علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

«وما كان من ذلك؟».

إنّ (١) جندب حكى عنك كيت وكيت ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ».

قال عبدالسلام بن محمّد : فعرضت هذا الخبر على الهجني (٢) محمّد ابن عبد الأعلى فقال : أما علمت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أتاني جبرئيل فقال : إنّ الله عزوجل حرّم النار عل ظهر أنزلك ، وبطن حملك ، وثدي أرضعك ، وحجر كفّلك» (٣) .

[ ٣٢٢ / ٢ ] حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا الحسن بن علي ابن الحسين السكري ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريّا الجوهري الغلابي البصري ، قال : حدّثنا عثمان بن عمران قال : حدّثنا عبّاد بن صهيب ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام : أخبرني عن أبي ذرّ أهو أفضل أم أنتم (٤) أهل البيت؟

فقال : «يابن صهيب ، كم شهور السنة؟» فقلت : اثني عشر شهراً.

فقال : «وكم الحُرُم منها؟» قلت : أربعة أشهُر.

قال : «فشهر رمضان منها؟» قلت : لا.

قال : «فشهر رمضان أفضل أم أشهر الحُرُم؟» فقلت : بل شهر رمضان.

قال : «فكذلك نحن أهل البيت لايقاس بنا أحد ، وإنّ أبا ذرّ كان في

__________________

(١) في المطبوع : قال : إنّ.

(٢) في «ش ، ع ، س ، ح ، ل» : الهجيمي.

(٣) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ١٧٨ / ١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار١٥ : ١٠٨ / ٥٣.

(٤) في «ج ، ل ، ع ، ح» : أنت ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة : أنتم.

٣٤١

قوم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتذاكروا فضائل هذه الاُمّة ، فقال أبو ذرّ : أفضل هذه الاُمّة عليّ بن أبي طالب ، وهو قسيم الجنّة والنار ، وهو صدّيق هذه الاُمّة وفاروقها ، وحجّة الله عليها ، فما بقي من القوم أحد إلاّ أعرض عنه بوجهه ، وأنكر عليه قوله وكذّبه ، فذهب أبو اُمامة الباهلي من بينهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بقول أبي ذرّ وإعراضهم عنه وتكذيبهم له ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء يعني (١) : منكم يا أبا اُمامة من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ» (٢) .

ـ ١٤٢ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّيت فاطمة عليها‌السلام فاطمة

[ ٣٢٣ / ١ ] حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكّري ، قال : حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن زكريّا الغلابي ، قال : حدّثنا مخدج بن عمير الحنفي ، قال : حدّثني بشر بن إبراهيم الأنصاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : إنّما سُمّيت فاطمة فاطمة؛ لأنّ الله تعالى (٣) فطم مَنْ أحبّها من النار (٤) .

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أراد عليه‌السلام بالتفسير أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد تفضيله على جميع الناس حتّى يرد تفضيله على أهل البيت أيضاً ، بل على الجماعة المذكورين وأضرابهم من الاُمّة لا الأئمّة .

(٢) نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ٢٢ : ٤٠٦ / ٢١.

(٣) في «ج ، ل ، ن ، ح» : عزوجل .

(٤) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٦٤ / ١٤ ، وأورده ابن شهرآشوب في مناقب

٣٤٢

[ ٣٢٤ / ٢ ] أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى قال : حدّثنا محمّد بن زياد مولى بني هاشم قال : حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له : نجيّة بن إسحاق الفزاري قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن بن الحسن قال : قال أبوالحسن عليه‌السلام : «لِمَ سُمّيت فاطمة فاطمة؟».

قلت : فرقاً بينه وبين الأسماء.

قال : «إنّ ذلك لمن الأسماء ، ولكن الاسم (١) الذي سُمّيت به أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوّج (٢) في الأحياء (٣) ، وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم (٤) من قِبَله ، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها ، وجعل في ولدها ، فقطعهم (٥) عمّا طمعوا ، فبهذا سُمّيت فاطمة؛ لأنّها فطمت طمعهم» (٦) .ومعنى فطمت : قطعت.

[ ٣٢٥ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله قال : حدّثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني قال : حدّثني الحسن بن عبدالله بن يونس بن ظبيان ، قال :

__________________

آل أبي طالب ٣ : ٣٧٧ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٧٢ ، والطبري في بشارة المصطفى : ١٩٨ / ١٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٣ / ٨.

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي هذا اسم لامعنى له ، ولاسبب للتسمية به إلاّ لتعرف بذلك. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) في «ج ، ل» زيادة : البنات من الأشقياء.

(٣) في «ج ، ل ، ن ، ع» : الأخيار.

(٤) كلمة «فيهم» لم ترد في «ج ، ل ، ح».

(٥) في «ح ، ن» : فقطعهم ممّا ، وفي «س» : وقطعهم ممّا ، وورد في حاشية «ل» : فطمه يفطمه قطعه ، والصبي فصله عن الرضاع. القاموس المحيط ٤ : ١٢ / فطم.

(٦) نقله عن العلل المجلسي في بحار الأنوار ٤٣ : ١٣ / ٧.

٣٤٣

قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «لفاطمة عليها‌السلام تسعة أسماء عند الله عزوجل : فاطمة ، والصدّيقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكيّة ، والراضية ، والمرضيّة ، والمحدّثة ، والزهراء» ، ثمّ قال : «أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة عليها‌السلام ؟».

قلت : أخبرني يا سيّدي؟

قال : «فطمت من الشرّ» ، قال : ثمّ قال : «لولاأنّ أمير المؤمنين (١) تزوّجها ما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض ، آدم فمن دونه» (٢) .

[ ٣٢٦ / ٤ ] حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لمّا ولدت فاطمة عليها‌السلام أوحى الله عزوجل إلى ملك فانطلق (٣) به لسان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمّاها : فاطمة ، ثمّ قال : إنّي فطمتك (٤) بالعلم ، وفطمتك عن الطمث» ، ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «والله ، لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم ، وعن الطمث بالميثاق» (٥) .

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : استدلّ به على أفضليّته على جميع الأنبياء سوى نبيّنا عليهم‌السلام . فإن قلت : لايدلّ على فضله عليه‌السلام على آدم ونوح وإبراهيم لمكان النسب ، قلت : لاقائل بالفصل في أُولي العزم مع أنّه ظاهر من المقام أنّ المراد مع قطع النظر عن النسب ، كمالا يخفى (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ذكره المصنّف في الأمالي : ٦٨٨ / ٩٤٥ ، والخصال : ٤١٤ / ٣ ، وأورده الطبري في دلائل الإمامة : ٧٩ / ١٩ ، والفتّال النيسابوري في روضة الواعظين : ٣٤١ مرسلاً ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٧١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٠ / ١.

(٣) في حاشية «ج» عن نسخة : «فانطق».

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : عن اللبن متلبّساً بالعلم ، أو عن الشرور والجهل بسببه. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٥) أورده الكليني في الكافي ١ : ٣٨٢ / ٦ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٧١ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٣ / ٩.

٣٤٤

[ ٣٢٧ / ٥ ] حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه‌الله ، قال : حدّثنا أحمد بن علوية الأصبهاني ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن جندل بن والق ، قال : حدّثنا محمّد بن عمر البصريّ ، عن جعفر بن محمّد بن علي ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة ، أتدرين لِمَ سُمّيتِ فاطمة؟

فقال عليٌّ عليه‌السلام : يا رسول الله ، لِمَ سُمّيت؟

قال : لأنّها فطمت هي وشيعتها من النار» (١) .

[ ٣٢٨ / ٦ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد ابن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عبدالله بن مسكان ، عن محمّد بن مسلم الثقفي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «لفاطمة عليها‌السلام وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً (٢) ، فتقول : إلهي وسيّدي ، سمّيتني فاطمة وفطمت بي مَنْ تولاّني وتولّى ذرّيّتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لاتخلف الميعاد.

فيقول الله عزوجل : صدقت يا فاطمة ، إنّي سمّيتك فاطمة وفطمت بك مَنْ أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيّتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ ، وأنا لا أُخلف الميعاد ، وإنّما أمرتُ بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأُشفّعك وليتبيّن (٣) لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك منّي

__________________

(١) أورده ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٧٧ ، والإربلي في كشف الغمّة ٣ : ١٧٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٤ / ١٠.

(٢) في «ج ، ل» : مؤمناً ، وفي حاشيتهما كما في المتن.

(٣) في «ج ، ل ، ع» : فليتبيّن.

٣٤٥

ومكانتك عندي ، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخُذي بيده وأدخليه الجنّة» (١) .

ـ ١٤٣ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّيت

فاطمة الزهراء عليها‌السلام زهراء

[ ٣٢٩ / ١ ] أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن معقل القرمسيني ، عن محمّد ابن زيد الجزري ، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، عن عبدالله بن حمّاد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قلت له : لِمَ سُمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟

فقال : «لأنّ الله عزوجل خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة ، وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا : إلهنا وسيّدنا ، ما لهذا النور؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري ، أسكنته في سمائي (٢) خلقته من عظمتي ، أُخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي ، أُفضّله على جميع الأنبياء ، وأُخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري ، يهدون إلى حقّي (٣) ، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاءوحيي» (٤) .

__________________

(١) أورده مرسلاً الإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٧٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار٤٣ : ١٤ / ١١.

(٢) في «ج ، س» : لسماواتي.

(٣) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : خلقي.

(٤) أورده القمّي في الإمامة والتبصرة : ١٣٣ / ١٤٤ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٧٣ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ / ٥.

٣٤٦

[ ٣٣٠ / ٢ ] أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثني جعفر ابن سهل الصيقل ، عن محمّد بن إسماعيل الدارمي عمّن حدّثه ، عن محمّد ابن جعفر الهرمزاني ، عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : يابن رسول الله ، لِمَ سُمّيت الزهراء (١) عليها‌السلام زهراء؟

فقال : «لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه‌السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور ، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النورإلى حجراتهم بالمدينة فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها‌السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها ، فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة.

فإذا نصف (٢) النهار وترتّبت للصلاة زهر وجهها عليها‌السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفرّ ثيابهم وألوانهم فيأتون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها‌السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نوروجهها عليها‌السلام بالصفرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة عليها‌السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزوجل فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها‌السلام فيرونها جالسة تسبّح الله

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : زهر الشيء يزهر بفتحتين : صفا لونه وأضاء. المصباح المنير : ٢٥٨ .

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : انتصف ، وفيهما : نصف النهار وانتصف بمعنى. القاموس المحيط ٣ : ٢٦٩.

٣٤٧

وتمجّده ونور وجههايزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها‌السلام ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى وُلد الحسين عليه‌السلام فهو يتقلّب (١) في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت إمام بعد إمام» (٢) .

[ ٣٣١ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال : حدّثنا محمّد بن زكريّا الجوهري ، عن جعفر بن محمّدبن عمارة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن فاطمة لِمَ سُمّيت زهراء؟

فقال : «لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر (٣) نور الكواكب لأهل الأرض» (٤) .

ـ ١٤٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها

سُمّيت فاطمة عليها‌السلام البتول وكذلك مريم عليها‌السلام

[ ٣٣٢ / ١ ] حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال : حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم بن أسباط قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد القطّان ، قال : حدّثني أبو الطيب أحمد ابن محمّد بن عبدالله ، قال : حدّثني عيسى بن جعفر بن محمّد بن عبدالله

__________________

(١) في حاشية «ش» عن نسخة : ينتقل.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١١ / ٢.

(٣) في «ح ، ج ، ل ، ش» : تزهر.

(٤) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٦٤ / ١٥ ، وأورده الطبري في دلائل الإمامة : ١٤٩ / ٥٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٢ / ٦.

٣٤٨

ابن محمّد بن عمربن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن عمر بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : «إنّ مريم بتول وفاطمة بتول؟».

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «البتول (١) التي لم تر حمرة قطّ أي لم تحض فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء» (٢) .

ـ ١٤٥ ـ

باب العلّة التي من أجلها كانت فاطمة عليها‌السلام

تدعو لغيرها ، ولاتدعو لنفسها

[ ٣٣٣ / ١ ] حدّثنا علي بن محمّد بن الحسن القزويني المعروف بابن مقبرة ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي ، قال : حدّثنا جندل بن والق ، قال : حدّثنا محمّد بن عمر المازني ، عن عبادة الكليبي ، عن جعفر ابن محمّد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن فاطمة الصغرى ، عن الحسين بن علي ، عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «رأيت اُمّي فاطمة عليها‌السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : امرأة بتول ، أي منقطعة عن الرجال لاشهوة لها فيهم ، وسُمّيت مريم وفاطمة بها لانقطاعهما عن نساء زمانهما فضلاً وديناً أو عن الدنيا إلى الله تعالى . النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ : ٩٤.

(٢) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٦٤ / ١٧ ، وأورده الطبري في دلائل الإمامة : ١٤٩ / ٦١ ، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٢ : ٣٧٨ ، والفتّال النيسابوري في روضة الواعظين ١ : ٣٤٤ / ٣٥٨ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٧٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ١٥ / ١٣.

٣٤٩

الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا اُماه ، لِمَ لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بنيّ ، الجار ثمّ الدار» (١) .

[ ٣٣٤ / ٢ ] حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبدالرحمن الحاكم المروزي المقرئ ، قال : حدّثنا جعفر المقرئ (٢) أبو عمرو ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الموصلي ببغداد ، قال : حدّثنا محمّد بن عاصم ، قال : حدّثنا أبو زيد الكحّال ، عن أبيه ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليه‌السلام قال : «كانت فاطمة عليها‌السلام إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولاتدعو لنفسها ، فقيل لها : يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّك تدعين للناس ولاتدعين لنفسك ؟فقالت : الجار ثمّ الدار» (٣) .

ـ ١٤٦ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّيت فاطمة عليها‌السلام محدّثة

[ ٣٣٥ / ١ ] حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا الحسن بن علي السكري ، عن محمّد بن زكريّا الجوهري ، قال : حدّثنا شعيب بن واقد ، قال : حدّثني إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عيسى بن زيد بن علي ، قال : سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : «سُمّيت فاطمة عليها‌السلام محدّثة؛ لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يافاطمة ، إنّ الله اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين.

__________________

(١) أورده الطبري في دلائل الإمامة : ١٥١ / ٦٥ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٨٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ٨١ / ٣.

(٢) في المطبوع : حدّثنا محمّد بن جعفر المقرئ.

(٣) أورده الإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٨١ ، والفتّال النيسابوري في روضة الواعظين ٢ : ١٦٠ / ٨٦٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ٨٢ / ٤.

٣٥٠

يا فاطمة ، اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين.

فتحدّثهم ويحدّثونها فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟

فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله عزوجل جعلكِ سيّدة نساء عالمك وعالمها ، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين» (١) .

[ ٣٣٦ / ٢ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدّب ، عن أحمد بن علي الأصبهاني ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إسماعيل بن بشّار ، قال : حدّثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة ، قال : حدّثنا سليمان قال : محمّد بن أبي بكر لمّا قرأ : ( مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ) (٣) ولا محدّث ، قلت : وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء؟

قال : مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة ، واُمّ موسى بنت عمران كانت محدّثة ولم تكن نبيّة ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبيّة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت محدّثة ولم تكن نبيّة (٤) .

قال مصنّف هذا الكتاب : قد أخبر الله عزوجل في كتابه بأنّه ماأرسل من النساء أحداً إلى الناس ، في قوله تبارك وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ) (٥) ولم يقل : نساء ، والمحدّثون ليسوا

__________________

(١) أورده الطبري في دلائل الإمامة : ٨٠ / ٢٠ ، والسيّد شرف الدين في تأويل الآيات ١ : ١١١ / ١٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٤ : ٢٠٦ / ٦٣.

(٢) في «ع» : حدّثنا أبي.

(٣) سورة الحجّ ٢٢ : ٥٢.

(٤) أورده ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٨٤ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ١٨١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ٧٩ / ٦٦.

(٥) سورة الأنبياء ٢١ : ٧.

٣٥١

برسل ولاأنبياء.

وقد روي : أنّ سلمان الفارسي كان محدّثاً ، فسئل الصادق عليه‌السلام عن ذلك وقيل له : من كان يحدّثه؟ فقال : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين ، وإنّما صار محدّثاً دون غيره ممّن كان يحدّثانه؛ لأنّهما كانا يحدّثانه بما لايحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه» (١) .

ـ ١٤٧ ـ

باب العلّة التي من أجلها

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يُكثر تقبيل فاطمة عليها‌السلام

[ ٣٣٧ / ١ ] حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا الحسن بن علي السكّري ، قال : أخبرنا محمّد بن زكريّا ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة الكندي ، قال : حدّثني أبي ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام ، عن جابر بن عبدالله ، قال : «قيل : يا رسول الله ، إنّك تلثم (٢) فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لاتفعله بأحد من بناتك؟

فقال : إنّ جبرئيل عليه‌السلام أتاني بتفّاحة من تفّاح الجنّة فأكلتها فتحوّلت ماءًفي صلبي ، ثمّ واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشمّ منها رائحة الجنّة» (٣) .

__________________

(١) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٢ : ٣٣١ / ٤١.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : لثمت الفم من باب ضرب قبلته ومن باب تعب لغة. المصباح المنير : ٥٤٩.

(٣) ورد الحديث في نوادر المعجزات : ٢٢٣ / ٥٨ ، ودلائل الإمامة للطبري : ١٤٦ / ٥٤ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ٥ / ٤.

٣٥٢

[ ٣٣٨ / ٢ ] وبهذا الإسناد عن محمّد بن زكريّا ، قال : حدّثنا عمر بن عمران ، قال : حدّثنا عبيدالله بن موسى العبسي ، قال : أخبرني جبلة المكّي ، عن طاووس اليماني ، عن ابن عبّاس قال : دخلت عائشة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقبّل فاطمة فقالت له : أتحبّها يا رسول الله؟

قال : «أما والله ، لو علمت حبّي لها لأزددت لها حبّاً ، إنّه لمّا عرج بي إلى السماء الرابعة أذَّن جبرئيل وأقام ميكائيل ثمّ قيل لي : اُدن يا محمّد ، فقلت : أتقدّم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟ قال : نعم ، إنّ الله عزوجل فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلك أنت خاصّة ، فدنوت فصلّيت بأهل السماء الرابعة ، ثمّ التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم عليه‌السلام في روضة من رياض الجنّة ، وقد اكتنفها (١) جماعة من الملائكة ثمّ إنّي صرت إلى السماء الخامسة ومنها إلى السادسة فنوديت : يا محمّد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي ، فلمّا صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل عليه‌السلام بيدي فأدخلني الجنّة ، فإذا أنا بشجرة من نور ، في أصلها ملكان يطويان له (٢) الحلل والحلي ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذه الشجرة؟

فقال : هذه لأخيك علي بن أبي طالب ، وهذان الملكان يطويان له الحلي والحلل إلى يوم القيامة ، ثمّ تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد ، وأطيب رائحة من المسك ، وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلتها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي ، فلمّا أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة ، حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى الجنّة شممت

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : اكتنفه القوم كانوا منه يمنة ويسرة. المصباح المنير : ٥٤٢ / الكنف .

(٢) أثبتناها من نسخة «ن».

٣٥٣

رائحة فاطمة عليها‌السلام » (١) .

ـ ١٤٨ ـ

باب العلّة التي من أجلها غسّل فاطمة عليها‌السلام

أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا تُوفّيت

[ ٣٣٩ / ١ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : جُعلت فداك ، مَنْ غسّل فاطمة عليها‌السلام ؟

قال : «ذاك أمير المؤمنين عليه‌السلام ».

قال : فكأنّي استعظمت (٣) ذلك من قوله ، فقال : «كأنّك ضقت ممّا أخبرتك به».

قلت : قد كان ذلك جُعلت فداك.

قال : «لاتضيقنّ فإنّها صدّيقة لايغسّلها إلاّ صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلاّ عيسى عليه‌السلام » (٤) .

__________________

(١) أورده الطبري في دلائل الإمامة : ١٤٦ / ٥٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار١٨ : ٣٥٠ / ٦١.

(٢) في «ع» : حدّثنا أبي.

(٣) في «ش ، ح ، ن» : استقنعت.

(٤) أورده الكليني في الكافي ١ : ٣٨٢ / ٤ ، والطوسي في التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٤٢٢ ، والاستبصار ١ : ١٩٩ / ٧٠٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٨١ : ٢٩٩ / ١٦ .

٣٥٤

ـ ١٤٩ ـ

باب العلّة التي من أجلها

دُفنت فاطمة عليها‌السلام بالليل ولم تُدفن بالنهار

[ ٣٤٠ / ١ ] حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام لأيّ علّة دُفنت فاطمة عليها‌السلام بالليل ولم تُدفن بالنهار؟

قال : «لأنّها أوصت أن لايصلّي عليها رجال» (١) (٢) .

[ ٣٤١ / ٢ ] حدّثنا علي بن أحمد ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبدالله قالا : أتى رجل أبا عبدالله عليه‌السلام فقال له : يرحمك الله ، هل تشيّع (٣) الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك ممّا يضاء به؟

قال : فتغيّر لون أبي عبدالله عليه‌السلام من ذلك واستوى جالساً ، ثمّ قال : «إنّه جاءشقيّ من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها : أما علمت أنّ عليّاً قد خطب بنت أبي جهل ، فقالت : حقّاً ما تقول؟

__________________

(١) في «ن ، س» وحاشية «ش ، ح ، ل» عن نسخة بدل «رجال» : «الرجلان» الأعرابيّان ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة أُخرى بدل رجال : الرجلان.

(٢) ذكره المصنّف في الأمالي : ٧٥٥ / ١٠٨١ ، وأورده ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب٣ : ٤١١ ، والإربلي في كشف الغمّة ٢ : ٢٣٦ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة١٦ : ٢١٤ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠٦ / ٣٤ ، و٨١ : ٢٥٠ / ٨ .

(٣) في النسخ : شيّعت ، وفي هامشها كما في المتن.

٣٥٥

فقال : حقّاً ما أقول ، ثلاث مرّات ، فدخلها من الغيرة ما لاتملك نفسها ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة ، وكتب على الرجال جهاداً ، وجعل للمحتسبة الصابرة منهنّ من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله.

قال : فاشتدّ غمّ فاطمة من ذلك وبقيت متفكّرة هي حتّى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر ، وأخذت بيد اُمّ كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثمّ تحوّلت إلى حجرة أبيها ، فجاء عليٌّ فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتدّ لذلك غمّه وعظم عليه ولم يعلم القصّة ما هي ، فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلّي فيه ما شاء الله ، ثمّ جمع شيئاً من كثيب المسجد واتّكأ عليه.

فلمّا رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ، ثمّ لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلّي بين راكع وساجد ، وكلّما صلّى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغمّ ، وذلك أنّه خرج من عندها وهي تتقلّب وتتنفّس الصعداء ، فلمّا رآها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها لايهنّيها النوم وليس لها قرار.

قال لها : قومي يا بنيّة ، فقامت فحمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد اُمّ كلثوم فانتهى إلى عليٍّ عليه‌السلام وهو نائم ، فوضع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رجله على رجل عليٍّ فغمزه وقال : قم يا أبا تراب ، فكم ساكن أزعجته ، ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج عليٌّ فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، أما علمتَ أنّ فاطمة بضعة منّي ، وأنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني ، ( من آذاني فقد آذى الله ) (١) ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح ، ن».

٣٥٦

في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي.

قال : فقال عليٌّ عليه‌السلام : بلى يا رسول الله ، قال : فما دعاك إلى ماصنعتَ؟

فقال عليٌّ : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما كان منّي ممّا بلغها شيء ، ولاحدّثت بها نفسي.

فقال النبيّ : صدقت وصدقت.

ففرحت فاطمة عليها‌السلام بذلك وتبسّمت حتّى رأى ثغرها ، فقال أحدهما لصاحبه : إنّه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة ، قال : ثمّ أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليٍّ عليه‌السلام فشبّك أصابعه بأصابعه فحمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن ، وحمل الحسينَ عليٌّ عليهما‌السلام ، وحملت فاطمة عليها‌السلام اُمّ كلثوم وأدخلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيتهم ووضع عليهم قطيفة واستودعهم الله ، ثمّ خرج وصلّى بقيّة الليل ، فلمّا مرضت فاطمة عليها‌السلام مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين واستأذنا عليها ، فأبت أن تأذن لهما فلمّا رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهداً أن لا يظلّه سقف بيت حتّى يدخل على فاطمة عليها‌السلام ويتراضاها ، فبات ليلة في الصقيع (١) ما أظلّه شيء ، ثمّ إنّ عمر أتى عليّاً عليه‌السلام فقال له : إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب ، وقد كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، فله صحبة وقد أتيناهاغير هذه المرّة مراراً نريد الإذن عليها ، وهي تأبى أن تأذن لنا حتّى ندخل عليها فنتراضى (٢) ، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل.

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : الصقيع : الذي يسقط من السماء بالليل شبنم شبيه بالثلج ، وقدصقعت الأرض فهي مصقوعة. الصحاح ٣ : ٥٢٣ / صقع.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : «فترضى» أو «فتراضاها».

٣٥٧

قال : نعم ، فدخل عليٌّ عليه‌السلام على فاطمة عليها‌السلام فقال : يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردّدا مراراً كثيرة ، ورددتهما ولم تأذني لهما ، وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك؟

فقالت : والله ، لاآذن لهما ولا أُكلّمهما كلمة من رأسي حتّى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه منّي ، فقال عليٌّ عليه‌السلام : فإنّي ضمنت لهما ذلك ، قالت : إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك ، والنساء تتبع الرجال ، لا أُخالف عليك بشيء ، فأذن لمن أحببت.

فخرج عليٌّ عليه‌السلام فأذن لهما ، فلمّا وقع بصرهما على فاطمة عليها‌السلام سلّما عليها ، فلم تردّ عليهما وحوّلت وجهها عنهما ، فتحوّلا واستقبلا وجهها حتّى فعلت مراراً ، وقالت : يا علي ، جاف الثوب.

وقالت لنسوة حولها : حوّلنّ وجهي ، فلمّا حوّلن وجهها حوّلا إليها ، فقال أبو بكر : يا بنت رسول الله ، إنّما أتيناك ابتغاء مرضاتك ، واجتناب سخطك ، نسألك أن تغفري لنا ، وتصفحي عمّا كان منّا إليك.

قالت : لااُكلّمكما (١) من رأسي كلمة واحدة أبداً حتّى ألقى أبي ، وأشكوكما إليه ، وأشكو صنيعكما وفعالكما ، وما ارتكبتما منّي.

قالا : إنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك ، فاغفري واصفحي عنّا ، ولا تؤاخذينا بما كان منّا.

فالتفتت إلى عليٍّ عليه‌السلام وقالت : إنّي لا أُكلّمهما من رأسي كلمة حتّى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن صدّقاني رأيت رأيي.

قالا : اللّهمّ ذلك لها ، وإنّا لانقول إلاّ حقّاً ، ولانشهد إلاّ صدقاً.

__________________

(١) في «ج ، ل ، س» : أُكلّمهما.

٣٥٨

فقالت : أنشدكما بالله ، أتذكران أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استخر جكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر عليٍّ؟

فقالا : اللّهمّ نعم.

فقالت : أنشدكما بالله ، هل سمعتما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : فاطمة بضعة منّي وأنا منها ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا : اللّهمّ نعم.

قالت : الحمد لله ، ثمّ قالت : اللّهمّ إنّي اُشهدك فاشهدوا يامن حضرني أنّهما قد آذياني في حياتي وعند موتي والله لاأُكلّمهما (١) من رأسي كلمة حتّى ألقى ربّي فأشكو إليه (٢) بما صنعتما بي وارتكبتما منّي.

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال : ليت اُمّي لم تلدني.

فقال عمر : عجباً للناس ، كيف ولّوك اُمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها ، وما لمن أغضب امرأة ، وقاما وخرجا.

قال : فلمّا نعى (٣) إلى فاطمة عليها‌السلام نفسها أرسلت إلى اُمّ أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها ، فقالت لها : يا اُمّ أيمن ، إنّ نفسي نعيت (٤) إليّ فادعي لي عليّاً ، فدعته لها فلمّا دخل عليها قالت له : يابن العمّ ، أُريد أن أُوصيك بأشياء فاحفظها عليَّ ، فقال لها : قولي ما أحببت.

قالت له : تزوّج فلانة تكون لولدي مربّية من بعدي مثلي ، واعمل

__________________

(١) في المطبوع : أكلّمكما.

(٢) في المطبوع : فأشكوكما، بدل : فأشكو إليه.

(٣) في «س، ش» : نعيت، وفي هامشهما كما في المتن.

(٤) ورد في حاشية «ج، ل» : نعيت الميّت نعياً من باب نفع، أخبرت بموته. المصباح المنير : ٦١٥ .

٣٥٩

نعشاً فإنّي (١) رأيت الملائكة قد صوّرته لي.

فقال لها علي : أريني كيف صوّرته؟ فأرته ذلك كما وصفت له وكما أمرت به ، ثمّ قالت : فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أيّ ساعة كانت من ليل أو نهار ولايحضرنّ من أعداء الله وأعداء رسوله للصلاة عليَّ (٢) ، قال عليٌّ عليه‌السلام : أفعل.

فلمّا قضت نحبها صلّى الله عليها وهمّ في ذلك في جوف الليل أخذعليٌّ في جهازها من ساعته كما أوصته ، فلمّا فرغ من جهازها أخرج عليٌّ الجنازة وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتّى صلّى عليها ودفنها ليلاً ، فلمّا أصبح أبو بكر وعمر عاودا (٣) عائدين لفاطمة فلقيا رجلاًمن قريش فقالاله : من أين أقبلت؟

قال : عزّيت عليّاً بفاطمة ، قالا : وقد ماتت؟

قال : نعم ، ودُفنت في جوف الليل. فجزعا جزعاً شديداً ثمّ أقبلا إلى عليٍّ عليه‌السلام فلقياه وقالا له : والله ، ما تركت شيئاً من غوائلنا ومساءتنا وما هذا إلاّ من شيء في صدرك علينا ، هل هذا إلاّ كما غسّلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دوننا ، ولم تدخلنا معك ، وكما علّمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن انزل عن منبر أبي؟

فقال لهما عليٌّ عليه‌السلام : أتصدّقاني أن حلفت لكما؟ قالا : نعم.

فحلف ، فأدخلهما على المسجد فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد أوصاني وتقدّم إليَّ أنّه لايطّلع على عورته أحد إلاّ ابن عمّه ، فكنت اُغسّله والملائكة تقلّبه والفضل بن العبّاس يناولني الماء ، وهو مربوط العينين

__________________

(١) أثبتناها من «ج ، ل».

(٢) في المطبوع زيادة : أحد.

(٣) في «س ، ع ، ح ، ل» وحاشية «ش» عن نسخة : غديا.

٣٦٠