وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

والحصور : الذي لا يأتي النساء ، والذي لا يذيع السر ، والذي لا يخرج مع الندامى شيئا (١).

(أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ). (٤٠)

على التعجب لا التشكّك ، كأنه استعظم قدرة الله على نقض العادة.

وقيل : إنه سؤال حال تكون له معها الولد ، أيردّ إلى الشباب وامرأته ولود أم على حالها في العقم والكبر؟ فقال :

(كَذلِكَ).

على حالكما.

(رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً).

أي : علامة لوقت الحمل ، وذلك ليعجل السرور به ، فكانت العلامة أن منع كلام الناس ولم يمنع ذكر الله.

(إِلَّا رَمْزاً). (٤١)

الرمز : الإيماء الخفي.

(يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ). (٤٢)

وتكرير الاصطفاء لأنّ الأول الاصطفاء بالعبادة والولاية ، والثاني بولادة عيسى من غير أزواج وأمشاج.

__________________

(١) يقال : رجل حصور وحصير : إذا حبس رفده ولم يخرج ما يخرجه الندامى. وقال ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم : الحصور هو الذي يكف عن النساء ولا يقربهن مع القدرة ، وهذا أصح الأقوال لوجهين : أحدهما : أنّه مدح وثناء عليه ، والثناء إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلّة في الغالب. والثاني : أن صيغة فعول في اللغة من صيغ الفاعلين ، فالمعنى أنه يحصر نفسه عن الشهوات ، ولعلّ هذا كان شرعه. راجع تفسير القرطبي ٤ / ٧٨. ـ وقال أبو الحسن الحرالي : الحصور : هو من الحصر ، وهو المنع عمّا شأن الشيء أن يكون مستعملا فيه. راجع نظم الدرر ٤ / ١٦٦.

٢٤١

(وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ). (٤٤)

وإنما ألقوا الأقلام وضربوا عليها بالقداح تفاديا عنها وتدافعا لها. لأنّ السنين ألحت مثليهم (١) ، والأزمان بلغت منهم.

وقيل : بل ألقى الله عليها محبة منه فتنافسوا في كفايتها مقترعين ، فقرعهم زكريا.

(اسْمُهُ الْمَسِيحُ). (٤٥)

والمسيح من الأسماء المشتركة ، فالمسيح سبائك الذهب ، والمسيح ما دون الفود من الرأس ، والمسيح : الكثير الجماع ، والمسيح : المنديل الأخشن ، والمسيح : الذراع ، والمسيح : العرق ، والمسيح : الكذاب ، وبه سمي الدجال ؛ لأنه مسح البركة.

وقيل : إنه من المسيح بالدهن إذ كان في بني إسرائيل شرط القيام بالملك. وملك العالم ـ الذي هو النبوة ـ أولى بذلك.

وقيل : إنّ إيليا مسحه بالدهن فسمي مسيحا ، فهو على هذه الأقاويل فعيل بمعنى مفعول (٢) ، مثل : الصريع والجريح.

وقيل : إنه ما كان يمسح ذا عاهة إلا برأ ، فهو بمعنى الفاعل كالرحيم والعليم.

وقيل : إنه المصدّق ، أي : صدّقه الحواريون ، فهو فعيل بمعنى مفعل (٣) ، كالوكيل والركيل.

__________________

(١) يقال : لحت فلان عصاه إذا قشرها. وفي الحديث : [إنّ هذا الأمر لا يزال فيكم ، وأنتم ولاته ما لم تحدثوا أعمالا ، فإذا فعلتم كذا بعث الله عليكم شر خلقه فلحتوكم كما يلحت القضيب]. راجع اللسان : لحت ٢ / ٨٣.

(٢) انظر المدخل لعلم التفسير ص ٢٦٧.

(٣) انظر المدخل لعلم التفسير ص ٢٧٣.

٢٤٢

(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً). (٤٦)

وإخبار الملائكة بكلام عيسى كهلا ، على أنه يبلغ الكهولة. وهذا علم الغيب. وفيه أيضا ردّ على النصارى ؛ فإنّ من تختلف أحواله لا يكون إلها.

(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ) في موضع النصب بالعطف على وجيها. كأنه قيل : وجيها ومكلما في المهد وكهلا ، كما قال :

٢٤٠ ـ بات يعشّيها بعضب باتر

يقصد في أسؤقها وجائر (١)

أي : قاصد وجائر صفتان للباتر.

(وَرَسُولاً). (٤٩)

والزّجّاج يقول : إنّ (وَرَسُولاً) أيضا عطف على هذا الموضع (٢).

أي : يكلّمهم في المهد وكهلا ورسولا. وقال الأخفش : الواو زائدة. تقديره : ويعلمه الكتاب رسولا.

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ). (٥٢)

أي : مع الله. وإنما تستعمل الحروف بعضها مكان بعض بشريطة.

وهي تقارب الأفعال.

فإذا تقاربت وكان بعضها يتعدى بحرف ، وبعضها بحرف آخر ، فيوضع

__________________

(١) في المخطوطة «بنات» بدل «بات» و «يغشها» بدل «يعشّيها» وكلاهما تصحيف. والبيت في لسان العرب مادة عشا ١٥ / ٦٢ ؛ وأمالي ابن الشجري ٢ / ١٦٧ ؛ ومعاني القران للفراء ٢ / ١٩٨ ؛ والمساعد ٢ / ٤٧٧. ومعناه أنه أقام لها السيف مقام العشاء. ولم يعرف قائله.

(٢) قال الزجاج : ونصب : (وَرَسُولاً) على وجهين : أحدهما : ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل. والاختيار عندي ـ والله أعلم ـ ويكلّم الناس رسولا إلى بني إسرائيل ، والدليل على ذلك أنه قال : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ). انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ١ / ٤١٣.

٢٤٣

أحد الحرفين موضع صاحبهما ، وإلا فلا يجوز : سرت إلى زيد. وأنت تريد : معه (١).

ووجه المقاربة في الآية ما في الحرفين من معنى الإضافة والمصاحبة ، كأنه قيل : من ينضاف في نصرتي إلى الله؟ فهو مثل : من ينضاف في نصرتي مع الله؟ وكذلك معنى الإضافة في اللام حاصل.

(قالَ الْحَوارِيُّونَ).

وتخفيف الحواريين في بعض القراءات مشكل ؛ لامتناع كسرة الياء المكسورة ما قبلها. إلا أن يقال : إنّ أصل الياء في الحواريين مشددة ، وإنما خفّفت استثقالا لتضعيف الياء ، فكانت الحركة حالة التخفيف تنبيها على إرادة معنى التشديد وتصويرا له.

(وَمَكَرَ اللهُ). (٥٤)

على مزاوجة الكلام. أو على المعنى الذي استثنياه في ابتداء الكتاب في الصفات أنها لا تكون على التوهم اللفظي بحسب المبتدأ ، ولكنها بحسب المنتهى والتمام (٢).

فالمكر ابتداؤه منا : إرادة أن نوقع الممكور به في شره ، وتمامه : يكون بتدبير خفي لا يطّلع عليه ، فهو من الله التدبير الخفي في ضرب يناله المستحق على وجه لم يحتسبه.

__________________

(١) كأنّ المؤلف ههنا ينقل عن ابن جني مع بعض التصرف. قال ابن جني : اعلم أنّ الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر ، وكان أحدهما يتعدّى بحرف ، والآخر بحرف فإنّ العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانا بأنّ هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه. ثم قال : وكذلك قول الله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ، أي : مع الله ، وأنت لا تقول : سرت إلى زيد ، أي : معه ؛ لكنه إنما جاء (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) لمّا كان معناه : من يضاف في نصرتي إلى الله فجاز لذلك أن تأتي هنا «إلى». اه. راجع الخصائص ٢ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) انظر صفحة ٩٨.

٢٤٤

(إِنِّي مُتَوَفِّيكَ). (٥٥)

قابضك برفعك إلى السماء من غير موت (١). يقال : توفيت منه حقي : تسلمته.

وعن ابن عباس رضي الله عنه : أنّه توفاه وفاة الموت ، ثم أحياه ورفعه إلى سمائه ومحل كرامته. وإنما أضاف الرفع إليه جلّ وعزّ للتفخيم والتعظيم كقول إبراهيم : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي)(٢) ، وإنما ذهب من العراق إلى الشام.

(تَعالَوْا). (٦١)

أصله : تعاليوا ، فسقطت الياء تخفيفا وبقيت الواو علامة للجمع.

وقرأ الحسن مع جماعة (تَعالَوْا)(٣) إشارة إلى حركة الياء المحذوفة وإنما

__________________

(١) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) يعني : وفاة المنام. رفعه الله في منامه. قال الحسن : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لليهود : إنّ عيسى لم يمت ، وإنّه راجع إليكم قبل يوم القيامة. راجع الدر المنثور ٢ / ٢٢٥ ؛ وتفسير الطبري ٣ / ٢٨٩. ـ وأخرج ابن جرير بسند صحيح عن كعب قال : لمّا رأى عيسى قلّة من اتّبعه وكثرة من كذّبه ، شكا ذلك إلى الله ، فأوحى الله إليه : إني متوفيك ورافعك إليّ ، وإني سأبعثك على الأعور الدجال فتقتله ، ثم تعيش بعد ذلك أربعا وعشرين سنة ، ثمّ أميتك ميتة الحيّ. قال كعب : وذلك تصديق حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال : «كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها». ـ وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله : «إني متوفيك ورافعك». يعني : رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان. ـ وعن قتادة قال : هذا من المقدّم والمؤخّر. أي : رافعك إلي ومتوفيك. ويؤيد هذا أنّ الواو في اللغة لا تقتضي الترتيب. راجع الدر المنثور ٢ / ٢٢٥.

(٢) سورة الصافات : آية ٩٩.

(٣) وهي قراءة شاذة.

٢٤٥

يقال : تعالى في موضع تقدّم ؛ لأنّ التقدّم تعال ، والتأخر انخفاض ، ألا ترى أنّ قولك : قدّمته إلى الحاكم كقولك : ترافعنا إليه.

(نَبْتَهِلْ).

نخلص في الدعاء على الكاذب والمعاند. ويقال : نلتعن. يقال : بهلة الله أي : لعنته. وامتنع المحاجون عن المباهلة. وهم نصارى نجران (١).

(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ). (٦٢)

خبر إنّ : القصص ، و «لهو» عطف بيان. ويجيء في مثل هذا الموضع لتقرير المعنى.

والكوفيون يقولون لمثله : العماد ، ولا يرون له موضعا من الإعراب. وكذلك حكم هؤلاء في قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ)(٢).

وإنما دخلت من في قوله :

(وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ).

لأنها لابتداء الغاية ، فلمّا اتصلت بالنفي عمّت من ابتداء الغاية إلى انتهائها.

(وَجْهَ النَّهارِ). (٧٢)

أوله. قال الرّبيع بن زياد :

__________________

(١) أخرج الحاكم وصححه عن جابر أنّ وفد نجران أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ما تقول في عيسى؟ فقال : هو روح الله وكلمته ، وعبد الله ورسوله. قالوا له : هل لك أن نلاعنك أنّه ليس كذلك؟ قال : وذاك أحب إليكم؟ قالوا : نعم. قال : فإذا شئتم. فجاء وجمع ولده الحسن والحسين فقال رئيسهم : لا تلاعنوا هذا الرجل. فو الله لئن لاعنتموه ليخسفنّ بأحد الفريقين. فجاؤوا فقالوا : يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا ، وإنا نحب أن تعفينا ، قال : قد أعفيتكم ثم قال : إنّ العذاب قد أظلّ نجران. اه. راجع الدر المنثور ٢ / ١٣١ ؛ والمستدرك ٢ / ٥٩٤.

(٢) سورة آل عمران : آية ٦٦.

٢٤٦

٢٤١ ـ من كان مسرورا بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار

٢٤٢ ـ يجد النّساء حواسرا يندبنه

بالصّبح قبل تبلّج الأسحار (١)

(أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ). (٧٣)

يحتاج فيه إلى تقدير (لا) ، أي : إنّ هدى الله أيها المسلمون أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب وأن لا يحاجّوكم ، فتكون الجملة خبر : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ).

وهذا القول على تمام الكلام على حكاية قول اليهود : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ثمّ الابتداء بقوله :

(إِنَّ الْهُدى).

وفيه قول آخر للزجاج (٢) ، وهو أنّ الآية جميعها حكاية قول اليهود ؛ لقولهم : إنا والمسلمين على هدى فلا تؤمنوا لهم ؛ لئلا يصدقهم المشركون بسبب تصديقكم ، ويحاجوا من أنكر عليهم إيمانهم لهم بإيمانكم.

(لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ). (٧٥)

أي : لا سبيل علينا في الذي أصبنا من مال العرب (٣).

وقيل : إنها في أمانة أبى أن يردها بعض اليهود على صاحبها بعد ما أسلم ، وقال : إنّ في كتابنا أنّ مالكم يحلّ إذا بدّلتم دينكم. وعند نزولها قال

__________________

(١) البيتان للربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير. وذلك أنّ العرب كانت تندب قتلاها بعد إدراك الثأر. والبيتان في شرح الحماسة للتبريزي ٣ / ٢٦ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٣٧١ ؛ والأغاني ١٦ / ١٨ ؛ والأول في تفسير القرطبي ٤ / ١١.

(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه ١ / ٤٢٩.

(٣) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في هذه الآية قال : كانت تكون ديون لأصحاب محمد عليهم ، فقالوا : ليس علينا سبيل في أموال أصحاب محمد إن أمسكناها ، وهم أهل الكتاب أمروا أن يؤدّوا إلى كل مسلم عهده.

٢٤٧

عليه‌السلام : «كذب أعداء الله ، ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدميّ هاتين إلا الأمانة فهي مؤدّاة إلى البرّ والفاجر» (١).

العرب أميّون لأنهم لا يكتبون ، فكأنهم على ما ولدتهم أمهم.

وقيل : بأنه نسبة إلى مكانهم بأمّ القرى مكة.

(بَلى). (٧٦)

مكتفية بنفسها. وعليها وقف تام. كأنه : بلى عليهم سبيل (٢).

(يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ). (٧٨)

يحرّفونها بالتبديل والتغيير. وأصله : يحركونها. قال الفرزدق :

٢٤٣ ـ ولمّا بدا وادي القرى من أمامنا

وأشرق أقطار البلاد القوائم

٢٤٤ ـ لوى كلّ مشتاق من القوم رأسه

بمغرورقات كالشّنان الهزائم (٣)

(رَبَّانِيِّينَ). (٧٩)

ربانيون بالعلم. والرّبان : الذي يربّ الأمر ويدبره (٤). ربّ الشيء يربه فهو ربّان ، فغيّر لياء الإضافة كالبحراني واللحياني ، وكما قالوا في أمس : أمسيّ ، وفي حرم : حرميّ.

__________________

(١) الحديث أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. راجع الدر المنثور ٢ / ٢٤٤ ؛ وتفسير الطبري ٣ / ٣١٨ ، وفيه يعقوب القمي صدوق لكنه يهم.

(٢) قال الأشموني : «بلى» ليس بوقف : وقيل : وقف ؛ لأنّ بلى جواب للنفي السابق ، أي : بلى عليهم سبيل العذاب بكذبهم. راجع منار الهدى ص ٨٢.

(٣) في الديوان :

فلما حبا وادي القرى من ورائنا

وأشرفن أقتار الفجاج القواتم

والشنان : السحاب. والهزائم : الكثيرة الماء. راجع ديوان الفرزدق ٢ / ٣٠٨.

(٤) قال المبرد : الربانيون : أرباب العلم ، واحدهم ربّان. من قولهم : ربّه يربّه : إذا دبّره وأصلحه.

٢٤٨

وقد قرىء في بعض القراءات : «ربّيون» (١).

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ). (٨١)

بأن يأخذوا على قومهم تصديق محمد عليه‌السلام (٢).

(لَما آتَيْتُكُمْ).

قال المبرّد : هذه لام التحقيق دخلت على «ما» الجزاء. ومعناه : لمهما آتيتكم.

(مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ).

لام (لَتُؤْمِنُنَ) لام القسم ، مثل قولك : لزيد والله لتأتينّه.

وقيل : إنّ اللام الأولى للقسم. أي : والله لما آتيتكم. والثانية في (لَتُؤْمِنُنَ) جواب القسم على مثال قوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ)(٣).

ـ أي : والله إن قتلتم لمغفرة من الله.

ومن قرأ : (لَما آتَيْتُكُمْ)(٤) كان من أجل ما آتيتكم ؛ لأنّ من أوتي الكتاب أخذ عليه الميثاق بما فيه. وقيل : إنّ هذه اللام المكسورة بمعنى : بعد. أي : بعد ما آتيتكم ، كما تقول لثلاث خلون. قال النابغة :

__________________

(١) وهي قراءة شاذة قرأ بها الحسن. راجع الإتحاف ص ١٨٠.

(٢) أخرج ابن جرير ٣ / ٣٣٢ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لم يبعث الله نبيّا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه ، ويأمره فيأخذ العهد على قومه ، ثم تلا (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) الآية.

(٣) سورة آل عمران : آية ١٥٧.

(٤) وهي قراءة حمزة بكسر اللام وتخفيف الميم ، على أنها لام الجر متعلقة بأخذ ، و «ما» مصدرية. أي : لأجل إيتائي إيّاكم بعض الكتاب والحكمة. راجع الإتحاف ص ١٧٧.

٢٤٩

٢٤٥ ـ توهمت آيات لها فعرفتها

لستة أعوام وذا العام سابع (١)

وقال المثقّب :

٢٤٦ ـ لمن ظعن تطالع من ضبيب

فما خرجت من الوادي لحين (٢)

أي : بعد حين وإبطاء.

(وَلَهُ أَسْلَمَ). (٨٣)

استسلم وانقاد. قال الحسن : أهل السموات طوعا ، وأهل الأرض بعضهم طوعا وبعضهم كرها. إما من خوف في حالة الاختيار. أو لدى المعاينة عند الاضطرار.

الجزء الرّابع

(إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ). (٩٣)

سبب تحريم يعقوب عليه‌السلام لحوم الإبل على نفسه أنّها كانت أحبّ الطعام إليه. فنذر إن شفاه الله من عرق النسا أن يحرّم أحبّ الطعام إليه (٣).

ثم قيل : إنّ ذلك التحريم كان بإذن الله ، إذ التحريم والتحليل إلى الله.

__________________

(١) البيت في تفسير القرطبي ٤ / ١٢٦ ؛ ومجاز القرآن ١ / ٣٣ ؛ وكتاب سيبويه ١ / ٢٦٠ ؛ وشرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ٤٦ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٥٣ ؛ وشرح مقامات الحريري ١ / ٧١ ؛ وديوانه ص ٧٩.

(٢) البيت في ديوان المثقب ص ١٤٢ ؛ وضبيب : اسم موضع ، ويروى [تطلّع] بدل [تطالع] ؛ والمفضليات ص ٢٨٨ ؛ وأمالي اليزيدي ص ١١١.

(٣) أخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : جاء اليهود فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال : كان يسكن البدو ، فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يدوايه إلا لحوم الإبل ، فلذلك حرّمها ، قالوا : صدقت.

٢٥٠

وقيل : كان بالاجتهاد ؛ لإضافة التحريم إليه. والاجتهاد للأنبياء جائز.

وكذلك تحريم الحلال غير جائز في شريعتنا ، وموجبه لكفّارة اليمين ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ)(١).

وكذلك يجوز أنّ يعقوب عليه‌السلام توهّم في لحوم الإبل زيادة العلة عليه ، فحرّمها على نفسه بواحدة قطعا للشهوة ، وتصميما للعزيمة.

(بِبَكَّةَ). (٩٦)

بكة : مكة ، عن مجاهد. وموضع البيت. عن إبراهيم. وبطن مكة عن أبي عبيدة (٢).

وهي : من التباك. أي : الازدحام. وقيل : لأنها تبك أعناق الجبابرة. ما قالت الأعرابية في الجاهلية :

٢٤٧ ـ أبنيّ لا تظلم بمكّ

ة لا الصغير ولا الكبير

٢٤٨ ـ أبنيّ من يظلم ببك

ة يلق أطراف الشرور (٣)

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ). (٩٧)

من اجتماع الغزلان والذؤبان ، حتى إذا خرجت من الحرم عاد الذئب إلى الصّياد ، والغزال إلى النّفار ، ومن إهلاك من عتا فيه ، ومن قصة أصحاب الفيل ، ومن انجمار أثر الجمار مع طول مدة الرمي وكثرته (٤) ، ومن امتناع

__________________

(١) سورة التحريم : آية ١.

(٢) انظر مجاز القرآن ١ / ٩٦.

(٣) البيتان لسبيعة بنت الأحبّ تخاطب ابنا لها يقال له خالد ، تعظّم عليه حرمة مكة ، وتنهاه عن البغي فيها ، وراجع بقية الأبيات لها في الروض الأنف ١ / ٤١.

(٤) ذكر الأزرقي عن ابن خيثم أنه سأل أبا الطفيل عن هذه الجمار ترمى في الجاهلية والإسلام ، كيف لا تكون هضابا تسد الطريق؟ قال : سألت عنها ابن عباس فقال : إنّ الله تعالى وكلّ بها ملكا ، فما تقبّل منها رفع ، وما لم يتقبل منها ترك. وقال ابن عمر : والله ما قبل من امرىء حجّه إلا رفع حصاه. راجع تحفة الراكع الساجد ص ٩٣ ـ ٩٤.

٢٥١

الطير من الوقوع على البيت (١) ، وإذا عامت في أيام الباكور ناحية الركن اليماني سقيت اليمن ذلك العام ، وإن عامت الشامي سقيت الشامي ، وإذا عمّ البيت سقي البلاد. إلى غير ذلك من بئر زمزم ، وأثر قدمي إبراهيم في المقام (٢).

(شُهَداءُ). (٩٩)

عقلاء. كقوله تعالى : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٣).

(تَبْغُونَها عِوَجاً).

تبغون لها عوجا كقوله تعالى : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ)(٤) فالعوج في القول والعمل والأرض ، والعوج في الحيطان والسواري.

(وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (١٠٢)

مستسلمون لأمر الله ورسوله.

(شَفا حُفْرَةٍ). (١٠٣)

شفيرها وحرفها.

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ). (١١٠)

أي : يتسامعه الأمم من تواتر البشارة بكم (٥).

__________________

(١) ذكر مكيّ وغيره أنّ الطير لا تعلوه ، وإن علا طائر فإنما ذلك لمرض به يستشفي بالبيت. وقال ابن عطية : وهذا عندي ضعيف. راجع تحفة الراكع الساجد ص ١٢٠.

(٢) قال مجاهد : أثر قدميه في المقام آية بينة ، وانظر ثمار القلوب ص ١٧.

(٣) سورة ق : آية ٣٧.

(٤) سورة التوبة : آية ٤٧.

(٥) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : قال عمر بن الخطاب : لو شاء الله لقال : أنتم ، فكنّا كلنا ، ولكن قال : (كُنْتُمْ) في خاصة أصحاب محمد ، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس. راجع الدر المنثور ٢ / ٢٩٣ ، وتفسير الطبري ٤ / ٤٣.

٢٥٢

قيل : إنّ (كان) هذه تامة. أي : حدثتم خير أمة. وقيل : إنّ (كُنْتُمْ) و «أنتم» سواء ، ودخول «كان» وخروجها بمنزلة «ألا». يفيد من تأكيد وقوع الأمر بمنزلة ما قد كان في الحقيقة.

(إِلَّا أَذىً). (١١١)

إلا كلاما مؤذيا. (بِحَبْلٍ) بعهد.

(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ). (١١٣)

لمّا أسلم عبد الله بن سلام وجماعة معه قالوا : لم يسلم إلا شرارنا (١). والضمير في (لَيْسُوا) يعود على أهل الكتاب ؛ لتقدم ذكرهم.

وعن أبي عبيدة إنّه على «أكلوني البراغيث» (٢).

(فَلَنْ يُكْفَرُوهُ). (١١٥)

لا يستر عنكم ثوابه. سمي منع الثواب على المجاز كفرا. كما سمي ثواب الله شكرا فقيل : الله شاكر.

(صِرٌّ). (١١٧)

__________________

(١) أخرج ابن إسحق والطبراني والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس : لمّا أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم ، فآمنوا وصدّقوا رغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دينهم وذهبوا إلى غيره ، فأنزل الله في ذلك : (لَيْسُوا سَواءً) إلى قوله : (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ). راجع الدر المنثور ٢ / ٢٩٦ ؛ وتفسير الطبري ٤ / ٣٥.

(٢) أي : ارتفاع «أمة» ب «ليسوا» ، وقال النحاس : وهذا غلط لأنه قد تقدّم ذكرهم. و «أكلوني البراغيث» لم يتقدم لهن ذكر ، وقال : تمّ الكلام على «ليسوا سواء» و : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ) ابتداء. راجع إعراب القرآن ١ / ٣٥٨ ؛ ومجاز القرآن ١ / ١٠٢.

٢٥٣

صوت ريح باردة ، من الصرير (١). قال حاتم طي :

٢٤٩ ـ الليل يا واقد ليل قرّ

والرّيح يا واقد ريح صرّ

٢٥٠ ـ أوقد ير نارك من يمّر

إن جلبت ضيفا فأنت حرّ (٢)

(بِطانَةً). (١١٨)

دخلاء يستبطنون أمر الرجل.

(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً).

لا يقصرون في أموركم شرا وفسادا. وقيل : نقصانا واضطرابا. ومنه يقال للمضطرب : مخبل ، ويقال : دماء وخبول (٣) ، فالخبول : ما دون النفس ؛ لاضطراب هيئة البنية عند ذهاب أطرافه.

قال الزجاج في «عروضه» : ومنه المستفعلن. إذا حذف سينه وفاؤه ، فنقل إلى : متعلن مخبون.

(ها أَنْتُمْ أُولاءِ). (١١٩)

تنبيه ، وأولاء : خطاب للمنافقين ، ليظهر فائدة التكرير.

(لا يَضُرُّكُمْ). (١٢٠)

__________________

(١) أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : فِيها صِرٌّ؟ قال : برد قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :

لا يبرحون إذا ما الأرض جلّلها

صرّ الشتاء من الإمحال كالأدم

(٢) البيتان ذكرهما الزمخشري في ربيع الأبرار ، ونسبهما لأعرابي. راجع ربيع الأبرار ١ / ١٧٩ ، وهما كما قال المؤلف لحاتم الطائي ، وهما في ديوانه ص ٢٧٠ ؛ والعقد الفريد ١ / ١٩٧.

(٣) قال ابن منظور : ويقال : لنا في بني فلان دماء وخبول ، فالخبول قطع الأيدي والأرجل. راجع اللسان ١١ / ١٩٧.

٢٥٤

جواب شرط حذف فاؤه لدلالة الكلام عليها ، وقيل : إنه كان لا يضرركم مجزوما بجواب الشرط ، فأدغمت الراء في الراء ، ونقلت ضمة الأولى إلى الضاد ، وضمت الراء الأخيرة أيضا لضمة الضاد كما قالوا في امدد مدّ بالضم.

(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ). (١٢١)

في يوم أحد ، عن ابن عباس.

(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ). (١٢٢)

هما بنو سلمة وبنو حارثة ، حيّان من الأنصار (١).

(وَاللهُ وَلِيُّهُما).

أي : كيف يفشل من الله وليّه؟!

(مِنْ فَوْرِهِمْ). (١٢٥)

من وجههم (٢) ، وقيل : من غضبهم (٣) ، تشبيها لاضطراب الغضبان وثورانه بفوران القدر.

(مُسَوِّمِينَ).

أي : أرسلوا إلى الكفار كالسائمة في الرعي ، وقيل : إنّه من السومة.

__________________

(١) أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله ، قال : فينا نزلت. في بني حارثة وبني سلمة (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا). وما يسرّني أنها لم تنزل لقول الله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) ، انظر فتح الباري ٨ / ٢٢٥ ، ومسلم ٢٥٠٥.

(٢) وهو قول عكرمة رواه عنه ابن جرير وعبد بن حميد ، انظر تفسير الطبري ٤ / ٨١.

(٣) وهو قول مجاهد ، رواه عنه ابن جرير وعبد بن حميد أيضا. انظر تفسير الطبري ٤ / ٨١.

٢٥٥

أي : سوّموا وأعلموا ، وكانت سومتهم عمائم بيض (١) ، وسومة خيلهم الأصواف الخضر في نواصيها.

(إِلَّا بُشْرى لَكُمْ). (١٢٦)

أي : دلالة على أنكم على الحق.

(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا). (١٢٧)

في يوم بدر ، قتلت صناديد الكفر وقادة الضلال.

(أَوْ يَكْبِتَهُمْ).

يخزيهم. وقيل : يصرعهم على وجوههم.

(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ). (١٢٨)

حتى يتوب عليهم ، أو : إلا أن يتوب عليهم. والأحسن أنه عطف على (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) ، ليبقى اللفظ على وضعه ، ثم يكون : «ليس لك من الأمر شيء» اعتراضا.

(أَضْعافاً مُضاعَفَةً). (١٣٠)

كلما جاء أجله أجّلوه ثانيا ، وزادوا على الأصل (٢) ، والفضل ربا.

__________________

(١) أخرج ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا ، قد أرسلوها في ظهورهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحق قال : إنّ أول ما كان الصوف ليوم بدر قال رسول الله : تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت فهو أول يوم وضع الصوف. ـ وأخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : مُسَوِّمِينَ؟ قال : الملائكة عليهم عمائم بيض مسومة ، فتلك سيما الملائكة. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :

ولقد حميت الخيل تحمل شكّة

جرداء صافية الأديم مسوّمه

(٢) أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال : كانت ثقيف تداين بني المغيرة في الجاهلية ، فإذا حلّ الأجل قالوا : نزيدكم وتؤخرون عنا ، فنزلت : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً). انظر الدر المنثور ٣ / ٣١٠ ، وتفسير الطبري ٤ / ٩٠.

٢٥٦

(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ). (١٣٣)

أي : إذا بسط وضم بعضها إلى بعض.

وقيل للنبي عليه الصلاة والسّلام : إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟

فقال : سبحان الله! إذا جاء النهار فأين الليل؟ (١).

وتعسّف ابن بحر في تأويلها فقال : عرضها : ثمنها لو جاز بيعها ، من المعاوضة ، في عقود البياعات.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ). (١٣٤)

خصّهما بالذكر ؛ لأنّهما داعيتا البخل ، وحب المال يكون في حالتين : عند كثرته منافسة فيه. أو عند قلّته حاجة إليه. الأول مثل قول الشاعر :

٢٥١ ـ إذ البقل في أصلاب شول ابن مسهر

نما لم يزدها البقل إلا تكرّما

٢٥٢ ـ إذا أخذت شول البخيل رماحها

دحا برماح الشّول حتّى تحطّما (٢)

والثاني في مثل قول أبي محجن :

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن جرير ٤ / ٩٢ عن التنوخي رسول هرقل قال : قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب هرقل وفيه : إنك كتبت تدعوني إلى (جنّة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتّقين) فأين النّار؟ فقال رسول الله : سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار؟ وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : أرأيت قوله : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فأين النار؟ قال : أرأيت الليل إذا لبس كلّ شيء فأين النهار؟ قال : حيث شاء الله قال : فكذلك حيث شاء الله». انظر الدر المنثور ٣ / ٣١٥ ؛ والمستدرك ١ / ٣٦.

(٢) البيتان في أمالي المرتضى ٢ / ١١٨ من غير نسبة.

٢٥٧

٢٥٣ ـ لا تسألي القوم عن مالي وكثرته

وسائلي القوم عن ديني وعن خلقي

٢٥٤ ـ فقد أجود وما مالي بذي فنغ

وأكتم السرّ فيه ضربة العنق (١)

وإنما قال :

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). (١٣٩)

وهم مؤمنون ، ليعلم أنّ من صدق الإيمان ألا يهن المؤمن ولا يحزن لثقته بالله.

(قَرْحٌ). (١٤٠)

بالفتح : جراح ، وبالضم (٢) : ألم الجراح. وقيل : إنّ الفتح مصدر ، والضم اسم.

(نُداوِلُها).

نصرفها بتخفيف المحنة وتشديدها ، ولم يرد مداولة النصر بين المؤمنين والكافرين ، لأنّه لو نصر الكافرين لكان أحبّهم.

وإنما لم تكن الأيام أبدا لأولياء الله ؛ لأنّه أدعى إلى احتقار الدنيا الفانية الغير وافية بالعبد منه ليعرف نعمة الظفر وحسن العاقبة.

(وَلِيُمَحِّصَ). (١٤١)

يخلص ويصفّي من الذنوب ، من محصت الماشية تمحص محصا : إذا امّلصت وذهب وبرها (٣).

__________________

(١) البيتان في الشعر والشعراء ص ٢٧٣ ؛ لكن الثاني :

قد أركب الهول مسدولا عساكره

وأكتم السر فيه ضربة العنق

وقد أجود وما مالي بذي فنغ

وقد أكرّ وراء المحجر البرق

وخزانة الأدب ٨ / ٤١٠ ، والفنغ : الكثرة. راجع عيون الأخبار ١ / ٣٨ ؛ والأغاني ٢١ / ١٤٢.

(٢) قرأ بالضم شعبة وحمزة والكسائي وخلف ، والباقون بالفتح. الإتحاف ص ١٧٩.

(٣) قال الخليل : يقال : محص الحبل يمحص محصا : إذا انقطع وبره. وفي اللسان : انملص الشيء : أفلت ، وتدغم النون في الميم.

٢٥٨

ولما كان محص الذنوب كمحق النفوس في النفاد والذهاب تطابقا في الذكر وتوازنا.

(وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ). (١٤٢)

معناه : حدوث معلوم لا حدوث علم.

(وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).

نصب «ويعلم» على الصرف عن العطف ؛ إذ ليس المعنى نفي الثاني حتى يكون عطفا على نفي الأول ، وإنما هو على منع اجتماع الثاني والأول كما في قول المتوكل الليثي :

٢٥٥ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

٢٥٦ ـ وأقم لمن صافيت وجها واحدا

وخليقة إنّ الكريم قؤوم (١)

(تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ). (١٤٣)

غاب رجال عن بدر فتمنوا الشهادة ، ثم تولوا في أحد (٢).

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ). (١٤٤)

أشيع موته عليه‌السلام يوم أحد ، وقالوا : لو كان نبيا ما مات.

(وَكَأَيِّنْ). (١٤٦)

__________________

(١) البيتان قيل : للمتوكل الليثي ، وقيل : لأبي الأسود الديلي. والأول في ديوان المتوكل ص ٢٨٤ ولم يذكر فيه الثاني. وهو كذلك في ديوان أبي الأسود ، وذكر القصيدة كلها ، ولم يذكر البيت الثاني فيها. راجع ديوانه ص ١٢٨. والبيتان في الحماسة البصرية مع أبيات أخر ٢ / ١٥.

(٢) أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : غاب رجال عن بدر ، فكانوا يتمنون مثل بدر أن يلقوه فيصيبوا من الأجر والخير ما أصاب أهل بدل ، فلمّا كان يوم أحد ولّى من ولّى فعاتبهم الله على ذلك. انظر تفسير ابن جرير ٤ / ١٠٩ ، والدر المنثور ٢ / ٣٣٤.

٢٥٩

فيها أربع لغات : كأيّن (١). وكائن (٢) بوزن كاعن. وكأين ، الهمزة بعد الكاف كعين ، وكئن في وزن كعن (٣).

وأصل كلمة «كأيّن» في معنى كم ، وزعم يونس في «كائن» ، إلى أنه فاعل من الكون. ولو كان كذلك لأعرب.

(قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ). (١٤٦)

في موضع الجر على الوصف لنبيّ ، أو موضع النصب على الحال.

والربّيون : العلماء الصّبر ، عن الحسن. وقال يونس وقطرب : هم جماعات في فرق (٤).

(تَحُسُّونَهُمْ) تستأصلونهم قتلا (٥).

(وَعَصَيْتُمْ). (١٥٢)

إذ أخلت الرماة الموضع الذي وصّاهم النبي عليه‌السلام.

(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا).

__________________

(١) وهي قراءة جميع القراء ما عدا ابن كثير وأبا جعفر.

(٢) وبها قرأ ابن كثير وأبو جعفر.

(٣) وبها قرأ ابن محيصن والحسن ، وهي قراءة شاذة غير متواترة.

(٤) أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء ، والطستي في مسائله عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله : «ربيون»؟ قال : جموع. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول حسان :

وإذا معشر تجافوا القصد

أملنا عليهم ربيا

(٥) أخرج الطبراني عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ)؟ قال : تقتلونهم ، قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : نعم ، أما سمعت قول عتبة الليثي :

نحسّهم بالبيض حتى كأننا

نفلق منهم بالجماجم حنظلا

٢٦٠