الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٨٨
علي بن الحسن بن فضال ، قال : حدثني أيوب بن نوح ، عن الحسن ابن محبوب ، عن علاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها ، فقال : « إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ثم يمسّها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل » .
وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن (١) ، عن أحمد ومحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء » .
السند :
في الخبرين تكرّر القول في رجاله سوىٰ أنّه ينبغي أن يعلم أنّ العلّامة في الخلاصة قال في أيوب بن نوح : ثقة ، له كتب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث عليهالسلام ، وكان وكيلا لأبي الحسن وأبي محمد عليهماالسلام ، عظيم المنزلة عندهما ، مأمونا شديد الورع كثير العبادة ثقة في رواياته (٢) .
وهذا التكرار في التوثيق لا يخلو من غرابة ، والظاهر أنّ سببه كون العلّامة نقل كلام الشيخ في الفهرست وكلام النجاشي ، ولم يتفطّن لتكرار التوثيق ، إلّا أنّ فيه زيادة عن عبارة الشيخ أيضاً ، وكل هذا من شدّة العجلة .
وما قاله العلّامة : من أنّ أيوب بن نوح وكيل لأبي محمد . هو عبارة النجاشي ، والشيخ لم يذكره في كتاب الرجال في رجال أبي محمد عليهالسلام ، بل ذكره في رجال الجواد (٣) والهادي عليهماالسلام (٤) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٤ زيادة : بن فضال .
(٢) خلاصة العلّامة : ١٢ / ١ .
(٣) رجال الطوسي : ٣٩٨ / ١١ .
(٤) رجال الطوسي : ٤١٠ / ١٣ .
ثم إنّ عبد الله بن بكير اتفق للعلّامة أنّه نقل عن الشيخ الطوسي أنّه فطحي المذهب إلّا أنّه ثقة ، قال : وقال الكشي : قال محمد بن مسعود : عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا ، وذكر جماعة منهم عمار الساباطي ، وعلي بن أسباط ، وبنو الحسن بن علي بن فضال علي وأخواه ، وقال في موضع آخر ـ يعني الكشي ـ : إنّ عبد الله بن بكير ممّن أجمعت العصابة علىٰ تصحيح ما يصح عنه ، وأقرّوا له بالفقه . فأنا أعتمد علىٰ روايته ، وإن كان مذهبه فاسداً (١) . انتهىٰ .
وكتب جدّي قدسسره علىٰ الخلاصة : هذا الرجل ضعيف ، وقد عدّه جماعة في قسم الضعفاء وسيأتي في القسم الثاني ، فلا وجه لذكره هنا ، وكأنّ الحامل علىٰ ذكره حكم الشيخ بأنّه ثقة ، ولكن قد ذكر من المضعفين في القسم الثاني [ من ] (٢) هو أجلّ من هذا الرجل وأشهر (٣) . انتهىٰ .
ولا يخفىٰ ما في هذا الكلام ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الحكم بضعف عبد الله إن اُريد به عدم كونه إماميّاً ثقة فهو صحيح ، إلّا أن العلّامة اعتماده عليه للإجماع المنقول من الكشي ، فله جهة ضعف وجهة قبول ، والعلّامة لم يعتمد في القسم الأوّل علىٰ الإمامي الثقة كما يعلم من عادته . وأمّا ثانيا : فلأنّ المذكور في القسم الثاني عبد الله بن بكير الأرجاني ، والظاهر أنّه غيره ، لأنّه قال فيه : إنّه مرتفع القول ضعيف (٤) . وعبد الله المذكور في القسم الأوّل قد وثّقه الشيخ في الفهرست (٥) . وقال في كتاب الرجال في
__________________
(١) خلاصة العلّامة : ١٠٦ / ٢٤ .
(٢) في النسخ : ما ، والأنسب ما أثبتناه .
(٣) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ١٨ ( مخطوط ) .
(٤) خلاصة العلّامة : ٢٣٨ / ٣٢ .
(٥) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢ .
أصحاب الصادق عليهالسلام : عبد الله بن بكير بن أعين الشيباني (١) .
المتن :
في الأوّل : ظاهر الدلالة علىٰ جواز الوطء مع الشبق وغسل الفرج ، غير أنّ الحديث كما ترىٰ من جهة السند .
وقال شيخنا ـ أيّده الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب : إنّ هذه الرواية في الكافي في كتاب النكاح مروية في الصحيح ، ولم يحضرني الآن .
أمّا شيخنا قدسسره في المدارك فقد أسند الرواية عن محمد بن مسلم إلىٰ الشيخ واصفاً لها بالصحة (٢) . ولم أقف عليها في التهذيب إلّا بهذا الطريق المذكور هنا ، فلعلّها في غير محلّها .
والخبر الثاني : يمكن حمله علىٰ الأوّل ، لأنّ الثاني لا يخرج عن المطلق ، والأوّل عن المقيد ، واحتمال أن يقال : بأنّ الاُولىٰ لرفع الكراهة والثانية لبيان الجواز مع الكراهة . بعيد ، وستسمع الكلام في جمع الشيخ إن شاء الله تعالىٰ .
والمنقول عن الصدوق القول بالتحريم قبل الغسل (٣) .
وفي الفقيه قد ذكر مضمون رواية محمد بن مسلم (٤) [ وظاهره ] (٥) العمل بذلك ، ولعلّ القول المنقول عنه في غير الفقيه .
قيل : والمشهور جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل الغسل علىٰ
__________________
(١) رجال الطوسي : ٢٢٤ / ٢٧ .
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٨ .
(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٣٥ .
(٤) الفقيه ١ : ٥٣ .
(٥) في « فض » : وظاهر ، وفي « رض » و « د » : وظاهرها ، والظاهر ما أثبتناه .
كراهة واستدل بأصالة الإباحة ، وقوله تعالىٰ ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) (١) بالتخفيف كما قرأ به السبعة ، أي يخرجن من الحيض ، يقال : طهرت المرأةِ إذا انقطع حيضها ، جعل سبحانه غاية التحريم انقطاع الدم ، فيثبت الحل بعده عملاً بمفهوم الغاية ، لأنّه حجّة ، بل صرح الاُصوليّون بأنّه أقوىٰ من مفهوم الشرط .
وأمّا قراءة التشديد في : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) فلا ينافي ذلك ، لأنّ تَفَعَّل قد جاء بمعنىٰ فَعَلَ كَتَبسَّم وَتبيّن بمعنىٰ بان وبسم ، والحمل علىٰ هذا المعنىٰ أولىٰ ، صونا للقراءتين عن التنافي ، أو يقال : إنّ النهي محمول علىٰ الكراهة توفيقاً بين القراءتين ، فيكون المنهي عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بالتحريم حال الدم من قوله تعالىٰ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٢) (٣) .
ولي في هذا نوع تأمّل ، لأنّ مراد هذا القائل أنّ قراءة التشديد تحمل علىٰ ظاهرها من دون جعلها بمعنىٰ يَطْهُرن مخفّفاً ، ويكون النهي للكراهة لئلّا ينافي قراءة يطهرن بالتخفيف ، إذ مقتضاها الجواز إذا طَهُرن والكراهة لا تنافي الجواز ، فيتم عدم التنافي .
وفيه أوّلاً : أنّ التوفيق بين القراءتين لم يحصل ، لأنّ قراءة التشديد يكون النهي فيها عن القرب بعد انقطاع الدم ، وقراءة التخفيف تقتضي أنّ النهي عن القرب في حال الحيض ، فيتغاير المعنىٰ وإن اتحد المآل والمفهوم من توافق القراءتين معنىٰ ومآلاً .
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢ .
(٢) البقرة : ٢٢٢ .
(٣) قال به صاحب المدارك ١ : ٣٣٦ .
وثانيا : أنّ التشديد إذا وقع بمعنىٰ عدمه كان أقرب لتوافق القرائتين معنىً ، من حيث كون النهي عن حالة المحيض في القراءتين ، ويؤيّد بأنّ سبق العلم بالتحريم وإن حصل بالأمر بالاعتزال ، إلّا أنّ تأكيده يفيد (١) المبالغة المطلوبة في عدم المباشرة ، وإن كان التأسيس خيراً منه في بعض الأحيان ، لا مطلقاً .
ومن هنا يعلم أنّ ما قاله المحقق في المعتبر : من أنّه لو قيل : قد قُرئ بالتضعيف في ( يَطْهُرْنَ ) قلنا : فيجب أن يحمل علىٰ الاستحباب توفيقاً بين القراءتين ودفعاً للتنافي بينهما (٢) . ( إن كان غرضه ما قرّرناه أوّلاً كما هو الظاهر محل بحث ، ويمكن الجواب بأنّ القراءتين إذا اتحدتا مآلاً كفىٰ والأمر متحقق ) (٣) .
ثم إنّ المستدل بما قدّمناه نفىٰ المعارضة بقوله تعالىٰ ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (٤) حيث شرط في إباحة الوطء التطهير الذي هو الغُسل ، بأنّ مفهومه انتفاء رجحان الوطء مع عدم التطهير ، وهو أعمّ من التحريم ، فيحتمل الإباحة .
سلّمنا أنّ الأمر هنا للإباحة لكن يمنع إرادة الغُسل من التطهير بل يحمل علىٰ الطهر ، لوروده بمعناه كما تقدم . أو علىٰ المعنىٰ اللغوي المحقق بغَسل الفرج .
سلّمنا أنّ المراد بالتطهير الغُسل ، لكن نقول : مفهومان تعارضا ، فإن
__________________
(١) في « فض » : يقيد ، وفي « رض » : بعيد .
(٢) المعتبر ١ : ٢٣٥ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٤) البقرة : ٢٢٢ .
لم يترجّح أقواهما تساقطا ويبقىٰ حكم الأصل سالماً من المعارض .
وفي نظري القاصر أنّ هذا محل نظر ، لأنّ ما ذكر من أنّ المفهوم انتفاء الرجحان مع عدم التحريم فيحتمل الإباحة إن كان مع قراءة التخفيف ، والتشديد علىٰ تقدير كون تطهّر بمعنىٰ طهر ، فلا بد من إرادة الإباحة ، لا مجرد احتمال الإباحة ، وعلىٰ تقدير إرادة الإباحة يكون تأكيداً ، والتأسيس بأن يراد الرجحان علىٰ تقدير التطهير أولىٰ ، وحينئذٍ فلا بد من بيان رجحان التأكيد علىٰ التأسيس ، والتسليم المذكور يأتي فيه الكلام بعينه ، ويزيد أنّ الحمل علىٰ المعنىٰ اللغوي يدل علىٰ زيادةٍ علىٰ الإباحة المستفادة من مفهوم الغاية ، فلا يتّحد الحكم ، وإن اُريد أنّ الطهارة بالمعنىٰ اللغوي في الأوّل والأخير ويكون تطهّر بمعنىٰ طَهُر رجع إلىٰ الأوّل من جهة الاتّحاد ويخالف المطلوب أوّلاً من إرادة الخروج من الحيض .
ثم التسليم الثالث لا يتم ، لأنّ التطهير إذا اُريد به الغُسل والطُهر الأوّل يراد به الخروج من الحيض فلا تعارض ، ولو اُريد بالأوّل الغُسل لم يتم ، كما لا يخفىٰ .
فإن قلت : علىٰ تقدير أن يراد الأوّل ويرجّح التأكيد علىٰ التأسيس لتوافق القراءتين أيّ مانع منه ؟
قلت : ما ذكرت له وجه ، إلّا أنّه لا بدّ من بيانه في المعارضة ، علىٰ أنّه ربما يشكل بأنّ المتقدم كون قراءة التشديد محتملة لكونها بمعنىٰ التخفيف ، ولكون النهي بعد الخروج عن الحيض والنهي للكراهة ، وعلىٰ تقدير الأوّل يمكن تمام ما ذكرت ، أمّا علىٰ التقدير الثاني فتكون الكراهة منتفية بعد الغُسل ، فإمّا أن يباح الوطء بمعنىٰ تساوي الطرفين ، أو يكون راجحاً ، لكن الثاني لا وجه له لعدم ما يدل عليه ، فيكون مباحاً متساوي
الطرفين ، ومفهوم الشرط يفيد الرجحان بعد الغُسل فلا يتمّ المطلوب .
وعلىٰ تقدير أن يكون الأمر للإباحة يندفع هذا ، لكن يلزم تعين إرادة مورد التسليم ، ويلزم حصول التأكيد ، والتأسيس خير منه ، فيرجع الكلام الأوّل ، وإرادة غَسل الفرج يزيد معها الإشكال .
ثم إنّ تعارض المفهومين إمّا أن يكون مع التغاير بإرادة الغُسل من التطهير ، أو مع الاتحاد بأن يكون بمعنىٰ طَهُر ، فإن كان مع التغاير فالتعارض غير واضح ، وإن كان مع الاتحاد فيحتاج إلىٰ الترجيح ، وينبغي تأمّل هذا كله ، فإنّه حريٌّ بالتأمّل التام ، لأنّي لم أجده في كلام الأعلام .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جدّي قدسسره في شرح الإرشاد أورد علىٰ الاستدلال أوّلاً : أنّ حمل التطهير علىٰ انقطاع الدم مع أنّه حقيقة شرعية في أحد الثلاثة ـ يعني الوضوء والغسل والتيمم ـ لا يتم ، وغاية ما ذكروه أن يكون ثابتاً في اللغة ، والحقائق الشرعية متقدمة .
وثانياً : أنّ حمل قراءة التشديد علىٰ التخفيف حملاً علىٰ الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من قواعد العرب أنّ كثرة المباني تدل علىٰ زيادة المعاني ، وهذا هو الكثير الشائع ، وما وقع نادر ، مشكل أيضاً .
وثالثاً : أنّ صدر الآية ـ وهو قوله تعالىٰ ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) ـ إنّما دل علىٰ تحريم الوطء في وقت الحيض ، ولا يلزم منه اختصاص التحريم بوقته ، إذ لا يلزم من تحريم شيء في وقتٍ أو مكانٍ مخصوص اختصاص التحريم به ، لأنّه أعم ولا دلالة للعام علىٰ أفراده المعيّنة .
ورابعاً : أنّ قولهم : قد تعارض مفهومان ، إلىٰ آخره ، لا يتم ، لأنّه لو حمل الجميع علىٰ الطهارة الشرعية ـ أعني الغُسل ـ لم يقع تنافٍ أصلا
واستغنىٰ عن التكلّف ، ويؤيّده قوله في آخر الآية ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) فإن الموصوف بالمحبة [ من ] (٢) فعل الطهارة بالاختيار .
وخامساً : أن حمل قراءة التضعيف علىٰ الاستحباب بمعنىٰ توقف الوطء علىٰ الغُسل استحباباً عدول عن الحقيقة ، والظاهر من صدر الآية النهي ، وهو دال علىٰ التحريم (٣) . ( انتهىٰ ملخّصاً ) (٤) .
وقد ذكرت في حاشية الروضة إمكان الجواب عن الأوّل : بأنّه مبني علىٰ ثبوت الحقيقة الشرعية ، وإثباتها مشكل ، ويقال هنا أيضاً : إنّ الاعتراف بإرادة الغُسل من التطهير لا يدل علىٰ ثبوت الحقيقة الشرعية ، بل يجوز أن يكون مجازاً وقرينته تعارض المفهومين ، إلّا أن يقال : إنّ احتمال إرادة غَسل الفرج ممكنة فلا يتم المطلوب ، وفيه ما تقدم ، إلّا أنّه لا يدفع الإيراد عند التحقيق ، ولعلّ الأولىٰ الجواب بأنّ اللغة استعملت الطهارة بمعنىٰ الغسل ، كما في القاموس (٥) ، فليتأمّل .
وعن الثاني : بأنّه إنّما يتم إذا كان الحمل لغير ضرورة ، والحال أنّ ضرورة الجمع اقتضته ، وأصل التجويز كاف للضرورة ، وقد صرحوا بأنّ كثرة المباني إنّما تدل علىٰ زيادة المعاني غالباً .
وعن الثالث : بأنّ الاختصاص لا ريب فيه ، إلّا أن يدل دليل علىٰ خلافه ، ولا دليل هنا ، وهذا واضح .
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢ .
(٢) أثبتناه من روض الجنان : ٧٩ .
(٣) روض الجنان : ٧٩ .
(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٥) القاموس المحيط ٢ : ٨٢ ( طهر ) .
وعن الرابع : أنّه موقوف علىٰ ثبوت الحقيقة الشرعية ، وفيه ما فيه ، والحق اندفاع هذا بما قدّمناه من احتمال المجاز وقرينته ما ذكرناه .
وقد يقال : إنّ الاندفاع إنّما يتم لو تعين إرادة المعنىٰ الشرعي لدفع المنافاة ، والحال أنّه غير منحصر لما سبق من الاحتمالات ، وبهذا قد يتوجه جواب ما قدّمناه أيضاً من إيراد نحو ما قاله جدّي قدسسره إلّا أنّ الحق وجود مخلص عنه باحتمال اندفاع التنافي بأيّ وجه كان ، وذلك كاف ، فليتأملّ .
وعن الخامس : بأنّ العدول عن الحقيقة لا نزاع للخصم فيه ، وإنّما الضرورة اقتضته ، وفي المقام مزيد بحث إلّا أنّ المهمّ ما ذكرناه .
اللغة :
الشبق شدّة الغلمة كما في الصحاح والقاموس (١) ، ثم في القاموس غَلِمَ كفَرِحَ غُلمةً بالضم واغتلم غُلِبَ شهوةً (٢) .
قال :
فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : « لا حتىٰ تغتسل » قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماءً يوماً أو يومين (٣) ، يحل (٤) لزوجها أن يجامعها قبل أن
__________________
(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٠ ( شبق ) ، القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ ( شبق ) .
(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٥٨ ( غلم ) .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ : إثنين ، بدل يومين .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ : أيحل .
تغتسل ؟ قال : « لا يصلح حتىٰ تغتسل » .
وعنه ، عن أيوب بن نوح وسندي بن محمد جميعاً ، عن صفوان ابن يحيىٰ ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل فلزوجها (١) أن يأتيها قبل أن تغتسل ؟ قال : « لا حتىٰ تغتسل » .
فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها علىٰ ضرب من الكراهية دون الحظر ، والأولة علىٰ الجواز ، يدل علىٰ ذلك :
ما أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن معاوية بن حكيم ، وعمرو بن عثمان ، عن عبد الله بن المغيرة (٢) ، عن العبد الصالح عليهالسلام : « في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم (٣) تمسّ الماء فلا يقع عليها زوجها حتىٰ تغتسل ، وإن فعل فلا بأس به » وقال : « تمسّ الماء أحبّ إليّ » .
وعنه ، عن أيوب بن نوح (٤) ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سألته عن الحائض ترىٰ الطهر أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إليّ » .
السند :
في الجميع غير سليم ، وقد كرّرنا القول في المهم من رجاله ، غير أنّه
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٦ : أفلزوجها .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ زيادة : عمن سمعه .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ : فلم .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨ زيادة : عن أحمد ، وكذا في « د » .
ينبغي أن يعلم أنّ علي بن أسباط الواقع في الأوّل قال النجاشي في شأنه : إنّه كوفي ثقة وكان فطحياً ، جرىٰ بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك رجعوا فيها إلىٰ أبي جعفر الثاني عليهالسلام فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه ، وقد روىٰ عن الرضا عليهالسلام من قبل ذلك ، وكان أوثق الناس (١) .
وقال الكشي : إنّه كان فطحيا ، ولعلي بن مهزيار إليه رسالة في النقض عليه مقدار جزء صغير ، قالوا : فلم ينجع ذلك ومات علىٰ مذهبه (٢) .
وأنت خبير بأنّ كلام الكشي لا يقتضي أنّ القول بعدم الرجوع ( منه ، بل أسنده إلىٰ الغير ، وهو غير معلوم ، والنجاشي قوله لا معارض له يعتدّ به ، غير أنّ الروايات لا يعلم كونها بعد الرجوع ) (٣) أو قبله ، أمّا لو روىٰ عن الرضا عليهالسلام فهو قبل الرجوع علىٰ قول النجاشي ، وحينئذٍ لو روىٰ عن الجواد يمكن القبول ، إلّا أن يقال : إنّه روىٰ عن الرضا فقط قبل الرجوع ، وبعده روىٰ عن الرضا والجواد عليهماالسلام ، وهو بعيد .
أمّا ما يقال : من أنّه إذا روىٰ عن الجواد فالأصل عدم السبق . ففيه نظر واضح ، وبالجملة فرواياته الخالية من القدح في غيره لا تخلو من إشكال .
أمّا قول ابن داود : إنّ الكشي قال بعدم رجوعه (٤) . فمن جملة الأوهام .
وأمّا سعيد بن يسار الواقع في الخبر الثاني فهو ثقة ، وضبط العلّامة
__________________
(١) رجال النجاشي : ٢٥٢ / ٦٦٣ .
(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦١ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٤) رجال بن داود : ٢٦٠ / ٣٣٣ .
في الإيضاح يسار بالياء المنقطة تحتها نقطتين والسين المهملة المخففة والراء أخيراً (١) .
المتن :
قد استدل القائل بتحريم الوطء قبل الغُسل بالخبر الأول والثاني . كما حكاه في المختلف ، وأجاب بالحمل علىٰ الاستحباب جمعاً بين الأدلّة والروايتين (٢) ، والشيخ ذكر الكراهة والمآل واحد ، غير أنّه لا يخفىٰ أنّ الخبر الدال علىٰ التفصيل بالشبق وعدمه لا وجه لعدم التعرض له ، بل إمّا أن يحمل مطلق الأخبار عليه ، أو يقال مع الشبق لا كراهة ، هذا علىٰ تقدير الإغماض عن الخبر الصحيح الذي ذكره شيخنا ـ أيّده الله ـ ولو التفتنا إليه فالمعارض لا يصلح لذلك لعدم المكافأة في الأسناد ، وبه يترجّح ما قاله الصدوق لولا احتمال ما (٣) (٤) .
أمّا ما في ظاهر الخبر الأوّل من الدلالة علىٰ الكراهة من قوله : « لا يصلح » فهو مؤيّد .
وما تضمنه الثاني من قوله : فتتوضّأ ، لعلّ المراد به الاستنجاء ، ويحتمل الوضوء الشرعي علىٰ بُعد .
ثم الخبر الأوّل المستدل به الشيخ علىٰ الجمع لا يخلو من إجمال بالنسبة إلىٰ قوله : فلم تمسّ الماء ، إذ يحتمل أن يراد به غَسل الفرج ويفيد
__________________
(١) إيضاح الاشتباه : ١٩٤ .
(٢) المختلف ١ : ١٨٩ ، ١٩٠ .
(٣) في « فض » : احتماله .
(٤) الفقيه ١ : ٥٣ .
حينئذ أنّ غَسل الفرج أولىٰ ، وبدونه يجوز الوطء علىٰ كراهيّة ومعه تخفّ الكراهة ولا تزول إلّا بالغُسل ، ويحتمل أن يراد به الغُسل .
فإن قلت : لا وجه لاحتمال غَسل الفرج بعد قوله : « فلا يقع عليها زوجها حتىٰ تغتسل » لأنّه صريح في أنّ المراد لم تغتسل .
قلت : كلام الإمام عليهالسلام لا تعلّق له بقول السائل ، علىٰ معنىٰ أنّه لا يقيده ، بل الجواب منه علّة بعد سؤاله عمّن لم تغسل فرجها أنّه لا يقع عليها حتىٰ تغتسل ، سواء مسّت الماء بغَسل الفرج أم لا .
وقوله عليهالسلام : « تمسّ الماء أحب إليّ » يراد به أنّ مع عدم الغُسل غَسل الفرج أحبّ إليّ ، وإن احتمل أن يراد به الغسل في الثاني ، إلّا أنّ الاحتمال الذي ذكرناه قائم ، كما لا يخفىٰ علىٰ من أعطىٰ الرواية حق التأمّل .
وحينئذ فمطلوب الشيخ في الجمع مجمل ، وكان حقه التفصيل بالشبق وعدمه ، ثم غَسل الفرج وعدمه ، وترتيب الكراهة .
إذا عرفت هذا فاعلم أن العلّامة في المختلف نقل عن ابن بابويه القول بأنّه لا يجوز الوطء حتىٰ تغتسل ، فإن غلبته الشهوة أمرها بغَسل فرجها ، وحكىٰ عنه الاستدلال مع الروايتين بالآية ، ووجه الاستدلال بها أنّه تعالىٰ علّق الإتيان بفعل الطهارة والمراد بها الغُسل أو غَسل الفرج مع الشبق .
وأجاب عن الروايتين بما سمعته ، وعن الآية بالمنع من إرادة فعل الطهارة من التطهير ، فإنّ لقائل أن يقول : يحتمل أن يريد فإذا طَهُرنَ ، لأنّ تفعّل بمعنىٰ فعل ، يقال : تطعّمت الطعام وطعمته بمعنىٰ واحد ، سلّمنا لكنه مستأنف ولا يكون شرطاً ولا غاية لزمان الحظر ، سلّمنا لكن المراد به غَسل الفرج . انتهىٰ (١) .
__________________
(١) المختلف ١ : ١٨٩ و ١٩٠ وهو في الفقيه ١ : ٥٣ .
وفي نظري القاصر أنّ الاستدلال من الصدوق يمكن أن يوجّه بأنّ التطهّر يدل بظاهره علىٰ الزيادة ، وليست إلّا الغُسل أو غَسل الفرج مع الشبق ، كما تدل عليه الرواية لا من مجرّد الآية ، كما هو واضح ، وعلىٰ هذا تكون الآية عنده لها ظهور في الزيادة مع بقاء نوع إجمال تبيّن بالخبر ، أمّا كون الآية بمجرّدها تدل علىٰ ما قاله فدفعه أظهر من أن يخفىٰ علىٰ الصدوق ، وجواب العلّامة حينئذ غير تامّ ، أمّا أوّلاً : فلأنّ مجيء تطهّر بمعنىٰ طهر لا ينافي ظهور دلالة تطهّر علىٰ الزيادة .
نعم لمّا تحققت المعارضة في الآيتين ذكر البعض مجيء تطهّر بمعنىٰ طهر لتحقيق الجمع ، وهذا أمر زائد علىٰ دلالة الظاهر ، فكأنّ العلّامة نقل هذا في الجواب ولم يتفطّن للفرق بين الأمرين .
ثم احتمال الاستئناف الذي ذكره لم أفهم وجهه ، لأنّ دلالة مفهوم الشرط حاصلة إن كان الاستئناف (١) أو عدمه ، فإذا لوحظ أوّل الآية بالنسبة إلىٰ مفهوم الغاية حصل التعارض ، وقوله : ولا يكون شرطاً ولا غاية . لا يخلو من غرابة علىٰ ما أظن ، وهو أعلم بمراده .
ثم قوله : سلّمنا لكن المراد به غَسل الفرج . فيه : أنّ الجزم بإرادته غير معلوم الوجه مع احتمال غيره .
وبالجملة : فعدم تعرض العلّامة لرواية محمد بن مسلم الدالة علىٰ التفصيل في الاستدلال للصدوق هو الموجب للإشكال في جوابه .
بقي شيء وهو أنّ شيخنا قدسسره بعد أن ذكر الاستدلال علىٰ مختاره من الكراهة علىٰ الإطلاق بالآية قال : ويدل علىٰ الجواز أيضا ما رواه الشيخ
__________________
(١) في « رض » : بالاستيناف .
في الصحيح عن محمد بن مسلم ، وذكر الرواية الاُولىٰ متناً (١) . أمّا السند فلا أعلمه الآن كما قدّمت القول فيه (٢) ، وأنت خبير بأنّ الرواية تضمنت التفصيل فكيف يستدل بها علىٰ الجواز بالإطلاق ؟ ( وذكر بعدها موثّقة علي ابن يقطين المذكورة هنا أخيراً ) (٣) والله تعالىٰ أعلم بحقائق أحكامه .
قال :
باب المرأة ترىٰ الدم أول مرة ويستمرّ بها
أخبرني الشيخ رحمهالله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن حسن بن علي ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيّام ثم تصلّي عشرين (٤) ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام وصلّت سبعة وعشرين يوماً » قال الحسن (٥) : وقال ابن بكير : هذا ممّا لا يجدون منه بدّاً .
أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد واحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، قال : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتىٰ يمضي
__________________
(١) المدارك ١ : ٣٣٨ .
(٢) في ص ٣٤١ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د » .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ زيادة : يوماً .
(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ زيادة : بن علي .
أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضىٰ ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعل المستحاضة ثم صلّت فمكثت تصلّي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرّة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام ، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة التي صلّت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض » .
ولا ينافي هذين الخبرين خبر يونس (١) الطويل الذي أوردناه في كتابنا (٢) من أنّ من هذه حالتها (٣) تترك الصلاة سبعة أيّام في الشهر وتصلّي باقي الشهر ، لأنّه يجوز أن يكون ذلك عبارة عمّا يصيب كل واحد من شهر إذا اجتمع شهران ، فإنّها إذا تركت في الشهر الأوّل عشرة أيّام وفي الثاني ثلاثة أيّام كان نصف ذلك نحواً من سبعة أيّام علىٰ التقريب ، فيكون مطابقاً لما تضمنته رواية عبد الله بن بكير ، وهو مطابق للاُصول كلّها .
السند :
في الأول : يحتمل أن يكون موثّقاً ، لأنّ حسن بن علي إمّا ابن فضال علىٰ الظاهر ، وإمّا الوشّاء علىٰ بُعدٍ ، واحتمال غيرهما في غاية البُعد ، إلّا احتمال ابن النعمان الثقة ولا يضر بالحال ، وشيخنا قدسسره في المدارك جزم بأنّه الحسن بن علي بن فضال (٤) . وهو غير بعيد .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب٨ ح٣ .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ زيادة : الكبير .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ : حالها .
(٤) المدارك ٢ : ١٦ .
والثاني : قد تكرّر القول في رجاله .
المتن :
لا تخفىٰ دلالة الخبر الأوّل علىٰ أنّ أوّل ما تترك الصلاة عشرة أيّام من الشهر ثم الثلاثة من الثاني ، والخبر الثاني دال علىٰ ذلك وزيادة الاستمرار علىٰ الثلاثة في جميع الأشهر الذي يستمرّ فيه الدم .
أمّا قول ابن بكير في الأوّل : وهذا ممّا لا يجدون منه بدّاً . محتمل أن يعود إلىٰ ما ذكر من أخذ العشرة من الأوّل والثلاثة من الثاني .
ويحتمل أن يعود إلىٰ أنّ الثلاثة لا بدّ من أخذها إذا استمرّ الدم لا العشرة ، ويؤيّد الثاني الخبر الثاني ، واحتمال أن يراد أخذ عشرة من الأوّل وثلاثة من الثاني دائماً ممكن لولا الترجيح بالخبر الثاني .
فإن قلت : أيّ فرق بين الاحتمال الأخير والأوّل ؟
قلت : الفرق هو أنّ الأوّل لمجرد أخذ العشرة في الأوّل والثلاثة في الثاني ( من دون التفات إلىٰ ما بعد ذلك ، والاحتمال الأخير أن تكون العشرة في الأوّل والثلاثة في الثاني ) (١) دائما مع الاستمرار .
ومن هنا يعلم أنّ قول الشيخ : لأنّه يجوز أن يكون عبارة عمّا يصيب كل واحد من شهر ، محل تأمّل ، لأنّ الخبرين كما عرفت فيهما احتمالات بعضها ينافي ما قاله الشيخ ، إلّا أن يريد الحكم بالنسبة إلىٰ الشهرين الأوّلين ، وفيه : أنّ خبر يونس يدل علىٰ السبعة من كل شهر ، علىٰ أنّ خبر يونس تضمن الستّة أو السبعة فلا وجه لعدم (٢) التعرض لذلك .
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٢) في « رض » و « فض » : فلا وجه للتعرض .
واحتمال أن يقال : إنّ خبر يونس يؤيّد أنّ المراد عشرة من شهر وثلاثة من آخر دائماً فيتم مطلوب الشيخ .
فيه : أن خبر يونس إنّما يدل علىٰ مطلوب الشيخ ويبين بعد أن يعلم أنّ المراد ما قاله الشيخ ، وهو عن ذلك بمراحل .
إذا عرفت هذا (١) فما ذكره المتأخّرون تبعاً للشيخ من جواز أخذ عشرة من شهر وثلاثة من آخر دائماً (٢) ، لا يخفىٰ ما فيه علىٰ تقدير الإغماض عن الأسانيد .
والمحقق قال في المعتبر بعد أن حكم بضعف الروايات : والوجه عندي أن تتحيّض كل واحدة منهما ـ يعني المبتدأة والمضطربة بالتفسير الذي ذكره ـ ثلاثة أيّام ، لأنّه المتيقّن في الحيض ، وتصلّي وتصوم بقية الشهر استظهاراً وعملاً بالأصل في لزوم العبادة (٣) .
وهذا الكلام وإن كان لا يخلو من نظر ، فإنّ الأصل في لزوم العبادة محل كلام ، إلّا أنّ فيه اعترافاً بضعف الروايات .
وكذلك العلّامة في المختلف (٤) .
وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب ما هذه صورته بعد الروايتين : هذا إذا جاء علىٰ وجه يحكم بكونه حيضاً ودام ، وإلّا احتمل أن تستظهر بيوم أو يومين ، فتحتاط للصلاة في الأوّل ، وفي الشهر الثاني تترك الصلاة ثلاثة أيّام لا أكثر احتياطاً لها ، حيث إنّ تركها في الأوّل عشرة ، وقول
__________________
(١) ليست في « فض » و « د » .
(٢) النهاية : ٢٥ ، المهذب ١ : ٣٧ ، المدارك ٢ : ٢١ .
(٣) المعتبر ١ : ٢١٠ .
(٤) المختلف ١ : ٢٠٣ .
ابن بكير جاز أن يكون إشارة إلىٰ الحكمين جميعاً وإلىٰ الأخذ فقط ، وجاز إلىٰ الأخير من غير اعتبار نفي الزائد ، هذا مع عدم النساء لها أو كنّ مختلفات . انتهىٰ . ولا يخفىٰ عليك حقيقة الحال .
ثم إنّ حديث يونس الذي أشار إليه الشيخ قد تضمن التخيير بين الستّة والسبعة من كل شهر ، ولولا ضعف سنده لنقلناه ، غير أنّ جماعة من المتأخّرين حكموا به (١) .
ونقل عن العلّامة في النهاية وجوب العمل بما يؤدّي اجتهادها إليه ، لئلّا يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة وعدمه (٢) ، واعترض عليه بأيّام الاستظهار (٣) .
والمحقق في المعتبر قال : إنّه لا مانع من ذلك ، إذ قد يقع التخيير في الواجب كما يتخيّر المسافر بين الإتمام والقصر في مواضع التخيير (٤) .
وفي نظري القاصر أنّ هذا غريب من المحقق ، فإنّ تخيير المسافرين فردي الواجب ، والتخيير هنا بين الفعل والترك لا إلىٰ بدل ، فتعريف الواجب لا ينطبق علىٰ الصلاة الواقعة ، نعم أيّام الاستظهار مثله ، والسكوت عن هذا بالنسبة إلىٰ تعريف الواجب إمّا للاعتراف به أو لغير ذلك ، وقد يحتمل أن يجاب بأنّ التخيير في الاستظهار وعدمه ، لا في فعل الصلاة ، فإن اختارت الطهر كانت الصلاة واجبة وإلّا فلا ، لا أنّ التخيير في الصلاة بين فعلها وعدمه ، وهكذا في السادس والسابع من الشهر إن اختارت السابع
__________________
(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢١١ والشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٠٤ .
(٢) نقله عنه في المدارك ٢ : ٢١ وهو في نهاية الإحكام ١ : ١٣٨ .
(٣) كما في المدارك ٢ : ٢١ .
(٤) المعتبر ١ : ٢١١ .
وجبت الصلاة وإلّا فلا ، وهذا وإن كان متكلّفاً (١) إلّا أنّه لا يخرج الصلاة عن تعريف الصلاة (٢) الواجب في الجملة ، فليتأمّل .
وفي فوائد شيخنا ـ أيده الله ـ أنّ العادة لما كانت أكثر ما تكون ستّة أو سبعة فجاز أن يكون ذلك لأنّ عادة نسائها دائرة بينهما ، أو بناء ذلك علىٰ الظاهر من عادة نساء أهل المدينة ، أو قراباتها ، وجاز أن يكون ذلك أولىٰ فيما بعد الشهر والشهرين ، أو لم يكن وقع السؤال إلّا بعد مضيّ ذلك . انتهىٰ كلامه ـ سلّمه الله ـ فليتدبّر .
قال :
فأمّا ما رواه زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها ؟ قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام » .
وروىٰ علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران جميعاً ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر علىٰ ذلك بيوم » .
فلا ينافي الأخبار الأوّلة فإنّ هذا حكم من لها نساء ، فأمّا من ليس لها نساء أو كنّ مختلفات كان الحكم ما ذكرناه ، ولأجل ذلك قال في آخر الخبر : « فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام
__________________
(١) كذا في النسخ ، والأولىٰ : تكلفاً .
(٢) ليست في « فض » .