موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

ثمّ يقول عكرمة : فأهلك الله كسرى وجاء الخبر الى رسول الله يوم الحديبية ، ففرح ومن معه (١).

بينما روى رواية اخرى عن يحيى بن يعمر : أن كسرى (پرويز) بعث شهربراز بجيش الى الشام ، وبعث قيصر الروم (هرقل) بجيش من الروم لدفع شهربراز ، عليهم رجل يقال له قطمة ، فالتقيا ببصرى وأذرعات ـ وهي أدنى الأرض إليكم ـ فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس ، ففرح بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون فأنزل الله (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) فلم يبرح شهربراز يطؤهم ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ خليج القسطنطينية ، ثمّ مات كسرى (پرويز) فبلغهم موته ، فانهزم شهربراز وأصحابه ، وعند ذلك اديلت عليهم الروم فاتّبعوهم يقتّلونهم (٢).

فهاتان الروايتان عن يحيى بن يعمر ومن قبل عن عكرمة ، تتفقان على أن غلبة الفرس على الروم كانت بأذرعات من أواخر أراضي الشامات الى صحراء العرب ، وأن غلبة الروم على الفرس كانت بموت كسرى وهزيمة شهربراز وأصحابه وهجوم الروم عليهم حينئذ ، وأن الخبر بذلك جاء رسول الله يوم الحديبية ففرح ومن معه.

وهذا يتّفق مع ما حكاه الطبري عن الكلبي أن بعثة الرسول كانت في العشرين من ملك كسرى پرويز ، وهجرته كانت في الثلاث والثلاثين من ملكه (٣) أو لمضي اثنتين وثلاثين سنة وخمسة اشهر ، وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة (٤).

__________________

(١) الطبري ٢ : ١٨٦ وفي التفسير ٢٠ : ١٣ ، ١٤.

(٢) الطبري ٢ : ١٨٥.

(٣) الطبري ٢ : ١٨٧.

(٤) الطبري ٢ : ٢١٨ و ٢٢٧ و ٢٢٩.

٦٢١

أمّا القول الّذي رواه الطوسي عن أبي سعيد الخدري (١) والطبرسي عن مقاتل (٢) أنه لما كان يوم بدر وغلب المسلمون كفار مكّة أخبر رسول الله أن الروم غلبت فارسا ... فان يوم بدر كان في منتصف السنة الثانية للهجرة ، أي قبل موت كسرى پرويز وهزيمة الفرس أمام الروم بخمس سنين أو خمس سنين وستة أشهر ، واذ ذاك لم يؤرّخ للروم انتصار على الفرس ولم تؤرّخ على الفرس هزيمة أمام الروم بل كانت الفتوحات تتوالى لهم على الروم.

ولكن ممّا وقع على عهد خسرو پرويز ما ذكره الطبري قال : ومن ذلك ما كان من أمر ربيعة والجيش الّذي كان أنفذه إليهم كسرى پرويز لحربهم فالتقوا بذي قار ، وذكر عن النبيّ ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أنّه لمّا بلغه ما كان من هزيمة ربيعة لجيش كسرى قال : «هذا أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نصروا» (٣).

وقد قال المسعودي : وفي ملك پرويز كان حرب ذي قار ، وهو اليوم الّذي قال فيه النبيّ ـ صلّى الله عليه و [آله] وسلّم ـ : «هذا أوّل يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، ونصرت عليهم بي» وفي رواية أنها كانت بعد وقعة بدر بأشهر وكانت بين بكر بن وائل والهامرز صاحب كسرى پرويز (٤) فمن المحتمل قويا أن يكون الانتصار الّذي جاء الخبر به الى رسول الله فأخبر به أصحابه هو انتصار العرب على الفرس دون الروم.

أمّا وقعة أذرعات وكسكر ، فلم أجد فيما بيدي من كتب التأريخ الرومي والفارسي والعربي نقلا عنهما شيئا يخصّهما ، والمحتمل القريب من الحملات الّتي

__________________

(١) التبيان ٨ : ٢٢٨.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٦١.

(٣) الطبري ٢ : ١٩٣ و ٢٠٧.

(٤) مروج الذهب ١ : ٣٠٧ وذكر الخبر اليعقوبي ١ : ٢١٤ ، ٢١٥.

٦٢٢

مرّ ذكرها هي حملات ثلاث : حملة فتح أنطاكية ، وحملة فتح دمشق ، وحملة فتح القدس ، فمن المحتمل أن تكون احدى هذه الحملات قد طالت أذرعات في أواخر حدود الاردن نحو الحجاز ولكنها لا تتناسب مع زمان نزول سورة الروم قبيل الهجرة بقليل ، إذ الاولى كانت في ٦١١ م أي الثانية للبعثة ، والثانية كانت في ٦١٤ م أي في الخامسة للبعثة ، والثالثة كانت في ٦١٥ م أي السادسة للبعثة. بينما القريب المحتمل أن لا تكون الوقعة في أقل من السنة الثامنة للبعثة أي سنة ٦١٧ م وفيها كانت حملة القائد الايراني شاهين على كاپادوكية وكالسدونة ووصولهم الى أبواب مدينة القسطنطينية على ساحل بحر البوسفور. فهذه الحملة تحتمل الانطباق على قول الشيخ الطوسي بأن المراد أدنى الأرض من جهة عدوّهم (١) والّذي نقله الطبرسي عن مجاهد بأن المقصود من «أدنى الأرض» هو أدنى الأرض الى أرض فارس ، أقرب أرض الروم الى فارس (٢).

أمّا ما قاله الطبرسي : كان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين ، فدفعتهم فارس عنه ، وروي أنهم استردوا بيت المقدس وأن ملك الروم مشى إليه شكرا وبسطت له الرياحين فمشى عليها (٣).

فقد مرّ أن القرآن قد عبّر عن المسجد في مدينة القدس بجوار بيت المقدس ب «المسجد الأقصى» ولا يسعنا التصديق بأن المسجد أقصى والأرض أدنى «في أدنى الأرض» وليس مقبولا أن تكون الأرض أدنى والمسجد أقصى. ثمّ إن استرداد الروم لبيت المقدس لم ينقل تأريخيا أن يكون على عهد خسرو پرويز وهرقل معاصرا للرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) التبيان ٨ : ٢٢٩.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٦٠ وقال : يريد الجزيرة أي الموصل.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٤٦٠ ، ٤٦١.

٦٢٣

وممّا يؤيّد أن هذا الانتصار الرومي على فارس كان بعد وقعة بدر بكثير ما رواه الطبرسي في «مجمع البيان» أن أبا بكر لما أراد الهجرة تعلق به ابيّ بن خلف وأخذ ابنه عبد الله بن أبي بكر وأخذ منه ابنه كفيلا ، وجرح ابيّ في احد وعاد الى مكّة فمات من تلك الجراحة ، جرحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وروى عن الشعبي قال : لم تمض تلك المدة (تسع سنين) الّتي عقدها أبو بكر مع ابي بن خلف حتّى غلبت الروم فارسا وربطوا خيولهم بالمدائن ... فأخذ أبو بكر الخطر (الرهانة) من ورثته وجاء به الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتصدّق به (١).

السورة الخامسة والثمانون ـ «العنكبوت» :

(الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(٢).

روى الطبرسي في «مجمع البيان» عن الشعبي : أن الآية نزلت في اناس مسلمين كانوا بمكّة فخرجوا الى المدينة فاتبعهم المشركون فآذوهم ، فمنهم من نجا ومنهم من قتل. وعن ابن عباس : أنّه أراد ب «الناس» : الّذين آمنوا بمكّة : عمار بن ياسر ، والوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، وعياش ابن أبي ربيعة المخزومي ، وسلمة بن هشام المخزومي. وعن ابن جريج : أن الآية نزلت في عمار بن ياسر ، وكان يعذّب في الله (٣).

ولعل هذا هو مورد ما رواه الكشي في رجاله بسنده عن الليث بن سعد (كاتب الواقدي) عن عمر مولى غفرة قال : حبس عمار فيمن حبس وعذّب ، فانفلت فيمن انفلت من

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٤٦١ ، ٤٦٢ والكشاف للزمخشري ٣ : ٢١٤.

(٢) العنكبوت : ١ ، ٢.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٤٢٧.

٦٢٤

الناس ، فقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :أفلح أبو اليقظان! قال : ما أفلح ولا أنجح لنفسه ، لأنهم لم يزالوا يعذّبونه حتّى نال منك! (١).

وما أخرجه السيوطي عن ابن عباس قال : لمّا أراد الرسول أن يهاجر الى المدينة قال لأصحابه ... فأصبح بلال وخبّاب وعمّار ... فأخذهم المشركون ... وأمّا عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم ، تقية ... ثمّ خلّوا عنهم (٢).

فهذه الأخبار تناسب هذه الفترة وهذه المرة أي حين الهجرة ، ولا ترتبط بما حدث له في المرة الاولى حين نزول سورة النحل أواخر أيام حصار الشعب ، من تعذيب مشركي قريش له ولوالديه وقتلهما وتقيّته وافلاته بها ، وقول الرسول له يومئذ «ان عادوا لك فعد لهم» مشيرا الى تكرار الأمر هذه المرة حين الهجرة ، فكان كما أشار وألمح صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعليه فما في الخبر عن ابن عباس : «أن أبا جهل أسر عمارا وبقر بطن أمه» وما في آخره : «أن النبيّ جعل يمسح عينيه ويقول : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» خلط ووهم ، اذ كيف يقول له الرسول ذلك في المدينة بعد الهجرة حيث لا يتوقع عودة مشركي قريش الى تعذيب عمار؟! وكذلك أيضا ما في آخر خبر الكشي عن ابن سعد كاتب الواقدي : أنه قال له : «إن سألوا من ذلك فزدهم» إذ كيف يسألونه ذلك بعد أن قدم على رسول الله المدينة كما في الخبر.

كما أن ذيل خبر السيوطي : «ثم خلّوا عن بلال وخبّاب وعمّار فلحقوا برسول الله فأخبروه بالذي كان من أمرهم ... وأنزل الله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) خلط لما نزل من القرآن في عمار في المرة الاولى ـ في سورة

__________________

(١) رجال الكشي : ٣٥ ط مشهد.

(٢) الدر المنثور ٤ : ١٣٢.

٦٢٥

النحل ـ بما كان على عمار وصاحبيه بلال وخبّاب في هذه المرة الثانية حين هجرتهم الى المدينة ، مما يستلزم استثناء هذه الآيات من مكية سورة النحل بلا موجب. كما مرّ ذلك عند الكلام حول الآيات من سورة النحل.

ومنها قوله سبحانه : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)(١).

روى السيوطي في «الدر المنثور» عن سعد بن أبي وقاص قال : قالت أمي : لا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتّى تكفر بمحمّد ، فامتنعت من الطعام والشراب ، فنزلت الآية : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً).

وروى الطبرسي في «مجمع البيان» عن الكلبي قال : نزلت الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) في عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي ، وذلك أنّه أسلم فخاف أهل بيته فهاجر الى المدينة قبل أن يهاجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحلفت أمه أسماء بنت مخزمة التميمي : أن لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل بيتا حتّى يرجع إليها.

فلمّا رأى ابناها ابو جهل بن هشام والحرث بن هشام جزعها ، ركبا في طلبه حتّى أتيا المدينة ، فلقياه وذكرا له القصة ، فلم يزالا به حتّى أخذ عليهما المواثيق أن لا يصرفاه عن دينه ، فتبعهما.

__________________

(١) العنكبوت : ٨ ـ ١١.

٦٢٦

فلمّا خرجا به من المدينة أخذاه وأوثقاه كتافا وجلداه حتّى برئ من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله جزعا من الضرب وقال ما لا ينبغي ، فنزلت الآية (١).

وعليه فالآية تتنبّأ عن عودته عند حصول نصر الله لرسوله ، ثمّ لا تستبعد الآية أن يكون مؤمنا بباطنه فالله أعلم به ، وكذلك كان ، فان تمام خبر الطبرسي عن الكلبي : أنّه لما هاجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنون الى المدينة هاجر عياش وحسن اسلامه وحيث كان أشد أخويه عليه الحرث لذلك كان عياش قد حلف لئن قدر عليه خارجا من الحرم ليضربن عنقه ، وأسلم الحرث وهاجر الى المدينة وبايع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الاسلام ، وكان عياش خارجا عن المدينة فلم يشعر باسلامه حتّى لقيه يوما بظهر قبا فضرب عنقه ، ولما علم باسلامه بكى واسترجع ، ونزلت فيه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً)(٢) فأنبأت عن ايمانهما. وعليه فلعل الاشارة بالمنافقين الى السابق : سعد بن أبي وقاص بلحاظ ما بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وبعدها قوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ)(٣).

قال القمي في تفسيرها : كان الكفار يقولون للمؤمنين : كونوا معنا ، فان الّذي تخافون انتم ليس بشيء ، فان كان حقا فانا نتحمل ذنوبكم.

فيعذبهم الله مرتين مرة بذنوبهم ومرة بذنوب غيرهم (٤).

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٤٢٩.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٢٩ ، ٤٣٠.

(٣) العنكبوت : ١٢ ، ١٣.

(٤) تفسير القمي ٢ : ١٤٩. وروى السيوطي في الدر المنثور بسنده عن محمّد بن الحنفية قال : كان ابو جهل وصناديد قريش اذا جاء الناس يسلمون يتلقونهم فيقولون : انّه يحرم الخمر ويحرم الزنا فارجعوا ونحن نحمل أوزاركم فنزلت الآية.

٦٢٧

ومنها قوله سبحانه : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(١) روى الطبرسي في «مجمع البيان» عن مقاتل والكلبي قالا : نزلت في المستضعفين من المؤمنين بمكّة امروا بالهجرة عنها (٢).

ومنها قوله سبحانه : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٣) روى الطبرسي في «مجمع البيان» عن مقاتل والكلبي قالا : نزلت في جماعة كان يؤذيهم المشركون بمكّة فامروا بالهجرة الى المدينة ، فقالوا : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا عقار ، ومن يطعمنا ومن يسقينا؟ فنزلت فيهم (٤).

وتختم السورة توصيتها المسلمين بالصبر والجهاد بقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

واختلف الخبر هنا عن ابن عباس في آخر سورة نزلت بمكّة قبل الهجرة ، فبينما يروي الطبرسي في «مجمع البيان» عن الحاكم الحسكاني عن عطاء عن ابن عباس أنّه ذكر في آخر السور المكية بعد العنكبوت : سورة المطفّفين (٥) وكذلك الزركشي في «البرهان» والسيوطي في «الاتقان» (٦) وابن النديم في «الفهرست» عن محمّد بن النعمان بن بشير الأنصاري ، ولكنه قال : ويقال انها مدنية (٧) والسيوطي في «الاتقان» نقل خبرا آخر عن ابن عباس وآخر عن البيهقي عن عكرمة

__________________

(١) العنكبوت : ٥٦.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٥٥.

(٣) العنكبوت : ٦٠.

(٤) مجمع البيان ٨ : ٤٥٥.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٦١٣.

(٦) الاتقان : ١ : ١١ عن ابن ضريس من القرن الخامس.

(٧) الفهرست : ٣٧ ط مصر.

٦٢٨

عن ابن عباس ، اختلفا في ترتيب السور ولكنهما اتّفقا على اعتبار سورة المطفّفين من السور المدنية بخلاف الخبر السابق الّذي ذكر أنها مكية (١) وأضاف الطبرسي في «مجمع البيان» القول بذلك عن الحسن والضحاك (٢) وأضاف عن عكرمة عن ابن عباس سببا لنزولها قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله عزوجل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فأحسنوا الكيل بعد ذلك. وروى عن السدي قال : لمّا قدم صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة كان بها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر ، فنزلت الآيات (٣) بل في رواية أبي الجارود في «تفسير القمي» عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : نزلت (سورة المطفّفين) على نبيّ الله حين قدم المدينة وهم يومئذ أسوأ الناس كيلا ، فأحسنوا الكيل (٤) وهذا هو معنى ما رواه عكرمة عن ابن عباس. فهو المختار.

وعليه فان آخر ما نزل من القرآن بمكّة هي سورة العنكبوت ، وفيها الأمر بالهجرة كما مر ، فأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالهجرة فهاجروا زرافات ووحدانا ، ولحق هو بهم.

__________________

(٤) الاتقان ١ : ١٠.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٦٨٥.

(٦) مجمع البيان ١٠ : ٦٨٧.

(١) تفسير القمي ٢ : ٤١٠.

٦٢٩
٦٣٠

الفصل الثامن

بيعة العقبة وانتشار الإسلام في المدينة

٦٣١
٦٣٢

بيعة العقبة :

قال القمّي في تفسيره : لما قدمت الأوس والخزرج مكّة ، وكان اكثرهم مشركين على دينهم ، وفيهم عبد الله بن ابيّ بن سلول (١) ، وفيهم ممّن أسلم بشر كثير. وكان رسول الله نازلا في دار عبد المطلب (في منى في أيام موسم الحج) ومعه علي عليه‌السلام وحمزة والعباس. فجاءهم رسول الله وقال لهم : تمنعون جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربكم ، وثوابكم على الله الجنة؟ قالوا : نعم يا رسول الله فخذ لنفسك وربّك ما شئت. فقال : موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فاحضروا دار عبد المطّلب على العقبة ، ولا تنبّهوا نائما.

فلمّا حجّوا رجعوا الى منى ، وجاءه منهم سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار. فلمّا اجتمعوا قال لهم رسول الله : تمنعون جانبي حتّى أتلو عليكم

__________________

(١) سلول : اسم جدّته لأبيه.

٦٣٣

كتاب ربّكم وثوابكم على الله الجنة؟ فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حرام (١) : نعم يا رسول الله ، فاشترط لنفسك ولربّك.

فقال رسول الله : تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم ، وتمنعون أهلي ممّا تمنعون منه أهليكم؟ قالوا : فما لنا على ذلك؟ قال : تملكون بها العرب في الدنيا ، وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة. فقالوا : قد رضينا.

فقام العباس بن نضلة الأوسي فقال : يا معشر الأوس والخزرج ، تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنما تقدمون على حرب الأحمر والأبيض وعلى حرب ملوك الدنيا ، فان علمتم أنّه اذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغروه ، فانّ رسول الله ـ وان كان قومه خالفوه ـ فهو في عزّ ومنعة.

فقال له عبد الله بن حرام وأسعد بن زرارة وأبو الهيثم ابن التيهان : مالك وللكلام؟! ثمّ قالوا : يا رسول الله ، بل دمنا بدمك وأنفسنا بنفسك ، فاشترط لربك ولنفسك ما شئت.

فقال رسول الله : أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا يكفلون عليكم بذلك ، كما أخذ موسى من بني اسرائيل اثني عشر نقيبا. فقالوا : اختر من شئت.

فأشار جبرئيل عليه‌السلام إليهم ، فقال : هذا نقيب ، وهذا نقيب حتّى اختار تسعة من الخزرج وهم : أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبد الله بن حرام ـ وهو أبو جابر بن عبد الله الأنصاري ـ ورافع بن مالك ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، وعبادة ابن الصامت. وثلاثة من الأوس وهم : أبو الهيثم بن التيهان اليمني حليف بني عمرو بن عوف ، واسيد بن حضير (٢) ، وسعد بن خيثمة.

__________________

(١) أبو جابر بن عبد الله الأنصاري ، من شهداء احد.

(٢) وروی الصدوق في الخصال ٢ : ٤٩٢ : أسماء النقباء عن انقمى أيضاً عن أبان الأحمر

٦٣٤

فلمّا اجتمعوا وبايعوا رسول الله صاح بهم ابليس : يا معشر قريش والعرب ، هذا محمّد والصباة من الأوس والخزرج على هذه العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى ، فهاجت قريش وأقبلوا بالسلاح.

وسمع رسول الله النداء فقال للأنصار : تفرّقوا. فقالوا : يا رسول الله ان أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا.

فقال رسول الله : لم أومر بذلك ، ولم يأذن الله في محاربتهم.

فقالوا : يا رسول الله فتخرج معنا.

قال : انتظر أمر الله (بالهجرة) فتفرّقوا.

وخرج حمزة وعلي بن أبي طالب فوقف حمزة على العقبة ومعه السيف.

فجاءت قريش عن بكرة أبيها قد أخذوا السلاح ، فلمّا نظروا الى حمزة قالوا له : ما هذا الّذي اجتمعتم عليه؟

قال : ما اجتمعنا ، وما هاهنا أحد ، وو الله لا يجوز أحد هذه العقبة الّا ضربته بسيفي! فرجعوا. ورجع رسول الله الى مكّة.

(ولم يطلع المسلمون من الأوس والخزرج المشركين منهم ، وفيهم عبد الله بن ابيّ بن سلول ، فغدت قريش إليه) وقالوا له : قد بلغنا أنّ قومك بايعوا محمّدا على حربنا؟ فحلف لهم عبد الله : أنهم لم يفعلوا ولا علم له بذلك ، فصدّقوه (١).

ذكر ذلك القمي في تفسيره ، ونقله عنه الطبرسي في «اعلام الورى» والقطب الراوندي في «قصص الأنبياء» ولم يتبعه تلميذه ابن شهرآشوب في «مناقب آل

__________________

البجلي عن أشياخه (كذا) وفيهم اُسيد بن حضير ، وفي خبرين عن الباقر والصادق عليهما السلام عدّا بدله سهل بن حنيف الانصاري ، ولذا قال صاحب قاموس الرجال ٥ : ٣٥٥ في ترجمة سهل : أن العامة بدلوه بأُسيد لمساعدته لهم في الهجوم على دارالزهراء عليها السلام.

(١) تفسير القمي ١ : ٢٧٢ ، ٢٧٣.

٦٣٥

أبي طالب» بل قال : كان النبيّ يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطا من الخزرج ستة نفر ، فقال : أفلا تجلسون احدّثكم؟ قالوا : بلى ، فجلسوا إليه فدعاهم الى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ، فقال بعضهم لبعض : والله إنّه للنبيّ الّذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا تسبقنّكم إليه (فصدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام) وقالوا له : إنّا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم ، فعسى أن يجمع الله بينهم بك ، فسنقدم عليهم وندعوهم الى أمرك (ونعرض عليهم الّذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فان يجمعهم الله بك فلا رجل أعزّ منك ، ثمّ انصرفوا عن رسول الله راجعين الى بلادهم وقد آمنوا وصدّقوا).

فلمّا كان العام المقبل أتى من الأنصار الى الموسم اثنا عشر رجلا فلقوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعوه على «بيعة النساء» (١) وبعث معهم مصعب بن عمير ابن هاشم يصلي بهم (فكان يصلي بهم ويقرئهم القرآن حتّى سمّي) بينهم بالمقرئ ، وحتّى لم تبق دار في المدينة إلّا وفيها رجال ونساء مسلمون.

(وفي الموسم القادم) خرج جمع من الأنصار مع حجاج قومهم ، فاجتمعوا في ليلة من ليالي التشريق في الشعب عند العقبة ، ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان.

(فقام فيهم رسول الله) فقال : ابايعكم على الإسلام؟

فقال له بعضهم : نريد أن تعرّفنا ـ يا رسول الله ـ ما لله علينا وما لك علينا وما لنا على الله؟ فقال : أمّا ما لله عليكم : فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ،

__________________

(١) اصطلح المسلمون فيما بعد باسم بيعة النساء على البيعة الّتي وردت في الآية الثانية عشرة من سورة الممتحنة ، وإنمّا يكنّى بها عن بيعة لا قتال فيها في مقابل بيعة الحرب. وسورة الممتحنة نازلة بعد صلح الحديبية ، فالتسمية متأخرة.

٦٣٦

وأمّا ما لي عليكم : فتنصروني مثل نسائكم وأبنائكم ، وأن تصبروا على عضّ السيف وأن يقتل خياركم (١).

قالوا : فاذا فعلنا ذلك فما لنا على الله؟

قال : أمّا في الدنيا فالظهور على من عاداكم ، وفي الآخرة الرضوان والجنة.

فقال أبو الهيثم ابن التيهان : إنّ بيننا وبين الرجال حبالا ، فهل عسيت إن نحن قطعناها أو قطعوها ثمّ أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا؟

فتبسّم رسول الله ثمّ قال : بل الدم الدم والهدم الهدم احارب من حاربتم واسالم من سالمتم.

فأخذ البراء بن معرور بيده ثمّ قال : والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنك بما نمنع به ازرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ، ورثناها كبارا عن كبار.

فقال رسول الله : أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا. فاختاروا.

فقال لهم : ابايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين ، كفلاء على قومكم ، على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. فبايعوه على ذلك.

فصرخ الشيطان في العقبة : يا أهل الجباجب (٢) هل لكم في محمّد والصباة معه؟! فانهم قد اجتمعوا على حربكم. ففشا الخبر ونفر الناس وخرجوا في الطلب ، فلم يدركوا منهم الّا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأمّا المنذر فاعجز القوم هربا ، وأمّا سعد فأدركوه فأخذوه وربطوه بحبل رحله وأدخلوه مكّة يضربونه.

__________________

(١) وهذا معناه أن بيعة النساء السابقة تغيّرت هنا الى بيعة القتال والحرب.

(٢) الجباجب : جمع جبجبة : الوعاء من أدم ونحوه ، وتطلق على منازلهم في منى لأنها أوعية لهم.

٦٣٧

فبلغ خبره الى جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن أميّة (أخي أبي سفيان صخر بن حرب) فأتياه وخلّصاه (١).

هذا ما ذكره ابن شهرآشوب في فصل هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قال في الفصل السابق في أحواله وتواريخه : كان حصار الشعب أربع سنين. وقال قبله : توفي أبو طالب بعد نبوته بتسع سنين وثمانية أشهر ، وذلك بعد خروجه من الشعب بشهرين. وتوفيت خديجة بعده بستة أشهر. ولبث بعدها بمكّة ثلاثة أشهر فأمر أصحابه بالهجرة الى الحبشة (!) فخرج جماعة من أصحابه بأهاليهم ، وذلك بعد خمس من نبوته (!) وقال : فلمّا توفي ابو طالب خرج الى الطائف وأقام فيه شهرا ، ثمّ انصرف الى مكّة ومكث فيها سنة وستة أشهر في جوار مطعم بن عدي.

ثمّ ذكر مختصر خبر بيعة العقبة الاولى والعقبة الثانية ، ولكنه أضاف ذكر أسماءهم فقال :

كانت بيعة العقبة الاولى بمنى ، بايعه خمسة نفر من الخزرج وواحد من الأوس ، في خفية من قومهم «بيعة النساء» وهم : جابر بن عبد الله (٢) ، وقطبة بن عامر بن حرام ، وعوف بن الحارث ، وحارثة بن ثعلبة (٣) ، ومرثد ابن الأسد ، وأبو أمامة ثعلبة بن عمرو ، ويقال : هو أسعد بن زرارة.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٨١ ، ١٨٢. وهو مختصر خبر ابن اسحاق كما في ابن اسحاق في السيرة٢ : ٧٠ ـ ٩٣.

(٢) لا يوجد جابر فيمن شهد العقبة بل ابوه عبد الله بن عامر بن حرام. بل يعدّ جابر من أتراب الحسين عليه‌السلام.

(٣) ولا يوجد هذا الاسم أيضا في الستة الاولى ولا الأخيرة ، بل هو جدّ الأوس والخزرج ، اليعقوبي ٢ : ٣٠.

٦٣٨

وفي السنة القابلة ـ وهي العقبة الثانية ـ أنفذوا معهم ستة اخرى بالاسلام والبيعة ، وهم : أبو الهيثم بن التيهان ، وعبادة بن الصامت ، وذكوان ابن عبد الله ، ونافع بن مالك بن العجلان ، وعباس بن عبادة بن نضلة ، ويزيد بن ثعلبة حليف له. ويقال : مسعود بن الحارث ، وعويم بن ساعدة حليف لهم.

ثمّ أنفذ النبيّ عليه‌السلام معهم ابن عمّه : مصعب بن (عمير) بن هاشم ، فنزل دار أسعد بن زرارة ، فاجتمعوا عليه وأسلم أكثرهم.

وفي السنة القابلة كانت «بيعة الحرب» (١) كانوا سبعين رجلا وامراتين من الأوس والخزرج ، واختار منهم اثني عشر نقيبا ليكونوا كفلاء قومهم : تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ، فمن الخزرج : أسعد بن زرارة ، وجابر ابن عبد الله الأنصاري (٢) والبراء بن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع. ومن القواقل : عبادة بن الصامت. ومن الأوس : أبو الهيثم بن التيهان ، واسيد بن حضير ، وسعد بن خيثمة (٣).

وظاهره ـ كما ترى ـ أنّه يعدّد ثلاث بيعات في ثلاث سنوات متواليات ، ولم يسند الخبر لا هنا ولا في فصل هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) في الكتاب : الحرث ، أو الحرس ، ولا ريب أن الحرس مصحّف الحرث ، وهو مصحّف الحرب ، فهو الصحيح ولا معنى لغيره.

(٢) روى الكشي في رجاله بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : كان عبد الله أبو جابر بن عبد الله من السبعين ومن الاثني عشر ، وجابر من السبعين وليس من الاثني عشر. رجال الكشي : ٤١. وانظر معناه في قاموس الرجال ٢ : ٥٢٢.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٧٤ ، ١٧٥ وهو مختصر خبر ابن اسحاق كما في ابن اسحاق في السيرة٢ : ٧٣ ـ ٧٥ و ٨١ ـ ٨٧. ومنها ما بين الأقواس.

٦٣٩

وابن اسحاق يبدأ في خبر اسلام الأنصار ، فيذكر عرض الرسول نفسه على العرب ولقاءه بالستة من الخزرج عند العقبة ، وأنهم : أجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام ... ثمّ انصرفوا عن رسول الله راجعين الى بلادهم وقد آمنوا وصدّقوا. ثمّ يسمّيهم. ولا يذكر شيئا عن البيعة ولا يسمّيهما «بيعة النساء» ولا «العقبة الاولى» وابن شهرآشوب سماهما : بيعة العقبة الاولى ، وبيعة النساء. والعقبة الاولى الّتي اضيف فيها الى الستة الاولى ستة آخرون فكان الجميع اثني عشر رجلا وبعث معهم مصعب بن عمير ، يسمّيها : العقبة الثانية. والعقبة الثانية الّتي كان الأنصار فيها : ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين يسمّيها بيعة الحرب ، وهي كذلك ، ولكنه يجعلها البيعة الثالثة في السنة القابلة أي الثالثة. ولعلّ منشأ الشبهة له هو أن ابن اسحاق او ابن هشام لا يسمي اللقاء الأوّل (١) ، ويسمي اللقاء الثاني بالعقبة الاولى (٢) ويسمي اللقاء الثالث بالعقبة الثانية (٣) ثمّ يعود على شروط هذه البيعة بعنوان : شروط البيعة في العقبة الأخيرة : قال ابن اسحاق : وكانت بيعة الحرب (٤) فلعله وهم أن البيعة الأخيرة بيعة الحرب غير بيعة العقبة الثانية ، فهي الثالثة.

وابن اسحاق يروي الخبر الأوّل عن اللقاء الأوّل للنبيّ بالستة من الخزرج عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ قومه (٥) وخبر العقبة الاولى عن عبادة بن

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٠.

(٢) م. ن ٢ : ٧٣.

(٣) م. ن ٢ : ٨١.

(٤) م. ن ٢ : ٩٧.

(٥) م. ن ٢ : ٧٠.

٦٤٠