______________________________________________________
ولو قلنا إن اشتراط الخروج إنما يسوغ عند العارض وفسرناه بالأمر الضروري جاز اشتراطه في المنذور المعين أيضا.
الثالث : في كيفيته وقد اختلفت عبارات الأصحاب في ذلك ، فأطلق المصنف أنه يجوز للمعتكف اشتراط الرجوع إذا شاء (١) ، وبه قطع في الدروس وصرح بأنه يجوز للمعتكف والحال هذه الرجوع متى شاء ولا يتقيد بالعارض (٢).
وقال العلامة في التذكرة : يستحب للمعتكف أن يشترط على ربه في الاعتكاف أنه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف بإجماع العلماء (٣). ونحوه قال في المنتهى (٤).
وقال المصنف في المعتبر : يستحب أن يشترط في اعتكافه كما يشترط في إحرامه (٥). ومقتضى ذلك تقيده بالعارض كما في حال الإحرام ، ونحوه قال في النافع (٦) ، وبه قطع الشارح قدسسره (٧) ، وهو جيد ، لأنه المستفاد من تشبيه هذا الشرط بشرط المحرم في روايتي عمر بن يزيد وأبي بصير المتقدمتين (٨) ، لكن ينبغي أن يراد بالعارض ما هو أعم من العذر كما تدل عليه صحيحة أبي ولاد عن الصادق عليهالسلام : وقد سأله عن امرأة معتكفة بإذن زوجها وهو غائب ، فلما
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٧٣٩ ، والمختصر النافع : ٧٤.
(٢) الدروس : ٨١.
(٣) التذكرة ١ : ٢٩٣.
(٤) المنتهى ٢ : ٦٣٨.
(٥) المعتبر ٢ : ٧٣٨.
(٦) المختصر النافع : ٧٤.
(٧) المسالك ١ : ٨٥.
(٨) في ص ٣٤٠.
______________________________________________________
بلغها قدومه خرجت من المسجد وتهيأت له حتى واقعها فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت ، فإن عليها ما على المظاهر » (١) دلت الرواية بظاهرها على سقوط الكفارة عن المرأة والحال هذه مع الاشتراط ، مع أن حضور الزوج ليس من الأعذار المسوغة للخروج من الاعتكاف ، نعم هو من جملة العوارض.
ويدل عليه أيضا قوله عليهالسلام في صحيحة ابن مسلم : « إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام » (٢) فإنه يدل بظاهره على أن للمعتكف فسخ الاعتكاف بعد اليومين مع الاشتراط لا بدونه ، والفرق إنما يظهر إذا لم يكن المقتضي للخروج أمرا ضروريا مسوغا للخروج بنفسه ، وإلا جاز مع الشرط وبدونه كما هو واضح.
الرابع : في فائدة هذا الشرط ، وفائدته جواز الرجوع عند العارض ، أو متى شاء ـ على ما هو ظاهر اختيار المصنف ـ وإن مضى اليومان ، أو كان واجبا بالنذر وشبهه.
ولو خصصنا اشتراط الرجوع بالعارض وفسرناه بالعذر الطاري بغير اختياره كالمرض والخوف انتفت هذه الفائدة ، لجواز الرجوع والحال هذه مع الشرط وبدونه.
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.
(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤٢١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ١.
وأما أحكامه ، فقسمان :
الأول : إنما يحرم على المعتكف : النساء لمسا وتقبيلا وجماعا ،
______________________________________________________
وذكر المصنف (١) وغيره (٢) أن فائدة الشرط سقوط القضاء مع الرجوع في الواجب المعين. وهو جيد ، لمطابقته لمقتضى الأصل ، وإن أمكن المناقشة فيه لو قلنا بوجوب القضاء بدون الشرط.
أما الواجب المطلق ـ أعني الذي لم يتعين زمانه ـ فالأظهر وجوب الإتيان به بعد ذلك كما اختاره المصنف في المعتبر والشهيد في الدروس (٣) والشارح قدسسره (٤).
وربما ظهر من قول المصنف : ولا قضاء ، سقوط القضاء هنا أيضا ، فإنهم يطلقون القضاء على ما يتناول ذلك وإن كان حقيقته الإتيان بالواجب بعد خروج وقته.
وقول المصنف : ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه ، إنما يتم في المطلق المشروط فيه التتابع ، أما المعين والمطلق الذي لم يشترط فيه التتابع فقد تقدم ما فيه من التفصيل.
قوله : ( وأما أحكامه فقسمان : الأول : إنما يحرم على المعتكف النساء لمسا وتقبيلا وجماعا ).
المراد من اللمس والتقبيل ما كان بشهوة ، أما ما لم يكن كذلك فليس بمحرم. وقد قطع الأصحاب بتحريم كل من الثلاثة ، لإطلاق قوله تعالى ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ) (٥) فإنه يتناول الجميع. نعم استقرب
__________________
(١) المختصر النافع : ٧٤.
(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٥.
(٣) المعتبر ٢ : ٧٤٠ ، والدروس : ٨١.
(٤) المسالك ١ : ٨٥.
(٥) البقرة : ١٨٧.
وشم الطيب على الأظهر ، واستدعاء المنيّ ، والبيع والشراء ،
______________________________________________________
العلامة في المختلف عدم فساد الاعتكاف بالتقبيل واللمس وإن كانا محرمين (١). ولا بأس به.
قوله : ( وشم الطيب على الأظهر ).
خالف في ذلك الشيخ في المبسوط ، فحكم بعدم تحريمه (٢). والأصح ما اختاره الأكثر من تحريم شم الطيب والرياحين ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « المعتكف لا يشم الطيب ، ولا يتلذذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع » (٣).
قوله : ( واستدعاء المني ).
لم أقف في ذلك على نص بالخصوص ، وربما كان وجهه أنه أشد منافاة للاعتكاف من التقبيل واللمس المحرمين ، فيكون تحريمه أولى.
قوله : ( والبيع والشرائع ).
هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، لورود النهي عنه في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة.
وقال في المنتهى : كلما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه ، عملا بمفهوم النهي عن البيع والشراء (٤). وهو غير جيد ، لأن النهي عن البيع والشراء لا يقتضي
__________________
(١) المختلف : ٢٥٣.
(٢) المبسوط ١ : ٢٩٣.
(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٤١١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ١٠ ح ١.
(٤) المنتهى ٢ : ٦٣٩.
والمماراة.
______________________________________________________
النهي عما ذكره بمنطوق ولا مفهوم. نعم ربما دلت عليه بالعلة المستنبطة وهي غير معتبرة عندنا.
ثم قال : الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة ، كالخياطة وشبهها ، إلا ما لا بد منه. والكلام فيه كالذي قبله.
ويستثنى من تحريم البيع والشراء ما تدعو الحاجة إليه كشراء ما يضطر إليه من المأكول والملبوس ، وبيع ما يشتري به ذلك. وشرط الشهيد في الدروس تعذر المعاطاة (١). وهو مبني على أنها ليست بيعا ، وهو غير واضح ، نعم لو اعتبر في ذلك عدم تمكنه من التوكيل كان وجها قويا.
قوله : ( والمماراة ).
لورود النهي عنها في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة (٢). والمماراة لغة المجادلة (٣) ، قال الشارح قدسسره : والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة ، كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم ، وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف أيضا.
ثم قال : ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات ، والمائز بين ما يحرم منه وما يجب أو يستحب النية ، فليتحرز المكلف من تحويل الشيء من كونه واجبا إلى جعله من كبار القبائح (٤).
__________________
(١) الدروس : ٨٠.
(٢) في ص ٣٤٥.
(٣) راجع القاموس المحيط ٤ : ٣٩٢.
(٤) المسالك ١ : ٨٥.
وقيل : يحرم عليه ما يحرم على المحرم ، ولم يثبت. فلا يحرم عليه لبس المخيط ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح.
ويجوز له النظر في معاشه ، والخوض في المباح.
______________________________________________________
قوله : ( وقيل ، يحرم عليه ما يحرم على المحرم ولم يثبت ، فلا يحرم عليه لبس المخيط ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح ).
هذا القول منقول عن الشيخ في الجمل وهذه عبارته : ويجب عليه تجنّب كلما يجب على المحرم تجنبه من النساء والتطيب والمماراة والجدال ، ويزيد عليه تسعة أشياء : البيع ، والشراء (١). وهذه العبارة كما ترى غير صريحة في تحريم الجميع وإن كانت لا تخلو من قصور في تأدية المراد.
وقال العلامة في التذكرة : إن الشيخ لا يريد بذلك العموم ، لأنه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعا ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح (٢). وهو جيد.
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول ، لانتفاء الدليل عليه رأسا ، ولأنه لم ينقل من فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام والصحابة والتابعين ، ولو كان ثابتا لنقل كما نقل غيره من الأحكام المتعلقة بذلك.
قوله : ( ويجوز النظر في معاشه والخوض في المباح ).
لا ريب في جواز النظر في أمور معاشه والتكلم بالمباح ، لكن الأولى الاقتصار من ذلك على ما يضطر إليه ، والاشتغال بما هو وظيفة
__________________
(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٢.
(٢) التذكرة ١ : ٢٨٦.
وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه ليلا عدا الإفطار.
ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب ، قيل : يجب على الولي القيام به ، وقيل : يستأجر من يقوم به ، والأول أشبه.
______________________________________________________
المعتكف من العبادات ، كالصلاة ، والذكر ، وقراءة القرآن.
قال في المنتهى : ويستحب له دراسة العلم والمناظرة فيه وتعليمه وتعلمه في الاعتكاف ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة (١). وهو كذلك.
قوله : ( وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه ليلا عدا الإفطار ).
المراد أن كل ما يحرم على المعتكف من حيث إنه معتكف فإن تحريمه يتناول الليل والنهار ، لدخول الليالي في الاعتكاف كالأيام ، أما ما وجب الإمساك عنه باعتبار الصوم فإنه يمسك عنه نهارا ، لأنه زمان الصوم.
وهل تختص هذه المحرمات بالاعتكاف الواجب أو تتناول المندوب أيضا؟ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي الثاني ، وقد تقدم نظيره في التكفير في صلاة النافلة ، والارتماس في الصوم المندوب.
قوله : ( ومن مات قبل انقضاء الواجب قيل : يجب على الولي القيام به ، وقيل : يستأجر من يقوم به ، والأول أشبه ).
هذان القولان حكاهما الشيخ في المبسوط (٢) ، واستدل لهما بما روي أن من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضي عنه أو
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٣٩.
(٢) المبسوط ١ : ٢٩٣.
القسم الثاني : فيما يفسده ، وفيه مسائل :
الأولى : كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف ، كالجماع والأكل والشرب والاستمناء ، فمتى أفطر في اليوم الأول والثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجبا. وإن أفطر في الثالث وجبت الكفارة. ومنهم من خصّ الكفارة بالجماع حسب ، واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء وهو الأشبه.
______________________________________________________
يتصدق عنه (١). قال في المعتبر : وما ذكره ـ رحمهالله ـ إنما يدل على وجوب قضاء الصوم ، أما الاعتكاف فلا (٢). وهو جيد ، وقد بينا فيما سبق أن الصوم لا يجب لأجل الاعتكاف ، لجواز إيقاعه في صوم مستحق كرمضان فلا يكون وجوب الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ليجب على الولي القيام به كما هو واضح.
قوله : ( الأولى ، كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف ، كالجماع والأكل والشرب والاستمناء ، فمن أفطر في اليوم الأول أو الثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجبا ، وإن أفطر في الثالث وجبت الكفارة ، ومنهم من خص الكفارة بالجماع حسب واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء ، وهو الأشبه ).
أما فساد الاعتكاف بكل ما يفسد الصوم فلا ريب فيه ، لأنه لا يصح إلا بصوم ، فيفسد بفساد شرطه.
وأما وجوب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو اختيار المفيد (٣) والمرتضى (٤) ، قال في المعتبر : ولا أعرف مستندهما (٥).
__________________
(١) الوسائل ٧ : ٢٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣.
(٢) المعتبر ٢ : ٧٤٤.
(٣) المقنعة : ٥٨.
(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٧٤٢.
(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٢.
______________________________________________________
والأصح ما اختاره الشيخ (١) والمصنف وأكثر المتأخرين من اختصاص الكفارة بالجماع دون ما عداه من المفطرات ، وإن كان يفسد به الصوم ، ويجب به القضاء فيما قطع به الأصحاب.
أما وجوب الكفارة بالجماع فتدل عليه روايات ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المعتكف يجامع فقال : « إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر » (٢).
وأما انتفاء الكفارة في غيره فللأصل السليم من المعارض.
واعلم أن إطلاق الروايات المتضمنة لوجوب الكفارة بالجماع يقتضي بظاهره عدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب والمندوب ، ولا في الواجب بين المطلق والمعين ، وبمضمونها أفتى الشيخان (٣).
قال في المعتبر : ولو خصا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما ، لأنا بينا أن الشيخ ذكر في النهاية والخلاف أن للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من اعتكافه ، وأنه إذا اعتكفهما وجب الثالث ، وإذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفارة مع جواز الرجوع وجه ، لكن يصح هذا على قول الشيخ في المبسوط ، فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه (٤). وما ذكره غير بعيد ، لأن المطلق لا
__________________
(١) المبسوط ١ : ٢٩٤ ، والنهاية : ١٧٢.
(٢) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ١.
(٣) المفيد في المقنعة : ٥٨ ، والشيخ في النهاية : ١٧٢ ، والخلاف ١ : ٤٠٨ ، والمبسوط ١ : ٢٩٤.
(٤) المعتبر ٢ : ٧٤٣.
وتجب كفارة واحدة إن جامع ليلا. وكذا إن جامع نهارا في غير رمضان. ولو كان فيه لزمه كفارتان.
______________________________________________________
عموم له ، فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب.
والأصح أن كفارة الاعتكاف كفارة ظهار ، لصحيحة زرارة المتقدمة (١) ، وذهب الأكثر إلى أنها مخيرة ، لموثقة سماعة بن مهران ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن معتكف واقع أهله فقال : « هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان » (٢).
قال في المختلف : والرواية الأولى أصح طريقا ، والثانية أوضح عند الأصحاب (٣).
قوله : ( وتجب كفارة واحدة إن جامع ليلا ، وكذا إن جامع نهارا في غير رمضان ، ولو كان فيه لزمه كفارتان ).
أما وجوب الكفارتين إذا جامع نهارا في شهر رمضان ، إحداهما للاعتكاف ، والأخرى لصوم رمضان ، فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه مضافا إلى ما تكرر في كلام الأصحاب من أن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ، ما رواه ابن بابويه ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفارة » قال ، قلت : وإن وطئها نهارا ، قال : « عليه كفارتان » (٤).
__________________
(١) في ص ٣٥٠.
(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ ـ ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ ـ ٨٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٢.
(٣) المختلف : ٢٥٤.
(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٤.
الثانية : الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ويبطل الاعتكاف وقيل : لا يبطل ، وإن عاد بنى ، والأول أشبه.
______________________________________________________
وينبغي تقييده بما إذا كان الاعتكاف واجبا كالمنذور والثوالث ، بناء على أن الكفارة إنما تثبت في الاعتكاف الواجب.
وفي معنى صوم رمضان الصوم المنذور إذا تعلق بزمان معين ، وقضاء رمضان ، فيجب فيهما كفارتان ، إحداهما للاعتكاف ، والأخرى للقضاء أو النذر.
وأما وجوب الكفارة الواحدة للاعتكاف إذا جامع ليلا في شهر رمضان ، أو نهارا في غير رمضان وما في معناه فظاهر ، لأن إفساد الاعتكاف إنما يوجب كفارة واحدة ولا مقتضي للزائد.
ونقل عن السيد المرتضى ـ رضياللهعنه ـ أنه أطلق وجوب الكفارتين على المعتكف إذا جامع نهارا ، والواحدة إذا جامع ليلا (١) ، قال في التذكرة : والظاهر أن مراده رمضان (٢). واستقرب الشهيد في الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن في النهار صوما واعتكافا (٣). وهو ضعيف ، لأن مطلق الصوم لا يترتب على إفساده الكفارة كما هو واضح.
قوله : ( الثانية ، الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ويبطل الاعتكاف ، وقيل : لا يبطل ، وهو الأشبه ).
القولان للشيخ رحمهالله ، أولهما في الخلاف ، وثانيهما في المبسوط (٤) ، والأصح الأول ، لأن المرتد يقتل إن كان عن فطرة ،
__________________
(١) الانتصار : ٧٣.
(٢) التذكرة ١ : ٢٩٤.
(٣) الدروس : ٨١.
(٤) الخلاف ١ : ٤٠٧ ، والمبسوط ١ : ٢٩٤.
الثالثة : قيل ، إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات. وقيل : يلزمه كفارتان ، وهو الأشبه.
الرابعة : إذا طلّقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها ، ثم قضت
______________________________________________________
ويجب خروجه من المسجد إن لم يكن عن فطرة ، وعلى التقديرين فجلوسه في المسجد منهي عنه ، فلا يكون منعقدا (١) به ، ويلزم من ذلك فساد الاعتكاف ، لعدم حصول التوالي المعتبر فيه.
قوله : ( الثالثة ، قيل : إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات ، وقيل : يلزمه كفارتان ، وهو الأشبه ).
القول بلزوم الأربع للشيخ (٢) والمرتضى (٣) وجماعة (٤) ، قال في المعتبر : وهذا ليس بصواب ، إذ لا مستند له ، وجعله كالإكراه في صوم رمضان قياس (٥). والأصح ما اختاره المصنف من وجوب الكفارتين خاصة ، إحداهما للاعتكاف ، والأخرى لصوم شهر رمضان ، لكن اختيار المصنف لذلك مناف لما جزم به في الصوم من تعدد الكفارة عليه في صوم شهر رمضان ، إذ مقتضاه أنه يجب على المعتكف هنا ثلاث كفارات ، اثنتان عنه ، وواحدة عن المرأة ، ولعله رجوع عن الفتوى لضعف مستند التعدد كما بيناه فيما سبق.
قوله : ( الرابعة ، إذا طلقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها ،
__________________
(١) في « ض » و « م » : متعبدا.
(٢) المبسوط ١ : ٢٩٤.
(٣) الانتصار : ٧٣.
(٤) منهم ابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٢٠٤.
(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٢.
واجبا إن كان واجبا أو مضى يومان ، وإلا ندبا.
الخامسة : إذا باع أو اشترى ، قيل : يبطل اعتكافه ، وقيل : يأثم ولا يبطل ، وهو الأشبه.
______________________________________________________
قضت واجبا إن كان واجبا أو مضى يومان ، وإلا ندبا ).
أما وجوب خروجها إلى منزلها للاعتداد فقال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع (١) ، واستدل عليه بقوله تعالى ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) (٢) وبأن الاعتداد في بيتها واجب ، فيلزمها الخروج إليه كالجمعة في حق الرجل.
وإطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب المعين وغيره ، ولا بين أن يشترط المعتكف الخروج عند العارض وعدمه.
وقال الشارح قدسسره : إن ذلك إنما يتم مع كون الاعتكاف مندوبا ، أو واجبا غير معين ، أو مع اشتراطها الحل عند العارض ، ولو كان معينا من غير شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد زمن الاعتكاف ، فإن دين الله أحق أن يقضى (٣). وهو حسن.
وأما وجوب القضاء فإنما يتم مع عدم الاشتراط أيضا ، لما تقدم من سقوطه بالشرط ، إلا أن يكون واجبا مطلقا.
قوله : ( الخامسة ، إذا باع أو اشترى قيل : بطل اعتكافه ، وقيل : يأثم ولا يبطل ، وهو الأشبه ).
الأصح عدم البطلان تمسكا بمقتضى الأصل السلام من
__________________
(١) التذكرة ١ : ٢٩٢.
(٢) الطلاق : ١.
(٣) المسالك ١ : ٨٦.
السادسة : إذا اعتكف ثلاثة متفرقة ، قيل : يصحّ ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط ، وقيل : لا ، وهو الأصحّ.
______________________________________________________
المعارض. والقول ببطلان الاعتكاف بذلك لابن إدريس بل مقتضى كلامه أنه يبطل بفعل جميع المباحات التي لا حاجة له إليها ، واستدل بأن الاعتكاف هو اللبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها خرج عن حقيقة المعتكف (١). وهو ضعيف ، فإن كون العبادة غاية للبث لا يقتضي اعتبار حصولها في جميع أحواله.
قال في المختلف : ونحن نطالبه بوجه ما قاله ، واحتجاجه أضعف من أن يكون شبهة ، فضلا عن كونه حجة ، فإن الاعتكاف لو اشترط فيه إدامة العبادة بطل حالة النوم والسكون وإهمال العبادة ، وليس كذلك بالإجماع (٢).
قوله : ( السادسة ، إذا اعتكف ثلاثة متفرقة قيل : يصح ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط ، وقيل : لا ، وهو الأصح ).
المراد بتفريق الأيام الثلاثة : اعتكاف النهار دون الليل ، وقد تقدم أن الشيخ يجيزه مع الإطلاق ، وأن الأصح خلافه (٣). وأما تفريق الأيام الثلاثة بمعنى عدم تتابع النهار فقيل إنه غير جائز إجماعا.
واحتمل الشارح ـ قدسسره ـ بأن يكون المراد بالتفريق اعتكاف يوم عن النذر ويوم عن العهد ثم الثالث عن النذر وهكذا (٤). وفي حمل العبارة عليه بعد ، وإن كان الأظهر جوازه ، لانتفاء المانع منه والله الموفق.
__________________
(١) السرائر : ٩٨.
(٢) المختلف : ٢٥٥.
(٣) تقدم في ص ٣٢١.
(٤) المسالك ١ : ٨٦.
فهرس
الجزء السادس
كتاب الصوم
تعريف الصوم................................................................ ٥
فضيلة الصوم................................................................. ٧
فضل صيام رمضان............................................................ ٩
الصوم لله تبارك وتعالى......................................................... ٩
علة فرض الصيام............................................................ ١١
آداب الصائم............................................................... ١٢
وجوب صوم رمضان........................................................ ١٤
معنى رمضان................................................................ ١٥
نية الصوم.................................................................. ١٦
محل النية.................................................................... ٢٠
إجزاء نية واحدة لصيام رمضان............................................... ٢٨
حكم من نوى غير صوم رمضان فيه........................................... ٣٠
عدم جواز الترديد في النية.................................................... ٣٢
نية صوم يوم الشك.......................................................... ٣٣
حكم من أصبح بنية الافطار فبان رمضان...................................... ٣٨
حكم نية الصبي............................................................. ٤١
ما يمسك عنه الصائم
الامساك عن المأكول والمشروب............................................... ٤٣
الامساك عن الجماع......................................................... ٤٤
الامساك عن الكذب على الله ................................................ ٤٦
الامساك عن الارتماس........................................................ ٤٨
حكم إيصال الغبار إلى الحلق.................................................. ٥١
حرمة البقاء على الجنابة...................................................... ٥٣
حكم إخلال الحائض بالغسل................................................. ٥٦
حكم المستحاضة............................................................ ٥٧
حكم الجنب إذا نام ولم ينو الغسل............................................. ٥٩
فساد الصوم بالاستمناء...................................................... ٦١
حكم الاحتلام نهارا.......................................................... ٦٢
حكم الحقنة للصائم.......................................................... ٦٣
حكم الافطار سهوا.......................................................... ٦٥
حكم المكره على الافطار..................................................... ٦٩
جواز مضغ الطعام للصبي وأمثاله.............................................. ٧١
جواز الاستنقاع للرجل....................................................... ٧٣
استحباب السواك للصائم..................................................... ٧٣
ما يوجب القضاء والكفارة................................................... ٧٤
الصوم الذي فيه الكفارة...................................................... ٧٨
حكم إفطار جاهل الحكم..................................................... ٨٠
كفارة الافطار في رمضان..................................................... ٨١
كفارة الصوم المنذور......................................................... ٨٥
حكم الكذب على الله والرسول والأئمة........................................ ٨٧
حكم الارتماس للصائم....................................................... ٨٨
ما يجب بالاحتقان........................................................... ٨٩
ما يجب بتكرار النوم حتى الفجر............................................... ٨٩
ما يوجب القضاء فقط....................................................... ٩١
حكم صب الدواء في الإحليل............................................... ١٠٤
حكم ابتلاع النخامة....................................................... ١٠٥
حكم العلك للصائم........................................................ ١٠٧
حكم المنفرد برؤية الهلال................................................... ١٠٨
حكم الجماع ليلا " للصائم................................................. ١٠٩
تكرر الكفارة بتكرر الموجب................................................ ١١٠
حكم من أفطر ثم سافر..................................................... ١١٤
تعزير المفطر............................................................... ١١٦
حكم من أكره امرأة على الجماع............................................ ١١٧
حكم من عجز عن صوم شهرين............................................. ١١٩
جواز تبرع التكفير عن المفطر............................................... ١٢٢
ما يكره للصائم
كراهة النساء للصائم....................................................... ١٢٤
كراهة الاكتحال للصائم................................................... ١٢٥
كراهة اخراج الدم المضعف................................................. ١٢٦
كراهة دخول الحمام للصائم................................................ ١٢٧
كراهة السعوط للصائم..................................................... ١٢٨
كراهة شم الرياحين للصائم................................................. ١٢٩
كراهة بل الثوب للصائم.................................................... ١٣١
كراهة جلول الصائمة في الماء................................................ ١٣٢
ظرف الصوم
تعين النهار للصوم......................................................... ١٣٤
عدم صحة صوم العيدين.................................................... ١٣٥
عدم صحة صوم أيام التشريق............................................... ١٣٧
من يصح منه الصوم
عدم صحة صوم الكافر والمجنون............................................. ١٣٨
صحة صوم المغمى عليه..................................................... ١٣٩
صحة صوم الصبي.......................................................... ١٤٠
عدم صحة صوم الحائض.................................................... ١٤٣
صحة صوم المستحاضة..................................................... ١٤٤
عدم صحة صوم المسافر.................................................... ١٤٥
حكم الصوم المندوب في السفر.............................................. ١٥٠
صحة الصوم لمن له حكم المقيم.............................................. ١٥٣
عدم صحة صوم الجنب..................................................... ١٥٣
حكم صوم المريض......................................................... ١٥٦
معنى البلوغ............................................................... ١٥٨
تمرين الصبي............................................................... ١٦٠
أقسام الصوم.............................................................. ١٦٣
القول في شهر رمضان...................................................... ١٦٤
علامة شهر رمضان
حكم الرؤية في بلد آخر.................................................... ١٧١
حكم شهادة الواحد بالرؤية................................................. ١٧٤
حكم شهادة النساء بالرؤية................................................. ١٧٥
حكم بعض العلائم المدعاة.................................................. ١٧٥
حكم صوم يوم الشك...................................................... ١٨٣
حكم تبين يوم الشك من رمضان............................................ ١٨٥
حكم اشتباه الشهر......................................................... ١٨٦
حكم ما لو غمت السنة كلها............................................... ١٨٦
حكم السجين............................................................. ١٨٧
وقت الامساك والافطار.................................................... ١٩٠
شروط صوم رمضان
شروط وجوب صوم رمضان................................................ ١٩٢
حكم الصوم في السفر...................................................... ١٩٧
حكم من حضر في رمضان.................................................. ١٩٨
حكم كثرة السفر.......................................................... ١٩٩
اشتراط الخلو من الحيض والنفاس............................................ ٢٠٠
قضاء الصوم
شروط وجوب القضاء..................................................... ٢٠٠
حكم من أسلم أثناء النهار.................................................. ٢٠٣
وجوب القضاء على المرتد.................................................. ٢٠٤
وجوب القضاء على الحائض والنفساء........................................ ٢٠٥
وجوب القضاء على تارك الصوم............................................ ٢٠٦
استحباب الموالاة في القضاء................................................. ٢٠٧
قضاء الصوم على التراخي.................................................. ٢٠٨
عدم وجوب الترتيب في القضاء............................................. ٢٠٩
حكم التطوع لمن عليه صوم واجب.......................................... ٢١٠
حكم المريض في القضاء.................................................... ٢١١
بعض احكام الكفارة على المريض............................................ ٢١٦
قضاء الولي عن الميت....................................................... ٢٢٠
حكم الافطار في صوم القضاء............................................... ٢٣٠
حكم ناسي الغسل طول الشهر.............................................. ٢٣٥
حكم الصائم إذا تثبت الرؤية............................................... ٢٣٧
صوم الكفارات
كفارة قتل العمد........................................................... ٢٣٩
كفارة قتل الخطأ........................................................... ٢٤٠
كفارة الظهار.............................................................. ٢٤١
كفارة اليمين.............................................................. ٢٤١
كفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب....................................... ٢٤١
كفارة جزاء الصيد......................................................... ٢٤٢
كفارة شق الثوب.......................................................... ٢٤٢
كفارة العهد............................................................... ٢٤٣
كفارة الاعتكاف.......................................................... ٢٤٤
كفارة حلق المحرم رأسه..................................................... ٢٤٤
كفارة جز المرأة رأسها..................................................... ٢٤٤
كفارة وطء الأمة المحرمة.................................................... ٢٤٥
ما لا يجب فيه التتابع في الصوم.............................................. ٢٤٥
حكم التفريق فيما اعتبر فيه التتابع........................................... ٢٤٧
الصوم المندوب
ما لا يختص وقتا " من المندوب.............................................. ٢٥٧
ما يختص وقتا من الصوم المندوب............................................ ٢٥٨
الأماكن التي يستحب فيها الامساك............................................ ٢٧٢