السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣
المكي برواية الصّحابة والتابعين عن معاوية ، على علم معاوية وفقهه (١) ...
وقال ابن قيم الجوزيّة بأنّ مجرّد رواية العدل عن غيره تعديل له على أحد القولين ، وإن لم ينص الراوي على ثقة المروي عنه.
٥ ـ توثيق أبي حاتم
وقد وثّقه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، قال الذهبي : « عبّاد بن يعقوب الرّواجني ، أبو سعيد ، شيعي جلد ، عن الوليد بن أبي ثور وشريك وعدّة. عنه ( خ ) مقرونا و ( ت ـ ق ) وابن خزيمة وابن صاعد وخلق. وثّقه أبو حاتم. توفي سنة ٢٥٠ » (٢).
وفي ( تهذيب التهذيب ) : « قال أبو حاتم : شيخ ثقة » (٣).
وقال ابن حجر : « عبّاد بن يعقوب الرواجني الكوفي ، أبو سعيد ، رافضي مشهور إلاّ أنّه كان صدوقا ، وثّقه أبو حاتم ... » (٤).
وتوثيق أبي حاتم يكفي للاعتماد على الرجل ، فإنّ ( كلّ الصيّد في جوف الفرا ) لأن الذهبي الذي تعصّبه وتعنته ظاهر جلي قال بترجمة أبي حاتم ما لفظه : « إذا وثّق أبو حاتم رجلا فتمسّك بقوله فإنّه لا يوثّق إلاّ رجلا صحيح الحديث ، وإذا ليّن رجلا أو قال فيه : لا يحتج به فتوقّف حتى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثّقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنّه متعنّت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك » (٥).
__________________
(١) تطهير الجنان ـ هامش الصواعق المحرقة : ٥٣.
(٢) الكاشف ٢ / ٦٣.
(٣) تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٩.
(٤) مقدمة فتح الباري : ٤١٠.
(٥) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧.
٦ ـ توثيق ابن خزيمة
وكذا وثّقه ابن خزيمة بصراحة ، قال ابن حجر : « قال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول : حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في دينه عبّاد بن يعقوب » (١).
وقال : « قال الحاكم : كان ابن خزيمة إذا حدّث عنه يقول : حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في دينه عباد بن يعقوب » (٢).
وأمّا جواب اتّهام ابن يعقوب في الدين فسيجيء بالبيان الظاهر المبين إن شاء الله المعين.
ترجمة ابن خزيمة
وابن خزيمة من مشاهير أئمّة أهل السنّة وأساطين محدّثيهم : قال الذهبي : « إن خزيمة الحافظ الكبير ، إمام الأئمة ، شيخ الإسلام أبو بكر محمد ابن إسحاق بن خزيمة ... جوّد وصنّف واشتهر اسمه وانتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره بخراسان ، حدّث عنه الشيخان خارج صحيحيهما ، ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم أحد شيوخه ، وأحمد بن المبارك المستملي ، وإبراهيم ابن أبي طالب ، وأبو علي النيسابوري ، وإسحاق بن سعيد النسائي ، وأبو عمرو ابن حمدان ، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه ، وأبو بكر أحمد بن مهران المقري ، ومحمد بن أحمد بن بصير ، وحفيده محمد بن الفضل بن محمد ، وخلق لا يحصون.
قال أبو عثمان الحيري : حدّثنا ابن خزيمة قال : كنت إذا أردت أن اصنّف الشيء دخلت في الصّلاة مستخيرا حتى يقع لي فيها ثم ابتدئ ، ثم قال
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٩.
(٢) مقدمة فتح الباري : ٤١٠.
أبو عثمان الزاهد : إنّ الله ليدفع البلاء عن أهل نيسابور بابن خزيمة.
قال أبو علي النيسابوري : لم أر مثل ابن خزيمة ...
قلت : هذا الامام كان فريد عصره ، فأخبرني الحسن بن علي ... أنا أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي قال : ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها ـ حتى كأن السنن بين عينيه ـ إلاّ محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط.
قال الدار قطني : كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير ، وحكى أبو بشر القطان قال : رأى جار لابن خزيمة من أهل العلم كأنّ لوحا عليه صورة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وابن خزيمة يصقله ، فقال المعبّر : هذا رجل يحيي سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو العباس بن شريح وذكر ابن خزيمة فقال : يستخرج النكت من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمنقاش.
وقال الحاكم في كتاب علوم الحديث : فضائل ابن خزيمة مجموعة عندي في أوراق كثيرة ، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا ، سوى المسائل والمسائل المصنفة مائة جزء ، وله فقه حديث بريدة في ثلاثة أجزاء.
قال أحمد بن عبد الله المعدّل : سمعت عبد الله بن خالد الأصبهاني يقول : سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن ابن خزيمة فقال : ويحكم ، هو يسأل عنّا ولا نسأل عنه ، هو إمام يقتدى به ...
وكانت وفاته في ثاني ذي القعدة سنة ٣١١ وهو في تسع وثمانين سنة » (١).
٧ ـ قال الدار قطني : صدوق
وقد نصّ الدار قطني على أنّ عبّاد بن يعقوب صدوق قال ابن حجر : « قال الدار قطني : شيعي صدوق » (٢).
__________________
(١) تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٢٠.
(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٩.
وفي نصّ الدار قطني كفاء لمكتف وشفاء لمشتف ، فجاء الحق وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا.
٨ ـ صحّة حديثه
وجاء في ( تهذيب التهذيب ) بترجمته : « وقال ابن ابراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : لو لا رجلان من الشيعة ما صحّ لهم حديث : عبّاد بن يعقوب ، وإبراهيم بن محمد بن ميمون » (١).
فثبت بهذا التصريح أن حديث عبّاد صحيح.
٩ ـ قال ابن حجر : صدوق
وقد حكم بصدقه ابن حجر العسقلاني كذلك ، حيث قال : « صدوق رافضي ؛ حديثه في البخاري مقرون ، بالغ ابن حبان فقال : يستحق الترك ، من العاشرة ، مات سنة خمسين » (٢).
وفي ( هدي الساري ) : « رافضي مشهور ، إلاّ أنّه كان صدوقا ، وثّقه أبو حاتم .. » (٣).
وفيه كفاية لأهل الرشاد والإيقان ، وقمع لأساس هواجس أصحاب الرّيب والعدوان ...
الرّفض لا يوجب التّرك
وأمّا قولهم : « رافضي » فتلك شكاة ظاهر عنك عارها ، وغير خاف على الممارس في هذا الشأن أنّ ترك حديث أحد لأجل « الرفض » و« التشيع » عين
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٩.
(٢) تقريب التهذيب ١ / ٣٩٤.
(٣) مقدمة فتح الباري ١ / ٣٩٤.
التهوّر والتنطّع ، أما سمعت ابن قتيبة يقول : « أسماء الغالية من الرافضة : أبو الطفيل صاحب راية المختار ، وكان آخر من راى رسول الله صلّى الله عليه موتا ، والمختار ، وأبو عبد الله الجدلي ، وزرارة بن أعين ، وجابر الجعفي » (١).
فقد علم منه كون « أبو الطفيل الصحابي » من « غلاة الرّافضة » فكون « عبّاد بن يعقوب » هذا « رافضيا » فحسب لا يقتضي الطعن بالأولويّة ، ولو كان « الرفض » بل « الغلو في الرفض » موجبا للقدح والجرح للزم سقوط دعوى عدالة الصحابة أجمعين أكتعين ...
وعليه ، فلو رفع القادحون في « عبّاد بن يعقوب » اليد عن دعوى « عدالة جميع الصحابة » فإنّا نرفع اليد عن توثيق « عبّاد بن يعقوب » ولكنّا لا نظنّهم يختارون ذلك ، فإنّه قوام مذهبهم ، بل يختارون التّسليم بوثاقة « عبّاد بن يعقوب » ... ومرام أهل الحق حاصل على كلّ حال ، كما لا يخفى.
وعلى هذا الأساس نجيب عمّا قيل في حقّ عبّاد بن يعقوب في الكتب الرجالية ، فقد جاء في ( تهذيب التهذيب ) :
« قال ابن عدي : سمعت عبدان يذكر عن أبي بكر بن أبي شيبة أو هنّاد السّري أنّهما أو أحدهما فسّقه ونسبه إلى أنه يشتم السلف ، قال ابن عدي :
وعبّاد فيه غلو في التشيّع ، وروى أحاديث أنكرت عليه في الفضائل والمثالب ، وقال صالح بن محمد : كان يشتم عثمان قال : وسمعته يقول : الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنّة ، لأنهما بايعا عليا ثم قاتلاه.
وقال القاسم بن زكريا المطرز : وردت الكوفة فكتبت من شيوخها كلّهم إلاّ عبّاد بن يعقوب ، فلمّا فرغت دخلت عليه وكان يمتحن من يسمع منه ، فقال لي : من حفر البحر؟ فقلت : الله خلق البحر ، قال : هو كذلك ولكن من حفره؟ قلت : يذكر الشيخ؟ قال : علي. ثم قال : من أجراه؟ قلت : الله أجرى الأنهار
__________________
(١) المعارف : ٦٢٤.
ووسّع العيون ، قال : هو كذلك لكن من أجراها؟ قلت : يذكر الشيخ ، قال : أجراها الحسين. قال : وكان مكفوفا ، ورأيت في بيته سيفا معلقا فقلت : لمن هذا؟ قال : أعددته لأقاتل به مع المهدي. قال : فلما فرغت من سماع ما أردت وعزمت على السفر دخلت عليه ، فسألني فقال : من حفر البحر؟ فقلت : حفره معاوية وأجراه عمرو بن العاص ، ثم وثبت ، فجعل يصيح : أدركوا الفاسق عدو الله فاقتلوه.
قال البخاري : مات في شوال ، وقال محمد بن عبد الله الحضرمي : في ذي القعدة سنة ٢٥٠ » (١).
فإنّ حاصل ذلك كلّه « رفض » عبّاد بن يعقوب ، وقد ذكرنا الجواب ، وأوضحنا أنّ ذلك لا يضرّ بعدالة الرجل بحال.
وأمّا قول ابن حجر : « ذكر الخطيب أن ابن خزيمة ترك الرواية عنه آخرا » فيجاب عنه على تقدير تسليمه : بأنّه لا يعبأ به بعد تصريحه بوثاقته ، لأنّ ذلك مؤيّد بتوثيق أبي حاتم وغيره من أعلام الجرح والتعديل ، على أنّه قد تقدم عن ابن حجر العسقلاني قوله في ( التقريب ) : « وبالغ ابن حبان فقال : يستحق الترك » فلو لم يسبق توثيقه الترك أيضا لما التفت اليه المحققون حسب تصريح ابن حجر العسقلاني.
وأمّا قول ابن حجر : « قال ابن حبان : كان رافضيا داعية ومع ذلك يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك ، روى عن شريك عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عوف : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » فنقول :
أمّا كونه « رافضيا » فلا يضرّ ، كما تقدّم.
وأمّا كونه « داعية » فهي دعوى أجاب عنها السمعاني بقوله : « قلت : روى عنه جماعة من مشاهير الأئمة مثل : أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ،
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٥ / ١١٠.
لأنه لم يكن داعية إلى هواه ». على أنّا قد ذكرنا في مجلّد حديث الولاية ـ حسب تصريحات المحققين المنصفين من أهل السنة ـ أن كون الراوي داعية لا يسبب طرح حديثه وعدم الاعتماد عليه ، فليراجع.
وأمّا كونه « يروي المناكير عن المشاهير » فدعوى بلا دليل ، فهي غير مسموعة.
وأمّا كونه مستحقّ الترك ، فقد تقدّم الجواب عنه.
وأمّا روايته عن شريك عن عاصم ... فإنّها لا توجب القدح ، لأنّ مطاعن معاوية كثيرة جدا بحيث لا يستبعد منصف ـ بعد النّظر فيها ـ صحّة هذا الحديث.
هذا ، وقد أورد السّمعاني كلام ابن حبّان هذا الذي ظهر فساده من أوّله إلى آخره ، فأجاب عنه بما تقدم نقله عنه آنفا ، فلا نعيد.
ومن لطائف المقام : قول السمعاني بعد ذلك : « وروى عنه حديث أبي بكر رضياللهعنه : أنه قال : لا تفعل يا خالد ما أمرتك به. سألت الشريف عمر ابن إبراهيم الحسيني بالكوفة عن معنى هذا الأثر فقال : كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليا ، ثم ندم بعد ذلك ، فنهى عن ذلك ».
وبما أنّ السمعاني قد سكت عن الكلام في هذا الحديث فإنّ سكوته يدلّ على تسليمه بصحّته ، على ما تقرّر لدى علماء أهل السنّة ، كما لا يخفى على من تتبّع كلماتهم ، وعلى هذا الأساس استدل ( الدهلوي ) في الباب الرابع من ( التحفة ) بسكوت القاضي التستري ـ رحمهالله ـ في ( مجالس المؤمنين ) أمام كلام الذهبي في ( الميزان ) في القدح في ( زرارة بن أعين ).
(٤)
رواية أبي حاتم
وممّن رواه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، قال أخطب خوارزم : « أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، قال : أخبرنا القاضي الامام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، قال : أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن علي الرودباري قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن مهرويه بن عباس بن سنان الرازي قال : حدّثنا أبو حاتم الرازي قال : حدّثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسماعيل الأزرق ، عن أنس بن مالك قال :
اُهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي ، فقلت : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، قال : فذهب ثم جاء ، فقلت : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة ، قال : فذهب ثم جاء ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : افتح ، ففتحت ، ثم دخل فقال : ما حبسك يا علي؟ قال : هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس ، يزعم أنك على حاجة ، قال : ما حملك على ما صنعت يا أنس؟ قال : سمعت دعائك فأحببت أن يكون في رجل من قومي ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الرجل قد يحبّ قومه » (١).
__________________
(١) مناقب علي بن أبي طالب : ٦٤.
ترجمة أبي حاتم
وأبو حاتم من مشاهير أئمة الحديث ونقدة الأخبار ونحارير الجرح والتعديل :
١ ـ السمعاني : « وأبو حاتم كان إماما حافظا فهما ، من مشاهير العلماء ، له رحلة إلى الشام ومصر والعراق ، روى عنه أبو عمرو بن حكيم ، وعالم لا يحصون كثرة ، توفي سنة ٢٧٧ » (١).
٢ ـ ابن الأثير : « هو من أقران البخاري ومسلم » (٢).
٣ ـ الذهبي : « وفي سنة سبع مات حافظ زمانه : أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي ، في شعبان ، وهو في عشر التسعين ، وكان جاريا في مضمار أبي زرعة والبخاري » (٣).
٤ ـ ابن حجر : « أحد الحفاظ » (٤).
وقد جاءت ترجمته مفصّلة في مجلّد حديث التشبيه (٥).
(٥)
رواية الترمذي
ورواه أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي في مناقب أمير المؤمنين عليه
__________________
(١) الأنساب ـ الجزّي.
(٢) الكامل في التاريخ حوادث : ٢٧٧.
(٣) دول الإسلام حوادث : ٢٧٧.
(٤) تقريب التهذيب ٢ / ١٤٣.
(٥) ومن مصادر ترجمته أيضا : تاريخ بغداد ٢ / ٧٣ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٤٢٧ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣١.
السلام حيث قال : « باب : حدّثنا سفيان بن وكيع ، نا عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عمر ، عن السدّي ، عن أنس بن مالك قال : كان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم طير ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه.
هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث السدّي إلاّ من هذا الوجه ، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أنس ، والسدّي اسمه : إسماعيل بن عبد الرحمن ، وقد أدرك أنس بن مالك ، ورأى الحسين بن علي » (١).
وإذا كان الترمذي ـ وهو أحد الأركان الستّة ـ راويا لهذا الحديث الشريف ، فإنه لا يرتاب في صحته إلاّ المعاند المارق أو المتعصّب المائق ، والله ولي التوفيق.
ثم إن سبط ابن الجوزي نقل عن التّرمذي توثيق السدّي وتعديله ، وهذه عبارته ـ في ذكر حديث الطائر ـ : « وأمّا الترمذي فقال : ثنا سفيان بن وكيع ، عن عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عمر ، عن السدّي ، عن أنس بن مالك قال : كان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم طير فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء علي فأكل معه. قال الترمذي : السدّي : اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن ، سمع من أنس بن مالك ، ورأى الحسين بن علي ، ووثّقه سفيان الثوري ، وشعبة ، ويحيى بن سعيد القطّان ، وغيرهم.
قلت : امّا ذكر الترمذي هذا في تعديل السدّي لأنّ جماعة تعصّبوا عليه ليبطلوا هذا الحديث ، فعدّله الترمذي » (٢).
وثاقة السدّي
وبالرغم من كفاية توثيق الترمذي وتعديله للاعتماد على هذا
__________________
(١) صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٥.
(٢) تذكرة الخواص من الامة : ٣٩.
الحديث ، ودفع تشكيكات أهل المراء واللجاج ، فإنّا نذكر وجوها أخرى لوثاقته :-
١ ـ توثيق أحمد
لقد وثّقه أحمد بن حنبل ، كما جاء في ( تهذيب التهذيب ) بترجمته : « قال أبو طالب عن أحمد : ثقة » (١).
وتوثيق أحمد يدل على وثاقة الرّجل ، لأن مجرّد روايته عن أحد يدل على ذلك ، فتوثيقه الصريح بالأولويّة.
٢ ـ توثيق العجلي
ووثّقه أحمد بن عبد الله (٢) على ما جاء في ( تهذيب التهذيب ) أيضا حيث قال : « قال العجلي : ثقة ، عالم بالتفسير ، رواية له » (٣).
٣ ـ قال النسائي : صالح
وقال النسائي في حقه مرة : « صالح » وقال أخرى : « ليس به بأس » ، قال ابن حجر بترجمته : « قال النسائي في الكنى : صالح ، وقال في موضع آخر : ليس به بأس » (٤).
هذا ، وقد ذكر علماء الدّراية : أنّ النّسائي أشدّ شرطا في الرجال من الشيخين ، فقوله : « صالح » و« ليس به بأس » يفيد غاية وثاقة السدّي ونهاية الاعتماد عليه ، لا سيّما وأنّه قد أخرج حديثه في صحيحه كما ستعرف إن شاء
__________________
(١) تهذيب التهذيب ١ / ٣١٣.
(٢) توجد ترجمته في : سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٠٥.
(٣) تهذيب التهذيب ١ / ١٣١.
(٤) تهذيب التهذيب ١ / ٣١٣.
الله تعالى.
٤ ـ قال ابن عدي : مستقيم الحديث صدوق ...
وقال ابن عدي (١) : « هو عندي مستقيم الحديث صدوق لا بأس به ». قال ابن حجر : « قال ابن عدي : له أحاديث يرويها عن عدة شيوخ ، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق لا بأس به » (٢).
٥ ـ ذكره ابن حبان في الثقات
وقد ذكره ابن حبان في ( الثقات ) حيث قال : « إسماعيل بن عبد الرحمن ابن أبي ذويب السدّي الأعور ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بني عبد مناف ، يروي عن أنس بن مالك ، وقد رأى ابن عمر. روى عنه : الثوري ، وشعبة ، وزائدة. مات سنة سبع وعشرين ومائة ، في إمارة ابن هبيرة » (٣).
هذا ، وقد قال ابن حبّان في أوّل كتابه المذكور : « ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلاّ الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم ».
وقال : فكلّ من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعدّى خبره عن خصال خمس » ثم قال بعد أن ذكر تلك الخصال « وإنما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ ، وقد ضعّفه بعض المشايخ ووثقه بعضهم ، فمن صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النّيرة التي بينّتها في كتاب الفصل بين النقلة ، أدخلته في هذا الكتاب ، لأنه يجوز الاحتجاج بخبره ، ومن صحّ عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب
__________________
(١) من مصادر ترجمته : سير أعلام النبلاء ١٦ / ١٥٤.
(٢) تهذيب التهذيب ١ / ٣١٣.
(٣) الثقات ٤ / ٢٠.
الفصل بين النقلة ، لم أذكره في هذا الكتاب ، لكنّي أدخلته في كتاب الضعفاء بالعلل ، لأنه لا يجوز الاحتجاج بخبره ، فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعدّى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره ».
٦ ـ توثيق السمعاني
ووثّقه السمعاني حيث قال مترجما ايّاه : « ... وهو السدّي الكبير ، ثقة مأمون ، روى عنه : الثوري ، وشعبة وزائدة ... قال يحيى بن سعيد : ما سمعت أحدا يذكر السدّي إلاّ بخير ، وما تركه أحد » (١).
٧ ـ تخريج مسلم حديثه
والسدّي من رجال صحيح مسلم ، قال المقدسي ابن القيسراني في أفراد مسلم ممّن اسمه إسماعيل : « إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الهاشمي المعروف بالسدّي الأعور الكوفي ، أصله حجازي ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بني عبد المطلب ، يكنّى أبا محمد ، سمع أنس بن مالك ، ولقي عبد الله وسعد بن عبادة ويحيى بن عبّاد ، روى عنه : أبو عوانة ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وزائدة ، وإسرائيل مات سنة سبع وعشرين ومائة » (٢).
هذا ، وقد ذكر ابن القيسراني في صدر كتابه المذكور : أنّه قد صحّ لدى حفّاظ الحديث كابن عدي والدار قطني وابن مندة والحاكم وغيرهم من السابقين واللاّحقين ممّن تأخر عن الشيخين : أنّ من أخرجا له صحيح الحديث ، لأنهما لم يخرجا إلاّ عن ثقة عدل حافظ ...
وقال ابن حجر : « ينبغي لكلّ منصف أن يعلم أن تخريج صاحب
__________________
(١) الأنساب ـ السدّي.
(٢) الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٢٨.
الصحيح لأيّ راو كان متقض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ، ولا سيّما ما انضاف ذلك من اطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين ، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرّج عنه في الصحيح ، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ».
وقال القاري : « وقد كان أبو الحسن المقدسي يقول فيمن خرّج أحدهما في الصحيح : هذا جاز القنطرة ، يعني : لا يلتفت إلى ما قيل فيه ، لأنهما مقدّمان على أئمة عصرهما ومن بعدهما في معرفة الصحيح والعلل » (١).
٨ ـ إنه من رجال الصّحاح
هذا ، بالإضافة إلى أنّ السدّي من رجال صحيح أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح النسائي وصحيح ابن ماجة ... كما يفهم من الرموز الموضوعة على ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) و ( تقريب التهذيب ) وغيرهما من كتب رجال الحديث.
وقد ذكرنا في مجلّد حديث الولاية عن بعض علماء أهل السنّة : أنّ رجال الصحاح الستة كلّهم عدول ثقات ، ومعروفون بالتقى والديانة في كلّ عصر ...
وقد علمت أن « السدّي » من رجال البخاري ومسلم والأربعة.
٩ ـ كونه شيخ شعبة
وعلى فرض عدم توثيق شعبة إيّاه ، فإنّ السدي من شيوخه ، وقد علمت من كلام السبكي في ( شفاء الأسقام ) عن ابن تيميّة أنّ شعبة ممّن لا يروي إلاّ عن ثقة ، وبه قال ابن حجر في صدر كتابه ( لسان الميزان ) كما لا يخفى على من طالعه.
__________________
(١) مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح ١ / ١٦.
١٠ ـ رواية الأعاظم عنه
ولقد روى عنه جماعة من أعاظم العلماء ، كأبي عوانة ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وزائدة ، وإسرائيل ، وسماك بن حرب ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وسليمان التيمي ، وأبي بكر بن عياش ... وقد علمت آنفا أن في رواية الأكابر دلالة على وثاقة الرّجل ، بل هي تعديل له.
١١ ـ تصريح الكابلي بوثاقته
وقد صرّح نصر الله الكابلي صاحب ( الصواقع ) المعروف بتعصّبه وعناده للحق وأهله. بثقة السدّي ، حيث قال في الكتاب المذكور في المطلب السادس في بيان المكايد من المقصد الأول : « السّادسة والعشرون : نقل أخبار عن بعض كتب أهل السنة مما رواه بعض محدّثيهم عن رجل يشاركه غيره في اسمه أو لقبه أو كليهما ، أحدهما صدوق والآخر كذوب ، وترك ما يميّز به أحدهما عن الآخر ، ليعلم أنه صحيح ، كالسدّي ، فإنه مشترك بين رجلين أحدهما الكبير والآخر الصغير ، والأول منهما ثقة والآخر كذّاب وضّاع رافضي ، فينخدع من لا يعرف حقيقة الأمر وليس له دربة »
١٢ ـ تصريح ( الدهلوي ) بوثاقته
وهكذا. نصّ ( الدهلوي ) على وثاقة السدّي في كتابه ( التحفة ) ، في الباب الثاني في بيان المكيدة التاسعة عشر.
تتمّة في وصف التّرمذي الحديث بالغرابة
وأمّا بالنسبة الى وصف الترمذي حديث الطّير بالغرابة ـ كما في النسخة ـ فنقول :
أولا : لم يرد هذا في نقل سبط ابن الجوزي.
ثانيا : إنّ الغرابة لا تدل على عدم الصّحة ، لأنّ الحديث الغريب قد يكون صحيحا ، فالغريب يعم الصحيح وغير الصحيح ، ولا دلالة للعام على الخاص ، لكنّ إخراج الترمذي إيّاه في صحيحه وتوثيقه السدّي ـ ردا على جماعة تعصّبوا عليه ليبطلوا الحديث ـ يدل بصراحة على تصحيحه له وإن وصفه بالغرابة.
ويشهد بما ذكرنا من عموم « الغريب » كلمات علماء الدراية في تعريفه ، قال ابن الصّلاح بتعريفه : « ثم إنّ الغريب ينقسم إلى صحيح كالأفراد المخرّجة في الصحيح ، وإلى غير صحيح ، وذلك هو الغالب على الغرائب ، روينا عن أحمد بن حنبل رضياللهعنه أنه قال غير مرة : لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامّتها من الضعفاء » (١). وهذا الكلام يدل على المطلوب من وجهين :
الأول : إنّ الغريب ينقسم الى صحيح والى غير صحيح ، فليس كل غريب غير صحيح.
الثاني : لو كان حديث الطير من الغريب غير الصّحيح لما أخرجه أحمد ابن حنبل وقد قال غير مرة : لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب ...
فثبت أنّ حديث الطير ليس من الغرائب غير الصحيحة ، بل إنّه حديث صحيح رواه الثقات المعتمدون.
جامع التّرمذي صحيح
هذا كلّه ، بالإضافة إلى أنّهم صرّحوا بصحّة أحاديث جامع التّرمذي واعتبارها ، وعلى هذا الأساس يصحّ الاحتجاج بحديث الطير المخرّج فيه ،
__________________
(١) علوم الحديث : ٣٩٥.
وبذلك يظهر بطلان تكذيبه ... ولنذكر في هذا المقام طرفا من كلماتهم في حقّ الترمذي وجامعه :
١ ـ قال السيوطي بترجمته : « قال أبو سعيد الإدريسي : كان أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث ، صنّف كتاب الجامع والعلل والتاريخ ، تصنيف رجل عالم متقن ، كان يضرب به المثل في الحفظ » (١).
٢ ـ السمعاني : « أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث ، صنف كتاب الجامع والتاريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن ، وكان يضرب به المثل في الحفظ والضبط ... » (٢).
٣ ـ ابن خلّكان : « الحافظ ، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث ، صنّف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن ، وبه يضرب المثل ... » (٣).
فثبت من هذه الكلمات أنّ صحيحه موصوف بالإتقان ، حريّ بالاعتماد ، محفوظ من الطعن ...
٤ ـ وقال ابن الأثير : « ... وهذا كتابه الصحيح أحسن الكتب ، وأكثرها فائدة ، وأحسنها ترتيبا ، وأقلّها تكرارا ، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال ، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح والحسن والغريب ، وفيه جرح وتعديل ، وفي آخره كتاب العلل ، قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها.
قال الترمذي رحمهالله : صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به ، وعرضته على علماء العراق فرضوا به ، وعرضته على علماء خراسان
__________________
(١) طبقات الحفّاظ : ٢٧٨.
(٢) الأنساب ـ الترمذي.
(٣) وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.
فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبي يتكلّم ... » (١).
فقد وصف ابن الأثير كتاب الترمذي بالصحّة ، وذكر أنه أحسن الكتب ، ونقل عن الترمذي رضا علماء الأقطار بهذا الكتاب بعد أنّ عرضه عليهم ، وقوله : « من كان في بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبيّ يتكلّم ».
وقد جاءت هذه الكلمة وقضية العرض على علماء البلاد عن الترمذي في كثير من الكتب ك ( تذكرة الحفاظ ) و ( رجال المشكاة ) و ( كشف الظنون ) و ( مقاليد الأسانيد ) ونحوها.
٥ ـ وذكر أبو الحجّاج المزيّ في ( تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ) : « أما بعد ، فإني قد عزمت على ان أجمع في هذا الكتاب ـ إن شاء الله تعالى ـ أطراف الكتب الستة ، التي هي عمدة كتب أهل الإسلام ، وعليها مدار عامة الأحكام ، وهي : صحيح محمد بن إسماعيل البخاري ، وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري ، وسنن أبي داود السجستاني ، وجامع أبي عيسى الترمذي ، وسنن أبي عبد الرحمن النسائي ، وسنن أبي عبد الله ابن ماجة القزويني ... » (٢).
فكتاب الترمذي أحد « الكتب الستّة التي هي عمدة كتب أهل الإسلام وعليها مدار عامة الأحكام ».
٦ ـ وقال الكاتب الجلبي : « والكتب المصنّفة في علم الحديث أكثر من أن تحصى ، إلاّ أن السلف والخلف قد اطبقوا على أنّ أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى : صحيح البخاري ، ثم صحيح مسلم ، ثم الموطّأ ، ثم بقيّة الكتب الستة وهي : سنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، والدار قطني ، والمسندات المشهورة » (٣).
__________________
(١) جامع الأصول ١ / ١١٤.
(٢) تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ـ المقدمة.
(٣) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ١ / ٥٥٩.
٧ ـ وقال عبد الله بن سالم البصري في ختم جامع الترمذي ـ نسخة مكتبة الحرم المكي ـ : « قال القاضي أبو بكر ابن العربي أوّل شرح الترمذي :
اعلموا أنار الله افئدتكم : ان كتاب الجعفي أي البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب ، والموطّأ هو الأوّل واللّباب ، وعليهما بنى الجميع كالقشيري ، والترمذي ، فمن دونهما ، ما طفقوا يصنعونه ، وليس في قدر كتاب أبي عيسى مثله حلاوة مقطع ونفاسة منزع وعذوبة مشرع ، وفيه أربعة عشر علما : صنف ـ وذلك أقرب إلى العمل ـ وأسند وصحّح وأسقم ، وعدّد الطرق ، وجرح وعدّل ، وأسمى وأكنى ، ووصل وقطع ، وأوضح المعمول به والمتروك ، وبيّن اختلاف العلماء في الردّ والقبول لآثاره ، وذكر اختلافهم في تأويلها ، وكلّ علم من هذه العلوم أصل في بابه وفرد في نصابه ، والقارئ له لا يزال في رياض مونقة وعلوم متفتقة.
قال : ووجدت بخطّ الشيخ أبي الصّبر أيّوب بن عبد أبياتا في شرح مصنّف الترمذي غير منسوبة وهي هذه :
كتاب الترمذي
رياض علم |
|
حكت أزهاره زهر
النجوم |
به الآثار واضحة
أبينت |
|
بألقاب أقيمت
كالرسوم |
فأعلاها الصحاح
وقد أنارت |
|
نجوما للخصوص
وللعموم |
ومن حسن يليها
أو غريب |
|
وقد بان الصّحيح
من السّقيم |
فعلّله أبو عيسى
مبينا |
|
معالمه لطلاّب
العلوم |
وطرّزه بآثار
صحاح |
|
تخيّرها أولو
النظر السّليم |
من العلماء
والفقهاء قدما |
|
وأهل الفضل
والنهج القويم |
فجاء كتابه علقا
نفيسا |
|
ينافس فيه أرباب
العلوم |
ويقتبسون منه
نفيس علم |
|
يفيد نفوسهم
أسنى الرسوم ». |
٨ ـ وقد ذكر الثعالبي هذه القصيدة مع زيادة الأبيات التالية :
« كتبناه رويناه لنروى |
|
من التسنيم في
دار النّعيم |
وغاص الفكر في
بحر المعاني |
|
فأدرك كل معنى
مستقيم |
جزى الرّحمن
خيرا بعد خير |
|
أبا عيسى على
الفكر الكريم ». |
أقول : ومن هذه الأوصاف الحسنة يعلم أنّ حديث « الطير » وحديث « الولاية » وأمثالهما ممّا أورده الترمذي في صحيحه موصوفة بتلك الصفات ومعدودة في الصّحاح ومتلقاة بالقبول ، وإنّ المكذّب لها خارج عن أرباب النظر السليم ، ومتنكّب عن طريقة أهل الفضل وأرباب النهج القويم ، منهمك في التخديع والتدسيس ، مولع بالتلميع والتلبيس ، مستحق للطّعن المليم والجرح الذّميم ...
٩ ـ وقال الكمال الأدفوي (١) في ( الأمتاع ) : « قد تلقّت الامّة الكتب الخمسة أو الستة بالقبول ، وأطلق عليها جماعة أسم الصحيح ورجّح بعضهم بعضها على كتاب مسلم وغيره ، قال أبو سليمان أحمد الخطابي : كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنّف في الدين كتاب مثله ، وقد رزق من الناس القبول كافة ، فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم ، وكتاب السّنن أحسن وضعا وأكثر فقها من كتاب البخاري ومسلم. وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي : سمعت الإمام أبا الفضل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة يقول ـ وقد جرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال ـ كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم ... ».
١٠ ـ وقد ذكر الطيّبي : « خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أي خط لأجل تفهيمنا سبيل الاعتقاد الحق والعمل الصالح وذا لا يتعدد أنحاؤه ، ثم خط
__________________
(١) وهو : جعفر بن ثعلب ، المتوفى سنة ٧٤٨ أو ٧٤٩. توجد ترجمته في : طبقات السبكي ٦ / ٨٦ والأسنوي ١ / ٨٦ ابن قاضي شهبة ٢ / ١٧٢ الدرر الكامنة ٢ / ٧٢ ، حسن المحاضرة ١ / ٣٢٠ وغيرها.