محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-103-6
الصفحات: ٤٧١
الأقطاب الأربعة ١ ـ العبادات ٢ ـ العقود ٣ ـ الإيقاعات ٤ ـ السياسات |
|
|
القطب الأول : العبادات كتاب الصلاة |
وأمّا الأقطاب فأربعة :
أولها : العبادات ، وهو : فعل وشبهه مشروط بالقربة. وللجهاد ونحوه غايتان ، فمن حيث الامتثال المقتضي للثواب عبادة ، ومن حيث الإعزاز وكف الضرار لا يشترط فيه التقرّب ، وما اشتمل عليه باقي الأقطاب من مسمى العبادة من هذا القبيل.
وأما الكفارات والنذور فمن قبيل العبادات ، ودخولها في غيرها تغليبا أو تبعا للأسباب.
وثانيها : العقود ، وهو : صيغة مشروطة باثنين ـ ولو تقديرا ـ لترتّب أثر شرعي.
وثالثها : الإيقاعات ، وهو : صيغة يترتّب أثرها بواحد.
ويطلق على هاتين : المعاملات.
ورابعها : السياسات ـ وتسمى : الأحكام ، بمعنى أخص ـ وهو : ما لا يتوقف على قربة ولا صيغة غالبا.
وتقريب الحصر : أنّ الحكم إمّا أن يشترط فيه القربة أو لا ، والأول العبادات ، والثاني : اما ذو صيغة أو لا ، والثاني السياسات. والأول : اما وحدانيّة أو لا ، والأول الإيقاعات والثاني العقود.
القطب الأول في العبادات : كتاب الصلاة :
وهي لغة : الدعاء.
قال الله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (١).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وصلّت عليكم الملائكة » (٢) ، « وإذا أكل عند الصائم صلّت عليه الملائكة » (٣).
وقال الشاعر (٤) :
.......... |
|
وصلّ على دنها
وارتسم |
وقال (٥) :
عليك مثل الذي
صليت فاغتمضي |
|
.......... |
على ان أهل اللغة أوردوا الصلاة بمعناها الشرعي جاعليه أصلا ، وجعلوها فعلة من صلّى ، أي : حرّك صلويه ، لأن المصلي يفعل ذلك ، أو من صليت العود ، أي : ليّنته ، لأن المصلي يليّن قلبه وأعضاءه لخشوعه.
وشرعا : أفعال مفتتحة بالتكبير ، مشترطة بالقبلة للقربة ، فتدخل الجنازة.
وقيل : أركان مخصوصة ، وأذكار معلومة الشرائط ، مخصوصة في أوقات
__________________
(١) سورة التوبة : ١٠٣.
(٢) مسند أحمد ٣ : ١٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٦ ح ١٧٤٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٧ : ٣٥٠ ح ٥٢٧٢.
(٣) مسند أحمد ٦ : ٣٦٥ ، سنن الدارمي في ٢ : ١٧.
(٤) ديوان الأعشى : ١٩٦. وصدره :
وقابلها الريح في دنها |
|
.......... |
(٥) ديوان الأعشى : ١٠٦ ، وعجزه :
.......... |
|
يوما فان لجنب المرء مضطجعا |
مقدّرة تقربا الى الله.
ودليل وجوب ما يجب منها : قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (١).
وقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (٢).
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة ان لا إله إلاّ الله ، واقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان » (٣).
والإجماع منعقد على وجوب : اليومية ، والجمعة ، وبعض الملتزمة.
وإجماعنا على الباقي ، وتسمى : التسبيح ، من قوله تعالى ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (٤) ، ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) (٥). والسبحة غالبة في النفل.
ومنه قوله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ستدركون أقواما يصلّون لغير وقتها ، فصلوا في بيوتكم ، ثمّ صلّوا معهم واجعلوها سبحة » (٦).
وقول الإمام الصادق عليهالسلام : « فإذا زالت الشمس لا يمنعك الاّ سبحتك » (٧).
والصلاة إمّا واجبة ، أو مستحبة. والواجب سبع : اليومية ، والجمعة ، والعيدين ، والآية ، والطوافية ، والجنازة ، والملتزمة بسبب من المكلّف.
وفضلها ظاهر. قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « انّ عمود الدين
__________________
(١) سورة البقرة : ٤٣.
(٢) سورة النساء : ١٠٣.
(٣) مسند أحمد ٢ : ١٢٠ ، صحيح البخاري ١ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥ ح ١٦ ، الجامع الصحيح ٥ : ٥ ح ٢٦٠٩ ، سنن النسائي ٨ : ١٠٧.
(٤) سورة الروم : ١٧.
(٥) سورة ق : ٣٩.
(٦) مسند أحمد ١ : ٣٧٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٩ ح ١٢٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، السنن الكبرى ٣ : ١٢٧.
(٧) الكافي ٣ : ٢٧٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢ ح ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ ح ٩٣٢.
الصلاة » (١) ، وهو من مفهوم الحصر ، وبيانه في قوله عليه الصلاة والسلام : « وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، فان صحّت نظر في عمله ، وان لم تصح لم ينظر في بقيّة عمله » ورواه عنه أمير المؤمنين علي عليهالسلام (٢).
وشبهها أمير المؤمنين عليهالسلام بالنهر الجاري على باب ، من يغتسل منه في اليوم والليلة خمس مرات ، فكما لا يبقى على المغتسل درن لم يبق على المصلي ذنب (٣).
وقال الصادق عليهالسلام : « حجّة أفضل من الدنيا وما فيها ، وصلاة فريضة أفضل من ألف حجّة » (٤).
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٦.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٦.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ١٦١ ح ٧٤ ، مجمع البيان : ٢٠١ ، عن علي عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي التهذيب ٢ : ٢٣٧ ح ٩٣٨ عن الباقر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي الفقيه ١ : ١٣٦ ح ٦٤٠ مرسلا.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٠ ح ٩٥٣.
وشروط الصلاة ستة في ستة أبواب :
الباب الأول : الطهارة :
وهي لغة : النزاهة من الأدناس.
وشرعا : استعمال الماء ، أو الصعيد لإباحة العبادة. وتطلق على الاستعمال للقربة وازالة الخبث مجازا ، والثلج والوحل داخلان.
فالنظر : اما في المستعمل ، وهو : المكلّف وحكمه. والمستعمل ، وهو : الماء والصعيد. والمستعمل له ومنه ، وهو : الأسباب الفاعلية كالإحداث ، والغائية كالعبادة. والاستعمال.
فهاهنا فصول أربعة :
الفصل الأول : في المستعمل الاختياري :
وهو : الماء. قال الله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١) والطهور هو المطهّر ، لقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (٢) وذلك هو المطلق ، أي : المستغني عن قيد ، الممتنع السلب.
واختصاصه بإزالة الحدث والخبث من بين المائعات إمّا تعبدا ـ أي : لا لعلّة معقولة ـ فيجب الاقتصار عليه ، أو لاختصاصه بمزيد رقة وطيب ، وسرعة اتصال وانفصال ، بخلاف غيره فإنه لا ينفك من أضدادها ، حتى أنّ ماء الورد لا يخلو من لزوجة ، وأجزاء منه تطهر عند طول مكثه ما دام كذلك.
ويعرض له أمور ثمانية :
الأول : زوال الاسم بحيث يلزم الإضافة ، كماء الدقيق والزعفران. ومن ثم لا يحنث الحالف على الماء بشربه ، فيخرج عن الطهورية ، فالمعتصر أولى بالمنع. وكذا ما لا يقع عليه اسم الماء ، كالصبغ والمرقة والحبر.
وإنّما لا يطهر المضاف ، لقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٣).
وقول الصادق عليهالسلام : « إنّما هو الماء أو الصعيد » (٤) ، وهو للحصر.
وقول الصدوق أبي جعفر بن بابويه ـ رحمهالله ـ بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد (٥) لرواية محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن عليهالسلام (٦) ، يدفعه : سبق الإجماع وتأخره ، ومعارضة الأقوى ، ونقل الصدوق ان
__________________
(١) سورة الفرقان : ٤٨.
(٢) سورة الأنفال : ١١.
(٣) سورة النساء : ٤٣.
(٤) التهذيب ١ : ١٨٨ ح ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٥ ح ٥٣٤ ، وفيهما : « والصعيد ».
(٥) الهداية : ١٣.
(٦) الكافي ٣ : ٧٣ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢١٨ ح ٦٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٤ ح ٢٧.
محمد بن الوليد لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس ، واستثنى الصدوق ما انفرد به أيضا (١).
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي ـ رحمهالله ـ : هي شاذة ، أجمعنا على ترك العمل بظاهرها ، وحملها على التحسين والتنظيف ، أو على مطلق مجاور الورد (٢).
وظاهر الحسن بن أبي عقيل ـ رحمهالله ـ حملها على الضرورة ، وطرد الحكم في المضاف والاستعمال (٣).
قال الشيخ المحقق نجم الدين ـ رحمهالله ـ : اتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات (٤).
وقول المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ برفعه الخبث ، لإطلاق ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، وقول النبي عليهالسلام في المستيقظ : « لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها » ، وكذا قولهم عليهمالسلام : « انما يغسل الثوب من المني والدم » والمضاف يصدق عليه التطهير والغسل (٥) ، يدفعه ما ذكر ، ومعارضته بتخصيص الغسل
__________________
(١) حكاه عنه النجاشي في رجاله ١ : ٣٣٣.
(٢) التهذيب ١ : ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ١٤.
(٣) مختلف الشيعة : ١٠.
(٤) في المعتبر ١ : ٨٢ بعد ان ذكر خلاف الصدوق في ماء الورد ودليله وإبطاله ، قال : فرع : لا يجوز الوضوء بماء النبيذ ، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة فيه ، ثم أخذ في الاستدلال عليه ، وقال بعد ذلك : واتفق الناس جميعا انه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات.
قال الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام ١ : ٣١٢ بعد ذكر ذلك : والظاهر أن مرجع الضمير انما هو النبيذ ، لكنه في الذكرى نقل عنه هذه العبارة بإبدال ضمير غيره بماء الورد ، ومثله في المدارك ١ : ١١٢ ولعلهما عثرا على غير ما عثرنا عليه ، أو يكون فهما منه ذلك لكونه في معرض الرد على أبي حنيفة.
(٥) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة : ١١.
والآية في سورة المدثر : ٤٠.
والحديث الأول في : مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، صحيح البخاري ١ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٣ ح ٢٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٨ ح ٣٩٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥ ح ١٠٣ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٦ ح ٢٤ ، سنن النسائي ١ : ٦.
بالماء في قول الصادق عليهالسلام : « وإذا وجد الماء غسله » (١) ، والمطلق يحمل على المقيد ، ولأن الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء.
وكذا لا يستعمل النبيذ إجماعا. ورواية عبد الله بن المغيرة بجوازه عن النبي عند عدم الماء (٢) مرسلة ، مخالفة للوفاق ، مأوّلة بتمرات يسيرة لا تغيّر الماء ، كما تضمّنته رواية الكليني عن الصادق عليهالسلام (٣). وأفتى به الصدوق مقيدا بعدم تغيّر لون الماء (٤).
فروع :
الأول : لو تغيّر بالتراب أو الملح فأضيف إليهما لم يقدح ، لبقاء الاسم ، وعدم الإضافة ، وللأمر بتعفير الإناء بالتراب ، وجواز الطهارة بماء البحر على ما يأتي ، ولا فرق بين الملح الجبلي والمائي. وكذا لو تغيّر بورق الشجر مع بقاء الاسم.
الثاني : لو خالط الماء غير سالب الاسم ، جاز استعمال الجميع ، للاستهلاك.
الثالث : لا عبرة بالقصد في الخلط بل بالاسم ، لأن الحكم تابع له.
الرابع : لو مزج بموافقة في الصفات ـ كمنقطع الرائحة من ماء الورد ـ فالحكم للأكثر عند الشيخ ، فان تساويا جاز الاستعمال (٥).
والقاضي ابن البراج يمنعه ، أخذا بالأصل والاحتياط (٦).
والشيخ الفاضل جمال الدين ـ رحمهالله ـ : يقدّر المخالفة ، كالحكومة في
__________________
والحديث الثاني سيأتي في ص ١١٢ الهامش ١ عن النبي ٦.
(١) التهذيب ١ : ٢٧١ ح ٧٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٨٧ ح ٦٥٥.
(٢) التهذيب ١ : ٢١٩ ح ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ ح ٢٨.
(٣) الكافي ٦ : ٤١٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠ ح ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٦ ح ٢٩.
(٤) الفقيه ١ : ١١.
(٥) المبسوط ١ : ٨.
(٦) المهذب ١ : ٢٤.
الحرّ (١). فحينئذ يعتبر الوسط في المخالفة ، فلا يعتبر في الطعم حدة الخلّ ، ولا في الرائحة ذكاء المسك.
وينبغي اعتبار صفات الماء في العذوبة والرقة والصفاء وأضدادها ، ولا فرق هنا بين قلة الماء وكثرته.
ولو مزج بالمستعمل في الأكبر ، انتظم عند الشيخ اعتبار الكمية (٢) وان كان بالكر يبنى على أنّ بلوغه كرا لا يرد الطهورية ، ويمكن فيه تقدير المخالفة كالأول.
الخامس : إذا جوز استعمال المخلوط غير الغالب وجب تعيينا أو تخييرا.
لصدق اسم الماء. والشيخ : يجوز ولا يجب. لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط (٣) وفيه منع ظاهر.
قاعدة :
ينجس المضاف بالملاقاة إجماعا. لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الفأرة تموت في السمن : « ان كان مائعا فلا تقربوه » (٤) فيحرم استعماله ، لقوله تعالى : ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (٥) إلاّ لضرورة ، للحرج.
وطهّره في المبسوط بأغلبية كثير المطلق عليه وزوال أوصافه (٦) لتزول التسمية التي هي متعلّق النجاسة.
والفاضل جمال الدين ـ رحمهالله ـ تارة بزوال الاسم وان بقي الوصف ، لأنّه تغيّر بجسم طاهر في أصله. وتارة لمجرد الاتصال وان بقي الاسم ، لأنّه لا سبيل
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢ ، مختلف الشيعة : ١٤.
(٢) المبسوط ١ : ٨.
(٣) المبسوط ١ : ٨.
(٤) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٨٤ ح ٢٧٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٤ ح ٣٨٤٢ ، السنن الكبرى ٩ : ٣٥٣.
(٥) سورة المدثر : ٥.
(٦) المبسوط ١ : ٥.
إلى نجاسة الكثير بغير تغيّر بالنجاسة وقد حصل (١). والثاني أشبه.
أما الخمر ومشتدّ العصير فبالخلّية ، ويختص العصير بذهاب الثلثين ، للخبر (٢).
والأقرب في النبيذة المساواة ، لثبوت تسميته خمرا. ولو قلنا بنجاسة عصير التمر بالاشتداد ، فالأشبه أنه كالعنب.
اما غليان القدر فغير مطهر وان كانت النجاسة دما في الأحوط.
والمشهور : الطهارة مع قلّة الدم ، للخبر عن الصادق عليهالسلام (٣) والرضا عليهالسلام (٤) ، صحّحه بعض الأصحاب (٥) ، وطعن فيه الفاضل ـ رحمهالله ـ في المختلف بجهالة بعض رواته (٦). ويندفع بالمقبولية.
ونسبه ابن إدريس إلى الشذوذ ـ مع اشتهاره ـ والى مخالفة الأصل من طهارة غير العصير بالغليان (٧).
وهو مصادرة ، والخبر معلّل بان النار تأكل الدم ، ففيه إيماء إلى مساواة العصير في الطهارة بالغليان ، ولجريان مجرى دم اللحم الذي لا يكاد ينفك منه.
والحمل على دم طاهر بعيد.
العارض الثاني : زوال أحد أوصافه مع بقاء اسمه ، فان كان بطاهر لم ينجس في المشهور ، لإطلاق اسم الماء عليه ، ولعدم انفكاك السقاء أول استعماله من التغير ، ولم ينقل عن الصحابة الاحتراز منه ، ولم يستدل في الخلاف عليه بالإجماع (٨).
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٥ ، مختلف الشيعة : ١٤.
(٢) الكافي ٦ : ٤١٩ ح ١ ، التهذيب ٩ : ١٢٠ ح ٥١٦.
(٣) الكافي ٦ : ٢٣٥ ح ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٦ ح ١٠٠٥.
(٤) الكافي ٦ : ٤٢٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٧٩ ح ٨٢٠.
(٥) نزهة الناظر : ٢٠.
(٦) مختلف الشيعة : ٦٨٥.
(٧) السرائر : ٣٧٠.
(٨) الخلاف ١ : ٥٧ المسألة : ٧.
وكذا لو تغير بنفسه ، وان كره الطهارة به اختيارا ، لرواية الحلبي عن الصادق عليهالسلام في الوضوء به (١) والغسل أولى لقوته ، وازالة الخبث أحرى ، لأنّ العينية أشدّ من الحكمية.
وإن كان بنجس ، فان كان بمجرد مرور الرائحة من غير ملاقاة لم ينجس ، للأصل. وان كان بملاقاته نجس مطلقا ، لقول النبي عليهالسلام : « خلق الله الماء طهورا ، لا ينجسه الاّ ما غير طعمه أو ريحه » (٢) ، وفي بعضها : « لونه » (٣).
وعن الصادق عليهالسلام : « إذا تغير الماء وتغير الطعم ، فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (٤).
وعنه عليهالسلام : « إذا كان النتن الغالب على الماء ، فلا يتوضأ ولا يشرب » (٥).
والجعفي وابنا بابويه لم يصرحوا بالأوصاف الثلاثة ، بل اعتبروا أغلبية النجاسة للماء (٦) وهو موافقة في المعنى.
ولو توافق الماء والنجاسة في الصفات ، فظاهر المذهب بقاء الطهارة ، لعدم التغيّر ، والعلاّمة على أصله السابق (٧) وحينئذ ينبغي فرض مخالف أشد أخذا
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢١٧ ح ٦٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٢ ح ٢٠.
(٢) تلخيص الحبير ١ : ١٠٠. ونحوه في المصنف لعبد الرزاق ١ : ٨٠ ح ٢٤٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٨ ، السنن الكبرى ١ : ٢٥٩.
(٣) عوالي اللئالي ١ : ٧٦ ح ١٥٤ ، ٢ : ١٥ ح ٢٩. ونحوه في سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ ح ٥٢١ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٦.
(٤) الكافي ٣ : ٤ ، التهذيب ١ : ٢١٦ ح ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢ ح ١٩.
(٥) التهذيب ١ : ٢١٦ ح ٦٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢ ح ١٨.
(٦) الفقيه ١ : ١١ ، المقنع : ١١.
(٧) تقدم في ص ٧٤ ـ ٧٥ الهامش ١.
بالاحتياط.
ولو شك في استناد التغير إلى النجاسة بنى على الأصل ، ولو ظنّه فالطهارة أقوى ، لقول الصادق عليهالسلام : « الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر » (١) وحمل العلم على شامل الظن مجاز
ولا عبرة بغير الصفات الثلاثة ، لدلالة الاستثناء على الحصر ، فماء البحر طهور ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الطهور ماؤه » (٢).
والثلج طهور ، فان تعذر الغسل به وأمكن الدلك وجب ، وأجزأ إن جرى. واقتصر الشيخان على الدهن (٣).
ونازع ابن إدريس بناء على فهم المسح منه (٤).
والمرتضى وسلار أوجبا التيمم بنداوته (٥).
وقول الصادق عليهالسلام : « هو بمنزلة الضرورة يتيمم » (٦) يحتمل ذلك.
ويحتمل أن يراد التيمم بالتراب.
والظاهر : قول الشيخين ، فيقدّم على التيمم.
ولو لاقته نجاسة فكالجامد ، لعدم السريان ، وكذا الجمد ، ويطهران بالكثير مع زوال العين.
والمسخن بالنار جائز ، وهو مروي عن تقرير النبي (٧) وفعله ، وفعل الصادق
__________________
(١) الكافي ٣ : ١ ح ٢ ، ٣ ، التهذيب ١ : ٢١٥ ح ٦١٩.
(٢) الموطأ ١ : ١٢٢ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٣٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٦ ح ٣٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢١ ح ٨٣ ، الجامع الصحيح ١ : ١٠٠ ح ٦٩.
(٣) المقنعة : ٨ ، النهاية : ٤٧ ، الخلاف ١ : ١ المسألة ٣.
(٤) السرائر : ٢٥.
(٥) المراسم : ٥٣ ، وحكاه عن المرتضى : ابن إدريس في السرائر : ٢٦ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ٤٩.
(٦) الكافي ٣ : ٦٧ ، التهذيب ١ : ١٩١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ ح ٥٤٤.
(٧) السنن الكبرى ١ : ٥.
عليهالسلام (١).
نعم ، لو اشتدت السخونة بحيث تفضي إلى عسر الإسباغ فالأولى الكراهية ، لفوات الأفضلية.
ويكره في غسل الميت ، لنهي الصادق عليهالسلام عنه (٢) إلاّ لضرورة الغاسل بالبرد للحرج.
والشمس في الآنية مكروه في الطهارة والعجين ، للخبر (٣) ولا فرق في الآنية ، والبلدان ، والقصد وبقاء السخونة وعدمهما (٤) للعموم.
وابن الجنيد : الكبريتي كذلك ، وابن البراج : يكره استعماله (٥).
نعم ، يكره التداوي به قطعا ، لقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « انها من فوح جهنم » (٦).
وطهر الجاري بالتدافع ، والكثير بتموّجه ان بقي كرا فصاعدا غير متغير ، والا فبإلقاء كرّ عليه متصل فكر حتى يزول تغيره. ولو عولج بغير الماء ثم به طهر ، ولو وقعا معا أمكن ذلك ، لزوال المقتضي. ولو قدّر بقاء الكر الطاهر متميزا ، وزال التغير بتقويته بالناقص عن الكر ، أجزأ.
ولا تحقق للجريات بالاستقلال في الأنهار العظيمة إجماعا ، ولا في المعتدلة عندنا. للاتصال المقتضي للوحدة. ويلزم منجس الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغير ، وهو ظاهر البطلان.
ولا يكفي زوال التغير من نفسه ، أو بتموّجه نجسا ، أو بملاقاة جسم طاهر
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٩٨ ح ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٤.
(٢) الكافي ٣ : ١٤٧ ، التهذيب ١ : ٣٢٢ ح ٩٣٧.
(٣) الكافي ٣ : ١٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ ح ١١٧٧.
(٤) في س وط : وعدمها.
(٥) المهذب ١ : ٢٧.
(٦) المحاسن : ٥٧٩ ، الكافي ٦ : ٣٨٩ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٤ ح ٢٥.
ساتر ، أو مزيل للاستصحاب ، ولأنه كما لا ينجس إلاّ بوارد لا يطهر الا بوارد ، وهو إلزام. ويلزم من قال بطهارة المتمّم طهره بذلك ، وقد صرح به بعض الأصحاب (١) ، لأصالة الطهارة في الماء والحكم بالنجاسة للتغير ، فإذا زال سبب النجاسة عمل الأصل عمله.
مسائل :
الاولى : لا ينجس الجاري بالملاقاة إجماعا ، ولا يعتبر فيه الكرية في المشهور ـ لم أقف فيه على مخالف ممن سلف ـ لعدم استقرار النجاسة ، ولنص الصادق عليهالسلام على رفع البأس عن بول الرجل في الجاري (٢).
والعلاّمة اعتبره ، لعموم اعتبار الكرية (٣). وهو يتم في غير النابع.
ويلحق به :
ماء الغيث نازلا. لحكم الصادق عليهالسلام بطهارة الممتزج بالغيث والبول ، وقال : « ما اصابه من الماء أكثر منه » (٤).
وطينه ، لقول أبي الحسن عليهالسلام في طين المطر : « لا بأس أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلاّ أن تعلم نجاسته ، وان أصابه بعد ثلاثة فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفا لم تغسله » (٥) ويمكن حمل طين غيره عليه.
وماء الحمام بالمادة ، لنص الباقر (٦) والصادق (٧) عليهماالسلام.
والأظهر : اشتراط كثرتها حملا للمطلق على المقيد.
__________________
(١) كابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٨.
(٢) التهذيب ١ : ٣١ ح ٨١ ، و ٤٣ ح ١٢١ ، الاستبصار ١ : ١٣ ح ٢٣.
(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٢.
(٤) الفقيه ١ : ٧ ح ٤.
(٥) الكافي ٣ : ١٣ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ ح ١٦٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٧ ح ٧٨٣ ، باختصار في الألفاظ.
(٦) الكافي ٣ : ١٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ ح ١١٦٨.
(٧) الكافي ٣ : ١٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ ح ١١٦٩.
وفي المعتبر : لا يشترط ، لإطلاق الخبر والعسر (١).
ولو شك في الكرية استصحب السابق.
وعلى اشتراط الكرية في المادة : يتساوى الحمام وغيره ، لحصول الكرية الدافعة للنجاسة. وعلى العدم ، فالأقرب : اختصاص الحمام بالحكم ، لعموم البلوى ، وانفراده بالنص.
الثانية : لا ينجس الكثير بالملاقاة ، وفاقا لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا » (٢) ـ وروي « قلتين » (٣) ـ وقول الصادق عليهالسلام : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء » (٤).
ويستعمل بأسره ، ولا يجب إبقاء قدر النجاسة ، لاستهلاكها. ولو كانت قائمة بلا تغير ، لم يجب التباعد بمقدار القلّتين ، لعدم انفعال الماء. ولو اغترف منه فنقص عن الكر ، فالمأخوذ طاهر لا ظاهر الإناء ، وتجنّبه أولى.
وقول الجعفي : وروي الزيادة على الكر ، راجع الى الخلاف في تقديره.
والمشهور : بلوغ تكسيره اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبرا بمستوي الخلقة ، لقول الصادق عليهالسلام في رواية أبي بصير : « إذا كان ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » (٥) و « في » للضرب ، ولأنه يلزمه ذلك.
والقميّون أسقطوا النصف (٦) ، لصحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق عليهالسلام (٧). وترجّح الأولى بالشهرة والاحتياط.
__________________
(١) المعتبر ١ : ٤٢.
(٢) عوالي اللئالي ١ : ٧٦ ح ١٥٦.
(٣) مسند أحمد ٢ : ١٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٧ ح ٦٣ ، الجامع الصحيح ١ : ٩٧ ح ٦٧ ، سنن النسائي ١ : ٤٦ مسند أبي يعلى ٩ : ٤٣٨ ح ٥٥٩٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٥.
(٤) الكافي ٣ : ٢ ح ١ ، ٢ ، الفقيه ١ : ٨ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ح ١٠٧ ، ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٦ ح ١ ، ٢.
(٥) الكافي ٣ : ٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢ ح ١١٦ ، الاستبصار ١ : ١٠ ح ١٤.
(٦) كالصدوق في الفقيه ١ : ٦ ، والمقنع : ١٠.
(٧) الكافي ٣ : ٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٧ ح ١٠١ ، الاستبصار ١ : ١٠ ح ١٣.