الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٨٨
يراد به ما قاله المحقق ، لكن لمّا جعل مورد كلامه علىٰ متن رواية ابن أبي عمير عن حماد توجّهت عليه المناقشة .
والعلّامة في المختلف لمّا ذكر الروايتين في بحث الجنابة للاستدلال بهما علىٰ عدم الوضوء مع غسل الجنابة بجعل الأولىٰ في الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ؛ والاُخرىٰ في الحسن ، عن حماد بن عثمان ، لم يذكر ما أجاب به المحقق ، وأعاد الرواية الاُولىٰ للاحتجاج علىٰ تقديم الوضوء للقائل به ، وأجاب باحتمالها الاستحباب (١) .
وهذا الجواب في ظاهر الحال لا يخلو من خلل ؛ لأنّ الاستحباب إن كان لمعارضة الدليل الدال علىٰ جواز التأخير وهو ما ذكره من أصالة البراءة من وجوب التقديم ؛ ولأن الوضوء يراد للصلاة فلا يجب قبلها ؛ ولأنّه إذا اغتسل لغير الجنابة فقد فعل المأمور به فيخرج عن العهدة . فالدخل فيه ممكن (٢) :
أمّا أوّلاً : فبأنّ أصالة البراءة يعارضها ظاهر الخبر ، ولو لم يخرج عن أصالة البراءة بالظاهر لم يتم إثبات الأحكام غالباً .
وأمّا ثانياً : فلأنّ إرادة الوضوء لأجل الصلاة مطلقا غير مسلّم ، إذ الإجماع منتف ، لوجود القائل هنا ، ولو سلّم نقول : علىٰ تقدير وجوب الصلاة يجب التقديم ، إلّا أن يقال : إنّ القائل بهذا التفصيل غير معلوم ، وسيأتي عن شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ كلام في تحقيق معنىٰ هذا الوضوء .
وأما ثالثاً : فلأنّ فعل المأمور به مطلقاً غير مسلّم الحصول كما لا يخفىٰ .
__________________
(١) المختلف ١ : ١٧٨ .
(٢) في « فض » : يمكن .
وإذا عرفت هذا فقول العلّامة : إنّ الحديث يحتمل الاستحباب . غير تامٍّ كما يعرف بأيسر نظر .
وفي بحث غسل الأموات ذكر الحديث في الاستدلال لاستحباب الوضوء في غسل الميت بهذه الصورة : وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان أو غيره (١) . وهذا النقل يدل علىٰ أنّ ما ذكره في بحث الجنابة ووصفه بالحسن وَهْم علىٰ ما أظنّ .
وما ذكره شيخنا قدسسره : من أنّ العلّامة في المختلف تبع المحقق في الجواب ، أظنّ أنّي وجدته فيه ، لكني الآن لم أجده .
وأمّا ما قيل : من قبول مراسيل ابن أبي عمير فقد تقدّم فيه قول (٢) ، ونزيد هنا : أنّ ابن أبي عمير لو فرض أنّه لا يروي إلّا عن عدل أو ثقة لا يصلح حجّةً علىٰ غيره مع عدم العلم بالعدل ليعلم حاله من انتفاء الجارح أو وجوده ، ولو صرّح بأنّه عدل فالقول فيه كذلك كما قرّر في الاُصول .
والعجب أنّ العلّامة في المنتهىٰ قال في بحث التطهير بالنار في رواية : إنها مرسلة وإن كان مرسلها ابن أبي عمير ، إلّا أنّها معارضة بالأصل فلا تكون مقبولة (٣) . وأنت إذا لاحظت هذا الكلام لا يخفىٰ عليك حقيقة الحال .
أمّا ما قد يقال : من أنّ مراسيل ابن أبي عمير إن كان قبولها لأنّه لا يروي إلّا عن عدل ، فلا يكون مرسلة . فجوابه سهل ، لأنّ الإرسال بحسب الظاهر .
__________________
(١) المختلف ١ : ٢٢٢ .
(٢) راجع ج ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .
(٣) المنتهىٰ ١ : ١٨٠ .
قال :
فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته قلت : كيف أصنع إذا أجنبت ؟ قال : « اغسل كفّك وفرجك وتوضّأ وضوء الصلاة ثم اغتسل » .
فالوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ ضرب من الاستحباب ، ولا ينافي ذلك :
ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ مرسلاً بأنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة .
لأنّ هذا خبر مرسل لم يسنده إلىٰ إمام ، ولو سلّم لكان معناه أنّه إذا اعتقد أنّه فرض قبل الغسل فإنّه يكون مبدعا ، وأمّا إذا توضّأ ندباً واستحباباً فليس بمبدع ، فأمّا ما عدا غسل الجنابة من الأغسال فلا بد فيه من الوضوء قبل الغسل ، ويدل علىٰ ذلك قول أبي عبد الله عليهالسلام في رواية ابن أبي عمير : « كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » .
السند :
في الأوّل فيه أبو بكر الحضرمي وقد تكرّر القول فيه (١) ؛ والثاني فيه الإرسال كما قاله الشيخ ؛ والثالث قد سبق الكلام عليه .
__________________
(١) راجع ص ٩٤ ـ ٩٧ .
المتن :
ما قاله الشيخ في الأوّل من الحمل علىٰ الاستحباب في غاية البعد ؛ وما قاله شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ في فوائد الكتاب ـ من أنّ الأولىٰ الحمل علىٰ التقية ، حفظاً لظاهر الروايات الدالة علىٰ سقوط الوضوء مع غسل الجنابة ـ لا يخلو من وجه ، بل الظاهر رجحانه ، والأخبار لا تنافي الاستحباب ، لأنّ ظاهرها نفي وجوب الوضوء كما يعلم من ملاحظتها ، إلّا أنّ ظاهر التعليل في بعضها نفي مشروعية الوضوء .
وقد بالغ شيخنا قدسسره في فوائده علىٰ الكتاب فقال : إنّ الحمل ضعيف جدّاً ، بل كاد أن يكون معلوم البطلان ، لأنّ الأخبار الواردة بسقوط الوضوء مع غسل الجنابة مستفيضة ، بل ربما بلغت حد التواتر المعنوي ، مع مطابقتها للأصل وظاهر القرآن ، وهذه الرواية في غاية الضعف ، فإنّ راويها وهو أبو بكر لم يثبت إيمانه فضلاً عن كونه ممّن يقبل خبره ، فيتعين إطراح روايته ، ولو كانت الرواية صحيحة لوجب حملها علىٰ التقية ، أمّا استحباب الوضوء معه فمقطوع بعدمه . انتهىٰ .
وما قاله قدسسره من عدم ثبوت إيمان أبي بكر لا يخلو من غرابة كما يعرف من كتب الحديث والرجال وقد سبق فيه الكلام (١) .
وقوله : إنّ الأخبار مطابقة للأصل وظاهر القرآن . ففيه نوع تأمّل :
أمّا الأصل : فلأنّ أصالة عدم الاستحباب مع وجود ما يدل عليه علىٰ تقدير الصلاحية لإثبات الاستحباب لا يخلو من إشكال ، إلّا أن يقال : إنّ مع احتمال التقية لا يخرج عن الأصل .
__________________
(١) راجع ص ٩٤ ـ ٩٧ .
وأمّا ظاهر القرآن : فاحتمال عموم آية الوضوء (١) للجنب قائم ، والتقسيم لا ينافيه ، لتحققه مع الغسل المقتضي لجعله قسماً ، وادعاء رجحان إرادة الغسل من دون الوضوء محل كلام .
والخبر السابق الدال علىٰ أنّ الآية تقتضي عدم الوضوء مع الغسل (٢) ضعيف ، إلّا أنّه يمكن ترجيح الظهور بوجه من الاعتبار ، غير أنّ مجال البحث واسع ، وبالجملة فالقطع بنفي احتمال الاستحباب محل كلام ، نعم لو أعطىٰ المتأمّل الأخبار حق التأمّل لا يبعد نفي الاستحباب منها .
ولشيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ احتمال لا بأس به في الرواية وهو أن يراد بالوضوء (٣) : غَسل اليد من المرفق ، وهو وإن بَعُد من حيث ذكر غَسل الكفّين أوّلاً ، إلّا أنّه قابل للتوجيه .
ثم إنّ التقية ليست من جهة الراوي ليظن عدم إيمانه ، بل باعتبار نقل ذلك عن الإمام ليعلم المخالفون عدم المخالفة لمذهبهم ، أو لحضور من يتّقىٰ غيره .
أمّا ما قاله الشيخ في الخبر الثاني (٤) فبعيد أيضاً لكنه ممكن ، ويحتمل أن يراد أنّ الوضوء قبله مشروع وبعده بدعة ، وهذا أنسب بمراد الشيخ ، ولا يستبعد فهم الشيخ ذلك كما يظهر من سياق كلامه ، وفي بعض الأخبار الوضوء بعد الغسل بدعة (٥) .
وأمّا حكم غير غسل الجنابة فقد تقدّم منّا فيه كلام ، ونزيد هنا : أنّ
__________________
(١) المائدة : ٦ .
(٢) راجع ص ٢٥٦ .
(٣) في النسخ زيادة : في ، حذفناها لاستقامة المعنىٰ .
(٤) راجع ص ٢٨٣ .
(٥) التهذيب ١ : ١٤٠ / ٣٩٥ ، ٣٩٦ ، الوسائل ٢ : ٢٤٥ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٥ ، ٦ .
ما ذكره الشيخ : من أنّ الوضوء قبله (١) . قد علمت سابقا كلام العلّامة في المختلف فيه (٢) .
ونقل في المختلف أيضا عن المبسوط أنّ فيه : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، ويزيد عليه وجوب تقديم الوضوء علىٰ الغسل (٣) .
ونقل عن أبي الصلاح أنّه قال : فما عدا غسل الجنابة الوضوء واجب في ابتدائه (٤) .
وقال المفيد : وكل غسل لغير جنابة فهو غير مجزٍ في الطهارة حتىٰ يتطهّر معه الإنسان وضوء الصلاة قبل الغسل (٥) .
وقد احتجّ بعض الأصحاب علىٰ وجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة مع الخبر الذي ذكره الشيخ بالآية الشريفة ، فإنّ ظاهرها العموم إلّا ما خرج بالإجماع كالجنابة (٦) .
واعترض عليه : بأنّ الآية ليست عامة ، فإنّ « إذا » للإهمال كما صرح به في الاُصول (٧) . وفيه نظر ، فإنّ المقام لا ينكر إفادته العموم كما في كثير من المواضع ، وأمّا وجوب التقديم فقد قدّمنا ما فيه كفاية .
قال :
فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي بن إبراهيم بن
__________________
(١) راجع ص ٢٨٣ .
(٢) راجع ص ٢٧٩ ـ ٢٨٢ .
(٣) المختلف ١ : ١٨٠ ، وهو في المبسوط ١ : ٣٠ .
(٤) المختلف ١ : ١٨٠ ، وهو في الكافي في الفقه : ١٣٤ .
(٥) المختلف ١ : ١٨٠ ، وهو في المقنعة : ٥٣ .
(٦) المختلف ١ : ١٧٨ .
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٢٦ ، ١٢٧ .
محمد ، عن جده إبراهيم بن محمد ، أن محمّد (١) بن عبد الرحمن (٢) الهمداني كتب إلىٰ أبي الحسن ( الثالث ) (٣) عليهالسلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره » .
وعنه ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقه ، عن عمار الساباطي قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الرجل اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده ؟ فقال : « لا ، ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو (٤) غير ذلك ، وليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل » .
سعد بن عبد الله ، عن موسىٰ بن جعفر بن وهب ، عن ( الحسن ابن الحسين ) (٥) اللؤلؤي ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن حماد ابن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل يغتسل الجمعة أو غير ذلك أيجزيه عن الوضوء ؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « وأيّ وضوء أطهر من الغسل » .
فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها علىٰ أنّها (٦) إذا اجتمعت هذه أو شيء منها مع غسل الجنابة فإنّه يسقط فرض الوضوء ، وإذا انفردت
__________________
(١) في النسخ زيادة : بن محمّد ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ٤٣١ .
(٢) في « فض » زيادة : محمّد .
(٣) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٣١ .
(٤) في النسخ : و ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٢ .
(٥) في الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٣ : الحسين بن الحسن .
(٦) في الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٣ : أنه .
هذه الأغسال أو شيء منها عن غسل الجنابة فإنّ الوضوء واجب قبلها حسب ما تقدم ، ويزيد ذلك بياناً :
ما رواه الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن سليمان بن الحسن ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال : « إذا أردت أن تغتسل يوم الجمعة فتوضّأ ثم اغتسل » .
السند :
في الأوّل : فيه جهالة .
والثاني : موثّق .
والثالث : فيه موسىٰ بن جعفر بن وهب وهو مذكور في الفهرست ، وكتاب الرجال فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهمالسلام مهملاً ؛ والحسن بن الحسين اللؤلؤي وقد وثقه النجاشي (١) ، ونقل الشيخ تضعيفه عن ابن بابويه (٢) ، والظاهر أنّه من جهة استثنائه من الذين يروي عنهم محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، وفي الظن أنّه لا يضر بالحال بعد توثيق النجاشي وتحقيقه ، وقد تقدم أيضاً القول فيه (٣) ، والإرسال في الخبر ظاهر مع بقية رجاله .
والرابع : فيه سليمان بن الحسن وهو مجهول الحال .
المتن :
ما ذكره الشيخ . فيه لا يخرج عن ربقة التكلّف التامّ .
__________________
(١) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣ .
(٢) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥ .
(٣) في ص ١٠٩ ـ ١١١ .
وفي المختلف أجاب عن الحديث الأوّل بمنع صحة السند ، قال : سلّمناه ، لكنا نقول بموجبه ، فإنّ غسل الجمعة كاف في الأمر بالغسل للجمعة ، وليس فيه دلالة علىٰ الاكتفاء به في الصلاة .
واعترض علىٰ نفسه : بأنّه عليهالسلام قال : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا في غيره » فأسقط وضوء الصلاة عن المصلّي ، وأجاب : بأنّا لا نسلّم أنّ السقوط عن المصلّي ، بل لِمَ لا يجوز أن يكون المراد : لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة إذا لم يكن وقت الصلاة .
ثم اعترض : بأنّ الحديث عام فتقييده بغير وقت الصلاة يخرجه عن حقيقته ، وأجاب : بمنع العموم ، لدليل آخر ، وهو ما يدل علىٰ وجوب الوضوء لكل صلاة (١) .
وأنت خبير بأنّه إذاً رجع الأمر للدليل علىٰ وجوب الوضوء لكل صلاة ، والمتقدم منه هو الآية ، ورواية ابن أبي عمير المرسلة المتقدمة (٢) ورواية حماد بن عثمان المتقدمة (٣) أيضاً عنه ، وأنّه قبل الغسل ممنوع من الدخول في الصلاة فكذا بعده عملاً بالاستصحاب ، وشيء من هذه الأدلة لا يسلم من جرح المناقشة . .
أمّا الآية فبتقدير عمومها علىٰ ما قدمناه قابلة للتخصيص ، وقد فرض أنّه سلّم صحة السند في الخبر ، ومعه لا مجال لإنكار القبول لتخصيص العموم .
وأمّا خبر ابن أبي عمير فبتقدير صحته يدل علىٰ أنّ كل غسل قبله
__________________
(١) المختلف ١ : ١٧٩ .
(٢) في ص ٢٧٦ .
(٣) في ص ٢٧٩ .
وضوء ، أمّا كونه للصلاة فغير معلوم ، وحمله علىٰ أنّ الوضوء للصلاة يتوقف علىٰ الدليل ، وكذلك خبر حماد .
والدليل الأخير في غاية السقوط حينئذ ، لأنّ ثبوت الحديث يقتضي صحة الدخول في الصلاة ، وهو المطلوب .
ولعلّ الأولىٰ في الجواب أن يقال : إنّ [ معنىٰ ] (١) قوله : « لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة . . . . » أنّه غير مرتبط به علىٰ وجه الشرطية فيه ، أو يقال : إنّ الوضوء المستفاد ثبوته في الأغسال ليس للصلاة ، إلّا أنّ في هذا تأمّلاً .
وأجاب العلّامة أيضاً عن الحديث الثاني : بأنّ معنىٰ إجزاء الغسل إسقاط التعبّد به ، أمّا أنّه يجزئ عن الوضوء في الصلاة فلا ، ثم اعترض علىٰ نفسه : بأنّ قوله « ليس ( قبله ولا بعده ) (٢) أجزأه الغسل » يقتضي سلب الوجوب عند الصلاة ، وبأنّ السؤال وقع عن غسل الجنابة والجمعة والعيدين ، والجواب وقع عن الجميع بإسقاط الوضوء ، وكما أنّ إسقاط الوضوء في الجنابة عن المريد للصلاة فكذا ما سواه (٣) .
وأجاب عن الأول : بأنّ المراد إجزاء الغسل في التعبّد به . وعن الثاني : بأنّ الغسل في الجنابة كاف في رفعها ، ولا يلزم جواز الدخول في الصلاة إلّا بدليل من خارج ، وقد بيناه في غسل الجنابة ، فيبقىٰ الباقي علىٰ المنع (٤) .
وأنت خبير بما في الجواب عن الثاني من حيث إنّ اشتمال الخبر
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة .
(٢) في المختلف ١ : ١٨٠ : عليه قبل ولا بعد .
(٣ و ٤) المختلف ١ : ١٨٠ .
علىٰ جزئيات توجب المشاركة في الحكم ، فإخراج بعضها دون البعض مشكل ، إلّا أنّ مثل هذا كثير في الأخبار ، وإن كان فيه نوع كلام .
وأجاب العلّامة عن الخبر الثالث : بنحو ما ذكر (١) ، ولعل الجواب لا بأس به .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأخبار الدالة علىٰ سقوط الوضوء وإن كانت غير سليمة الأسناد ، إلّا أنّ لها مؤيّدات من الأخبار غير ما سبق من رواية محمد بن مسلم الثانية في أوّل الباب ، الدالة علىٰ أنّ أيّ وضوء أطهر من الغسل ، فإنّ فيها احتمال العهد كما سبق ذكره .
ومثلها رواية صحيحة عن حكم بن حكيم في التهذيب معلّلة بأنّ أيّ وضوء أنقىٰ من الغسل (٢) .
بل الروايات الواردة في بيان غسل الاستحاضة والحيض والنفاس ، مؤيّدة أيضاً كصحيح معاوية بن عمار حيث قال فيها : « فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، فإن كان لا يثقب توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء » (٣) وصحيح ابن نعيم الصحاف (٤) ، وسيأتي إن شاء الله .
وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : « فلتغتسل ولتصلّ » (٥) .
وفي صحيح عبد الله بن سنان : « إنّ غسل الجنابة والحيض واحد » (٦) وغير ذلك من الأخبار .
__________________
(١) المختلف ١ : ١٨٠ .
(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٥ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤ .
(٣) التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .
(٤) التهذيب ١ : ١٦٨ / ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٣٧٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧ .
(٥) التهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٣ ، الوسائل ٢ : ٣٩٣ أبواب النفاس ب ٥ ح ٣ .
(٦) التهذيب ١ : ٣٩٥ / ١٢٢٣ ، الوسائل ٢ : ٣١٦ أبواب الحيض ب ٢٣ ح ٧ .
ومعارضة ما دل علىٰ أنّ كل غسل قبله وضوء موقوفة علىٰ الصحة .
وإذا تمهّد هذا كله : فاعلم أنّ شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ قال في فوائد الكتاب : إنّ الرواية المتضمنة لأنّ كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة قاصرة بالإرسال ، وإن كان المُرسِل ابن أبي عمير .
واحتمل في بعض الطرق كون الواسطة حماد بن عثمان الثقة ، ولا تدل أيضاً علىٰ وجوب هذا الوضوء ، بل علىٰ أنّ قبله وضوء في الجملة ، فجاز أن يكون علىٰ سبيل الندب زيادةً في التطهير ورفعاً لاستبعاد أهل الخلاف ، ولا يتأتّىٰ مثله في غسل الجنابة ، لأنّ الآية ظاهرة في عدم الوضوء معه ، بل ما تقدم من عدم الوضوء بعد الغسل .
وهذا كلّه يقتضي أنّ الوضوء ليس واجباً ولا له دخل في الاستباحة ، وإلّا لم يتفاوت الحال بين فعله قبل وبعد ، وأمّا الوضوء المندوب غير المبيح فيناسب اختصاص وقوعه بما قبل الغسل في الحائض ونحوها ، بخلاف الوضوء المبيح ، وأيضاً فإنّ هذا الوضوء لو كان واجباً لكان ينبغي أن يبيّن أنّه لو ترك قبل الغسل نسياناً يفعل بعده ، أو يعاد الغسل ، [ و ] (١) لم يبيّن ذلك في شيء من هذه الروايات ، بل ظاهر إطلاق كون الوضوء بعد الغسل بدعة يقتضي عدمه حينئذ ، وإعادة الغسل بعد الوضوء مع دخوله في ظاهر هذا الإطلاق لا أعرف به قائلاً ، مع اقتضاء ظاهر روايات صحيحة انتفاء الوضوء مع الغسل مطلقاً . انتهىٰ كلامه ـ أيّده الله ـ .
وأنت إذا تأمّلته لا يخفىٰ عليك حقيقة الحال ، وفي ظنّي أنّ بعض الأصحاب قائل بأنّ الوضوء جزء الرافع (٢) ، هذا .
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة .
(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٥٦ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٢٠٨ .
وما ذكره الشيخ أخيراً بقوله : ويزيده بياناً . لا أعلم وجهه ، بل الظاهر أنّه يزيده إجمالاً ، فإنّ قوله بأنّ الوضوء واجب قبلها ، إذا لم يكن فيها غسل الجنابة ، ثم ذكره الرواية في غسل الجمعة ، يقتضي وجوب الوضوء قبله ، والإشكال فيه ظاهر ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
قال :
باب الجنب ينتهي إلىٰ البئر أو الغدير وليس معه ما يغرف به الماء
أخبرني الشيخ رحمهالله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب : عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن منصور بن حازم ، عن ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به فتيمّم بالصعيد ، فإنّ ربّ الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع في البئر ولا تفسد علىٰ القوم ماءهم » .
السند :
قد تكرر القول فيه بما يغني عن الإعادة .
المتن :
استدل به القائلون بنجاسة البئر بالملاقاة في جملة روايات ، ووجّهوا الاستدلال بأنّ الأمر بالتيمم واقع في الرواية ، والتيمم مشروط بفقد الماء الطاهر ، فلا يكون الماء طاهراً بتقدير وقوع الجنب في البئر واغتساله ، وبأنّ
النهي عن الإفساد والوقوع المفهوم منه النجاسة كما اعترف به الخصم في أخبار الطهارة حيث ورد فيها الإفساد وحمل علىٰ النجاسة (١) .
واُجيب عن الاستدلال : بأنّ الخبر لا دلالة فيه علىٰ النجاسة بوجه ، لأنّ الأمر بالتيمم لا ينحصر وجهه في نجاسة الماء ، إذ من الجائز أن يكون لتغيير الماء وفساده علىٰ الشارب بنزول الجنب فيه ، وعليه يحمل النهي الواقع فيه (٢) .
وما ذكر : من أنّ الإفساد واقع في جهة الطهارة . فقد أجاب عنه الوالد قدسسره بالفرق بين الأمرين ، فإنّ الإفساد الواقع في خبر الطهارة نكرة في سياق النفي فيعم ، بخلاف الإفساد الواقع هنا ، فإنّه لا عموم فيه (٣) .
وفي نظري القاصر أنّ الاستدلال والجواب لا يخلو من تأمّل وقد أوضحت الحال فيه في حاشية التهذيب ، إلّا أنّي أذكر هنا مجمل الأمر ، أمّا أولاً : فلأنّ مفاد الحديث النهي عن أمرين : الوقوع والإفساد ، وكون الإفساد بسبب الوقوع غير معلوم ، والاستدلال مبني عليه .
وأمّا ثانياً : فبأنّ النهي عن الإفساد نهي عن إيجاد الماهية في أيّ فرد من الأفراد فهي مستلزمة العموم ، والوالد قدسسره معترف في النهي بما ذكرناه (٤) (٥) .
وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر من الرواية أنّ الماء ملك لقوم ، ولا ريب أنّ التصرف في مال الغير مشروط بما لا يضر بحال الماء بالنسبة إلىٰ طبائعهم ،
__________________
(١) المعتبر : ١ / ٥٦ ، ذكرىٰ الشيعة ١ : ٨٧ ، المختلف ١ : ٢٦ .
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٦١ .
(٣) منتقىٰ الجمان : ١ / ٥٩ .
(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٥٨ .
(٥) هنا زيادة غير واضحة في « د » .
أو البئر مباح ، ويراد بالقوم جميع المسلمين ، وقد يشكل الحال بأنّ من لا يعلم لا حرج عليه ولا نفرة له ، إلّا أن يقال : إنّ السبب لا يجوز فعله . وفيه ما فيه ، وعلىٰ كلّ حال فلا يمكن الرجوع إلىٰ ضابط في الإفساد جزماً يرجع إليه ، فعلىٰ تقدير عدم العموم في الإفساد يراد ما يتحقق به ، ولا ريب أنّ إرادة غير النجاسة لا وجه لاختصاصه ، بل الظاهر إمّا النجاسة أو هي وما ضاهاها والحصر في غيرها محل كلام .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث يدل بظاهره علىٰ ما قالوه : إنّ غسل الجنب في البئر يفسده ، والإفساد إمّا لسلب الطهوريّة أو سلب الطهارة ، وبالأول قال جماعة (١) وصرّح جدي قدسسره بالثاني في شرح الإرشاد ، فإنّه قال : والعلّة فيه ـ أي في النزح ـ نجاسة البئر بذلك وإن كان بدنه خالياً من نجاسة ، ولا بعد فيه بعد ورود النص (٢) . وهذا غريب منه قدسسره فإنّ النص لا صراحة فيه ، ومع الاحتمال كيف يتم ما ذكره .
أمّا ما ذكره بعض : من أن مقتضىٰ الخبر النهي عن الإفساد ، فإذا كان الغسل مفسداً كان منهياً عنه ، ومع النهي لا إفساد لفساد الغسل ، فلا يتمّ الاستدلال بالرواية (٣) .
فقد اُجيب عنه : بأنّ النهي ليس عن العبادة ، بل عن الوقوع في الماء وإفساده ، وهو إنّما يتحقق بعد الحكم بطهر الجنب لا بمجرّد دخوله في البئر ، فلا يضر هذا النهي لتأخّره وعدم كونه عن نفس العبادة . إلّا أن يقال : الوسيلة إلىٰ المحرّم محرّمة وإن كانت قبل زمانه (٤) . وفيه بحث ذكرناه في موضعه .
__________________
(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٧٠ ، والعلّامة في المختلف ١ : ٥٥ .
(٢) روض الجنان : ١٥٤ .
(٣) جامع المقاصد ١ : ١٤٣ ، ونقله عنه في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٧٥ .
(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٧٥ ، روض الجنان : ١٥٤ .
والذي يمكن أن يقال هنا : إنّ الغسل لا ريب أنّ نفسه هو المفسد ، والظاهر من النهي إنّما هو عن الاغتسال وإجراء الماء علىٰ العضو والحركة والنية ، فيكون النهي متوجّهاً إلىٰ الغسل وجزئه علىٰ تقدير دلالة الخبر .
وينقل عن ابن إدريس أنّه خصّ الحكم بالارتماس مدّعياً عليه الإجماع (١) .
وذكر بعض المتأخّرين أنّ الجنب إذا اغتسل مرتمساً طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتّبا أجزأه غسل ما غسله قبل دخول الماء إلىٰ البئر (٢) . وهذا يقتضي أن يصير الماء مستعملاً بأول جزء من الغسل ، وقد بيّنا في حاشية الفقيه ما يدل علىٰ أنّ المستعمل لا يتحقق بذلك ، وقدّمنا أيضاً في هذا الشرح ما يدل علىٰ ذلك .
وحكي جدّي قدسسره في شرح الإرشاد : أنّ مذهب العلّامة في المختلف وشيخه المحقق أنّ الحكم بالنزح لكونه مستعملاً فيكون لسلب الطهورية ، قال : ويشكل بإطلاق النصوص وبحكم سلّار وابن إدريس وجماعة من المتأخّرين بوجوب النزح مع طهورية المستعمل عندهم ، وباستلزامه القول بعدم وجوب النزح ، لأنّه فرّعه علىٰ القول بسقوط طهورية المستعمل ، وهو لا يقول به ، فيلزم عدم القول بالنزح ، والذي اختاره في المنتهىٰ هو التعبد (٣) انتهىٰ .
والذي في المختلف هذه صورته : بقي هنا بحث وهو أن يقال : إذا
__________________
(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٥٣ ، وهو في السرائر ١ : ٧٢ و ٧٩ .
(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ .
(٣) روض الجنان : ١٥٤ .
كان البدن خالياً من نجاسة عينيّة فأيّ سبب أوجب نزح السبع وبأيّ اعتبار يفسد ماء البئر ؟ .
والجواب أن يقال : اختلف علماؤنا في الماء المستعمل في الطهارة الكبرىٰ هل يرتفع عنه حكم الطهورية لغيره أم لا ؟ فبعض علمائنا أفتىٰ بالأول ، وبعضهم أفتىٰ بالثاني ، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله ، فالمقتضي للنزح كونه مستعملاً في الطهارة الكبرىٰ وهذا إنّما يتمشىٰ عند الشيخين أمّا نحن فلا ، والعجب أنّ ابن إدريس ذهب إلىٰ ما اخترناه من بقاء حكم الطهورية في المستعمل وأوجب النزح هنا ، إذا عرفت هذا فالأقوىٰ عندي بناءً علىٰ قول الشيخين كون الماء طاهراً وإن ارتفع عنه حكم الطهورية (١) . انتهىٰ .
وهذا الكلام يعطي خلاف ما قاله جدّي قدسسره وبالجملة فالأقوال في المسألة مضطربة كما يعلم من مراجعة كتب الأصحاب ، والله تعالىٰ أعلم بالصواب .
قال :
فأما ما رواه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، قال : حدثني محمد بن ميسر (٢) ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل الجنب ينتهي إلىٰ الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال :
__________________
(١) المختلف ١ : ٥٤ .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ : محمد بن عيسىٰ ، وما هنا موافق للتهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٥ ، والكافي ٣ : ٤ / ٢ .
« يضع يده ويتوضّأ ويغتسل ، هذا ممّا قال الله تعالىٰ ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) » .
فالوجه في هذا الخبر هو أن يأخذ الماء من المستنقع بيده ولا ينزله بنفسه ويغتسل يصب الماء علىٰ البدن ، ويكون قوله : ويداه قذرتان ، إشارة إلىٰ ما عليها (٢) من الوسخ دون النجاسة لأنّ النجاسة تفسد الماء (٣) إذا كان قليلاً علىٰ ما قدّمنا القول فيه .
السند :
حسن ، وابن مسكان هو عبد الله كما يعرف من ممارسة الرجال ، ثم إنّ عبد الله بن مسكان نقل العلّامة في الخلاصة عن النجاشي : أنّ فيه روىٰ أنّه لم يسمع من الصادق عليهالسلام إلّا حديث : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » (٤) .
وهذا لم نجده في النجاشي ، لكنه في الكشي بهذه الصورة : محمد ابن مسعود ، قال : حدثني محمد بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسىٰ ، عن يونس ، قال : لم يسمع حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام إلّا حديثاً أو حديثين ، وكذلك عبد الله بن مسكان إلّا حديث : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » انتهىٰ (٥) .
والذي في كتب الحديث من روايات عبد الله بن مسكان بلفظ : قال
__________________
(١) الحج : ٧٨ .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ : عليهما .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ زيادة : علىٰ البدن .
(٤) خلاصة العلّامة : ١٠٦ / ٢٢ .
(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٨٠ / ٧١٦ .
أبو عبد الله ، وعن أبي عبد الله ، كثير ، ففي الكافي في باب المكارم (١) ، وباب النهي عن الإشراف علىٰ قبر النبي صلىاللهعليهوآله (٢) ، وباب الاغتسال (٣) ، وفي باب طلب الرئاسة (٤) بلفظ : سمعت عبد الله عليهالسلام يقول ، وبلفظ « عن » في التهذيب في حديث : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان أشدّ الناس توقّياً عن البول » (٥) .
وفي هذا الكتاب في باب ولوغ الكلب (٦) ، وفي باب الخروج إلىٰ الصفا من التهذيب ، عن ابن مسكان قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام (٧) .
وبالجملة : فالرواية مع ما فيها من الإشكال بالنسبة إلىٰ رواية محمد بن عيسىٰ عن يونس يردّها وجود ما ذكرناه ، والإرسال في مثله في غاية البعد .
المتن :
ظاهره عدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة ، ويؤيّده ذكر الآية الشريفة ، ولو حمل علىٰ القلّة الإضافية فيكون كرّاً لا يناسب ذكر الآية ، وأظن أنّه لا بد من هذا الحمل .
وأمّا حمل الشيخ فلا يخلو من غرابة :
__________________
(١) الكافي ٢ : ٥٦ / ٢ .
(٢) الإشارة إلىٰ باب النهي عن الاشراف خطأ ، والصحيح : باب مولد أمير المؤمنين عليهالسلام . الكافي ١ : ٤٥٢ / ١ .
(٣) الكافي ٣ : ١٣٩ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ١ .
(٤) الكافي ٢ : ٢٩٧ / ٣ ، الوسائل ١٥ : ٣٥٠ أبواب جهاد النفس ب ٥٠ ح ٤ .
(٥) التهذيب ١ : ٣٣ / ٨٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢ ح ٢ .
(٦) الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٣ ، الوسائل ١ : ٢٢٨ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٦ .
(٧) التهذيب ٥ : ١٥٣ / ٥٠٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٤ ح ٢ .
أمّا أوّلاً : فلأنّ حمل القذر علىٰ الوسخ لا يناسب ذكر الآية .
وأمّا ثانيا : فلأنّ الاغتسال خارج الماء ـ مع عدم موافقته للآية ـ إمّا أن يكون لأنّ الماء يصير مستعملاً بنزوله إليه ، أو لكون البدن لا يخلو من نجاسة ، وكلا الأمرين مشكل :
أمّا الأوّل : فلأنّ مجرد النزول لا يصيّره مستعملاً إلّا أن يحمل علىٰ النهي عن الغسل ، ولا يظنّ أنّ قوله : ويغتسل ، متعلق بقوله : ولا ينزله . بل هو كلام مستقل .
وأمّا الثاني : فلأنّ إطلاق استعمال الماء مع عدم ما يدل علىٰ أنّه لا ينبغي وصول الغسالة إليه غير لائق ، إلّا أن يقال : إنّ السائل فهم ذلك ، وعلىٰ تقدير النهي عن الاغتسال فصيرورة الماء مستعملاً بمجرّد الغسل مشكل ، فالإطلاق من الشيخ هو الموجب للغرابة ، وإن كان تأويله لا يخلو من وجه ، فليتأملّ .
قال :
أبواب الحيض والاستحاضة والنفاس
باب ما للرجل من المرأة إذا كانت حائضاً
أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد وأحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقىٰ موضع الدم » .
وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن ، عن محمد بن علي ، عن