الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٨٨
[ أيّام ] (١) قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنّها ترىٰ الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة [ أيام ] (٢) قال : « تصلي » قلت : فإنّها ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة [ أيّام ] (٣) قال : « تدع الصلاة ، تصنع ما بينها وبين شهر فإن انقطع عنها ، وإلّا فهي بمنزلة المستحاضة » .
وما رواه سعد بن عبد الله ، عن السندي بن محمد البزاز ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة ترىٰ الدم خمسة أيّام والطهر خمسة أيّام وترىٰ الدم أربعة أيّام والطهر ستة أيام ، فقال : « إن رأت الدم لم تصلِّ وإن رأت الطهر صلّت ما بينهما وبين ثلاثين يوماً ، فإذا تمّت ثلاثون يوماً فرأت الدم دماً صبيباً (٤) اغتسلت واستثفرت (٥) واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة ، فإذا رأت صفرة توضّأت » .
فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما علىٰ امرأة اختلطت عادتها في الحيض وتغيّرت عن أوقاتها وكذلك أيّام أقرائها واشتبه عليها صفة الدم فلا (٦) يتميز لها دم الحيض من غيره ، فإنّه إذا كان كذلك ففرضها إذا رأت الدم أن تترك الصلاة ، وإذا رأت الطهر صلّت إلىٰ أن تعرف عادتها ، ويحتمل أن يكون هذا حكم امرأة مستحاضة اختلطت عليها أيّام الحيض ، وتغيّرت عادتها ، واستمر بها الدم وتشتبه (٧) صفة الدم
__________________
(١ و ٢ و ٣) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣ .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : صبياً .
(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : استشفرت .
(٦) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : ولا .
(٧) في « رض » و « د » : واشتبهت ، وفي « فض » : وسهت . وما اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ .
فترىٰ ما يشبه دم الحيض ثلاثة [ أيام أو ] (١) أربعة أيّام ، وترىٰ ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك ، ولم يتحصل لها العلم بواحد منهما ، فإنّ فرضها أن تترك الصلاة كل ما رأت ما يشبه دم الحيض ، وتصلّي كل ما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلىٰ شهر ، وتعمل بعد ذلك ما تعمله المستحاضة ، ويكون قوله : رأت الطهر ثلاثة أيام أو أربعة أيّام . عبارة عمّا يشبه دم الاستحاضة لأن الاستحاضة بحكم الطهر ، ولأجل ذلك قال في الخبر : « ثم تعمل ما تعمله (٢) المستحاضة » وذلك لا يكون إلّا مع استمرار الدم ، وقد دل علىٰ ذلك الخبر الذي أوردناه في كتابنا الكبير عن غير واحد سألوا أبا عبد الله عليهالسلام عن الحيض والسنّة فيه (٣) .
السند :
في الأوّل : موثق بيونس ( بن يعقوب ) (٤) فإنّ النجاشي قال : إنّه كان أخصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهماالسلام ، وكان يتوكّل لأبي الحسن عليهالسلام ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا عليهالسلام فتولّىٰ أمره ، وكان حَظيّاً عندهم موثّقاً ، وقد قال بعبد الله ورجع (٥) .
والشيخ أيضاً في كتاب الرجال ذكره في رجال الكاظم عليهالسلام وأنّه ثقة (٦) .
__________________
(١) ما بين المعقوفين اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ .
(٢) في النسخ : تعمل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ .
(٣) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥ ح ١ .
(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٥) رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ ، بتفاوت يسير .
(٦) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٤ .
وابن بابويه في أسانيد الفقيه ذكر أنّه فطحيّ ولم يذكر الرجوع (١) .
وربما يحصل المعارضة لقول النجاشي بالرجوع ، إلّا أن يحمل كلام الصدوق علىٰ ما قيل ، وعلىٰ كل حال لا يفيد هذا فائدة .
والعلّامة في الخلاصة قال : وروىٰ الكشي أحاديث حسنة تدل علىٰ حسن عقيدة هذا الرجل والذي أعتمد عليه قبول روايته (٢) .
وهذا لا يخلو من غرابة ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار التي رواها الكشي ليس فيها حسن ولا صحيح ، إلّا أن يريد غير المعنىٰ المصطلح عليه .
وأمّا ثانياً : فلأنّ قبول روايته مع كونه فطحيّاً دون غيره كما يظهر منه رحمهالله غير ظاهر الوجه ، والرجوع غير معلوم التاريخ ، لتعلم الرواية قبل أو بعد ، وهو أعلم بمراده .
وأما الثاني : ففيه أبو بصير ، وقد تقدّم القول فيه (٣) ، والسندي بن محمد ثقة ويسمىٰ أبان (٤) إلّا أن وصفه بالبزّاز لم أره في الرجال .
المتن :
في الخبرين لا يخلو من غرابة ، وظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمون الرواية الثانية ، فإنّه نقل متنها في الكتاب .
وما ذكره الشيخ في التوجيه الأوّل ظاهره أنّه فهم من الروايتين أنّ الدم كان يوجد ثلاثة أيّام أو أربعة ثم ينقطع وهكذا ، والذي يقتضيه آخر
__________________
(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٠٥ .
(٢) خلاصة العلّامة : ١٨٥ / ٢ .
(٣) راجع ص ١٠١ ـ ١٠٤ وج ١ : ٧٣ ، ٨٤ .
(٤) في النسخ : بنان ، وما أثبتناه من رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٧ ، وخلاصة العلّامة : ٨٢ / ٢ .
الرواية الاُولىٰ من قوله : « فإن انقطع عنها وإلّا فهي مستحاضة » أنّ الدم مستمر ، وإنّما كانت تراه بصفة دم الحيض أيّاماً وبصفة دم الاستحاضة أيّاماً كما يقتضيه التوجيه الثاني من الشيخ ، وإن أشكل التوجيه الثاني أيضاً بأنّ الشيخ فهم من قوله عليهالسلام : ثم تعمل ما تعمله المستحاضة ، أنّ المراد في الأيّام التي يشبه دمها دم الاستحاضة .
والذي أفهمه أنّ المراد كونها تعمل بعد الثلاثين إذا استمرّ الدم .
وفي المعتبر قال المحقق بعد نقل كلام الشيخ في هذا الكتاب : وهذا تأويل لا بأس به ، ثم قال : ولا يقال : إنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة ، لأنّا نقول : هذا حق ، لكن ليس هذا طهراً علىٰ اليقين ولا حيضاً ، بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط (١) . انتهىٰ .
ولا يخفىٰ عليك أنّ قوله : تعمل فيه بالاحتياط . خلاف مدلول الرواية .
ومن العجب أنّ العلّامة في المختلف بعد نقل قول ابن بابويه ، وأنّه مناسب لما ذكره الشيخ في النهاية ، قال : والظاهر أنّ مراد ابن بابويه والشيخ أنّها ترىٰ الدم بصفة دم الحيض أربعة أيّام ، والطهر الذي هو النقاء خمسة ، وترىٰ تتمة العشرة أو الشهر بصفة دم الاستحاضة ، فإنّها تتحيّض بما هو صفة دم الحيض ولا يحمل ذلك علىٰ ظاهره (٢) .
ثم إنّه ذكر احتجاج الشيخ وابن بابويه بالروايتين المبحوث عنهما ولم يذكر الجواب عنهما ، ( فإن كان ) (٣) ذلك بناءً منه علىٰ تأويل كلامهما ،
__________________
(١) المعتبر ١ : ٢٠٧ .
(٢) المختلف ١ : ٢٠٤ وهو في الفقيه ١ : ٥٤ ، والنهاية : ٢٤ .
(٣) في « رض » : فإنّ كل .
فيكون التأويل في الروايتين أيضاً ، فهو بمراحل عن الروايتين ، وبالجملة فالكلام في الروايتين لا يخلو من خطر ، ولعل من لا يعمل بالموثق في راحة من تكلّف التوجيه .
وأمّا الحديث الذي رواه الشيخ في كتابه الكبير (١) فالأمر في دلالته أشكل من التوجيه ، كما يعلمه من راجعه ، ولولا أنّ سنده غير سليم حيث رواه محمد بن عيسىٰ ، عن يونس ، عن غير واحد ، لنقلته هنا .
وينبغي أن يعلم أنّ ظاهر الخبر الثاني حيث قال فيه : « فرأت الدم (٢) صبيباً اغتسلت واستثفرت (٣) واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة » وجوب جميع ما ذكر (٤) في وقت كل صلاة ، والحال أنّ الغسل لا يجب كذلك ، بل ولا غيره .
ويمكن الجواب بأنّ الخبر في حيّز الإجمال ، والمبيّن غيره من الأخبار ، كما أنّ قوله : « فإذا رأت صفرة توضّأت » لا يخلو من إشكال أيضاً ، إلّا أنّ ضعف الرواية يسهل الخطب .
اللغة :
قال في النهاية : في الحديث أنّه أمر المستحاضة أن تستثفر ، هو أن تشد فخذها (٥) بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا وتُوثِق طرفيها في شيء
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٧٦ أبواب الحيض ب ٣ ح ٤ .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ زيادة : دماً .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : واستشفرت .
(٤) في « فض » زيادة : و .
(٥) في النهاية : فرجها .
تشدّه علىٰ وسطها فتمنع بذلك سيل الدم ، مأخوذ من ثَفَر الدابة الذي جعل (١) تحت ذنبها (٢) .
قال :
باب ما يجب علىٰ من وطئ امرأة حائضاً من الكفّارة
أخبرني الشيخ رحمهالله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن حفص ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عمّن أتىٰ امرأته وهي طامث ، قال : « يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالىٰ » .
وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن النضر بن سويد ، عن يحيىٰ بن عمران الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من أتىٰ حائضاً فعليه نصف دينار يتصدق به » .
وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله بن علي الحلبي : عن الرجل يقع علىٰ امرأته وهي حائض ما عليه ؟ قال : « يتصدق علىٰ مسكين بقدر شُعبه » .
وأخبرني الشيخ رحمهالله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان ، عن أبان ، عن
__________________
(١) في النهاية : يجعل .
(٢) النهاية لابن الأثير ١ : ٢١٤ ( ثفر ) .
عبد الكريم بن عمر وقال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أتىٰ جاريته وهي طامث ، قال : « يستغفر الله » قال عبد الكريم فإنّ الناس يقولون : عليه نصف دينار أو دينار ؟ قال (١) عليهالسلام : « فليتصدّق علىٰ عشرة مساكين » .
قال (٢) محمد بن الحسن (٣) : الوجه (٤) في الجمع بين هذه الأخبار أن نحمل الوطء إذا كان في أول الحيض يلزمه دينار ، وإذا كان في وسطه نصف دينار ، وإذا كان في آخره ربع دينار ، وربما كان ( قيمته مقدار الصدقة ) (٥) علىٰ عشرة مساكين ، ومتىٰ عجز عن ذلك أجزأه الصدقة علىٰ مسكين (٦) بقدر شبعه ، لتلائم الأخبار .
والذي يدل علىٰ هذا التفصيل :
ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد (٧) بن يحيىٰ ، عن بعض أصحابه (٨) ، عن الطيالسي ، عن أحمد بن محمد ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في كفارة الطمث أنّه : « يتصدق إذا كان في أوله بدينار ، وفي أوسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار » قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر ؟
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ : فقال أبو عبد الله .
(٢) في الاستبصا ر ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : الشيخ أبو جعفر .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : رحمه الله .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ : فالوجه .
(٥) في « فض » و « د » : قيمة مقدار الصدقة ، وفي « رض » : مقدار قيمة الصدقة ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ .
(٦) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : واحد .
(٧) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ زيادة : بن أحمد .
(٨) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ : أصحابنا .
قال : « فليتصدّق علىٰ مسكين واحد ، وإلّا استغفر الله ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكل من لم يجد السبيل إلىٰ شيء من الكفارة » .
السند :
في الأوّل : قد تكرّر القول في رجاله ، غير أنّ الحسن بن علي الوشّاء قد وقع للعلّامة فيه شيء لم يتقدّم ذكره ولا بأس بالتنبيه عليه ، فاعلم أنّ النجاشي قال : قال أبو عمرو : يكنىٰ بأبي محمد الوشّاء ، وهو ابن بنت إلياس الصيرفي خزاز من أصحاب الرضا عليهالسلام (١) .
والعلّامة في الخلاصة قال : قال الكشي : يكنىٰ بأبي محمد الوشاء وهو ابن بنت إلياس الصيرفي خيّران من أصحاب الرضا عليهالسلام (٢) . وقال في باب إلياس : إنّه خيّر (٣) .
وفي الظنّ أنّ قول العلّامة : خيّران . تصحيف لفظ خزاز في كلام النجاشي ، إما لكونه منقولاً عن الكشي ، أو أنّه من كلامه ، والعلّامة أخذ كلامه من النجاشي ولسرعة (٤) العجلة فعل ما فعل ، أو أنّه نقله من الكشي وهو مصحّف (٥) فيه ثم سرىٰ الوهم إلىٰ أن قال في اليأس : إنّه خيّر (٦) . فليتأملّ .
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣٩ / ٨٠ .
(٢) خلاصة العلّامة : ٤١ / ١٦ ، إلّا أنّ فيه : خيّر من اصحاب الرضا عليهالسلام ، وفي حاشية الكتاب : في نسخة : خيران .
(٣) خلاصة العلّامة : ٢٣ / ٢ .
(٤) في « فض » : والسرعة .
(٥) في « رض » : تصحيف .
(٦) خلاصة العلّامة : ٤١ / ١٦ .
ثم إنّ حفص المذكور في السند مشترك بين من هو ثقة وغيره (١) .
والثاني : رجاله قد تكرّر أيضاً القول فيهم بما يغني عن الإعادة ، ويحيىٰ بن عمران الحلبي ثقة .
والثالث : كذلك .
والرابع : فيه عبد الكريم بن عمرو (٢) في النسخ التي رأيناها ، وفي (٣) التهذيب عبد الملك بن عمرو (٤) .
وقال (٥) شيخنا ـ أيّده الله ـ في فوائده : وكلاهما موجودان في الرجال ، وعبد الكريم واقفي . انتهىٰ . والذي في النجاشي كما قال ـ أيّده الله ـ وفيه : أنّه ثقة ثقة وكان واقفياً (٦) . وكذلك في الكشي عن أشياخ حمدويه (٧) ، ونقل في الخلاصة عن الشيخ أنّه قال ذلك أيضاً (٨) .
وأمّا عبد الملك بن عمرو فقد روىٰ الكشي عن حمدويه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك ابن عمرو ، قال : قال (٩) أبو عبد الله عليهالسلام : « إنّي لأدعو (١٠) لك حتىٰ اُسمّي دابّتك » أو قال : « أدعو لدابّتك » (١١) .
__________________
(١) هداية المحدثين : ٤٦ .
(٢) في « رض » زيادة : و .
(٣) في « رض » : في .
(٤) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٧٤ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢ .
(٥) في « فض » : قال .
(٦) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥ .
(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠ .
(٨) خلاصة العلّامة : ١١٥ / ٧ .
(٩) في المصدر زيادة : لي .
(١٠) في المصدر زيادة : الله .
(١١) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠ .
ولجدّي قدسسره في فوائد الخلاصة علىٰ هذا الحديث ما هذه صورته : السند صحيح ولكنه ينتهي إلىٰ الممدوح ، فهو شهادة لنفسه ، ( ومع ذلك ) (١) فهو مرجّح بسبب المدح ، فيلحق بالحسن لولا ما ذكرناه (٢) . انتهىٰ .
وقد يقال : إنّه لولا ما قاله لكان أعلىٰ من الحسن ، وإن أمكن المناقشة في ذلك ، إلّا أنّ الأمر سهل ، حيث إنّ الراوي غير معلوم الحال .
والخامس : فيه مع الإرسال الطيالسي ، ولا يبعد أن يكون محمد بن خالد ، وهو مذكور في رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهمالسلام مهملاً ، وذكر أنّ الراوي عنه سعد بن عبد الله وعلي بن الحسن بن فضال (٣) ، والمرتبة قريبة ، وفي الخلاصة لم يذكره في بابه ، ولكن في ترجمة صائد النهدي : محمد بن خالد لا يحضرني حاله (٤) .
وقد يأتي الطيالسي للحسن بن أبي العرندس ، وهو مذكور في رجال الكاظم عليهالسلام من كتاب الشيخ مهملا (٥) .
وداود بن فرقد هو داود بن أبي يزيد ، كما صرّح به الشيخ في هذا الكتاب ، وهو ثقة . والنجاشي صرّح بأن فرقد يكنىٰ أبا يزيد (٦) . والشيخ في كتاب الرجال ذكره في رجال الصادق عليهالسلام بهذه الصورة : داود بن فرقد
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٢) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٢٦ ( مخطوط ) .
(٣) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١١ .
(٤) خلاصة العلّامة : ٢٣٠ / ١ .
(٥) رجال الطوسي : ٣٤٨ / ٢٢ .
(٦) رجال النجاشي : ١٥٨ / ٤١٨ .
أبو يزيد (١) . وابن داود قال : إنّ داود يكنىٰ أبا زيد وفرقد أبا يزيد (٢) .
وبالجملة : فالأسانيد كلّها غير سليمة .
المتن :
في الأخبار المذكورة غير الرابع والخامس كما ترىٰ تضمّن الدينار والنصف والصدقة علىٰ مسكين بقدر شبعه .
[ والرابع ] (٣) : تضمّن نفي النصف والدينار والأمر بالصدقة علىٰ عشرة مساكين ، وهو كالصريح في عدم وجوب الدينار والنصف ، فإمّا أن يحمل علىٰ الاستحباب في الجميع كما قد يستفاد من الأخبار حيث لم يتعيّن المقدار ، ويكون المنفي في الرابع التعين ، أو يحمل علىٰ التقية ما دل علىٰ الدينار والنصف ، فقد صرّح بعض العامة بما هذه صورته : ويستحب لمن وطئ في الحيض عالماً بالحال والتحريم أن يتصدّق بدينار خالص إن كان في أوله وقوّته ، ونصف دينار إن كان في ضعفه (٤) .
وربما كان في قول الراوي في الحديث الرابع : إنّ الناس يقولون ، إلىٰ آخره ، إشارة إلىٰ أهل الخلاف .
أمّا ما قاله الشيخ في الجمع : من الربع دينار . ففيه أنّه لم يتقدم ما يدل علىٰ الربع ، وكأنّه اعتمد علىٰ الخبر الآتي ، ولا يخفىٰ عليك الحال .
فإن قلت : الشيخ إنّما ذكر الربع دينار لما تضمّنه الخبر الرابع من
__________________
(١) رجال الطوسي : ١٨٩ / ٤ .
(٢) رجال ابن داود : ٩١ / ٥٩٢ .
(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : والخامس ، والظاهر ما أثبتناه .
(٤) انظر المجموع ٢ : ٣٥٩ .
الصدقة علىٰ عشرة مساكين ظنّاً منه أنّ الربع قيمته تفي بذلك ، كما ينبه عليه قوله : وربما كانت قيمة مقدار الصدقة .
قلت : كلام الشيخ لا يخلو من إجمال ، إذ لم يعلم عوده إلىٰ ماذا (١) ، فيحتمل أن يعود إلىٰ المجموع من الدينار أو النصف أو الربع ، والمراد أنّ الصدقة علىٰ عشرة تتحقّق في بعض الأحيان (٢) بكل ما ذكر ، ويحتمل أن يعود إلىٰ الربع ، ولا ريب أنّه من البُعد بمكان ، سيّما وقوله : ومتىٰ عجز عن ذلك . لا يلائمه ، إذ لو عاد إلىٰ الربع يصير المعنىٰ : متىٰ عجز عن هذا القدر أجزأه الصدقة علىٰ مسكين . وأنت خبير بما فيه .
ثم إنّ الخبر الذي استدل به ( يدل علىٰ أنّ الصدقة علىٰ مسكين بعد العجز عن المذكور جميعه ، فيؤيّد عدم العود إلىٰ الربع ، والحاصل أنّ الحديث المستدل به ) (٣) محتمل (٤) لأن يراد به أنّ من عجز عن [ الدينار ] (٥) يتصدّق علىٰ مسكين ، ومن عجز عن النصف كذلك ، ومن عجز عن الربع كذلك ، ولو فرض اجتماع الثلاثة علىٰ الفاعل فإشكال ، غير أنّ عدم صحة الرواية تخفّف الإشكال ، وإنّما ذكرنا ما ذكرناه ليعلم أنّ كلام الشيخ غير واف بتحقيق الحال ، ولا فيه كمال الجمع بين الأخبار ، ولو قيل بالاستحباب سهل الخطب ، وسيأتي من الأخبار ما يؤيد ذلك .
وفي المعتبر بعد أن ذكر الأخبار : ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها علىٰ الاستحباب ، لاتفاق الأصحاب علىٰ اختصاصها بالمصلحة
__________________
(١) في « فض » : إذا .
(٢) في « فض » : الأخبار .
(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٤) في « فض » : محمل .
(٥) في النسخ : الدرهم . والظاهر ما أثبتناه .
الراجحة إمّا وجوباً أو (١) استحباباً ، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية (٢) . وهذا الكلام كما ترىٰ غير مفيد بعد الترديد بين الاستحباب والوجوب .
وينقل عن السيد المرتضىٰ في الانتصار أنّه قال : يمكن أن يكون الوجه في ترتيب هذه الكفّارة أنّ الواطئ في أول الحيض لا مشقّة عليه في تركه الجماع (٣) لقرب عهده فغلظت كفّارته ، والواطئ في آخره مشقّته شديدة لتطاول عهده فكفّارته أنقص ، وكفّارة الواطئ في نصفه متوسطة (٤) .
ونقل عن الراوندي القول (٥) بالتفصيل بالمضطر وغيره والشاب وغيره (٦) ، ولا نعلم وجهه .
وذكر بعض المتأخّرين أنّ الأوّل والوسط والآخر يختلف بحسب عادة المرأة ، فالأول لذات الثلاثة اليوم الأوّل ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستّة اليومان الأولان ، وعلىٰ هذا القياس الوسط والأخير (٧) .
ونقل في المختلف عن سلار قولا (٨) غير واضح الوجه .
قيل : والدينار : المثقال الخالص من الذهب المضروب ، وقيمته عشرة
__________________
(١) في المعتبر ١ : ٢٣٢ : وإما .
(٢) المعتبر ١ : ٢٣٢ .
(٣) في « رض » : للجماع .
(٤) نقله عنه في المدارك ١ : ٣٥٤ وهو في الانتصار : ٣٤ .
(٥) في « رض » : أنّه قال .
(٦) نقله عنه في الذكرىٰ ١ : ٢٧١ .
(٧) المدارك ١ : ٣٥٤ .
(٨) المختلف ١ : ١٨٨ وهو في المراسم : ٤٤ .
دراهم ، وجزم العلّامة : بعدم إجزاء القيمة ، ومصرف هذه الكفّارة مصرف غيرها (١) . والله أعلم بالحال .
اللغة :
الشَبْع بالفتح وكعِنَب ضدّ الجوع ، والشِبْع بالكسر وكعِنَب اسم ما أشبَعَك ، وشُبْعَةٌ من طعام بالضم قدر ما يُشْبَع به مرّة ، قاله في القاموس (٢) .
قال :
فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن صفوان ، عن عيص ابن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل ( وقع علىٰ ) (٣) امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس بعد (٤) ذلك فقد نهىٰ الله تعالىٰ أن يقربها » قلت : فإن فعل عليه (٥) كفّارة ؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله » .
وما رواه علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي جميلة ، عن ليث المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن وقوع الرجل علىٰ امرأته وهي طامث خطأ ؟ قال : « ليس عليه شيء وقد عصىٰ ربه » .
__________________
(١) قال به في المدارك ١ : ٣٥٥ ، وهو في المنتهىٰ ١ : ١١٧ والتحرير ١ : ١٥ .
(٢) القاموس المحيط ٣ : ٤٤ ( شبع ) .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : واقع .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : فعل .
(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : أعليه .
عنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن الحائض يأتيها زوجها ؟ قال : « ليس عليه شيء يستغفر الله ولا يعود » .
فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها علىٰ أنّه إذا لم يعلم الرجل من حالها أنّها كانت حائضاً لم يلزمه شيء ، فأمّا مع علمه بذلك فإنّه يلزمه الكفّارة حسب (١) ما ذكرناه ، وليس لأحد أن يقول : لا يمكن هذا التأويل لأنّه لو كانت هذه الأخبار محمولة علىٰ حال النسيان لما قال عليهالسلام : « يستغفر ربه ممّا فعل » ولا أنّه « عصىٰ ربه » لأنّه لا يمتنع إطلاق القول عليه بأنه عصىٰ ولا الحثّ علىٰ الاستغفار من حيث إنّه فرّط في السؤال عن حالها وهل هي طامث أم لا ؟ مع علمه أنّها (٢) لو كانت طامثاً لحرم عليه وطؤها ، فبهذا التفريط يكون عاصياً ويجب (٣) الاستغفار ، والذي يكشف عن هذا التأويل خبر ليث المرادي المتقدم (٤) ذكره قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن وقوع الرجل علىٰ امرأته وهي طامث خطاءً ، فقيّد السؤال بأنّ مواقعته لها كانت (٥) خطاءً ، فأجابه عليهالسلام : « ليس عليه شيء وقد عصىٰ ربه » .
السند :
في الأوّل : ليس فيه ارتياب .
__________________
(١) في « رض » : حيث .
(٢) في النسخ : بها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ زيادة : عليه .
(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ : المقدم .
(٥) ليست في النسخ ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ .
والثاني : فيه الطريق إلىٰ علي بن الحسن وقد تقدم مراراً (١) ، وفيه أبو جميلة وهو ضعيف ، وأما محمد بن الحسن فالظاهر أنّه ابن فضال ( ويحتمل أن يكون محمد بن الحسن بن سعيد ، وعلىٰ كل حال فالرجل ضعيف ) (٢) واحتمال ثقةٍ غيرهما ممكن ، لكن لا يفيد كما لا يخفىٰ ، علىٰ أنّه بعيد .
والثالث : حال رجاله لا يخفىٰ بعد ما قدّمناه ، غير أنّ أحمد بن الحسن علىٰ الظاهر ابن فضال ، ويحتمل أن يكون أحمد بن الحسن بن سعيد ، وهو ضعيف .
المتن :
في الأوّل : ظاهره العموم من حيث عدم الاستفصال من الإمام عليهالسلام عن العمد وغيره ، وحينئذ يؤيّد حمل ما دلّ علىٰ الكفّارة علىٰ الاستحباب ، ويكون قوله عليهالسلام : « لا أعلم فيه شيئا » يراد به عدم العلم بوجوب شيء ، ولا يعترض : بأنّ نفي العلم بشيء أعم من الواجب والمستحب ، لإمكان الجواب بأنّ إثبات الاستحباب للعارض .
ثم إنّ الخبر قد يستفاد منه أنّ النهي عن القرب يراد به الجماع ، فيؤيّد ما قاله العلّامة كما نقلناه عنه سابقاً . وفيه : أنّه لا مانع من إرادة النهي عن القرب الشامل للجماع وغيره ، فليتأملّ . أمّا حمل الشيخ فلا يخفىٰ ما فيه بالنسبة إلىٰ هذا الخبر .
وأمّا الخبر الثاني : ففيه دلالة علىٰ ما قاله ، فيمكن أن يقال : بحمل
__________________
(١) راجع ص ٧٢ وج ١ : ١٤٦ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
المطلق علىٰ المقيّد ، إلّا أنّ التقييد بالخطاء من كلام السائل ، وتأثيره في تقييد الأخبار لا يخلو من نظر ، بل الظاهر أنّه لا وجه له ، لأنّ السؤال إذا وقع عن أحد الأفراد لا يفيد تخصيصاً ، والتقرير من الإمام عليهالسلام في مثل هذا لا يحوم حوله التوجيه ، كما لا يخفىٰ علىٰ من أمعن نظره .
وكذلك القول في الخبر الثالث .
فإن قلت : الخبر الثالث لا ريب أنّه يفيد العموم بسبب ترك الاستفصال من الإمام عليهالسلام .
قلت : الأمر كما ذكرت ، إلّا أنّه ربما يدّعىٰ أنّه لا يخرج عن قبول التقييد بغير العمد ، لدلالة الأخبار السابقة علىٰ الكفّارة ، فتحمل علىٰ العمد وهذا علىٰ الخطاء ، غير أنّ الحمل علىٰ الاستحباب ممكن ، فالترجيح يتوقف علىٰ موجبه .
وما قاله الشيخ لا يخلو من نظر في مواضع :
الأوّل : قوله : إنّا نحملها علىٰ أنّه إذا لم يعلم الرجل من حالها أنّها كانت حائضاً .
وفيه : أنّ الحمل علىٰ عدم العلم بالتحريم أقرب من الوجه المذكور ، لأنّ قوله : فأمّا مع علمه فإنّه يلزمه الكفّارة . لا يتم علىٰ الإطلاق ، إذ مع الجهل بالتحريم لا يخلو وجوب الكفّارة من نظر .
الثاني : قوله : لأنّه لو كانت هذه الأخبار محمولة علىٰ حال النسيان ، لا وجه له فإنّ النسيان لم يتقدم من الشيخ ، بل كلامه إنّما كان في عدم العلم بكونها حائضاً ، وإدراج النسيان لا يخلو من اضطراب في التوجيه .
الثالث : قوله : إنّ الاستغفار والعصيان لكونه فرّط في السؤال ، فيه : أنّ السؤال غير واجب ليكون تركه تفريطاً موجباً للاستغفار ، إلّا أن يقال : إنّ
الجماع لمّا كان مشروطاً بعدم الحيض فلا بدّ من العلم بالشرط قبله ، فإذا لم يسأل فقد فرّط . وفيه : أنّه يجوز أن يكون الجماع جائزاً ما لم يعلم بالحيض ، نعم لو قرب إبّان (١) الحيض أمكن أن يقال : بحصول الظن بالحيض فيحتاج إلىٰ السؤال . وفيه ما لا يخفىٰ ( ولم أَرَ تحرير المقام في كلام الأصحاب ) (٢) .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يبقىٰ في المسألة اُمور لا بدّ من التنبيه عليها :
الأوّل : قد قدّمنا في الأخبار السابقة أنّ النهي عن الإيقاب لا معارض له ، غير أنّ الإيقاب محتمل لأن يراد به في القبل أو الدبر ، فلا يكون نصّاً في المنع من الدبر ، إلّا أن يقال : إنّه عام ، لأنّ النهي عن إيجاد ماهيّة الإيقاب يقتضي عدم إيجادها في فرد ، فيؤول إلىٰ العموم .
ومن هنا يظهر أنّ ما قاله بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ : من أنّ الحديث بظاهره يدل علىٰ المنع من وطء المرأة في دبرها . محل بحث أمّا أولاً : فلأنّ الدلالة إنّما تستفاد علىٰ الوطء في الحيض لا مطلقاً ، وأمّا ثانياً : فلأنّ التناول للدبر إنّما يتم بالتقريب الذي ذكرناه ، ومع ذلك فيه نوع بحث ، فليتأملّ .
الثاني : قال الشيخ في التهذيب بعد رواية عبيد الله الحلبي الدالة علىٰ أنّه يتصدّق علىٰ كل مسكين بقدر شبعه : إذا كانت قيمته ما يبلغ الكفّارة (٣) ، ثم قال : والذي يكشف عن ذلك ، وذكر رواية عبد الملك بن عمرو الدالة
__________________
(١) إبّان الشيء بالكسر : حينه ـ القاموس المحيط ٤ : ١٩٦ ( أبَنَهُ ) .
(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : ولم أرَ تحرير الأصحاب ، وفي « رض » : ولم أرَ تحرير الأصحاب المقام في كلام .
(٣) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٣٢٨ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٥ .
علىٰ الصدقة علىٰ عشرة مساكين ، ثم قال : هذا محمول علىٰ أنّه إذا كان الوطء في آخر الحيض ، لأنّه لو كان في أوله أو في وسطه لما عدل عن كفّارة دينار أو نصف دينار ، ولمّا كان آخر الحيض ورأىٰ أنّ (١) ما يلزمه من الكفّارة الأولىٰ أن يفضّه علىٰ عشرة مساكين أمره بذلك . انتهىٰ (٢) .
وأنت خبير بأنّ هذا الكلام يقتضي أن يكون ما قدّمناه في كلامه هنا : من أنّه مجمل ، مندفعاً بأنّ مراده الربع ، فهو مبيّن لكلامه هنا علىٰ تقدير الإجمال ، لكن لا يخفىٰ أنّ الإيراد السابق يتوجّه علىٰ كلام التهذيب أيضاً ، فإنّ دلالة الرواية علىٰ ما قاله في غاية البعد ، كما يعرف بأيسر نظر ، لكن منه يعلم أنّ ما قاله البعض : من عدم إجزاء القيمة (٣) . محل كلام ، وقد تقدم نقله ، إلّا أنّ الشأن في الثبوت ، فينبغي تأمّل هذا كله .
( الثالث : ينقل عن المرتضىٰ وابن إدريس دعوىٰ الإجماع علىٰ وجوب الكفّارة (٤) . وفي المعتبر قال : ) (٥) وأمّا احتجاج الشيخ وعلم الهدىٰ بالإجماع فلا نعلمه ، وكيف يتحقّق الإجماع فيما يتحقّق فيه الخلاف ، ولو قال : المخالف معلوم ، قلنا : لا نعلم أنّه لا مخالف غيره ، ومع الاحتمال لا يبقىٰ وثوق بأنّ الحق في كلامه (٦) . انتهىٰ .
ولقائل أن يقول : إنّ مدّعي الإجماع إذا كان معلوم العدالة فاحتمال وجود مخالف غير المعلوم لا يوافق العدالة ، وقد ادّعىٰ العدل عدم
__________________
(١) ليست في التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ .
(٢) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٣٢٧ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢ .
(٣) راجع ٣٣٤ .
(٤) نقله عنهما في الحبل المتين : ٥١ وهو في الانتصار : ٣٤ والسرائر ١ : ١٤٤ .
(٥) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٦) المعتبر ١ : ٢٣٠ وهو في الخلاف ١ : ٢٢٥ .
المخالف المضرّ بالإجماع ، بل مثل هذا يوجب القدح في العدل ، إذ هو في قوّة الإخبار عن العلم بقول المعصوم ، فكيف يجوز عدمه عليه (١) ، ومجرد الاستبعاد لا يضر بالحال علىٰ تقدير ثبوت العدالة .
واحتمال إرادة معنىٰ آخر من الإجماع ـ كما ظنه الشهيد في الذكرىٰ ـ (٢) يشكل بأنّه لا يصلح لإثبات حجّية مثله ، ومجرد التسديد غير كاف مع ما ذكرناه .
والاحتمال هو أن يراد بالإجماع الشهرة ، وأنت خبير بأنّ هذا لا يتمّ في مثل دعوىٰ الشيخ الإجماع والمرتضىٰ الإجماع علىٰ خلافه .
وبالجملة : فإذا ثبت الإجماع علىٰ وجه النقل بخبر الواحد فالقائل بالاستحباب إن كان لمجرد الاحتمال الذي قاله المحقق فالأمر لا يخلو من إشكال ، نعم يتم إشكال المحقق في مثل الشيخ فإنّه نقل الإجماع كما حكاه البعض عنه (٣) ، مع أنّ العلّامة نقل عنه في المختلف القول بالاستحباب والقول بالوجوب (٤) ، ثم ما قدّمناه عن المحقق سابقاً قد عرفت القول فيه ، ومنافرته لردّ الإجماع هنا غير خفيّة .
قال :
باب الرجل هل يجوز له وطء المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض قبل أن تغتسل أم لا ؟
أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن
__________________
(١) في « فض » زيادة : وعلىٰ هذا .
(٢) انظر الذكرىٰ ١ : ٤٩ .
(٣) كالمحقق في المعتبر ١ : ٢٣٠ ، والشهيد في الذكرىٰ ١ : ٢٧١ .
(٤) المختلف ١ : ١٨٦ .