______________________________________________________
يوم النحر إن أمكن ، وإلا اجتزأ بالوقوف بالمشعر. وهذان الحكمان إجماعيان عندنا ، واستدلوا عليهما بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال : « إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإن الله أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل » (١).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سفر فإذا شيخ كبير فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له : إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تم حجه » (٢).
وعن إدريس بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها فقال : « إن ظن أنه يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، وإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس وقد تم حجه » (٣).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٨٩ ـ ٩٨١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٢.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٠ ـ ٩٨٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٣ ـ ١٠٨١ ، الوسائل ١٠ : ٥٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٤.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٩ ـ ٩٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥٦ ح ٣.
الثانية : وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس إلى الغروب. من تركه عامدا فسد حجه. ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر.
______________________________________________________
وليس في هذه الروايات تصريح بحكم الناسي ، نعم يمكن استفادته من التعليل المستفاد من قوله عليهالسلام في رواية الحلبي : « الله أعذر لعبده » فإن النسيان من أقوى الأعذار ، بل يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا ، كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس (١) ، ويدل عليه عموم قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج » (٢) وقول الصادق عليهالسلام في صحيحة معاوية بن عمار : « من أدرك جمعا فقد أدرك الحج » (٣).
قوله : ( الثانية ، وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس إلى الغروب ، من تركه عامدا فسد حجه ، ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر ).
هذان الحكمان إجماعيان عندنا ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليهما (٤). والواجب في الوقوف الاضطراري مسمى الكون بعرفة ليلا ولا يجب الاستيعاب إجماعا ، قاله في التذكرة (٥). وقال في المنتهى : لو لم يقف بعرفة نهارا ووقف بها ليلا أجزأه على ما بيناه ، وجاز له أن يدفع من عرفات أي وقت شاء بلا خلاف (٦).
وأطلق الشيخ في الخلاف أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة
__________________
(١) الدروس : ١٢١.
(٢) كنز العمال ٥ : ٦٣ ـ ١٢٠٦٠ ( بتفاوت يسير ).
(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٤ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ ـ ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٢.
(٤) الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب إحرام الحج ب ١٩.
(٥) التذكرة ١ : ٣٧٢.
(٦) المنتهى ٢ : ٧٢١.
الثالثة : من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو إلى طلوع الفجر ، إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ، فلو غلب على ظنّه الفوات اقتصر على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه.
______________________________________________________
إلى طلوع الفجر من يوم العيد (١). ومراده بذلك مجموع الوقت الاختياري والاضطراري ، لا أن ذلك وقت اختياري ، لتصريحه بهذا التفصيل في سائر كتبه (٢). وعلى هذا فلا يرد عليه ما أورده ابن إدريس من أن هذا القول مخالف لأقوال علمائنا وإنما هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا (٣).
قال في المختلف : والتحقيق أن النزاع هنا لفظي ، فإن الشيخ قصد الوقت الاختياري وهو من زوال الشمس إلى غروبها والاضطراري وهو من الزوال إلى طلوع الفجر ، فتوهم ابن إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري فأخطأ في اعتقاده ، ونسب الشيخ إلى تقليد بعض المخالفين ، مع أن الشيخ أعظم المجتهدين وكبيرهم ، ولا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين فكيف للمخالف الذي يعتقد المقلد أنه مخطئ ، وهل هذا إلا جهالة منه واجتراء على الشيخ رحمهالله (٤).
قوله : ( الثالثة ، من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ، ولو إلى طلوع الفجر إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ، فلو غلب على ظنه الفوات اقتصر على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه ).
يستفاد من قول المصنف رحمهالله : إذا عرف أنه يدرك المشعر ، عدم وجوب العود إلى عرفات مع التردد في ذلك ، وهو كذلك ، للأصل وقوله
__________________
(١) الخلاف ١ : ٤٥٣.
(٢) النهاية : ٢٧٣ ، المبسوط ١ : ٣٨٣.
(٣) السرائر : ١٣٨.
(٤) المختلف : ٢٩٨.
وكذا لو نسي الوقوف بعرفات ولم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس.
الرابعة : إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له إدراك المشعر إلى قبل الزوال صحّ حجه.
______________________________________________________
عليهالسلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : « إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها » (١) واحتمل الشارح وجوب العود مع التردد تقديما للوجوب الحاضر (٢) ، وهو ضعيف.
ويستفاد من صحيحتي الحلبي ومعاوية بن عمار المتقدمتين (٣) أن اختياري المشعر مقدم على اضطراري عرفة ، ولو تعارض الاضطراريان فإن قلنا بعدم إجزاء الاضطراري وحده آثر عرفات رجاء إدراك المشعر وإن بعد ، وإن قلنا بإجزاء اضطراري المشعر كما هو الظاهر قدمه قطعا.
قوله : ( وكذا لو نسي الوقوف بعرفات ولم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس ).
المشبه به في السابق المشار إليه بذا هو تمام الحج ، أي وكذا يتم الحج لو نسي الوقوف بعرفات وأدرك اختياري المشعر ، وهو موضع وفاق ، بل سيأتي إن شاء الله أن الأظهر الاجتزاء بإدراك اضطراري المشعر أيضا (٤). وإنما فرض فوات عرفات بالنسيان لأنه لو فات عمدا بطل الحج كما بيناه فيما سبق (٥).
قوله : ( الرابعة ، إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له إدراك المشعر إلى قبل الزوال صح حجه ).
__________________
(١) في ص ٤٠١.
(٢) المسالك ١ : ١١٢.
(٣) في ص ٤٠١.
(٤) في ص ٣٤٣.
(٥) في ص ٣٩٩.
______________________________________________________
هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى (١) ، ويدل عليه مضافا إلى العمومات المتضمنة لإدراك الحج بإدراك المشعر ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى منى؟ قال : « فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع » (٢).
وفي الموثق عن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار ، قال : « يرجع إلى المشعر فيقف به ، ثم يرجع فيرمي جمرة العقبة » (٣).
وقال الشارح ـ قدسسره ـ بعد إيراد عبارة المصنف : لا إشكال في الصحة حينئذ لإدراك اختياري عرفة ، بل لو فرض عدم إدراكه المشعر أصلا صح أيضا ، فإن اختياري أحدهما كاف (٤). وقال في موضع آخر : إنه لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين (٥). وهو مشكل جدا ، لانتفاء ما يدل على الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة ، مع أن الخلاف في المسألة متحقق ، فإن العلامة في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك وهذه عبارته : ولو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فإن كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك المشعر ، وإن كان هو المشعر ففيه تردد أقربه الفوات (٦).
وقال في التحرير : ولو أدرك أحد الاختياريين وفاته الآخر اختيارا
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٧٢٨.
(٢) الكافي ٤ : ٤٧٢ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢١ ح ٢.
(٣) الكافي ٤ : ٤٧٢ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢١ ح ٣.
(٤) المسالك ١ : ١١٢.
(٥) المسالك ١ : ١١٣.
(٦) المنتهى ٢ : ٧٢٨.
الخامسة : إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا ، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقيل : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن.
______________________________________________________
واضطرارا فإن كان الفائت هو عرفة صح الحج ، وإن كان هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال (١). ونحوه قال في التذكرة (٢). فعلم من ذلك أن الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح (٣) وأن المتجه فيه عدم الإجزاء ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وانتفاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
قوله : ( الخامسة ، إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقيل : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن ).
هذا حكم من أدرك الوقوفين الاضطراريين ، والأصح ما اختاره المصنف من إدراك الحج بإدراكهما ، وهو اختيار الشيخ في كتابي الأخبار (٤) وجمع من الأصحاب ، ورواه بخصوصه الشيخ في الصحيح ، عن الحسن العطار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام ، وليلحق الناس بمنى ، ولا شيء عليه » (٥).
واختلف الأصحاب في حكم من أدرك اضطراري المشعر خاصة ، فذهب الأكثر إلى عدم إدراك الحج بذلك ، بل قال في المنتهى : إنه موضع
__________________
(١) تحرير الأحكام ١ : ١٠٣.
(٢) التذكرة ١ : ٣٧٥.
(٣) المسالك ١ : ١١٣.
(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٠ و ٢٩٢ ، والاستبصار ٢ : ٣٠٥.
(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٢ ـ ٢٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ ـ ١٠٨٨ ، الوسائل ١٠ : ٦٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٤ ح ١.
______________________________________________________
وفاق (١) ( ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حريز ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل مفرد الحج فاته الموقفان جميعا فقال : « له إلى طلوع الشمس من يوم النحر ، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل » (٢) ) (٣).
وقال ابن الجنيد (٤) والمرتضى (٥) وابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام (٦) : إنه يدرك الحج بذلك. واختاره الشارح (٧) ، وهو المعتمد.
لنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، قال : جاءنا رجل بمنى ، فقال : إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا ، فقال له عبد الله بن المغيرة : لا حج لك ، وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه ، فدخل إسحاق على أبي الحسن عليهالسلام فسأله عن ذلك فقال : « إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج » (٨).
وفي الحسن عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج » (٩) وقد روى نحو هذه الرواية ابن بابويه في كتاب من لا يحضره
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٧٢٨.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٩١ ـ ٩٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٤.
(٣) ما بين القوسين ليس في « ض ».
(٤) نقله عنه في المختلف : ٣٠١.
(٥) الانتصار : ٩٠.
(٦) علل الشرائع : ٤٥١.
(٧) المسالك ١ : ١١٣.
(٨) التهذيب ٥ : ٢٩١ ـ ٩٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٦.
(٩) التهذيب ٥ : ٢٩١ ـ ٩٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٤ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٩.
______________________________________________________
الفقيه بطريق صحيح عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج » (١) وقال في كتاب علل الشرائع والأحكام : والذي أفتي به واعتمده في هذا المعنى ما حدثنا به شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ـ رضياللهعنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام (٢) ، ونقل الرواية بعينها. وهذه الرواية مع صحتها واضحة الدلالة على المطلوب.
ويدل عليه أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « من أدرك المشعر الحرام قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج » (٣).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال ، قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف » (٤).
واستدل الشارح (٥) ـ قدسسره ـ على هذا القول بصحيحة عبد الله بن مسكان ، عن الكاظم عليهالسلام : « إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج » وتقدمه في ذلك الشيخ فخر الدين في شرح القواعد (٦).
ولم نقف على هذه الرواية في شيء من الأصول ، ولا نقلها أحد
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٩.
(٢) علل الشرائع : ٤٥١ ، الوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٨.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١١.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١٥.
(٥) المسالك ١ : ١١٣. إلا أن الرواية فيه عن عبد الله بن سنان.
(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٣٠٨.
والمندوب : الوقوف في ميسرة الجبل في السفح ،
______________________________________________________
غيرهما فيما أعلم ، والظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة (١) فوقع السهو في ذكر الأب. والعجب أن الكشي قال : روي أن عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق عليهالسلام إلا حديث : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » (٢).
( وأجاب الشيخ عن هذه الروايات تارة بتخصيصها بمن أدرك عرفات ثم جاء إلى المشعر قبل الزوال ، وأخرى بأن المراد بإدراك الحج بذلك إدراك فضيلته وإن لم يسقط عنه الفرض (٣). وهو بعيد.
والأولى في الجمع حمل الحج المنفي في رواية حريز على الحج الكامل ، وحمل الأمر بجعلها عمرة على الاستحباب كما وقع نظيره في وقت الحد الذي يدرك به التمتع ) (٤).
واعلم أنه قد استفيد من تضاعيف هذه المسائل أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية ، أربعة مفردة ، وهي كل واحد من الاختياريين والاضطراريين ، وأربعة مركبة ، وهي : الاختياريان ، والاضطراريان ، واختياري عرفة مع اضطراري المشعر ، وبالعكس. والصور كلها مجزئة إلا اضطراري عرفة فإنه غير مجز قولا واحدا ، كما قاله في الدروس (٥). وكذا الاختياري أيضا على ما بيناه. وفي الاضطراريين واضطراري المشعر وحده ما مر من الخلاف.
قوله : ( والمندوب ، الوقوف في ميسرة الجبل في السفح ).
المراد : ميسرته بالإضافة إلى القادم إليه من مكة ، وسفح الجبل
__________________
(١) المتقدمة في ص ٤٠٨.
(٢) رجال الكشي ٢ : ٦٨٠ ـ ٧١٦ ، الوسائل ١٠ : ٦٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١٤.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٩٢ ، والاستبصار ٢ : ٣٠٤.
(٤) ما بين القوسين ليس في « ض ».
(٥) الدروس : ١٢٣.
والدعاء المتلقّى عن أهل البيت عليهمالسلام أو غيره من الأدعية ، وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين ،
______________________________________________________
أسفله ، حيث ينسفح فيه الماء ، وهو مضجعه ، قاله الجوهري (١). وقال في القاموس : السفح عرض الجبل المضطجع أو أصله أو أسفله (٢).
ويدل على استحباب الوقوف في الميسرة ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « قف في ميسرة الجبل فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقف بعرفات في ميسرة الجبل » (٣).
وعلى استحباب الوقوف في السفح ما رواه الشيخ في الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الوقوف بعرفات ، فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟ فقال : « على الأرض » (٤).
قوله : ( والدعاء المتلقى عن أهل البيت : أو غيره من الأدعية ، وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين ).
لا ريب في تأكد استحباب الدعاء في هذا اليوم ، فإنه يوم شريف كثير البركة ، بل ذهب بعض علمائنا إلى وجوب صرف زمان الوقوف كله في الذكر والدعاء.
والدعوات المأثورة فيه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام أكثر من أن تحصى ، وأحسنه الدعاء المنقول عن سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليهالسلام (٥) ، وعن ولده زين العابدين
__________________
(١) الصحاح ١ : ٣٧٥.
(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٣٧.
(٣) الكافي ٤ : ٤٦٣ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١١ ح ١.
(٤) التهذيب ٥ : ١٨٠ ـ ٦٠٣ الوسائل ١٠ : ١١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ٥.
(٥) البلد الأمين : ٢٥١ ، بحار الأنوار ٩٥ : ٢٢٧.
______________________________________________________
عليهالسلام (١).
ولنورد هنا طرفا من الأحاديث المروية عنهم عليهمالسلام في هذا الباب ، فروينا في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : « إذا وقفت بعرفات فاحمد الله ، وهلله ، ومجده ، وأثن عليه ، وكبره مائة تكبيرة ، واقرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت ، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة ، وتعوّذ بالله من الشيطان فإن الشيطان لن يذهلك في موضع أحب إليه من أن يذهلك في ذلك الموضع ، وإياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس ، وأقبل قبل نفسك ، وليكن فيما تقول : اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار ، وأوسع عليّ من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس ، اللهم لا تمكر بي ، ولا تخدعني ، ولا تستدرجني يا أسمع السامعين ، ويا أبصر الناظرين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تفعل بي كذا وكذا ، وليكن فيما تقول وأنت رافع يديك إلى السماء : اللهم رب حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني ، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، أسألك خلاص رقبتي من النار ، اللهم إني عبدك ، وملك يدك ، وناصيتي بيدك ، وأجلي بعلمك ، وأسألك أن توفقني لما يرضيك عني ، وأن تسلّم مني مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك صلى الله عليه ، ودللت عليها حبيبك محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليكن فيما تقول : اللهم اجعلني ممن رضيت عمله ، وأطلت عمره ، وأحييته بعد الممات حياة طيبة » (٢).
وفي الصحيح عن عبد الله بن ميمون ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقف بعرفات فلما همّت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال : اللهم إني أعوذ بك من الفقر ،
__________________
(١) الصحيفة السجادية : الدعاء ٤٧.
(٢) التهذيب ٥ : ١٨٢ ـ ٦١١ ، الوسائل ١٠ : ١٥ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٤ ح ١.
______________________________________________________
ومن تشتت الأمر ، ومن شر ما يحدث بالليل والنهار ، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك ، وأمسى خوفي مستجيرا بأمانك ، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك ، وأمسى وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي ، يا خير من سئل ، ويا أجود من أعطى ، جللني برحمتك ، وألبسني عافيتك ، واصرف عني شر جميع خلقك ـ قال عبد الله بن ميمون : وسمعت أبي يقول يا خير من سئل ، ويا أجود من أعطى ، ويا أرحم من استرحم ـ ثم سل حاجتك » (١).
وعن عبد الله بن سنان ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : ألا أعلمك دعاء يوم عرفة ، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء؟ قال : تقول لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم لك الحمد كما تقول ، وخير ما نقول (٢) ، وفوق ما يقول القائلون ، اللهم لك ( صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي ) ، ولك تراثي ، وبك حولي ، ومنك قوتي ، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ، ومن وساوس الصدور ، ومن شتات الأمر ، ومن عذاب القبر ، اللهم إني أسألك خير الرياح ، وأعوذ بك من شر ما تجيء به الرياح ، وأسألك خير الليل وخير النهار ، اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي وبصري نورا ، ولحمي ودمي وعظامي وعروقي ومقعدي ومقامي ومدخلي ومخرجي نورا ، وأعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك ، إنك على كل شيء قدير » (٣).
ويستحب أن يكثر الدعاء لإخوانه المؤمنين ويؤثرهم على نفسه بذلك ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٦٤ ـ ٥ ، قرب الإسناد : ١٢ ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٤ ح ١.
(٢) في التهذيب : وخيرا مما نقول. وهي ليست موجودة في الفقيه والوسائل.
(٣) الفقيه ٢ : ٣٢٤ ـ ١٥٤٧ ، التهذيب ٥ : ١٨٣ ـ ٦١٢ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٤ ح ٣.
وأن يضرب خباءه بنمرة ،
______________________________________________________
فقد روينا في الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، قال : رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ، ما زال مادّا يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض ، فلما صرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك! قال : والله ما دعوت فيه إلا لإخواني المؤمنين ، وذلك لأن أبا الحسن موسى عليهالسلام أخبرني أنه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك مائة ألف ضعف مثله ، وكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا (١).
قوله : ( وأن يضرب خباءه بنمرة ).
يدل على ذلك قوله عليهالسلام في صحيحة معاوية بن عمار « فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل » (٢) الحديث.
وفي صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم انتهى إلى نمرة ـ وهي بطن عرفة بحيال الأراك ـ فضرب قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى إلى الموقف فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جنبها ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيها الناس إنه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ، ولكن هذا كله موقف ، وأومأ بيده إلى
__________________
(١) الكافي ٢ : ٥٠٨ ـ ٦ ، وج ٤ : ٤٦٥ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٨٤ ـ ٦١٥ ، أمالي الصدوق : ٣٦٩ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٧ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٩ أبواب إحرام الحج ب ٩ ح ١.
وأن يقف على السهل ، وأن يجمع رحله ويسدّ الخلل به وبنفسه ،
______________________________________________________
الموقف ، فتفرق الناس (١).
ومقتضى الرواية أنه لا ينتقل من نمرة حتى تزول الشمس ، واستشكله الشارح بفوات جزء من الوقوف الواجب عند الزوال (٢). وقد يقال إن الإشكال مندفع بالنصوص الصحيحة.
قوله : ( وأن يقف على السهل ).
وهو ما قابل الحزونة ، وإنما استحب ذلك لاستحباب الاجتماع في الموقف والتضام كما سيأتي ، وغير السهل لا يتيسر فيه ذلك إلا بتكلف.
قوله : ( وأن يجمع رحله ).
أي يضم أمتعته بعضها إلى بعض ، ليأمن عليها من الذهاب ، ويتوجه بقلبه إلى الدعاء.
قوله : ( ويسد الخلل به وبنفسه ).
المراد أنه يسد الفرج الكائنة على الأرض برحله وبنفسه ، بأن لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة ، لتستتر الأرض التي يقفون فيها ، والمستند في ذلك قوله عليهالسلام في صحيحة معاوية بن عمار : « فإذا رأيت خللا فسدّه بنفسك وراحلتك ، فإن الله عزّ وجلّ يحب أن تسدّ تلك الخلال » (٣).
وربما علل استحباب سدّ الفرج الكائنة على الأرض بأنها إذا بقيت فربما يطمع أجنبي في دخولها فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء ، ويؤذيهم في شيء من أمورهم.
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ٨ : ١٥٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.
(٢) المسالك ١ : ١١٣.
(٣) الكافي ٤ : ٤٦٣ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٨١ ـ ١٣٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٥ أبواب إحرام الحج ب ١٣ ح ٢.
وأن يدعو قائما.
ويكره الوقوف في أعلى الجبل ،
______________________________________________________
واحتمل بعض الأصحاب كون متعلق الجار في به وبنفسه محذوفا صفة للخلل ، والمعنى أنه يسد الخلل الكائن بنفسه وبرحله ، بأن يأكل إن كان جائعا ، ويشرب إن كان عطشانا ، وهكذا يصنع ببعيره ، ويزيل الشواغل المانعة عن الإقبال والتوجه في الدعاء (١). وهو اعتبار حسن ، إلا أن المعنى الأول هو المستفاد من النقل.
قوله : ( وأن يدعو قائما ).
لأنه أفضل أفراد الكون الواجب ، لكونه أشق وأفضل الأعمال أحمزها.
وينبغي أن يكون ذلك حيث لا ينافي الخشوع لشدة التعب ونحوه ، وإلا سقطت وظيفة القيام.
قوله : ( ويكره الوقوف في أعلى الجبل ).
لما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار أنه قال : سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الوقوف بعرفات ، فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟ فقال : « على الأرض » (٢).
ونقل عن ابن البراج (٣) وابن إدريس (٤) أنهما حرّما الوقوف على الجبل إلا لضرورة. ومع الضرورة كالزحام وشبهه ينتفي الكراهة والتحريم إجماعا ، قاله في التذكرة (٥) ، ويدل عليه رواية سماعة : أنه قال لأبي عبد الله عليهالسلام : فإذا كانوا بالموقف وكثروا كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى
__________________
(١) المسالك ١ : ١١٣.
(٢) التهذيب ٥ : ١٨٠ ـ ٦٠٣ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب إحرام الحج ب ١٠ ح ٥.
(٣) المهذب ١ : ٢٤٦.
(٤) السرائر : ١٣٨.
(٥) التذكرة ١ : ٣٧٢. إلا أنه لم يدع الإجماع.
وراكبا ، وقاعدا.
القول في الوقوف بالمشعر
والنظر في مقدمته ، وكيفيته.
______________________________________________________
الجبل » (١).
قوله : ( وراكبا ، وقاعدا ).
أقف على رواية تتضمن النهي عن ذلك ، نعم لا ريب أنه خلاف الأولى ، لاستحباب القيام. وقال بعض العامة : إن الركوب أفضل من القيام ، لما رووه من أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقف راكبا (٢). وهو ضعيف.
قوله : ( القول في الوقوف بالمشعر والنظر في : مقدمته ، وكيفيته ).
قال الجوهري : المشاعر موضع المناسك ، والمشعر الحرام أحد المشاعر ، وكسر الميم لغة (٣). وقال أيضا : ويقال للمزدلفة جمع ، لاجتماع الناس بها (٤). وقال في القاموس : المشعر الحرام ـ وتكسر ميمه ـ المزدلفة ، وعليه بناء اليوم ، ووهم من ظنه جبلا بقرب ذلك البناء (٥). وقال أيضا : والجمع بلا لام المزدلفة (٦) ( ويقال (٧) أيضا : المزدلفة موضع بين عرفات ومنى ولأنه يتقرب [ فيها ] (٨) إلى الله تعالى ، أو لازدلاف الناس إلى منى
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٨٠ ـ ٦٠٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣ أبواب إحرام الحج ب ١١ ح ٤.
(٢) كابن قدامة في المغني ٣ : ٤٣٦.
(٣) الصحاح ٢ : ٦٩٨.
(٤) الصحاح ٣ : ١١٩٨.
(٥) القاموس المحيط ٢ : ٦١.
(٦) القاموس المحيط ٣ : ١٤.
(٧) كذا والأنسب : وقال. لأنه موجود في القاموس.
(٨) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
أما المقدمة : فيستحب الاقتصاد في سيره إلى المشعر ، وأن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق : اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلّم لي ديني ، وتقبل مناسكي.
______________________________________________________
بعد الإقامة ، أو لمجيء الناس إليها في زلف من الليل ، أو لأنها أرض مستوية مكنونة ، وهذا أقرب (١) (٢).
وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال في حديث إبراهيم عليهالسلام : « إن جبرائيل عليهالسلام انتهى به إلى الموقف وأقام به حتى غربت الشمس ، ثم أفاض به ، فقال : يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام ، فسميت مزدلفة » (٣).
وعن إسماعيل بن جابر وغيره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « سميت جمع لأن آدم عليهالسلام جمع فيها بين الصلاتين : المغرب والعشاء » (٤).
وروى ابن بابويه في الصحيح أيضا ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « ما لله عزّ وجلّ منسك أحب إلى الله تبارك وتعالى من موضع المشعر ، وذلك أنه يذل فيه كل جبار عنيد » (٥).
قوله : ( أما المقدمة ، فيستحب الاقتصاد في سيره إلى المشعر ، وأن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق : اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلّم لي ديني ، وتقبل مناسكي ).
روى الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله
__________________
(١) القاموس المحيط ٣ : ١٥٤ مع وجود اختلاف.
(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».
(٣) علل الشرائع : ٤٣٦ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٤ ح ٤.
(٤) علل الشرائع : ٤٣٧ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٤١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٧.
(٥) علل الشرائع : ٤٣٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥١٣ أبواب السعي ب ١ ح ١٣.
وأن يؤخر المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو صار إلى ربع الليل ،
______________________________________________________
عليهالسلام : « إن المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفاض بعد غروب الشمس » قال ، وقال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار فإن الله عزّ وجلّ يقول ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل : اللهم ارحم موقفي ، وزدني عملي ، وسلم لي ديني ، وتقبل مناسكي ، وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا أيها الناس إن الحج ليس بوجيف الخيل ، ولا إيضاح الإبل ، ولكن اتقوا الله وسيروا سيرا جميلا ، لا توطئوا ضعيفا ولا توطئوا مسلما وتوأدوا واقتصدوا في المسير ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يكف ناقته حتى يصيب رأسها مقدم الرجل ويقول : أيها الناس عليكم بالدعة ، فسنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تتبع » قال معاوية بن عمار : وسمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « اللهم أعتقني من النار » وكررها حتى أفاض ، فقلت : ألا تفيض فقد أفاض الناس؟ فقال : « إني أخاف الزحام ، وأخاف أن أشرك في عنت إنسان » (١).
فائدة :
الكثب : الجمع والصب ، والكثيب : التل من الرمل. والوجيف : الاضطراب وضرب من سير الخيل والإبل. وإيضاع الإبل : حملها على العدو السريع. والتؤدة : الرزانة والتأني ، وقد اتأد وتوأد. والدعة : الخفض والسعة في العيش.
قوله : ( وأن يؤخّر المغرب والعشاء إلى المزدلفة ، ولو صار إلى ربع الليل ).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢ ح ١ ، وص ٣٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١ ح ٢.
ولو منعه مانع صلى في الطريق.
______________________________________________________
بل يستحب التأخير وإن صار ثلث الليل بإجماع العلماء كافة ، حكاه في المنتهى (١). ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهالسلام ، قال : « لا تصلي المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل » (٢).
وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا تصلي المغرب حتى تأتي جمعا ، فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، وانزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر » (٣).
قوله : ( وإن منعه مانع صلى في الطريق ).
المراد أنه لو منعه مانع من الوصول إلى المزدلفة قبل فوات الوقت صلى في الطريق ، ولا ريب في ذلك ، بل الأقرب جواز الصلاة في عرفة وفي الطريق اختيارا ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا بأس أن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة » (٤).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة فنزل فصلى المغرب وصلى العشاء بالمزدلفة » (٥).
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٧٢٣.
(٢) التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٦٨ ـ ١.
(٤) التهذيب ٥ : ١٨٩ ـ ٦٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٣.
(٥) التهذيب ٥ : ١٨٩ ـ ٦٢٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٤.
وأن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين من غير نوافل بينهما. ويؤخر نوافل المغرب إلى بعد العشاء.
______________________________________________________
وقال الشيخ في الاستبصار : إنه لا يجوز صلاة المغرب بعرفات ليلة النحر (١). وهو ضعيف.
قوله : ( وأن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، من غير نوافل بينهما ، ويؤخر نوافل المغرب إلى بعد العشاء ).
هذا قول علمائنا أجمع وأكثر العامة ، ويدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : صلاة المغرب والعشاء بجمع ، بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصل بينهما شيئا » وقال : « هكذا صلى فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٢).
ورواية عنبسة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة؟ فقال : « صلها بعد العشاء أربع ركعات » (٣).
ويجوز تقديم النوافل على العشاء أيضا ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبان بن تغلب ، قال : صليت خلف أبي عبد الله عليهالسلام المغرب بالمزدلفة ، فقال فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات (٤).
والظاهر امتداد وقتها بامتداد وقت المغرب وإن استحب تأخيرها عن
__________________
(١) الاستبصار ٢ : ٢٥٤.
(٢) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٢.
(٤) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠١ ، الوسائل ١٠ : ٤١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٥.