موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

وطليب بن عمير ، وخبّاب (بن الأرت) مولى عتبة بن غزوان ، فنزلوا على عبد الله بن سلمة في قباء.

ونزل مولى خبّاب : عتبة بن غزوان وابو حذيفة عتبة بن ربيعة ، وسالم مولاه ، على عبّاد بن بشر من بني عبد الأشهل.

ولم يتخلّف بمكّة أحد من المهاجرين الا من حبس أو فتن ، الا عليّ ابن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة. وأقام رسول الله بمكّة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة (١).

وعلم من هنا أن حمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث بن المطّلب واخوانه وموالي رسول الله : زيد بن حارثة وأبا كبشة وأنسة كانوا قد هاجروا ، ولعلّ ذلك كان قبل بيعة العقبة الاولى فضلا عن الثانية ولذلك لا يوجد لهم ذكر أو أثر فيها ، بل روى ابن اسحاق أنّ العبّاس حضرها يتوثق لابن أخيه وهو على دين قومه ، وقد مرّ الكلام فيه.

وقد ذكر عن ابن عباس قال : كان أبي من المستضعفين من الرجال ، وامّي كانت من المستضعفات من النساء ، وكنت أنا من المستضعفين من الولدان ، غلاما صغيرا (٢) ويقصد بالمستضعفين قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا (يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً)(٣) فإن صحّ قوله عن نفسه وامّه فالله أعلم بأبيه.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة٢ : ١١٨ ـ ١٢٣.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٥٠.

(٣) النساء : ٩٧ ـ ٩٩.

٦٦١
٦٦٢

الفصل العاشر

المؤامرة لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٦٣
٦٦٤

شورى دار الندوة :

روى العياشي في تفسيره عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : إنّ قريشا اجتمعت فخرج من كلّ بطن اناس ، فانطلقوا الى دار الندوة ليشاوروا فيما يصنعون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاذا هم بشيخ قائم على الباب ، واذ ذهبوا ليدخلوا قال : أدخلوني معكم. قالوا : ومن أنت؟ يا شيخ ، قال : أنا شيخ من مضر ، ولي رأي اشير به عليكم.

فدخلوا وجلسوا وتشاوروا وهو جالس ، وأجمعوا أمرهم على أن يخرجوه.

فقال : ليس هذا لكم برأي ، ان اخرجتموه أجلب عليكم الناس فقاتلوكم.

قالوا : صدقت ما هذا برأي. ثمّ تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه.

قال : هذا ليس بالرأي ، إن فعلتم هذا ، ومحمّد رجل حلو اللسان أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم ، وما ينفع أحدكم اذا فارقه أخوه وابنه أو امرأته؟!

٦٦٥

ثمّ تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه ، يخرجون من كل بطن منهم بشاب فيضربونه بأسيافهم جميعا (١).

وروى الصدوق في «الخصال» بسنده عن جابر الجعفي عن الباقر عن علي عليه‌السلام قال : إنّ قريشا لم تزل تجيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبيّ حتّى كان آخر ما اجتمعت عليه في يوم الدار دار الندوة ... فلم تزل تضرب أمرها ظهرا لبطن حتّى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كلّ فخذ من قريش رجل ، ثمّ يأخذ كلّ رجل منهم سيفه ثمّ يأتي النبيّ وهو نائم على فراشه ، فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، فاذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمهم ، فيمضي دمه هدرا (٢).

وقال القمي في تفسيره : اجتمعوا في دار الندوة ، وكان لا يدخل دار الندوة الّا من أتى عليه أربعون سنة ، فدخلوا أربعون رجلا من مشايخ قريش.

وجاء ابليس في صورة شيخ كبير ، فقال له البوّاب : من أنت؟ فقال :

أنا شيخ من أهل نجد (٣) ، لا يعدمكم مني رأي صائب ، إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل جئت لاشير عليكم. فقال الرجل : ادخل ، فدخل ابليس.

فلمّا أخذوا مجلسهم قال أبو جهل : يا معشر قريش ، إنّه لم يكن أحد من العرب أعزّ منّا ، نحن أهل الله تغدوا إلينا العرب في السنة مرتين ، ويكرموننا ، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع ، فلم نزل كذلك حتّى نشأ فينا محمّد بن عبد الله ،

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٥٤.

(٢) الخصال : ٣٦٧.

(٣) نقل السهيلي في (الروض الانف) عن بعض أهل السيرة أنهم قالوا : لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لأن هواهم مع محمّد ، فلذلك تمثل لهم ابليس في صورة شيخ نجدي. كما عنه في هامش ابن اسحاق في السيرة٢ : ١٢٤ ، والخبر في السيرة عن ابن عباس.

٦٦٦

فكنّا نسمّيه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته ، حتّى اذا بلغ ما بلغ واكرمناه ادّعى أنّه رسول الله وأن أخبار السماء تأتيه ، فسفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا ، وزعم أنّه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا! وقد رأيت فيه رأيا.

قالوا : وما رأيت؟ قال : رأيت أن ندسّ إليه رجلا منّا ليقتله فان طلبت بنو هاشم بديته أعطيناهم عشر ديات.

فقال الخبيث : هذا رأي خبيث! قالوا : وكيف ذلك؟ قال : لأنّ قاتل محمّد مقتول لا محالة ، فمن ذا الّذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فانه إذا قتل محمّد تعصّب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإنّ بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على الأرض فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا.

فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر. قالوا : وما هو؟ قال : نثبته في بيت ونلقي إليه قوته حتّى يأتي عليه ريب المنون ، فيموت ، كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس.

فقال ابليس : هذا أخبث من الآخر! قالوا : وكيف ذلك؟

قال : لأن بني هاشم لا ترضى بذلك ، فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه.

قال آخر منهم : لا ، ولكنّا نخرجه من بلادنا ونتفرغ لعبادة آلهتنا.

قال ابليس : هذا أخبث من الرأيين المتقدمين! قالوا : وكيف ذلك؟ قال :

لانكم تعمدون الى أصبح الناس وجها وأنطق الناس لسانا وأفصحهم لهجة فتحملونه الى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه ، فلا يفجأكم الا وقد ملأها عليكم خيلا ورجلا.

فبقوا حائرين ... ثمّ قالوا لابليس : فما الرأي فيه يا شيخ؟ قال : ما فيه الّا رأي واحد.

٦٦٧

قالوا : وما هو؟ قال : يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ، ويكون معهم من بني هاشم رجل ، فيأخذون سكّينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتّى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه ، فان سألوكم أن تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات. فقالوا : نعم وعشر ديات ... ثمّ قالوا : الرأي رأي الشيخ النجدي. ونزل جبرئيل على رسول الله وأخبره الخبر (١).

وروى الطوسي في أماليه بسنده عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسر حديثا في مبيت علي عليه‌السلام على فراش رسول الله وهجرته الى المدينة ، صدره عن سنان بن أبي سنان عن هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة ، وسايره عن أبيه محمّد بن عمار عن أبيه عمار بن ياسر ، وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أبي رافع مولى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا :

انطلق ذوو الطول والشرف من قريش الى دار الندوة ليرتاءوا ويأتمروا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسرّوا ذلك فيما بينهم.

فقال بعضهم ـ وهم العاص بن وائل السهمي وأميّة بن أبي خلف الجمحي ـ نبني له علما ويترك برحا نستودعه فيه ، فلا يخلص إليه أحد من الصباة فيه ، ولا يزال في رفق من العيش حتّى يتضيّفه ريب المنون.

فقال أبو سفيان وعتبة وشيبة ابنا ربيعة : إنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمّدا عليه كتافا وشدّا ، ثمّ نقصع البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك اربا اربا!

فقال صاحب رأيهم : إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا ، أرأيتم إن خلص به البعير سالما الى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم سحره وبيانه وطلاقة لسانه فصبأ

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٥

٦٦٨

القوم إليه واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة ، فليسيرنّ إليكم حينئذ بالكتائب والمقانب ، فلتهلكنّ كما هلكت اياد ومن كان قبلكم. قولوا قولكم.

فقال أبو جهل : لكن أرى لكم أن تعمدوا الى قبائلكم العشرة فتندبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا ، ثمّ تسلّحوا سلاحا عضبا ، وتتمهّد الفتية حتّى اذا غسق الليل وغوّر بيّتوا بابن أبي كبشة بياتا ، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم ، فيرضون حينئذ بالعقل (١) منهم.

فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم. ثمّ أقبل عليهم فقال : هذا الرأي فلا تعدلنّ به رأيا ، وأوكئوا في ذلك أفواهكم حتّى يستتبّ أمركم. ثمّ خرج القوم.

فسبقهم جبرئيل بالوحي بما كان من كيدهم (٢).

علي عليه‌السلام والمبيت في فراش النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لمّا أخبر النبيّ جبرئيل عليه‌السلام بأمر الله في ذلك ووحيه وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله علي بن أبي طالب لوقته فقال له : يا علي ، انّ الروح هبط عليّ يخبرني أن قريش اجتمعت على المكر بي وقتلي ، وانّه اوحي الي عن ربّي عزوجل أن أهجر دار قومي وأن أنطلق الى غار ثور تحت ليلتي ، وإنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري ، فما أنت صانع؟

فقال علي عليه‌السلام : أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ الله؟ قال : نعم. فتبسّم علي ضاحكا وأهوى الى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه رسول الله به من سلامته ،

__________________

(١) العقل هنا : الدية ، ومنه عاقلة الرجل.

(٢) أمالي الطوسي : ٤٦٣ ـ ٤٦٥ ، الحديث ٣٥.

٦٦٩

فكان علي ـ صلوات الله عليه ـ أوّل من سجد لله شكرا ، وأوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الامّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فلمّا رفع رأسه قال له علي عليه‌السلام : امض بما امرت ، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومرني بما شئت ... وإن توفيقي الا بالله ... فقال له : فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي ، ثمّ اني اخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا ابن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله ابراهيم والذبيح اسماعيل عليهما‌السلام ، فصبرا صبرا ، فان رحمة الله قريب من المحسنين ، ثمّ ضمّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى صدره وبكى وجدا به ، وبكى علي عليه‌السلام جشعا لفراق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كيفية هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى المدينة :

واستتبع رسول الله أبا بكر بن أبي قحافة (١) وهند بن أبي هالة فأمرهما

__________________

(١) م. ن.

(٢) روى العياشي في تفسيره ١ : ١٠١ عن ابن عباس قال : وجاء أبو بكر ـ وعلي عليه‌السلام نائم ـ وهو يحسب أنّه نبيّ الله (فلمّا رآه عليا) قال : أين نبيّ الله؟ قال علي : انّ نبيّ الله قد انطلق نحو بئر ميمون ، فأدركه. فانطلق ابو بكر فدخل معه الغار.

وقال الطبري في تاريخه ٢ : ٣٧٤ مشيرا الى هذا : وقد زعم بعضهم : أن أبا بكر أتى عليا فسأله عن نبيّ الله ، فأخبره : أنّه لحق بالغار من ثور وقال : ان كانت لك فيه حاجة فالحقه. فخرج أبو بكر مسرعا فلحق نبيّ الله في الطريق ، فسمع جرس أبي بكر في ظلمة الليل فحسبه من المشركين ، فأسرع رسول الله المشي فانقطع قبال نعله ففلق ابهامه حجر فكثر دمها ، وأسرع السعي ، فخاف أبو بكر أن يشق على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرفع صوته وتكلم فعرفه رسول الله فأقام حتّى أتاه ، فانطلقا ، ورجل رسول الله تستنّ دما حتّى انتهى الى الغار مع الصبح فدخلاه.

٦٧٠

أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه الى الغار. ولبث رسول الله بمكانه مع علي عليه‌السلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتّى صلّى العشاءين ، ثمّ خرج في فحمة العشاء الآخرة ، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(١) وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رءوسهم ، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم ومضى حتّى أتى الى هند وأبي بكر

__________________

وأصبح الرهط الّذين كانوا يرصدون رسول الله فدخلوا الدار ، وقام علي عليه‌السلام عن فراشه ، فلمّا دنوا منه عرفوه فقالوا له : أين صاحبك؟ قال : لا أدري أو كنت رقيبا عليه ، أمرتموه بالخروج فخرج ، فانتهروه وضربوه وأخرجوه الى المسجد فحبسوه ساعة ثمّ تركوه.

وجاء الحبس في خبر رواه الرضيّ في «الخصائص» عن علي عليه‌السلام قال : كنت على فراش رسول الله وقد طرح عليّ ريطته ، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها ، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج ، فأقبلوا عليّ يضربوني بما في أيديهم حتّى تنفّط جسدي وصار مثل البيض ، ثمّ انطلقوا بي يريدون قتلي ، فقال بعضهم : لا تقتلوه الليلة ، ولكن أخّروه واطلبوا محمّدا. فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت (قرب البيت الحرام) واستوثقوا مني ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك ، اذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول : يا علي! فسكن الوجع الّذي كنت أجده ، وذهب الورم الّذي كان في جسدي ، ثمّ سمعت صوتا آخر يقول : يا علي فاذا الحديد الّذي عليّ قد تقطّع ، ثمّ سمعت صوتا : يا علي ، فاذا الباب قد تساقط ما عليه وفتح. فقمت وخرجت ، وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء لا تبصر ولا تنام تحرس الباب ، فخرجت عليها وهي لا تعقل من النوم. كما في حلية الأبرار ١ : ٩٧ ، وعن الخرائج في البحار ١٩ : ٧٦. ومن المستبعد جدّا أن يكون أبو بكر قد علم باتّجاه الرسول بالسؤال من علي عليه‌السلام في فراش الرسول في حصار المشركين وهم يرمونه ، بل المتّجه ما ذكره القطب الراوندي في الخرائج والجرائح : قال النبيّ لأصحابه : لا يخرج الليلة أحد من داره. كما في البحار ١٩ : ٧٣.

(١) يس : ٩.

٦٧١

فنهضا معهم حتّى وصلوا الى الغار ، ثمّ رجع هند الى مكّة بما أمره به رسول الله ، ودخل رسول الله وأبو بكر الغار.

فلمّا غلّق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر أقبل القوم على علي عليه‌السلام يقذفونه بالحجارة فلا يشكّون أنّه رسول الله حتّى اذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي عليه‌السلام ـ وكانت دور مكّة يومئذ سوائب لا أبواب لها ـ فلمّا بصر بهم علي عليه‌السلام قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة وثب عليّ فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار من خلفه ، وشدّ عليهم علي عليه‌السلام بسيفه ـ يعني سيف خالد ـ فاجفلوا أمامه إجفال النعم الى ظاهر الدار ، وتبصّروه فاذا علي عليه‌السلام ، قالوا : وانك لعلي؟ قال : أنا علي ، قالوا : فانّا لم نردك فما فعل صاحبك؟ قال : لا علم لي به. فاذكت قريش عليه العيون وركبت في طلبه الصّعب والذلول (١).

وقال القمي في تفسيره : فلمّا أمسى رسول الله جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب : لا أدعكم أن تدخلوا بالليل فان في الدار صبيانا ونساء ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة ، فنحرسه الليلة فاذا أصبحنا دخلنا عليه. فناموا حول حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمر رسول الله أن يفرش له ففرش له ، فقال لعلي بن أبي طالب : أفدني بنفسك ، قال : نعم يا رسول الله. قال : نم على فراشي والتحف ببردتي. فنام على فراش رسول الله والتحف ببردته.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٤٦٣ الحديث ١٠٣١.

٦٧٢

وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) وقال له جبرئيل : خذ على طريق ثور. وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور. فدخل الغار (١).

وروى الطوسي في أماليه بسند عن الواقدي بسنده عن ابن عباس قال : اجتمع المشركون في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله ، وأتى جبرئيل رسول الله فأخبره الخبر ، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة. فلمّا أراد رسول الله المبيت أمر عليا عليه‌السلام أن يبيت في مضجعه صلى‌الله‌عليه‌وآله. فبات علي عليه‌السلام وتغشى ببرد أخضر حضرمي كان لرسول الله ينام فيه ، وجعل السيف الى جنبه. فلمّا اجتمع اولئك النفر من قريش يطوفون ويرصدونه يريدون قتله ، خرج رسول الله وهم جلوس على الباب خمسة وعشرون رجلا ، فأخذ حفنة من البطحاء ثمّ جعل يذرّها على رءوسهم وهو يقرأ (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) حتّى بلغ (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) فقال لهم قائل : ما تنتظرون؟ قالوا : محمّدا. قال : خبتم وخسرتم قد والله مرّ بكم فما منكم رجل الا وقد جعل على رأسه ترابا! قالوا : والله ما أبصرناه! (٢).

وروى الحبري في «ما نزل من القرآن في أهل البيت» بسنده عن ابن عباس أيضا قال : لما انطلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الغار فأنام عليا عليه‌السلام مكانه وألبسه برده وجاءت قريش تريد أن تقتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعلوا يرمون عليا وهم يرون أنّه

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٧٥ ، ٢٧٦ ونقله الطبرسي في اعلام الورى : ٦١ ، ٦٣ والقطب الراوندي في قصص الأنبياء : ٣٣٥ ـ ٣٣٧.

(٢) أمالي الطوسي ٢ : ٦٠ وعنه في البحار ١٩ : ٥٣ ، ٥٤ ورواه ابن اسحاق عن محمّد ابن كعب القرظي ٢ : ١٢٧.

٦٧٣

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يتضوّر (١) فنظروا فاذا هو علي عليه‌السلام فقالوا : إنك النائم؟! لو كان صاحبك ما تضوّر ، لقد استنكرنا ذلك (٢).

وروى الطوسي في أماليه بسنده عن الحسن البصري عن أنس بن مالك قال : لما توجّه رسول الله الى الغار ـ ومعه أبو بكر ـ أمر النبيّ عليا أن ينام على فراشه ويتغشّى ببردته. فبات عليّ موطنا نفسه على القتل. وجاءت رجال من قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله ، فلمّا أرادوا أن يضعوا أسيافهم فيه لا يشكّون أنّه محمّد ، أيقظوه فرأوه عليا فتركوه وتفرقوا في طلب رسول الله (٣).

وقال القمي في تفسيره : فلمّا أصبحت قريش أتوا الى الحجرة وقصدوا الفراش ، فوثب علي عليه‌السلام في وجوههم وقال : ما شأنكم؟ قالوا له : أين محمّد؟ قال : أجعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا؟! فقد خرج عنكم. فأقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون له : أتخدعنا منذ الليلة؟!

وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبو كرز ، يقفو الآثار ، فقالوا له :

__________________

(١) التضوّر : التلوي والأنين من الألم.

(٢) ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام : ٤٧ ط قم ورواه العياشي ١ : ١٠١ والفرات : ٩ والبرهان ١ : ٢٠٧ وروى مختصره الطبرسي في إعلام الورى : ١٩٠. هذان خبران عن ابن عباس وليس فيهما ما رواه عنه ابن اسحاق في سيرته برواية ابن هشام قال : قال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي وتسجّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه ، فانه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم. ابن اسحاق في السيرة٢ : ١٢٦ ، ١٢٧ بل سيأتي في رواية الطوسي عن الثلاثة : عمار بن ياسر وأبي رافع وهند بن أبي هالة : أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله انما قال ذلك له بعد نهاية الأمر حين اللقاء به في الغار. بل روى عن الحسن البصري عن أنس بن مالك : أن عليا بات تلك الليلة موطنا نفسه على القتل. ولكنهم وضعوا ذلك ليضيعوا من معنى التضحية والفداء في زوج الزهراء عليها‌السلام.

(٣) أمالي الطوسي ٢ : ٦١ وعنه في البحار ١٩ : ٥٥.

٦٧٤

يا أبا كرز اليوم اليوم! فوقف بهم على حجرة رسول الله فقال : هذه قدم محمّد ، والله انها لاخت القدم الّتي في المقام (١) هذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ، فما زال بهم حتّى أوقفهم على باب الغار ثمّ قال : ما جاوزوا هذا المكان ، امّا أن يكونا صعدا الى السماء أو دخلا تحت الأرض.

وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ... وصرفهم الله عن رسوله فتفرقوا (٢).

وقال الطبرسي في «إعلام الورى» : وخرج القوم في طلبه ، فعمى الله أثره وهو نصب أعينهم ، وصدّهم عنه وأخذ بأبصارهم دونه ، وهم دهاة العرب ، وبعث الله العنكبوت فنسجت في وجه الغار فسترته وأيّسهم ذلك من الطلب.

وبعث الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار (٣).

وأقبل فتيان قريش من كلّ بطن رجل بعصيّهم وهراويهم وسيوفهم حتّى اذا كانوا من النبيّ بقدر أربعين ذراعا (عشرين مترا) تقدم رجل منهم لينظر من في الغار ، ورجع الى أصحابه فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار؟ فقال : رأيت حماما بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد. وسمع النبيّ ما قال فدعا لهن وفرض جزاءهن فاتخذن في الحرم (٤).

__________________

(١) مقام ابراهيم ، وهي قدمه.

(٢) تفسير القمي ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٦ ونقله الطبرسي في اعلام الورى : ٦١ ـ ٦٣ والقطب الراوندي في قصص الأنبياء : ٣٣٥ ـ ٣٣٧ وفي الخرائج والجرائح ١ : ٤٤ ح ٢٣١ وذكر اسم الرجل : أبا كريز.

(٣) نقله ابن شهرآشوب عن زيد بن أرقم بن مالك والمغيرة بن شعبة في المناقب ١ : ١٢٨.

(٤) ونقله ابن شهرآشوب عن الزهري في المناقب ١ : ١٢٨.

٦٧٥

وفي ذلك يقول السيد الحميري في قصيدته المعروفة بالمذهّبة :

حتّى اذا قصدوا لباب مغارة

الفوا عليه نسيج غزل العنكب

صنع الاله له ، فقال فريقهم :

ما في المغار لطالب من مطلب

ميلوا. وصدّهم المليك ، ومن يرد

عنه الدفاع مليكه ، لم يعطب (١)

وأمهل علي عليه‌السلام حتّى اذا أعتم في الليلة القابلة فانطلق هو وهند بن أبي هالة حتّى دخلا على رسول الله في الغار ، فأمر رسول الله هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك ـ يا نبيّ الله ـ راحلتين نرتحلهما الى يثرب. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اني لا آخذها ولا احداهما الّا بالثمن. فقال : فهي لك بذلك. فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام فأقبضه الثمن (٢) ثمّ وصّاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته.

وكانت قريش في الجاهلية تدعو محمّدا : الأمين ، فكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكّة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك. فأمر عليا عليه‌السلام أن يقيم صارخا يهتف بالابطح غدوة وعشيّا : من كان له قبل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤدّ إليه أمانته. ثمّ قال له : انّهم لن يصلوا إليك من الآن ـ يا عليّ ـ بأمر تكرهه حتّى تقدم عليّ ، فأدّ أمانتي على أعين الناس ظاهرا.

ثمّ إني مستخلفك على ابنتي فاطمة ، ومستخلف ربّي عليكما ومستحفظه فيكما.

ثمّ أمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة من بني هاشم وقال له : فاذا قضيت ما أمرتك من أمر فكن على اهبة الهجرة الى الله ورسوله ،

__________________

(١) إعلام الورى : ٢٥.

(٢) وقال بمعناه ابن اسحاق ، كما في ابن اسحاق في السيرة٢ : ١٣١.

٦٧٦

وسر إليّ لقدوم كتابي عليك ولا تلبث. ثمّ مكث في الغار ثلاثا ثمّ انطلق لوجهه يؤمّ المدينة (١).

وقال الطبرسي : خلّفه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليخرج أهله فأخرجهم ، وأمره أن يؤدّي عنه أماناته ووصاياه وما كان بمؤتمن عليه. فأدّى علي عليه‌السلام اماناته كلها (٢).

وقال ابن شهرآشوب : واستخلفه الرسول لردّ الودائع ، لأنّه كان أمينا ... قام على الكعبة فنادى بصوت رفيع : يا أيّها الناس ، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصية؟ هل من صاحب عدة له قبل رسول الله. فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

ولكن الطبرسي في «إعلام الورى» نقل ما قاله القمي في تفسيره وأضاف :

خرج رسول الله من الغار فرأى راعيا لبعض قريش يقال له : ابن اريقط ، فدعاه رسول الله وقال له : يا ابن اريقط ، آتمنك على دمي؟ قال : إذا أحرسك وأحفظك ولا أدلّ عليك ، فأين تريد يا محمّد؟ قال : يثرب. قال : والله لأسلكن بك مسلكا لا يهتدي إليه أحد ... فقال له رسول الله : ائت عليا وبشّره بأنّ الله قد أذن لي في الهجرة فيهيّئ لي زادا وراحلة.

وقال له أبو بكر : ائت أسماء بنتي وقل لها : تهيّئ لي زادا وراحلتين ، وأعلم عامر بن فهيرة أمرنا ـ وكان من موالي أبي بكر وقد أسلم ـ وقل له : ائتنا بالزاد والراحلتين.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٠٠ كما في البحار ١٩ : ٦٣ وحلية الأبرار : ٩٠.

(٢) إعلام الورى : ١٩٠.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٢ : ٥٧.

٦٧٧

فجاء ابن اريقط الى علي عليه‌السلام وأخبره بذلك. فبعث عليّ بن أبي طالب الى رسول الله بزاد وراحلة ، وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين (١).

ولكنه (الطبرسي) عاد في ذكر مقامات علي عليه‌السلام فروى مختصر خبر ابن أبي رافع عن علي بن ابراهيم بن هاشم قال : كان علي عليه‌السلام يجهّز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين كان في الغار يأتيه بالطعام والشراب ، واستأجر له ثلاث رواحل للنبيّ ولأبي بكر ولدليلهم (٢).

ونقل ابن شهرآشوب عن الثعلبي في تفسيره وابن عقب في ملحمته وأبي السعادات في (فضائل العشرة) ، والغزّالي في (الاحياء) وفي (كيمياء السعادة) برواياتهم عن أبي اليقظان (عمّار بن ياسر) ومن الخاصة : ابن بابويه وابن شاذان والكليني والطوسي وابن عقدة وابن فياض والعبدلي والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي رافع وهند بن أبي هالة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أوحى الله الى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه. فأيّكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت.

فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب : آخيت بينه وبين محمّد نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، فظل على فراشه يقيه بمهجته ، اهبطا الى الأرض فاحفظاه من عدوه.

فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ! من مثلك يا ابن أبي طالب والله يباهي به الملائكة؟!

وأنزل الله فيه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٣).

__________________

(١) إعلام الورى : ٦٣ ، ٦٤.

(٢) اعلام الورى : ١٩٠ عن القمي ولم نجده في تفسيره.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٢ : ٦٤ ، ٦٥ والكليني في الروضة : ١١٩ والطوسي في

٦٧٨

منازل الطريق :

قال الطبرسي في «إعلام الورى» في تتمة خبر علي بن ابراهيم القمي : وخرج رسول الله من الغار وأخذ به ابن اريقط على طريق نخلة بين الجبال ، فلم يرجعوا الى الطريق (الأعظم) الا بقديد (١).

فنزلوا على أمّ معبد هناك (٢). وكانت امرأة برزة تحتبي وتجلس بفناء الخيمة ، فسألوا تمرا ولحما ليشتروه فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، واذا القوم مرملون ، وقالت : لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى. فنظر رسول الله في كسر خيمتها فقال : ما هذه الشاة يا أمّ معبد؟ قالت : شاة خلّفها الجهد عن الغنم. فقال : هل بها من لبن؟ قالت : هي أجهد من ذلك. قال : أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي ان رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا رسول الله بها فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال : اللهم بارك في شاتها. فتفاجّت ودرّت! فدعا رسول الله باناء لها

__________________

الأمالي : ٣٠٠ والكراجكي في كنز الفوائد عن الخطيب الخوارزمي في مناقبه. واليعقوبي ٢ : ٣٩ ط بيروت. والآية في البقرة : ٢٠٧.

(١) قاله ابن اسحاق في سيرته وأضاف : ثمّ أجاز بهما فسلك بهما الخرّار ، ثمّ سلك بهما ثنيّة المرّة ، ثمّ سلك بهما لفتا أو لقفا ، ثمّ أجاز بهما مدلجة لقف ، ثم استبطن بهما مدلجة مجاح او محاج ، ثم سلك بهما مرجح مجاح ، ثم تبطن بهما مرجح ذي الغضوين او العضوين ثمّ بطن وادي ذي كثر ، ثمّ أخذ بهما على الجداجد ثمّ على الأجرد ، ثمّ سلك بهما ذا سلم من بطن مدلجة تعهن ، ثمّ على العبابيد او العبابيب أو العيثانة ، ثمّ أجاز بهما الفاجّة أو القاحة ، ثمّ هبط بهما العرج ، ثمّ خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنيّة العائر او الغائر عن يمين ركوبة ، حتّى هبط بطن ريم ، ثمّ هبط بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتدّ الضحى بل كادت الشمس أن تعتدل. ابن اسحاق في السيرة٢ : ١٣٦.

(٣) إعلام الورى : ٦٤.

٦٧٩

يريض الرهط فحلب فيه ثجّا حتّى علته ثمالته فسقاها ، فشربت حتّى رويت ، ثمّ سقى أصحابه فشربوا حتّى رووا ، فشرب هو آخرهم وقال : ساقي القوم آخرهم شربا. فشربوا جميعا علّا بعد نهل حتّى أراضوا ، ثمّ حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغدوا عندها ثمّ ارتحلوا عنها.

فقلّما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق عنزا عجافا هزّلا ، ومخاجهنّ قليل ، فلمّا رأى اللبن قال : من أين لكم هذا؟ والشاة عازب ولا حلوب في البيت؟ قالت : لا والله الّا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت (١).

وروى الكليني في «روضة الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : كانت قريش قد جعلت لمن يأخذ رسول الله لما خرج من الغار متوجها الى المدينة مائة من الابل ، فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب ، فلحق برسول الله ، فقال رسول الله : اللهم اكفني شر سراقة بما شئت. فساخت قوائم فرسه ، فثنى رجله وقال : يا محمّد ، اني علمت أنّ الّذي أصاب قوائم فرسي إنّما هو من قبلك ، فادع الله أن يطلق لي فرسي ، فلعمري ان لم يصبكم مني خير لم يصبكم مني شر. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأطلق الله عزوجل فرسه ، فعاد في طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعل ذلك ثلاث مرات ، كلّ ذلك يدعو رسول الله فتأخذ الأرض قوائم فرسه ، فلمّا أطلقه في الثالثة قال : يا محمّد ، هذه ابلي بين يديك فيها غلامي ، وإن احتجت الى ظهر أو لبن فخذ منه ، وهذا سهم من كنانتي علامة ، وأنا أرجع فأردّ عنك الطلب. فقال : لا حاجة لي فيما عندك (٢).

__________________

(١) إعلام الورى : ٢٤ وذكره في الخرائج ١ : ١٤٦ ، ١٤٧ ، خ ٢٣٤ وفيه أنه قصد رسول الله فآمن هو وأهله.

(٢) روضة الكافي : ٢١٩ وفي البحار ١٧ : ٣٧٨ و ١٩ : ٨٨ عنه ومختصر الخبر في قرب الاسناد : ٢٤٨ ، الحدبث ١٢٢١ عن الكاظم عليه السلام.

٦٨٠