحصر الذي ادّعاه كأنّه إشارة الى ما في موثّقة سماعة من قوله : « إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من رمضان » وقوله فيها : « وإنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان » (٣).
وإلى ما في رواية الزهري من قوله : « أمرنا أن يصومه الإنسان أنّه من شعبان ».
ولا يخفى أنّ الأولين لا يدلاّن إلاّ على رجحان الصوم من شعبان دون الحصر ، وإفادة « إنّما » للحصر في مثل المورد ممنوعة ، كما بيّنا في الأصول ، مع أنّه على فرض الإفادة لا يفيد إلاّ حصر الأفضل في ذلك ، لأنّ من الجملة الخبريّة لا يمكن إثبات الأزيد ، يعني : إنّما ينحصر الراجح من الأفراد في صوم يوم الشكّ في ذلك.
__________________
(١) كما في المدارك ٦ : ٣٧ ، والرياض ١ : ٣٠٤.
(٢) الفقيه ٢ : ٧٩.
(٣) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤.
والثالث لا وجه للحصر فيه أصلا ، وأمّا لفظ الأمر فيه فهو بمعنى المندوب إليه قطعا ، ضرورة عدم وجوب الصوم من شعبان.
هذا إذا أريد من وقوعه على وجه الندب أنّه ينوي فيه الندب وينحصر الصحيح منه فيه ، وإن أريد أنّه ليس إلاّ مندوبا فهو مسلّم ، ولكن وجوب تعيين ذلك في القصد وتأثير الزائد في البطلان ممنوع.
وعلى الثاني : أنّ التشريع لو كان فإنّما هو في أمر خارج ليس شرط الفعل ولا شطره ، وهو الزائد على قصد القربة ، وأمّا نفس الفعل فليس تشريعا ، مع أنّ في كون الزائد بعد استفادته من الروايتين المذكورتين (١) تشريعا أيضا نظر.
وعلى الثالث : أنّ التردّد ليس في النيّة المطلوبة ، لأنّها هي القصد إلى الفعل مع القربة ، والتردّد فيه إنّما يكون بالتردّد في الفعل والترك والتقرّب وعدمه ، وظاهر أنّه ليس كذلك ، وإنّما هو في الوجه ، وهو ممّا لا دليل على اعتباره هنا ، وعلى تقدير اعتباره غاية أو صفة أمر آخر خارج عن النيّة والمنوي ، فلا يقدح التردّد فيه.
والحاصل : أنّ اشتراط الجزم في مثل ذلك لا دليل عليه.
وأمّا قول الصدوق وكونه إشارة إلى ذلك ممنوع ، ولذا لم يسند إليه هذا القول ، وإن كان ظاهر كلامه مفهما له ، فإنّه قال ـ بعد حكمه بإجزاء صوم يوم الشكّ إن صامه من شعبان ـ : ومن صامه وهو شاكّ فيه فعليه قضاؤه وإن كان من شهر رمضان ، لأنّه لا يقبل شيء من الفرائض إلاّ باليقين.
__________________
(١) في ص : ١٩٧ ، ١٩٨.